المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: أثره في دية المعاهد المجوسي وغيره من الكفار - اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية - جـ ٢

[عبد العزيز بن مبروك الأحمدي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: أثر اختلاف الدارين في الأحكام الشرعية

- ‌الفصل الأول: أثر اختلاف الدار في وجوب القصاص والدية والكفارة على المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث الأول: اختلاف الدار وأثره في وجوب القصاص

- ‌المبحث الثاني: اختلاف الدارين وأثره في وجوب الدية

- ‌المطلب الأول: أثره في دية المعاهد الكتابي

- ‌المطلب الثاني: أثره في دية المعاهد المجوسي وغيره من الكفار

- ‌الفصل الثاني: اختلاف الدار في جرائم الحدود في دار الإسلام

- ‌المبحث الأول: أثره في إقامة حد الزنا على المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث الثالث: أثره في إقامة حد السرقة على المستأمنين في دار الإسلام

- ‌المبحث الرابع: أثره في إقامة حد الحرابة على المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث الخامس: أثره في ارتكاب جريمة البغي من المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث السادس: أثره في تجسس المستأمن في دار الإسلام

- ‌الفصل الثالث: اختلاف الدار وأثره في الجهاد

- ‌الفصل الرابع: اختلاف الدار وأثره في أحكام المعاملات والنكاح

- ‌المبحث الأول: أثره في التعامل بالربا في دار الكفر

- ‌المبحث الثاني: أثره في نكاح الكتابية في دار الحرب

- ‌الفصل الخامس: اختلاف الدار وأثره في الجرائم في دار الكفر

- ‌المبحث الأول: أثره في جرائم القصاص في دار الكفر

- ‌المبحث الثاني: اختلاف الدار وأثره في جرائم الحدود في دار الحرب

- ‌الفصل السادس: اختلاف الدار وأثره في الميراث والوصية

- ‌المبحث الأول: اختلاف الدار وأثره في الميراث

- ‌المطلب الأول: أثره في الميراث بين غير المسلمين

- ‌المطلب الثاني: أثره في ميراث المرتد

- ‌فهرس المصادر والمراجع المطبوعة

الفصل: ‌المطلب الثاني: أثره في دية المعاهد المجوسي وغيره من الكفار

‌المطلب الثاني: أثره في دية المعاهد المجوسي وغيره من الكفار

اختلف الفقهاء في دية المعاهد المجوسي وغيره من الكفار إلى ثلاثة أقوال:

القول الأول: دية غير الكتابي كالمجوسي وغيره من المعاهدين في دار الإسلام، كدية المسلم، ونساؤهم على النصف من ديات رجالهم كنساء المسلمين.

وهو مروي عن الشعبي والنخعي والثوري والحكم وحماد بن أبي سليمان1.

وهو قول فقهاء الحنفية.2

القول الثاني: دية المجوسي المعاهد وغيره من الكفار ثلثا عشر دية المسلم أي ثمانمائة درهم، وديات النساء على النصف من ديات الرجال في العهد والخطأ أي أربعمائة درهم.

وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم

1 مصنف ابن أبي شيبة 9/287، والمغني 7/796، ومصنف عبد الرزاق 10/95،97، وتحفة الأحوذي 4/673، والجامع لأحكام القرآن 5/327.

2 بدائع الصنائع 7/254، وجمع الأنهر 2/639، وتبيين الحقائق 6/128، وأحكام القرآن للجصاص 2/240.

ص: 79

وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعكرمة والحسن البصري وعطاء وإسحاق.1

وهو قول فقهاء المالكية والشافعية الحنابلة.2

إلا أنه روى عن الإمام أحمد أنه غلظ الدية على المسلم إذا كان القتل عمداً فتكون ديته مضاعفة أي 1600 درهم.3

وكذلك روي عن الحنابلة أنهم قالوا دية النساء على النصف من دية الرجال إذا كان القتل خطأ أما إذا كان القتل عمداً فهن كالرجال في تضعيف الدية أي 800 درهم.4

القول الثالث: دية المجوسي المعاهد وغيره من الكفار على النصف من دية المسلم وبه قال عمر بن عبد العزيز.5

1 مصنف ابن أبي شيبة 9/287، وتكملة المجموع 17/379، والمغني 7/796، ومصنف عبد الرزاق 10/97، وتحفة الأحوذي 4/673، والجامع لأحكام القرآن 5/327.

2 المنتقى شرح الموطأ 7/98، وقوانين الأحكام الشرعية 376، وحاشية العدوي 2/275، ومغني المحتاج 4/57، والمهذب 2/252، وكفاية الأخيار 2/103، والمغني 7/796، والمبدع 8/352، والهداية للكلوذاني 2/93، والإنصاف10/66.

