المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومشركي العرب، ويقولون إن الرب لا يفعل بمشيئته وقدرته وليس - جهد القريحة في تجريد النصيحة - جـ ٢

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة

- ‌المقام الأول: التصور لا ينال إلا بالحد

- ‌المقام الثاني: (الحد يفيد تصور الأشياء)

- ‌الفصل: في قولهم: إن التصديق لا ينال إلا بالقياس

- ‌[نسبية التصديقات]

- ‌[بطلان دعواهم]

- ‌[مادة الأقيسة]

- ‌[مسمى القياس]

- ‌[قياس التمثيل]

- ‌البرهان لا يفيد إلا الكليات

- ‌الآيات - وقياس الأول

- ‌أقسام الدليل

- ‌[الطريق إلى نظار المسلمين]

- ‌[مقدمتا القياس]

- ‌[أصناف الحجج]

- ‌[قياس الشمول والاستقراء]

- ‌[اليقين والظن]

- ‌المقام الرابع: البرهان يفيد العلم بالتصديقات

- ‌كون القياس المنطقي عديم التأثير في العلم

- ‌[الدليل ما كان موصلًا إلى المطلوب]

- ‌[عود إلى مقدمات الدليل]

- ‌[الدليل]

- ‌[ليست شريعة الإسلام موقوفة على شيء من علومهم]

- ‌[طريقة القرآن في بيان إمكان المعاد]

- ‌[رد أشكال القياس إلى الشكل الأول]

- ‌[القضايا الكلية العامة]

- ‌[الآيات]

- ‌[عود إلى اليقين والظن]

- ‌[بديهة ثبوت بعض الأحكام لبعض الأفراد]

- ‌[التوصل إلى القضايا العامة]

- ‌(مقدمات القياس الكبرى)

- ‌قياس الشمول وقياس التمثيل متساويان

- ‌[المادة القياسية واليقين]

- ‌[كون العلوم الفلسفية من المجربات]

الفصل: ومشركي العرب، ويقولون إن الرب لا يفعل بمشيئته وقدرته وليس

ومشركي العرب، ويقولون إن الرب لا يفعل بمشيئته وقدرته وليس عالمًا بالجزئيات ولا يقدر أن بغير العالم، بل العالم فيض فاض عنه بغير مشيئته وقدرته وعلمه وأنه (إذا) توجه المستشفع إلى من يعظمه من الجواهر العالية، كالعقول والنفوس والكواكب والشمس والقمر، فإنه يتصل بذلك المعظم المستشفع به فإذا فاض على ذلك ما يفيض من جهة الرب، فاض على هذا من وجهة شفيعه، ويمثلونه بالشمس إذا طلعت على مرآة، فانعكس الشعاع الذي على المرآة على موضع آخر، فأشرق بذلك الشعاع، فذلك لشعاع حصل له من مقابلة المرآة وحصل للمرآة بمقابلة الشمس، ويقولون: إن الملائكة هي العقول العشرة أو القوى الصالحة في النفس، وأن الشياطين هي القوى الخبيثة، وغير ذلك مما عرف فساده بالدلائل العقلية، بل بالضرورة من دين الرسول. فإذا كان شرك هؤلاء وكضرهم أعظم من شرك مشركي العرب وكفرهم، فأي كمال للنفس في هذه الجهالات، وهذا وأمثاله مفتقر إلى بسط كثير. والمقصود ذكر ما ادعوا في البرهان المنطقي؟

[بطلان دعواهم]

لا بد في البرهان من قضية كلية

وأيضًا فإذا قالوا: إن العلوم [اليقينية] لا تحصل إلا بالبرهان الذي هو عندهم قياس شمولي، وعندهم لا بد فيه من قضية كلية موجبة، ولهذا قالوا: لإنتاج عن قضيتين سالبتين ولا جزئيتين في شئ من أنواع القياس، لا بحسب صورته كالحملى والشرطي المتصل والمنفصل ولا بحسب مادته لا البرهاني

