الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدبية ومدارها على رواية لطيفة مختلفة تسند إلى بعض الرواة ووقائع شتى تعزى إلى أحد الأدباء والمقصود منها غالباً جمع درر الألفاظ وغرر البيان وشوارد اللغة ونوادر الكلام من منظوم ومنثور فضلاً عن ذكر الفرائد البديعة والرقائق الأدبية كالرسائل المبتكرة والخطب المحبرة والمواعظ المبكية والأضاحيك الملهية ولنذكر لك منتخبات من مقامات مختلفة فنقول.
"
قال الحريري المتوفى سنة 516 هـ? المقامة التاسعة الاسكندرنية
"
أخبر الحارث بن همام قال طحابي مرح الشباب وهوى الاكتساب إلى أن جبت ما بين فرغانة وغانه أخوض الغمار اجني الثمار وأقتحم الأخطار لكي أدرك الأوطار وكنت لقفت من أفواه العلماء وثقفت من وصايا الحكماء أنه يلزم الأديب الأريب إذ دخل البلد الغريب أن يستميل قاضية ويستخلص مراضيه ليشد ظهره عند الخصام ويأمن في الغربة جور الحكام فاتخذت هذا الأدب إماماً وجعلته لمصالحي زماماً
تقوي الأجساد بالأرواح فبينما أنا عند حاكم الإسكندرية في عشية عرية وقد احضر مال الصدقات ليفضه على ذوي الفاقات إذ دخل شيخ عفرية تعتله امرأة مصبية فقالت أيد الله القاضي وأدام به التراضي أني امرأة من أكرم جرثومة وأطهر أرومة وأشرف خؤولة وعمومة ميسمي الصون وشيمتي الهون وخلقي نعم العون وبيني وبين جارتي بون وكان أبي إذا خطبني بناة المجد وأرباب الجد سكتهم وبكتهم وعاف وصلتهم وصلتهم واحتج بأنه عاهد الله تعالى بحلفة أن لا يصاهر غير ذي حرفة فقيض القدر لنصبي ووصبي أن حضر هذا الخدعه نادي أبي فأقسم بين رهطه إنه وفق شرطه وادعى أنه طالما نظم فباعها ببدرة فاغتر أبي بزخرفة محاله وزوجنيه قبل اختبار حاله فلما استخرجني من كناسي ورحلني عن أناسي ونقلني إلى كسره وحصلني تحت أسره وجدته قعدة جثمة وألفيته ضجعة نومة
وكنت صحبته برياش وزي وأثاث وري فما برح يبيعه في سوق الهضم ويتلف ثمنه في الخصم والقضم إلى أن مزق مالي بأسره وأنفق مالي في عسره فلما أنساني طعم الراحة وغادر بيتي أنقى من الراحة قلت له يا هذا أنه لا مخبأ بعد بوس ولا عطر بعد عروس فانهض للاكتساب بصناعتك واجتني ثمرة براعتك فزعم أن صناعته قد رميت بالكساد لما ظهر في الأرض من الفاسد زلي منه سلالة كأنه خلالة وكلانا ما ينال معه شبعة ولا ترقا له من الطوى دمعة وقد قدته إليك وأحضرته لديك لتعجم عود دعواه وتحكم بيننا بما أراك الله فأقبل القاضي عليه وقال له وعيت قصص عرسك فبرهن الآن عن نفسك وإلا كشفت عن لبسك وأمرت بحسبك فأطرق إطراق الأفعوان ثم شمر للحرب العوان وقال:
اسمعْ حديثي فإنه عجبُ
…
يضحك من شرحه وينتحبُ
أنا امرؤٌ ليس في خصائصه
…
عيبٌ ولا في فخاره ويبُ
سروجُ داري التي ولدتُ بها
…
والأصل غسانْ حين أنتسبُ
وشغلي الدرسُ والتبحّرُ في العل
…
م طلابي وحبذا الطلبُ
ورأسُ ماليّ الكلام الذي
…
منهُ يصاغُ القريضُ والخطبُ
أغوصُ في لجَّة البيان فأخ
…
تارُ اللآلئ منها وانتخبُ
وأجتني اليانعِ الجني من ال
…
قول وغيري للعود يحتطبُ
وآخذُ اللّفظَ فضَّةً فإذا
…
ما صغته قيل إنهُ ذهبُ
وكنت من قبلُ امتري نشباً
…
فالأدب المقتني وأحتلبُ
ويمتطي أخمصي لحرمته
…
مراتباً ليس فوقها رتبُ
وطالما زفت الصلات إلى
…
ربعي فلم أرضَ كل من يهب
فاليومْ من يعلقُ الرجاءُ بهِ
…
أكسدُ شيءٍ في سوقه الأدب
