المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: اختلاف الدار وأثره في وجوب القصاص - اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية - جـ ٢

[عبد العزيز بن مبروك الأحمدي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: أثر اختلاف الدارين في الأحكام الشرعية

- ‌الفصل الأول: أثر اختلاف الدار في وجوب القصاص والدية والكفارة على المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث الأول: اختلاف الدار وأثره في وجوب القصاص

- ‌المبحث الثاني: اختلاف الدارين وأثره في وجوب الدية

- ‌المطلب الأول: أثره في دية المعاهد الكتابي

- ‌المطلب الثاني: أثره في دية المعاهد المجوسي وغيره من الكفار

- ‌الفصل الثاني: اختلاف الدار في جرائم الحدود في دار الإسلام

- ‌المبحث الأول: أثره في إقامة حد الزنا على المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث الثالث: أثره في إقامة حد السرقة على المستأمنين في دار الإسلام

- ‌المبحث الرابع: أثره في إقامة حد الحرابة على المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث الخامس: أثره في ارتكاب جريمة البغي من المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث السادس: أثره في تجسس المستأمن في دار الإسلام

- ‌الفصل الثالث: اختلاف الدار وأثره في الجهاد

- ‌الفصل الرابع: اختلاف الدار وأثره في أحكام المعاملات والنكاح

- ‌المبحث الأول: أثره في التعامل بالربا في دار الكفر

- ‌المبحث الثاني: أثره في نكاح الكتابية في دار الحرب

- ‌الفصل الخامس: اختلاف الدار وأثره في الجرائم في دار الكفر

- ‌المبحث الأول: أثره في جرائم القصاص في دار الكفر

- ‌المبحث الثاني: اختلاف الدار وأثره في جرائم الحدود في دار الحرب

- ‌الفصل السادس: اختلاف الدار وأثره في الميراث والوصية

- ‌المبحث الأول: اختلاف الدار وأثره في الميراث

- ‌المطلب الأول: أثره في الميراث بين غير المسلمين

- ‌المطلب الثاني: أثره في ميراث المرتد

- ‌فهرس المصادر والمراجع المطبوعة

الفصل: ‌المبحث الأول: اختلاف الدار وأثره في وجوب القصاص

‌الباب الثاني: أثر اختلاف الدارين في الأحكام الشرعية

‌الفصل الأول: أثر اختلاف الدار في وجوب القصاص والدية والكفارة على المستأمن في دار الإسلام

‌المبحث الأول: اختلاف الدار وأثره في وجوب القصاص

1

تمهيد:

إن إزهاق النفس البشرية المسلمة من أبشع الجرائم في نظر الإسلام، ومن السبع الموبقات التي يترتب عليها استحقاق العقاب في الدنيا والآخرة، لذلك شرع الله القصاص ممن تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة انتقاماً منه وزجراً لغيره، وتطهيراً للمجتمع من الجرائم التي تزلزل أمنه واطمئنانه فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 2

1 القصاص في اللغة: تتبع الأثر لأن المقتص يتتبع أثر جناية الجاني فيجرحه مثلها ويطلق على القود والمماثلة. انظر: لسان العرب 7/57 - 76، والقاموس المحيط 2/324، والصحاح 3/1052، والمصباح المنير 2/505. وفي الشرع: مجازاة الجاني بمثل فعله وهو القتل في النفس. والقطع والجرح فيما دون النفس مما يمكن فيه المماثلة. انظر: أحكام القرآن للجصاص 1/133، وأنيس الفقهاء ص 292، والتعريفات ص176.

2 البقرة: 178.

ص: 11

فالآية الكريمة تدل دلالة واضحة على فرضية ومشروعية القصاص في النفس على جميع المؤمنين، لأن كتب بمعنى فرض وشرع كما قال العلماء.1

وقال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاص} 2

وهذه الآية أيضاً تدل على وجوب القصاص على جميع المسلمين ومن يسكن ويقيم في دارهم من الذميين والمستأمنين، في النفس وما دونها، لأن كتبنا بمعنى أوجبنا.

ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس، والثيب الزاني والمارق 3 من الدين التارك الجماعة".4

وقد أجمعت الأمة الإسلامية على وجوب القصاص على الجاني عمداً في النفس وما دونها.5

1 أحكام القرآن للجصاص 1/133.

2 المائدة: 45.

3 المارق من الدين: الخارج منها.

4 أخرجه البخاري 4/188 كتاب الديات باب قول الله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} واللفظ به. ومسلم 3/302 كتاب القسامة باب ما يباح به دم المسلم حديث رقم 1676.

5 مراتب الإجماع لابن حزم ص 138.

ص: 12

وكما دلت النصوص على مشروعية القصاص فقد دلت على تحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق فقال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} .1

وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} .2

وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أنس رضي الله عنه: "الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وقتل النفس".3

ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق".4 الحديث.

وقد وقع إجماع الأمة الإسلامية على تحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق ومن فعل ذلك متعمداً فقد فسق وأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.5

1 الأنعام: 151.

2 النساء: 93.

3 أخرجه البخاري 4/48 كتاب الأدب باب عقوق الوالدين من الكبائر. ومسلم 1/91 كتاب الإيمان باب الكبائر حديث رقم 88، 89 واللفظ له.

4 أخرجه البخاري 2/131 كتاب الوصايا. ومسلم 1/92 كتاب الإيمان باب بيان الكبائر وأثرها حديث رقم 145.

5 المغني لابن قدامة 7/635، 635.

ص: 13

وأيضاً جاء الوعيد الشديد في حق من اعتدى على المقيمين بدار الإسلام من غير المسلمين من الذميين والمستأمنين بغير وجه الحق فقال صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد مكن مسيرة أربعين عاماً".1 وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: "من قتل معاهداً في غير كنهه حرم الله عليه الجنة".2

فهذه الأحاديث وغيرها كثير تدل دلالة واضحة على تحريم قتل المعاهد الذمي أو المستأمن يغير حق، لأن من قتله حرمت عليه الجنة والفعل الذي يحرم دخول الجنة لا شك أنه حرام.

