المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: أثره في الميراث بين غير المسلمين - اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية - جـ ٢

[عبد العزيز بن مبروك الأحمدي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: أثر اختلاف الدارين في الأحكام الشرعية

- ‌الفصل الأول: أثر اختلاف الدار في وجوب القصاص والدية والكفارة على المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث الأول: اختلاف الدار وأثره في وجوب القصاص

- ‌المبحث الثاني: اختلاف الدارين وأثره في وجوب الدية

- ‌المطلب الأول: أثره في دية المعاهد الكتابي

- ‌المطلب الثاني: أثره في دية المعاهد المجوسي وغيره من الكفار

- ‌الفصل الثاني: اختلاف الدار في جرائم الحدود في دار الإسلام

- ‌المبحث الأول: أثره في إقامة حد الزنا على المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث الثالث: أثره في إقامة حد السرقة على المستأمنين في دار الإسلام

- ‌المبحث الرابع: أثره في إقامة حد الحرابة على المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث الخامس: أثره في ارتكاب جريمة البغي من المستأمن في دار الإسلام

- ‌المبحث السادس: أثره في تجسس المستأمن في دار الإسلام

- ‌الفصل الثالث: اختلاف الدار وأثره في الجهاد

- ‌الفصل الرابع: اختلاف الدار وأثره في أحكام المعاملات والنكاح

- ‌المبحث الأول: أثره في التعامل بالربا في دار الكفر

- ‌المبحث الثاني: أثره في نكاح الكتابية في دار الحرب

- ‌الفصل الخامس: اختلاف الدار وأثره في الجرائم في دار الكفر

- ‌المبحث الأول: أثره في جرائم القصاص في دار الكفر

- ‌المبحث الثاني: اختلاف الدار وأثره في جرائم الحدود في دار الحرب

- ‌الفصل السادس: اختلاف الدار وأثره في الميراث والوصية

- ‌المبحث الأول: اختلاف الدار وأثره في الميراث

- ‌المطلب الأول: أثره في الميراث بين غير المسلمين

- ‌المطلب الثاني: أثره في ميراث المرتد

- ‌فهرس المصادر والمراجع المطبوعة

الفصل: ‌المطلب الأول: أثره في الميراث بين غير المسلمين

‌الفصل السادس: اختلاف الدار وأثره في الميراث والوصية

‌المبحث الأول: اختلاف الدار وأثره في الميراث

‌المطلب الأول: أثره في الميراث بين غير المسلمين

قبل أن نبين هل لاختلاف الدار أثر في الميراث بين غير المسلمين، ينبغي أن نبين معنى اختلاف الدارين، الذي يمنع الميراث وأنواعه، والنوع الذي يمنع الميراث عند القائلين به.

أولا: معنى اختلاف الدارين الذي يمنع الميراث عند القائلين به:

هو أن يكون كل من الوارث والموروث في دار تخالف الأخرى، في المنعة والملك والسلطة وغلبة الأحكام، مع انقطاع الولاية والعصمة بينهما، كدار الإسلام ودار الكفر، فالذمي الذي في دار الإسلام لا يرث قريبه في دار الكفر والعكس. وبين أجزاء دار الكفر نفسها كالروم والهند، فالكافر الذي في الروم مثلا لا يرث قريبه الكافر في الهند والعكس.

أما دار الإسلام فتعتبر وطنا واحدا لجميع المسلمين، فيرث المسلم في أي بلد من بلاد الإسلام قريبه المسلم، لأن الإسلام صير بلاد المسلمين وطنا واحدا، فمهما تباعدت الديار، واختلفت الجنسيات، فلا عبرة بهذا كله، فدار الإسلام وطن واحد لجميع المسلمين، لأن الإسلام جمع بينهم وجعلهم إخوة، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة

} 1، وحرم دماء بعضهم على بعض، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلا

1 الحجرات: 10.

ص: 377

خَطَأً} 1، وقال تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} 2، وقال صلى الله عليه وسلم:"إذا إلتقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار"3.

وبهذا فإن المسلم يرث قريبه في أي دار من ديار الإسلام.4

ثانيا: أنواع اختلاف الدارين:

النوع الأول: الاختلاف حقيقة وحكما، ويتحقق باختلاف التبعية والإقامة، كأن يكون الوارث حربيا في دار الكفر والمورث ذميا في دار الإسلام.

