المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: أثره في التعامل بالربا في دار الكفر - اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية - جـ ٢

[عبد العزيز بن مبروك الأحمدي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: أثر اختلاف الدارين في الأحكام الشرعية

- ‌الفصل الأول: أثر اختلاف الدار في وجوب القصاص والدية والكفارة على المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث الأول: اختلاف الدار وأثره في وجوب القصاص

- ‌المبحث الثاني: اختلاف الدارين وأثره في وجوب الدية

- ‌المطلب الأول: أثره في دية المعاهد الكتابي

- ‌المطلب الثاني: أثره في دية المعاهد المجوسي وغيره من الكفار

- ‌الفصل الثاني: اختلاف الدار في جرائم الحدود في دار الإسلام

- ‌المبحث الأول: أثره في إقامة حد الزنا على المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث الثالث: أثره في إقامة حد السرقة على المستأمنين في دار الإسلام

- ‌المبحث الرابع: أثره في إقامة حد الحرابة على المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث الخامس: أثره في ارتكاب جريمة البغي من المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث السادس: أثره في تجسس المستأمن في دار الإسلام

- ‌الفصل الثالث: اختلاف الدار وأثره في الجهاد

- ‌الفصل الرابع: اختلاف الدار وأثره في أحكام المعاملات والنكاح

- ‌المبحث الأول: أثره في التعامل بالربا في دار الكفر

- ‌المبحث الثاني: أثره في نكاح الكتابية في دار الحرب

- ‌الفصل الخامس: اختلاف الدار وأثره في الجرائم في دار الكفر

- ‌المبحث الأول: أثره في جرائم القصاص في دار الكفر

- ‌المبحث الثاني: اختلاف الدار وأثره في جرائم الحدود في دار الحرب

- ‌الفصل السادس: اختلاف الدار وأثره في الميراث والوصية

- ‌المبحث الأول: اختلاف الدار وأثره في الميراث

- ‌المطلب الأول: أثره في الميراث بين غير المسلمين

- ‌المطلب الثاني: أثره في ميراث المرتد

- ‌فهرس المصادر والمراجع المطبوعة

الفصل: ‌المبحث الأول: أثره في التعامل بالربا في دار الكفر

‌الفصل الرابع: اختلاف الدار وأثره في أحكام المعاملات والنكاح

‌المبحث الأول: أثره في التعامل بالربا في دار الكفر

الربا من العقود الفاسدة التي يحرم على المسلم التعامل بها لأنه من الكبائر ومن الموبقات المهلكة لصاحبها وقد ثبت تحريمه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين.

فدليل التحريم من الكتاب:

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 1

وقال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} 2.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 3.

1 البقرة: 275.

2 البقرة: 276.

3 البقرة: 278.

ص: 205

فجميع هذه الآيات الكريمات تدل دلالة واضحة على تحريم الربا، وأنه من كبائر الذنوب، والوعيد الشديد لمن يتعامل به من المسلمين في الدنيا يمحق الله به بركة ماله، وفي الآخرة يكون من أصحاب النار الخالدين فيها.

أما دليل التحريم من السنة:

فبما ثبت عن جابر رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء"1 فالحديث يدل دلالة واضحة على أن الربا محرم ومن كبائر الذنوب، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن من تعامل به، واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، ولا يكون إلا على فعل محرم.

أما الإجماع:

فقد أجمعت الأمة الإسلامية على تحريم التعامل بالربا، وأنه من كبائر الذنوب.2

وقد اتفق الفقهاء على تحريم التعامل بالربا بين المسلمين في دار الإسلام أو في دار الحرب.3

1 أخرجه البخاري 2/8كتاب البيوع باب موكل الربا. ومسلم 3/1219كتاب المساقاة باب لعن آكل الربا وموكله واللفظ له.

2 الاختيار 2/33، وبلغة السالك2/15، والجامع لأحكام القرآن 3/346 والمجموع شرح المهذب 9/391، وكفاية الأخيار 1/152، والمغني 4/46، ومجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية 29/418.

3 بدائع الصنائع 5/192، وفتح القدير 6/178، وأسهل المدارك 2/220، وبلغة السالك 2/15، والمجموع شرح المهذب 9/391، والمغني 4/46، والمبدع 4/156،157.

ص: 206

إلا الإمام أبا حنيفة قال الحربي إذا أسلم ولم يهاجر إلى دار الإسلام يجري الربا بينه وبين المسلم الأصلي، لأن مال المسلم في دار الحرب إذا لم يهاجر إلى دار الإسلام باق على حكم مالهم وهو الإباحة، ألا ترى أنه إذا أتلفه متلف لم يضمن، أما إذا هاجر إلى دار الإسلام ثم عاد إلى دار الحرب لم يجز الربا معه، لأنه قد أحرز ماله بدارنا فصار كأهل الإسلام.1

ولكن قوله هذا خلاف عموم الآيات والأحاديث التي دلت على تحريم التعامل بالربا بين المسلمين في أي مكان وفي كل زمان.

أما التعامل بالربا بين المسلم وغير المسلم فلا يخلو ذلك من حالتين:

الحالة الأولى: ذا كان هناك أمان بينهما-كالكافر إذا دخل دار الإسلام بأمان - فقد اتفق الفقهاء على تحريم التعامل معه بالربا سواء كان ذمياً أو مستأمناً أخذا وإعطاء على حد سواء.2

لأن تعامل المسلم مع الذميين والمستأمنين في دار الإسلام له حكم تعامل المسلمين بعضهم مع بعض، لوجوب التزام المسلم بالأحكام

1 البحر الرائق 6/147وتبين الحقائق 4/97، والجوهرة النيرة 2/262، وفتح القدير 6/178، وحاشية ابن عابدن 5/186، والاختيار 2/33.

2 حاشية رد المحتار 5/186، وفتح القدير 6/178، والاختيار 2/33، والبناية 6/570، وبدائع الصنائع 5/192، والمقدمات الممهدات2/617، وأحكام القرآن لابن العربي 1/516، والإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/262، والمجموع شرح المهذب 9/392، ونهاية المهتاج 7/270، وكشاف القناع 3/259، والإفصاح 1/329، والمبدع 4/157.