وبعد هذا التمهيد المختصر عن مشروعية القصاص نبين هل لاختلاف الدار أثر في وجوب القصاص أم لا؟

وذلك لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: هل لاختلاف الدار أثر في وجوب القصاص على المستأمن في دار الإسلام.

الحالة الثانية: هل لاختلاف الدار أثر في وجوب القصاص للمستأمن في دار الإسلام.

1 أخرجه البخاري 2/202 كتاب الجهاد باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم.

2 أخرجه أبو داود 3/191 كتاب الجهاد باب في الوفاء للمعاهد. والنسائي 8/24 كتاب القسامة باب تعظيم قتل المعاهد. قال الخطابي: سنده حسن، وفي غير كنهه: في غير وقته الذي يجوز فيه قتله. انظر: معالم السنن مع سنن أبي داود 3/191.

ص: 14

فنبدأ أولاً بالحالة الأولى:

اتفق الفقهاء على أن المستأمن في دار الإسلام إذا قتل مسلماً عمداً أنه يجب عليه القصاص.

لما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قتل اليهودي الذي قتل الجارية من الأنصار.1

ولأن المسلم معصوم الدم على التأبيد بإسلامه.

ولأن المستأمن إذا قتل بمن هو مثله فبمن يفضله بالإسلام أولى.

ولأن المستأمن التزم أحكام الإسلام بمجرد عقد الأمان وخاصة فيما يرجع إلى حقوق العباد والقصاص من هذه الحقوق فيجب عليه.2

1 أخرجه البخاري 4/187 كتاب الديات باب سؤال القاتل حتى يقر ولفظ الحديث: عن أنس رضي الله عنه قال: "خرجن جارية عليها أوضاح بالمدينة قال: فرماها يهودي بحجر قال فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلان قتلك؟ فرفعت رأسها فأعاد عليها قال: فلان قتلك؟ فرعت رأسها فقال لها في الثالثة فلان قتلك فخفضت رأسها فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله بين الحجرين".

وأخرجه مسلم 3/1299 كتاب القسامة باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر. حديث 1672 بلفظ آخر.

2 شرح السير الكبير 1/306، وبدائع الصنائع 7/237، والمبسوط 26/123، ومنح الجليل 4/350، وحاشية الدسوقي 4/238، وقوانين الأحكام الشرعية ص 362، ومغني المحتاج 4/16، وأسنى المطالب 4/165، والمهذب 2/185، والمغني 7/657، وكشاف القناع 5/524، والهداية للكلوذاني 2/75، ومراتب الإجماع لابن حزم ص 138. وأسنى المطالب 4/12.

ص: 15

وكذلك اتفق الفقهاء على أن المستأمن إذا قتل مستأمنا آخر في دار الإسلام عمداً وجب عليه القصاص.

لأنه مساوٍ له في العصمة المؤقتة والملة.1

واتفقوا أيضاً على أن المستأمن في دار الإسلام إذا قتل ذمياً عمداً وجب عليه القصاص.

لأنه مساوٍ له في العصمة وزيادة لأن الذمي عصمته مؤبدة بخلاف المستأمن وأيضاً مساوً له في الدين فكل منهما كافر.2

وبهذا يتضح لنا أن اختلاف الدار له أثر في وجوب القصاص على المستأمن في دار الإسلام، لأنه عندما كان في داره - دار الكفر لا يقتص منه لأنه غير ملتزم بالأحكام الإسلام لكنه عندما دخل دار الإسلام بأمان اختلف الحكم بالنسبة له فيجب عليه القصاص سواء قتل مسلماً أو كافراً آخر ذمياً كان أو مستأمناً لأنه ملتزم بالأحكام الإسلام العامة والتي منها وجوب القصاص عليه إذا ارتكب ما يوجبه في النفس أو فيما دونها.

1 البحر الرائق 8/337، وحاشية ابن عابدين 5/472، والشرح الصغير 2/353، والخرشي على مختصر خليل 8/3، والأم 6/46، ومغني المحتاج 4/16، والمغني 7/657، وشرح منتهى الإرادات 3/278.

2 شرح السير الكبير 5/1853، وقوانين الأحكام الشرعية 374، والأم 6/40، ومغني المحتاج 4/16، وشرح منتهى الإرادات 3/278.

ص: 16

الحالة الثانية: هل اختلاف الدار أثر في وجوب القصاص للمستأمن في دار الإسلام؟:

إذا قتل المستأمن في دار الإسلام فلا يخلو قاتله إما أن يكون مستأمناً مثله، أو ذمياً، أو مسلماً.

فإن كان الجاني على المستأمن في دار الإسلام مستأمناً مثله فلا خلاف بين الفقهاء في وجوب القصاص على قاتله إذا كان القتل عمداً لأنه مساو له في العصمة وفي الملة كما سبق في الحالة الأولى.1

أما إذا كان الجاني على المستأمن ذمياً وكان القتل عمداً فقد اختلف الفقهاء في وجوب القصاص للمستأمن من الذمي إلى قولين:

القول الأول: إذا جنى الذمي على المستأمن عمداً لا يقتص منه في النفس ولا فيما دونها.

وهو قول أكثر فقهاء الحنفية.2

القول الثاني: إذا جنى الذمي على المستأمن في دار الإسلام عمداً وجب عليه القصاص في النفس وفيما دونها.

1 البحر الرائق 8/337، ومجمع الأنهر 2/619، وحاشية ابن عابدين 5/472، والشرح الصغير2/353، والخرشي على مختصر خليل 8/3، ومغني المحتاج 4/16، والمغني لابن قدامة 7/657.

2 المبسوط 26/134، وبدائع الصنائع 7/236، والاختيار 5/27.

