الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توطئة
انتدبت طوائف من علماء الإسلام ممن لهم عناية بتواريخ العلوم بوضع تصانيف محررة في رجال كل فن، رسموا فيها صورة صادقة وافية لمن ترجموا له منذ بداية وضعه في مهده إلى نهاية دفنه في لحده، بل إنهم تقدموا ليعرفوا الأصل والمحتد، وتأخروا ليظهروا الأثر بعد العين.
ومن هؤلاء مؤرخو الفقهاء الذين اعتنوا عناية فائقة بجمع تراجم أهل الفقه، وتحريرها وتهذيبها. وأقتصر في هذا المقام على ما يتعلق بفقهاء المالكية دون غيرهم. ولعل المالكية هم أول من تصدى للتأليف في هذا المضمار.
1 -
ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك:
للإمام، شيخ الإسلام، الحافظ، الناقد، الفقيه، الأصولي، المتكلم، المفسر، المؤرخ، النسّابة، اللغوي، النحوي، الأديب، الشاعر، الخطيب، المتفنن، العلامة الحافل، الحبر، البحر، الحجة، القاضي أبي الفضل عياض ابن موسى بن عياض اليحصبي، الأندلسي الأصل، ثم المغربي السّبتي، المالكي، صاحب المؤلفات الفائقة كالشّفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإكمال المعلم بفوائد مسلم، والتنبيهات المستنبطة على الكتب المدوّنة والمختلطة، وغيرها. ولد بسبتة سنة (476 هـ)، وتوفي بمرّاكش مغرّبا عن وطنه سنة (544 هـ)(1).
(1) تنظر ترجمته في المصادر التالية: قلائد العقيان لأبي نصر الفتح بن محمد المعروف بابن =
. . . . . . . . . . . . . . . . .
= خاقان: 539 - 546، والغنية للقاضي عياض (المترجم): 25 - 231، ومختصر ترتيب المدارك لمحمد بن حماده - النسخة الأزهرية -: 4 أ - 4 ب، والتعريف بالقاضي عياض لولده أبي عبد الله محمد: 1 - 133، والصّلة لابن بشكوال: 2/ 660 - 661، وبغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس لابن عميرة الضّبّي: 437، وإنباه الرواة على أنباه النحاة لجمال الدين القفطي: 2/ 363 - 364، والمعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي علي الصّدفي لابن الأبار: 294 - 298، وتهذيب الأسماء واللغات لمحيي الدين النووي: 2/ 1 / 43 - 44، ووفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلّكان: 3/ 483 - 485، والمختصر في أخبار البشر للملك المؤيّد: 3/ 32، وتاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام للذهبي: 37/ 198 - 201، وسير أعلام النبلاء له أيضا: 20/ 212 - 219، والعبر في خبر من عبر له أيضا: 2/ 467، ودول الإسلام له أيضا: 2/ 61، والإعلام بوفيات الأعلام له أيضا: 223، والإشارة إلى وفيات الأعيان له أيضا: 279، وتذكرة الحافظ له أيضا: 4/ 1304 - 1307، والمعين في طبقات المحدثين له أيضا: 162، وتتمة المختصر في أخبار البشر لابن الوردي: 2/ 71، ومرآة الجنان وعبرة اليقظان لليافعي: 3/ 282 - 283، والبداية والنهاية لابن كثير: 12/ 225، والإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين بن الخطيب: 4/ 222 - 230، ومختصر المدارك لابن علوان: 169 ب - 175 ب، والمرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا لأبي الحسن النّباهي: 132 - 133، والديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون: 2/ 46 - 51، وشرف الطالب في أسنى المطالب في وفيات مختلف المراتب (الوفيات) لابن قنفذ: 280، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي: 5/ 285 - 286، والنجم الثاقب فيما لأولياء الله من مفاخر المناقب لابن صعد: 237 - 248، 250 - 254، 262 - 264، وطبقات الحافظ للسيوطي: 468 - 469، وطبقات المفسرين للداودي: 2/ 21 - 25، وتاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس للديار بكري: 2/ 363، ومفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم لطاش كبري زاده: 2/ 130 - 131، وجذوة الاقتباس في ذكر من حلّ من الأعلام مدينة فاس لابن القاضي المكناسي: 2/ 498 - 499، وطبقات الفقهاء المالكية لمجهول: 310 - 316، وأزهار الرياض في أخبار عياض وما يناسبها مما يحصل به ارتياح وارتياض للمقّري: 1/ 23 - 29، 3/ 5 - 23، 59 - 65، 86 - 171، 282 - 283، 4/ 1 - 20، 79 - 82، 86 - 95، 170 - 180، 239 - 258، 267 - 350، 5/ 5 - 10، 79 - 92، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن =
. . . . . . . . .