3 الإفصاح لابن هبيرة 2/211.

4 الإفصاح لابن هبيرة 2/211.

5 المغني 7/796، ومصنف عبد الرزاق10/95، وتكملة المجموع للمطيعي 17/379.

ص: 80

الأدلة:

أ - أدلة أصحاب القول الأول:

استدل الحنفية بنفس الأدلة السابقة التي في دية الكتابي وقالوا بأنها عامة في الكتابي وغيره من غير فرق.

وكذلك قالوا: بأن المجوسي آدمي معصوم الدم كالمسلم فتكون ديته مثله، لأنهما في العصمة سواء، وإذا كان المجوسي يستوي مع المسلم في الملكية والإحراز وجب أن يستوي معه في الدية.1

رد عليهم بأن الأدلة التي استدلوا بها على أن دية الكافر الذمي أو المستأمن كدية المسلم من الأحاديث والآثار كلها ضعيفة ولم يسلم لهم إطلاق الدية في الآية لأنها مقيدة بالنصوص الصحيحة التي فرقت بين دية المسلم وغيره.

أما قولهم بأن المجوسي كالمسلم في العصمة، فهذا غير صحيح، لأنه لا مساواة بين المسلم والكافر حتى في العصمة، لأن المسلم معصوم الدم بالإيمان، بينما الكافر معصوم الدم بالأمان، فاختلف سبب العصمة، وأيضاً لا يستوي معه في الملكية والإحراز ومع انتفاء المساواة ينتفي وجوب الدية كاملة.

ب - أدلة الجمهور الذين قالوا بأن الدية ثمانمائة درهم:

استدلوا بالسنة، والمأثور، والمعقول:

1 انظر: تبيين الحقائق 6/128، والمغني 7/796.

ص: 81

أ - دليلهم من السنة:

ما روى عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "دية المجوسي ثمانمائة درهم".1

نوقش هذا الحديث بأنه ضعيف لأن في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف وبهذا يبطل الاستدلال به.2

ثانياً: أدلتهم من المأثور:

1-

بما رواه سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ودية المجوسي ثمانمائة كما روي عن عثمان بن عفان مثل ذلك.3

2-

وبما روى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنها يقولان دية المجوسي ثمانمائة درهم.4

3-

وبما روى عن عكرمة والحسن وعطاء أنهم قالوا: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ودية المجوسي ثمانمائة.5

وقد انتشر هذا بين الصحابة والتابعين ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعاً.6

1 أخرجه البيهقي في السنن 8/101، والطحاوي في معاني الآثار4/335.

2 انظر: الجوهر النقي 8/101 ونيل الأوطار 7/65.

3 أخرجه البيهقي 8/101، وابن أبي شيبة في المصنف 9/288، وعبد الرزاق10/93.

4 أخرجه البيهقي 8/101.

5 أخرجه ابن أبي شيبة 9/289، وعبد الرزاق 10/93.

6 انظر: المغني لابن قدامة 7/796، والمنتقى 7/98.

ص: 82

ونوقش هذا بأن هذه الآثار المروية عن بعض الصحابة والتابعين ليست بحجة ولا تقوى على معارضة الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله "دية المعاهد نصف دية المسلم" ولفظ المعاهد عام يطلق على المعاهد الكتابي والمجوسي وغيرهما. 1

ثالثاً: دليلهم من المعقول:

قالوا لما كانت ذبائحهم ونساؤهم محرمة على المسلمين، بخلاف ذبائح أهل الكتاب ونسائهم، كان من الأولى أن تنقص ديتهم عن دية أهل الكتاب.2

نوقش هذا المعقول: بأن تحريم نساء وذبائح المجوس، لا يمنع من مساواتهم بالكتابي في الدية، لأن الأمان يعقد مع الكتابي والمجوسي وغيرهم، فإذا دخلوا دار الإسلام بهذا الأمان لا فرق بينهم لا في العصمة ولا في الدين وتجري عليهم الأحكام الإسلامية وتكون دياتهم متساوية على النصف من ديات المسلمين لا فرق بين كتابي أو مجوسي أو غيره.

ج - أدلة من قال بأن ديته نصف دية المسلم:

استدل بالسنة، والمعقول:

أ - دليلهم من السنة:

حديث عمرو بن شعيب المتقدم والذي فيه "دية المعاهد نصف دية

1 انظر: نيل الأوطار 7/65.

2 انظر: المغني لابن قدامة 7/796.