فإذا مات الحربي في دار الكفر وله قريب ذمي في دار الإسلام، أو مات الذمي في دار الإسلام وله قريب حربي في دار الكفر، لم يرث أحدهما من الآخر.

لأن الذمي من أهل دار الإسلام والحربي من أهل دار الكفر، فهما وإن اتحدا في الملة، لكن لتباين الدارين بينهما حقيقة وحكما، تنقطع الولاية بينهما، فتنقطع الوارثة المبنية على الولاية، لأن الوارث خلف

1 النساء: 92.

2 النساء: 93.

3 أخرجه البخاري 4/187، كتاب الديانات باب قوله تعالى:{وَمَنْ أَحْيَاهَا} ومسلم 4/2214 كتاب الفتن حديث 2888.

4 المبسوط 30/33 وحاشية رد المختار 6/ 768، وتبيين الحقائق 6/240، والاختيار 5/116، والبحر الرائق 8/571، وشرح السراجية ص 81.

ص: 378

المورث في ماله ملكا ويدا وتصرفا.

وكذلك يتحقق الاختلاف الحقيقي والحكمي بين الكافرين، إذا كان كل منهما في دار مختلفة عن الأخرى، كالروم والهند، لأن دار كل واحد منهما مختلفة عن الأخرى في الملك، والسلطة، والمنعة، والقوة، والجيوش التي تدافع عنها.

النوع الثاني: الاختلاف حكما فقط، كالذمي والمستأمن في دار الإسلام، فالمستأمن الحربي لا يرث قريبه الذمي، والذمي لا يرث قريبه المستأمن، لأن داريهما مختلفتان، فالمستأمن من أهل دار الكفر حقيقة ومن أهل دار الإسلام حكماً، والذمي من أهل دار الإسلام حقيقة ومن أهل دار الحرب حكماً.

النوع الثالث: الاختلاف حقيقة فقط، كالمستأمن الحربي في دار الإسلام، والحربي في دار الكفر، فإنهما يتوارثان، فالحربي المستأمن في دار الإسلام يرث قريبه الحربي في دار الحرب والعكس.1

1 المبسوط 30/33، وتبيين الحقائق 6/240، ومجمع الأنهر 2/748، واللباب 4/188، والاختيار 5/116، وحاشية ابن عابدين 6//768، والبحر الرائق8/571، وحاشية القنازي مع شرح السراجية ص 81، 82، وأحكام التركات والمواريث لأبي زهرة ص 113.

ص: 379

أما النوع الذي يمنع الميراث عند القائلين بأن اختلاف الدار مانع من موانع الميراث -وهم فقهاء الحنفية- فهو النوع الأول، أي الاختلاف حقيقة وحكما، كالذمي في دار الإسلام والحربي في دار الحرب، فلا توارث بينهما لانقطاع العصمة والولاية بين داريهما.1

قال ابن عابدين: "إذا مات الحربي في دار الحرب، وله وارث ذمي في دارنا، أو مات الذمي في دارنا وله وارث في دارهم، لم يرث أحدهما من الآخر، لتباين الدارين حقيقة وحكما، وإن اتحدا ملة"2

كذلك يتحقق الاختلاف حقيقة وحكما بين الحربيين، فلا يتوارثون فيما بينهم إذا اختلفت ديارهم في السلطة والمنعة والقوة.

قال السرخسي: "أهل الحرب لا يتوارثون إذا اختلفت منعتهم وملكهم، فباختلاف المنعة والملك تختلف الدار فيما بينهم، وبتباين الدار ينقطع التوارث"3.

وكذلك النوع الثاني: وهو اختلاف الدارين حكما يمنع التوارث، كالذمي والمستأمن في دار الإسلام، فلا يرث أحدهما الآخر، لأن المستأمن من أهل دار الحرب، والذمي من أهل دار الإسلام، فلا توارث بينهما

1 البحر الرائق 8/571، وحاشية الفناري ص 78، 79، واللباب في شرح الكتاب 4/188، وتبيين الحقائق 6/240.

2 حاشية رد المختار 6/768.

3 المبسوط 3/33.

ص: 380

لتباين الدارين1.

