المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حَيْثُ هُوَ بل هُوَ صفة تَزْكِيَة لِأَنَّهُ لَا بُد لِلْمُؤمنِ - ثمرات النظر في علم الأثر

[الصنعاني]

الفصل: حَيْثُ هُوَ بل هُوَ صفة تَزْكِيَة لِأَنَّهُ لَا بُد لِلْمُؤمنِ

حَيْثُ هُوَ بل هُوَ صفة تَزْكِيَة لِأَنَّهُ لَا بُد لِلْمُؤمنِ من مُوالَاة أهل الْإِيمَان فَإِذا عرف بهَا صَارَت تَزْكِيَة فَإِذا وَقع فِي عباراتهم الْقدح بقَوْلهمْ فلَان شيعي فَهُوَ من الْقدح الْمُبْهم لَا يقبل حَتَّى يتَبَيَّن أَنه من النَّوْع القادح وَهُوَ غلو الرَّفْض

‌تَعْرِيف النصب

وَأما النصب فَعرفت من رسمه عَن الْقَامُوس أَنه التدين ببغض عَليّ رضي الله عنه فالمتصف بِهِ مُبْتَدع شَرّ ابتداع أَيْضا فَاعل لمحرم تَارِك لواجب فَإِن محبَّة عَليّ رضي الله عنه مَأْمُور بهَا عُمُوما وخصوصا

أما الأول فَلِأَنَّهُ دَاخل فِي أدلته إِيجَاب محبَّة أهل الْإِيمَان

وَأما الْخَاصَّة فأحاديث لَا يَأْتِي عَلَيْهَا الْعد آمرة بحبه ومخبرة بِأَنَّهُ لَا يُحِبهُ إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضه إِلَّا مُنَافِق وَقد أودعنا الرَّوْضَة الندية شرح

ص: 36

التُّحْفَة العلوية من ذَلِك شطرا من الْأَحَادِيث بِحَمْد الله معزوة إِلَى مَحَله مصححة ومحسنة فالناصبي أَتَى بِمحرم قطعا وَلم يَأْتِ بِالْوَاجِبِ الآخر من مُوالَاة سَائِر أهل الْإِيمَان كالصحابة إِذْ لَيْسَ من لَازمه محبَّة بَقِيَّة الصَّحَابَة وهب أَنه من لَازمه فَلَا يُخرجهُ عَن الْإِخْلَال بِوَاجِب محبَّة عَليّ رضي الله عنه وَفعله لمحرم من بغضه

فالشيعي الْمُطلق فِي رُتْبَة علية أَتَى بِالْوَاجِبِ وَترك الْمحرم والناصبي فِي أدنى رُتْبَة وأخفضها فَاعل للْمحرمِ وتارك للْوَاجِب فَإِن انْتهى نَصبه إِلَى إِطْلَاق لِسَانه بسب الْوَصِيّ رضي الله عنه فقد انْتَهَت بِهِ بدعته إِلَى الْفسق الصَّرِيح كَمَا انْتَهَت بالشيعي الساب بِدعَة غلوه إِلَى ذَلِك وَخير التَّشَيُّع تشيع من قَالَ

(أَنا شيعي لآل الْمُصْطَفى

غير أَنِّي لَا أرى سبّ السّلف)

(أقصد الْإِجْمَاع فِي الدّين وَمن

قصد الْإِجْمَاع لم يخْش التّلف)

(لي بنفسي شغل عَن كل من

للهوى قرض قوما أَو قذف)

والشيعي إِن انضاف إِلَى حبه لعَلي رضي الله عنه بغض أحد من السّلف فقد سَاوَى مُطلق الناصبي فِي بغضه لبَعض أهل

ص: 37

الْإِيمَان فَإِن قلت هَل يقْدَح فِي دينه ببغضه لبَعض الْمُؤمنِينَ قلت البغض أَمر قلبِي لَا يطلع عَلَيْهِ فَإِن اطلع عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْمَفْرُوض هُنَا كَانَ قدحا إِذْ الْكَلَام فِي الناصبي وَلَا يعرف أَنه ناصبي إِلَّا بالاطلاع على بغضه لرأس أهل الْإِيمَان

