المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله: (والكعبان) هما كعب بن زهير وهو معروف في الصحاية - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٧

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: قوله: (والكعبان) هما كعب بن زهير وهو معروف في الصحاية

قوله: (والكعبان) هما كعب بن زهير وهو معروف في الصحاية وقصته مشهورة، وأمّا كعب بن مالك فهو كعب بن جعيل بن عجرة بن ثعلبة بن عوف بن مالك فمالك جده كما في الإصابة لابن حجر وقال إنه لم يذكره في الصحابة غير ابن فتحون عن البغوي، والحديث المذكور وهو (اهجهم الخ) ليس معروفا فيه، وإنما هو مع حسان رضي الله عنه كما في السير والحديث الأول متفق عليه وروح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام، والمراد أنّ الله مؤيده وملهمه إلهاما بانيا لما يقوله، وقوله لهو أي الهجو المفهوم من الفعل ورفع الكعبان كما في النسخ كما في قوله:

كيف من صاد عقعقان وبوم

أو قوله كعبد الله خبر مبتدأ تقديره، وهم وهذا معطوف على محل الجار والمجرور وهو أولى. قوله:(لما في سيعلم الخ) لأنّ السين تفيد التأكيد كما مرّ وليس مخالفا لقول النحاة إنها للاستقبال كما توهم، واطلاق الظلم إذ لم يقيد بنوع والتعميم لأنّ الموصول من صيغ العموم، والتهويل من جعله كأنه لا يمكن معرفته. قوله:(وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله عنهما الخ) لأنه أمر عثمان رضي الله عنه أن يكتب في مرض موته، وقد عهد لعمر رضي الله عنه ما صورته يسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا وأوّل عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي فيها الفاجر إني قد استعملت عليكم عمر ابن الخطاب فإنّ برّ وعدل فذاك علمي به، ورأيي فيه، وان جار وبدل فلا علم لي في الغيب،

والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون اهـ، وذكره المبرد في الكامل وغيره. قوله:(وقرئ أيّ منقلت الخ) أي بالفاء والتاء الفوقية، وهي قراءة الحسن وابن عباس في الشواذ، وقوله عن النبيّ الخ هو حديث موضوع من الحديث المنسوب إلى أبيّ بن كعب المشهور تمت السورة بحمد الله ومنه.

سورة‌

‌ النمل

بسم الله الرحمن الرحيم

كونها ثلاث أو أربع وتسعون هو المشهور، وقيل إنها خمس وتسعون واختلف أيضا في

مكية بعض آياتها كما سيأتي. قوله تعالى: ( {طس} ) قرئ بالإمالة وعدمها وقد تقدم الكلام فيه وقوله الإشارة إلى آي السووة يجوز أن يكون إشارة إلى السورة نفسها أو إلى مطلق الآيات كما مرّ، وقوله وإبانته الخ إشارة إلى أنه من أبان المتعدي، وحذف مفعوله لعمومه، وعدم اختصاصه بشيء، وقوله يبينه من الأفعال أو التفعيل للتتنبيه على ذلك، وعدل عما في الكشاف من قوله وإبانتهما أنهما يبينان ما أودعاه من العلوم والحكم والشرائع وانّ إعجازهما ظاهر مكشوف لأنه يقتضي أخذه من اللازم والمتعدي معاً، ولذا قيل إنهما وجهان والواو فيه بمعنى أو، وقوله وتأخيره أي الكتاب هنا مع تقديمه في سورة الحجر، وهو على هذا التفسير مقدم في الوجود لتقدّم اللوح المحفوظ على القرآن بمعنى المقرر لأنا نعلم أنه في اللوح من القرآن، أو بعد علمنا به وأمّا كونه لا طريق لنا إلى العلم به سواه فمع أنه لا حاجة إليه غير مسلم إذ قد نعلمه من الرسول، ويعلمه الرسول بوحي غير متلو وكون العلم بانه قرآن أهم وجه آخر، وليس التقدم والتأخر حينئذ باعتبار العلم وغيره كما قيل. قوله:(وتقديمه في الحجر باعتبار الوجود (الخارجي فإنّ القرآن بمعنى المقروء لنا مؤخر عن كونه في اللوح المحفوظ ولا حاجة إلى القول بأنّ وجود الألفاظ بعد وجود الكتابة، وأنّ هذا مبنيّ على حدوث الكلام اللفظي كما قيل، وأمّا السؤال باعتبار أحد الوجهين في أحدهما دون الآخر قدوريّ فان قيل بتقدم نزول هذه السورة على الحجر كما في الإتقان فظاهر لمناسبة تقديم ذكر الدليل، ولذا عرف الكتاب في الحجر للعهد. قوله: (أو القرآن) معطوف على اللوح، وإبانته لما أودع مبتدأ وخبر فهو من المتعدى أيضاً والمبين الحكم والأحكام وصحة كونه من عند الله بإعجازه فليس قوله أو لصحته على أنه من أبان اللازم حتى يرد عليه ما ورد على الكشاف كما توهم مع أنّ بعضهم جوّز حمله عليه فالواو بمعنى أو. قوله:

ص: 30

(وعطفه على القرآن الخ) يعني على الوجه الثاني لأنهما عبارة عن شيء

واحد بالذات متغاير بالصفات ولكونهما اسمين غلبا عليه، وان كان أحدهما مصدرا والآخر اسم جنس أو صفة في الأصل، ولذا أتى بكاف التشبيه فهو كقولهم هذا فعل السخيّ، والجواد الكريم لأن القرآن هو المنزل المبارك المصدق لما بين يديه فحكمه حكم الصفات المستقلة بالمدح فكأنه قيل تلك الآيات آيات المنزل المبارك وأيّ كتاب كما في الكشاف. قوله:(وتنكيره) يعني على الوجهين لا على الثاني لأنه على الأوّل مبهم لعدم مناسبته للمقام، والمضاف المحذوف آيات، ويجوز عدم تقديره أيضاً. قوله:(حالان من الآيات) هو أحد وجوه سبعة في إعرابه ومعنى الإشارة أشير أو أنبه، وهو الذي سمته النحاة عاملاً معنوياً، وقوله بدلان منها قال في شرح التسهيل اشترط الكوفيون في إبدال النكرة من المعرفة شرطين اتحاد اللفظ وأن تكون النكرة موصوفة نحو:{لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [سورة العلق، الآية: 16] ووافقهم ابن أبي الربيع في الثاني والصحيح عدم الاشتراط لشهادة السماع بخلافه فلا حاجة إلى ما تكلف هنا من أنه اكتفى بنعت قيدها بالموصول وقوله للمؤمنين إن كان قيدا للهدى والبشرى معا فالهدي بمعنى الاهتداء أو على ظاهره، والتخصيص لأنهم المنتفعون به، وان كانت هدايته عامّة، وجعل المؤمنين بمعنى الصابرين للإيمان تكلف كحمل هداهم على زيادته ومن عممه للبشر جعل القيد للبشرى فقط، وأبقى الهدى على ظاهره من العموم فلا وجه لما قيل من أنه لا دلالة في النظم على التعميم بل دلالته على اختصاصه بالمؤمنين. قوله:) يعملون الصالحاث (كأنه يشير إلى أنه كناية عن عمل الصالحات مطلقا، وانهما خصصا لأنهما إما العبادة البدنية والمالية فقوله من الصلاة والزكاة بتقدير من جنس الصلاة والزكاة، ولو حذفه كان أظهر. قوله: (من تتمة الصلة) لأنّ الحال قيد وهو بيان لاتصاله بما قبله، وقوله وتغيير النظم هو على العطف على الصلة لتغايرهما في الاسمية، ويحتمل أن يكون على الوجهين وثباته تفسير لقوّة اليقين، أو القوّة من تكرير الإسناد والثبات من الاسمية لإفادتها ذلك إذا كانت معدولة، وان كان الخبر فعلا فلا يرد الاعتراض بأنها لا تدلّ على ذلك كما صرّح به أهل المعاني حتى يقال إنه مأخوذ من اليقين كما قيل وقوله وإنهم الأوحديون فيه أي الكاملون في الاتصاف باليقين والياء للمبالغة، وقوله أو جملة اعتراضية هو على ظاهره من غير حاجة إلى جعلها مستأنفة والمراد بالاعتراض الانقطاع عما قبله لابتنائه على أنّ الاعتراض لا يكون في آخر الكلام، وليس بمسلم عندهم وقوله: ويعملون الصالحات إشارة إلى أنهما كناية عما ذكر وقوله هم الموقنون أي الكاملون في

الإيقان بقرينة ما قبله. قوله: (فإن تحمل المشاق الخ) المراد بالمشاق التكاليف الدينية وتحملها إنما يعتد به إذا وافق الباطن الظاهر، أو هو بالنظر إلى الأغلب فلا يرد من يعمل رباء والوثوق مضمن معنى الاعتماد فلذا عدى بعلى، وهما إنما يكونان لكمال الإيقان فتكون العلة للتحمل منحصرة فيه فزوالها يوجب زوال معلولها كوجودها لوجوده فيفيد أنّ المتحمل، هو الموقن لا غيره مع أنّ التلازم بينهما ظاهر فلا يرد أنّ اللازم من التعليل انحصار التحمل في الموقن، والمدّعي عكسة فلا يتم التقريب. قوله:(وتكرير الضمير للاختصاص) كما في الكشاف قيل المراد بالاختصاص الاختصاص المؤكد إذ تقديمه يكفي لإفادة الاختصاص وهذا بناء على أنّ نحو هو عرف يحتمل التقوّي والتخصيص فالتقوي لتكرّر الإسناد، والتخصيص لتقدّم الفاعل المعنوي فلما قدم الضمير، وأكد بالتكرير أفاد التخصيص والتوكيد كما فصل في كتب المعاني وفيه تأمّل، وتقديم بالآخرة للفاصلة ويحتمل الحصر الإضافي للتعريض باليهود. قوله:(زينا لهم أعمالهم القبيحة) قد تقدّم تفصيله في الأنعام وقوله بأن جعلناها الخ إشارة إلى أنه مجاز، وقد جوّز فيه الزمخشري أن يكون استعارة وأن يكون مجازا في الإسناد، وكلام المصنف محتمل لهما أيض أ، وقوله أو الأعمال الحسنة هو منقول عن الحسن وتخصيص الواجب مع أنّ المندوب كذلك لمناسبته للذم يعني أنه تعالى جعل الأعمال الحسنة الواجبة عليهم حسنة كاسمها فعموا عنها كما صرّح به بعد. فالترتيب باعتبار الواقع وتعكيسهم لما يجب عليهم فلا