قال الزيلعي: "اختلاف الدار يمنع الإرث، والمؤثر هو الاختلاف حكما حتى لا تعتبر الحقيقة بدونه، حتى لا يجري الإرث بين المستأمن والذمي في دارنا ولا في دار الحرب"2

وقال السرخسي: "المستأمن في دار الإسلام لا يجري التوارث بينه وبين الذمي"3

أما النوع الثالث: وهو الاختلاف حقيقة فقط، فلا أثر له في المنع من الميراث، كالمستأمن الحربي في دار الإسلام، والحربي في دار الحرب فيرث أحدهما الآخر.4

وقبل أن نبين آراء الفقهاء في أثر اختلاف الدار في المنع من الميراث بين غير المسلمين ينبغي أن نشير إلى بعض الأحكام المتفق عليها في الميراث

ومنها:

1-

اتفق الفقهاء على أن اختلاف الدار لا أثر له في التوارث بين

1 مجمع الأنهر 2/748، والاختيار 5/86،116، وشرح السراجية ص 78، 81، واللباب 4/188، والبحر الرائق 8/571.

2 انظر: تبيين الحقائق 6/240.

3 انظر: المبسوط 3/33.

4 حاشية ابن عابدين 6/768، وبدر المتقي 2/748، والاختيار 5/116، وتبيين الحقائق 6/240، وشرح السراجية ص 78

ص: 381

المسلمين وغير المسلمين1، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما:"لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" 2

2-

وكذلك اتفقوا على أن غير المسلمين يتوارثون فيما بينهم إذا كانوا من ملة واحدة.3

1 تبيين الحقائق 6/240، والاختيار 5/116، وأحكام القرآن للجصاص 2/10، وبداية المجتهد 2/295، وقوانين الأحكام الشرعية ص 421، ومغنى المحتاج 3/24، والمغني 6/297، والإفصاح لابن هبير 25/92، والمقنع بحاشيته 2/450. وروي عن معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان وسعيد بن المسيب والنخعي والشعبي: أن المسلم يرث الكافر. انظر: المغني 6/294، وبداية المجتهد 2/295، وشرح السنة 8/364.

قال الإمام البغوي بعد أن ذكر حديث أسامة: والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من الصحابة، فمن بعدهم. انظر: شرح السنة 8/364.

قلت: والحديث حجة على من خالف، فالمسلم لا يرث الكافر، كما صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.

2 أخرجه البخاري 4/170، كتاب الفرائض باب لا يرث المسلم الكافر ومسلم 3/1233 كتاب الفرائض حديث 1614.

3 تبيين الحقائق 6/240، وبداية المجتهد 2/296، وروضة الطالبين 6/29، والمغني 6/297، وأحكام أهل الذمة 2/442.

أما إذا اختلفت مللهم فقال الحنفية والشافعية: أنهم يتوارثون فيما بينهم فالكفر ملة واحدة.

وقال المالكية والحنابلة: لا يتوارثون إذا اختلفت مللهم، لأن الكفر ملل شتى. انظر: المبسوط 3/31، وبلغة السالك 2/513، ومغنى المحتاج 3/25، وكشاف القناع 4/478.

ص: 382

وعلى أن الذميين يتوارثون فيما بينهم إذا كانوا في دار الإسلام.

3-

وكذلك اتفقوا على أن اختلاف الدار لا أثر له في التوارث بين المسلمين، فالمسلم في دار الإسلام يرث قريبة المسلم الذي في دار الحرب، وكذلك المسلم التاجر أو الأسير- إذا مات في دار الحرب- ورثه قرابته في دار الإسلام.1

إلا أن الحنفية في رواية مرجوحة قالوا: إن المسلم الذي أسلم في دار الحرب ولم يهاجر، لا يرث من المسلم الأصلي الذي في دار الإسلام، وكذلك المسلم في دار الإسلام، لا يرث ممن أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلى دار الإسلام، سواء كان في دار الحرب مستأمنا، أو لم يكن، لأن الله سبحانه وتعالى نفى الولاية بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} 2.

فلما كانت الولاية بينهما منتفية كان الميراث منتفيا، لأن الميراث مبني على الولاية.3

ويمكن أن يرد على هذا: بأن التوارث بالهجرة كان في ابتداء الإسلام، وقد نسخ حكمه،

1 المبسوط 30/33، وحاشية ابن عابدين 6/768، وشرح السراجية ص 81،82.

2 الآية 72 من سورة الأنفال.