= العماد: 6/ 226 - 227، وديوان الإسلام لابن الغزي: 3/ 272 - 273، وتاج العروس من جواهر القاموس للزّبيدي (مادة: حصب): 2/ 287، وأزهار البستان في طبقات الأعيان لابن عجيبة: 66 - 68، والاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى لأحمد بن خالد الناصري: 2/ 206، وهدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي: 1/ 805، وسلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس لمحمد بن جعفر الكتاني: 1/ 151، والرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة له أيضا: 106، ومعجم المطبوعات العربية والمعرّبة ليوسف إليان سركيس: 2/ 1397 - 1398، وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد بن محمد مخلوف: 140 - 141، وتاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان: 6/ 266 - 275، والفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي للحجوي: 2/ 223 - 224، والإعلام بمن حلّ مرّاكش وأغمات من الأعلام للعباس السّملالي: 9/ 319 - 397، وفهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات لمحمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني: 2/ 797 - 804، وأعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي لمحمد الفاضل بن عاشور: 56 - 62، والأعلام لخير الدين الزّركلي: 5/ 99، ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحّالة: 8/ 16 - 17، ومعجم مصنفي الكتب العربية في التاريخ والتراجم والجغرافيا والرحلات له أيضا: 375 - 376، والنبوغ المغربي في الأدب العربي لعبد الله كنّون: 1/ 87 - 89، وأدب الفقهاء له أيضا: 52 - 54، ومقدمة تحقيق الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضى عياض للسيد أحمد صقر: 3 - 31، ومقدمة تحقيق ترتيب المدارك للقاضي عياض لمحمد بن تاويت الطنجي 1 /أ - لو، ومقدمة تحقيقه أيضا للدكتور أحمد بكير محمود: 1/ 18 - 25، والقاضي عياض لعبد القادر الصحراري - ضمن مجلة دعوة الحق، السنة (10)، العدد (8)، القسم الأول: 102 - 110، والعددين (9، 10)، القسم الثاني: 132 - 138 - ، ودورة القاضي عياض - ضمن ندوة الإمام مالك إمام دار الهجرة، بإشراف وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية، وهي تشتمل على (43) بحثا منشورا -، ومجلة المناهل - التي تصدر في الرباط، السنة (7)، العدد (19)، وهو خاص بالقاضي عياض، يشتمل على (17) بحثا -، والقاضي عياض وجهوده في علمي الحديث رواية ودراية للدكتور البشير علي حمد الترابي، وأبو الفضل القاضي عياض السّبتي (ثبت ببليوجرافي) للدكتور حسن الوراكلي، ومنهجية فقه الحديث عند القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم للدكتور =