ص: 207

الشرعية، وعصمة مال المسلمين والمعاهدين من غير المسلمين فيها، لأن عقد الذمة بالنسبة للذميين خلف عن الإسلام في عصمة المال، وفي وجوب التزام أحكام الإسلام في الدنيا فيما يرجع إلى المعاملات، والمستأمنين في دار الإسلام بمنزلة الذميين في ذلك.1

بل إن الفقهاء نصوا على منع المستأمنين والذميين من التعامل بالربا فيما بينهم في دار الإسلام فهذا الإمام السرخسي يقول: "فإن دخل تجار أهل الحرب دار الإسلام بأمان فاشترى أحدهم من صاحبه درهما بدرهمين لم أجز من ذلك إلا ما أجيزه بين أهل الإسلام، وكذلك أهل الذمة إذا فعلوا ذلك لأن مال كل واحد منهم معصوم متقوم ولا يتملكه إلا بجهة العقد وجرمة الربا ثابتة في حقهم، وهو مستثنى من العهد فإن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى نصارى نجران "من أربى فليس بيننا وبينه عهد"، وكتب إلى مجوس هجر "إما أن تدعوا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورسوله"، فالتعرض لهم بمنعهم من الربا لا يكون غدرا بالأمان، لأنه ثبت أنهم نهو عن الربا كما قال تعالى:{وأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} 2 فيمنعون من التعامل بالربا كما يمنع المسلمون من ذلك.3

هذا فيما إذا كان الكافر هو المستأمن في دار الإسلام. أما إذا كان

1 المبسوط 10/84، وشرح السير الكبير 1/3067، وبدائع الصنائع 6/81، وأحكام القرآن للجصاص 2/436.

2 النساء: 161.

3 المبسوط 14/58.

ص: 208

المسلم هو المستأمن1 -كمن دخل دار الكفر بأمان.

1 المسلم المستأمن هو الذي يدخل ديار الكفار بعقد أمان، لتحقيق بعض الأغراض الدينية كأن يدعوهم إلى الإسلام، ويبين لهم أنه هو الدين الخالص، والصحيح الذي يجب أن يعتنقه جميع البشر، والدنيوية كالسفر للتجارة، أو لطلب العلم وغير ذلك من الأغراض الدنيوية.

فالمسلم إذا أراد أن يسافر إلى ديار الكفار لابد له من أمان، يأمن فيه على نفسه وماله كالمستأمن الحربي عندما يدخل دار الإسلام ويعقد الأمان مع المسلمين، فلا بد أن يحصل المسلم على الإذن والرخصة من السلطات المختصة لدخول دار الكفر ليكون آمنا على نفسه وماله، وقد حصل الأمان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم له ولأصحابه في حالات كثيرة منها:

1-

أمان المطعم بن عدي للرسول صلى الله عليه وسلم عندما انصرف من الطائف متوجها إلى مكة، فبعث إلى بعض حلفاء قريش ليجيروه في دخول مكة فامتنعوا، فبعث إلى المطعم بن عدي فأجاره حتى دخل مكة وطاف بالبيت وصلى فيه، ثم انصرف إلى منزله آمنا.

وكذلك أجار مطعم سعد بن عبادة عندما دخل مكة وتعلقت به قريش.

2-

أمان النجاشي للمهاجرين من الصحابة إلى الحبشة. وكذلك أمان أبي البراء عامر بن مالك لبعض الصحابة في موقعة بئر معونة. وغير ذلك كثير. ويجب على المسلم الذي يدخل دار الكفر بأمان أن يلتزم بما في الأمان فلا يتعرض لشيء من دمائهم وأموالهم، لأنه ما مكن من الدخول إلا بشرط عدم التعرض أو الاعتداء على دمائهم وأموالهم، والمسلمون عند شروطهم، وخيانتهم غدر ولا يصلح في ديننا الغدر. فالمسلم المستأمن في دار الكفر مطلوب منه أن يتحلى بالأخلاق والآداب الإسلامية ليعكس بأخلاقه وآدابه سماحة الإسلام فيحبب الناس به ويرغبهم فيه.

انظر: عيون الأثر 1/115، 136،2/41، والسيرة النبوية لابن هشام1/ 217، 218، 2/15، وزاد المعاد3/28، 29، وحاشية ابن عابدين 4/166، والخرشي3/116، والأم4/248، ومغنى المحتاج 4/239، والمغني 9/295.

ص: 209

فقد اختلف الفقهاء في حكم التعامل بالربا بينه وبين الحربي، وسيأتي بيان ذلك بالتفصيل.

الحالة الثانية: إذا لم يكن هناك أمان بينهما، كما إذا دخل الحربي دار الإسلام بغير أمان، أو دخل المسلم دار الكفر بغير أمان يعطاه، ففي هذه الحالة اختلف الفقهاء في حكم التعامل بالربا مع الحربي إلى قولين:

القول الأول: يباح للمسلم أن يتعامل بالربا مع الحربي في دار الإسلام إذا دخلها بغير أمان، أو في دار الكفر فيما إذا دخلها المسلم بغير أمان. وهو قول فقهاء الحنفية والحنابلة في الرواية.1

قال الزيلعي: "لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب"2

وقال مجد الدين ابن تيمية: "الربا محرم في دار الإسلام والحرب، إلا بين مسلم وحربي لا أمان بينهما"3

وحجتهم في ذلك أن مال الحربي غير المستأمن مباح الاعتداء بأي صورة من صور الاعتداء بالربا أو السرقة أو الغصب أو غير ذلك، لأنه

1 الاختيار 2/33، وحاشية ابن عابدين 5/186، وبدائع الصنائع5/192، وفتح القدير 6/178، وتبيين الحقائق 4/97، والجوهر النيرة 2/262، والإنصاف 5/52، والفروع 4/147، والمبدع 4/157، والمحرر 1/318.

2 انظر: تبيين الحقائق 4/97.

3 انظر: المحرر 1/318.

ص: 210

عصمة له، فهو مباح الدم، والمال، وكذلك إذا دخل المسلم داره بدون أمان فله الاعتداء على أمواله بأي نوع من أنواع الاعتداء.1

وقال ابن مفلح بعد أن ذكر إباحة التعامل بالربا بين المسلم والحربي: "لأن أموالهم مباحة وإنما حظرها الأمان في دار الإسلام، فما لم يكن كذلك كان مباحا"2

القول الثاني: يحرم التعامل بالربا بين المسلم والحربي مطلقا، أخذا أو عطاء في دار الإسلام، أو في دار الحرب، بأمان أو بدون أمان. وهو قول فقهاء المالكية، والشافعية، والحنابلة في الصحيح من المذهب.3

قال النووي: "ولا فرق في تحريمه، بين دار الإسلام، ودار الحرب، فما كان حراما في دار الإسلام، كان حراما في دار الحرب، سواء جرى بين مسلمين، أو مسلم وحربي، وسواء دخلها المسلم بأمان أم بغيره"4

وقال المرادي: "والصحيح من المذهب أن الربا محرم بين الحربي

1 الاختيار 2/33، وبدائع الصنائع 5/191، والبحر الرائق 6/147، وفتح القدير 6/178، والمحرر 1/318، وكشاف القناع 3/259.

