المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[طريقة القرآن في بيان إمكان المعاد] - جهد القريحة في تجريد النصيحة - جـ ٢

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة

- ‌المقام الأول: التصور لا ينال إلا بالحد

- ‌المقام الثاني: (الحد يفيد تصور الأشياء)

- ‌الفصل: في قولهم: إن التصديق لا ينال إلا بالقياس

- ‌[نسبية التصديقات]

- ‌[بطلان دعواهم]

- ‌[مادة الأقيسة]

- ‌[مسمى القياس]

- ‌[قياس التمثيل]

- ‌البرهان لا يفيد إلا الكليات

- ‌الآيات - وقياس الأول

- ‌أقسام الدليل

- ‌[الطريق إلى نظار المسلمين]

- ‌[مقدمتا القياس]

- ‌[أصناف الحجج]

- ‌[قياس الشمول والاستقراء]

- ‌[اليقين والظن]

- ‌المقام الرابع: البرهان يفيد العلم بالتصديقات

- ‌كون القياس المنطقي عديم التأثير في العلم

- ‌[الدليل ما كان موصلًا إلى المطلوب]

- ‌[عود إلى مقدمات الدليل]

- ‌[الدليل]

- ‌[ليست شريعة الإسلام موقوفة على شيء من علومهم]

- ‌[طريقة القرآن في بيان إمكان المعاد]

- ‌[رد أشكال القياس إلى الشكل الأول]

- ‌[القضايا الكلية العامة]

- ‌[الآيات]

- ‌[عود إلى اليقين والظن]

- ‌[بديهة ثبوت بعض الأحكام لبعض الأفراد]

- ‌[التوصل إلى القضايا العامة]

- ‌(مقدمات القياس الكبرى)

- ‌قياس الشمول وقياس التمثيل متساويان

- ‌[المادة القياسية واليقين]

- ‌[كون العلوم الفلسفية من المجربات]

الفصل: ‌[طريقة القرآن في بيان إمكان المعاد]

الوجود منه، فإذا كان الأبعد عن قبول الوجود موجودًا ممكن الوجود، فالأقرب إلى الوجود منه أولى.

[طريقة القرآن في بيان إمكان المعاد]

وهذه طريقة القرآن في بيان إمكان المعاد. فقد بين ذلك بهذه الطريقة فتارة يخبر عمن أماتهم، ثم أحياهم. كما أخبر عن قوم موسى الذين قالوا:"أرنا الله جهرة" قال {فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم} وعن {الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم} وعن {الذي مر على قرية فأماته الله مائة عام ثم بعثه} وعن إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى القصة. وكما أخبر عن المسيح عليه السلام أنه كان يحيي الموتى بإذن الله وعن أصحاب الكهف: أنهم بعثوا بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين.

وتارة يستدل على ذلك بالنشأة الأولى فإن الإعادة أهون من الإبتداء كما في قوله {إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب} الآية) وقوله {قل يحيها الذي أنشأها أول مرة * قل الذي فطركم أول مرة وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه}

ص: 142

وتارة يستدل بذلك على خلق السموات والأرض، فإن خلقهما أعظم من إعادة الإنسان كما في قوله:{أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى} .

وتارة يستدل على إمكانه بخلق النبات كما في: {وهو الذي يرسل الرياح بشرًا .. إلى قوله: كذلك يخرج الموتى} .

فقد تبين أن ما عند أئمة النظار أهل الكلام والفلسفة من الدلائل العقلية على المطالب الإلهية، فقد جاء القرآن بما فيها من الحق وما هو أبلغ وأكمل منها على أحسن وجه، مع تنزهه عن الأغاليط الكثيرة الموجودة عند هؤلاء فإن خطأهم فيها كثير جدًا، ولعل ضلالهم أكثر من هداهم وجهلهم أكثر من علمهم.

