المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المسلمين قاطبة. وإنما المنطق التبس الأمر فيه على طائفة لم - جهد القريحة في تجريد النصيحة - جـ ٢

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة

- ‌المقام الأول: التصور لا ينال إلا بالحد

- ‌المقام الثاني: (الحد يفيد تصور الأشياء)

- ‌الفصل: في قولهم: إن التصديق لا ينال إلا بالقياس

- ‌[نسبية التصديقات]

- ‌[بطلان دعواهم]

- ‌[مادة الأقيسة]

- ‌[مسمى القياس]

- ‌[قياس التمثيل]

- ‌البرهان لا يفيد إلا الكليات

- ‌الآيات - وقياس الأول

- ‌أقسام الدليل

- ‌[الطريق إلى نظار المسلمين]

- ‌[مقدمتا القياس]

- ‌[أصناف الحجج]

- ‌[قياس الشمول والاستقراء]

- ‌[اليقين والظن]

- ‌المقام الرابع: البرهان يفيد العلم بالتصديقات

- ‌كون القياس المنطقي عديم التأثير في العلم

- ‌[الدليل ما كان موصلًا إلى المطلوب]

- ‌[عود إلى مقدمات الدليل]

- ‌[الدليل]

- ‌[ليست شريعة الإسلام موقوفة على شيء من علومهم]

- ‌[طريقة القرآن في بيان إمكان المعاد]

- ‌[رد أشكال القياس إلى الشكل الأول]

- ‌[القضايا الكلية العامة]

- ‌[الآيات]

- ‌[عود إلى اليقين والظن]

- ‌[بديهة ثبوت بعض الأحكام لبعض الأفراد]

- ‌[التوصل إلى القضايا العامة]

- ‌(مقدمات القياس الكبرى)

- ‌قياس الشمول وقياس التمثيل متساويان

- ‌[المادة القياسية واليقين]

- ‌[كون العلوم الفلسفية من المجربات]

الفصل: المسلمين قاطبة. وإنما المنطق التبس الأمر فيه على طائفة لم

المسلمين قاطبة. وإنما المنطق التبس الأمر فيه على طائفة لم يتصوروا حقائقه ولوازمه ولم يعرفوا ما قال سائر العقلاء في تناقضهم فيه.

واتفق أن فيه أمورًا ظاهرة مثل ((الشكل الأول))، ولا يعرفون أن ما فيه من الحق لا يحتاج إليهم فيه، بل طولوا فيه الطريق، وسلكوا الوعر والضيق، ولم يهتدوا فيه إلى ما يفيد التحقيق.

وليس المقصود في هذا المقام بيان ما أخطأوا في إثباته، بل ما أخطأوا في نفيه، حيث زعموا أن العلم النظري لا يحصل إلا ((ببرهانهم)) وهو من ((القياس)).

[أصناف الحجج]

وجعلوا أصناف الحجج ثلاثة: ((القايس)) و ((الاستقراء)) و ((التمثيل)) وزعموا أن ((التمثيل)) لا يفيد اليقين، وإنما ينفيه ((القياس)) الذي تكون مادته من القضايا التي ذكروها.

وقد بينا في غير هذا الموضع أن ((قياس التمثيل)) ((وقياس الشمول متلازمان وأن ما حصل بأحدهما من علم أو ظن حصل بالآخر مثله إذا كانت المادة واحدة، والاعتبار بمادة العلم لا بصورة القضية، بل إذا كانت المادة يقينية فسواء كانت صورتها في صورة ((قيا التمثيل)) أو صورة ((قياس الشمول)) فهي واحدة، وسواء كانت صورة القياس اقترانيًا أو

ص: 107

استثنائيًا بعبارتهم أو [بأي] بعبارة شئت لاسيما في العبارات التي هي خير من عباراتهم، وأبين في العقل، وأوجز في اللفظ، والمعنى واحد. وحد هذا في أظهر الأمثلة إذا قلت: هذا إنسان، وكل إنسان مخلوق، وحيوان، أو إحساس أو متحرك بالإرادة، أو ناطق، أو ما شئت من لوازم ((الإنسان))، فإن شئت صورت الدليل على هذه الصورة، وإن شئت قلت: هذا إنسان والإنسانية مستلزمة لهذه الأحكام فهي لازمة له، وإن شئت قلت:((إن كان إنسانًا فهو متصف بهذه الصفات اللازمة للإنسان)) وإن شئت قلت: ((إما أن يتصف بهذه الصفات، وإما أن لا يتصف. والثاني باطل، فتعين الأول، لأن هذه لازمة للإنسان لا يتصور وجوده بدونها)).