2 انظر المبدع 4/157.

3 المدونة الكبرى 4/271، والمقدمات الممهدات 1/178،179، وأحكام القرآن لابن العربي 1/516، والمجموع شح المهذب 9/391 وروضة الطالبين 10/219، والمغني 4/45، والمبدع 4/157، والإنصاف 5/52، وكشاف القناع 3/259.

4 انظر: المجموع شرح المهذب 9/391.

ص: 211

والمسلم مطلقا"1

وقال البهوتي: "ويحرم الربا بين المسلم والحربي، في دار الإسلام ودار الحرب، ولو لم يكن بينهما أمان" 2

وحجتهم في هذا عموم النصوص من الكتاب والسنة الدالة على تحريم الربا في أي مكان، في دار الحرب أو في دار الإسلام.

كقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} 3

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 4.

وفي حديث جابر رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء"5

فهذه النصوص من الكتاب والسنة تدل بعمومها على تحريم الربا بين المسلمين وغير المسلمين في دار الإسلام أو في دار الحرب، بأمان أو بدون أمان.6

1 انظر: الإنصاف للمرادي 5/52.

2 انظر: كشاف القناع 3/259.

3 البقرة: 275.

4 البقرة: 278.

5 سبق تخريجه ص 206.

6 انظر: المراجع في حاشية رقم (3) الصفحة السابقة.

ص: 212

الرأي المختار:

وبعد عرض آراء الفقهاء في المسألة وأدلتهم اتضح لي أنه ينبغي التفريق بين أمرين:

الأمر الأول: إعطاء المسلم الربا للحربي، فهذا لا يجوز، سواء وقع التعامل في دار الإسلام أو في دار الحرب على السواء.

وذلك لعموم الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على تحريم الربا على المسلم. ولأن المسلم مأمور بالتزام أحكام الإسلام، كيف ما كان حاله، وحيث ما يكون، ومن قواعد الإسلام حرمة هذا النوع من المعاملة، ولأن مال المسلم معصوم في دار الإسلام ودار الحرب، والمسلم مسئول عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعلى ذلك فلا يجوز له أن ينفقه فيما هو محرم كالتعامل بالربا وغيره من العقود الفاسدة.

الأمر الثاني: أخذ المسلم الربا من الحربي:

وحكم هذا الأخذ حكم أخذ أمواله عن طريق الغنيمة أو السرقة أو الغصب، ونحو ذلك من أنواع الاعتداء، ولما كان أخذ مال الحربي الذي لا أمان له مباحا في دار الإسلام أو في دار الحرب، نظرا لعدم عصمة مال الحربي في هذه الحالة، وإذا كان دمه مباحا فإباحة ماله من باب أولى.

لأن الحربي الذي لا أمان له ينصب أشد العداوة للمسلم ويتحين أقرب الفرص للاعتداء على نفسه، فإن لم يستطع فإنه لا يستنكف عن أخذ ماله بكل وسيلة محرمة قهرا إن استطاع، ولأن كلا منهما لا يضمن

ص: 213

مال صاحبه عند الإتلاف، وإذا كانت أموال الحربي الذي لا أمان له مباحة عن طريق الغنيمة أو السرقة، أو نحو ذلك من أنواع الاعتداء، فإباحة ماله برضاه عن طريق الربا من باب أولى.

أما حكم التعامل بالربا بين المسلم -الذي دخل دار الحرب بأمان- وببين الحربي فقد اختلف الفقهاء في ذلك إلى قولين:

القول الأول: يجوز للمسلم مستأمنا كان أو غير مستأمن أن يتعامل بالربا مع الحربيين في دار الحرب، بل يجوز له التعامل بجميع العقود الفاسدة فيها، فلو باعهم ميتة وقامرهم وأخذ منهم مالاً بالقمار فذلك جائز ويملك ما أخذه من مال بهذا التعامل، والذمي كالمسلم في هذا وهو قول فقهاء الحنفية ما عدا أبا يوسف1، وبه قال عبد الملك ابن الماجشون من المالكية2 وهو رواية للحنابلة في غير المشهور من المذهب إذا لم يكن المسلم مستأمنا، وبعضهم أخذها على ظاهرها مستأمنا كان أو غير

1 بدائع الصنائع 5/192، والمبسوط 14/56، والبحر الرائق 6/147، وتبيين الحقائق 4/97، والجوهرة النيرة 2/262، وفتح القدير 6/178، وحاشية رد المختار 5/186، والاختيار 2/33، والبناية 6/570، وأحكام القرآن للجصاص 2/436، ومجمع الأنهر 2/90، ومشكل الآثار 4/241.

2 أحكام القرآن لابن العربي 1/516.

ص: 214

مستأمن وينسب هذا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله-1.

القول الثاني: يحرم على المسلم التعامل بالربا وغيره من العقود الفاسدة في أي مكان، حتى في دار الحرب فلا يجوز له أن يتعامل بالربا مع الحربي وغيره في دار الحرب سواء كان المسلم مستأمناً أو غير مستأمن، فالربا محرم عليه في دار الحرب كما هو محرم عليه في دار الإسلام، وهو مروي عن

1 المبدع 4/157، والإنصاف 5/52،53، والفروع 4/147، والمحرر 1/318.

وبعد البحث والتنقيب في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه المقولة التي نسبتها إليه بعض كتب الحنابلة، لأوثقها من كتبه، لم أجد فيما اطلعت عليه من كتبه، ما نسب إليه من جواز التعامل بالربا بين المسلم مستأمنا كان أو غير مستأمنا مع الحربي في دار الحرب، بل وجدت في بعض كتبه ما يخالف هذه النسبة، فجاء في كتابه الصارم المسلول: "إن الحربي لو عقد عقدا فاسدا من ربا أو بيع خمر أو خنزير أو نحو ذلك، ثم أسلم بعد قبض العوض لم يحرم ما بيده، ولم يجب عليه رده، ولو لم يكن قبضه لم يجز له أن يقبض منه إلا ما يجوز للمسلم كما دل عليه قوله تعالى:{اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أمرهم بترك ما بقي في ذمم الناس ولم يأمرهم برد ما قبضوه، ومعناه أن الحربي من أهل دار الحرب إذا تعامل فيها مع غيره بالربا ثم أسلم قبل الربا، لم يجز له أخذ تلك الزيادة.

