الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معي. ((فالقبلي)) ممتنع وهو الذي يذكر في العلل وفي الفاعل والمؤثر ونحو ذلك، مثل أن يقال:((لا يجوز أن يكون كل من الشيئين فاعلًا للآخر، لأنه يفض إلى الدور))، وهو أنه يكون هذا قبل ذاك وقبل هذا. والدور المعي وهو دور الشروط وأخذ المتضايفين مع الآخر مثل: ((لا تكون الأبوة إلا مع البنوة ولا تكون البنوة إلا مع الأبوة.
النوع للثاني: ((الدور الحكمي الفقهي)) المذكور في المسألة السريحية وغيرها، وقد أفردنا فيه مؤلفًا وبينا أنه باطل عقلًا وشرعًا، وبينا هل في الشريعة شيء من هذا الدور أم لا.
الثالث: الدور الحسابي، وهو أن يقال لا يعلم هذا حتى يعلم هذا، ((فهذا هو الذي يطلب حله الجبر والمقتلة)). وقد بينا أنه يمكن الجواب عن كل مسألة شرعية جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم بدون حساب الجبر والمقابلة. وإن كان حساب الجبر والمقابلة صحيحًا.
[ليست شريعة الإسلام موقوفة على شيء من علومهم]
فنحن قد بينا أن شريعة الإسلام ومعرفتها ليست موقوفة على شيء يتعلم من غير المسلمين أصلًا، وإن كان طريقًا صحيحًا، بل طريق الجبر
والمقابلة فيها تطور، يغني الله عنه بغيره كما ذكرنا في المنطق. وهكذا كل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم مثل العلم بجهة القبلة والعلم بمواقيت الصلاة والعلم بطلوع الفجر والعلم بالهلال، فكل القبلة هذا يمكن العلم به بالطرق التي كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يسلكونها ولا يحتاجون معها إلى شيء آخر. وإن كان كثير من الناس قد أحدثوا طرقًا أخر، وكثير منهم يظن أنه لا يمكن معرفة الشريعة إلا بها، وهذا من جهلهم.
كما يظن طائفة من الناس أن العلم بالقبلة لا يمكن إلا بمعرفة ((أطوال البلاد وعروضها)). وهو إن كان علمًا صحيحًا حسابيًا يعرف بالعقل، لكن معرفة المسلمين بقبلتهم ليست موقوفة على هذا. بل قد ثبت عن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم إنه قال:((ما بين المشرق والمغرب قبلة)). قال الترمذي: حديث صحيح. ولهذا كان عند جماهير العلماء أن المصلي ليس عليه أن يستدل ((بالقطب)) ولا بالجدي ولا غير ذلك بل إذا [من في] جعل الشام ونحوها المغرب عن يمينه والمشرق عن شماله صحت صلاته.
وكذلك لا يمكن ضبط وقت طلوع الهلال بالحساب فإنهم وإن عرفوا أن نور القمر مستفاد من الشمس وأنه إذا اجتمع القرصان عند الاسترار لا يرى له ضوء فإذا فارق الشمس صار فيه النور، فهم أكثر ما يمكنهم أن يضبطوا بالحساب كم بعد من غروب الشمس عن الشمس. هذا إذا قدر صحة تقويم الحساب وتعديله، فإنهم يسمعونه علم التقويم والتعديل لأنهم
يأخذون أعلا مسير الكواكب وأدناه فيأخذون معدله، فيحسبونه فإذا قدر أنهم حزروا ارتفاعه عند مغيب الشمس. لم يكن في هذا ما يدل على ثبوت الرؤية ولا انتفائها لأن الرؤية أمر حسي لها أسباب متعددة من صفاء الهواء وكدره وارتفاع النظر وانخفاضه وحد البصر وكلاله، فمن الناس من لا يراه. ويراه من هو أحد بصرًا منه ونحو ذلك فلهذا كان قدماء علماء الهيئة كبطليموس صاحب المجسطي وغيره، لم يتكلموا في ذلك بحرف وإنما تكلم فيه بعض المتأخرين مثل كوشيار الديلمى ولمحوه كم رأوا الشريعة جاءت باعتبار الرؤية. فأحبوا أن يعرفوا ذلك بالحساب، فضلوا وأضلوا. ومن قال إنه لا يرى على إثنى عشرة درجة أو عشر ونحو ذلك، فقد أخطأ. فإن من الناس من يراه على أقل من ذلك. ومنهم من لا يراه على ذلك، فلا العقل اعتبروا ولا الشرع عرفوا، لهذا أنكر ذلك عليهم حذاق صناعتهم.