ص: 83

المسلم" وفي رواية أخرى: "دية عقل الكافر نصف عقل المؤمن".1

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث ظاهر الدلالة في أن دية المجوسي كدية الكتابي على النصف من دية المسلم لأن لفظ "المعاهد" و "الكافر" عام يطلق على أي معاهد وأي كافر كتابي أو مجوسي، فالمجوسي داخل تحت هذا العموم وكذلك كل من له ذمة من الكفار.2

ويمكن أن يقال بأن الحديث ورد بلفظ "عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى".3

يجاب عن ذلك بأن هذه اللفظة لم يخرجها إلا ابن ماجة بينما الألفاظ العامة أخرجها أكثر أهل السنن وهي الأشهر فيؤخذ بها.

2-

وبقوله صلى الله عليه وسلم "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فالحديث عام في الجزية وغيرها كالدية.4

فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعامل المجوسي معاملة أهل الكتاب، ومن المعاملة أن تكون ديتهم كديتهم، وحيث إن دية أهل الكتاب نصف دية المسلم فكذلك دية المجوسي على النصف من دية المسلم.

1 سبق تخريجه ص 57.

2 انظر: نيل الأوطار 7/66.

3 أخرجه ابن ماجة 2/883، كتاب الديات باب دية الكافر.

4 سبق تخريجه في الجزء الأول، ص 162.

ص: 84

ب - دليلهم من المعقول:

أن المجوسي والكتابي يجمعهم لفظ واحد في دار الإسلام هو لفظ الذمة والأمان من المسلمين، فلا فرق بينهم في ذلك فكذلك أيضاً لا فرق بينهم في الدية - فالجميع دياتهم نصف ديات المسلمين.1

الرأي المختار:

وبعد أن ذكرت آراء الفقهاء في دية المجوسي وغيره من الكفار وأدلتهم وما ورد عليها من مناقشات يتضح لي بأن رأي الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز هو الرأي المختار والذي يقول: "أن دية المجوسي وغيره من الكفار كدية أهل الكتاب أي نصف دية المسلمين".

وذلك للأسباب الآتية:

1-

لأن حديث عمرو بن شعيب أصح حديث ورد في دية المعاهد وهو عام يشمل الكتابي وغيره من الكفار كالمجوسي ولم يرد ما يقوى على تخصيصه.

2-

ولأن الأدلة من الأحاديث والآثار التي استدل بها من قال بأن ديته كدية المسلم كلها ضعيفة لا تقوم بها حجة ما عدا الآية فهي مطلقة مقيدة بالحديث السابق.

3-

وكذلك أيضاً أدلة من قال إنها ثمانمائة درهم ليست قوية ولا تقاوم عموم هذا الحديث.

1 انظر: نيل الأوطار 7/66.

ص: 85

4-

ولأنه لا فرق بين المعاهدين الذين يدخلون دار الإسلام بعهد وأمان من المسلمين فكلهم كفار يعاملون بمعاملة واحدة فيما لم يرد النهي عند بدليل خاص كالذبائح والزواج ويجب لهم دية واحدة وهي نصف دية المسلم للمساواة بينهم في العصمة والدين- والله أعلم.

ص: 86

المبحث الثالث: اختلاف الدار وأثره في وجوب الكفارة1 للمستأمن، أو وجوبها عليه

الكفارة من العقوبات التي تجب بجريمة القتل وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ولا خلاف بين الفقهاء في وجوبها على المسلم في القتل الخطأ2 لقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} .3

كما اتفق الفقهاء على أن الكافر الحربي لا كفارة في قتله لأنه مباح

1 الكفارة: لغة مأخوذة من الكفر وهو الستر والتغطية. لسان العرب 6/462. والكفارة شرعاً: اسم لأعمال تكفر بعض الذنوب والمؤاخذات أي تغطيها وتخفيها. تفسير البحر المحيط 4/10. روح المعاني 7/10.

2 بدائع الصنائع 7/252، والاختيار 5/25، وقوانين الأحكام الشرعية ص 377، وحاشية العدوي 2/287، وروضة الطالبين 10/379، وأسنى المطالب 4/95، والمغني 8/93، والمبدع 9/27.

3 النساء: 92.

ص: 87

الدم وإذا كان القصاص لا يجب على قاتله وكذلك الدية فعدم وجوب الكفارة من باب أولى.1

أما المستأمن وغيره من المعاهدين في دار الإسلام.

فإما أن تكون الكفارة واجبة له، أو واجبة عليه:

الحالة الأولى: وجوب الكفارة للمستأمن:

اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة للمستأمن أو غيره من الكفار إلى قولين:

القول الأول: المسلم إذا قتل مستأمناً في دار الإسلام وجبت عليه الكفارة.