فإذا كان شيخ الإسلام لا يبيح للحربي الذي تعامل في دار الحرب قبل إسلامه أن يأخذ الزيادة من أهلها بعد أسلم، فإن مقتضى رأيه لا يبيح بالأولى للمسلم الذي دخل دار الحرب بأمان أن يأخذ منهم الربا"

انظر: الصارم المسلول ص161.

ص: 215

الأوزعي وإسحاق وأبي ثور. وهو قول فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة في الصحيح من المذهب الظاهرية وأبي يوسف من الحنفية.1

الأدلة

استدل أصحاب القول الأول الذين قالوا بإباحة التعامل بالربا بين المسلم والحربي في دار الحرب: بالسنة، والمأثور، والمعقول:

دليلهم من السنة:

1-

بما روي عن مكحول أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب" 2

وجه الدلالة:

دل الحديث على إباحة الربا بين المسلم والحربي في دار الحرب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفى جريان الربا بين المسلم والحربي في دار الحرب. قال

1 انظر: الشرح الكبير مع الدسوقي 2/179، والمدونة4/271، والمقدمات 1/178- 179، وأحكام القرآن 1/516، والفروق 3/27، والأم 7، والمجموع شرح المهذب9/391، وروضة الطالبين 10/291، والإشراف 1/262، والمغني 4/45، والمبدع 4/157، والإنصاف 5/52،53، والفروع 4/147، وكشاف القناع 3/259، والهداية لأبي الخطاب 1/139، ومطالب أولي النهي 3/188 – 189، والإفصاح 1/329، والمحلى 8/515، والرد على سير الأوزاعي ص 97، والمبسوط 14/56، وحاشية ابن عابدين 5/186، وبدائع الصنائع 5/192.

2 ذكره الزيلعي في نصب الراية 4/44، والسرخسي في المبسوط 14/56، وأبو يوسف في الرد على سير الأوزاعي ص 97.

ص: 216

السرخسي: "الحديث دليل على جواز بيع المسلم الدرهم بالدرهمين من الحربي في دار الحرب"1

2-

وبما ثبت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: "كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع وأول ربا أوضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله" 2

وجه الدلالة من الحديث:

الوضع في الحديث معناه الحط والإسقاط، فدل ذلك على أن ربا العباس كان قائما بمكة، لما كانت دار حرب، حتى وضعه النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة، لأنه لا يضع إلا ما كان قائما لا ما قد سقط قبل وضعه إياه.3

قال الطحاوي: "ففي ذلك ما قد دل على أن الربا كان حلالا، فيما بين المسلمين والمشركين بمكة لما كانت دار حرب، وهو حينئذ حرام بين المسلمين في دار الإسلام، وفي ذلك ما قد دل على إباحة الربا بين المسلمين وأهل دار الحرب في دار الحرب"4

وقال الجصاص: "وفيه الدلالة على أن العقود الواقعة في دار الحرب،

1 انظر: المبسوط 14/56.

2 أخرجه مسلم 2/889 كتاب الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم

3 بدائع الصنائع 5/193، ومشكل الآثار 4/244، والجوهر النقي 9/106.

4 انظر: مشكل الآثار 4/ 245.

ص: 217

إذا ظهر عليها الإمام لا يتعرض عليها بالفسخ، وإن كانت معقودة على فساد، لأنه معلوم أنه قد كان بين نزول الآية، وبين خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ووضع الربا الذي لم يكن مقبوضا عقود من عقود الربا بمكة قبل الفتح، ولم يتعقبها بالفسخ ولم يميز ما كان منها قبل نزول الآية، مما كان منها بعد نزولها، فدل ذلك على أن العقود الواقعة في دار الحرب بينهم وبين المسلمين، إذا ظهر عليها الإمام يفسخ منها ما كان مقبوضا"1

وقال ابن التركماني: "مذهب البيهقي وأصحابه أن البيع المذكور لا يجوز وأن الربا ثابت بين المسلم والحربي، وهذا الحديث يدل على خلاف ذلك وأنه لا ربا بينهما"2

وقال ابن رشد: "هذا استدلال صحيح- أي استدلال الحنفية بالحديث- لأنه لو لم يكن الربا بين المسلمين والمشركين حلالا في دار الحرب لكان ربا العباس موضوعا يوم أسلم وما قبض منه بعد ذلك مردود3 لقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} 4

3-

وبحديث ركانة رضي الله عنه5 أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه بأعلى مكة فقال له

1 انظر: أحكام القرآن للجصاص 1/417.

2 انظر: الجوهر النقي مع سنن البيهقي9/106.

3 انظر: المقدمات الممهدات 2/278.

4 البقرة: 279.

5 وهو ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب القرشي المطلبي، أسلم يوم فتح مكة، وتوفي في خلافة عثمان، وقيل توفي سنة 42هـ. انظر: أسد الغابة 2/236.

ص: 218

ركانة هل تصارعني على ثلث غنمي فقال صلى الله عليه وسلم نعم، وصارعه فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن أخذ منه جميع غنمه ثم ردها عليه تكرما.1

قال السرخسي: "هذا الحديث دليل على جواز الربا في دار الحرب بين المسلم والحربي"

أما دليلهم من المأثور:

فبما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى {غُلِبَتِ الرُّومُ} 2.

قال له مشركوا قريش يرون أن الروم تغلب فارس فقال نعم فقالوا: هل لك أن تخاطرنا على أن نضع بيننا وبينك خطرا فإن غلبت الروم أخذت خطرنا، وإن غلبت فارس أخذنا خطرك، فخاطرهم أبو بكر رضي الله عنه على ذلك ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال اذهب إليهم فزد في الخطر وأبعد في الأجل ففعل أبو بكر رضي الله عنه وظهرت الروم على فارس فبعث إلى أبي بكر رضي الله عنه أن تعال فخذ خطرك وأخذه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم به فأمره بأكله وهذا القمار لا يحل بين أهل الإسلام، وقد أجازه الرسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر رضي الله عنه وهو مسلم وبين مشركي قريش، لأنه كان بمكة في دار الشرك حيث لا تجري

1 أخرجه أبو داود 4/341 كتاب اللباس بلفظ: "أن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم" والترمذي 4/247 كتاب اللباس حديث رقم 1784 بنفس اللفظ ولم أجد هذه اللفظة التي استدلوا بها إلا في المبسوط 14/57.

