المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قبول فاسق التأويل - ثمرات النظر في علم الأثر

[الصنعاني]

الفصل: ‌قبول فاسق التأويل

فَإِن قلت يلْزم على هَذَا قبُول خبر الْكَافِر وَالْفَاسِق الصَّرِيح أَيْضا إِذا حصل الظَّن لوُجُود الْعلَّة

قلت منع مِنْهُ الْإِجْمَاع فخصص الْعلَّة

‌قبُول فَاسق التَّأْوِيل

وَاعْلَم أَنه قد اسْتدلَّ فِي العواصم على قبُول خبر فَاسق التَّأْوِيل بِحَدِيث أَنه قبل الْأَعرَابِي الَّذِي شهد بِرُؤْيَة هِلَال رَمَضَان فَقَالَ لَهُ (أَتَشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ نعم قَالَ يَا بِلَال أذن فِي النَّاس أَن يَصُومُوا غَدا) أَو بِنَحْوِهِ من الْأَدِلَّة إِلَّا أَن فِي استدلاله بذلك بحثا لِأَنَّهُ

ص: 65

بناه على أَن عَدَالَة أهل ذَلِك الْعَصْر كَانَت غير منوطة بِإِسْلَامِهِمْ وَهُوَ قَائِل بِخِلَافِهِ لذهابه إِلَى أَن أهل ذَلِك الْعَصْر كَانَت الْعَدَالَة مِنْهُم منوطة بِالْإِسْلَامِ وَالْقِيَام بأركانه وَاجْتنَاب معاصي الْخَوَارِج كَمَا نَقله عَن أبي طَالب وَاخْتَارَهُ فَهَذَا لَا يتم بِهِ الِاسْتِدْلَال على قبُول قَول المبتدعين إِذْ قد بني على عَدَالَة أهل ذَلِك الْعَصْر

ص: 67

النَّبَوِيّ إِلَّا من ظهر مِنْهُ مَا يخرج بِهِ

الْكَلَام الْآن مَعَه على من تحقق جرح عَدَالَته وَأَنه إِنَّمَا قبل لحُصُول الظَّن بِخَبَرِهِ

وَكَذَلِكَ استدلاله بِخَبَر الْأمة السَّوْدَاء الَّتِي سَأَلَهَا صلى الله عليه وسلم (هَل هِيَ مُؤمنَة فَأَشَارَتْ أَن الله رَبهَا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم هِيَ مُؤمنَة)

ص: 68

وَكَذَلِكَ ذكره الحَدِيث (إِن ابْني هَذَا سيد وَيصْلح الله بِهِ بَين طائفتين عظيمتين من الْمُسلمين)

قَالَ فِي الأول هَذَا دَلِيل على قبُول كل من آمن بِاللَّه وَرَسُوله من أهل الْإِسْلَام مَا لم يثبت فِيهِ فعل مَا يجرح بِهِ وَقَالَ فِي الثَّانِي فسماهم مُسلمين وَالْمُسلم مَقْبُول مَا لم يظْهر جرحه فَإِنَّهُ يُقَال هَذَا يَقْتَضِي أَنَّك تُرِيدُ أَن من أسلم وآمن من أهل ذَلِك الْعَصْر

ص: 69

فَإِنَّهُ عدل وَهُوَ الظَّاهِر من كَلَامه وَهَذَا غير مَحل النزاع إِذْ الْكَلَام مَعَ من يرد فساق التَّأْوِيل والمبتدعة

لَا يُقَال لَعَلَّ صَاحب العواصم يخْتَار فِي رسم الْعَدَالَة غير مَا يختاره الْجُمْهُور وَأَنه من ثَبت إِسْلَامه ثبتَتْ عَدَالَته من أهل ذَلِك الْعَصْر وَغَيره لأَنا نقُول هَذَا مُسلم فِي أَنه اخْتَارَهُ لَكِن فِي حق الصَّحَابَة وَأهل الْعَصْر النَّبَوِيّ إِذْ الظَّاهِر فيهم الْعَدَالَة كَمَا سبق نقل اخْتِيَاره لَهُ وَبِه قَالَ المحدثون وَأهل الْأَثر وَأما فِي حق غَيرهم فَغير مُسلم

وَجعله ظن الصدْق عِلّة فِي قبُول الرِّوَايَة دَلِيل على أَنه لَا يرى ذَلِك وَإِلَّا لما افْتقر إِلَى إِقَامَة الْأَدِلَّة على ذَلِك ولكان أحْوج على إِقَامَة الدَّلِيل على هَذَا الأَصْل الْكَبِير وَلِأَنَّهُ صرح أَن ظَاهر الْعلمَاء الْعَدَالَة مَا لم يظْهر مَا يجرحهم وينفي الْعلم بِالظَّاهِرِ وَجعل هَذَا القَوْل الْمُخْتَار الْقوي حَيْثُ قَالَ الْمُخْتَار الْقوي مَا ذهب إِلَيْهِ

ص: 70

أَبُو عمر بن عبد الْبر وَأَبُو عبد الله بن الْمواق وَهُوَ أَن كل حَامِل علم مَعْرُوف بِالْعَدَالَةِ فَإِنَّهُ مَقْبُول فِي علمه مَحْمُول أبدا على السَّلامَة حَتَّى يظْهر مَا يجرحه وَذكر أَدِلَّة هَذَا القَوْل وَهَذَا ظَاهر فِي أَنه يرى رَأْي الْجُمْهُور فِي أَن الأَصْل الْفسق وَلذَا عين هَذِه الطَّائِفَة بِالْعَدَالَةِ وسرد أَدِلَّة ذَلِك هُنَالك إِلَّا أَنه يخْتَار فِي الصَّحَابَة وَأهل الْعَصْر النَّبَوِيّ أَن الظَّاهِر فيهم الْعَدَالَة مَا نَقله هُوَ عَن الشَّافِعِي رضي الله عنه فَإِنَّهُ قَالَ مَتى سلم أَن الْعَدَالَة هِيَ ترك جَمِيع الذُّنُوب والمعاصي عز وجودهَا فِي جَمِيع الْمَوَاضِع الَّتِي يشْتَرط فِيهَا كعقد النِّكَاح وَالطَّلَاق على السّنة وَعقد الْبيُوع والعقود وَالْحُدُود وَقد دلّ الشَّرْع على مَا تبين أَن الْعَدَالَة مرتبَة دون هَذِه الْمرتبَة

وَقد حسن ابْن كثير حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا (من طلب قَضَاء الْمُسلمين حَتَّى يَنَالهُ ثمَّ غلب عدله جوره فَلهُ الْجنَّة وَمن غلب جوره عدله فَلهُ النَّار) وَمن ذَلِك مَا ورد فِي الحَدِيث

ص: 71