الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا رؤوساً تندر ودماء تهدر وأعضاء تتطاير وتتناثر وأجساماً تتزايل وتتمايل حتى ثملت الرماح من الدماء فتعثرت في النحور وتكسرت في الصدور فرجموا الأعداء من جوانبهم وتمكنوا من فض مواكبهم.
"
وصف أبو الفضل الميكالي المتوفى سنة 436 هـ? المطر شعراً
"
مع مقدمة لعمر بن علي المتطوعي في وصف ذلك المطر نثراً.
حكى عمر بن على المتطوعي قال: رأى الأمير السيد أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد أدام الله عزه أيام مقامه بجوين أن يطالع قرية من قربى ضياعه تدعى نجاب على سبيل التنزه والتفرج فكنت في جملة من استصحبه إليها من أصحابه واتفق أن وصلنا والسماء مصيحة والجو صاف لم يطرز ثوبه بعلم الغمام والأفق فيروزج لم يعبق به كافور السحاب فوقع الاختيار على ظل شجرة باسقة الفروع متسعة الأوراق والغصون قد سترت ما حواليها من الأرض طولاً وعرضاً فنزلنا تحتها مستظلين بسماوة أفنانها مستترين من وهج الشمس بستارة أغضانها وأخذنا نتجاذب أذيال المذاكرة ونتسالب أهداب المناشدة والمحاورة فما شعرنا بالسماء إلا وقد أرعدت
وأبرقت وأظلمت بعدما أشرقت ثم جادت لمطر كأفواه القرب فأجادت وحكت أنامل الأجواد بل أوفت عليها وزادت حتى كاد غيثها يعود عيثاً وهم وبلها أن يستحيل ويلاً فصبرنا على أذاها وقلنا: "سحابة صيف عن قليل تقشع" فإذا نحن بها قد أمطرتنا برداً كالثغور لكنها من ثغور العذاب لا من ثغور العذاب فأيقنا بالبلاء وسلمنا لأسباب القضاء فما فرت ساعة من النهار حتى سمعنا خرير الأنهار ورأينا السيل قد بلغ الزبى والماء قد غمر القيعان والربا فبادرنا إلى حصن القرية لائذين من السيل بأفنيتها وعائذين
من القطر بأبنيتها وأثوابنا قد صندل كافورها ماء الوبل وغلف طرازها طين الوحل ونحن نحمد الله تعالى على سلامة الأبدان وإن فقدنا بياض الأكمام والأردان ونشكره على سلامة الأنفس والأرواح شكر التاجر على بقاء رأس المال إذا فجع بالأرباح فبتنا تلك الليلة تحت سماء تكف ولا تكف وتبكي علينا إلى الصباح بأمع خوام وأربع سجام فلما سل سيف الصبح من غمد الظلام وصرف بوالي الصحو عامل الغمام رأينا صواب الرأي أن نوسع الإقامة بها رفضاً ونتخذ الارتحال عنها فرضاً فما زلنا نطوي الصحارى أرضاً فأرضاً إلى أن وافينا المستقر ركضاً فلما نفضا غبار ذلك المسير الذي جعلنا في ربقة الأسير وأفضينا إلى ساحة التيسير بعدما أصبنا بالأمر العسير وتذاكرنا
ما لقينا من التعب والمشقة في قطع ذلك الطريق وطي لك المشقة أخذ الأمير السيد طال الله بقاءه القلم فعلق هذه الأبيات ارتجالاً:
دهنتا السَّماء غداة السَّحاب
…
بغيثٍ على أفقهِ مسبِل
فجاءَ برعد له رنةٌ
…
كرنةِ ثكلى ولم تثكلِ
وثنّى بوبل عدا طورهُ
…
فعادَ وبالاً على الممحلِ
وأشرفَ أصحابنا من أذاهُ
…
على خطرٍ هائلٍ معضلِ
فمن لائذٍ بفناءِ الجدارِ
…
وآو إلى نفق مهملِ
ومنْ مستجيرٍ ينادي الغريقَ
…
هناكَ ومنْ صارخ معولِ
وجادتْ علينا سماءُ السقوفِ
…
بدمعٍ من الوجدِ لم يهملِ