ص: 31

يتوهم إنّ الفاء لا تناسبه، واضافة الأعمال الحسنة إليهم باعتبار وجوبها عليهم لا باعتبار صدورها منهم وهو خلاف الظاهر ولذا أخره، وقوله بترتيب المثوبات متعلق بزينا إشارة إلى أنّ الحسن فيها شرعي، وهذا بناء على أنهم مخاطبون بالفروع وتفصيله في الأصول. قوله:(فهم يعمهون) العمه التحير والتردّد، وقوله من ضرّ أو نفع ناظر إلى الوجهين إمّا على الجمع أو على التوزيع، وقوله: كالقتل والأسر خصه بالدنيا لقوله بعده في الآخرة الخ، ولو عممه لهما جاز لأنه بعد ذكر عذاب الدارين بين أنّ ما في الآخرة أشدهما. قوله:(لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة) بخلاف عصاة المؤمنين فإن المثوبة لا تفوتهم، وتقديم في الآخرة للفاصلة أو للحصر لأنّ الأخسرية والاً شذية بالنسبة إليها لا إلى ما في الدنيا، وقيل الأولى أنّ التفضيل باعتبار حالته في الدارين فالكفار خسرانهم الأخروفي أزيد من الدنيوفي لعدم تناهيه بخلاف العصاة إذ ليس لخسرانهم قدر بالنسبة إلى النعيم الغير المتناهى، ولا يرد عليه أنّ المعتبر في تفضيل خسرانهم

الأخروي على ما ذكره أن يكون بالنظر إلى خسرانهم الدنيويّ لا إلى النعيم، ولا شك أنه أشد منه لأنه ممنوع فإنه إذا زال عنهم هان لديهم بخلاف ما في الدنيا كما قيل:

واذا نظرت فإنّ بؤسا زائلا للمرء خيرمن نعيم زائل

فتأمّل. قوله: (لتؤتاه) لأنّ لقي المخفف يتعدى لواحد والمضاعف يتعدى لاثنين أقيم أوّلهما مقام الفاعل ومن قال تلقن أراد تفسيره لا أنّ الألف مبدلة من النون، وقوله أفي حكيم وأيّ عليم إشارة إلى أنّ تنوينه للتعظيم. قوله:(مع أنّ العلم داخل في الحكمة) أي في معناها لغة لا لازم معناها لأنها الإتيان بالفعل على وجه الإتقان، وهو متوقف على العلم كما قيل، قال الراغب: الحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الأحكام ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات، اهـ وامّا تفسيرها بالعلم بالأشياء على ما هي عليه فلا وجه له لأنه معنى اصطلاحيّ ذكره في الطبيعيات، نعم هو قريب مما نقل عنه وقوله لعموم العلم إذ هو يتعلق بالمعدومات ويكون بلا عمل ودلالة الحكمة على إتقان العمل لما مرّ فجمع بينهما لأنّ في كل منهما فائدة ليست في الآخر، ولعموم العلم قدم تقديم الجنس على الفصل، وقوله والإشعار والعلم يتبادر منه ما لا تعلق له بالعمل كالقصص كان فيه إيماء لذلك، وقوله ثم شرع الخ إشارة إلى أنّ ما مرّ تمهيد لهذا وتقدير اذكر مرّ تحقيقه. قوله:(ويجورّ أن يتعلق بعليم) وليس المراد تقييد علمه تعالى لأنه عالم بالأشياء قبل وجودها وبعده بل بيان لتعلق علمه به ولركاكته عبر عنه بالجواز الذي هو جار الامتناع وقوله عن حال الطريق الخ بيان للواقع لأن من يذهب لضوء نار على الطريق يكون كذلك، وقوله لما كني بفتح اللام وتشديد الميم جمع دليل جوابها أو هو إن جوّز تقدّمه يعني أنّ الله لما سمي المرأة أهلا حشمة له والأهل جماعة الاتباع جمع ضميره مشاكلة له بحسب ظاهره، ويجوز كسر اللام وتخفيف الميم على أنّ ما مصدرية والمعنى ما ذكر وأمّا كونها موصولة واقعة على السبب والعائد محذوف تقديره له أي للسبب الذي كني عنها بالأهل له، وهو التعظيم فتكلف وقوله إن صح إشارة إلى أنّ الصحيح أنه كان معه غيرها كولده. قوله:(والسين للدلالة الخ) يعني لم يجرّد الفعل عنها إمّا للدلالة على بعد مسافة النار في الجملة حتى لا يستوحشوا إن أبطأ عنهم لأنّ السين حرف تنفيس أي توسيع لمدة الفعل الضيقة بنقله من الحال إلى الاستقبال، ولا يضرّ هنا كون تنفيسها أقل من سوف على قول لكنه لا يرد على المصنف رحمه الله نقضا كما توهم. قوله:(او الوعد بالإتيان وإن أبطأ) أي

أتى بها للدلالة على الوعد بما ذكر لأنّ إتيانه بذلك غير متعين، ولذا أتى بلعل بدلها في آية أخرى، وهي تدخل في الوعد لتأكيده وبيان أنه كائن لا محالة وان تأخر كما ذكره الزمخشريّ في البقرة في تفسير قوله:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} [سورة البقرة، الآية: 137] وأمّا دلالتها على احتمال أن يعرض له ما يبطئه، وان يم تطل المسافة فكأنّ القائل أخذه من مقابلته للأوّل والا فليس في النظم وكلام

ص: 32

المصنف ما يدل عليه. قوله: (وإضافة الشهاب إليه الخ) يعني أنه ليس من إضافة الشيء إلى نفسه بل إضافته بيانية لما بينهما من العموم والخصوص كثوب خز فإنّ الشهاب شعلة النار، والقيس ما يتناول من الشعلة ولذا استعير لطلب العلم والهداية فالقبس قد يكون شهابا كشعلة مأخوذة من أخرى وقد لا يكون كالحراقة وشهب الجوّ، وقوله لأنه بمعنى المقبوس توجيه للوصفية، وهو إمّا تاويل أو إشارة إلى أنه صفة مشبهة كحسن. قوله:(ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي الخ) يعني لا تدافع بين ما وقع هنا وقوله في طه: {لَّعَلِّي آتِيكُم} [سورة طه، الآبة: 0 ا] لأنهما يدلان على الظن والراجي إذا قوي رجاؤه يقول سأفعل كذا، وسيكون كذا مع احتمال خلافه فالترجي يكون بمعنى الخبر وعلى العكس. قوله:(والترديد) يعني كلا الأمرين مطلوب حسن فكان الظاهر الواو لا أو لأنّ كلاً منهما مهمّ له، وقيل إنه يجوز أن يكون احتياجه لأحدهما لا لهما لأنه كان في حال الترحال، وقد ضل عن الطريق فمقصوده أن يجد أحدا يهدي إلى الطريق فيستمرّ في سفره فإن لم يجده توقد النار لدفع ضرر البرد في الإقامة، وقد قيل إنّ ما مرّ في سورة طه من أنه كان في الطور قد ولد له ابن في ليلة شاتية، وظلمة مثلجة وقد ضل الطريق وتفرّقت ماشيته فرأى النار وقال لأهله ما قال يدلّ على احتياجه لهما معاً فلا يتوجه ما ذكره، ولذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله لمخالفته المنقول. قوله:(للدلالة على أنه الخ) فهي لمنع الخلوّ تحرّيا للصدق، وقوله لا يجمع الله بين حرمانين كما في المثل لا يضرب الله بسيفين، والصلاء بكسر الصاد والمدّ ويفتح بالقصر كما في القاموس هو الدنوّ من النار لتسخين البدن، وهو الدفء ودفع ألم البرد ويطلق على النار نفسها كما ذكره أهل اللغة، أو هو بالكسر الدفء وبالفتح النار. قوله:(أي بورك) يعني أنّ أن تفسيرية وشرطها موجود وهو تقدم ما فيه معنى القول دون حروفه كالنداء كما أشار إليه المصنف رحمه الله واذا كانت مصدرية يجوز في بورك أن يكون خبرا وانشاء للدعاء ولا يضرّ فوات معنى الطلب إذا أوّل بالمصدر كما توهم لأنه أمر تقديري ولو سلم ففواته كفوات معنى المضيئ، والاستقبال وقد

مرّ تفصيله. قوله: (والتخفيف وإن اقتضى التعويض الخ) والتعويض عما حذف منها، وقيل إنّ هذا التعليل غير تامّ لأنه لو كان كذلك اطرد، وهو غير مطرد وكذا التعليل بأنه للفرق بينها وبين المصدرية فإنه لو كان كذلك لزم عدم الدخول على الجملة الدعائية، وهي تدخل عليها كالمصدرية كما في الكشف، والعلل النحوية حالها معروف فالأصوب أن يحال على السصاع أو يقال كما في الحجة لأبي عليّ الفارسيّ إنها لما كان لا يليها إلا الأسماء استقبحوا أن يليها الفعل من غير فاصل، وكان الظاهر أتي بدل قوله بلا بحرف نفي فإنه لا يختص بها كما في التسهيل والرضى، ثم إنّ ما ذكره في الجملة غير الاسمية والشرطية وغير الفعلية التي فعلها غير متصرّف كعسى، وليس مع أنه أغلبيّ كقوله:

علموا أن يؤملون فجادوا

والأحكام التي تخالف فيها كعدم وقوعها شرطا وحالاً وخبرا، وما ادّعاه الرضى من أن

بورك إذا جعل دعائياً فهي مفسرة لا غير لأنّ المخففة لا يقع بعدها فعل إنشائيّ إجماعاً وكذا المصدرية مخالف لما ذكره النحاة ودعوى الإجماع ليست بصحيحة، ونائب فاعل نودي أمّا ضمير موسى أو ضمير المصدر وهو النداء أو هو إن بورك كما في الدرّ المصون. قوله:(من في مكان النار) يعني أنه فيه مضاف مقدر في موضعين أي من في مكان النار وحول مكانها، وقوله وكفاتهم أي مقرّهم، وأصل الكفات بكسر الكاف ما يكفت الشيء أي يضمه ويشمله، وقوله في تلك الوادي كما في بعض النسخ أنثه لتأويله بالأرض. قوله:(وقيل المراد (أي بمن في النار وحولها، وهذا يحتمل أن يراد بمن في النار موسى وبمن حولها الملائكة ويؤيده قراءة أبيّ، ومن حولها من الملائكة وعكسه كما قيل في تفسيره أي جعل البركة، والخير فيمن في مكان النار وهم الملائكة ومن حولها أي موسى ولا وهم فيه كما توهم، وتلك القراءة مع شذوذها غير نص فيه. قوله: (وتصدير الخطاب بذلك) أي بقوله أن بورك سواء كان دعاء أو خبرا لأنّ الدعاء من الله بشارة، والأمر العظيم النبوّة وهو على التفسيرين، وقيل إنه على الأوّل لقوله في أرض الشام إذ ليس في الثاني ما يفيد عمومه لأرض الشام، والمراد انتشار بركة جديدة لأنّ أصلها

ص: 33

كان حاصلاً فيها قبله. قوله: (من تمام ما نودى به) فهو من جملة الخطاب،

وهو إمّا خبر أو طلب لتنزيهه عما يتوهم من مجيء الخطاب من جانب من الجهة وجارحة الكلام وغير ذلك مما يشبه ما للبشر، ويجوز كونه جملة معترضة، وقوله وللتعجب الخ هذا أيضا على كونه من تمام النداء لكن التعجب لا يكون من الله فهو كناية عن عظمته، وأنه مما يتعجب منه وقوله أو تعجب من موسى أي صادر منه بتقدير القول أي، وقال موسى الخ وفي نسخة تعجيب فمن متعلقة به فالتقدير وقلنا لموسى وقال السديّ إنه تنزيه منه. قوله:(أو للمتكلم) المنادى له فالتقدير إنّ المنادى المتكلم أنا، والحمل مفيد من غير رؤية لأنه علمه علم اليقين بما وقر في قلبه فكأنه رآه والله عطف بيان للضمير، وتجوز البدلية عند من جوّز إبدال المظهر من ضمير المتكلم بدل كل وقول أبي حيان في ردّ هذا الوجه أنه إذا حذف الفاعل وبنى فعله للمجهول لا يجوز عود ضمير على ذلك المحذوف لأنه نقض للغرض من حذفه والعزم على أن لا يكون محدثا عنه معتنى به غير وارد لأنه لم يقل أحد إنه عائد على الفاعل المحذوف بل على ما دلّ عليه الكلام، والسياق ولو سلم فهذا لا يمتنع أن يكون في جملة واحدة، وأمّا في جملة أخرى فلا كما تقدم في قوله تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [سورة البقرة، الآية: 178] ثم قال وأدإء إليه أي إلى الذي عفا وهو وليّ الدم فقد مرّ فيه أنّ الضمير عائد إلى نائب الغاعل المحذوف كما مرّ تفصيله وقوله أن لايكون محدثا عنه غير صحيح لأنه قد يكون محدثا عنه، ويحذف للعلم به وعدم الحاجة إلى ذكره وقوله غير معتنى به لا يخلو من هجنة وسوء أدب هنا وإن كان المراد منه معلوما، ويجوز أن يكون أنا تأكيداً للضمير والله خبره كما مرّ في طه. قوله:(ممهدتان لما أراد أني ظهره الخ) أي في قوله وألق عصاك الخ كما أشار إليه بقوله كقلب العصا الخ والقوي القادر تفسير للعزيز، وقوله الفاعل الخ تفسير للحكيم. قوله:(عطف على بورك الخ) هذا ما اختاره الزمخشريّ وقيل إنه معطوف على قوله إنه أنا الله الخ ة وقيل إنه معطوف على مقدر أي أفعل ما آمرك وألق الخ وما ذكره المصنف رحمه الله أولى لما في الثاني من عطف الإنشاء على الخبر والفعلية على الاسمية، ولا يرد على المصنف رحمه الله لأنّ جملة بورك دعائية إنشائية مع أنه يجوز في مثله عطف الإنشاء على الخبر لكون النداء في معنى القول، ولأنه على الثالث كان الظاهر فألق بالفاء وأشار بقوله ويدلّ الخ إلى أنّ تكرير أن التفسيرية في سورة القصص صريح فيه والقرآن يفسر بعضه بعضا والى أنه لا يرد عليه أنّ تجديد النداء في فوله يا موسى يأباه، كما قيل لا لأنه جملة معترضة كما توهم لأنّ ذكران في الآية المستدل بهاينافيه بل لأنه ليس بتجديد نداء لأنه من جملة تفسير النداء المذكور فما ذكر غفلة

عما أشار إليه بتكرير أن فتدبر. قوله: (تتحرّك باضطراب) أي بشدة وضرب على الأوض لأنّ الهز التحريك الشديد كما قاله الراغب: ورأى بصرية لا علمية كما قيل، وقوله حية خفيفة سريعة إشارة إلى التوفيق كما مرّ، وقوله وقرئ جأن أي بهمزة مفتوحة هرباً من التقاء الساكنين، وإن كان على حده كما قرئ في الضالين. قوله:(ولم يرجع) من شدة خوفه من عقب الرجل في الحرب إذا كر ورجع بعد ما فرّ قال:

فما عقبوا إذ قيك هل من معقب

وقوله رعب بالبناء للمجهول أو المعلوم أي اشتدّ خوفه، وهو بوزن منع، وقوله أريد به

أي أريد وقوعه به بأن قلبت حية لإهلاكه، وقوله ويدلّ عليه أي على أنّ ذلك لخوفه بأيّ وجه كان فلا وجه لما قيل إنّ خوفه من الله لظنه أنه أراده به، وقوله من غيري أيّ مخلوق كان حية أو غيرها، وهو إشارة إلى مفعوله المقدر، وقوله ثقة بي أي اعتمادا عليّ علة للنهي، وقوله أو مطلقاً على تنزيله منزلة اللازم، وقوله لقوله تعليل للثاني لشموليما الخوف من الله، أو لقوله ويدلّ وفي الكشاف إنما رعب لظنه أنّ ذلك لأمر أريد به ويدل عليه إني لا يخاف لديّ المرسلون أي يدلّ على أن خوفه لظنه أنه أريد به، إذ لو لم يكن الأمر كذلك لم يصح تعليل نهيه عن الخوف به، وهو راجع إلى ما ذكره المصنف رحمه الله خصوصاً إن قلنا إن قوله لقوله متعلق بيدل فتأمّل. قوله:(حين يوحى إليهم) هو معنى قوله لديّ، وقوله: من فرط الاستغراق بتوجههم الكلي إلى تلقي الأوامر، وانجذاب أرواحهم إلى عالم الملكوت، ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يرى كالمغشي عليه فيغيب عنهم كل شيء سواه

ص: 34

حتى الخوف وهذا باعتبار الأغلب والمعنى لا ينبغي لهم أن يخافوا في تلك الحال بل لا يخطر ببالهم الخوف وان وجد ما يخاف منه فيندفع رعبه الناشئ عن ظنه، ولذا قيل:{أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} [سورة القصص، الآية: 31] تثبيتا له وما قيل من أنّ الأولى طرح هذا وتبديله بقوله لا يلحقهم وقت الوحي ما يخافونه من بأس الله إذ به يندفع رعبه الناشئ عن ظنه ليس بشيء لأنه مع عدم منامبته للمقام غير محتاج إلى البيان. قوله: (فإنهم أخوف الناس الخ) بيان لتقييد عدم خوفهم بما مرّ الدالّ عليه قوله لديّ مع أنهم أشد خوفاً من الله كما قال {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28] ولا أعلم منهم بالله. قوله: (أو لا يكون لهم عندي سوء

عاقبة) هذا جار على الوجهين أي لا تخف من غير الله أو لا تخف مطلقاً فإنك آمن من سوء العاقبة كسائر المرسلين، والذي ينبغي أن يخشاه أولو العزيم وصفوة الخلق إنما هو ذلك:

إن ختم الله بغفرانه فكل ما لاقيته سهل

فمناسبته للمقام ظاهرة والمراد بسوء العاقبة ما في الآخرة لا الدنيا حتى يرد قتل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كيحعى صلى الله عليه وسلم فلديّ بمعنى عندي أي عند لقائه تعالى، وقوله يخافون منه هو الصحيح وفي نسخة فيخافون بالفاء، وكان الظاهر حذف النون منه.