2 الروم: 2.

ص: 219

أحكام المسلمين.1

أما دليلهم من المعقول: فمن ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن أحكام المسلمين لا تجري على الحربيين في دارهم فبأي وجه أخذ منهم المسلمون أموالهم برضا منهم فهو جائز.2

الوجه الثاني: أن المسلم إذا دخل بغير أمان يجوز له أخذ مال الحربي بأي أنواع الاعتداء وبغير طيبة نفسه أي بغير رضاه فإذا أخذه على هذا الوجه بطيبة نفسه كان أولى بالجواز.3

الوجه الثالث: أن الأصل في أموال الحربيين الإباحة، إلا أن الأمان منع من غدرهم وخيانتهم، وأخذ أموالهم بغير رضاهم، أما إذا رضوا بأخذ أموالهم بالربا أو بأي عقد آخر فاسد، فهذا جائز لأنه أخذ مالا مباحا بلا غدر، فيملكه بحكم الإباحة السابقة، ومن ثم إذا رضي الحربي ببذل ماله عن طيب نفس منه زال المعنى الذي حرم لأجله.4

1 انظر: المبسوط 14/57 وهذه القصة أخرجها الترمذي 5/345 كتاب تفسير القرآن بلفظ آخر، وقال هذا حديث صحيح حسن غريب.

2 المبسوط 14/57، وفتح القدير 6/178، والرد على سير الأوزاعي ص 96.

3 الجوهرة النيرة 2/262، وتبيين الحقائق 4/97.

4 فتح القدير 6/178، والبحر الرائق 6/147، والجوهرة النيرة 2/262، والاختيار 2/33، وحاشية ابن عابدين 5/186، وتبيين الحقائق 4/97، وبدائع الصنائع 5/192، والمبدع 4/157.

ص: 220

أدلة أصحاب القول الثاني الذين قالوا بتحريم التعامل بالربا في دار الحرب كدار الإسلام:

استدلوا بالكتاب، والسنة، والمعقول، والقياس:

دليلهم من الكتاب:

1-

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ} 1

2-

قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} 2

3-

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 3

4-

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} 4

وجه الدلالة من الآيات:

الآيات الكريمات تدل بعمومها على تحريم الربا على المسلمين في

1 البقرة: 275.

2 البقرة: 275.

3البقرة: 278.

4 آل عمران: 130.

ص: 221

أي مكان في دار الإسلام، أو في دار الحرب، لأنها عامة ولم يرد ما يخصص هذا العموم.1

قال ابن قدامة: "عموم الآيات يقتضي تحريم التفاضل"2

أما دليهم من السنة:

1-

فبما روي عن جابر رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وقال هم سواء"3

وجه الدلالة من الحديث:

فالحديث بعمومه يدل على تحريم التعامل بالربا بين المسلمين والمشركين في دار الإسلام أو في دار الحرب ولم يرد ما يخصص هذا العموم.4

2-

وبما روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه "أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى"5

1 المبدع 4/157، والمجموع شرح المهذب 9/391، ومطالب أولي النهي 3/188،189، وكشاف القناع 3/259،والإشراف لابن المنذر 1/206،وشرح منتهى الإرادات 2/206.

2 المغني 4/46.

3 سبق تخريجه ص 206.

4 المغني 4/46، والمبدع 4/157، والمجموع شرح المهذب 9/391، 392.

5 أخرجه الإمام مسلم 3/1210كتاب المساقاة باب الربا.

ص: 222

فهذا الحديث أيضا يدل على تحري الربا على المسلمين لأن معنى قوله: "فقد أربى" أي فقد فعل الربا المحرم على المسلمين في دار الإسلام أو في دار الحرب.1

3-

وبحديث جابر رضي الله عنه المتقدم فيه: "وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله"2

وجه الدلالة من الحديث:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل ربا الجاهلية وأوله ربا العباس وكان مسلما وكانت مكة آنذاك دار حرب، فلم يبح له النبي صلى الله عليه وسلم التعامل بالربا في دار الحرب.

أما دليلهم من المعقول: فمن أربعة أوجه:

1-

أن ما كان محرما في دار الإسلام فهو محرم في دار الحرب كالخمر وسائر المعاصي، فالمسلم مخاطب بالشريعة الإسلامية وأحكامها في جميع الأماكن من غير فرق بين دار إسلام أو دار حرب، فالربا محرم عله في جميع الديار.3

2-

أن الربا من العقود الفاسدة التي لا تجوز في الإسلام فلم يصح في

1 انظر: المغني 4/46، والمبدع 4/ 157، ومطالب أولى النهي 3/188.

2 سبق تخريجه ص 217.

3 الجوهرة النيرة 2/262، ومطالب أولي النهى 3/188، والمبدع 4/157، والمجموع شرح المهذب 9/391، والمغني 4/46.

ص: 223

دار الحرب كالنكاح الفاسد.1

3-

أن حرمة الربا كما هي ثابتة في حق المسلمين ثابتة في حق الكفار لأنهم مخاطبون بالحرمات في الصحيح من الأقوال، قال تعالى:{وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} 2 فاشتراطه في البيع يوجب فساده كما إذا تبايع المسلم والحربي المستأمن في دار الإسلام.3

4-

أن المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان فقد وجب عليه الوفاء بالعهد وحرمت عليه خيانتهم، وتعامله معهم بالربا فيه خيانة لهم وأكل لأموالهم، وقد أخذ عليه بأن لا يخون عهدهم، ولا يتعرض لمالهم، ولا لشيء من أمرهم.4

أما القياس: فهو القياس على المستأمن الحربي في دارنا.

فالحربي إذا دخل دار الإسلام بأمان وتعامل معه المسلم بالربا لا يجوز باتفاق الفقهاء، فكذلك لا يجوز للمسلم التعامل معه بالربا في دار الحرب.5

1 المجموع شرح المهذب 9/291.

2 النساء: 161.

3 الجامع لأحكام القرآن 6/12، وأحكام القرآن لابن العربي 1/516، وتبيين الحقائق 4/97، وفتح القدير 5/49.