ولهذا قال أبو عبد الله الرازي في آخر عمره في كتابه "أقسام الذات" لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلًا ولا تروي غليلًا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن إقرأ في الإثبات {الرحمن على العرش استوى} {إليه يصعد الكلم الطيب} واقرأ في النفي {ليس كمثله شيء * ولا يحيطون به علمًا} ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.

والمقصود أن الإمكان الخارجي يعرف بالوجود لا بمجرد عدم العلم بالإمتاع، كما يقوله طائفة منهم الآمدي. وأبعد من إثبات الإمكان الخارجي بالإمكان الذهني ما يسلكه المتفلسفة كابن سينا من إثبات

ص: 143

الإمكان الخارجي بمجرد إمكان تصوره في الذهن، كما أنهم لما أرادوا إثبات موجود في الخارج معقول، لا يكون محسوسًا بحال، استدلوا على ذلك بتصور الإنسان الكلي المطلق المتناول للأفراد الموجودة في الخارج، وهذا إنما يفيد إمكان وجود هذه المعقولات في الذهن، فإن الكلي لا يوجد كليًا إلا في الذهن، فإن طرق هؤلاء في إثبات الإمكان الخارجي من طريقة القرآن.

ثم إنهم تمثل بهذه الطرق الفاسدة يريدون خروج الناس عما فطروا عليه من المعارف اليقينية والبراهين العقلية، وما جاءت به الرسل من الأخبار الإلهية عن الله واليوم الآخر.

ويريدون أن يجعلوا مثل هذه القضايا الكاذبة والخيالات الفاسدة أصولًا عقلية يعارض بها ما أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه من الآيات، وما فطر الله عليه عباده. وما تقوم عليه الأدلة العقلية التي لا شبهة فيها.

وأفسدوا بأصولهم العلوم العقلية والسمعية، فإن مبني العقل على صحتها وسلامتها، ومبني السميع على تصديق الأنبياء صلوات الله عليهم. يحملون للناس الأمرين، فدلوهم على الأدلة العقلية التي بها نعم المطالب التي يمكنهم علمهم بها بالنظر والاستدلال. وأخبروهم مع ذلك من تفاصيل الغيب بما يعجزون عن معرفته بمجرد نظرهم واستدلالهم.

وليس تعليم الأنبياء صلوات الله عليهم مقصورًا على مجرد الخبر، كما يظنه كثير، بل هم بينوا من البراهين العقلية التي بها تعلم العلوم الإلهية، ما لا يوجد عند هؤلاء البتة. فتعليمهم صلوات الله عليهم جامع للأدلة العقلية والسمعية.

وهؤلاء على الفساد والقصور مع تأثير نفوسهم من الكبر الذي ما هم بالغيه، كما قال تعالى {الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم

ص: 144

إن في صدورهم إلا كبر ماهم ببالغيه فاستعذ بالله إنه السميع البصير} وقال: {الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتًا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} وقال: {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} ومثل هذا كثير من القرآن. وقد ألف كتاب تعارض الشرع والعقل.

ولهذا لما كانوا يتصورون في أذهانهم ما يظنون وجوده في الخارج كان أكثر علومهم مبنيًا على ذلك في الإلهي والرياضي.

وإذا تأمل الخبير بالحقائق كلامهم في أنواع علومهم، لم يجد عندهم علمًا بمعلومات موجودة في الخارج، إلا القسم الذي يسمونه الطبيعي، وما يتبعه من الرياضي المجرد في الذهن، فهو الحكم بمقادير ذهنية لا وجود لها في الخارج والذي سموه علم ما بعد الطبيعة إذ تدبر، لم يوجد فيه علم بمعلوم موجود في الخارج وإنما تصوروا أمورًا مقدرة في أذهانهم لا حقيقة لها في الخارج ولهذا (كان) منتهى نظرهم وآخر فلسفتهم وحكمتهم هو الوجود المطلق الكلي والمشروط بسلب جميع الأمور الوجودية.