تنبيه: ما ذكر هنا مبنيّ على مسالة أصولية وهي أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هل يأمنون مكر الله ولا يخافون سوء العاقبة لأنّ الله أمنهم من ذلك فلو خافوا لم يثقوا بما أمرهم الله به، وهو الصحيح عند الأشعريّ أولاً وقد بيتاه في غير هذا المحل. قوله:(استثناء منقطع استدرك الخ) فمن في محل نصب أو رفع بهلى اللغتين فيه، فإن قلت إذا كان المراد بمن ظلم من صدرت عنه صغيرة من المرسلين فهو متصل لدخولهم فيهم، قلت: لو كان متصلا لزم إثبات الخوف لهم لاستثنائه من الحكم وهو نفي الخوف عنهم، ونفي النفي إثبات فليس بمتصل بل هو شروع في حكم آخر، ولذا قيل: إنّ المراد بمن ظلم غير المعصومين من الأمم أو هو على الوجه الأوّل فإنّ أحدا منهم لا يخاف حين الوحي، وأشار بقوله استدرك إلى أنّ إلا بمعنى لكن في المنقطع، وقوله من نفي الخوف متعلق بيختلج، وقوله وفيهم الخ جملة حالية وقوله فإنهم تعليل لقوله استدرك وقصد معطوف عليه، وكون وكز القبطي قبل النبوّة لا يضرّ كما توهم بل كلمة ثم تقتضيه لأنّ من صدر منه ما هو في صورة الظلم عامّ شامل لمن فعل شيئاً منه قبل رسالته أو بعدها ولذلك قيل إنّ تسميته ظلما مشاكلة لقوله:{ظَلَمْتُ نَفْسِي} [سورة النمل، الآية: 44] وعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتفصيلها في الأصول. قوله: (وإن فعلوها الخ) تفسير لقوله ثم بدل الخ وقوله وقيل متصل هو على الوجه الأخير فإنّ من صدرت منه صغيرة يخاف أمر عاقبته، ثم بعده يتبين له خلافه، أو يزول عنه بالتوبة وحينئذ قوله فانى الخ مستأنف، وهو على الأوّل جواب من إن كانت شرطية وخبرها إن كانت موصولة، وقوله وثم بدل مستانف أي على الاتصال، وهو معطوف على محذوف مستأنف لا على المذكور لأنه لا يصح حينئذ كون الاستثناء متصلاً لأنّ تبديله ينافي الخوف فالتقدير فمن ظلم بالذنب، ثم بدله بالتوبة {فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، وإسناد التبديل إليه ليس بحقيقيّ بل مجازيّ لأنه سبب لتبديل الله له بتوبته كما أشار إليه بقوله بالتوبة أي بسببها. قوله:(لأنه كان الخ) بيان

لقوله في جيبك دون كمك، والمدرعة بكسر الميم وسكون الدال المهملة لباس لا أكمام له، والجيب مدخل الرأس من القميص لا ما يوضع فيه الدراهم كما هو معروف الآن لأنه مولد وقوله لأنه يجاب أي يقطع فهو فعل بمعنى مفعول وقد مرّ معنى قوله من غير سوء وما فيه في سورة طه، وقوله تخرج جواب الأمر وبيضاء حال وكذا من غير سوء وهو احتراس. قوله:(في تسع آيات (حال متعلق بادخل أي معدودة من جملتها، وكائنة معجزة لك معها، وقوله على أنّ التسع خبر مبتدأ مقدّر أي هذا على أنّ الخ والطمسة جعل أسبابها حجارة. قوله: (ولمن عد العصا) الخ إشارة إلى دفع ما يتبادر من أنّ آياته إحدى عشرة لا تسعاً إن عدّت اليد منها وعشرة إن لم تعد لأفرادها بالذكر والأخيرين الجدب والنقصان، وهو ظاهر فإذا كانا واحدا ولم يعد الفلق كانت تسعاً، وهذا أقرب مما في التقريب ممن أنّ الطمسة والجدب والنقصان ترجع لشيء واحد وذهب صاحب الفرائد إلى أنّ الجراد والقمل واحد والجدب والنقصان واحد. قوله:

ص: 35

(لأنه لم يبعث به إلى فوعون) بل لهلاكهم به وان تقدمه بيسير ومن عده يقول يكفي معاينتهم له في البعث به أو هو بعث به لمن آمن من قومه، ولمن تخلف من القبط ولم يؤمن، وقوله أو اذهب معطوف على قوله في جملتها فهو متعلق بمقدر مستأنف في بمعنى مع وقوله مبعوثا الخ إشارة إلى أنه حال، وقوله تعليل للإرسال أي مستأنف استئنافا بيانيا كأنه في جواب سؤال لم أرسلت إليهم بما ذكر، وهو على وجهي تعلق إلى فرعون لأ! ن المقصود من الأمر بالذهاب الإرسال. قوله:(بأن جاءهم موسى بها) إشارة إلى أن الإسناد مجازي ما بينهما من الملايسة لكونها معجزة له، والنكتة في العدول عن الظاهر الإشارة إلى أنها خارجة عن طوقه كسائر المعجزات وأنه لم يكن تصرّف عاديّ في بعضها، وكونه معجزة له لإخباره به ووقوعه بدعائه ونحوه فلا يلزم حينئذ عدم اختصاصه به فلا يكون معجزة له كما توهم كيف، وكثير من المعجزات كذلك كشق القمر ونحوه ولا ينافي هذا الإسناد إليه لكونها جارية على يديه للإعجاز في نحوه:{فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا} [سورة القصص، الآية: 36] في محلى آخر كما توهم، وقد بين بعضهم وجها لاختصاص كل منهما بمحله بأنّ ثمة ذكر مقاولته، ومحاولتهم معه فناسب الإسناد إليه وهنا لما لم يكن كذلك ناسب الإسناد إليها لأنّ المقصود بيان جحودهم لها فتدبر. قوله:(بينة) هو محصل المعنى، وقوله أطلق للمفعول يعني استعمل بمعناه وهو إمّا

باستعماله بمعنى مفعول مجازاً أو على الإسناد المجازي، كما قيل لكن قوله إشعاراً الخ يقتضي أنّ في الآيات استعارة بالكناية بأن شبهت بشخص وقف على مرتفع لينظر الناس، وإثبات الأبصار له تخييل، وقوله: جاءتهم ترشيح ولذا عبر بالأشعار لأنه لا ملازمة بينهما إذ قد يرى نفسه من استتر عن العيون، ويرى الناس من لم يروه فسقط ما قيل من أنّ وجه الإشعار خفيّ، وقوله أو ذات تبصر يعني به أنه للنسب كلابن وتامر والتبصر بمعنى الأبصار فإن تبصر ورد بمعنى أبصر، وهذا الوجه لم يذكره في الكشاف. قوله:(من حيث أنها تهدي والعمي) جمع أعمى كحمر جمع أحمر لا تهتدي بنفسها فضلاً عن أن تهدي غيرها يعني أنها سبب للهداية فيكون لها نسبة إلى التبصر في الجملة باعتبار أنّ كلاً منهما سبب للهداية التي لا تكون مع العمي فليس هذا على أنه استعارة مكنية كما توهم، وما وقع في الكشاف وشروحه كلام آخر وهو الذي غره. قوله:(أو مبصرة كل من نظر الخ) هو ما أشار إليه في الكشاف بقوله، ويجوز أن يراد بحقيقة الأبصار كل ناظر فيها من كافة أولي العقل وأن يراد أبصار فرعون وملئه لقوله، واستيقنتها أنفسهم بمعنى أنّ الأبصار المسند إلى الآيات مجاز لكل ناظر فيها من العقلاء أو لفرعون وقومه ولما كان العموم هو الظاهر، ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله أيده بقوله واستيقنتها أنفسهم الخ. قوله:(وقرئ مبصرة) بفتحات على وزن اسم المكان، ولذا فسره بقوله مكانا يكثر قيه التبصر، والكثرة من الصيغة لأنه لا يصاغ في الأكثر إلا لمثله فلا يقال مضببة إلا لمكان يكثر فيه الضباب لا لما فيه ضبّ واحد، ثم تجوّز به عما هو سبب لكثرة الشيء وغلبته كقولهم الولد مجبنة ومبخلة، وهو المراد هنا وهذه القراءة شاذة نسبت لقتادة وعلي بن الحسين رضي الله عنهما، وقوله واضح سحريته إشارة إلى أنه من أبإن اللازم وجعل جملة استيقنتها حالاً بتقدير قد لأنه أبلغ. قوله:(ظلماً لأنفسهم) أو للآيات والترفع التكبر وعد نفسه رفيع القدر وانتصابهما على العلية، وأنهما مفعول له، ويجوز أن يكون على الحالية والعلية باعتبار العاقبة والادّعاء فهو كقوله لدوا للموت وابنوا للخراب، ولكونه أبلغ وأنسب لذكر العاقبة بعده اف! تصر المصنف عليه لاقتضاء فاء التفريع له وتذكير ضمير العاقبة لمطابقة الخبر. قوله:(طائفة من العلم) يعني أنّ التنوين للتقليل، ويحتمل أن يكون للتعظيم والتفخيم واليه أشار بقوله أو علما أيّ علم وكلاهما مناسب للمقام لأنه إن نظر إلى أنّ القائل هو الله فكل علم عنده قليل، وإن نظر إلى أنه للامتنان فالعظيم إنما يمتن بأمر عظيم فلا وجه لما قيل إنّ الثاني أوفق بالمقام

فينبغي تقديمه، والمراد بالحكم الأخلاق والعلوم الحقيقية الشرائع تشمل علم القضاء والفتيا. قوله:(عطفه بالواو الخ) جواب عن سؤال مقدر، وهو أنّ مقتض الظاهر أن يقال فقالا لترتب الحمد على الإيتاء المذكور كما تقول أعطيته فشكر فأجاب كما اختاره الزمخشريّ، بأنه ليم يقصد وقوع هذا القول