ص: 17

وهو قول جمهور الفقهاء المالكية، والشافعية، والحنابلة، وأبي يوسف من الحنفية.1

الأدلة:

أ - استدل الحنفية بما يلي:

قالوا لا يقتل الذمي بالمستأمن لأن الذمي معصوم الدم على التأبيد ومن أهل دار الإسلام، فلا تتحقق المساواة بينه وبين المستأمن، لأن المستأمن من أهل دار الكفر، وعصمته مؤقتة بخلاف الذمي.2

وفي هذا يقول الكاساني: "إن عصمة المستأمن ما ثبتت مطلقاً بل مؤقتة إلى غاية مقامه في دار الإسلام، لأن المستأمن من أهل دار الحرب وإنما دخل دار الإسلام لا لقصد الإقامة بل لعارض حاجة يدفعها ثم يعود إلى وطنه الأصلي، فكانت في عصمته شبهة العدم.3

ب - واستدل الجمهور بما يلي:

الذمي يقتل بالمستأمن لأنه مساو له في العصمة والدين.

فالمستأمن له عهد وأمان، ومعصوم الدم ما دام في دار الإسلام، ولا يحق لأحد الاعتداء عليه بغير حق ذمياً كان أو مسلماً.

1 منح الجلي 4/350، وحاشية الدسوقي 4/241، ومغني المحتاج 4/16، والأم 6/40،41، وكشاف القناع 5/523 والمبدع 8/267، والمبسوط 26/1347،وبدائع الصنائع 7/236.

2 المبسوط 26/134، والاختيار 5/27.

3 انظر: بدائع الصنائع 7/236.

ص: 18

ولأن المستأمن مساوٍ للذمي في الدين فكل منهما كافر ولأن العبرة بوجود العصمة أثناء الجناية وهي موجودة بالنسبة للمستأمن.1

الرأي المختار:

وبعد عرض آراء الفقهاء وأدلتهم يتضح لي أن رأي الجمهور هو الأولى بالاختيار وذلك للأسباب الآتية:

1-

أن المستأمن مساو للذمي في الدين فكل منهما كافر.

2-

أن المستأمن معصوم الدم وقت الجناية، وهذا هو المعتبر أما كون عصمته مؤقتة فهذا لا يؤثر في وجوب القصاص، فقد تصير عصمته دائمة إذا صار ذمياً.

3-

أن في عدم وجوب القصاص على الذمي قد يكون حافزاً له على ارتكاب هذه الجريمة وغيرها، وهذا يخالف مقتضى العقد مع المستأمنين، لأن الإمام عندما أعطاهم الأمان، أمنهم ممن هو في قبضته وتحت يده، كما أمن من في قبضته منهم، ولا شك أن من تمام حفظ المستأمن والوفاء له بالعهد. هو وجوب القصاص على قاتله المساوي له في العصمة والدين كالذمي والمستأمن الآخر.

والعجيب في الأمر أن الحنفية يقولون بقتل المسلم بالذمي2 ولا

1 مغني المحتاج 4/16، والمبدع 8/267، وكشاف القناع 5/523، وبدائع الصنائع 7/236.

2 تبيين الحقائق 6/104، واختيار 5/27، وبدائع الصنائع 7/237، والبحر الرائق 8/337، وكشف الحقائق 2/267، والمبسوط 26/133.

ص: 19

يقولون بقتل الذمي بالمستأمن، معه أنه لا مساواة بين المسلم والذمي، لا في الدين ولا في العصمة وعلى العكس فالمستأمن مساو للذمي في الدين فكل منهما كافر، وفي العصمة فكل منهما معصوم الدم بالأمان. وهم أيضاً يقولون المستأمن كالذمي ما دام في دار الإسلام.

أما إذا كان الجاني على المستأمن مسلماً فقد اختلف الفقهاء في وجوب القصاص على المسلم إلى قولين:

القول الأول: المسلم إذا جنى على المستأمن عمداً لا يجب عليه القصاص في النفس ولا في ما دونها.

وهو قول جمهور الفقهاء المالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، وأكثر الحنفية.1

القول الثاني: المسلم إذا جنى على المستأمن في دار الإسلام فإنه يقتص منه في النفس وما دونها.

وهو قول بعض فقهاء الحنفية كأبي يوسف.2

1 مواهب الجليل 6/236، وبداية المجتهد 2/299، والمنتقى شرح الموطأ 7/97، والكافي لابن عبد البر 2/1095، ومغني المحتاج 4/16، والمهذب 2/222، وحاشية الشرقاوي 2/355، ونهاية المحتاج 7/268، والمغني 7/652، والمبدع 5/523، 8/268، 269، والمحلى 10/347، والمبسوط 26/133، والبحر الرائق 8/377، والاختيار 5/27. والمبدع 8/268، 269.

2 الاختيار 5/27، وتبيين الحقائق 6/103 وحاشية الدر المختار 6/534، وأحكام القرآن للجصاص1/144.

ص: 20

سبب الخلاف:

هو اختلافهم في الأحاديث الواردة في ذلك كحديث على رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقتل مسلم بكافر".1

وكذلك استدلالهم بالقياس على حرمة ماله.

فمن أخذ بحديث علي رضي الله عنه وغيره من الأحاديث الأخرى التي تمنع القصاص من المسلم للكافر المستأمن وغيره قال لا يقتل المسلم بالمستأمن وهم الجمهور.

ومن أخذ بالقياس على حرمة المال قال يقتل المسلم بالمستأمن كابي يوسف وغيره من الحنفية.

الأدلة:

أولاً: أدلة الجمهور القائلين بأن المسلم لا يقتص منه للمستأمن ولا لغيره من الكفار:

استدلوا بالكتاب، والسنة، والمأثور، والمعقول:

أ - دليلهم من الكتاب:

الآيات الواردة في نفي المساواة بين المسلم والكافر والتي منها:

1-

قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} .2

1 أخرجه البخاري 2/178 كتاب الجهاد باب فكاك الأسير.

2 السجدة: 18.

ص: 21

2-

وقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّة} .1

فالآية الأولى نفت المساواة بين المؤمن والكافر، وإذا انتفت المساواة انتفى القصاص.

وكذلك الآية الثانية دلت على التفرقة وعدم المساواة بين المؤمنين أصحاب الجنة والكفار أصحاب النار، ونفى التساوي بينهما يمنع من تساوى نفوسهما وتكافؤ دمائهما، لأن القصاص ينبني على المساواة والمماثلة بين الطرفين وهذا كله منتف بين المسلم والكافر. 2

3-

وكذلك قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} .3

وقوله تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} 4

وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} .5

1 الحشر: 40.