قال فيه رفيقه وتلميذه أبو عبد الله محمد بن حماده: «ونشأ في طلب العلم والاختلاف للأشياخ مع حدة (1) ذهنه، وذكاء فهمه، أجلسه أصحابنا للمناظرة إذ لم يجدوا من جلوسه محيصا وهو [ابن](2) نحو ثمانية وعشرين سنة، ثم أجلس للشورى بعد ذلك بيسير، ثم ولي القضاء وهو [في](3) نحو الخمس وثلاثين سنة، فسار فيها بأحسن سيرة. . . وكان حافظا للمسائل، قائما بعلم الحديث ومعانيه وعلله وجمع طرقه، حافظا للأخبار، حامل آداب ولغة ونحو، ما تكلم في علم إلا وأخذ منه بالنصيب الأوفر. وكان يحمل أصول ديانات وأصول فقه. . . عارفا بالشروط والوثائق والأحكام، وكان
= الحسين بن محمد شواط: 125 - 163، والقاضي عياض عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته له أيضا. هذا، وقد أفرد محمد بن جابر الوادي آشي - ت 749 هـ - ترجمة للقاضي عياض، قال في برنامجه 218:«جمعت قطعة جيدة تضمنت التعريف بالقاضي عياض وتواليفه وما قيل فيها وما وقع لدي مما خاطب به الحافظ السّلفي وغيره وما وجدت له من نظم أو قيل فيه، وأثبتها في آخر الشفا الذي كنت نسخته ابتغاء ثواب العلم الجسيم» . كما نسبها له ابن فرحون في الديباج المذهب: 2/ 301 وسماها (الترجمة العياضية)، وهي مفقودة فيما يبدو. ولعل ما أثبت في طبقات الفقهاء المالكية لمجهول في ترجمة القاضي عياض عن محمد بن جابر الوادي آشي: 311، 314 هو منها. والله أعلم.
(1)
كذا في الأصل وفي طبقات الفقهاء المالكية لمجهول: 310 نقلا عن مختصر ابن حماده: «جودة» .
(2)
في الأصل: «من» . والمثبت من طبقات الفقهاء المالكية لمجهول: 310 نقلا عن مختصر ابن حماده.
(3)
في الأصل: «من» . والمثبت من طبقات الفقهاء المالكية لمجهول: 311 نقلا عن مختصر ابن حماده.
ضابطا لكتبه، جيد الشعر، حسن التأليف، لم يكن بسبتة في عصر من الأعصار من له من التواليف مثل ما له» (1).
وقد سمى الكتاب بالاسم المذكور محمد بن حماده (3)، ومحمد بن عياض (4)، وتبعهما عليه لسان الدين بن الخطيب (5)، وابن فرحون (6)، والمقّري (7)، وغيرهم.
ونقل من خط القاضي عياض ضمن إجازة تسمية الكتاب: ترتيب المدارك
(1) مختصر ترتيب المدارك - النسخة الأزهرية -: 4 أ - 4 ب.
(2)
المعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي علي الصّدفي: 295 - 296.
(3)
مختصر ترتيب المدارك - النسخة الأزهرية -: 2 ب.
(4)
التعريف بالقاضي عياض: 116.
(5)
الإحاطة في أخبار غرناطة: 4/ 228.
(6)
الديباج المذهب: 2/ 49.
(7)
أزهار الرياض في أخبار عياض: 4/ 348.
وتقريب المسالك لمعرفة أعيان [مذهب] مالك (1).
وسماه الفقيه محمد بن حماده السّبتى رفيق القاضي عياض - كما ذكر الذهبي (2) -: ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك.
وتصرف البعض (3) في الاسم، فاستبدل كلمة (أصحاب) بكلمة (أعلام مذهب)، ومنهم (4) من استعمل:(في طبقات رجال) عوضا عن: (لمعرفة أعلام).
كما أن جماعة من العلماء اختصروا هذا الاسم على وجوه، هي:
- ترتيب المدارك لمعرفة أعلام مذهب مالك (5).
- ترتيب المدارك في طبقات أصحاب مالك (6).
- تقريب المسالك بمعرفة أعلام مذهب مالك (7).
- ترتيب المدارك (8).
(1) أزهار الرياض في أخبار عياض: 4/ 350 دون كلمة: (مذهب)، ولعلها سقطت من المطبوعة، لذا أثبتها. وقد سماه بهذا الاسم الأستاذ عبد الله كنّون في النبوغ المغربي: 1/ 95.