ص: 32

ولا الخطابي ولا الجدلي، بل ولا الشعري. فيقال: إذا كان لا بد في كل ما يسمونه برهانا من قضية كلية، فلا بد من العلم بتلك القضية الكلية: أي من العلم بكونها كلية، وإلا فمتى جوز عليها أن لا تكون كلية، بل جزئية، لم يحصل العلم بموجبها. والمهملة (هي) المطلقة التي يحتمل لفظها أن يكون كلية وجزئية في قوة الجزئية، وإذا كان لا بد في العلم الحاصل بالقياس الذي يخصونه باسم البرهان من العم بقضية كلية موجبة، فيقال العلم بتلك القضية إن كان يديها. أمكن أن يكون كل واحد من أفرادها بديهيًا بطريق الأولى، وإن كان نظريًا احتاج إلى علم بديهي، فيفضى إلى الدور المعي أو التسلسل في المتواترات وكلاهما باطل.

وهكذا يقال في سائر القضايا الكلية التي يجعلونها مبادئ البرهان، ويسمونها الواجب قبولها سواء كانت حسية ظاهرة أو باطنه، وهي التي يحسها بنفسه أو كانت من المحرمات أو المتواترات أو الحدسيات عند من يجعل منها ما هو من اليقينيات الواجب قبولها، مثل العلم يكون القمر مستفادا من الشمس إذا رأى اختلاف أشكاله عند اختلاف محاذاته للشمس، كما يختلف إذا قاربهما بعد الإجماع كما في ليلة الهلال، وإذا كان ليلة الاستقبال عند الإبدار. وهم متنازعون: هل الحدس قد يفيد اليقين أم لا؟ ومثل العقليات المحضة، مثل قولنا الواحد نصف الاثنين، والكل أعظم من الجزء، والأشياء المساوية لشئ واحد متساوية، والضدان لا يجتمعان، والنقيضان لا يرتفعان ولا يجتمعان، فما من قضية من هذه القضايا الكلية التي تجعل مقدمة في البرهان إلا والعلم بالنتيجة ممكن بدون توسط ذلك

ص: 33

البرهان، بل هو الواقع كثيرًا. فإذا علم أن كل واحد فهو نصف كل اثنين وأن كل اثنين نصفهم واحد، فإنه يعلم أن هذا الواحد نصف هذين الاثنين، وهل جرا في سائر القضايا الأخر من غير استدلال على ذلك بالقضية الكلية. وكذلك كل جزء يعلم أن هذا الكل أعظم من جزئه بدون توسط القضية الكلية. وكذلك هذان النقيضان من تصورهما نقيضين، فإنه يعلم أنهما لا يجتمعان (ولا يرتفعان). وكل أحد يعلم أن هذا المعين لا يكون موجودا معدومًا كما يعلم المعين الآخر، ولا يحتاج ذلك إلى أن يستدل عليه بأن كل شئ لا يكون موجودًا معدومًا معًا، وكذلك الضدان فإن الإنسان يعلم أن هذا الشئ لا يكون أسود أبيض، ولا يكون متحركًا ساكنًا، كما يعلم أن الآخر كذلك. ولا يحتاج في العلم بذلك إلى قضية كلية بأن كل شئ لا يكون أسود أبيض، ولا يكون متحركًا ساكنًا.

وكذلك في سائر ما يعلم تضادهما، فإن على تضاد المعنيين، على أنهما لا يجتمعان فإن العلم بالقضية الكلية يفيد العلم بالمقدمة الكبرى المشتملة على الحد الأكبر وذلك لا يغني بدون العلم بالمقدمة الصغرى المشتملة على الحد الأصغر. والعلم بالنتيجة وهو أن هذين المعينين ضدان فلا يجتمعان، يمكن بدون العلم بالمقدمة الكبرى: وهو أن كل ضدين لا يجتمعان فلا يفتقر العلم بذلك إلى القياس الذي خصوه باسم البرهان وإن كان البرهان في كلام الله ورسوله كلام سائر أصناف العلماء ولا يختص بما سموه هم البرهان وإنما خصواهم لفظ البرهان بما اشتمل عليه القياس الذي خصوا صورته

