المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وجوب قبولهم لم نقبلهم دعاة كَانُوا أَو غير دعاة وَإِن - ثمرات النظر في علم الأثر

[الصنعاني]

الفصل: وجوب قبولهم لم نقبلهم دعاة كَانُوا أَو غير دعاة وَإِن

وجوب قبولهم لم نقبلهم دعاة كَانُوا أَو غير دعاة وَإِن دلّ على وجوب الْقبُول لم يصلح مَا أوردهُ مَانِعا من امْتِثَال الْأَمر وَلَا مسْقطًا انْتهى

فَعلمت من هَذَا كُله قبُول من لم يتهم بِالْكَذِبِ وَعدم شَرْطِيَّة الْعَدَالَة بِالْمَعْنَى الَّذِي أرادوه وَهُوَ أَنه لَا يرد من المبتدعة إِلَّا من أجَاز الْكَذِب لنصرة مذْهبه كالخطابية

‌جلالة الصَّحَابَة

وَاعْلَم أَنَّهَا سبقت إِشَارَة إِلَى شَأْن الصَّحَابَة رضي الله عنهم عِنْد ذكرنَا أهل الْعَصْر النَّبَوِيّ فَهُوَ أَعم من أَصْحَابه وَأما الصَّحَابَة رضي الله عنهم فَلهم شَأْن جليل وشأو نبيل ومقام رفيع وحجاب منيع فارقوا فِي دين الله أهلهم وأوطانهم وعشائرهم وإخوانهم وأنصارهم وأعوانهم وهم الَّذين أثنى الله جل جلاله عَلَيْهِم فِي كِتَابه وأودع ثناءهم شرِيف كَلَامه وخطابه

ص: 105

وَفِيهِمْ الممادح النَّبَوِيَّة وَالْأَخْبَار الرسولية بِأَنَّهُ لَا يبلغ أحد مد أحدهم وَلَا نصيفه وَلَو أنْفق مثل أحد ذَهَبا

إِلَّا أَن تَفْسِير الصَّحَابِيّ بِمن لقِيه صلى الله عليه وسلم أَبُو بِمن رَآهُ وتنزيل تِلْكَ الممادح عَلَيْهِ فِيهِ بعد يأباه الْإِنْصَاف وَلَا يُقَال لرعية الْملك أَصْحَاب الْملك وَإِن رَأَوْهُ ورآهم ولقوه ولقيهم بل أَصْحَابه من لَهُم بِهِ اخْتِصَاص وهم طَبَقَات فِي ذَلِك مُتَفَاوِتَة نعم هَذَا

ص: 106

اللَّفْظ الَّذِي هُوَ لفظ الصاحب فِيهِ توسع فِي اللُّغَة كثير يُطلق على من لابس أَي شَيْء وَلَو من الجمادات {يَا صَاحِبي السجْن} {أَصْحَاب الْجنَّة} و {أَصْحَاب النَّار} وعَلى من لَيْسَ على مِلَّة من أضيف إِلَيْهِ {قَالَ لَهُ صَاحبه وَهُوَ يحاوره أكفرت} وَبِالْجُمْلَةِ فاللفظ متسع نطاق إِطْلَاقه غير مُقَيّد بِشَيْء يَخُصُّهُ

ص: 107

إِلَّا أَن الْفَرد الْكَامِل عِنْد إِطْلَاقه على الملازم لمن أضيف إِلَيْهِ وَإِن أطلق على من رَآهُ أَو لقِيه فَإِنَّهُ أقل من الأول قطعا اسْتِعْمَالا وتبادرا حَال الْإِطْلَاق وَلَيْسَ كل من رأى من أضيف إِلَيْهِ يصلح إِطْلَاقه عَلَيْهِ فَإِن أهل الْجنَّة يرَوْنَ النَّار وَأَهْلهَا {وَإِذا صرفت أَبْصَارهم تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار} {فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم} وَلَا يُقَال لَهُم أَصْحَاب النَّار

وَلم يدر الْإِطْلَاق على الرُّؤْيَة كَمَا دَار على الْمُلَازمَة فَإِنَّهُ يُطلق على من لم يره المصاحب وَلَا لاقاه كَمَا يُقَال قتل من أَصْحَاب الْملك فِي المعركة الْفُلَانِيَّة كَذَا وَمن أَصْحَاب عدوه كَذَا وَلَعَلَّ فِيمَن قتل من لم يلق الْملك وَلَا رَآهُ بل يُقَال لمن فِي مصر مثلا أَصْحَاب السُّلْطَان وَمَا رَآهُمْ وَلَا رَأَوْهُ لما كَانُوا ينتسبون إِلَيْهِ فِي أَي أَمر