ص: 36

في مقابلة ذلك الإيتاء لأنه لا يعادله فعدل عنه إشارة لذلك، واشعاراً بأن ثمة معنى آخر ملاحظا كأنه مقدراً عطف عليه ما ذكر أي فعملا به وعلماه وعرفا حق نعمته وفضله وقالا الخ، وهذا أحسن مما ذهب إليه السكاكيّ من أنه فوّض فيه الترتيب إلى العقل لأن المقام يستدعي شكرا بالغاً وفي طيه إشارة إلى أنه جاوز حد الإحصاء وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله كأنه قال الخ وقال: كأنه إشارة إلى أنه ليس بمقدر حقيقة وإن ذهب إليه بعضهم وتسمى هذه الواو الواو الفصيحة، ولم يلتفت إلى احتمال أن يكون الحمد على نعم عظيمة، ومن جملتها العلم فلذا لم يعطف بالفاء لعدم مناسبته للمقام. قوله:(يعني من لم يؤت علماً الخ) أي أراد داود عليه الصلاة والسلام بقوله كثير من لم يؤت علما أصلاً أو لم يؤت علماً مثل علمهما، وهو علم القضاء أو علم النبوّة والتحريض لأنهما إذا فعلاه فقد نبها على فضله وحثا عليه، وقوله أن يتواضع الخ إذ قالا على كثير دون أن يقولا على الناس أو على المؤمنين وهما قدوة لغيرهما. قوله:(وإن فضل على كثير فقد فضل عليه كثير) قيل فيه إنه يدل بالمفهوم على أنهما لم يفضلا على القليل فإمّا أن يفضل القليل عليهما أو يساوياه وإن سلم فلا أقل من أن يحتمل الأمرين، وأجيب بأن الكثير لا يقابل القليل في مثل هذا المقام بل يدل على أنّ حكم الأكثر بخلافه، ولما بعد تساوي الكثير من حيث العادة لا سيما والأصل التفاوت حكم بأنه يدل على أنه فضل عليهم كثيرون أيضاً على أنّ العرف طرح التساوي في مثله عن الاعتبار، وجعل التقابل بين المفضل والمفضل عليه فإذا قيل لا أفضل من زيد فهم أنه أفضل من الكل، وقيل إنه مبنيّ على قوله:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [سورة يوسف، الآية: 76] وقوله النبوّة الخ لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تورث كما في حديث: " إنا معاشر الأنبياء لا نورث "

فالمراد بالوراثة قيامه مقامه فيما ذكر فهو استعارة وقوله أو العلم أي المخصوص بالنبوّة أو علما زائداً على ما كان له في حياته فلا يرد عليه أنه قبل موته كان عنده علم أيضاً. قوله: (تشهير النعمة الله الخ) يعني أنّ مخاطبته لعموم الناس لأجل إشاعة نعمه تعالى، وتعظيم قدرها لا الافتخار كما قال صلى الله عليه وسلم:" أنا سيد ولد آدم ولا فخر " وقوله بذكر المعجزة متعلق بدصاء، والمراد بالتصديق التصديق بنبوّته. قوله:(وقد يطلق لكل ما يصوّت به على التشبيه (وهو إمّا على تشبيه الصوت بالنطق استعارة مصرّحة أو على تشبيه المصوّت بالإنسان فيكون استعارة بالكناية، وإثبات النطق لها تخييل ولو أريد بالنطق مطلق الصوت على أنه مجاز مرسل صح، ولكنه لا يناسب المقام وقوله أو التبع يعني به المشاكلة التقديرية فإنه لما سمي صامتا على الحقيقة سمي غيره ناطقاً مشاكلة له فقوله: كقولهم نطقت الحمامة مثال للتشبيه مثله نطق العود، وقوله ومنه الناطق والصامت بيان للتبع، وقوله من حيث الخ توضيح للتبع وأنه مع المشاكلة فيه وجه شبه أيضا وهو أحسن أنواع المشاكلة أو هو رجوع إلى بيان التشبيه اعتناء به لأنه أحسن، ولذا قدمه وليس المراد بيان التبع وأنه تبع الأصوات للتخيلات فإنّ ما له إلى التشبيه ولا جعل الاستعارة في الطير تبعية إثبات النطق لها على طريق التخييل كما قيل فإنه طريق آخر للتشبيه فتدبر. قوله: (ما من جنسه) أي ما كان من جنسه كما نشاهده منها إذا صوّتت للفزع وغيره وكما يقرقر الدجاج إذا وجد الحب، وقوله الذي صوّته أي حمله على التصويت فالضمير منصوب بنزع الخافض أي صوت له، أو بتضمينه معنى التصيير وتوخاه

بمعنى قصد 0، وقوله نصف ثمرة بالثاء المثلثة معلوم. قوله:(فعلى الدنيا العفاء) بفتح العين والمد كما قال صفوان بن محمد إذا أكلت كسرة وشربت ماء فعلى الدنيا العفاء وهو مثل للترك لعدم المبالاة ويكون العفاء بمعنى الدروس والانمحاء، ومنه عفا الله عنه إذا محى ذنوبه والأنسب هنا الأوّل. قوله:(فلعله الخ) يعني ليس هذا ما فيمه من صوته دائماً بل في ذلك الوقت لما ذكر وقوله والضمير الخ إشارة إلى أنّ هذا يستعمله المتعظمون فكيف هو هنا ومقام النبوّة لا يناسبه وان كانوا عظماء، ولذا سمي بعض النحاة نون نقوم نون العظمة وقال الزمخشريّ: إنه يقال لها نون الواحد المطاع فأجاب، أولاً بأنها إنما تكون كذلك إذا لم يكن مع المتكلم غيره وأبوه معه وثانيا بأنه كان ملكاً مطاعا فتكلم بما يليق بحاله الذي كان عليه، قال الزمخشري: وقد يتعلق بتجمل الملك وتفخمه وإظهار آيينه

ص: 37

وسياسته مصالح فيعود تكلف ذلك واجباً وفد كان وسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل نحوا من ذلك إذا وفد عليه وفد أو احتاج أن يرجح في عين عدوّ ألا ترى كيف أمر صلى الله عليه وسلم العباس بحبس أبي سفيان حتى تمرّ عليه الكتائب وقوله قواعد السياسة في نسخة السيادة. قوله: (والمراد من كل شيء الخ) لأنّ كل للإحاطة، وقد ترد للتكثير كثيراً أو هو كناية أو مجاز مشهور، وظاهره أنّ من زائدة لأنه لولاه لم يحتج للتأويل، ولم يلتفت إليه لأنه غير مناسب لمقام المدح والتحدّث بالنعم. قوله تعالى:( {مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ} الخ) تخصيص الثلاثة لأنه لم يسخر له الوحش، وتقديم الجن لأنه في بيان التسخر له، وتسخير الجن أعظم أشق من تسخير الإنس والطير ولم يقدم الطير لذلك لئلا يفصل بين الجن والإنس المتقابلين، والمشتركين في التمييز والتكليف، وما قيل من أنّ مقام التسخير لا يخلو من تحقير فهو مناسب لتقديمهم لأنهم أحقر لا الإنس ليس بشيء لأنّ التسخير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام شرف لأنه في الحقيقة لله الذي سخر كل شيء، فإن قيل إنه كذلك من حيث هو في نفسه فمسلم لكنه مع أنه لا حاجة إليه ليس مناسبا للمقام، وقوله يحبس أوّلهم على آخرهم أي يوقف أوّلهم شفقة على آخرهم لانتظارهم. قوله:(واد بالشام) وقيل بالطائف، وقوله وتعدية الفعل أي أتى مع أنه يتعدى بنفسه أو بإلى إمّ لأنّ إتيانهم الوادي كان من جانب عال فعدى بها للدلالة على ذلك كما في قول المتنبي:

ولشد ما قربت عليك الأنجم

لما كان قربا من فوق وقوله من عال في نسخة من عل ويصح فيه مع فتح العين كسر

اللام وضمها، وفتحها مع القصر وهو من الظروف بمعنى فوق كما في قوله:

كجلمود صخر حطه السيل من عل

لأنّ الريح كانت تحملهم في الهواء وفيه لغات مذكورة في المطوّلات وقوله أو لأنّ المراد قطعه الخ يعني أنه من قولهم أتى عليهم الدهر إذا أفناهم فالإتيان على الوادي على هذا بمعنى قطعه إلى آخره، وقد كان فيما قبله بمعنى الوصول إليه، وأنفده بالدال المهملة بمعنى أفناه ومنه لنفد البحر وقوله: كانهم أرادوا الخ فالإتيان عليه بمعنى قطعه مجاز عن إرادة ذلك، والا لم يكن لقوله لا يحطمنكم وجه إذ لا معنى للتحذير بعد قطعه ومجاوزته لواد فيه النمل، وأخريات الوادي بمعنى آخره ومنتهاه يقال جاء في أخريات الناس، وهو جمع أخرى بمعنى آخرة فانث باعتبار البقعة. قوله:(قالت نملة الخ) أنثه مراعاة لظاهر التأنيث، وان كانت تاؤه للوحدة وما نقل عن أبي حنيفة رضي الله عنه من أنّ نملة سليمان عليه الصلاة والسلام كانت أنثى استدلالاً بهذه الآية فيه كلام طويل في شروح الكشاف، والمفصل لا حاجة لنابه وقوله: كأنها الخ بيان لمعنى النظم والحطم أصله الكسر والمراد به الإهلاك بوطئهم لها، وقوله فصاحت الخ قيل الفاء لتفصيل ما قبلها، وتفسيره فلا يلزم تكرار قوله فتبعتها بل عدم صحة تفريعه وقيل التابع في قوله فتبعها غيرها بعض النمل وما بحضرتها كلها، أو التبعية الثانية في الدخول للبيوت لا للفرار وهذا أقرب. قوله:(فشبه ذلك الخ) ففيه استعارة تمثيلية شبه الفرار والتصوبت خوفاً وتبعية غيرها لها بمن ينصح آخرين فاتبعوه وامتثلوا مقالته وعبر بذلك وأجرى مجراه، ويجوز أن تكون مكنية، وقوله أجروا الخ أنسب به من التمثيل كما لا يخفى والإجراء مجراهم في النداء، والواو التي هي ضمير العقلاء، وأمّا خلق الله لها عقلاً ونطقاً حقيقياً وان جاز لكنه غير مناسب هنا من ذكر اختصاص سليمان عليه الصلاة والسلام بفهم أصوات الحيوان إلا أن يخص بالطير لظاهر النظم. قوله:(نهى لهم) أي لسليمان وجنوده والمراد نهي النمل عن التوقف حتى تحطم على طريق الكناية لأنّ الحطم غير مقدور للنمل، ولولا هذا لم يصلح للبدل من الأمر أيضا كما في لا أربيك هاهنا فإنه في الظاهر نهي للمتكلم عن رؤية المخاطب،