2 الحاوي للماوردي ص 93.

3 القلم: 35.

4 ص: 28.

5 الجاثية: 21.

ص: 22

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تفت المساواة بين المسلم والكافر والقصاص مبناه على المساواة والمماثلة بين الطرفين.

وكذلك استدلوا بقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} .1

وجه الدلالة من الآية:

الآية تدل دلالة واضحة على أنه لا يقتص من المسلم للكافر المستأمن أو غيره، لأنها خاصة بالمسلمين لأنهم هم الأخوة ولا مؤاخاة بين المسلم والكافر.

وبقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} .2

وجد الدلالة من الآية:

فالآية الكريمة نفت نفياً قاطعاً أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيل أي سبيل كان، لأن السبيل نكرة في سياق النفي فيعم كل سبيل وحيث كان القصاص سبيلاً من السبل كان داخلاً في العموم المستفاد من النفي فينفي.3

1 البقرة: 178.

2 النساء: 141.

3 الحاوي للماوردي ص 93.

ص: 23

ب - دليلهم من السنة:

1-

بما روى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقتل مسلم بكافر".1

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث نص صريح في أن المسلم لا يقتل بالكافر أي كافر كان مستأمناً أو ذمياً أو غيرهما، لأن كلمة كافر عامة تشمل المعاهد وغيره، ولأنها نكرة في سياق النفي والنكرة في سياق النفي تعم، فلفظ الكافر عام يشمل جميع الكفار المستأمنين وغيرهم.

حتى أن ابن المنذر قال: "لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر يعارضه".2

2-

وبما روى عن علي رضي الله عنه أن الرسول قال: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده".3

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث ظاهر الدلالة في أن المؤمن لا يقتل بالكافر أي كافر كان مستأمناً أو غيره.

1 أخرجه البخاري 2/178 كتاب الجهاد باب فكاك الأسير.

2 الإشراف لابن المنذر 2/57.

3 أخرجه أحمد 1/122، وأبو داود 4/667، 668، كتاب الديات باب إيقاد المسلم بالكافر. والنسائي 8/19 كتاب القسامة باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس، قال ابن عبد الهادي في المحرر في الحديث 2/600 رجاله الصحيحين.

ص: 24

قال الخطابي: "فيه البيان الواضح أن المسلم لا يقتل بأحد من الكفار كان المقتول منهم ذمياً أو مستأمناً أو ما كان، وذلك أنه نفي في نكر فاشتمل على جنس الكفار عموماً".1

ويمكن الاستدلال بالحديث من وجه آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم"، فبين صلى الله عليه وسلم أن دماء المسلمين تتكافأ فيما بينهم، دون دماء غيرهم من الكفار، ولا قصاص مع عدم المكافأة في الدم.

3-

وبما روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده".2

فالحديث نص صريح في عدم وجوب القصاص على المسلم إذا قتل كافراً مستأمناً أو غيره.

قال صاحب تحفة الأحوذي: "الحديث صحيح صريح في أنه لا يقتل مسلم بكافر".3

ج - دليلهم من المأثور:

1-

بما روى عن الحسن أنه قال: سئل عثمان رضي الله عنه عن رجل يقتل يهودياً أو نصرانياً قال: "لا يقتل مسلم بكافر وإن قتله عمداً".4

1 انظر: معالم السنن مع سنن أبي داود 4/668.

2 أخرجه أحمد 2/191، 192، والترمذي 4/25 باب ديات الكفار حديث رقم 1413 وقال حديث حسن صحيح. والبيهقي 8/29 وعبد الرزاق 10/99.

3 انظر: تحفة الأحوذي 4/670.

4 أخرجه ابن أبي شيبة 9/294.

ص: 25

2-

وبما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال: من السنة أن لا يقتل مؤمن بكافر.1

فهذه الآثار المروية عن بعض الصحابة تدل دلالة واضحة على أن المسلم لا يقتل بالكافر المستأمن وغيره، حتى قال ابن حزم:"إنه لم يصح عن أحد من الصحابة شيء غير هذا".2

ج - أما دليلهم من المعقول: فمن وجهين:

1-

عدم المساواة بين المسلم والمستأمن في الدين والعصمة، فالمسلم دينه الإسلام ينبوع الكرامة والعزة، والمستأمن دينه الكفر ينبوع الذل والهوان، والمسلم معصوم الدم على التأبيد بإيمانه، والمستأمن معصوم بأمانه بصفة مؤقتة، ولا قصاص مع عدم المساواة.3

2-

أن شبهة الكفر والحرابة الموجودة فيه أباحت دمه لعزمه على العود إلى داره، ومع قيام الشبهة لا يقتل المسلم به.4

هـ - أما دليلهم من القياس: فمن وجهين:

1-

قاسوا المستأمن على الذمي.5

1 أخرجه الدارقطني 3/134، وابن أبي شيبة 9/295، وقال الألباني ضعيف جداً. انظر: إرواء الغليل 7/267.

2 انظر: المحلى لابن حزم 10/347.

3 انظر: فتح الباري 2/262، والأم 7/321، والمبسوط 6/133،134، والاختيار 5/27.

4 انظر: فتح الباري 12/262، والاختيار 5/27.

5 بداية المجتهد 2/299، وتكملة المجموع 17/236.

ص: 26

قالوا: فكما لا يجوز قتل المسلم بالذمي كذلك لا يجوز قتله بالمستأمن.

وهذا عند المالكية، والشافعية، والحنابلة، لأن الحنفية يقتل عندهم المسلم بالذمي.

2-

بالقياس على حد القذف، قالوا فكما لا يحد المسلم إذا قذف مستأمناً فكذلك لا يجب عليه القصاص بقتله.1

قال ابن حزم: "وهذا أصح قياس يكون لو كان القياس حقاً لأنها حرمة وحرمة".2

ثانياً: أدلة أصحاب القول الثاني القائلين بأن المسلم يقتل بالمستأمن:

استدلوا بالكتاب، والسنة، والمأثور، والمعقول، والقياس:

أ - دليلهم من الكتاب:

عموم الآيات التي شرعت القصاص كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} .3

فالآية عامة في وجوب القصاص على القاتل لا فرق بين مسلم وكافر.4

1 مغني المحتاج 4/16.