لا عرضُ أبنائهِ يصان ولا
…
يرقب فيهم إل ولا نسبُ
كأنهم في عراصهم جيفٌ
…
يبعد من نتنها ويجتنبُ
فحار لبّي لما منيت به
…
من اللّيالي وصرفها عجبُ
وضاق ذرعي لضيق ذات يدي
…
وساروتني الهمومُ والكربُ
وقدني دهري المليمُ إلى
…
سلوك ما يستشينهُ الحسبُ
فبعت حتى لم يبق لي لبدُ
…
ولا بتاتٌ إليهِ أنقلبُ
وادنت حتى أثقلتُ سالفتي
…
بحمل دينِ من دونهِ العطبُ
ثم طويت الحشا على سغيٍ
…
خمساً فلمّا أمضني السغب
لم أرَ جهازها عرضاً
…
أجولُ في بيعهِ وأضطرب
فجلتُ فيهِ والنفسُ كارهةٌ
…
والعينُ عبرى والقلب مكتئب
وما تجاوزت إذ عبثتُ به
…
حدَّ التَّراضي فيحدثُ الغضب
فإن يكن غاظها توهما
…
أن بناني بالنّظم تكتسب
أو أنني إذ عزمت خطبتها
…
زخرفت قولي لينجح الأرب
فوالذي سارت الرفاقُ إلى
…
كعبته تستحثها النجب
ما المكرُ بالمحصنات من خلقي
…
ولا شعاري التمويه والكذب
ولا يدي مذ نشأتُ نيط بها
…
إلاّ مواضي اليراع والكتب
بل فكرتي تنظم القلائد لا
…
كفي وشعري المنظوم لا السخب
فهذه الحرفة المشارُ إلى
…
ما كنت أحوى بها وأجتلب
فأذنْ لشرحي كما أذنتَ لها
…
ولا تراقبْ واحكم بما يجب
قال: فلما احكم ما شاده وأكمل إنشاده عطف القاضي إلى الفتاة بعد أن شغف بالأبيات وقال أما أنه قد ثبت عند جميع الحكام وولاة الأحكام انقراض جيل الكرام وميل الأيام إلى اللئام وإني لإخال بعلك صدوقاً في الكلام برياً من الملام وها هو قد اعترف ذلك بالقرض وصرح عن المحض وبين مصداق النظم وتبين انه معروق العظم وإعنات المعذر ملأمة وحبس المعسر مألمة وكتمان الفقر زهادة وانتظار الفرج بالصبر عبادة فارجعي إلى خدرك واعذري أبا عذرك ونهنهي من غربك وسلمي بقضاء ربك ثم إنه فرض لهما في الصدقات حصة وناولهما من دراهمها قبصة وقال لهما تعللا بهذه العلالة وتنديا بهذه البلالة وصبرا على كيد الزمان وكده فعسى الله أن يأتي بالفتح
أو أمر من عنده فنهضا وللشيخ فرحة المطلق من الإسار وهزة الموسر بعد الأعسار قال الراوي: وكنت عرفت أنه أبو زيد ساعة بزغت شمسه ونزعت عرسه وكدت أفصح عن افتتانه وأثمار أفنانه ثم أشفقت من عثور القاضي على بهتانة وتزويق لسانه فلا يرى عند عرفانه أن يرشحه لإحسانه فأحجمت عن القول إحجام المرتاب وطويت ذكره كطي السجل للكتاب إلا أني قلت ما فصل ووصل إلى ما وصل لو أن من ينطلق في أثره لأتانا بفص خبره وما ينشر من حبره فأتبعه القاضي أحد أمنائه وأمره بالتجسس عن أنبائه فما لبث أن رجع متدهدها وقهقر مقهقهاً فقال له القاضي
مهيم يا أبا مريم فقال له لقد عاينت عجباً وسمعت ما أنشأ لي طرباً فقال له ماذا رأيت وما الذي وعيت قال لم يزل الشيخ مذ خرج يصفق بيديه ويخالف بين رجليه ويغرد بملء شدقيه ويقول:
كدتُ أصلى ببليّه
…
من وقاح شمَّريَّه
وأزورُ السّجن لولا
…
حاكم الإسكندريّة
فضحك القاضي حتى هوت دنيته وذوت سكينته فلما فاء إلى الوقار وعقب الاستغراب بالاستغفار قال اللهم بحرمة عبادك المقربين حرم حبسي على المتأد بين ثم قال لذلك الأمين علي به فانطلق مجدا في مطلبه ثم عاد بعد لأيه مخبراً بنأيه فقال له القاضي أما إنه لو حضر لكفي الحذر ثم لأوليته ما هو به أولى ولأريته أن الآخرة خيرٌ له من الأولى قال الحارث بن همام فلما رأيت صغو القاضي إليه وفوت ثمرة التنبيه عليه غشيتني ندامة الفرزدق حين أبان