والمقصود أنهم كثيرًا ما يدعون في المطالب البرهانية والأمور العقلية ما يكونون قدروه في أذهانهم. ويقولون نحن نتكلم في الأمور الكلية والعقليات المحضة. وإذا ذكر لهم شيء قالوا نتكلم فيما هو أعم من ذلك، وفي الحقيقة من حيث هي هي، ونحو هذه العبارات فيطالبون بتحقيق ما ذكروه

ص: 145

في الخارج، ويقال: بينوا هذا أي شيء هو؟ فهنالك يظهر جهلهم. وإنما يقولون هو أمر مقدر في الأذهان لا حقيقة له في الأعيان مثل أن يقال لهم: اذكروا مثال ذلك والمثال أمر جزئي، فإذا عجزوا عن التمثيل وقالوا: نحن نتكلم في الأمور الكلية، فاعلم أنهم يتكلمون بلا علم. وفيما لا يعلمون أن له معلومًا في الخارج، بل فيما ليس له معلوم في الخارج، وفيما يمتنع أن يكون له معلوم في الخارج، وإلا فالعلم بالأمور الموجودة إذا كان كليًا كانت معلوماته ثابتة في الخارج.

وقد كان الخسر وشاهي من أعيانهم ومن أعيان أصحاب الرازي، وكان يقول: ما عثرنا إلا على هذه الكليات، وكان قد وقع في حيرة وشك حتى كان يقول: والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد.

والمقصود أن الذي يدعونه من الكليات، هو إذا كان علمًا، فهو مما يعرف بقياس التمثيل لا يقف على القياس المنطقي الشمولي أصلًا، بل ما يدعون ثبوته بهذا القياس، تعلم أفراده التي يستدل عليها بدون هذا القياس، وذلك أيسر وأسهل. ويكون الاستدلال عليها بالقياس الذي يسمونه البرهاني استدلالًا على الأجلي بالأخفى.

وهم يعيبون في صناعة الحد أن يعرف الجلي بالخفي، وهذا في صناعة البرهان أشد عيبًا؟ فإن البرهان لا يراد به إلا بيان المدلول عليه وتعريفه وكشفه وإيضاحه، فإذا كان هو أوضح وأظهر، كان بيانًا للجلي بالخفي.

قال: ثم إن الفلاسفة أصحاب هذا المنطق البرهاني الذي وضعه أرسطو وما يتبعه من الطبيعي والإلهي ليسوا أمة واحدة، بل أصناف متفرقون وبينهم من التفرق والاختلاف ما لا يحصيه إلا الله، أعظم مما بين الملة

ص: 146

الواحدة كاليهود والنصارى أضعافًا مضاعفة، فإن القوم كلما بعدوا عن اتباع الكتب والرسل كان أعظم في تفرقهم واختلافهم، فإنهم يكونون أضل، كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) ثم قرأ قوله تعالى {ما ضربوه لك إلا جدلًا بل هم قوم خصمون} إذ لا يحكم بين الناس فيما تنازعوا إلا كتاب منزل ونبي مرسل كما قال تعالى {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه .. الآية} وقال {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} وقال {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول .. الآية} وقد بين الله في كتابه من الأمثال المضروبة والمقاييس العقلية ما يعرف به الحق والباطل وأمر الله بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والإختلاف وأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون فقال {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} ولهذا يوجد أتبع الناس للرسول أقل اختلافًا من جميع الطوائف المنتسبة للسنة وكل من قرب للسنة كان أقل اختلافًا ممن بعد عنها كالمعتزلة والرافضة فتجدهم أكثر الطوائف إختلافًا.

وأما اختلاف الفلاسفة فلا يحصره أحد، وقد ذكر الإمام أبو الحسن الأشعري في كتاب المقالات، مقالات غير الإسلاميين، فأتى بالجم الغفير سوى ما ذكره الفارابي وابن سينا وكذلك القاضي أبو بكر بن الطيب في

ص: 147