4 الأم 7/326، وأحكام القرآن لابن العربي 1/516.

5 فتح القدير 6/178، وحاشية رد المختار 5/186، والاختيار 2/33.

ص: 224

المناقشة:

أولا: مناقشة أدلة الحنفية ومن وافقهم الذين قالوا بإباحة الربا في دار الحرب

أولا: مناقشة أدلتهم من السنة:

1-

بالنسبة لاستدلالهم بحديث مكحول يرد عليه من وجهين:

الوجه الأول: أن الحديث مرسل غريب كما يقول الأحناف أنفسهم كالزيلعي وابن الهام.1

وقال الإمام الشافعي: "الحديث ليس ثابت ولا حجة فيه"2

وقال الحافظ ابن حجر: "لم أجده"3

وقال النووي: "الحديث مرسل ضعيف فلا حجة فيه"4

وقال العيني: "هذا حديث غريب ليس له أصل مسند"5

وقال الحنابلة: "الحديث مرسل ومجهول، لا نعرف صحته ولم يرد في صحيح، ولا مسند ولا كتاب موثوق به، وهو مع ذلك مرسل محتمل"6

1 انظر: نصب الراية 4/44، وفتح القدير 6/178.

2 انظر: الأم 7/ 359.

3 انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/158.

4 انظر: المجموع شرح المهذب 9/291.

5 انظر: البناية 6/571

6 انظر: المغني 4/46، والمبدع 4/157، ومطالب أولى النهي 3/188،189، وكشاف القناع 3/259.

ص: 225

أجاب الحنفية عن ذلك فقال السرخسي: "الحديث وإن كان مرسلا فمكحول فقيه ثقة والمرسل من مثله مقبول"1

ونحن لا ننكر بأن مكحول فقيه ثقة لكنه ليس مرسل صحيح حتى يقبل. وبهذا لم يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثاني: على فرض أن الحديث ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحيح فهو محمول على أن معناه: لا يباح الربا في دار الحرب بين المسلم والحربي، جمعا بين الأدلة كما يقول النووي.2

وقال ابن قدامة: "ويحتمل أن المراد بقوله: "لا ربا النهي عن الربا"3

كقوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ} 4، قال الإمام السبكي:"واعتضد هذا الاحتمال بالعمومات!! فيكون المراد بلا في الحديث نفي الحل والمشروعية جمعا بين الأدلة"5

2-

وكذلك حديث العباس لا دلالة لهم فيه بل هو حجة عليهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد وضع من ربا أهل الجاهلية ما أدركه الإسلام من ذلك،

1 انظر: المبسوط 14/56.

2 انظر: المجموع شرح المهذب 9/391.

3 انظر: المغني لابن قدامة 4/46.

4 البقرة: 197.

5 انظر: تكملة المجموع للسبكي 11/229.

ص: 226

وكان أول ربا وضعه ربا العباس بن عبد المطلب، وكانت مكة آنذاك دار حرب والعباس مسلم فأبطل رباه فيها.1

وكذلك يمكن الرد على استدلالهم بحديث العباس من وجوه:

الوجه الأول: أنه من المحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس خاصة بأخذ الربا منهم في مكة وهي دار كفر، فتكون الإباحة قضية عين لا يقاس عليها غيرها.

الوجه الثاني: أن العباس كان له ربا في الجاهلية من قبل إسلامه فيكفي حمل اللفظ عليه، وليس ثم دليل على أنه بعد إسلامه استمر على الربا، ولو سلم استمراره عليه، فإنه قد لا يكون عالما بتحريمه فأراد النبيصلى الله عليه وسلم إنشاء هذه القاعدة وتقريرها من يومئذ.2

الوجه الثالث: أنه لا يبعد أن يكون تعامل العباس معهم بربا الفضل دون ربا الجاهلية - ربا الدين- وربا الفضل لم يكن معلوم التحريم لجميع الصحابة رضي الله عنهم لأن تحريمه كان يوم خيبر في السنة السابعة من الهجرة وعلى هذا فربما لم يبلغ العباس رضي الله عنه تحريم ربا البيوع فكان يتعامل به لعدم معرفته بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه حتى أعلن عليه الصلاة والسلام حرمته في خطبته بحجة الوداع، ووضع ربا العباس وكل ربا لم يقبض.3

1 الأم 7/358-359، والرد على سير الأوزاعي ص 96.

2 تكملة المجموع شرح المهذب للسبكي 11/23.

3 أحكام التعامل بالربا ص 29.

ص: 227

الوجه الرابع: أن العباس رضي الله عنه كان يأخذ الربا - مطلقا- من المشركين بمكة وهو مسلم، لا لأن أخذ الربا من الحربيين حلال جائز في دار الحرب دون دار الإسلام، ولكن الربا وقتئذ لم يكن تحريمه قد استقر، ولم يكن تشريع الإسلام فيه قد اكتمل حتى نزل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 1

وذلك بعد إسلام ثقيف وصلحهم في رمضان سنة تسع من الهجرة أي قبل حجة الوداع، أما قبل ذلك فلم يكن تحريمه باتا قاطعا، ولهذا كان العباس رضي الله عنه يتعامل به ويأخذه من المشركين، وهو مسلم مقيم بمكة، حتى أتم الله تشريعه، وقضى بحرمته قضاء مبرما عند نزول الآية الكريمة المشار إليها، عندها امتنعرضي الله عنه عن أخذه وتوقف عن التعامل به، وقد جاء قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب، تأكيدا لحكم الآية وترسيخا للحرمة وبيانا قاطعا للأمة بنهي الإسلام عنه بعدما كمل الدين وتمت الرسالة2

وبهذا يتضح لنا أنه لا دلالة للحنفية في حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وإنما هو حجة عليهم.

2-

وكذلك حديث ركانة لا دلالة لهم فيه، وغاية ما يدل عليه

1 البقرة: 278.

2 أحكام التعامل بالربا ص 29/30.

ص: 228

الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم صارع ركانه فصرعه الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأيضا اللفظ الذي استدلوا به وهو "أن النبي صلى الله عليه وسلم صارعه على بعض غنمه وأخذها منه عندما صرعه"، لا وجود له فيما اطلعت عليه من كتب السنة والآثار المشهورة، ولم يوجد إلا في كتبهم.1

وأيضا الثابت من الحديث ليس صحيحا بل فيه مقال.2

وعلى فرض ثبوت الحديث ووجود اللفظ الذي استدلوا به، يقال لهم هذا ليس من باب الربا.