وأما ((الاستقراء)) فإنما يكون يقينيًا، إذا كان استقراء تامًا. وحينئذ فتكون قد حكمت على القدر المشترك بما وجدته في جميع الأفراد. وهذا ليس استدلالًا بجزئي على كلي. ولا بخاص على عام، بل استدلال بأحد المتلازمين على الآخر. فإن وجود ذلك الحكم في كل فرد من أفراد الكلي العام يوجب أن يكون لازمًا لذلك الكلي العام.

فقولهم: ((إن هذا الاستدلال بخاص جزئي على عام كلي)). ليس بحق وكيف ذلك، والدليل لابد أن يكون ملزومًا للمدلول، فإنه لو جاز وجود الدليل مع عدم المدلول عليه، ولم يكن المدلول لازمًا له، لم يكن. إذا علمنا ثبوت ذلك الدليل- نعلم ثبوت المدلول معه، إذا علمنا أنه تارة يكون معه

ص: 108

وتارة لا يكون معه فإنا إذا علمنا ذلك، ثم قلنا ((أنه دائمًا كنا قد جمعنا بين النقيضين.

وهذا اللزوم الذي نذكره ههنا يحصل به الاستدلال بأي وجه حصل اللزوم. وكلما كان اللزوم أقوى، وأتم وأظهر، كانت الدلالة أقوى وأتم وأظهر، كالمخلوقات الدالة على الخالق سبحانه وتعالى، فإنه ما منها مخلوق إلا وهو ملزوم لخالقها، لا يمكن وجوده بدون وجود خالقه، بل ولا بدون علمه، وقدرته ومشيئته وحكمته ورحمته، فكل مخلقو دال على ذلك كله.

وإذا كان المدلول لازمًا للدليل، فمعلوم أن اللازم إما أن يكون مساويًا للملزوم، وإما أن يكون أعم منه، فالدليل لا يكون أعم منه، وإذا قالوا في ((القياس)):((يستدل بالكلي على الجزئي)) فليس الجزئي هو الحكم المدلول عليه، وإنما الجزئي هو الموصوف المخبر عنه بمحل الحكم، فهذا قد يكون أخص من الدليل، وقد يكون مساويًا له؛ بخلاف الحكم الذي هو صفة هذا وحكمه الذي أخبر به عنه، فإنه لا يكون إلا أعم من الدليل أو مساويًا له. فإن ذلك هو المدلول اللازم للدليل. والدليل هو لازم للخبر عنه الموصوف فإذا قيل:((النبيذ حرام لأنه خمر)) فكونه خمرًا هو الدليل، وهو لازم للنبيذ والتحريم لازم للخمر.

والقياس المؤلف من المقدمتين إذا قلت ((كل النبيذ ال؟ ؟ ؟ ؟ فيه مسكر أو خمر وكل خمر حرام)) فأنت لم تستدل ((بالمسكر أو الخمر)) الذي هو كلي على نفس محل النزاع لدى هو أخص من الخمر وهو النبيذ، فليس هو استدلالًا بذلك الكلي على هذا الجزئي، بل استدللت على تحريم هذا النبيذ

ص: 109

فلما كان تحريم هذا النبيذ مندرجًا في تحريم كل مسكر قال: من قال إنه استدلال بالكلي على الجزئي، والتحقيق أن ما ثبت للكلي فقد ثبب لكل واحد من جزئياته، والتحريم هو أعم من الخمر، وهو ثابت لها، فهو ثابت لكل فرد من جزئياتها فهو استدلال بكلي على ثبوت كلي آخر لجزئيات ذلك الكلي. وذلك الدليل هو كالجزئي بالنسبة إلى ذلك الكلي، وهو كلي بالنسبة إلى تلك الجزئيات.

وهذا مما لا ينازعون فيه. فإن الدليل هو ((الحد الأوسط)) وهو أعم من ((الأصغر)) أو مساو له، ((والأكبر)) أعم منه أو مساو له، ((والأكبر)) هو الحكم والصفة والخبر وهو محمول النتيجة، ((والأصفر)) هو المحكوم عليه الموصوف المبتدأ وهو موضوع النتيجة.