2 المحلى لابن حزم 10/357.

3 البقرة: 178.

4 أحكام القرآن للجصاص 1/133 - 141.

ص: 27

2-

وبقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} .1

فالآية تدل على أن المسلم يقتل بالمستأمن لأن النفس عامة تشمل نفس المسلم والمستأمن، والحربي، ولولا حرابته لدخل في العموم إلا أنه مهدر الدم نظراً لخروجه عن الطاعة.2

ب - دليلهم من السنة:

أولاً: بالعمومات الواردة في الأحاديث التي دلت على مشروعية القصاص في القتل العمد، من غير فرق بين قتيل وآخر.

منها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة".3

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ومن قتل له قتيل فوليه بخير النظرين إما أن يؤدي وإما أن يقاد".4

فهذه الأحاديث يقتضي عمومها قتل المسلم بالمستأمن، لأن لفظ النفس فيها عام يشمل نفس المسلم ونفس الكافر.5

1 المائدة: 45.

2 أحكام القرآن للجصاص 1/140 وشرح فتح القدير 5/275.

3 أخرجه البخاري 4/188 كتاب الديات، ومسلم 3/1302، كتاب القسامة باب ما يباح به دم المسلم واللفظ له.

4 أخرجه البخاري 4/188 كتاب الديات باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين. ومسلم 2/988 كتاب الحج باب تحريم مكة.

5 أحكام القرآن للجصاص 1/141، وتبيين الحقائق 6/104.

ص: 28

ثانياً: بما روى عبد الرحمن بن البيلماني1 عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مسلماً بمعاهد وقال أنا أكرم من وفى بذمته.2

فالحديث ظاهر الدلالة في قتل المسلم بالمعاهد المستأمن وغيره لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.3

ج - دليلهم من المأثور:

1-

بما روى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهم أنهما قالا: إذا قتل المسلم يهودياً أو نصرانياً قتل به. 4

د - دليلهم من المعقول:

1-

أن عصمة المستأمن ثابتة وقت القتل وهذا يكفي لوجوب القصاص على قاتله حتى لو كان مسلماً، والعصمة ينبغي أن ينظر إليها عند وقوع الجريمة فما دام المقتول وقت قتله معصوم الدم فهذا يكفي بتحقيق المساواة بينه وبين القاتل.5

1 هو عبد الرحمن بن أبي زيد شاعر أبوه كان مولى لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه واختلف في توثيقه. قال ابن حجر: ضعيف، وتوفي سنة 90هـ. انظر: تقريب التهذيب 1/474، والأعلام 3/307.

2 أخرجه عبد الرزاق 10/10، وابن أبي شيبة 9/290، والبيهقي 8/30، وضعفه الدارقطني 3/135 وضعفه الشافعي في مسنده ص 343.

3 تبيين الحقائق 6/104، والمبسوط 26/133.

4 ذكره الجصاص في أحكام القرآن 1/141، ولم أجده في كتب السنن والآثار المشهورة.

5 الاختيار 5/27.

ص: 29

2-

لأن عدم القصاص من المسلم للمستأمن فيه من الفساد ما لا يخفى كعدم الوفاء بالعهد، وعدم تحقيق العدل الذي تقوم عليه الشريعة الإسلامية.1

هـ - دليلهم من القياس:

قياس المستأمن على الذمي:

قالوا: فكما أن المسلم إذا جنى على ذمي يقتص منه فكذلك إذا جنى على المستأمن، بجامع أن كلاً منهما كافر ومعصوم الدم وقت القتل.2

المناقشة:

أولاً: مناقشة أدلة الجمهور:

أ - بالنسبة لاستدلالهم بالآيات التي نفت المساواة بين المسلم والكافر يرد عليهم بأن المراد بالتساوي فيها هو التساوي في الثواب والأجر عند الله يوم القيامة، فالمؤمن يثاب بالجنة. والكافر يثاب بالنار، فلا يشمل القصاص.

لأن القصاص يكفي فيه التساوي في العصمة وهو موجود وقت وقوع الجناية.

1 الاختيار 5/27.

2 المبسوط 26/134، وبدائع الصنائع 7/235، وتبيين الحقائق 6/104 من سورة الحشر.

ص: 30

ويؤيد ذلك قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} 1 فهو نص في الفوز الأخروي2، وأجيب عن ذلك:

بأن التساوي عام يشمل التساوي في الثواب والأجر، وغيره كالتساوي في القصاص.3

أما استدلالهم بقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} .4

فيرد عليه: بأنه لا دلالة في الآية على أن المراد بالأخوة هي الأخوة في الدين فيحتمل أن تكون الأخوة من جهة النسب.5

قال ابن التركماني6: المراد بقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ}

1 الحشر: 40.

2 تبيين الحقائق 6/104، والمبسوط 26/134.

3 الحاوي الكبير ص 93.

4 البقرة: 178.

5 أحكام القرآن للجصاص 1/141.

6 هو علاء الدين علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني الحنفي أبو الحسن، من علماء الحديث واللغة، ولد سنة 683 وتوفي سنة 745 وقيل 750 له مؤلفات كثير منها: المنتخب في علوم الحديث، والجوهر النقي. انظر ترجمته في: الفوائد البهية ص 123، والأعلام 4/311.

ص: 31

الأخوة في الجنسية1 لقوله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ} .2

وأجيب عن ذلك: بأن الأخوة في الآية لا تحتمل غير الأخوة في الدين كما يفيد أول الآية فالخطاب فيها للمؤمنين، وهم الأخوة دون غيرهم، أما احتمال الأخوة من جهة النسب فهذا احتمال ضعيف.

أما استدلالهم بقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} .3

فيرد عليه بأن السبيل لا يحتمل القصاص في الآية بأي حال من الأحوال، وإنما المراد به التسلط، أو الاستيلاء عليهم في الدنيا، أو أن يكون المراد بالسبيل الحجة، فلله الحجة البالغة، أو يكون المراد بالسبيل في الآخرة فقط.