ص: 34

ومادته بما ذكروه، مثال ذلك أنه إذا أريد إبطال قول من يثبت الأحوال ويقول (هي) لا موجودة ولا معدومة، ويقول: وهذا نقيضان وكل نقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإن هذا جعل الواحد موجودًا معدومًا، ولا يمكن جعل الحال موجودة معدومة، كأن العلم بأن هذا المعنى لا يكون موجودًا معدومًا بدون هذه القضية الكلية، فلا يفتقر العلم بالنتيجة إلى البرهان. وكذلك إذا قيل: إن هذا ممكن وكل ممكن فلا بد له (من) مرجح لوجوده، على أصح القولين أو لأحد طرفيه على قول طائفة من الناس، أو قيل: هذا محدث وكل محدث، فلا بد له من محدث، فتلك القضية الكلية وهي قولنا: كل محدث لا بد له من محدث، وكل ممكن لا بد له من مرجح، يمكن العلم بأفرادها المطلوبة بالقياس البرهاني عندهم بدون العلم بالقضية الكلية التي لا يتم البرهان عندهم إلا بها، فيعلم أن هذا المحدث لا بد له من محدث وهذا الممكن لا بد له من مرجح، فإن شك عقله، وجوز أن يحدث هو بلا محدث أحدثه أو أن يكون وهو ممكن يقبل الوجود والعدم بدون مرجح يرجح وجوده، جوز ذلك في غيره من المحدثات والممكنات بطريق الأولى، وإن جزم بذلك في نفسه لم يحتج علمه بالنتيجة المعينة: وهو قولنا: وهذا محدث، فله محدث أو هذا ممكن، فله مرجح، إلى القياس البرهاني.

ومما يوضح هذا: أنك لا تجد أحدًا من بني آدم يريد أن يعلم مطلوبًا بالنظر ويستدل عليه بقياس برهاني يعلم صحته، إلا ويمكنه العلم به

ص: 35

بدون ذلك القياس البرهاني المنطقي. ولهذا لا تجد لهذا من سائر أصناف العقلاء غير هؤلاء، ولا ينظم دليله من المقدمتين كما ينظمه هؤلاء، بل يذكرون الدليل المستلزم للمدلول، ثم الدليل قد يكون مقدمة واحدة وقد يكون مقدمتين، وقد يكون ثلاث مقدمات بحسب حاجة الناظر المستدل، إذ حاجة الناس تختلف. وقد بسطنا ذلك في الكلام على المحصل وبينا تخطئة جمهور العقلاء لمن قال إنه لا بد في كل علم نظري من مقدمتين لا يستغنى عنهما، ولا يحتاج أكثر منهما. وهذا ينبغي أن يأخذ عن المواد العقلية التي لا يستدل عليها بنصوص الأنبياء، فإنه يظهر فيها فساد منطقهم، وأما إذا أخذ به في المواد المعلومة بنصوص الأنبياء فإنه يظهر الاحتياج إلى القضية الكلية، كما إذا أردنا تحريم النبيذ المتنازع فيه فقلنا النبيذ مسكر وكل مسكر حرام، أو قلنا هو خمر وكل خمر حرام، فقولنا النبيذ المسكر خمر يعلم بالنص، وهو قول النبي-صلى الله عليه وسلم "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" يعلم بالنص والإجماع؛ وليس في ذلك نزاع وإنما النزاع في المقدمة الصغرى وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن كل مسكر خمر وكل خمر حرام. وفي لفظ: كل مسكر خمر وكل خمر حرام. وقد يظن بعض الناس أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم ذكر هذا على النظم المنطقي ليبين النتيجة بالمقدمتين؛ كما يفعله المنطقيون، وهذا جهل عظيم ممن يظنه فإنه- صلى الله عليه وسلم أجل قدرًا من أن يستعمل مثل هذا الطريق في بيان العلم، بل من هو أضعف عقلًا وعلمًا من آحاد علماء أمته لا يرضى لنفسه أن يسلك طريقة هؤلاء المنطقيين، بل يعدونهم من الجهال الذين لا يحسنون (إلا) الصناعات كالحساب والطب ونحو ذلك.