(2)
تاريخ الإسلام: 37/ 200، وسير أعلام النبلاء: 20/ 214، وتذكرة الحفاظ: 4/ 1305.
(3)
الإعلام بمن حلّ مرّاكش وأغمات من الأعلام: 9/ 361.
(4)
أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي: 61.
(5)
أزهار البستان في طبقات الأعيان: نسخة الخزانة الحسنية: 67، ونسخة الخزانة العامة:57.
(6)
الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي: 2/ 224.
(7)
المرقبة العليا: 51.
(8)
المصدر السابق: 32.
- تقريب المسالك (1).
- المدارك (2).
ونظر الصفدي (3)، والسيوطي (4) إلى المعنى، فسماه الأول: طبقات الفقهاء المالكية، واقتصر الآخر على: طبقات المالكية.
وقد عرّف القاضي عياض بكتابه أحسن تعريف في مقدمته الجامعة، فذكر شدة الحاجة إلى مثل هذا التأليف الجامع الذي لم يسبق إليه في شكله الموسع والذي استغرق جمعه زمنا طويلا، وأنه اشتمل على أعيان فقهاء المالكية في جميع الأقطار مرتبين على الطبقات بدءا بأصحاب مالك، وانتهاء بشيوخ المؤلف وطبقتهم (5)، وأن تراجمه احتوت على كل ما تتطلبه الترجمة الجامعة من عناصر - في حال توافر المعلومات عنها -، مبتدئا باسم المترجم ونسبه وما
(1) المرقبة العليا: 42.
(2)
مختصر ترتيب المدارك لابن حماده - النسخة الأزهرية -: 4 ب، والمرقبة العليا: 49 ، 56 ، 76، والديباج المذهب: 1/ 5، وبرنامج المجاري: 112، والمنتقى من المدارك لابن قرا: 7 ب، 8 أ، والنجم الثاقب فيما لأولياء الله من مفاخر المناقب: 249، والإعلان بالتوبيخ لمن ذم التوريخ: 560، والجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر: 3/ 1278، وتوشيح الديباج وحلية الابتهاج لبدر الدين القرافي: 75، 271، وجذوة الاقتباس لابن القاضي: 1/ 174، وطبقات الفقهاء المالكية لمجهول: 2، 11، 27، 30، 43، 288، 315، ونيل الابتهاج بتطريز الديباج - بحاشية الديباج -: 9، وأزهار الرياض في أخبار عياض: 2/ 257، وديوان الإسلام لابن الغزي: 3/ 273، وغيرها.
(3)
الوافي بالوفيات: 1/ 53.
(4)
طبقات الحفاظ: 469.
(5)
لكن لم تتحقق للقاضي عياض هذه النهاية. تنظر الحاشية التالية.
يتعلق بهما مع ضبط المشكل، ثم يتحدث عن طلبه للعلم ورحلاته ويسمي جملة من شيوخه وتلامذته، ويتبعه بذكر مكانته العلمية مستعرضا جملة من أقوال العلماء في ذلك، ثم ينتقي ما يحسن إيراده من أخباره وفضائله ومناصبه ومؤلفاته وآدابه وحكمه ونوادره ومحنته، ويختم بإيراد الوفيات والولادات وما يتعلق بذلك مع الإشارة إلى من كان له شأن من أولاد المترجم.
ووزّع أهل كل طبقة حسب بلدانهم، مبتدئا بالمدينة المنورة وما والاها من الجزيزة العربية كمكة المشرفة واليمن، ومثنيا بالمشرق على اختلاف أقطاره - ولا سيما العراق والشام -، ثم يتحول إلى مصر فإفريقية فالمغرب الأقصى، وجعل ختام البلدان الأندلس.
