المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قياس الشمول وقياس التمثيل متساويان - جهد القريحة في تجريد النصيحة - جـ ٢

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة

- ‌المقام الأول: التصور لا ينال إلا بالحد

- ‌المقام الثاني: (الحد يفيد تصور الأشياء)

- ‌الفصل: في قولهم: إن التصديق لا ينال إلا بالقياس

- ‌[نسبية التصديقات]

- ‌[بطلان دعواهم]

- ‌[مادة الأقيسة]

- ‌[مسمى القياس]

- ‌[قياس التمثيل]

- ‌البرهان لا يفيد إلا الكليات

- ‌الآيات - وقياس الأول

- ‌أقسام الدليل

- ‌[الطريق إلى نظار المسلمين]

- ‌[مقدمتا القياس]

- ‌[أصناف الحجج]

- ‌[قياس الشمول والاستقراء]

- ‌[اليقين والظن]

- ‌المقام الرابع: البرهان يفيد العلم بالتصديقات

- ‌كون القياس المنطقي عديم التأثير في العلم

- ‌[الدليل ما كان موصلًا إلى المطلوب]

- ‌[عود إلى مقدمات الدليل]

- ‌[الدليل]

- ‌[ليست شريعة الإسلام موقوفة على شيء من علومهم]

- ‌[طريقة القرآن في بيان إمكان المعاد]

- ‌[رد أشكال القياس إلى الشكل الأول]

- ‌[القضايا الكلية العامة]

- ‌[الآيات]

- ‌[عود إلى اليقين والظن]

- ‌[بديهة ثبوت بعض الأحكام لبعض الأفراد]

- ‌[التوصل إلى القضايا العامة]

- ‌(مقدمات القياس الكبرى)

- ‌قياس الشمول وقياس التمثيل متساويان

- ‌[المادة القياسية واليقين]

- ‌[كون العلوم الفلسفية من المجربات]

الفصل: ‌قياس الشمول وقياس التمثيل متساويان

‌قياس الشمول وقياس التمثيل متساويان

الوجه السابع: قد تبين فيما تقدم أن قياس الشمول يمكن جعله قياس تمثيل وبالعكس، فإن قيل: من أين تعلم بأن الجامع يستلزم الحكم؟ قيل: من حيث تعلم القضية الكبرى في قياس الشمول. فإذا قال القائل: هذا فاعل محكم لفعله، وكل محكم لفعله فهو عالم. فأي شيء ذكر في علة هذه القضية الكلية فهو موجود في قياس التمثيل. وزيادة أن هناك أصلًا تمثل به قد وجد فيه الحكم مع المشترك. وفي الشمول لم يذكر شيء من الأفراد التي ثبت الحكم فيها ومعلوم أن ذكر الكلي المشترك مع بعض أفراده أثبت في العقل من ذكره مجردًا عن جميع الأفراد باتفاق العقلاء. ولهذا قالوا: إن العقل تابع للحس فإذا أدرك الحس الجزئيات، أدرك العقل منها قدرًا مشتركًا كليًا، فالكليات تقع في النفس بعد معرفة الجزئيات المعينة، فمعرفة الجزئيات المعينة من أعظم الأسباب في معرفة الكليات، فكيف يكون ذكرها مضعفًا للقياس، وعدم ذكرها موجبًا لقوله؟ وهذه خاصة العقل، فإن خاصة العقل معرفة الكليات بتوسط معرفة الجزئيات. فمن أنكرها أنكر خاصة عقل الإنسان، ومن جعل ذكرها بدون شيء من محالها المعينة، أقوى من ذكرها مع التمثيل بمواضعها المعينة، كان مكابرًا. وقد اتفق العقلاء على أن ضرب المثل مما يعين على معرفة الكليات، وأنه ليس الحال إذا ذكر مع المثل كالحال إذا ذكر مجردًا عنه.