وأما قولهم في ((التمثيل)) إنه استدلال بجزئي على جزئي، فإن أطلق ذلك وقيل إنه استدلال بمجرد الجزئي على جزئي))، فهذا غلط، فإن ((قياس التمثيل)) إنما يدل بحد أوسط وهو اشتراكهما في علة الحكم أو دليل الحكم مع العلة فإنه قياس علة أو قياس دلالة.

وإما قياس الشبه. فإذا قيل به لم يخرج عن أحدهما، فإن الجامع المشترك بين الأصل والفرع إما أن يكون هو ((العلة)) أو ما يستلزم ((العلة)) (وإلا) لم يكن الاشتراك فيه مقتضيًا للاشتراك في الحكم، بل كان المشترك قد تكون معه العلة، وقد لا تكون، فلا نعلم صحة القياس، بل لا يكون صحيحًا إلا إذا اشتراكا فيها ونحن لا نعلم الاشتراك فيها، إلا إذا علمنا اشتراكهما فها، أو في ملزومها فإن ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم

ص: 110

فإذا قدرنا أنهما لم يشتركا في الملزوم ولا فيها، كان القياس باطلًا قطعًا لأنه حينئذ تكون ((العلة)) مختصة بالأصل، وإن لم نعلم ذلك لم نعلم صحة القياس.

وقد نعلم صحة القياس بانتفاء الفارق بين الأصل والفرع، وإن لم نعلم عين العلة ولا دليلها فإنه يلزم من انتفاء الفارق اشتراكهما في الحكم.

وإذا كان (قياس التمثيل) إنما يكون إما بانتفاء الفارق أو بإثبات جامع، وهو كلي يجمعهما يستلزم الحكم، كل منهما ممكن تصويره بصور (قياس الشمول) وهو يتضمن لزوم الحكم الكلي لجزئياته، وهذا حقيقة (قياس الشمول). ليس ذلك استدلالًا بمجرد ثبوته لجزئي على ثبوته لجزئي آخر.

فأما إذا قيل (بم نعلم أن المشترك مستلزم للحكم) قيل بما نعلم به القضية الكبرى في (القياس) ببيان الحد الأوسط (الذي) هو المشترك الجامع ولزوم الحد الأكبر له هو لزوم الحكم للجامع المشترك كما تقدم التنبيه على هذا.

وقد يستدل بجزئي على جزئي. إذا كانا متلازمين أو كان أحدهما ملزوم الآخر من غير عكس، فإن كان اللزوم عن الذات، كانت الدلالة على الذات وإن كان في صفة أو حكم كانت الدلالة على الصفة أو الحكم.

فقد تبين ما في حصرهم من الخلل، وأما تقسيمهم إلى الأنواع الثلاثة، فكلها تعود على ما ذكر في استلزام الدليل للمدلول.

وما ذكروه في (الاقتراني) يمكن تصويره بصورة (الاستثنائي) يمكن

ص: 111

تصويره بصورة (الاقتراني)، فيعود الأمر إلى معنى واحد. وهو مادة الدليل والمادة لا تلعم من صورة ((القياس)) الذي ذكروه، بل من عرف المادة بحيث يعلم أن هذا مستلزم لهذا، علم الدلالة سواء صورت بصورة ((قياس أو لم تصور))، وسواء عبر عنها بعبارتهم أو بغيرها، بل العبارات التي صقلتها عقول المسلمين وألسنتهم خير من عباراتهم بكثير كثير.

((والاقتراني)) كله يعود إلى لزوم هذا، لهذا وهذا لهذا، كما ذكره بعينه هو الاستثنائي المؤلف من ((المتصل)) و ((المنفصل)) فإن الشرطي ((المتصل)) استدلال باللزوم بثبوت الملزوم الذي هو المقدم وهو الشرط على ثبوت اللازم الذي هو التالي وهو المشروط وبانتفاء اللازم وهو بالتالي الذي هو الجزاء على انتفاء الملزوم الذي هو المقدم وهو الشرط.

وأما الشرطي المنفصل وهو الذي يسميه الأصوليون ((السبر والتقسيم) وقد يسميه أيضًا الجدليون (التقسيم والترديد)، فمضمونه الاستدلال بثبوت أحد النقيضين على انتفاء الآخر؛ وبانتفائه على ثبوته وأقسامه أربعة. ولهذا كان في (مانعة الجمع والخلو) والاستثناءات الأربعة وهو- إنه إن ثبت انتفى نقيضه وكذا الآخر وإن انتفى هذا ثبت نقيضه وكذا الآخر.