وانتظمت تلك الطبقات في إحدى عشرة طبقة (1)، سوى أصحاب مالك
(1) تفرد محمد بن حماده السّبتي صاحب القاضي عياض في كتابه مختصر ترتيب المدارك بذكر الطبقة الأخيرة (الحادية عشرة)، ونسبها لصاحب الأصل، وليس لها وجود في نسخ الكتاب ولا في عامة مختصراته ومنتقياته المتوافرة. ويبدو أن القاضي عياضا لم يلحقها بمسودة الكتاب، أو أنها سقطت منها وانفصلت عنها قبل أن يتداولها النساخ. وعند إيراد ابن حماده لها في مختصره: 108 ب - 113 ب فصل بينها وبين العاشرة باستدراكه على القاضي عياض بعض أهل سبتة من الطبقة التاسعة. والطبقة الحادية عشرة المذكورة لم تصل في الجملة إلى شيوخ القاضي عياض، وإن كانت استدراكات ابن حماده عليها في شيوخه. ولعل القاضي رأى عدم جدوى ذلك مع وجود فهرست شيوخه المسمى بالغنية كما أشار ابن علوان في خاتمة مختصر ترتيب المدارك: 169 أ، أو أنه أراد إضافة ذلك ثم لم يتيسر له، ولا سيما أن الكتاب بقي في مسودته ولم يسمعه. لكن في تضاعيف ما زاده ابن حماده عن القاضي عياض في الطبقة الحادية عشرة ما يرجح الأمر الأول لأن فيه ما يدل على أن القاضي أنهى كتابه قبل وفاته بسنين كثيرة، ففي ترجمته لمروان بن عبد الملك =
الذين استهل بهم، وجعلهم في ثلاث طبقات على النحو الذي ذكره بقوله: «وقد وجدنا أصحاب مالك من الفقهاء ثلاث طبقات:-
أولاها: من كان له ظهور في العلم مدة حياته وقاربت وفاته مدة وفاته.
وثانيها: قوم بعد هؤلاء ممن عرف بطول ملازمته وصحبته، وشهر بعده بتفقهه عليه وروايته.
وثالثها: قوم صحبوه صغار الأسنان، وتأخر بهم بعده الزمان، فقارنوا أتباع أتباعه وفضلوا بشرف مجالسته ومزية سماعه» (1).
وقد بلغ عدد رجال تلك الطبقات مجتمعة أكثر من خمس مئة وألف ترجمة.
وأورد هنا مقتطفات من مقدمة الكتاب توضح ما أجملته:
قال القاضي عياض: «فلما تكررت رغبات الأصحاب. . . لإمضاء ما كانت النية اعتقدته، وتبييض ما غدت الهمة قد سودته، من كتاب حاو لأسماء أعيان المالكية وأعلامهم، وتبيين طبقاتهم وأزمانهم، وجمع عيون فضائلهم وآثارهم، وضم نشر فنون سيرهم وأخبارهم، تشمل منفعته، وتجمل معرفته، وتستغرب فوائده، وتستعذب مصادره وموارده، إذ هو فن لم يتقدم فيه تأليف جامع. . . وكل الكتب فما شفت غليلا، ولا تضمنت من
= اللواتي وآل بيته - كما في مختصر ابن حماده: 111 أ - قال: «وترك - (يعني عبد الرحمن بن علي بن عبد الملك) - ابنه علي بن عبد الرحمن، وهو الآن - عام ثلاثين وخمس مئة - قاض على تلمسان» .
(1)
ترتيب المدارك: 3/ 1.
الكثير إلاّ قليلا» (1).
وقال أيضا: «وأبرزته تأليفا مفردا في مضمونه، بالغا فيما قصر عليه من أنواع هذا العلم وفنونه» (3).
وقال أيضا: «ثم ذكرنا من مولدهم ووفاتهم، وذكر مشايخهم ورواتهم،
(1) 1/ 5 - 6.
(2)
1/ 7.
(3)
1/ 8.
(4)
تنظر حاشية الصفحة 27.
(5)
1/ 14 - 15، وكذلك طبعة دار مكتبة الحياة: 1/ 46، ونسخة مكتبه الحرم النبوي: 1/ 10 ب.