وأجيب عن ذلك:

بأن السبيل عام لأنه نكرة في سياق النفي فيشمل سبيل التسلط على المؤمنين والاستيلاء عليهم إلى جانب القصاص الذي هو من أعظم السبل فيكون داخلاً تحت العموم المستفاد من النفي فينفى.

1 انظر: الجوهر النقي مع السنن الكبرى للبيهقي 8/28.

2 الشعراء: 123.

3 النساء: 141.

ص: 32

ب - مناقشة أدلتهم من السنة:

بالنسبة لاستدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مسلم بكافر" يرد عليه بأن المراد بالكافر في الحديث الكافر الحربي دون المعاهد الذمي أو المستأمن. 1

وأجيب عن ذلك:

بأن لفظ الكافر عام يشمل الكافر الحربي وغيره كالذمي والمستأمن، ولم يرد ما يخصص عموم الحديث بالكافر الحربي.2

وكذلك أيضاً استدلالهم بباقي الأحاديث، يرد عليه بأن الكافر الذي لا يقتل به المسلم في الأحاديث هو الكافر الحربي، ويدل على ذلك جعله مقابلاً للمعاهد فالمعاهد يقتل بمن هو مثله من المعاهدين إجماعاً، فعلى هذا يكون التقدير لا يقتل مسلم بكافر حربي ولا ذو عهد في

عهد بكافر حربي فإن الصفة بعد متعدد ترجع إلى الجميع اتفاقاُ.3

وأجيب عن ذلك بما يلي:

1-

الجملة المتنازع عليها في الحديث وهي قوله: "ولا ذو عهد في

1 أحكام القرآن للجصاص 1/141، وتبيين الحقائق 6/104، والبحر الرائق 8/337، والمبسوط 26/134.

2 مغني المحتاج 4/16، وحاشية الشرقاوي 2/355، والمغني 7/657، وكشاف القناع 5/523، 524.

3 أحكام القرآن للجصاص 1/142، 143، وتبيين الحقائق 6/104، وبدائع الصنائع 7/237،238، وشرح معاني الآثار للطحاوي 3/193.

ص: 33

عهده" لا تقدير فيها أصلاً لأنها لمجرد النهي عن قتل المعاهد.1

2-

ولأن قوله صلى الله عليه وسلم ولا ذو عهد في عهده، كلام مبتدأ مستأنف أي لا يقتل ذو العهد لأجل عهده، ولم يكن هناك عطف فلا حاجة إلى التقدير، ومما يدل على ذلك أنه قد ورد في بعض روايات الحديث الاقتصار على الجملة وهي قوله صلى الله عليه وسلم "وأن لا يقتل مسلم بكافر". وهي من أقوى الروايات لأنها وردت في صحيح البخاري.2

3-

وأيضاً لو سلمنا بان الجملة معطوفة فعدم التقدير أولى من التقدير فإن التقدير لا يصار إليه إلا للضرورة ولا ضرورة هنا3

4-

وأيضاً لو حملنا لفظة الكافر في الحديث عل الكافر الحربي فقط لخلا الحديث من الفائدة فإن قتل الكافر الحربي عبادة، فكيف يعقل ورود النهي عن قتله به فعلم أن المراد النهي عن قتل المعاهد، لئلا يتوهم إباحة قتله بعد العلم بأن المسلم لا يقتل به.4

ج - مناقشة أدلتهم من المأثور:

ما روى عن عثمان رضي الله عنه قول صحابي لا حجة فيه، ولا يمكن أن يقوى على تخصيص عموم الكتاب والسنة.

1 نيل الأوطار 7/10.

2 مغني المحتاج 4/ 16، وفتح الباري 12/261.

3 نيل الأوطار 7/11، وسبل السلام 3/1189، 1190.

4 مغني المحتاج 4/16.

ص: 34

أجيب عن ذلك:

بأن عثمان رضي الله عنه ما قال: وما حكم بعدم قتل المسلم بالكافر المعاهد إلا بعد أن استند إلى الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله القاضية بعدم قتل المسلم بالكافر المعاهد وغيره، وبهذا يتقوى قوله وفعله ويكون حجة عليهم.

أما ما روى عن علي فهو ضعيف وعلى فرض صحته فلا تثبت به حجة لأنه روى عنه خلاف ذلك وهو قتل المسلم بالمعاهد.1

وأجيب عن ذلك:

بأن ما روى عن علي رضي الله عنه وإن كان ضعيفاً فهو يتقوى بالأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القاضية بعدم قتل المسلم بالكافر أي كافر كان.

وأيضاً ما روى عن علي رضي الله عنه أن يقول يقتل المسلم بالمعاهد فهذا فيه ضعف، لأنه هو الذي روى الحديث الصحيح الصريح عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي دل دلالة واضحة على أن المسلم لا يقتل بالكافر، والعبرة لما روى الراوي لا بما فعل.2

د - مناقشة أدلتهم من المعقول:

قولهم بأن القصاص يعتمد على المساواة ولا مساواة بين المسلم والمستأمن لاختلافهما في الدين والعصمة.

1 شرح معاني الآثار 3/193.

2 نيل الأوطار 7/11،12.

ص: 35

يرد عليه: أن المساواة في الدين ليست بشرط في وجوب القصاص ألا ترى أن الذمي إذا قتل ذمياً ثم أسلم القاتل أنه يقتل به قصاصاً ولا مساواة بينهما في الدين.1

فالمساواة من كل وجه لا تعتبر في وجوب القصاص، بل تعتبر المساواة في العصمة حسماً لمادة الفساد، وتحقيقاً لمعنى الزجر، ولو اعتبرت المساواة في كل شيء لانسد باب القصاص، ولما جرى بين الذكر والأنثى، والصحيح والسقيم، وحيث إن العصمة ثابتة للمستأمن وقت الجناية كالمسلم، فالقصاص يجري بينهما.2

أجيب عن ذلك:

بأنه لا مساواة بين المسلم والمستأمن في العصمة.