3 حاشية رد المختار 6/768، وحاشية الفناري ص 82.

ص: 383

عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} ، قال: هذه كانت في المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن ولا يرث الأعرابي المهاجر1، ثم نسختها:{وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} 2

وعن قتادة في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} ، قال: لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة، والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجر شيئا، فنسخ ذلك قوله تعالى:{وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً} 3، أي من أهل الشرك، فأجيزت الوصية ولا ميراث لهم، وصارت المواريث

1 أخرجه أبو داود 3/338، كتاب الفرائض، وذكره الجصاص في أحكام القرآن 3/75، والطبري في جامع البيان 10/37، 38، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 8/56.

2 الأنفال: 75.

3 الأحزاب: 6.

ص: 384

بالملل، والمسلمون يرث بعضهم بعضا من المهاجرين والمؤمنين.1

ولأن هذه الرواية خلاف ما دلت عليه النصوص الصحيحة الصريحة من أن المسلم يرث قريبه المسلم في أي مكان وجد في أنحاء الأرض، ولا أثر لاختلاف الدار في ذلك، لأن المسلم ولايته للإسلام، مهما اختلفت داره أو جنسيته، ولأن الهجرة وإن كانت واجبة من دار الحرب إلى دار الإسلام، لكنها ليست شرطا في التوارث بين المسلمين.

واختلفوا في اختلاف الدار هل له أثر في منع التوارث بين غير المسلمين؟ إلى قولين:

القول الأول: أن اختلاف الدار له أثر في منع التوارث بين غير المسلمين، والمؤثر هو الاختلاف الحقيقي والحكمي، كالذمي إذا مات في دار الإسلام، وقرابته في دار الحرب، لم يرث أحدهم من الآخر.

وكذلك الحربي إذا مات في دار الحرب وله قرابة من أهل الذمة في دار الإسلام فإنهم لا يتوارثون فيما بينهم، لأن الذمي من أهل دار الإسلام حقيقة، ومن أهل دار الحرب حكما، والحربي من أهل دار الحرب حقيقة ومن أهل دار الإسلام حكماً إذا كان مستأمناً، فلاختلاف الدارين بينهما حقيقة وحكما، لا يرث أحدهما من الآخر، وإن اتحدا في الملة.

1 جامع البيان 10/37، 38.

ص: 385

وكذلك الاختلاف الحكمي فقط، كالذمي والمستأمن في دار الإسلام فلا يرث أحدهما من الآخر، لتباين الدارين بينهما، فالذمي من أهل دار الإسلام والمستأمن من أهل دار الحرب. وهو قول فقهاء الحنفية.1

والشافعية في أصح الأوجه، ولكن المؤثر عندهم هو الاختلاف الحقيقي والحكمي، فالذمي في دار الإسلام لا يرث قريبه الحربي في دار الحرب والعكس.

أما الاختلاف الحكمي فقط فلا أثر له، فالذمي يرث المستأمن في دار الإسلام وعكسه.2

قال النووي: "فلو كان أحدهما ذميا والآخر حربيا، فطريقان: المذهب وبه قطع الأكثرون لا يتوارثان، لانقطاع الموالاة بينهما، وربما نقل الفرضيون الإجماع على هذا"3

1 المبسوط 10/33، وتبيين الحقائق 6/240، ومجمع الأنهر 2/748، والبحر الرائق 8/57، واللباب في شرح الكتاب 4/188، والاختيار 5/116، وحاشية ابن عابدين 6/768، وحاشية الفناري ص 81، 82، وشرح السراجية ص 78-81.

2 المهذب 2/31، ومغنى المحتاج 3/25، ونهاية المحتاج 6/28، والمجموع شرح المهذب 13/500، وأسنى المطالب 3/16، والسراج الوهاج ص 329.

3 انظر: روضة الطالبين 6/29.

ص: 386

وهو رواية عن الحنابلة1. قال ابن مفلح: "ولا يرث ذمي حربيا، ولا حربي ذميا، وذكره القاضي، وقاله أكثر أصحابنا، وذكره أبو الخطاب في التهذيب اتفاقا لانقطاع الموالاة بينهما"2

القول الثاني: أن اختلاف الدار لا أثر له في منع التوارث بين غير المسلمين، فالذمي يرث الحربي والعكس، والحربي يرث المستأمن في دار الإسلام، والعكس، والذمي يرث المستأمن في دار الإسلام، والعكس، لكن بشرط اتحاد الدين بين الوارث والمورث.