ص: 36

وأما العلوم البرهانية الكلية اليقينية والعلوم الإلهية فلم يكونوا من رجالها. وقد تبين ذلك نظار المسلمين في كتبهم وبسطوا الكلام عليهم، وذلك أن كون كل خمر حرامًا، هو مما علمه المسلمون. فلا يحتاجون إلى معرفة ذلك وإنما شك بعضهم في أنواع من الأشربة المسكرة كالنبيذ المصنوع من العسل والحبوب وغير ذلك، كما في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: عندنا شراب مصنوع يقال له البتع وشراب يصنع من الذرة يقال له المزر، قال- وكان أونى جوامع الكلم- فقال: كل مسكر حرام، فأجابهم صلى الله عليه وسلم، بقضية كلية بين بها أن كل ما يسكر فهو محرم. وبين أيضًا أن كل ما يسكر فهو خمر، وهاتان قضيتان كليتان صادقتان متطابقتان، العلم بأيهما كان موجب العلم بتحريم كل مسكر إذ ليس العلم بتحريم مسكر يتوقف على العلم بهما جميعًا، فإن من علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل مسكر حرام، وهو من المؤمنين به، علم أن النبيذ المسكر حرام، ولكن قد يحصل الشك هل أراد القدر المنكر. أو أراد جنس المسكر، وهذا شك في مدلول قوله، فإذا علم مراده- صلى الله عليه وسلم، علم المطلوب، وكذلك إذا علم أن النبيذ خمر والعلم بهذا أوكد في التحريم فإن نمن يحلل النبيذ المتنازع فيه، لا يسميه خمرًا، فإذا علم بالنص أن كل مسكر خمر كان هذا وحده دليلًا على تحريم كل مسكر عند أهل الإيمان ال 1 ين يعلمون أن الخمر محرم، وأما من لم يعلم تحريم الخمر، لكونه لم يؤمن بالرسول. فهذا لا يستدل بنصه، وإن علم أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لم يعلم أنه حرم الخمر فهذا لا ينفعه قوله: كل مسكر خمر، بل ينفعه قوله: كل مسكر حرام "وحينئِذ يعلم بهذا تحريم الخمر،

ص: 37

لأن الخمر والمسكر اسمان لمسمى واحد عند الشارع وهما متلازمان عنده في العموم والخصوص عند جمهور العلماء الذين يحرمون كل مسكر.

وليس المقصود هنا الكلام في تقرير المسألة الشرعية، بل التنبيه على التمثيل فإن هذا المثال كثيرًا ما يمثل به من صنف في المنطق من علماء المسلمين، والمنطقيون يمثلون بصورة مجردة عن المواد، لا تدل على شئ معين، لئلا يستفاد العلم بالمثال من صورة معينة كما يقولون كل أب وكل ب ج فكمل أح. ولكن المقصود هو العلم المقصود من المواد المعينة، فإذا جرت يظن الظان أن هذا يحتاج إليه في المعينات، وليس الأمر كذلك، بل إّا طولبوا بالعلم بالمقدمتين الكليتين في جميع مطالبهم العقلية التي تؤخذ عن المعصومين تجدهم يحتجون بما يمكن معه العلم فيها بالمعينات المطلوبة بدون العلم بالقضية الكلية. فلا يكون العلم بها موقوفًا على البرهان فالقضايا (النبوية) لا يحتاج إلى القياس العقلي الذي سموه برهانًا. وما يستفاد بالعقل من العلوم أيضًا لا يحتاج إلى قياسهم البرهاني، فلا يحتاج إليه لا في السمعيات ولا في العقليات، فامتنع أن يقال: لا يحصل علم إلا بالقياس البرهاني الذي ذكروه.