فَمن عرف بِمثل هَذِه الْمعاصِي ردَّتْ رِوَايَته لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعدْل على تَعْرِيف ابْن حجر للعدالة إِذْ قد حد فِي رسمها اللّغَوِيّ عدم الابتداع وَلَا يتم إِلَّا بخلو الْقلب عَن بغض أهل الْإِيمَان كَيفَ وَقد ثَبت أَن بغضه رضي الله عنه عَلامَة النِّفَاق

ص: 38

وَبِهَذَا عرفت أَن الناصبي الْمُطلق خَارج عَن الْعَدَالَة فَإِن انضاف إِلَى نَصبه إِطْلَاق لِسَانه فِيمَن يبغضه فقد ازْدَادَ عَنْهَا بعدا والشيعي الْمُطلق مُحَقّق الْعَدَالَة وَإِن أبْغض وَسَب فَارق الْعَدَالَة وَحِينَئِذٍ يتَبَيَّن لَك أَنه كل التَّمْثِيل ببدعة النصب للابتداع الخارم للعدالة أولى إِذْ هُوَ على كل حَال بِدعَة قادحة بِخِلَاف التَّشَيُّع فالمطلق مِنْهُ لَيْسَ ببدعة بل فعله وَاجِب

وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي مُقَدّمَة الْفَتْح

التَّشَيُّع محبَّة عَليّ عليه السلام وتقديمه على الصَّحَابَة فَمن قدمه على أبي بكر وَعمر رضي الله عنهما فَهُوَ غال فِي التَّشَيُّع وَيُطلق عَلَيْهِ رَافِضِي وَإِلَّا فشيعي فَإِن انضاف إِلَى ذَلِك السب وَالتَّصْرِيح بالبغض فغال فِي الرَّفْض انْتهى كَلَامه

فقسم التَّشَيُّع أَيْضا ثَلَاثَة أَقسَام رفض وغلو فِي الرَّفْض وتشيع

فَالْأول انضاف إِلَى محبته لعَلي رضي الله عنه تَقْدِيمه على الشَّيْخَيْنِ وَالثَّانِي انضاف إِلَيْهَا بغض الشَّيْخَيْنِ والسب لَهما

ص: 39

وَالثَّالِث الْمُحب فَقَط وَهَذَا التَّقْسِيم وَقع فِي ذكره لبدعة التَّشَيُّع

وَأَقُول أما محبته مُطلقًا وَهُوَ الْقسم الثَّالِث فَإِنَّهُ شَرط فِي إِيمَان كل مُؤمن وَلَيْسَ من الْبِدْعَة فِي دبير وَلَا قبيل

وَهل الْإِيمَان إِلَّا الْحبّ فِي الله وَحِينَئِذٍ عرفت أَن كل مُؤمن شيعي

وَأما الساب فسب الْمُؤمن فسوق صحابيا كَانَ أَو غَيره إِلَّا أَن سباب الصَّحَابَة أعظم جرما لسوء أدبه مَعَ مصحوبه صلى الله عليه وسلم ولسابقتهم فِي الْإِسْلَام

وَقد عدوا سبّ الصَّحَابَة من الْكَبَائِر كَمَا يَأْتِي عَن الْفَرِيقَيْنِ الزيدية وَمن يُخَالف مَذْهَبهم

وَقد عرفت أَنه دلّ كَلَام الذَّهَبِيّ وَكَلَام الْحَافِظ ابْن حجر على أَن التَّشَيُّع بِكُل أقسامه بِدعَة وَلَا يخفى أَن مُطلق التَّشَيُّع