ومن تدبر جميع ما يتكلم فيه الناس من الكليات المعلومة بالعقل في الطب والحساب والطبيعيات والصناعات والتجارات وغير ذلك، وجد الأمر

ص: 155

كذلك. والإنسان قد ينكر أمرًا حتى يرى واحدًا من جنسه فيقر بالنوع ويستفيد بذلك حكمًا كليًا ولهذا يقول سبحانه {كذبت قوم نوح المرسلين * كذبت عاد المرسلين} ونحو ذلك. وكل من هؤلاء إنما جاءه رسول واحد. ولكن كانوا مكذبين بجنس الرسل، لم يكن تكذيبهم بالواحد بخصوصه.

ومن أعظم صفات العقل معرفة التماثل والإختلاف. فإذا رأى الشيئين المتماثلين، علم أن هذا مثل هذا فجعل حكمهما واحدًا، كما إذا رأى الماء والماء والتراب والتراب والهواء والهواء ثم حكم بالحكم الكلي على القدر المشترك. وإذا حكم بعض الأعيان ومثله بالنظير، وذكر المشترك كان أحسن في البيان، فهذا قياس الطرد. وإذا رأى المختلفين كالماء والتراب فرق بينهما وهذا قياس العكس.

وما أمر الله به من الاعتبار في كتابه يتناول قياس الطرد وقياس العكس، فإنه لما أهلك المكذبين للرسل بتكذيبهم، كان من الاعتبار أن يعلم أن من فعل مثل ما فعلوا أصابه مثل ما أصابهم فيبقى تكذيب الرسل حدًا من العقوبة، وهذا قياس الطرد. ويعلم أن من لم يكذب الرسل لا يصيبه ذلك، وهذا قياس العكس، وهو المقصود من الإعتبار بالمكذبين فإن المقصود إن ثبت في الفرع عكس حكم الأصل لا نظيره. والإعتبار يكون بهذا وبهذا قال تعالى {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} وقال {لقد كان لكم آية في فئتين

إن قوله

إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} وقد قال تعالى {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} وقال {لقد أرسلنا

ص: 156

رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} والميزان فسره السلف بالعدل، وفسره بعضهم بما يوزن به وهما متلازمان. وقد أخبر تعالى أنه أنزل ذلك كما أنزل الكتاب ليقوم الناس بالقسط. فما يعرف به تماثل المتماثلات من الصفات والمقادير هو من الميزان وكذلك ما يعرف به اختلاف المتخالفات. فإذا علمنا أن الله تعالى حرم الخمر لما ذكره من أنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء، ثم رأينا النبيذ يماثلها في ذلك، كان القدر المشترك الذي هو العلة، هو الميزان الذي أنزله له الله في قلوبنا لنزن به هذا ونجعله مثل هذا. فلا نفرق بين المتماثلين. فالقياس الصحيح هو من العدل الذي أمر الله به.

ومن علم الكليات من غير معرفة المعين فمعه الميزان فقط. والمقصود بها وزن الأمور الموجودة في الخارج وإلا فالكليات لولا جزئياتها المعينة لم يكن بها اعتبار. كما أنه لولا الموزونات لم يكن بالميزان حاجة. ولا ريب أنه إذا حصر أحد الموزونين واعتبر بالآخر بالميزان كان أتم في الوزن من أن يكون الميزان وهو الوصف الكلي المشترك في العقل، أي شيء حضر من الأعيان المفردة وزن بها مع مغيب الآخر ولا يجوز لعاقل أن يظن أن الميزان العقلي الذي أنزله الله هو منطق اليونان لوجوه أحدها: أن الله أنزل الموازين مع كتبه قبل أن يخلق اليونان من عهد نوح وإبراهيم وموسى وغيرهم وهذا المنطق اليوناني وضعه أرسطو قبل المسيح بثلاثماية سنة فكيف كانت الأمم المتقدمة تزن به. الثاني: أن أمتنا أهل الإسلام مازالوا يزنون بالموازين العقلية. ولم نسمع سلفًا بذكر هذا المنطق اليوناني، وإنما ظهر في الإسلام