فالمسلم معصوم بإسلامه وعصمته مؤبدة، والمستأمن معصوم بأمانه وعصمته مؤقتة، فاختلفت العصمة، وعلى فرض المساواة في العصمة، فهي لا تكفي لوحدها بل يشترط أيضاً المساواة في الدين الذي هو أساس المساواة، ولا مساواة بين المسلم والمستأمن في الدين، ولا قصاص مع عدم المساواة.

أما قول الجمهور بأنه يوجد شبهة في عصمة دم المستأمن، وهو الكفر المبيح لدمه، فهو غير مسلم لأن الكفر المبيح للدم هو الكفر الباعث على الحرابة، أي كفر المحارب لا كفر المسالم، ولهذا حكم بعدم قتل

1 بدائع الصنائع 7/237،238.

2 الجوهرة النيرة 2/267، وتبيين الحقائق 6/104.

ص: 36

الصغار والنساء والشيوخ مع قيام الكفر فيهم لعدم حرابتهم، وكفر المستأمن والذمي ليس بباعث على الحراب، لدخولهما في العهد، فلا يكون كفرهما مبيحاً لقتلهما، فتنتفي الشبهة من عصمته.1

وأجيب عن ذلك:

بأن الشبهة موجودة في عصمة المستأمن لأنه من أهل دار الكفر، فلا يؤمن أن ينقض العهد ويرجع إلى داره فيكون محارباً للمسلمين، فوجود الكفر ولو مع عدم المحاربة يعتبر شبهة في عصمة المستأمن، ومع وجود الشبهة فلا قصاص بينه وبين المسلم.

هـ - مناقشة أدلتهم من القياس:

قياسهم المستأمن على الذمي قياس مع الفارق، لأن المستأمن عصمته مؤقتة إلى أجل ثم يرجع إلى داره دار الكفر، أما الذمي فعصمته مؤبدة فصار دمه لا يحتمل الإباحة، ولأن الذمي يدفع الجزية بخلاف المستأمن.2

وأجيب عن ذلك:

بأن القياس صحيح، لأن الذمي كان معصوم الدم بالعهد، وكذلك المستأمن كافر معصوم الدم بالأمان، والعبرة بالمساواة في العصمة وقت الجناية وهي موجودة في كل منهما.

وفي هذا يقول ابن حزم: "ولا ندري من أين وجب إسقاط القود

1 بدائع الصنائع 7/237، وتبيين الحقائق 6/104، والبحر الرائق 8/237، وكشف الحقائق 2/267.

2 تبيين الحقائق 6/104، وبدائع الصنائع 7/237.

ص: 37

بهذا الفرق وكلاهما محرم الدم إذا قتل تحريماً مساوياً لتحريم الآخر، وإنما يراعى الحكم وقت الجناية الموجبة للحكم لا بعد ذلك، ولعل المستأمن لا يرجع إلى دار الحرب، ولعل الذمي ينقض الذمة، ويلحق بدار الحرب فيعود دمه حلالاً ولا فرق".1

أما قياسهم قتل المسلم للمستأمن على قذفه فهو قياس مع الفارق لأن هناك فرقاً بين القتل والقذف، فالقتل فيه إزهاق للروح الإنسانية بخلاف القذف، ولأن القصاص حق للعبد، والقذف حق لله.

وأجيب عن ذلك:

بأننا لا ننكر أن هناك فرقاً بين القصاص والقذف في بعض النواحي، لكن قياسنا على وجوب الحد، وحيث لا يجب الحد على المسلم إذا قذف مستأمناً فكذلك لا يقتل به لعدم المساواة، ولا يجب القصاص إلا عند تحقق المساواة بين الطرفين.

ثانياً: مناقشة أدلة القائلين بوجوب القصاص للمستأمن من المسلم:

أ - مناقشة أدلتهم من الكتاب:

استدلالهم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} وأنها عامة في المسلم والكافر.

يرد عليه: بأن الخطاب في أول الآية للمؤمنين فلا يتناول غيرهم من

1 انظر: المحلى لابن حزم 10/357.

ص: 38

الكفار، فيكون القصاص فرضاً عليهم في القتلى منهم، ويدل على ذلك آخر الآية {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} والكافر لا يكون أخاً للمسلم، لأن الأخوة إنما هي بين المؤمنين. قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} .1

وقولهم بأنها عامة يقال لهم بأنها مخصصة بالأدلة من كتاب الله وسنة رسوله القاضية بأن المسلم لا يقتل بالكافر أي كافر كان مستأمناً أو غيره، والتي منها قوله صلى الله عليه وسلم لا يقتل مسلم بكافر، وغيرها من الأدلة المانعة من قتل المسلم بالكافر والتي مضت.2

وكذلك استدلالهم بقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وأنها عامة في نفس المسلم والكافر.

يرد عليه: بأن الآية وإن كانت عامة فهو مخصصة بما سبق من الأدلة القاطعة بان المسلم لا يقتل بالكافر المستأمن أو غيره.

وأيضاً الآية كما يقول ابن حزم خاصة بالمسلمين كما يفيد آخرها.

{فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} ، ولا خلاف في أن صدقة الكافر على ولي الكافر المقتول عمداً لا تكون كفارة له.3، فبطل استدلالهم بهذه الآية.

1 الحجرات: 10.

2 المغني 7/794، ونيل الأوطار 7/11، ومغني المحتاج 4/16.

3 انظر: المحلى لابن حزم 10/351.

ص: 39

ب - مناقشة أدلتهم من السنة:

بالنسبة لاستدلالهم بعموم حديثي ابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهم يرد عليه:

بأن هذا العموم مخصص بالأحاديث الصريحة الصحيحة في هذا الموضوع وهو عدم قتل المسلم بالكافر المستأمن وغيره، والتي سبقت وأيضاً حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ليس عاماً، بل خاص بالنفس المسلمة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يحل دم امرئ مسلم".

أما استدلالهم بحديث ابن البيلماني والذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قتل مسلماً بمعاهد.