وهو قول جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة.2

القول الثاني: الكفارة لا تجب على المسلم بقتل المستأمن أو غيره من الكفار.

وهو قول فقهاء المالكية والظاهرية.3

1 بدائع الصنائع 7/252، والمبسوط 10/65، والخرشي على مختصر خليل 8/49، وأسنى المطالب 4/95، ومغني المحتاج 4/108، والمغني 8/94، وكشاف القناع 6/66.

2 بدائع الصنائع 7/252، روضة الطالبين 10/381، المغني 8/98.

3 الخرشي على مختصر خليل 8/50، وقوانين الأحكام الشرعية ص 377، وحاشية العدوي 2/287، والمحلى 10/347

ص: 88

الأدلة:

أولاً: أدلة أصحاب القول الأول:

استدلوا بالكتاب، والمعقول:

أ - دليلهم من الكتاب:

قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . 1

وجه الدلالة من الآية:

دلت الآية على وجوب الكفارة بقتل المستأمن لأنه من الذميين لهم ميثاق أي عهد وأمان مع المسلمين. 2

ب - دليلهم من العقول:

أن المعاهد المستأمن أو غيره معصوم الدم، ومقتول ظلماً بغير حق، فتجب في قتله الدية والكفارة كالمسلم.

وحتى يكون هناك فرق بينه وبين الكافر الحربي الذي لا أمان له ولا دية ولا كفارة تجب بقتله.3

ثانياً: أدلة أصحاب القول الثاني:

1 النساء: 92.

2 بدائع الصنائع 7/252، والعدة شرح العمدة ص 540.

3 المغني 8/93، وكشاف القناع 6/66، والعدة شرح العمدة ص 540.

ص: 89

استدلوا بقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} . 1

وجه الدلالة من الآية:

الآية الكريمة دلت على وجوب الكفارة بقتل المؤمن، ومفهومها أن لا كفارة في غير المؤمن، فالآية كلها في المؤمن، ولا تجب الكفارة بقتل المعاهد المستأمن أو غيره، والضمير يرجع إلى المؤمن المذكور في الآية ولا ذكر للمستأمن في هذه الآية أصلاً.2

ويرد عليهم بأن قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} .

ظاهر الدلالة في وجوب الكفارة بقتل المعاهد المستأمن لأنه من الذين بيننا وبينهم عهد وميثاق، فالآية دلت بالمنطوق على أن من له ميثاق من الكفار بعهد وقتله مؤمن، لزمته الدية والكفارة، لأنه مقتول ظلماً فوجبت الكفارة بقتله كالمسلم.

الرأي المختار:

ورأى الجمهور في وجوي الكفارة على المسلم إذا قتل معاهداً

1 النساء: 92.

2 المحلى 10/347،348.

ص: 90

مستأمناً أو غيره هو المختار، لصريح الآية، ولأن المعاهد المستأمن معصوم الدم ويحرم قتله بغير وجه الحق، ومن قتله بغير حق فقد ارتكب ذنباً عظيماً، والكفارة شرعت لمحو الذنب وتكفيره، فلذلك تجب على المسلم بقتل المعاهد المستأمن تكفيراً لذنبه ومحواً له.

وبهذا الاختيار يتضح لنا أن اختلاف الدار أثر في وجوب الكفارة للمستأمن لأن المستأمن عندما كان في داره دار الكفر كان دمه هدر ولا عصمة له، ولا يجب بقتله لا دية ولا كفارة، ولكن عندما اختلفت الدار وأصبح في دار الإسلام بعهد وأمان وجبت الدية والكفارة بقتله لأنه معصوم الدم.

الحالة الثاني: في وجوب الكفارة على المستأمن:

اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة على المعاهد- ذمياً كان أو مستأمناً - إذا قتل مسلماً أو معاهداً آخر خطأ إلى قولين:

القول الأول: لا تجب الكفارة على الذمي والمستأمن.

وهو قول فقهاء الحنفية والمالكية.1

القول الثاني:

1 انظر: بدائع الصنائع 7/252، والاختيار 5/25، والمبسوط 10/65، والخرشي على مختصر خليل 8/49.

ص: 91

تجب الكفارة على الذمي والمستأمن وتكون في مالهما بعتق رقبة مؤمنة، وأما كفارة الصيام فلا يرون وجوبها لأن الصيام عبادة لا تصح من الكافر.