وهو قول المالكية ووجه للشافعية والحنابلة في الصحيح من المذهب.3

الأدلة:

أولا: أدلة الحنفية ومن وافقهم: استدلوا بالمعقول والقياس.

1 المغني 6/297، والفروع 5/51، وأحكام أهل الذمة 2/447.

2 انظر: المبدع لابن مفلح 6/234.

3 الشرح الصغير 1/360، وحاشية الدسوقي 2/186، وروضة الطالبين6/29، ومغنى المحتاج 3/25، وأسنى المطالب 3/16، والمغني 6/297، والمبدع 6/234، وكشاف القناع 4/478، والمقنع بحاشيته 2/450، والإنصاف 7/351، والعذب الفائض 1/36،37.

ص: 387

أ- دليلهم من المعقول:

قالوا: إن الميراث مبناه على الولاية والمناصرة، وباختلاف الدار تنقطع الولاية والمناصرة بين المتوارثين، فينقطع بانقطاعها التوارث.1

ويرد عليه: بأن انقطاع الولاية بين الدارين لا أثر له في المنع من التوارث، فالكافر يرث الكافر حتى مع انقطاع الولاية بين داريهما.2

ب- دليلهم من القياس:

قاسوا انقطاع التوارث بين غير المسلمين عند اختلاف الدار على انقطاع عصمة النكاح بين الزوجين عند تباين الدارين بينهما.

قالوا: فكما أن الفرقة تقع بين الزوجين إذا اختلفت الدار بينهما لانقطاع الولاية، فكذلك يمنع التوارث بين الكفار عند تباين الدارين، لانقطاع الولاية بينهما.3

ويرد عليه: بأنه قياس غير صحيح، لآن أصل المقيس عليه غير مسلم به،

1 المبسوط 30/33، وتبيين الحقائق 6/240، وحاشية ابن عابدين 6/768، والاختيار 5/116، وروضة الطالبين 6/29، ومغنى المحتاج 3/25، والمغني 6/297، والمبدع 6/234، وأحكام أهل الذمة 2/444.

2 مغنى المحتاج 3/25، والمغني 6/297، وأحكام أهل الذمة 2/444.

3 المبسوط 30/33.

ص: 388

فاختلاف الدار لا أثر له في الفرقة بين الزوجين، كما سبق بيانه في المبحث الثالث من هذا الباب1، فكيف يصح القياس عليها!!؟.

قال ابن قدامة في الرد على ما قاله الحنفية: "جعلهم اختلاف الدار ضابطا للتوريث وعدمه، لا نعلم في هذا كله حجة من كتاب ولا سنة، مع مخالفته لعموم النص المقتضي للتوريث"2

ثانيا: أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بالكتاب، والسنة، والمعقول، والقياس.

أ- دليلهم من الكتاب:

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 3

وجه الدلالة من الآية:

أن الآية الكريمة دلت على أن الكافر ولي الكافر في أي مكان وجد، وفي أي زمان، والإرث مبني على المناصرة والموالاة، وطالما أنها موجودة بينهم فيرث أحدهم من الآخر مهما اختلفت ديارهم.4

1 صفحة 261.

2 المغني 6/297.

3 الأنفال: 73.

4 حاشية الدسوقي 2/186، ومغنى المحتاج 3/25، والمغني 6/297، والمبدع 6/234، وكشاف القناع 4/478، والعذب الفائض 1/36، 37.

ص: 389

2-

قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} 1

وجه الدلالة من الآية الكريمة:

أن الله سبحانه وتعالى جعل لكل من الناس موالي، يتولونه ويتولاهم، ومن بين هؤلاء الناس الكفار فهم أولياء بعض، يتناصرون ويتوارثون فيما بينهم وإن اختلفت ديارهم.2

ب- دليلهم من السنة:

1-

بحديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" 3

وجه الدلالة من الحديث:

دل الحديث على أن أهل الملة الواحدة يتوارثون فيما بينهم، فالمسلم لا يرث إلا المسلم، ودل بمفهومه على أن الكفار يتوارثون فيما بينهم، فالكافر لا يرث إلا الكافر، فاشترط الحديث اتحاد الدين فقط، ولم يذكر اتحاد الدار، وعدم ذكره له دليل على عدم اعتباره في التوارث.