ثم قال: فصورة القياس لا تدفع صحتها، لكن تبين أنه لا يستفاد منه
فصل: القياس مع صحته لا يستفاد به علم بالموجودات:
كما أن اشتراطهم للمقدمتين دون الزيادة والنقص شرط باطل. فهو وإن حصل به يقين فلا يستفاد بخصوصه يقين مطلوب بشيء من الموجودات. فنقول إن صورة (القياس) إذا كانت مواده معلومة لا ريب أنه يفيد اليقين إذا قيل كل أب وكل ب ج، وكانت المقدمتان معلومتين، فلا ريب أن هذا التأليف يفيد العلم بأن كل أج، لكن يقال ما ذكروه من كثرة الأشكال وشرط نتاجها تطويل
قليل الفائدة كبير التعب .............................................................
فإنه متى كانت المادة صحيحة أمكن تصويرها بالشكل الأول الفطري، فبقية الإشكال لا تحتاج إليها، وهي إنما تفيد بالرد إلى الشكل الأول، إما بإبطال النقيض الذي يتضمنه قياس (الخلف). وإما بالعكس المستوى أو عكس النقيض، فإن ثبوت أحد المتناقضين يستلزم نفي الآخر، إذا روعي التناقض من كل جهة، فهم يستدلون بصحة القضية على بطلان نقيضها وعلى ثبوت عكسها المستوي وعكس نقيضها، بل تصور الذهن لصورة الدليل يشبه حساب الإنسان لما معه من الرقيق والعقار.
والفطرة تتصور القياس الصحيح من غير تعلم. وإن الناس بفطرهم يتكلمون بالأنواع الثلاثة: التداخل، والتلازم، والتقسيم، كما يتكلمون بالحساب ونحوه والمنطقيون يسلمون ذلك.
والحاصل أنا لا ننكر أن (القياس) يتحصل به علم إذا كانت مواده يقينية، لكن نقول: إن العلم الحاصل به لا يحتاج فيه إلى (القياس المنطقي) بل يتحصل بدون ذلك. فلا يكون شيء من العلم متوقفًا على هذا (القياس) وتبين المواد اليقينية التي ذكروها بها علم بالأمور الموجودة، فلا يتحصل بها مقصود تزكو به النفوس.
بل ولا علم بالحقائق الموجودة في الخارج على ما هو عليه إلا من جنس ما يحصل (بقياس التمثيل) فلا يمكن قط أن يتحصل بالقياس الشمولي المنطقي الذي يسمونه (البرهان) علم إلا وذلك يحصل (بقياس التمثيل) الذي يستضعفونه. فإن ذلك القياس لابد فيه من قضية
كلية. والعلم يكون الكلية كلية، لا يمكن الجزم به إلا مع الجزم بتماثل فأراده في القدر المشترك. وهذا يحصل بقياس التمثيل.
ونحن نبين ذلك بوجوه:
الأول: أن المواد اليقينية قد حصروها في الأصناف المعروفة عندهم، أحدها الحسيات: ومعلوم أن الحس لا يدرك أمرًا كليًا عامًا أصلًا فليس في الحسيات المجردة قضية كلية عامة تصلح أن تكون مقدمة في (البرهان اليقيني). وإذا مثلوا ذلك: بأن النار تحرق ونحو ذلك، لم يكن لهم علم بعموم هذه القضية. وإنما يفهم بالتجربة والعادة التي هي من جنس (قياس التمثيل). وإن علم ذلك بواسطة اشتمال النار على قوة محرقة، فالعلم بأن كل نار لابد فيها من هذه القوة هو أيضًا حكم كلي، وإن قيل: إن الصورة النارية لابد أن تشتمل على هذه القوة، وأن مالا قوة له ليس بنار. فهذا الكلام إن صح لا يفيد الجزم بأن كل ما فيه هذه القوة يحرق ما لاقاه (يحترق) وإن كان هذا هو الغالب، فهذا يشترك فيه قياس، والتمثيل والشمول والعادة والاستقراء الناقص. إذا سلم لهم ذلك. كيف وقد علم أنها لا تحرق السمندل والياقوت والأجسام المطلية بأمور مصبوغة.