ومما يوضح ذلك أن القضايا الحسية لا تكون إلا جزئية، فنحن (لو) لم ندرك بالحس إحراق هذه النار، وهذه النار، لم تدرك أن كل نار محرقة، .

ص: 38

فإذا جعلنا هذه قضية كلية، وقلنا كل نار محرقة. لم يكن لنا طريق نعلم به صدق هذه القضية الكلية علمًا يقينيًا، إلا والعلم بذلك ممكن في الأعيان المعينة بطريق الأولى. وإن قبل ليس المراد العلم بالأمور المعينة فإن البرهان لا يفيد (إلا) العلم بقضية كلية فالنتائج (المعلومة بالبرهان) لا تكون إلا كلية كما يقولون هم ذلك. والكليات إنما تكون كليات في الأذهان لا في الأعيان قيل: فعلى هذا التقدير لا يفيد البرهان العلم بشيء موجود بل بأمور مقدرة في الأذهان لا يعلم تحققها في الأعيان وإذا لم يكن في هذا علم بشيء بموجود، فيكون قليل المنفعة جدا، بل عديم المنفعة، وهم لا يقولون بذلك بل يستعملونه في العلم بالموجودات الخارجية (الطبيعية) والإلهية؛ ولكن حقيقة الأمر- كما بيناه في غير هذا الوضع- أن المطالب الطبيعية التي ليست من الكليات اللازمة بل الأكثرية، فلا تفيد مقصود البرهان.

وأما الإلهيات فكلياتهم فيها أفسد من كليات الطبيعة. وغالب كلامهم- فيها ظنون كاذبة فضلًا عن أن نكون قضايا صادقة يولد منها البرهان. ولهذا حدثونا بإسناد متصل عن فاضل زمانه في المنطق وهو الخويخي صاحب كشف أسرار المنطق والموجز وغيرهما أنه قال عند الموت: أموت

ص: 39

وما عرفت شيئًا (إلا) علمي بأن الممكن يفتقر إلى المؤثر. ثم قال: الافتقار وصف سلبي، فأنا أموت، وما عرفت شيئًا. وكذلك حدثونا عن آخر من أفاضلهم- وهذا أمر يعرفه كل من خبرهم ويعرف أنهم أجهل أهل الأرض بالطرق التي ينال بها العلوم العقلية والسمعية، إلا من علم منهم علمًا من غير الطرق المنطقية، فتكون علومه من تلك الجهة لا من جهتهم، مع كثرة تعبهم في البرهان الذي، يزعمون أنهم يزنون به العلوم، ومن عرف منهم شيئًا من العلوم لم يكن ذلك بواسطة ما حرره في المنطق، ومما بين أن حصول العلوم اليقينية الكلية والجزئية لا يفتقر إلا برهانهم (أن يقال: إذا كان لابد في برهانهم) من قضية كلية، فالعلم بتلك القضية الكلية لابد له من سبب، فإن عرفوها باعتبار الغائب بالشاهد، فإن حكم الشيء حكم مثله، كما إذا عرفنا أن هذه (النار محرقة) فالنار الغائبة محرقة لأنها مثلها. وحكم الشيء حكم مثله، فيقال هذا استدلال بقياس التمثيل وهم يزعمون أنه لا يفيد اليقين بل الظن، فإذا كانوا إنما علموا القضية الكلية بقياس التمثيل، يرجعوا في اليقين إلى ما يقولون إنه لا يفيد إلا الظن، وإن قالوا بل عند الإحساس بالجزئيات لأن يفيض عليها الكلي من واهب العقل أو قالوا: من العقل الفعال. عندهم ونحو ذلك- قيل لهم: الكلام فيها به يعلم أن الحكم الكلي الذي في النفس علم لا ظن ولا جهل. فإن قالوا هذا العلم بالبديهة والضرورة، كان هذا قولًا بأن هذه القضايا الكلية معلومة بالبديهة والضرورة، وأن النفس مضطرة إلى هذا العلم. وهذا إن

ص: 40