الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الدليل ما كان موصلًا إلى المطلوب]
فكذلك (الدليل) هو المرشد إلى المطلوب، والموصل إلى المقصود، وكلما كان مستلزمًا لغيره فإنه يمكن أن يستدل به عليه. ولهذا قيل: الدليل ما يكون النظر الصحيح فيه موصلًا إلى علم أو ظن، فالمقصود أن كل ما كان مستلزمًا لغيره بحيث يكون ملزومًا له، فإنه يكون دليلًا عليه وبرهانًا له- سواء كانا وجوديين أو عدميين أو أحدهما وجوديًا والآخر عدميًا، فأبدا الدليل ملزوم للمدلول عليه، والمدلول لازم للدليل.
[عود إلى مقدمات الدليل]
ثم قد يكون الدليل مقدمة واحدة متى علمت، علم المطلوب، وقد يحتاج المستدل إلى مقدمتين، وقد يحتاج إلى ثلاث مقدمات وأربع وخمس وأكثر ليس لذلك حد ومقدار يتساوى فيه جميع الناس في جميع المطالب، بل ذلك بحسب علم المستدل للطالب بأحوال المطلوب، والدليل ولوازم ذلك وملزوماته فإذا قدر أنه قد عرف ما به يعلم المطلوب إلا مقدمة واحدة، كان دليله تلذي يحتاج إلي بياناته له تلك المقدمة، كمن علم أن الخمر محرم، وعلم أن النبيذ المتنازع فيه مسكر، لكن لم يعلم أن كل مسكر هو خمر، فهو لا يحتاج إلا إلى هذه المقدمة. فإذا قيل: ثبت في الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: كل مسكر خمر حصل مطلوبه، ولم يحتج إلى أن يقال. كل نبيذ مسكر، وكل مسكر خمر، ولا أن يقال: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، فإن هذا كله معلوم له لم يكن يخفي عليه، إلا أن اسم الخمر هل هو مختص
ببعض المسكرات، كما ظنه طائفة من علماء المسلمين، أو هو شامل لكل مسكر، فإذا ثبت له عن صاحب الشرع أنه جعله عامًا لا خاصًا حصل مطلوبه، وهذا الحديث في صحيح مسلم ويروى بلفظين:(كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام)، ولم يقل:(كل مسكر خمر وكل خمر حرام)، كالنظم اليوناني، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أجل قدرًا في علمه وبيانه من أن يتكلم بمثل هذيانهم، فإنه إن قصد مجرد تعريف الحكم لم يحتج مع قوله إلى دليل. وإن قصد بيان الدليل كما بين الله في القرآن عامة المطالب الإلهية التي تقرر الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر. فهو (صلى الله عليه وسلم) أعلم الخلق بالحق، وأحسنهم بيانًا له.
فعلم أنه ليس جميع المطالب تحتاج إلى مقدمتين، ولا يذكر في جميعها مقدمتان، بل يذكر ما يحصل به البيان والدلالة، سواء كان مقدمة أو مقدمتين أو أكثر. وما قصد به هدى عام كالقرآن الذي أنزله بيانًا للناس يذكر فيه (من) الأدلة ما ينتفع به الناس عامة. وهذه إنما يمكن بيان أنواعها العامة، وأما ما يختص به كل شخص فلا ضابط له حتى يذكر في كلام، بل هذا يزول بأسباب تختص بصاحبه كرعاية نفسه ومخاطبة شخص معين له بما يناسب حاله ونظره فيما يخص حاله ونحو ذلك.
وأيضًا فما يذكرونه من القياس لا يفيد إلا العلم بأمور كلية لا يفيد العلم بشيء معين من الموجودات، ثم تلك الأمور الكلية يمكن العلم بكل واحد منها بما هو أيسر من (قياسهم)، فلا تعلم كلية (بقياسهم إلا والعلم بجزئياتها ممكن بدون قياسهم الشمولي) وربما كان أيسر، فإن العلم بالمعينات قد يكون أبين من العلم (بالكليات) وهذا مبسوط في موضعه.