فيرد عليه بما يلي:

1-

أنه حديث مرسل ولا تثبت بمثله حجة1، وقال القرطبي: إنه ضعيف لا تقوم به حجة.2

2-

لو سلمنا بوصله، فهو حديث ضعيف لأنه من رواية عبد الرحمن ابن البيلماني وهو ضعيف كما قال ابن حجر.3

وقال الدارقطني: بأنه ضعيف إذا وصل الحديث فكيف إذا أرسله.4

وقال أبو عبيد هذا حديث ليس بمسند ولا يجعل حجة لأن تسفك

1 فتح الباري 12/262، ونيل الأوطار 7/11، وسبل السلام 3/1189.

2 انظر: الجامع لأحكام القرآن 2/247.

3 انظر: تقريب التهذيب 1/474.

4 انظر: سنن الدارقطني 3/130، 131.

ص: 40

به دماء المسلمين.1

3-

وعلى فرض صحته فهو منسوخ بحديث "لا يقتل مسلم بكافر" قال الإمام الشافعي: "إن حديث ابن البيلماني كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو بن أمية الضمري" 2 فلو ثبت كان منسوخاً لأن حديث "لا يقتل مسلم بكافر" من خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وقصة عمرو بن أمية متقدمة على ذلك بزمان.3

4-

قال الماوردي: "يجوز أن يكون القاتل أسلم بعد قتله، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم به".

وإذ احتمل هذا وجب التوقف عن الاحتجاج.

وقال أيضاً: حديث عبد الرحمن ضعيف ثم مرسل لأن ابن البيلماني ليس صحابياً والمراسيل ليست بحجة، ولو سلم الاحتجاج به لم يكن فيه دليل لأنها قصة عين لا تجري على العموم.4

5-

لو سلمنا بصحة الحديث وأنه ليس منسوخاً لكان حديث:

1 نقلاً عن فتح الباري 12/ 262، ونيل الأوطار 7/11.

2 هو عمرة بن أمية بن خويلد بن عبد الله الضمري، صحابي شجاع، شهد بئر معونة وغيرها من الوقائع في عهد الخلفاء الراشدين، وتوفي بالمدينة في خلافة معاوية سنة 55هـ له عشرون حديثاً. انظر ترجمته في: الإصابة 4/285، وتقريب التهذيب 2/65، ولأعلام 5/73.

3 انظر: الأم 6/38.

4 انظر: الحاوي للماوردي ص100.

ص: 41

"لا يقتل مسلم بكافر" مقدماً عليه لأنه أخرجه الإمام البخاري في صحيحه ومن وجوه الترجيح عند المحدثين تقديم الحديث المخرج في الصحيحين على غيره.1

ج - مناقشة دليلهم من المأثور:

ما روى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما لا يقوى على مقاومة الأحاديث الصحيحة المانعة من قتل المسلم بالكافر.

وأيضاً على رضي الله عنه هو الراوي لأصح هذه الأحاديث فكيف يمكن أن يخالف ما رواه؟.

د - مناقشة أدلتهم من المعقول:

قولهم بأن المستأمن مساوٍ للمسلم في العصمة، فهذا غير صحيح لأن المسلم معصوم الدم بإسلامه والمستأمن معصوم الدم بأمانه، وهنالك فرق بين الإسلام، والأمان، فأني يتساويان؟

وعلى فرض المساواة يقال لهم أن المساواة التي يجب أن تتوفر في القصاص هي المساواة في الدين إلى جانب العصمة ومع انتفاء المساواة بين المسلم والمستأمن في الدين ينتفي القصاص.

أما قولهم بأن عدم القصاص من المسلم للمستأمن فيه تنفير لهم وعدم تحقيق للعدالة.

يرد عليه: أن المسلم لا يتعمد غالباً قتل المعاهد من الذميين

1 انظر: القصاص في النفس ص415.

ص: 42

والمستأمنين المقيمين في دار الإسلام، إلا إذا رأى منهم ما يبيح قتلهم كالاستهزاء بالدين الإسلامي والاعتداء على حرمات الإسلام والمسلمين.

أما تحقيق العدالة فعدم القصاص من المسلم للمستأمن غاية العدالة للفرق الشاسع بين المسلم والكافر المستأمن وغيره.

هـ - مناقشة دليلهم من القياس:

أما قياسهم المستأمن على الذمي.

فهو قياس فاسد الاعتبار لأنه في مقابلة النصوص الصحيحة الصريحة التي دلت على أن المسلم لا يقتل بالكافر ذمياً كان أو مستأمناً أو حريباً.

الرأي المختار:

وبعد عرض آراء الفقهاء وأدلتهم، وما ورد عليها من ردود ومناقشات، تبين لي أن ما ذهب إليه الجمهور من أنه لا يقتل المسلم بالمستأمن هو الرأي الراجح وذلك لما يلي:

1-

أن جميع الأدلة التي استدل بها القائلون بوجوب القصاص للمستأمن من المسلم كأبي يوسف وغيره من الحنفية قد رُدَّ عليها، ونوقشت بالمناقشات الصحيحة ولم يبق لهم ما يحتجون به، فالآيات والأحاديث العامة التي احتجوا بها مخصصة بالأدلة الصحيحة التي صرحت بأن المسلم لا يقتل بالكافر مستأمناً كان أو ذمياً أو حربياً.

وأما أدلتهم من المعقول والقياس فهي احتمالات وتأويلات لا تقوى على مقاومة ومعارضة الأدلة الصحيحة الصريحة القاضية بعدم قتل المسلم بالكافر.

ص: 43

وعلى العكس من هذا أدلة الجمهور نجدها قوية سالمة من الردود والمناقشات الصحيحة.

2-

أن الشريعة الإسلامية هي دين العدالة ومن عدالتها أنها لم تهدر دم المستأمن كدم الحربي والمرتد، وإنما أوجبت على قاتله المسلم أو غيره الدية تعويضاً له على دمه المعصوم بصفة مؤقتة في دار الإسلام.

ومع ما سبق ترجيحه من أن المسلم لا يقتل بالكافر فلإمام المسلمين أن يوقع من التعزير ما يراه مناسباً في حق الذين يتعدون على رعايا الدولة الإسلامية من المستأمنين وغيرهم.

ص: 44