2-

وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال

1 النساء: 33.

2 تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان 2/59، وأحكام أهل الذمة 2/442.

3 متفق عليه. وقد سبق تخريجه ص 559.

ص: 390

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملتين شتى" 1

وجه الدلالة من الحديث:

الحديث يدل بمفهومه على أن أهل الملة الواحدة يتوارثون فيما بينهم وإن اختلفت بينهم الدار.2

قال ابن القيم في وجه الدلالة منه: "ومفهومه يقتضي توارث أهل الملة الواحدة وإن اختلفت ديارهم"3

ج- دليلهم من المعقول:

أن ضبط الشرع للتوارث بالملة، وهي الإسلام أو الكفر، دليل على أن المعتبر هو اتحاد الدين فقط دون غيره، لأن مقتضى التوريث قائم وموجود، وهو القرابة، فيجب العمل به ما لم يقم دليل على تحقق المانع.4

1 أخرجه أحمد 2/178، 195، وأبو داود 3/328، كتاب الفرائض باب هل يرث المسلم الكافر؟ والترمذي 4/424، كتاب الفرائض، حديث 2108، عن طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنه وابن ماجة 2/912 كتاب الفرائض حديث 2731. والدارقطني 2/75 بزيادة مختلفتين، وإسناده صحيح كما قال صاحب المحرر. انظر: المحرر في الحديث 2/526. وقال الألباني: "إسناده حسن"انظر: إرواء الغليل 6/120.

2 المغني 6/297، والمبدع 6/234، وكشاف القناع 4/478، ومطالب أولي النهى 4/649.

3 أحكام أهل الذمة 2/443.

4 كشاف القناع 4/478، وأحكام أهل الذمة 2/443، والمبدع 6/234، والمغني 6/297، والعذب الفائض 1/37، ومطالب أولي النهى 4/649.

ص: 391

د - دليلهم من القياس:

قاسوا عدم تأثير اختلاف الدار بين غير المسلمين في الميراث على عدم تأثيره بين المسلمين.

فقالوا: إن المسلم يرث المسلم في أي مكان، ولا أثر لاختلاف الدار في ذلك، فكذلك الكافر يرث قريبه الكافر في أي مكان، ولا أثر لاختلاف الدار في ذلك.1

الرأي المختار:

الذي أميل إليه في هذه المسألة أن اختلاف الدار لا أثر له في المنع من الميراث بين غير المسلمين، كما ذهب إلى ذلك المالكية والحنابلة في الصحيح، والشافعية في وجه، وذلك للأسباب الآتية:

1-

لقوة الأدلة التي استدلوا بها، وهي العمومات من النصوص، التي تقتضي توريث غير المسلمين بعضهم من بعض من غير اشتراط اتحاد الدار فيما بينهم، ولأنه لم يرد من النصوص الأخرى ما يخصص هذا العموم، باشتراط اتحاد الدار لثبوت الإرث بين الكفار.

2-

ولأن الأدلة التي استدل بها من خالفهم، من المعقول والقياس لا تقوى على تخصيص هذا العموم، ولا يصح أن يمنع بسببها التوارث بين الكفار لاختلاف الدار بينهم، فيجب العمل إذن بعموم النصوص التي

1 المغني 6/297.

ص: 392

دلت على أن الكفار بعضهم أولياء بعض، ويتوارثون بينهم حتى لو اختلفت ديارهم.1

وبناء على هذا الاختيار يمكن القول بأن هذا الحكم ينطبق على ديار الكفار في هذا الزمان، فالكافر الذي في دار الإسلام، سواء كان ذميا أو مستأمنا يرث قريبه الكافر الذي في دار الكفر، وكذلك الكافر الذي في دار الكفر يرث قريبه الذمي أو المستأمن في دار الإسلام، ولا أثر لاختلاف الدار في منعهم من الميراث، فيتوارثون فيما بينهم، اتفقت ديارهم أو اختلفت، علما بأن أكثر ديار الكفار في هذا الوقت توجد بينها وبين ديار المسلمين معاهدات واتفاقات دولية، والتي بسببها ربما تكون الولاية موجودة غير منقطعة بين الديار، أو بين الكفار أنفسهم.

1 المرجع السابق 6/297.

ص: 393