ص: 157

لما عربت الكتب الرومية في عهد دولة المأمون أو قريبًا منها. الثالث. أن ما زال نظار المسلمين بعد أن عرب وعرفوه، يعيبونه ويذمونه ولا يلتفون إليه ولا إلى أهله في موازينهم العقلية والشرعية. ولا يقول ليس مما انفردوا به إلا اصطلاحات لفظية، وإلا فالمعاني العقلية مشتركة بين الأمم، فأنه ليس الأمر كذلك بل فيه معاني كثيرة فاسدة. ثم هذا جعلوه ميزان الموازين العقلية التي هي الأقيسية العقلية. وزعموا أنه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن أن يزل في فكره. وليس الأمر كذلك، فإنه لو احتاج الميزان إلى ميزان، لزم التسلسل. وأيضًا فالفطرة إن كانت صحيحة وزنت بالميزان العقلي، وإن كانت بليده أو فاسدة لم يزدها المنطق إلا بلادة وفسادًا. ولهذا توجد عامة من يزن به علومه، لابد أن يتخبط ولا يأتي فالأدلة العقلية على الوجه المحمود. ومتى أتى بها على الوجه المحمود أعرض عن اعتبارها بالمنطق لما فيه من العجز والتطويل وتبعيد الطريق وجعل الواضحات خفيات وكثرة الغلط والتغلط، فإنهم إذا عدلوا عن المعرفة النظرية العقلية للمعينات إلى أمور كلية، وضعوا ألفاظها وصارت مجملة تتناول حقًا وباطلًا، يحصل بها من الضلال ما هو ضد المقصود من الموازين. وصارت هذه الموازين عائلة لا عادلة وكانوا فيها من المطففين {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} وأبن البخس، بل هم بمنزلة من وزن بموازين من الله يزن بها تارة له وتارة عليه. ولا يعرف أهي عادلة أم عائلة والميزان التي أنزلها الله مع الكتاب ميزان عادله تتضمن اعتبار الشيء بمثله،

ص: 158

وخلافه، فتسوى بين المتماثلين وتفرق بين المختلفين مما جعله الله في فطر عباده وعقولهم من معرفة التماثل والاختلاف. فإذا قيل إن كان هذا مما يعرف بالعقل. فكيف جعله الله مما أرسل به الرسل؟

قيل لأن الرسل ضربت للناس الأمثال العقلية التي يعرفون بها التماثل والاختلاف، فإن الرسل دلت الناس وأرشدتهم إلى ما به يعرفون العدل ويعرفون الأقيسة العقلية الصحيحة التي يستدل بها على المطالب الدينية. فليست العلوم النبوية مقصورة على الخبر بل الرسل صلوات الله عليهم بينت العلوم العقلية التي بها يتم دين الله علمًا وعملًا. وضربت الأمثال. فكملت الفطرة بما نبهتها عليه وأرشدتها. مما كانت الفطرة معرضة عنه، أو كانت الفطرة قد فسدت بما يحصل لها من الآراء والأهواء الفاسدة فأزالت ذلك الفساد. والقرآن والحديث مملوءان من هذ، يبين الله الحقائق بالمقاييس العقلية والأمثال المضروبة ويبين طريق التسوية بين المتماثلين والفرق بين المختلفين. وينكر على من يخرج عن ذلك كقوله {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات

الآية} وقوله {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون} أي هذا حكم جائر لا عادل، فإن فيه تسوية بين المختلفين. ومن التسوية بين المتماثلين قوله {أكفاركم خير من أولئكم الآية} وقوله {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم

الآية} والمقصود التنبيه على أن الميزان العقلي حق كما ذكر الله في كتابه. وليست هي مختصة بمنطق

ص: 159