وتصنيف أزمانهم وطبقاتهم ما انتهى إلينا علمه، وصح عندنا نقله، لتعرف بذلك أوقاتهم، وليستبين في التقدم والتأخر درجاتهم، ويتميز بذلك المتصل من المنقطع من روايتهم» (1).
(1) 1/ 18، وكذلك طبعة دار مكتبة الحياة: 1/ 48، ونسخة مكتبة الحرم النبوي: 1/ 11 ب.
(2)
1/ 20، وكذلك طبعة دار مكتبة الحياة: 1/ 49 - 50، ونسخة دار الكتب المصرية: 1/ 4 أ، ونسخة مكتبة الحرم النبوي: 1/ 12 أ.
(3)
1/ 23، وكذلك طبعة دار مكتبة الحياة: 1/ 52، ونسخة دار الكتب المصرية: 1/ 4 ب، ونسخة مكتبة الحرم النبوي: 1/ 13 أ.
ثم قال: «وذكرنا من محن ممتحنيهم، وبلايا مبتليهم ما فيه مسلاة للممتحنين. . .» (1).
وقال أيضا: «وذكرنا من بلدانهم وأوطانهم، ورحالهم وقطانهم» (2).
(1) 1/ 23.
(2)
1/ 23، وكذلك نسخة دار الكتب المصرية: 1/ 4 ب، ونسخة مكتبة الحرم النبوي: 1/ 13 ب.
(3)
1/ 27، وكذلك طبعة دار مكتبة الحياة: 1/ 55 - 56، ونسخة دار الكتب المصرية: 1/ 5 أ، ونسخة مكتبة الحرم النبوي: 1/ 15 أ.
(4)
1/ 28، وكذلك طبعة دار مكتبة الحياة: 1/ 56، ونسخة دار الكتب المصرية: 1/ 5 أب، ونسخة مكتبة الحرم النبوي: 1/ 15 أ.
ويستفاد من هذا العرض أيضا أن ترتيب المدارك من كتب التراجم الموسعة، التي تجمهرت فيها المعارف المتنوعة والفنون المتعددة (1). لذا وصفه أبو عبد الله محمد بن حماده بقوله:«سبق العلماء إليه، ولم يقدر أحد من أهل عصره عليه. . . فجاء كتابا مستوعبا، يحتاج إليه كل من انتحل شيئا من العلم، لمعرفة ما فيه من الآداب، ومعرفة الرجال. . . وما وقع من النوازل» (2). ووصفه شمس الدين السخاوي بقوله: «وهو حافل» (3). ووسمه المقّري بعبارته: «وهو غريب لم يسبق إليه» (4). وقال فيه العلامة محمد الفاضل بن عاشور: «جمع فيه تراجم فقهاء المذهب المالكي باستيعاب وتحقيق، فأوردهم على ترتيب العصور وتوزيع الأقطار من المدينة المنورة إلى الأندلس، وضمنه من الفوائد والمسائل والآثار والآداب ما جعله مرجعا نفيسا من مراجع التاريخ الفكري للإسلام» (5).
وقد جمع فيه القاضي عياض بين طريقتي المؤرخين والمحدثين، فهو من جهة يتوسع في ذكر الأقوال والأخبار، لكنه لا يغفل عن تحقيقها ونقدها، علما بأن مادة الكتاب منتقاة أصلا. وهذه الطريقة الجامعة المحققة ألمع إليها
(1) الصراع المذهبي من خلال كتاب ترتيب المدارك للقاضي عياض (من بحوث دورة القاضي عياض): 3/ 65.
(2)
مختصر ترتيب المدارك: 2 ب - 3 أ. وسيأتي - إن شاء الله تعالى - هذا الكلام بطوله عند الحديث عن مختصر ابن حماده المذكور، فلينظر ثمّ.
(3)
الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التوريخ: 560.
(4)
أزهار الرياض في أخبار عياض: 4/ 348.