وَإِذا تقرر هَذَا فَهُوَ وَإِن صَحَّ الْإِطْلَاق على من لاقاه صلى الله عليه وسلم وَلَو لَحْظَة من ليل أَو نَهَار إِلَّا أَن الممادح القرآنية وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة وَالصِّفَات الشَّرِيفَة الْعلية الَّتِي كَانَت هِيَ الدَّلِيل على عدالتهم وعلو

ص: 108

مَنْزِلَتهمْ ورفعة مكانهم تخص الَّذين صحبوه صُحْبَة مُحَققَة ولازموه مُلَازمَة ظَاهِرَة الَّذين قَالَ الله تَعَالَى فيهم {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم تراهم ركعا سجدا يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود}

فَهَذِهِ الصِّفَات إِمَّا كاشفة أَو مُقَيّدَة وعَلى كل تَقْدِير فَلَيْسَ كل من رَآهُ لَهُ هَذِه الصِّفَات ضَرُورَة وَكَذَلِكَ الصِّفَات الَّتِي بعْدهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمثلهمْ فِي الْإِنْجِيل}

نعم لمن رَآهُ مُؤمنا بِهِ ولاقاه واكتحل بأنوار محياه شرف لَا يجهل وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم (طُوبَى لمن رَآنِي وَلمن رأى من رَآنِي طُوبَى لَهُم وَحسن مآب) أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَفِيه بَقِيَّة إِلَّا أَنه صرح

ص: 109

بِالسَّمَاعِ فَزَالَ مَا يخَاف من تدليسه كَمَا قَالَه الهيثمي

إِلَّا أَنه قَالَ لَا يبلغ إِلَى مَحل من لاقاه ولازمه فِي صباحه ومساه ولازمه فِي حلّه وأرحاله وَتَابعه فِي جَمِيع أَفعاله وأقواله وَاسْتمرّ على طَرِيقَته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا بعد وَفَاته فَهَؤُلَاءِ هم أَعْيَان الصَّحَابَة وهم أَعنِي

هَؤُلَاءِ أُمَم لَا يُحصونَ أهل بدر وَأحد وَالْحُدَيْبِيَة وبيعة الرضْوَان

ص: 110

والمحدثون وَإِن أطْلقُوا أَن كل الصَّحَابَة عدُول فقد ذكرُوا قبائح لجَماعَة لَهُم رُؤْيَة تخرجهم عَن عُمُوم دَعْوَى الْعَدَالَة كَمَا قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي النبلاء فِي مَرْوَان بن الحكم لَعنه الله مَا لَفظه بعد سِيَاق طرف من أَحْوَاله وَحضر الْوَقْعَة يَوْم الْجمل وَقتل طَلْحَة وَنَجَا وليته مَا نجا انْتهى

وَفِي الْمِيزَان مَرْوَان بن الحكم لَهُ أَعمال موبقة نسْأَل الله السَّلامَة رمى طَلْحَة بِسَهْم وَفعل وَفعل

فَهَذَا تَصْرِيح بِفِسْقِهِ وَقَالَ فِي تَرْجَمَة طَلْحَة من النبلاء إِن مَرْوَان بن الحكم قَاتل طَلْحَة ثمَّ قَالَ قَاتل طَلْحَة فِي الْوزر كقاتل عَليّ رضي الله عنه

وَقَالَ ابْن حزم فِي أَسمَاء الْخُلَفَاء وَالْأَئِمَّة أَن مَرْوَان

ص: 111

ابْن الحكم أول من شقّ عَصا الْمُسلمين بِلَا شُبْهَة وَلَا تَأْوِيل وَذكر أَنه قتل النُّعْمَان بن بشير أول مَوْلُود فِي الْإِسْلَام للْأَنْصَار صَاحب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَذكر أَنه خرج على ابْن الزبير بعد أَن بَايعه على الطَّاعَة

وَقَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عائذا بِاللَّه أَن يحْتَج بِمَرْوَان وَذَوِيهِ فِي شَيْء من كتبنَا وكل من أَئِمَّة الحَدِيث تكلم بِمَا هُوَ وَقع مِنْهُ

وَالْعجب من الْحَافِظ ابْن حجر حَيْثُ قَالَ مَرْوَان بن الحكم يُقَال لَهُ رُؤْيَة فَإِن ثبتَتْ فَلَا يعرج على من تكلم فِيهِ ثمَّ قَالَ فَأَما قتل طَلْحَة فَكَانَ فِيهِ متأولا كَمَا قَرَّرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيره

ثمَّ قَالَ إِنَّمَا حمل عَنهُ من روى عَنهُ البُخَارِيّ عَن مَرْوَان أَنه قبل خُرُوجه على ابْن الزبير ثمَّ قَالَ وَقد اعْتمد مَالك على حَدِيثه ورأيه وَالْبَاقُونَ سوى مُسلم انْتهى

