المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بهَا على رد فَاسق التَّأْوِيل لما سَمِعت من أَنَّهَا نزلت - ثمرات النظر في علم الأثر

[الصنعاني]

الفصل: بهَا على رد فَاسق التَّأْوِيل لما سَمِعت من أَنَّهَا نزلت

بهَا على رد فَاسق التَّأْوِيل لما سَمِعت من أَنَّهَا نزلت فِي فَاسق التَّصْرِيح وَلَا يُقَال لَا يقصر الْعَام على سَببه بِنَاء على أَن الْفِعْل فِي سِيَاق الشَّرْط يُفِيد الْعُمُوم كَمَا ذكره شَارِح جمع الْجَوَامِع وَنسبه إِلَى ابْن الْحَاجِب لِأَنَّهُ بعد تَسْلِيم ذَلِك

‌فسق التَّأْوِيل

ففسق التَّأْوِيل اصْطِلَاح عرفي لَيْسَ لَهُ فِي اللُّغَة ذكر وَالْآيَة لَا تحمل على الْمعَانِي الْعُرْفِيَّة الْحَادِثَة والاصطلاح الْجَدِيد اتِّفَاقًا فعلى تَسْلِيم الْعُمُوم شَمل كل فَاسق تَصْرِيح

على أَن فِي الِاسْتِدْلَال بهَا على عدم قبُول خَبره أبحاث ذكرهَا فِي العواصم تُشِير إِلَى شَيْء من ذَلِك وَهُوَ أَنه تَعَالَى قَالَ {فَتَبَيَّنُوا} أَي فتوثقوا فِيهِ وتطلبوا بَيَان الْأَمر وانكشاف الْحَقِيقَة وَلَا يعْتَمد قَول الْفَاسِق لِأَن من لَا يتحامى عَن جنس

ص: 97

الفسوق لَا يتحامى الْكَذِب الَّذِي هُوَ نوع مِنْهُ

هَذَا كَلَامه وَلَا يخفى أَنه قد مر غير مرّة فِي هَذِه الرسَالَة التَّصْرِيح بِعَدَمِ لُزُوم الْكَذِب للفسق بل للكفر وَأَنه تتنزه عَنهُ الْكفَّار فضلا عَن الْفُسَّاق وَسَيَأْتِي تصريحه بتنزه الْفُسَّاق عَنهُ فِيمَا سننقله من تنقيحه

وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود رضي الله عنه فتثبتوا والتثبت والتبين متقاربان وهما طلب الثَّبَات وَالْبَيَان والتعرف وَفِي تَفْسِير الْبَيَان أوجب الله تَعَالَى على الْمُؤمنِينَ التبين والتثبت عِنْد إِخْبَار الْفَاسِق وشهادته

قلت فالآية أمرت بالتبين كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل الله فَتَبَيَّنُوا} الْآيَة وَلَيْسَ أمرا بِالرَّدِّ كَمَا فِي قَوْله

ص: 98

تَعَالَى عِنْد الْأَمر بِالْقَذْفِ {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} وَفِي غَيرهم {وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه قُلْتُمْ مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} وَفِي الْآيَة الْأُخْرَى {لَوْلَا إِذْ سمعتموه ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم خيرا وَقَالُوا هَذَا إفْك مُبين}

فَإِن قلت الْأَمر بالتبين لخبره فِي معنى الْأَمر برده قلت لَا بل رتب الله تَعَالَى وَاجِبا على خَبره هُوَ التبين فقد ثَبت بِخَبَرِهِ حكم بِخِلَاف الرَّد فَإِنَّهُ لم يثبت بالمردود حكما أصلا إِنَّمَا بَقِي شَيْئا مَعَه على الأَصْل وَهُوَ بَرَاءَة الذِّمَّة عدم الحكم بِشَيْء فوجوده وَعَدَمه سَوَاء

وَقد عد صَاحب العواصم فِي الِاسْتِدْلَال على عدم دلَالَة الْآيَة على رد خبر فَاسق التَّأْوِيل كَمَا صنع ابْن الْحَاجِب وَصَاحب الْغَايَة مَا ينيف على خَمْسَة

ص: 99

عشر إشْكَالًا

ص: 100

وَإِذا تتبعت مَا سلف علمت أَن الْآيَة دلّت على أَنه يتَوَقَّف فِي خبر الْفَاسِق تَصْرِيحًا لَا يرد بل يَقْتَضِي الْبَحْث عَمَّا أخبر بِهِ لَا رد خَبره

فَإِن قلت قد وَقع الْإِجْمَاع على عدم قبُول خَبره ورده فيكف نافى الْإِجْمَاع الْآيَة قلت لَا نسلم الْإِجْمَاع كَيفَ وَهَؤُلَاء أَئِمَّة الحَدِيث رووا عَن فساق التَّصْرِيح الَّذين يسبون الشَّيْخَيْنِ ويسبون عليا وَغَيرهم وَحِينَئِذٍ فَلَا بُد من تَخْصِيص الْكَبَائِر فِي رسم الْعَدَالَة بِمَا عدا سبّ الْمُسلم

وَمن هُنَا تزداد بَصِيرَة فِي أَن رسم الْعَدَالَة بذلك الرَّسْم لَا يتم فِي حق الروَاة وَأَن الْمرجع لَيْسَ إِلَّا فِي ظن الصدْق

فَإِن قلت قد أبطل الله تَعَالَى شَهَادَة الْقَاذِف فَقَالَ {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} وَالْقَذْف كَبِيرَة فَيلْحق بِهِ سَائِر الْكَبَائِر فِي عدم الْقبُول لأخبار مرتكبها

ص: 101

قلت أما أَولا فَإِنَّهُ قِيَاس فَاسد الْوَضع لمصادمته آيَة التبين

وَثَانِيا إِنَّه لَا قِيَاس لكبيرة على كَبِيرَة لعدم معرفَة الْوَجْه الْجَامِع وَإِلَّا لزم إِيجَاب حد الْقَذْف فِي كل كَبِيرَة بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ

فَالْحق أَن الْقَذْف لعظم حُرْمَة الْمُؤْمِنَات وهتك حجاب عفتهن كَانَت عُقُوبَة الْقَاذِف شَدِيدَة فِي الدُّنْيَا بأمرين جلده ثَمَانِينَ جلدَة ثمَّ إِسْقَاطه عَن قبُول الشَّهَادَة وَلَو فِي حَبَّة خَرْدَل فَلَا يحلق بِهِ غَيره

فَإِن قلت وَكَيف يعرف أَن الْمخبر يُفِيد خَبره الظَّن فَإِنَّهُ إِنَّمَا يعرف ذَلِك من خالط الْمخبر قلت مَا يعرف بِهِ عَدَالَة المخبرين الَّذين لم يلقهم الْمخبر لَهُ يعرف صدق المخبرين فَإِن معرفَة أَحْوَال الروَاة من تراجمهم يُفِيد ذَلِك

ص: 102