الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها وعليها، فإن أركان الكعبة مقابلة لجهات الأرض الأربع، الحجر الأسود يقابل المشرق، والغربي الذي يقابله ويقال له الشامي، يقابل المغرب- واليماني يقابل الجنوب، وما يقابله يقال له العراقي- إذا قيل للذي (من ناحية الحجر الشامي وإن قيل لذاك الشامي، قيل لهذا العراقي، فهذا الشامي العراقي) يقابل الشمال، وهو يقابل القطب، وحينئذ فيستدل بها على الجهات، ويستدل بالجهات عليها.
وما كان مدته أقصر من مدة الكعبة كالأبنية التي في الأمصار والأشجار كان الاستدلال بها بحسب ذلك فيقال علامة الدار الفلانية أن على بابها شجرة من صفتها كذا وكذا، وهما متلازمان مدة من الزمان، فهذا وأمثاله استدلال بأحد المتلازمين على الآخر، وكلاهما معين جزئي. وليس هو من قياس التمثيل.
[الطريق إلى نظار المسلمين]
ولهذا عدل نظار المسلمين عن طريقهم فقالوا: الطريق هو المرشد إلى المطلوب، وهو الموصل إلى المقصود، وهو ما يكون العلم به مستلزمًا للعلم بالمطلوب، أو ما يكون النظر الصحيح فيه موصلًا إلى علم أو إلى اعتقاد راجح ولهم نزاع اصطلاحي هل يسمى هذا الثاني دليلًا، أو يخص باسم الإمارة الفقهاء يسمون الجميع دليلًا.
ومن أهل الكلام من لا يسمي بالدليل إلا الأول. ثم الضابط في الدليل أن يكون مستلزمًا للمدلول، فكلما كان مستلزمًا لغيره، أمكن أن يستدل
به عليه، فإن كان التلازم من الطرفين، أمكن أن يستدل بكل منها على الآخر، فيستدل المستدل بما علمه منهما على الآخر الذي لم يعلمه ثم إن كان اللزوم قطعيًا، كان الدليل قطعيًا، وإن كان ظاهرًا، وقد يتخلف، كان الدليل ظنيًا. فالأول كدلالة المخلوقات على خالقها سبحانه وتعالى علمه وقدرته ومشيئته ورحمته وحكمته، فإن وجودها مستلزم لوجود ذلك، ووجودها بدون ذلك ممتنع، فلا توجد إلا دالة على ذلك، ومثل دلالة خبر الرسول على ثبوت ما أخبر به عن الله، فإنه لا يقول عليه إلا الحق، إذ كان معصومًا في خبره عن الله، لا يستقر في خبره عنه خطأ البتة. فهذا دليل مستلزم لمدلوله لزومًا واجبًا لا ينفك عنه بحال. وسواء كان الملزوم المستدل به وجودًا أو عدمًا، فقد يكون الدليل وجودًا وعدمًا، ويستدل بكل منهما على وجود وعدم، فإنه يستدل بثبوت الشيء على انتفاء نقيضه وضده، ويستدل بانتفاء نقيضه، على ثبوته، ويستدل بثبوت الملزوم على ثبوت اللازم، وبانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم بل كل دليل يستدل به، فإنه ملزوم لمدلوله.
وقد دخل في هذا كل ما ذكروه وما لم يذكروه. فإن ما يسمونه الشرطي المتصل مضمونه الاستدلال بثبوت الملزوم على ثبوت اللازم وبانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم؛ سواء عبر عن هذا بصيغة الشرط أو بصيغة الجزم فاختلاف صيغ الدليل مع اتحاد معناه؛ لا يغير حقيقته والكلام إنما هو في المعاني العلية لا في الألفاظ. فإذا قال القائل: إذا كانت الصلاة صحيحة
فالمصلي متطهر، وإن كانت الشمس طالعة، فالنهار موجود، وإن كان الفاعل عالمًا قادرًا فهو حي، ونحو ذلك. فهذا معنى وله صحة الصلاة (تستلزم) ثبوت الطهارة، ووله يلزم من صحة الصلاة (صحة) ثبوت الطهارة، وقوله لا يكون مصليًا إلا مع الطهارة، وقوله الطهارة شرط في صحة الصلاة وإذا عدم الشرط عدم المشروط، وقوله كل مصل متطهر. فمن ليس بمتطهر فليس بمصل؛ وأمثال ذلك من أنواع التأليف للألفاظ والمعاني التي تتضمن هذا الاستدلال من (غير) حصر الناس في عبارة واحدة.
وإذا اتسعت العقول وتصوراتها، اتسعت عباراتها. وإذا ضاقت العقول والعبارات والتصورات، بقى صاحبها كأنه محبوس العقل واللسان، كما يصيب أهل المنطق اليوناني تجدهم من أضيق الناس علمًا وبيانًا؛ وأعجزهم تصورًا وتعبيرًا. ولهذا من كان (منهم) ذكيًا، إذا تصرف في العلوم، وسلك مسلك أهل المنطق، طول وضيق وتكلف وتعسف، وغايته بيان البين وإيضاح الواضح من العي، وقد يوقعه ذلك في أنواع من السفسطة التي عافى الله منها من لم يسلك طرقهم، وكذلك تكلفاتهم في حدودهم مثل حدهم للإنسان والشمس بأنها كوكب يطلع نهارًا. وهل من يحد مثل هذا الحد ونحوه إلا من أجهل الناس. وهل عند الناس شيء أظهر من الشمس، ومن لم يعرف الشمس، فأما أن يجهل اللفظ فيترجم له، وليس هذا من الحد الذي ذكروه وإما أن لا يكون رآها لعماه، فهذا لا يكون يرى النهار ولا الكواكب