فَقَوله إِن ثبتَتْ لَهُ رُؤْيَة فَلَا يعرج على من تكلم فِيهِ

هُوَ مَحل

ص: 112

التَّعَجُّب كَادَت الرُّؤْيَة تجَاوز حد الْعِصْمَة وَأَن لَا يخرج من ثبتَتْ لَهُ بقتل نفس معصومة وَلَا غَيرهَا من الموبقات وَكَلَام الذَّهَبِيّ فِيهِ هُوَ الْإِنْصَاف دون كَلَام الْحَافِظ وَلَو اقْتصر فِي الْعذر لرِوَايَة البُخَارِيّ وَغَيره عَنهُ بِمَا نَقله عَن عُرْوَة بن الزبير أَن مَرْوَان بَاغ كَانَ لَا يتهم فِي الحَدِيث لَكَانَ أقرب وَأَن الْعُمْدَة تحري الصدْق

وَأما اعتذاره بِأَنَّهُ قتل طَلْحَة متأولا فعذر لَا يبْقى مَعَه لعاص مَعْصِيّة بل يَدعِي لَهُ التَّأْوِيل وَهُوَ كتأويل من تَأَول لمعاوية فِي فواقره أَنه مُجْتَهد أَخطَأ فِي اجْتِهَاده مَعَ أَنه قد نقل الْعَلامَة العامري الْإِجْمَاع على أَنه بَاغ والباغي غير مُجْتَهد فِي بغيه وَإِلَّا لما سمي بَاغِيا

وَفِي العواصم وَقد اعْترف أهل الحَدِيث بأجمعهم بِأَن الْمُحَاربين لعَلي رضي الله عنه مُعَاوِيَة وَمن تبعه بغاة عَلَيْهِ وَأَنه صَاحب الْحق انْتهى

وَأما قبُول روايتهم عَن الْبُغَاة فَلَمَّا عرفت من الْإِجْمَاع على

ص: 113

قبولهم وَأَنه لَيْسَ مدَار الرِّوَايَة إِلَّا على ظن الصدْق وَأحسن من قَالَ

(قَالُوا النواصب قد أَخطَأ مُعَاوِيَة

فِي الِاجْتِهَاد وَأَخْطَأ فِيهِ صَاحبه)

(وَالْعَفو فِي ذَاك مرجو لفَاعِله

وَفِي أعالي جنَّات الْخلد رَاكِبه)

(قُلْنَا كَذبْتُمْ فَلم قَالَ النَّبِي لنا

فِي النَّار قَاتل عمار وسالبه) ثمَّ قَوْله فَلَا يعرج على من تكلم فِيهِ إِن ثبتَتْ لَهُ الرُّؤْيَة مُرَاده إِلَّا إِذا لم يثبت فَيقبل فِيهِ الْقدح وَقد نقضه آخر لما قَالَ إِنَّمَا روى عَنهُ من روى قبل خُرُوجه على ابْن الزبير انْتهى

إِلَّا أَن يُقَال مُرَاده أَنه لم يَصح ثُبُوتهَا لَهُ وَلَو سلمنَا أَنه سمع فِيهِ الْقدح فيجاب عَنهُ بِأَنَّهُ لَا يضر ذَلِك فِي الرِّوَايَة عَنهُ قبل وُقُوع مَا جرح بِهِ فَلَا يخدش ذَاك فِي هَذَا وَقد خَالف المحدثون ابْن

ص: 114

حجر فَإِنَّهُم صَرَّحُوا بفسق من لَهُ رُؤْيَة كبسر بن أَرْطَاة

قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَانَت لَهُ صُحْبَة وَلم تكن لَهُ استقامة بعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ ابْن عبد الْبر كَانَ ابْن معِين يَقُول إِنَّه رجل سوء قَالَ ابْن عبد الْبر وَذَلِكَ لعظائم ارتكبها فِي الْإِسْلَام

وَكَذَلِكَ الْوَلِيد بن عقبَة قَالَ الذَّهَبِيّ فِي النبلاء فِي تَرْجَمته كَانَ يشرب الْخمر وحد على شربهَا وَرُوِيَ شعره فِي شربهَا قَالَ وَهُوَ الَّذِي صلى بِأَصْحَابِهِ الْفجْر أَرْبعا وَهُوَ سَكرَان ثمَّ الْتفت إِلَيْهِم وَقَالَ أَزِيدكُم وَقد ذكر المحدثون فِي كتب معرفَة الصَّحَابَة من ارْتَدَّ وَكفر من الصَّحَابَة بعد إِسْلَامه وَالْكفْر أعظم الْكَبَائِر

ص: 115