والمقصود نهي المخاطب عن الكون بحيث يراه المتكلم. قوله: (فهو استئناف (تفريع على كونه نهياً عن التوقف بطريق الكناية لأنّ البدل الاشتمالي إنما يصح إذا لوحظ هذا فاعتراض أبي حيان عليه بهذا غفلة عما أرادوه، وما قيل في جواب إنه كيف تصح البدلية ومدلولهما متخالفان أنه إذا كان المعنى النهي عن التوقف بحيث يحطم زالت المخالفة، وحصل الاتحاد يقتضي أنه بدل كل من كل بناء على أنّ الأمر بالشيء عين النهي بمن ضده، وعلى ما ذكرناه لا حاجة لهذا، وقوله لا جواب له الخ ردّ على الزمخشريّ في تجويزه تبعا

ص: 38

لأبي البقاء، وقوله في الكشف كما مرّ في الأنفال إنّ دخول النون لأنه في معنى النهي اعتذار عن ارتكاب ما لا داعي إليه، وكونه مخصوصا بضرورة الشعر صرح به سيبويه رحمه الله قال في الكتاب وهو قليل في الشعر شبهوه بالنهي حيث كان مجزوما غير واجب، اهـ نعم هو وارد على المصنف حيث جوّزه في قوله تعالى:{لَاّ تُصِيبَنَّ} ومثله بهذه الآية وقال لما تضمن معنى النهي ساغ فيه ذلك، ولا يخفى ما بين كلاميه واذا كان جوابا فلا نافية لا ناهية. قوله:(كأنها شعرت عصمة الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام أصله بعصمة الأنبياء فهو منصوب بنزع الخافض يعني أنها لعلمها بذلك نزهتهم عن صدور ذلك منهم قصدا بالذات أو بالتسبب لفعل الجنود بإذنه أو برضاه، وقوله وقيل استثناف الخ قيل إنه معطوف على مقدر أي، وهو حال وقيل الخ وقوله فهم الخ لأنّ الفاء أظهر في الاستئناف، والضمير يحتمل أن يرجع على الأوّل لسليمان وجنوده وأن يرجع لجنوده فقط. قوله تعالى:( {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} ) الفاء للسببية فلا حاجة إلى تقدير معطوف عليه أي فسمعها فتبسم وجعلها فصيحة كما قيل، ووجه مناسبته لما بعده على الثاني ظاهر وأمّا على الأوّل فوتجهه أنه متضمن لنعمة عظيمة، وهي كونه ملكا مطاعا ذا جند أو كونه وجنوده لا ظلم لهم لقولها وهم لا يشعرون فاكتفى بما يدل عليه التزاماً، واليه أشار الزمخشريّ بقوله أضمحكه ما دلّ من قولها على ظهور رحمتة ورحمة جنوده، وشفقتهم وعلى شهرة حاله وحالهم في باب التقوى وذلك قولها وهم لا يشعرون، اهـ وقد يقال يكفي في المناسبة تحقق تلك الحال، وأن لم يكن تبسمه لها وهذا أنسب بكلام المصنف، وقوله ضاحكا حال أي شارعا في الضحك، وكذلك ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد قيل إنها حال مقدرة وإنّ فائدتها بيان أنّ التبسم ليس استهزاء، وفيه نظر على ما فصل في الكشاف وشروحه. قوله:(من إدراك همسها الخ) أورد على قوله همسها أنه ينافي قوله قبيله فصاحت صيحة، وأجيب بأنّ صوتها همس

بالنسبة إليه وصياح النسبة إلى النمل الذي بقربها، وأمّا علمه بمنطق الطير فلا يفيد أنه لا يعلم غيره من أصوات الحيوانات، ولو سلم فهذا على سبيل خرق العادة أو باعلام الله، وما روي عن الشعبيّ من أنّ لها جناحين فعلى تسليم صحته عنه لا يقتضي عذها من الطيور، وما قيل من أنه علم منطق الطير على الخصوص أوّلاً ثم علم بعده ما يعمه وغيره تكلف ما لا يقال بالرأي. قوله:(1 جعلني أرّع شكر نعمتك) يعني أنّ همزته للتعدية، ولا حاجة إلى جعله تضميناً أي يسر لي الشكر وازعا إياه وازع كاضع في حذف واوه ومعناه أكفه وأحبسه وهو مجاز عن المداومة والملازمة، وقوله لا ينلفت بالفاء والتاء الفوقية بمعنى يذهب أو بالقاف والباء الموحدة وهو بمعناه والأوّل أولى، وقيل معناه الإغراء، وقيل الإلقاء والإلهام وما قيل من أنّ معناه تقييد النعمة بالمداومة على الشكر محتاج إلى جعل الشكر مجازاً عن النعمة فإنه سببها أو كناية وهو بعيد لذكر النعمة معه، وإن كان شكر النعمة نعمة مع أنّ طلب المداومة على الشكر أنسب بحال الأنبباء عليهم الصلاة والسلام. قوله:(أدرج فيه ذكر والديه) يعني أنّ ما ذكر ما أنعم به على والديه مع ما أنعم به عليه في حيز الشكر لتكون النعم التي اعترف بها كثيرة، فإنّ الاعتراف بالنعمة شكر فإذا كثرها أي اعترف بكثرتها عليه فقد شكر شكراً كثيراً، وهذا باعتبار كون الأنعام عليهما إنعاما عليه، واليه أشار بقوله فإن النعمة عليهما الخ ووجهه أنّ الله أنعم عليهما بالدين والعراقة، وحسن الأخلاق وقد ورث ذلك منهما فكان ما أنعم به عليهما وصل إليه لكونه سبباً بحسب الظاهر لنعمتة، ولا يرد عليه شيء مما توهم وقوله أو تعميما وجه آخر للإدراج اقتصر عليه في الكشاف، ومعناه أنّ ما أنعم به عليه غير خاص به بل هو عامّ شامل لوالديه لكونه سبباً لذكرهما والدعاء لهما، واليه أشار بقوله والنعمة عليه يرجع نفعها الخ ففيه لف ونشر مرتب، وقوله سيما الدينية فإنه إذا كان تقياً نفعهما دعاؤه وشفاعته، ودعاء المؤمنين لوالديه إذا رأوه واليه أشار في حديث: " إذا مات ابن آم انقطع عمله) الخ وقيل التكثير باعتبار أنّ النعمة عليه غير النعمة عليهما بحسب الظاهر، وكذا العكس والتعميم باعتبار المآل،

وأنّ النعمة عليه نعمة عليهما وبالعكس فتأمّل. قوله تعالى: ( {تَرْضَاهُ} ) صفة مؤكدة أو مخصصة إن أريد به كمال الرضا، وقوله تماما

ص: 39

للشكر أي تتميماً له بذكر شكر الأركان بعد شكر اللسان المستلزم للجنان.

قوله: (في عدادهم الجنة) الجنة مفعول أدخلني المقدر، وقدره لئلا يتكرّر مع ما قبله لأنه

إذا عمل عملاً صالحا كان من الصالحين ولك أن تقول إنه عد نفسه غير صالح تواضعا، وعدادهم بكسر العين بمعنى جملتهم، يقال هو في عديد القوم وعدادهم إذا عدّ واحدا منهم كما في المصباح، وجعل الزمخشريّ معناه اجعلني من أهل الجنة على طريق الكناية من غير تقدير. قوله:(وتعرّف الطير) أي أراد معرفة الموجود منها من غيره، والتفقد تفعل من الفقد وهو العدم بعد الوجود فهو أخص من العدم، ومعناه ما ذكر وأصله تعرّف الفقد، وقوله أم منقطعة فمعناها بل كما أشار إليه بقوله فاضرب، وقوله ما لي لا أراه أي عدم رؤيتي له لأيّ سبب مع حضوره ألساتر أم لغيره، وقوله كأنه يسأل عن صحة ما لاح له عبر بكأنّ لأنّ المسؤول! عنه في الحقيقة ليس هو الصحة، وقوله في قفص! لأنه لا يلازم ضده ما لم يكن محبوسا، وقوله بحجة تفسير للسلطان ولم يعبر بها مع أنها أظهرلما فيها من حسن الاتفاق، وهو أنّ حجته بلقيس وهي سلطان. قوله:(والحلف في الحقيقة الخ) دفع لسؤال محصله كما يفهم من الكشاف وشروحه أنّ الحلف على فعل الغير في المستقبل لا يصح إلا إذا علم به فلا تقول والله ليأتيني زيد غدا إلا وأنت متيقن، أو قريب من المتيقن له وهذا ليس كذلك، وقيل إنه عن أنه لا يحلف المرء على فعل غيره لأنه غير مقدور له فكيف حلف عليه وقرنه بالمقدور وهو الوجه لا عدم درايته فإنه غير لازم في الحلف فجوابه بأنه يجوز أن يعلمه بوجه غير موجه مع أنّ قوله سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ينافيه، ودفع المنافاة بجواز أن يأتي بحجة لا يعلم سليمان عليه الصلاة والسلام صدقها وكذبها غير سديد إذ قوله مبين يأباه، وفي الكشف والحاصل أنّ الحلف على الأوّلين وأدخل الثالث في سلكهما للتقابل لا لأنه محلوف عليه بالحقيقة، وهو نوع من التغليب لطيف المسلك وتبعه بعض الشراح، وجعله تغليبا لم يظهر لي معناه فإن قلت إن أريد أن الحلف على فعل الغير ليس بواقع في كلام العرب فليس بصحيح فإنه كثير في كلام العرب كقول امرئ القيس:

لناموا فما إن من حديث ولا صالي

وفي الحديث ليردنّ الحوض أقوام، وان أرإد شرعا فكذلك لتصريح الفقهاء بأنه لو قال

لآخر أقسمت عليك بالله لتفعلن كذا، وقصد اليمين كان يمينا يستحب إبراره ما لم يكن مكروها أو محرّما فما وجه ما ذكروه هنا قلت: الظاهر أنه ليس معناه ما ذكر حتى يرتكب أمور متكلفة بل لأنّ مقتضى الظاهر أن يقال لأعذبنه أو أذبحنه إلا أن يأتيني بسلطان على تقييد المحلوف عليه بذلك، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله بتقدير عدم الثالث. قوله:(لكن لما اقتضى ذلك الخ) ظاهر قوله أحد الأمور الثلاثة أنّ أوفى الثلاثة للترديد لا أنها في الأوّلين للتخيير، وفي الثالث للترديد بينه، وبينهما كما قيل ولا في الأوّلين للتخيير وفي الثالث بمعنى إلا لأنّ لام القسم تأباه، ووجه القراءتين ظاهر وعليهما رسم المصاحف القديمة. قوله تعالى:( {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} ) بيان لمقدار ما مضى من غيبته بعد التهديد، وقراءة غير عاصم بض الكاف وهما لغتان فيه فكون الضم دالاً على شدة غيبته لتوافق الحركة معناه لا وجه له. قوله:(وفي مخاطبتة إياه بذلك الخ) يعني أنه تعالى ألهم الهدهد أن يخاطبه بما ذكر ابتلاء له وتنبيها له على ما ذكر ليعدّ نفسه حقيرة صغيرة، وأن كان نبياً ملكا وهو من خطابه بأنه أحاط علمه بما لم يحط به لا من رؤية سبا حتى يرد أنّ التفرّد بالوقوف على بعض المحسوسات لا يعد كمالاً. قوله:(وقرئ ب! دغام الطاء في التاء) في أحطت وفرطت، وبسطت فقرئ في السبعة بالإدغام مع بقاء صفة الإطباق، وليس بإدغام حقيقيّ وقرأ ابن محيصن في الشواذ بإدغام حقيقي، واعترض ابن الحاجب رحمه الله على القراءة الأولى بأنّ الإطباق صفة الحرف، والإدغام يقتضي إبدالها تاء وهو ينافي وجود الصفة لأنه يقتضي أن تكون موجودة، وغير موجودة وهو تناقض فالتحقيق على هذه القراءة أنه لا إدغام فيها ولكنما أطلق عليه إدغام توسعا، فإن قلت يرد عليه ألم نخلقكم فإنه قرئ بوجهين إدغام محض وغير محضن، وهي مثل هذه في الإطباق، قلت بينهما فرق فإنّ الكاف والتاء مهموستان فلذا قوي الإدغام في الأولى دون الثانية، فإن قلت لم قرئ في خلقكم بإدغام محض فقط قلت لأنه إدغام كبير

ص: 40

والصغير لسكونه ضعفت صفته، فلذا جاز زوالها وبقاءها هذا محصل ما تلقيناه من أهل الأداء وفي النشران التاء تدغم في الطاء في قوله:{أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [سورة هود، الآية: 14 ا] وفي التسهيل إنه إذا أدغم المطبق يجوز إبقاء الإطباق وعدمه وقال سيبويه كل عربي والإطباق رفع اللسان إلى الحنك وأحطت بمعنى

علمت علماً تامّاً كأنه محيط بالمعلوم. قوله: (غير مصروف) اللعلمية والتأنيث لتاويله بما ذكر ومن صرفه فباعتبار الحيّ أو القوم أو الأب اكبر أو المكان، ومن سكن الهمزة نوى الوقف واليه أشار الشاطبيّ رحمه الله بقوله:

وسكنه وانو الوقف زهرا ومندلا

والقواس راو لقنبل رحمه الله وقرى بالألف وسكون الباء في الشواذ. فوله: (بخبر محقق) الخبر تفسير للنبا ومحقق تفسير ليقين، وفي الكشاف النبأ الخبر الذي له شأن فهو أخص من الخبر، ولذا اختير في النظم مع ما فيه من التجنيس، وموازنة سبا وهو معنى لغوي صرّح به أهل اللغة فلو فسر به المصنف رحمه الله كان أقعد فما قيل من أنه ليس بوضعيّ، ولذا تركه المصنف ليس بصحيح، وقول المحدثين أنبانا أحط من درجة أخبرنا لا يرد لأنه اصطلاح، وقال الراغب: النبأ خبر ذو فائدة يحصل به علم أو غلبة ظن فلا يقال للخبر نبأ حتى يتضمن هذا، وقوله:(لما أتم بناء بيت المقدس) الخ هذا ينافي ما سيأتي في سورة سبأ من أنه عليه الصلاة والسلام مات قبل إتمامه وهو المشهور، ولعل فيه روايتين، وقوله فوافى أي جاء وقوله وأقام بها أي بمكة لعلمها من الحرم أو لتأويل الحرم بها أو بالبقعة وقوله رائده براء ودال مهملتين هو الذي يتقدّم لطلب الماء وخصه بهذه الخدمة دون غيره من الطير لأنه قيل إن الله خصه بأنه يرى الماء تحت الأرض كما يرى ما في الزجاج، وقوله لذلك أي لطلب الماء، وقوله إذ حلق تعليل لقوله فلم يجده والتحليق بالحاء المهملة الارتفاع في الهواء، وقوله فتواصفا أي وصف كل منهما ملك أرضه وكان الهدهد الآخر يمانياً بأرض بلقيس، وقوله وما خص الخ معطوف على قدرة الله أو على عجائب وإنكاره من العجائب، وقوله يستكبرها بالباء الموحدة أي يعدها أمرا كبيرا عظيما عظم الله به بعض خواصه وكان الظاهر يسلمها ولكن الذي دعاه للتعبير به التجنيس مع قوله يستنكرها أي يعدها أمرا منكرا، والمراد بذلك أمر سليمان عليه الصلاة والسلام مع الهدهد، وقوله: أعظم من ذلك أي مما ذكر في هذه القصة. قوله تعالى: ( {إِنِّي وَجَدتُّ} الخ) قال وجدت دون رأيت للإشعار بأنه أمر غير معلوم أوّلاً لأنّ

الوجدان بعد الفقد وهو مراد من قال إنه للإشعار بغرابة الحال فلا وجه لردّه بعدم ما يدل عليه، ولم يقل تملكها لأنّ ملك المرأة للجلل أغرب، وبلقيس بكسر الباء علم لملكة سبأ معرّب وهو قبل التعريب مفتوح كما ذكره الطيبي، وشراحيل بفتح الشين المعجمة، وقوله والضمير لسبأ أي المراد به الحيّ أو لأهلها إن كانت علماً للبلدة فيعود على الأهل المعلوم من السياق أو المقدّر. قوله:(يحتاج إليها الملوك) كان الظاهر إليه لكنه أنته باعتبار أنّ كل شيء في معنى أشياء، وهو إشارة إلى وصف مقدر لتصح الكلية فهو كالاستغراق العرفي ولئلا يسوي بينهما وبين سليمان إذ قال: وأوتينا من كل شيء، والقرينة عليه قوله تملكهم هنا، واذا كان المراد بها التكثير لا يحتاج للتأويل، وجملة وأوتيت معطوفة أو حال بتقدير قد وقوله بالنسبة إليها يعني لا بالنسبة لسليمان عليه الصلاة والسلام، والسمك الارتفاع وسمك البناء ونحوه هو طوله، ولذا قابله بالعرض. قوله:(كأنهم كانوا يعبدونها) قيل الظاهر أن يقول لأنهم وكأنه عدل عنه لأنّ سجودهم يحتمل التحية، أو جعلها قبلة كما يفعله النصارى، وقوله وزين الخ يحتمل العطف على يسجدون والحالية بتقدير قد، وقوله من مقابح أعمالهم وفي نسخة أفعالهم بمعنى قبائح، ولو عبر به كان أحسن. قوله:(فصدّهم لئلا يسجدوا) الظاهر أنه أراد أنه على تقدير لام الجرّ قبل أن المصدرية، وهو متعلق بصذهم، وأمّا كونه بدلاً من السبيل ولا زائدة فوجه في النظم لكن تفسير هذه العبارة به كما قيل غير متوجه، وفيه وجوه ككونه بدلاً من أعمالهم كما ذكره المصنف وعد عدم السجود من الأعمال بعيد ولذا لم يذكره الزمخشريّ أو متعلق بزين على تقدير اللام أي لئلا يسجدوا قيل، ولم يتعرّض المصنف رحمه الله لأنّ الفاء للسببية فالمعنى زين لصدهم وفيه نظر لأنّ الفاء لا يلزم أن تكون سببية لجواز كونها تفريعية