ص: 40

الَّذِي هُوَ مُوالَاة عَليّ وَاجِب وفاعل الْوَاجِب لَا يكون مبتدعا

فَإِن قلت هَذَا كُله مَبْنِيّ على أَن قَول الْحَافِظ وتقديمه على الصَّحَابَة لَيْسَ من جملَة رسم التَّشَيُّع وَأي مَانع عَن جعله قيدا فيقيد أَن التَّشَيُّع محبَّة عَليّ رضي الله عنه مَعَ تَقْدِيمه على الصَّحَابَة فَلَا يتم أَن مُجَرّد محبته تشيع قلت يمْنَع عَنهُ أَنه إِن حمل لفظ الصَّحَابَة فِي كَلَامه فِي الرَّسْم على من عدا الشَّيْخَيْنِ لزم أَن من قدمه على أَي صَحَابِيّ وَلَو من الطُّلَقَاء أَو مِمَّن ثَبت لَهُ مُجَرّد اللِّقَاء يكون شِيعِيًّا لِأَن لفظ الصَّحَابَة للْجِنْس فَهُوَ فِي قُوَّة من قدمه على أَي صَحَابِيّ وَهَذَا لَا يَقُوله أحد فَإِنَّهُ من السَّابِقين الْأَوَّلين من الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ وهم مقدمون على غَيرهم بالنصوص

وَلِأَنَّهُ بالِاتِّفَاقِ لَيْسَ يُسمى الشيعي من قدم عليا على أَي فَرد من أَفْرَاد الصَّحَابَة أَو حمل على الشَّيْخَيْنِ فَقَط فَيكون التَّشَيُّع محبَّة عَليّ رضي الله عنه وتقديمه على الشَّيْخَيْنِ فَهَذَا بِعَيْنِه هُوَ الَّذِي أَفَادَهُ

ص: 41

بقوله فَمن قدمه على أبي بكر وَعمر فَهُوَ غال فَحِينَئِذٍ تدَاخل الْأَقْسَام وَلَا يَشْمَل كَلَامه وضابطه رسم التَّشَيُّع الْمُطلق أَو حمل على الْمَشَايِخ الثَّلَاثَة فَهَذَا الْإِشْكَال بَاقٍ إِذْ من قدمه على الثَّلَاثَة فقد قدمه على الشَّيْخَيْنِ مَعَ الْخلَل الَّذِي عَرفته أَيْضا

وَإِنَّمَا بلغت عِبَارَته إِلَى هَذَا الْخلَل على التقادير الْأَرْبَعَة بِسَبَب جعل قَوْله تَقْدِيمه على الصَّحَابَة قيدا تعين حملهَا على مَا تصح بِهِ وتفيد وَأَن قَوْله وتقديمه استئنافية وَالْوَاو للاستئناف قدمهَا إرهاصا لقَوْله فَمن قدمه على أبي بكر وَعمر وَأَن المُرَاد من الصَّحَابَة الشَّيْخَانِ ذكرهمَا أَلا إِجْمَالا ثمَّ ثَانِيًا تَفْصِيلًا وَأَن قَوْله

ص: 42

محبَّة عَليّ فَقَط هُوَ رسم مُطلق التَّشَيُّع وأيد هَذَا قَوْله وَإِلَّا فشيعي فَإِن مُرَاده وَألا يقدمهُ على الشَّيْخَيْنِ لدي بل يُحِبهُ فَقَط وَهَذَا هُوَ الْمُطلق

وأيده أَيْضا بِمَا عَرفْنَاهُ من تصرفاتهم فِي كتب الرِّجَال وَتسمع من كلامنا الْآتِي كثيرا من عباراتهم فِي ذَلِك وأيده قَول الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي ضابطه أَو كَانَ التَّشَيُّع بِلَا غلو

فهذان الحافظان يوافقان أَن التَّشَيُّع أَقسَام ثَلَاثَة تشيع مُطلق هُوَ محبته رضي الله عنه فَقَط

ومحبته مَعَ تَقْدِيمه على الشَّيْخَيْنِ ومحبته مَعَ التَّقْدِيم والسب الأول شيعي وَالثَّانِي غال فِي التَّشَيُّع وَيُطلق عَلَيْهِ رَافِضِي الثَّالِث غال فِي الرَّفْض

هَذَا مفَاد كَلَام الحافظين وهما إِمَامًا الْفَنّ

ص: 43