الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوار والكسعي لما استبان النهار.
"
المقامة البشرية لبديع الزمان الهمذامي المتوفى سنة 398 ه
ـ?"
حدثنا عيسى بن هشام قال كان بشر بن عوانة العبدي صعلوكاً فأغار على ركب فيهم امرأة جميلة فتزوج بها وقال: ما رأيت كاليوم فقالت:
أعجب بشراً حورٌ في عيني
…
وساعدٌ أبيضُ كاللجين
ودونه مسرح طرف العين
…
خمصانةٌ ترفلُ في حجلين
أحسنُ من يمشي على رجلين
…
لو ضمّ بشرٌ بينهما وبيني
أدام هجري وأطال بيني
…
ولو يقيس زينها بزيني
"
لأسفر الصبح لذي عينين
"
قال بشرٌ ويحك من عنيت فقالت: بنت عمك فاطمة فقال: أهي من الحسن بحيث وصفت قالت: وأزيد وأكثر فأنشأ يقول:
ويحكِ يا ذاتَ الثنايا البيضِ
…
ما خلتني منك بمستعيض
فالآن إذ لوّحت بالتعريض
…
خلوتِ جوَّا فاصفري وبيضي
لأضم جفناي على تغميض
…
مالم أشل عرضي من الحضيض
فقالت:
كم خاطبٍ في أمرها ألحَّا
…
وهي إليك ابنة عمّ لحّا
ثم أرسل إلى عمه يخطب ابنته ومنعه العم أمنيته فآلى ألا يرعي على أحد منهم إن لم يزوجه ابنته ثم كثرت مضراته فيهم واتصلت معراته إليهم فاجتمع رجال الحي إلى عمه وقالوا كف عنا مجنونك فقال: لا تملبسوني عاراً وأمهلوني حتى أهلكه ببعض الحيل فقالوا: أنت وذاك ثم قال له عمه إني آليت أن لا أزوج بنتي هذه إلا ممن يسوق إليها ألف ناقة مهراً ولا أرضانها إلا من نوق خزاعة وكان غرض العم أن يسلك بشر الطريق بينه ووبين خزاعة فيفترسه الأسد لأن العرب قد كانت تحامت عن ذلك الطريق وكان فيه أسد يسمى "داذا" وحية تدعى "شجاعاً" يقول فيهما قائلهم:
أفتكُ من داذ ومن شجاع
…
إن يكُ داذٌ سيّد السّباع
فإنها سيّدةُ الأفاعي
ثم إن بشراً سلك ذلك الطريق غما نصفه حتى لقي الأسد وقمص مهره فنزل وعقره ثم اخترط سيفه إلى الأسد واعترضه وقطعه ثم كتب بدم السد على قميصه إلى ابنة عمه:
أفاطمُ لو شهدتِ ببطنِ خبت
…
وقد لاقى الهزبرُ أخاك بشرا
إذاً لرأيتِ ليثاً زارَ ليثاً
…
هزبر اً أغلبا لاقى هزبرا
تبهنسَ حين أحجم عنهُ مهري
…
محاذرةً، فقلتُ عقرتَ مهراً
أنلْ قدميّ ظهرَ الأرض إني
…
رأيتُ الأرضَ أثبتَ منك ظهرا
وقلتُ له وقد أبدى نصالاً
…
محدّدة ووجهاً مكفهرا
يكفكفُ غيلةً إحدى يديه
…
ويبسطُ للوثوب عليّ أخرى
يدلُّ بمخلب وبحدّ ناب
…
وباللَّحظاتِ تحسبهنَّ جمرا
وفي يمنايَ ماضي الحدّ أبقى
…
بمضربه قراعُ الموت أثرا
ألم يبلغك ما فعلتْ ظباة
…
بكاظمةٍ غداةَ لقيتُ عمرا
وقلبي مثلُ قلبك ليس يخشى
…
مصاولةً فكيفَ يخاف ذعرا
وأنتَ تروم للأشبال قوتاً
…
وأطلبُ لابنةِ الأعمام مهرا
ففيمَ تسوم مثلي أن يولّي
…
ويجعلَ في ديك النفس قسرا
نصحتك فالتمسْ يا ليثُ غيري
…
طعاماً إن لحمي كان مرَّا
فلما ظنَّ أن الغشَّ نصحي
…
وخالفني كأنّي قلتُ هجرا
مشى ومشيت من أسدين راما
…
مراماً كان إذ طلباهُ وعرا
هززتُ له الحسامَ فخلتُ أني
…
سللتُ به لدى الظّلماء فجرا
وجدتُ له بجائشةٍ أرتهُ
…
بأنَّ كذبتهُ ما منّتهُ غدرا
وأطلقتُ المهنَّدَ من يميني
…
فقدَّ له من الأضلاع عشرا
فخرَّ مجدَّلاً بدمٍ كأني
…
هدمتُ به بناءً مشمخرَّا
وقلتُ له يعز عليّ أني
…
قتلتُ مناسبي جلداً وفخرا
ولكنْ رمتَ شيئاً لم يرمهُ
…
سواكَ فلم أطقْ يا ليثُ صبرا
تحاولُ أن تعلّمني فراراً
…
لعمرُ أبيك قد حاولتَ نكرا
فلا تجزعْ فقد لاتقيتَ حرَّا=يحاذر أن يعابَ فمتَّ حرَّا فلما بلغت الأبيات عمه ندم على ما منعه تزويجها وخشي أن تغتاله الحية فقام في أثره وبلغه وقد ملكته سورة الحية
فلما رأى عمه أخذته حمية الجاهلية فجعل يده في فم الحية وحكم سيفه فيها فقال:
بشرٌ إلى المجد بعيدٌ همّه
…
لما رآه بالعراءِ عمّهُ
قد ثكلتهُ نفسهُ وأمُّه
…
جاشتْ به جائشةٌ تهمهُ
قام إلى ابنِ للفلَا يؤمُّه
…
فغاب فيه يدهُ وكمّهُ
ونفسهُ نفسي وسمّي سمُّهُ
فلما قتل الحية قال عمه إني عرضتك طمعاً في أمر قد ثنى الله عناني فارجع لأزوجك لابنتي فلا رجع جعل بشر فمه فخراً حتى طلع أمرد كشق القمر على فرسه مدججاً في سلاحه فقال بشر يا عم إني اسمع حس صيد وخرج فإذا بغلام على قيد فقال ثكلتك أمك يا بشر أن قتلت دودة وبهيمة تملأ ما ضغنك فخراً أنت في أمان إن سلمت عمك فقال بشر من أنت لا أم لك قال اليوم الأسود والموت الأحمر فقال بشر: ثكلتك من سلحتك فقال يا بشر ومن سلحتك وكر كل واحد منهما على صاحبه فلم يتمكن بشر منه وأمكن الغلام عشرون طعنة في كلية بشر كلما مسه شبا السنان حماه عن بدنه إبقاء عليه. ثم قال يا بشر كيف ترى أليس لو أردت لأطعمتك أنياب الرمح ثم ألقى رمحه واستل سيفه فضرب بشراً عشرين ضربة بعرض السيف ولم يتمكن بشر من واحدة ثم قال يا بشر سلم عمك واذهب في أمان قال نعم ولكن على شريطة أن تقول لي من أنت فقال أنا ابن المرأة التي دلتك على ابنة عمك: فقال بشر:
تلك العصا من هذه العصيّه
…
هل تلدُ الحيَّةُ إلا الحيّة
وحلف لا ركب حصاناً ولا تزوج حصاناً ثم زوج ابنة عمه لابنه.