ثانياً: مناقشة دليلهم من المأثور:

استدلالهم بقصة أبي بكر رضي الله عنه غير صحيح، لأنها لم تثبت باللفظ الذي ذكروه فما في السنن والآثار يخالف هذا اللفظ.3

وبهذا يسقط احتجاجهم بهذه القصة.

ثالثا: أما أدلتهم من المعقول فيمكن الرد عليها بما يلي:

قولهم بأن أحكام المسلمين لا تجري على أهل الحرب في دارهم، نقول لهم نعم أحكام الإسلام لا تجري عليهم إلا إذا كانوا مستأمنين في دار الإسلام، ولكن يقال لهم بأن أحكام الإسلام تجري على المسلم المتعامل بالربا معهم وفي دارهم، ويجب عليه أن يلتزم بهذه الأحكام في أي

1 انظر: المبسوط للسرخسي 14/57.

2 انظر: سنن الترمذي 4/247.

3 انظر: سنن الترمذي 5/345.

ص: 229

مكان في أنحاء الأرض، وبما أن أحكام الإسلام تجري عليه في دار الحرب فيحرم عليه التعامل بالربا مع الحربيين، لأن الربا محرم في الإسلام ولا يجوز للمسلم أن يتعامل به لا في دار الحرب ولا في دار الإسلام.

أما قولهم بأن المسلم إذا دخل دار الحرب بغير أمان فيجوز أخذ أموالهم بغير رضاهم، فهذا مسلم إذا كانت دار حرب، أما إذا كانت دار عهد ودخلها بدون أمان فلا يجوز له التعامل بالربا مع أهلها- فهذا لا يسلم- لأن المسلم حتى لو دخل بغير أمان لا يجوز أن يستبيح دماءهم وأموالهم إلا بحقها وهو فيما إذا أعلنوا الحرب على المسلمين.

أما إذا لم يعلنوا الحرب على المسلمين فلا يجوز له استباحة أموالهم وربما كانت هناك معاهدات ومهادنات بينهم وبين المسلمين فيحرم عليه استباحة أموالهم وأخذها بالطرق غير المشروعة.

وأما قولهم: بأن الأصل في أموال الكفار الإباحة فهذا احتجاج غير مسلم، لأن الأمان الذي يعطاه المسلم في دار الحرب، يعني أن أهلها قد ائتمنوا على أرواحهم وأموالهم، وذلك يقتضي عدم جواز أخذ شيء من أموالهم بغير وجه حق، أو سبب مشروع، في مقابل التزام أهلها بعدم الاعتداء على نفسه وماله، بأي وجه من أوجه الاعتداء، كما شأن المستأمن في دار الإسلام، وثمرة ذلك انتفاء الإباحة الأصلية لأموالهم فتصير أموالهم معصومة بالنسبة إليهم، بموجب ذلك الأمان، ولا يخفى أن عصمة المال شرعا كما تتحقق بالإسلام فإنها تتحقق بالعهد، والأمان الذي بينه

ص: 230

وبينهم عهد معتبر شرعا1 وفي هذا يقول النووي: إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان فاقترض منهم شيئا، أو سرق وعاد إلى دار الإسلام لزمه رده.

لأنه ليس له التعرض لهم إذا دخل بأمان.2

وقال ابن قدامة: "وما ذكروه من الإباحة منتقض بالحربي إذا دخل دار الإسلام، فإن ماله مباح إلا فيما حظره الأمان، ويمكن حمله بين المسلمين على هبة التفاضل، وهو محرم بالإجماع فكذا ههنا"3

ولأن الربا لما كان في الإسلام من الأسباب المحظورة للتملك ومن صور أكل مال الغير بالباطل، لم يجز للمسلم أن يأخذ مال الحربيين في دارهم بعدما وجد الأمان بينه وبينهم فيها، كما لا يحل له بإجماع الفقهاء أن يأخذ به شيئا من أموالهم إذا دخلوا دار الإسلام بأمان.4 واحتجاجهم بأن أموالهم مباحة بالاغتنام هذا فيما إذا أعلنوا الحرب على المسلمين، وهذا لا يلزم منه استباحتها بالعقود الفاسدة، حيث أن الشارع وإن أباح أيضا نساءهم بالسبي لكن لم يجزها بالعقد الفاسد، ومن ثم لا تباح أموالهم بالعقود الفاسدة، ولأن أموالهم لا تباح بالاغتنام إذا كان بينهم وبين المسلمين أمان، وفي هذا يقول ابن العربي: "قلنا إنما يجوز أخذه بوجه جائز

1 أحكام التعامل بالربا ص 25.

2 انظر: روضة الطالبين 10/291

3 انظر: المغني 4/46.

4 أحكام التعامل بالربا ص 25/26.

ص: 231

في الشرع من غلة وسرقة، في سرية فأما إذا أعطي من نفسه الأمان ودخل دارهم فقد تعين عليه أن يفي بأن لا يخون عهدهم، ولا يتعرض لما لهم ولا لشيء من أمرهم، فإن جوز القوم الربا فالشرع لا يجوزه، فإن قال أحدهم إنهم لا يخاطبون بفروع الشريعة فالمسلم مخاطب بها"1

وقال النووي: "ولا يلزم من كون أموالهم تباح بالاغتنام استباحتها بالعقد الفاسد، ولهذا تباح أبضاع نسائهم بالسبي دون العقد الفاسد"2

ولأن تحريم الربا أتى عام شامل لدار الحرب وغيرها، والشارع الحكيم لن يحرم الربا في مكان، ويبيحه في مكان آخر، لأن المسلم يخاطب بأحكام الشريعة الإسلامية في أي بقعة وجد فيها.

ثانيا: مناقشة أدلة الجمهور الذين قالوا بتحريم الربا في دار الحرب:

رد عليهم الحنفية فقالوا: بالنسبة لعموم الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الربا إنما هو في المال المحرم والمعصوم، أما المال المباح كأموال الكفار في دار الحرب، فيجوز أن تأخذ بأي طريق غير طريق الغدر، فالربا إذا كان برضا منهم فهو مباح معهم، ويبقى العموم في المال المحظور.3

ويمكن أن يجاب عن ذلك:

1 انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/516.

2 انظر: المجموع شرح المهذب 9/392.

3 انظر: فتح القدير 6/178.