و(في) مانعة الجمع الاستدلال بثبوت أحد الضدين على انتفاء الآخر والأمران متنافيان.

ومانعة الخلو فيها (تناقض)(ولزم)(و) النقيضان لا يرتفعان، فمنعت الخلو منهما ولكن مسماها وجود شيء وعد آخر، ليس هو وجود الشيء

ص: 112

وعدمه، ووجود شيء وعدم آخر قد يكون أحدهما لازمًا للآخر. وإن كانا يرتفعان لأن ارتفاعهما يقتضي ارتفاع وجود شيء وعدمه معًا.

وبالجملة ما من شيء إلا وله لازم لا يوجد بدونه، وله مناف مضاد لوجوده، فيستدل عليه بثبوت ملزومه وعلى انتفائه بانتفاء لازمه، ويستدل على انتفائه بوجود منافيه، ويستدل بانتفاء منافيه على وجوده. وإذا انحصر الأمر فيهما فلم يمكن عدمهما جميعًا، كما لم يمكن وجودهما جميعًا.

وهذا الاستدلال يحصل من العلم بأحوال الشيئين وملزومهما ولوازمهما. وإذا تصورته الفطرة عبر بأنواع من العبارات وصورته في أنواع من صور الأدلة، لا يختص شيء من ذلك بالصورة التي ذكروها في ((القياس)) فضلًا عما سموه ((البرهان)). فإن ((البرهان)) شرطوا له مادة معينة وهي القضايا التي ذكروها، وأخرجوا من الأوليات ما سموه وهميات وما سموه (شهورات) وحكم بالفطرة بهما لاسيما بما سموه (وهميات) أعظم من حكمها بكثير من ((اليقنات)) التي جعلوها مواد ((البرهان)).

وقد بسط القول على هذا وبينت كلامهم في ذلك وتناقضهم وأن ما أخرجوه تخرج به ما تنال به أشرف العلوم من العلوم النظرية والعلوم العملية، ولا يبقى بأيديهم إلا أمور مقدرة في الأذهان لا حقيقة لها في الأعيان. ولولا أن هذا الموضع لا يتسع لحكاية ألفاظهم في هذا. وما أوردته عليهم لذكرته، فقد ذكرت ذلك كله في مواضعه من العلوم الكلية والإلهية فإنها هي المطلوبة.

والكلام في المنطق إنما وقع لما زعموا أنه آلة قانونية تعصم مراعاتها

ص: 113

الذهن أن يزل في فكره، فاحتجنا أن ننظر في هذه الآلة هل هو كما قالوا أو ليس الأمر كذلك؟ ومن شيوخهم من إذا تبين له من فساد أقوالهم ما يبين به ضلالهم وعجز عن دفع ذلك: يقول ((هذه علوم قد صقلتها الأذهان أكثر من ألف سنة وقبلها الفضلاء)) فيقال له: عن هذا أجوبه.

أحدهما: أنه ليس الأمر كذلك. فما زال العقلاء الذين هم أفضل من هؤلاء ينكرون عليهم ويثبتون خطأهم وضلالهم.

فأما القدماء فالنزاع بينهم كثير معروف وفي كتب أخبارهم ومقالاتهم من ذلك ما ليس هذا موضع ذكره. فأما أيام الإسلام فإن كلام نظار المسلمين في بيان فساد ما أفسدوه من أصولهم المنطقية والإلهية بل والطبيعية والرياضية كثير قد صنف فيه كل طائفة من طوائف نظار المسلمين حتى الرافضة

وأما شهادة سائر العلماء بضلالهم وكفرهم فهذا اللسان عام لا يدفعه إلا معاند، والمؤمنون شهداء الله في الأرض.

فإذا كان أعيان الأذكياء الفضلاء من الطوائف وسائر أهل العلم والإيمان معلنين تخطئتهم وتضليلهم إما تفصيلًا. امتنع أن يكون العقلاء قاطبة تلقوا كلامهم بالقبول.

أوجه الثاني: أن هذا ليس بحجة، فإن الفلسفة كانت قبل أرسطو وتلقاها من قبله بالقبول طعن أرسطو في كثير منها وبين خطأهم، وابن سينا وأتباعه خالفوا القدماء في طائفة من أناويلهم المنطقية وغيرها بينوا خطأهم، ورد الفلاسفة بعضهم على بعض أكثر من رد كل طائفة بعضهم على بعض، وأبو

ص: 114