(5)
أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي: 61 - 62.
القاضي عند تسميته لأهم موارده في كتابه هذا المشتملة على تواريخ المحدثين والفقهاء والقضاة، وتواريخ البلدان، وكتب الأنساب والضبط، وغيرها، فقال:«واستصفيناه من كبار تصانيف المحدثين، وأمهات تواليف المؤرخين» (1).
ونوّه العلامة عبد الله كنّون بهذه الطريقة القويمة فقال: «وبعدها شرع في ذكر تراجم علماء المذهب، مرتبا لهم على الطبقات، فأتى بالعجب العجاب في ذلك، ولا سيما في تراجم الكبار منهم والمشهورين، سالكا في ذلك المنهج العلمي النقدي، مطبقا قواعد النظر المتبعة عند أئمة الحديث في الرواية والرواة. . . توثيقا وتوهينا، وبيان وهم وتصحيح خطأ وما إلى ذلك» (2). ثم ذكر نماذج يسيرة عليها وأردف بقوله: «هذه أمثلة قليلة من طريقة عياض في كتابة التراجم وتحريره لها ونقده لما تتضمنه من خطأ أو وهم بسبب تساهل الرواة أو غفلتهم أو غير ذلك من الأسباب، ومنها يعلم أن الكتاب عظيم القيمة والنفع، جليل الفائدة والقدر» (3).
وعودا على بدء فإن القاضي عياضا لم يكن اهتمامه في هذا الكتاب بفقهاء المالكية أعظم من اهتمامه المباشر بإمام المذهب الذي على يديه شيّد هذا الصرح العظيم، فقد خصه بالربع الأول من الكتاب مستوفيا ترجمته، ومظهرا مكانته، ومرجحا مذهبه، وأشار إلى ذلك في المقدمة فقال: «واقتضى النظر
(1) ترتيب المدارك: 1/ 28.
(2)
القاضي عياض (من بحوث دورة القاضي عياض): 2/ 17.
(3)
المصدر السابق: 2/ 18.
بين يدي الغرض تقديم مقدمات تمس الحاجة إليها، وتتم الفائدة بالوقوف عليها، تشتمل على أبواب في ذكر المدينة وفضلها، وتقديم علمائها وعلمها، ووجوب الحجة بإجماع أهلها، وترجيح مذهب مالك بن أنس إمامها، وتقصيت هذه الأبواب تقصيا يشفي الغليل، وأنعمتها نظرا يقف بالمنصف على سواء السبيل. ثم قفّيته باقتداء الأئمة به، وثناء العلماء عليه، ونشر فضائله، وما أضيف من السير إليه، إلى سائر ما يحتاج إليه من معرفة تاريخه ونسبه، ويتطلع إليه من مجاري أحواله في معاشرته وأدبه، واستوعبت في هذه الجملة باختصار فنونها، والاقتصار على عيونها، ما طالت به تواليف جمة، وشحنت به مجلدات عدة» (1).
وأشاد الأستاذ عبد الله كنّون بتلك الترجمة الوافية لإمام دار الهجرة فقال: «وقد استهله بمقدمة ضافية في ترجيح مذهب مالك، وبيان القواعد التي بني عليها، والمقارنه بينه وبين المذاهب الأخرى، ثم أتبع ذلك بترجمة واسعة للإمام مالك لم يترك فيها شاذة ولا فاذة مما يتعلق بحياته الشخصية والعلمية إلاّ أتى بها» (3).
(1) 1/ 8، وكذلك نسخة مكتبة الحرم النبوي: 1/ 9 ب.
(2)
1/ 13.
(3)
القاضي عياض (من بحوث دورة القاضي عياض): 2/ 17.
