الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
أما بعد: فإني كنت دائمًا أعلم أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد. ولكن كنت أحسب أن قضاياه صادقة لما رأينا من صدق كثير منها، ثم تبين لي فيما بعد خطأ طائفة من قضاياه وكتبت في ذلك شيئًا. ولما كنت بالإسكندرية اجتمع بي من رأيته يعظم المتفلسفة بالتهويل والتقليد، فذكرت له بعض ما يستحقونه من التجهيل والتضليل. واقتضى ذلك أني كتبت في قعدة بين الظهر والعصر من الكلام على المنطق ما علقته تلك الساعة، ولم يكن ذلك من همتي، لأن همتي كانت فيما كتبته عليهم في الإلهيات وتبين لي أن كثيرًا مما ذكروه في المنطق هو من أصول فساد قولهم في الإلهيات مثل ما ذكروه من تركيب الماهيات من الصفات التي سموها ذاتيات، وما ذكروه من حصر طرق العلم فيما ذكروه من الحدود والأقيسة البرهانية بل ما ذكروه من الحدود التي بها تعرف التصورات بل ما ذكروه من صور القياس ومواد اليقينيات. فأراد بعض الناس أن يكتب ما علقته إذ ذاك من الكلام عليهم في المنطق، فأذنت في ذلك، لأنه يفتح باب معرفة الحق، وإن كان ما فتح من باب الرد عليهم يحتمل أضعاف ما علقته. فاعلم أنهم بنوا المنطق على الكلام في الحد ونوعه، والقياس البرهاني ونوعه. قالوا: لأن العلم إما تصور وإما تصديق؛ فالطريق
الذي ينال به التصور هو الحد، والطريق الذي ينال به التصديق هو القياس فنقول الكلام في أربع مقامات، مقامين سالبين، ومقامين موجبين. فالأولان في قولهم إن التصور المطلوب لا ينال إلا بالحد، والثاني أن التصديق المطلوب لا ينال إلا بالقياس والآخران في أن الحد يفيد العلم بالتصورات وأن القياس أو البرهان الموصوف يفيد العلم بالتصديقات.