ولا أعلم في القضايا الحسية كلية لا يمكن نقضها، مع أن القضية الكلية ليست حسية، وإنما القضية الحسية: أن هذه النار تحرق فإن الحس لا يدرك الأشياء خاصًا، وأما الحكم العقلي فيقولون: إن النفس عند رؤيتها هذه المعينات مستعدة لأن تفيض عليها قضية كلية بالعموم ومعلوم أن هذا من جنس قياس التمثيل، ولا يوثق بعمومه إن لم يعلم أن الحكم العام لازم
للقدر المشترك. وهذا إذا علم، علم في جميع المعينات. فلم يكن العلم بالمعينات موقوفًا على هذا، مع أنه ليس من القضايا العاديات، قضية كلية لا يمكن نقضها باتفاق العقلاء.
الثاني: الوجدنيات الباطنة. كإدراك كل أحد جوعه وألمه ولذته، وهذه كلها جزئيات، بل هذه لا يشترك الناس في إدراك كل جزء منها، كما قد يشتركون في إدراك بعض ((الحسيات)) المنفصلة كالشمس والقمر، ففيها من الخصوص في المدرك والمدرك ما ليس في ((الحسيات المنفصلة))، وإن اشتركوا في نوعها فهي تشبه ((العاديات)). ولم يقيموا حجة على وجوب تساوي النفوس في هذه الأحوال بل ولا عن النفس الناطقة، أنها مستوية الأفراد.
الثالث: المجربات وهي كلها جزئية. فإن التجربة إنما تقع على أمور معينة، وكذلك المتواترات فإن المتواتر إنما هو ما علم بالحس من مسموع أو مرئي. فالمسموع قول معين، والمرئي جسم معين أولون معين أو عمل معين أو أمر معين. وأما الحدسيات إن جعلت يقينية فهي نظير المجربات إذ الفرق بينهما لا يعود إلى العموم والخصوص، وإنما يعود إلى (أن) المجربات تتعلق بما هو من أفعال المجربين والحدسيات (لا) تكون عن أفعالهم وبعض الناس يسمى الكلي تجربيات فلم يبق
معهم إلا "الأوليات" التي هي البديهيات العقلية، "والأوليات الكلية" إنما هي قضايا مطلقة في الأعداد والمقادير ونحوها مثل قولهم:"الواحد نصف الاثنين"، "والأشياء المساوية لشيء واحد متساوية" ونحو ذلك. وهي مقدرات في الذهن ليست في الخارج كلية.
فقد تبين أن القضايا الكلية البرهانية التي يجب القطع بكليتها التي يستعملونها في قياسهم لا يستعمل في شيء من الأمور الموجودة، وإنما تستعمل في مقدرات ذهنية، فإذن لا يمكنهم معرفة الأمور الموجودة المعينة بالقياس البرهاني، "وهذا هو المطلوب ولهذا لم يكن لهم علم بحصر أقسام الموجود. بل أرسطو لما حصر أجناس الموجودات في المقولات العشر": الجوهر والكم والكيف والابن ومتى والوضع وأن يفعل وأن ينفعل والملك (والإضافة اتفقوا على أنه لا سبيل إلى معرفة صحة هذا الحصر.
الوجه الثاني: إنما يقال إذا كان لابد في كل قياس من قضية كلية فتلك القضية الكلية لابد أن تنتهي إلى أن تعلم بغير قياس، وإلا لزم الدور والتسلسل فإذا كان لابد أن تكون لهم قضايا كلية معلومة بغير قياس فيقول: ليس في الموجودات ما تعلم له الفطرة قضية كلية بغير قياس، إلا وعلمها بالمفردات المعينة من تلك القضية الكلية أقوى من علمها بتلك القضية الكلية، مثل قولنا:"الواحد نصف الإثنين"، "والجسم لا يكون في مكان"، "والضدان لا يجتمعان، فإن العلم بأن هذا الواحد نصف الإثنين في الفطرة، أقوى من العلم بأن كل واحد نصف كل اثنين، وهكذا
على ما يفرض من الآحاد، فيقال: المقصود بهذه القضايا الكلية إما أن يكون العلم بالموجود الخارجي أو العلم بالمقدرات الذهنية.