وقد اعتمد الناس قديما وحديثا كتاب ترتيب المدارك، لعلو قدره، وبراعة نسجه - فضلا عن جلالة مؤلفه -، وكل من تكلم بعده في موضوعه فهو صادر عنه وعالة عليه، قال شمس الدين السخاوي:«وقد عوّل على المدارك كل من بعده» (1). وقال الأستاذ عبد الله كنّون: «وهو كتاب سد به فراغا عظيما في هذا الباب، ولم يقم قبله ولا بعده من فرى فريه فيه، وإنما حسب كتاب التراجم والطبقات أن ينقلوا عنه ويلخصوه ويذيلوا عليه، ومع ذلك فإنهم لم يحاكوه أو يقاربوه، فأحرى أن يأتوا بمثل نفسه العالي» (2).
بيد أن عدم إسماع القاضي عياض لهذا الكتاب العجاب - كما صرح به ابنه (3) -، وتركه في مسوّدته كدّر صفوه، فاختلفت نسخه اختلافا كبيرا (4)، وأعان على ذلك طبيعة خط مؤلفه في مسوداته حسبما أشار ابن فرحون في ترجمة محمد بن سعيد بن علي الغرناطي المعروف بالطراز فقال:«وتجرد آخر عمره إلى كتاب مشارق الأنوار تأليف القاضي أبي الفضل عياض، وكان قد تركه في مبيضته في أنهى درجات التثبيج (5) والإدماج والإشكال وإهمال الحروف، حتى اخترمت منفعتها. . .» (6).
(1) الإعلان بالتوبيخ: 563.
(2)
القاضي عياض (من بحوث دورة القاضي عياض): 2/ 16 - 17.
(3)
التعريف بالقاضي عياض: 116. ولم يمنع عدم إسماع المؤلف لكتابه المذكور من إجازته، ينظر أزهار الرياض في أخبار عياض: 4/ 349 - 350.
(4)
تنظر مقدمة تحقيق ترتيب المدارك لمحمد بن تاويت الطنجي: 1 /كح - كط.
(5)
التثبيج هو تعمية الخط وترك بيانه كما في القاموس المحيط للفيروز اباذي (مادة: ثبج): 182.
(6)
الديباج المذهب: 2/ 278.
وبقيت مسودة ترتيب المدارك بعد وفاة المؤلف مدة طويلة، إذ إنّ أبا الحسن النّباهى قاضي الجماعة بغرناطة في زمن بني نصر - الذي كان حيا سنة اثنتين وتسعين وسبع مئة - اقتبس منها في مواضع من كتابه المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا (1)، ولعلها كانت في حيازته أو حيازة إحدى مكتبات غرناطة في ذاك الوقت، أو أنه استفاد منها لما سافر إلى سبتة وبعض المدن المغربية.
ولهذا الكتاب الفائق طبعتان، لم تخدماه كما ينبغي، فقد صدرت إحداهما عن المطبعة الملكية ووزارة الأوقاف بالمملكة المغربية بين سنتي 1384 - (1403) هـ، وتعاقب على تحقيقها الأساتذة: محمد بن تاويت الطنجي، وعبد القادر الصحراوي، والدكتور محمد بن شريفة، وسعيد أحمد أعراب، معتمدين على عدة نسخ مغربية، ونسخة مدريد. وصدرت الطبعة الأخرى عن دار مكتبة الحياة ببيروت سنة (1387) هـ بتحقيق الدكتور أحمد بكير محمود، مقتصرا على عدة نسخ تونسية، وفي هذه الطبعة من التصحيف والتحريف والسقط الشيء الكثير.
وثمّة طبعة أخرى صدرت عن دار الكتب العلمية ببيروت سنة (1418) هـ بعناية محمد سالم هاشم، وهي لا تستحق الذكر لأنها لا تخرج عن كونها صفا جديدا لنشرة الدكتور أحمد بكير محمود، حيث تبعتها حذو القذّة بالقذّة في تصحيفاتها وتحريفاتها وسقطاتها، فعلى سبيل المثال: سقط في موضع واحد من طبعة الدكتور أحمد بكير ما يعادل مجلدا كاملا من الطبعة المغربية،
(1) 32، 46، 56.