ص: 232

بأن الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الربا عامة في أي مكان في دار الإسلام أو في دار الحرب لم يرد ما يخصص هذا العموم إلا حديث مكحول وهو مرسل ضعيف لا يقوى على التخصيص، وفي هذا يقول ابن قدامة ولا يجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن وتظاهرت به السنة وانعقد الإجماع على تحريمه بخبر مجهول لم يرد في صحيح ولا مسند ولا كتاب موثوق به.1

وأيضا هذا المرسل على فرض صحته فهو محمول على تحريم الربا في دار الحرب.2 أما بالنسبة لقولهم بأن الربا محرم في دار الحرب كما هو محرم في دار الإسلام، يقال لهم هذا بالنسبة للمسلمين فيما بينهم وبين الحربيين إذا كانوا مستأمنين في دارهم، أما الحربيين في دارهم فتباح أموالهم لعدم التزامهم بأحكام الإسلام، وأموالهم مباحة لا عصمة لها، أما في دار الإسلام فهي معصومة بسبب الأمان.3

ويمكن أن يجاب عن ذلك:

بأن النصوص الواردة في تحريم الربا عامة من غير فرق بين مكان وآخر، ومسلم وحربي، وأموال الحربيين لا تكون مباحة للمسلم وبخاصة إذا دخل دارهم بأمان فيجب عليه الوفاء بالعهد وعدم الغدر بهم وأكل

1 انظر: المغني 4/46.

2 انظر: المبدع 4/157، والمغني 4/46.

3 انظر: الرد على سير الأوزاعي ص 96.

ص: 233

أموالهم بالباطل ولا تباح له إلا بطريق الاغتنام إذا أعلنوا الحرب على المسلمين.1

وحتى لو جاز للحربي التعامل بالربا فإنه محرم على المسلم الملتزم لأحكام الإسلام في كل مكان أن يتعامل به.

أما القياس: فهو قياس مع الفارق:

لأن المستأمن الحربي في دار الإسلام ملتزم لأحكام الإسلام، وماله معصوم بسبب الأمان، أما الحربي غير المستأمن فلا عصمة لماله لأنه لم يلتزم لأحكام الإسلام.

ويجاب عن ذلك: بأننا لا ننكر بأن الحربي المستأمن ملتزم لأحكام الإسلام، وماله معصوم بالأمان، وعلى العكس الحربي غير المستأمن، لكن القياس ليس من هذه الناحية بل القياس من ناحية التحريم، فالربا كما هو محرم مع الحربي في دار الإسلام، محرم معه في دار الحرب لعموم النصوص من الكتاب والسنة الواردة في التحريم ولم يرد ما يخصص هذا العموم.

الرأي المختار:

بعد أن عرضنا آراء الفقهاء وأدلتهم ومناقشتها، يتضح لي أن الرأي المختار هو رأي الجمهور فالربا لا أثر له في اختلاف الدار فهو محرم في دار الحرب كما هو محرم في دار الإسلام. وذلك للأسباب الآتية:

1-

لقوة الأدلة التي استدلوا بها كالعموم الوارد في تحريم الربا وغيره

1 انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/516.

ص: 234

من العقود الفاسدة في دار الحرب ولم يرد نص صحيح في تخصيص هذا العموم.

2-

ولأن الربا محرم في كل مكان كما دلت النصوص على ذلك فلا يصير حراما في مكان دون آخر وإباحة أموال الحربيين عن طريق الغنيمة يختلف عن أخذها بالعقود الفاسدة كعقد الربا.

وفي هذا يقول ابن العربي: "إن ما يجوز أخذه بوجه جائز في الشرع من غلة وسرقة في سرية، فأما إذا أعطي من نفسه الأمان ودخل دارهم فقد تعين عليه أن يفي بأن لا يخون عهدهم ولا يتعرض لمالهم، فإن جوز القوم الربا فالشرع لا يجوزه، فإن قال أحد منهم لا يخاطبون بفروع الشريعة فالمسلم مخاطب بها"1

3-

ولأن هذا الرأي هو المتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية وسمو تعاليمها وسدها كل الأبواب والطرق للتوصل إلى إباحة الربا المحرم، وحتى يتأثر الناس بأحكامها في أي بقعة من بقاع الأرض.

4-

ولأننا لو أخذنا بالرأي المخالف لأدى ذلك إلى إباحة التعامل بالربا مع البنوك والمصارف الأجنبية الكافرة، باعتبار أنها مصارف قوم حربيين وهذا ما يحرمه الشرع.

على العكس منه الأخذ برأي الجمهور فإنه يسد الباب لمن تحدثه نفسه بأخذ هذه الفوائد المحرمة باعتبار أنها من قوم حربيين وأنها من

1 أحكام القرآن لابن العربي 1/516.

ص: 235

المحرمات، التي حرمها الله سبحانه وتعالى، في كتابه وأكد ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته. ولأن الربا لما كان في الإسلام من الأسباب المحظورة للتملك ومن صور أكل مال الغير بالباطل، لم يجز للمسلم أن يأخذ أموال الحربيين في دارهم بعدما وجد الأمان بينه وبينهم فيها، كما أنه لا يحل له بإجماع الفقهاء أن يأخذ به شيئا من أموالهم إذا دخلوا دار الإسلام بأمان.

واحتجاجهم بأن أموالهم مباحة بالاغتنام هذا فيما إذا أعلنوا الحرب على المسلمين، هذا كله فيما إذا دخل المسلم دار الكفر الحربية بأمان، أما إذا دخلها بغير أمان، فكما سبق لا يجوز له أن يعطهم الربا ويجوز له أن يأخذه منهم. وبناء على هذا الاختيار يتضح لنا أنه لا أثر لاختلاف الدار في التعامل بالربا في دار الحرب. فالربا كما يحرم على المسلم التعامل به في دار الإسلام، فكذلك في دار الحرب إذا دخلوها بأمان. وأيضا إذا دخلوها بدون أمان، لا يجوز لهم إعطاء الكفار الربا، ويجوز لهم أخذه منهم، وكذلك في دار الإسلام الحربي إذا دخلها بدون أمان، لا يجوز إعطاءه الربا، ويجوز أخذه منه لأنه لا عصمة له، ولأنه يجوز أخذ ماله عن طريق الغنيمة والغصب ونحو ذلك، أي بدون رضاه، فجوازه عن طريق العقود الفاسدة من باب أولى لأنه برضاه.

ص: 236