أما الثاني ففائدته قليلة، وأما الأول فما من موجود معين إلا وحكمه يعلم تعينه أظهر وأقوى من العلم به عن قياس كلي يتناوله فلا يتحصل بالقياس كثير فائدة، بل يكون ذلك تطويلا. وإنما استعمل القياس في مثل ذلك لأجل الغالط والمعاند فنضرب له المثل وتذكر الكلية ردًا لغلطه وعناده بخلاف من كان سليم الفطرة. وكذلك قولهم:"الضدان لا يجتمعان"، فأي شيئين علم تضادهما، فإنه يعلم أنهما لا يجتمعان قبل استحضار قضية كلية بأن كل ضدين لا يجتمعان، وما من جسم معين إلا يعلم أنه لا يكون في مكانين قبل العلم بأن "كل جسم لا يكون في مكانين" وأمثال ذلك كثير.
فما من مطلوب معين علم بهذه القضايا الكلية إلا وهو يعلم قبل أن تعلم هذه القضية، ولا يحتاج في العلم به إليها. وإنما يعلم بها ما يقدر في الذهن من أمثال ذلك مما لم يوجد في الخارج.
وأما الموجودات الخارجية فتعلم بدون هذا القياس فيكون مبناه على "قياس التمثيل" الذي ينكرون أنه يقيني. فهم بين أمرين: إن اعترفوا بأن "قياس التمثيل" من جنس "قياس الشمول" ينقسم إلى يقيني وظني بطل تفريقهم، وإن ادعوا الفرق بينهما وأن "قياس الشمول" يكون يقينيا دون "التمثيل" منعوا ذلك، وبين لهم أن اليقين لا يحصل في هذه الأمور إلا أن يتحصل بالتمثيل. فيكون العلم بما لم يعلم من المفردات الموجودة في الخارج قياسًا على ما علم منها، وهذا حق لا ينازع فيه عاقل.
بل هذا من أخص صفات العقل التي فارق بها الحس لا يعلم إلا معينًا" والعقل يدركه كليًا مطلقًا، لكن بواسطة التمثيل، ثم يدركها كلها مع غروب الأمثلة المعينة عنه، لكن هي في الأصل إنما بعد عن الذهن المفردات المعينة. فقد يغلط كثيرًا، بأن يجعل الحكم إما أعم وإما أخص، وهذا يعرض للناس كثيرًا، حيث يظن أن ما عنده من القضايا الكلية صحيح، ويكون عند التحقيق ليس كذلك، وهم يتصورون الشيء بعقولهم، ويكون ما يتصوره معقولًا بالعقل، فيتكلمون عليه ويظنون أنهم تكلموا في ماهية مجردة بنفسها من حيث هي هي، من غير أن تكون ثابتة في الخارج ولا في الذهن فيقولون: الإنسان من حيث هو هو، والوجود من حيث هو هو والسواد من حيث هو هو ونحو ذلك.
ويظنون أن هذه الماهية التي جردوها عن جميع القيود السلبية والثبوتية محققة في الخارج على هذا النحو؛ وذلك غلط كغلط أولهم فيما جردوه من العدد والمثل الأفلاطونية وغيرها، بل هذه المجردات لا تكون إلا مقدرة في الذهن: وليس كل ما فرضه الذهن أمكن وجوده في الخارج، وهذا الذهن يسمى (الإمكان الذهني). فإن (الإمكان) على وجهين ذهني، وهو أن يعرض الشيء على الذهن فلم يعلم إمتناعه. بل يقول يمكن هذا، لا لعلمه بإمكانه بل لعدم علمه بإمتناعه (مع) أن ذلك الشيء قد يكون: ممتنعًا في الخارج. وخارجي: وهو أن يعلم إمكان الشيء في الخارج، وهذا يكون: بأن يعلم وجوده في الخارج أو وجود نظيره، أو وجود ما هو أبعد عن