وهو قول فقهاء الشافعية والحنابلة.1

ووافقهم الظاهرية في وجوبها على الذمي إلا أنهم أجلوا ذلك إلى حين الإسلام لعدم قدرة الذمي على العتق وكذلك الصيام، والظاهر أن المستأمن عندهم كالذمي، بجامع العصمة والدين فكل منهما كافر.

وفي هذا يقول ابن حزم: "وذلك واجب أي الكفارة على الذمي إلا أنه لا يقدر في حالته تلك على عتق رقبة مؤمنة ولا على صيام حتى يسلم، فإن أسلم يوماً ما لزمه العتق والصيام فإن لم يسلم حتى مات لقي الله عزوجل وذلك زائد في إثمه وعذابه".2

الأدلة:

استدل الحنفية والمالكية على عدم وجوب الكفارة على المعاهد بما يلي:

أن الكفارة فيها معنى العبادة لأن فيها صياماً، والصيام عبادة، وغير

1 انظر: روضة الطالبين 10/381، ومغني المحتاج 4/ 107 - 108، والمجموع شرح المهذب 17/515، وحاشية البيجيرمي على المنهج 4/191 - 192، وقليوبي وعميرة 4/162، والمغني 8/93، والمبدع 9/28، والإنصاف 10/135، والعدة ص540، ومطالب أولي النهى 6/45.

2 انظر: المحلى لابن حزم 10/359.

ص: 92

المسلمين من الذميين والمستأمنين غير مخاطبين بشرائع العبادات، ولهذا اشترطوا في وجوبها أن يكون القاتل مسلماً.1

واستدل الشافعية والحنابلة الذين قالوا بوجوب الكفارة على المعاهد بالكتاب، والسنة، والمعقول.

أ - دليلهم من الكتاب:

قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} 2

قالوا في وجه الدلالة:

بأن الآية عامة في وجوب الكفارة على القاتل مسلماً كان أو كافراً، ولم يرد ما يخصص هذا العموم في عدم وجوبها على القاتل الكافر، فتبقى الآية على عمومها حتى يدل دليل على التخصيص.3

ب - دليلهم من السنة:

بما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله إني وأدت في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أعتق بكل موؤدة رقبة".4

فالحديث يدل دلالة واضحة على وجوب الكفارة على الكافر.5

1 انظر: بدائع الصنائع 7/252، والمبسوط 1/95، والخرشي 8/49.

2 النساء: 92.

3 انظر: المجموع شرح المهذب 17/514.

4 تكملة المجموع شرح المهذب للمطيعي 17/514 وبحثت عنه حسب استطاعتي فلم أجده في كتب السنن المعروفة.

5 انظر: المجموع شرح المهذب 17/515.

ص: 93

ج - دليلهم من المعقول:

1-

أن الكفارة تجب على الكافر عقوبة له، وليس لتكفير ذنبه كالمسلم، لأنه لا ذنب أعظم من الكفر، كالحدود تجب على المسلم كفارات، وعلى الكافر عقوبة.1

2-

أن الكفارة في هذه الحالة حق مالي يتعلق بالقتل، فتجب على المعاهد الذمي أو المستأمن كما تجب عليه الدية.2

3-

أن الكفارة ليست عبادة بدنية، وإنما هي عبادة مالية، كالزكاة ونفقات الأقارب، بخلاف الصلاة والصوم.3

الرأي المختار:

والذي يظهر لي من أقوال الفقهاء أن الكفارة لا تجب على غير المسلم مستأمناً كان أو غيره.

1-

لأن الكفارة فيها معنى العبادة لأن فيها صياماً، وغير المسلم ليس من أهل العبادة.

1 انظر: المجموع شرح المهذب 17/515.

2 انظر: المجموع شرح المهذب 17/515.، والمغني 8/94، والمبدع 9/28، ومطالب أولي النهي 6 /45، والعدة ص 54.

3 المغني 8/94.

ص: 94

2-

ولأن الكفارة شرعت لمحو الذنب وتكفيره، والكافر لا عمل له مع الكفر، وهل هناك ذنب أعظم منه.

3-

ولأن الآية ليست عامة في وجوب الكفارة، وإنما هي خاصة بالمؤمن لقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا خَطَأً} .

4-

ولأن الحديث الذين استدل به من أوجب الكفارة لا وجود له وعلى فرض أنه موجود لا دلالة فيه على وجوب الكفارة على المستأمن.

وبهذا الاختيار يتضح لي أنه لا أثر لاختلاف الدار في وجوب الكفارة على المستأمن فالكفارة لا تجب عليه لا في دار الإسلام، ولا في دار الكفر، فإذاً لا أثر لاختلاف الدارين في وجوب الكفارة على المستأمن.

ص: 95