ص: 41

أو تفصيلية، وقد أورد مثله على تقدير لئلا يسجدوا متعلقا بمحذوف وجوابه ما مرّ أو مجرورا بإلى مقدّرة متعلقة بيهتدون وفي محله بعد حذف الجار قولان مشهوران، وبقيت وجو. أخر ذكرها المعرب ككونه خبر مبتدأ محذوف هو دأبهم أنّ لا الخ وفي تقديره أعمالهم ما مرّ. قوله: (ويا للنداء لخ (اختار أبو حيان أنها للتنبيه مؤكدة لا لأوتوا لي حرفين للتأكيد مع تغاير اللفظ فصيح، وإنما اختاره لئلا يلزم الإجحاف في الحذف أي حذف المنادى، وجملة أدعو ورسمه متصلا بدون

ألف على خلاف القياس. قوله: (فقالت الخ) أي يا فلان اسمع وأعظك مجزوم في جواب الأمر، والخطة بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة، وهي الخصلة المهمة وفي سخة بخطبة والظاهر أنه تحريف، وسميعا منصوب بمقدر أي ناديت سميعا أو حال، وفي نسخة سمعنا وأعميبي أي تكلمي بالصواب. قوله:(وعلى هذا) أي على قراءة التخفيف واذا كان من سليمان فهو بتقدير القول، والوقف على يهتدون على هذه القراءة استحسانيّ وعلى غيرها ليس كذلك للفصل بين العامل ومعموله فتزيد آية أخرى في هذه السورة، وأورد هذا على قوله في التيسير أنّ اختلافهم في رؤس الآي في موضعين أولوا بأس شديد وصرح ممرّد من قوارير ورد بأنه لا يلزم من تعلقه بما قبله، وعدمه كونه آية أو بعض آية كما في كثير من الآيات والآيات توقيفية ليس مدارها على الوقف وعدمه، وفيه نظر لأنه لو كان كذلك جاز الوقف بحسب الظاهر فتأمّله، وجملة الأمر بالسجود معترضة وقوله صح أن يكون استئنافا أي جملة مستأنفة إشارة إلى أنه يصح أن يكون استئنافا من كلام الهدهد إمّ خطابا لقوم سليمان للحث على عبادة الله، أو لقوم بلقيس بتنزيلهم منزلة المخاطبين قيل وأمّا كونه من كلام سليمان عليه الصلاة والسلام فياباه، قوله قال: سننظر بعده، وقوله وعلى الأوّل أي قراءة التشديد. قوله:(وعلى الوجهين) أي القراءتين وكونه أمرا أو ذما أمّا على الأوّل فظاهر ولو حكاية، وأمّ على الذمّ فإنه في معنى الأمر بخلافه، وفيه ردّ على الزجاح في قوله بوجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد، ولذا قال الزمخشريّ إنه غير مرجوع إليه لمخالفته لما صرّح به الفقهاء، وقوله في الجملة أي ولو مرّة في العمر، وقوله لا عند قراءتها أي حين تقرأ يجب ذلك على القاركئى والسامع. قوله:(وقرئ هلا وهلا) بتخفيف اللام وتشديدها، وقوله وألا تسجدون وهلا تسجدون بإثبات النون والتخفيف والتشديد أيضاً فيكؤن للعرض أو للتخضيض، وشمجدون يحتمل الغيبة والخطاب وتحرير هذه القراآت وتوجيهها له تفصيل في الشواذ لم نذكره لطوله. قوله تعالى:( {مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} ) المراد وصف علمه بالإحاطة التامّة حيث استوى فيه

الباطن، والظاهر ولذا قدم ما يخفون مع مناسبته لما قبله من الخبء وكمال القدرة من قوله يخرج الخبء، وقوله وهو يعم الخ لكون الشمس مخبوأة بالليل والكواكب بالنهار، وقوله بل الإنشاء انتقال إلى ما هو أشد خفاء، والفرق بين الإنشاء والإبداع أنّ الأوّل ما له مادّة موجودة كان الشيء فيها بالقوّة، والثاني ما ليس كذلك وقوله بالقوّة متعلق باستقر الذي تعلق به قوله في الشيء لا بما في قوله في الشيء من معنى الفعل، والمراد بالإمكان الإمكان الصرف وبالوجوب الوجوب بالغير لأنّ الممكن يجب بعلته، وهو لا ينافي الإمكان الذاتيّ، وهو مذهب الحكماء وكأنه عطف عليه الوجود للتفسير والإشارة إلى مذهب غيرهم. قوله:(ومعلوم أنه) أي ذلك الإخراج يختص بالواجب وجوده، وهو الله تعالى والقراءة بتاء الخطاب إمّا على أنه خطاب للناس، أو لقوم سليمان أو لقوم بلقيس بتنزيلهم منزلة الحاضرين على الوجوه السابقة، وقوله الذي هو أوّل الأجرام بيان لوجه تخصيصه بالذكر بناء على ما وود أنه أوّل ما خلق الله. قوله:(فبين العظمتين) وفي نسخة العظيمين والبون البعد المعنوي، والفرق البين أي عظمة عرس الله الحقيقية التي هي أعظم من كل شيء ليست كعظمة عرس بلقيس التي هي بالنسبة إلى بعض المخلوقات فلا تسوية بينهما، وان وقع ذلك في التعبير وفي الصحاح البون الفضل والمزية يقال بأنه يبونه وبينهما بون بعيد وبين بعيد، والواو أفصح فأمّا في البعد الحقيقي فيقال إنّ بينهما لبينا لا غيو كما حققه أهل اللغة، فمن قال البون بحسب المكان أو الشرف لم يصب.

ص: 42

قوله: (من الثظر بمعنى التأمّل) أي التفكر، والتدبر وهو تفعل من الأمل كما تقدم يقال نظر فيه إذا تأمّل، واليه إذا رآه وله إذا راعاه ومن كلام المأمون ما أحوجني إلى ثلاث صديق أنظر إليه، وفقير أنظر له وكتاب فيه. قوله:(والتنيير للمبالغة) أي لم يقل أم كذبت وهو أخصر وأشهر لأنّ هذا أبلغ لإفادته انخراطه في سلك الكاذبين، وعده منهم فهو يفيد أنه كاذب لا محالة على أتم وجه، ومن كان كذلك لا يوثق به لكنه أورد عليه أنّ أصدقت أم كذبت أبلغ هنا، وأنسب بالمقام لأنه على هذا اتهم بالكذب، وعلى ذاك علم كذبه فيتعين أنه لمراعاة الفاصلة، وليس بشيء لأنّ وجه المبالغة أنّ أحقر مخلوق إذا كذب بين يدي عظيم يخشى سطوته دل على أنه شديد الكذب حتى لا يملك نفسه في أيّ موطن كان فتدبر. قوله:(ثم تنح عنهم الخ) إنما حمله عليه لأنّ التولي بالكلية ينافي قوله فانظر إلا أن يحمل على القلب، وهو غير مناسب، وقوله تتوارى فيه أن تختفي، وفي نسخة فتوار فيه والتواري مأخوذ من السياق لأنّ نظره من مكان قريب يتبادر منه ذلك فسقط ما قيل إنه لا دلالة في الكلام عليه، والتعبير بالإلقاء والطرح

لأنّ تبليغه لا يمكن بدونه، وجمع الضمير لأنّ المقصود تبليغ ما فيه لجميع القوم. قوله:) ماذا يرجع بعضهم الخ) إشارة إلى أن رجع متعد فإنه يكون متعدّيا ولازماً، ومن القول بيان لماذا ولا يبعد أن يلهم الله ذلك الهدهد ما يفهم به الكلام، ولا ينافيه قوله انظر لأنه بمعنى تأمّل والتأمّل يكون للأقوال والأفعال ولا حاجة إلى جعل النظر مجازا عن مطلق الإدراك. قوله:(بعدما ألقى إليها) إشارة إلى أنّ فيه إيجازا كما في المثل السائر، والتقدير فلما أخذ الكتاب وذهب به وألقاه وقرأته قالت: وقيل إنه لا حاجة إلى التقدير لأنه مفهوم من سياق الكلام، وأنه استئناف جواب عن سؤال تقديره فما قالت لما صل إليها الكتاب. قوله:(لكرم مضمونه) يعني أنّ وصفه بالكرم إمّا لأنه بمعنى الشرف، وشرف الكتاب بشرف مضمونه كما في زوج كريم، وهو بهذا المعنى لا يختص بالإنسان أو الإسناد مجازي، أو هو بتقدير مضاف أي كريم مرسله وقد كانت عرفت شرفه، وعلوّ منزلته بالسماع أو هي عرفته من كونه مختوماً باسمه على عادة الملوك والعظماء واليه أشار بقوله لأنه الخ، وقد وقع في نسخة أو لأنه بالعطف فيكون كريما بمعنى مختوما قال في شرح أدب الكاتب يقال كرمت الكتاب فهو كريم إذا ختمته، وفي الحديث:" كرم الكتاب ختمه " وقال ابن المقنع من كتب إلى أخيه كتاباً ولم يختمه فقد استخف به. قوله: (أو لغرابة شأنه الخ) يعني أنه لكونه كما ذكر أمراً غريباً يدل على شأن عظيم لمرسله، ومعناه فهذا وجه أعئم مما قبله، وقوله مستلقية بمعنى نائمة في الفراش، وقوله كأنه الخ إشارة إلى أنه استئناف بياني، وقوله أو العنوان وهو ما يكتب على ظاهر. لفظ من سليمان وهذا بقرينة الحال والمعتاد والا فالعنوان لم يذكر قبل، وقرئ بفتح إنّ فيهما على أنه بدل أو بتقدير لام التعليل قبله كما ذكره ومعنى أنه بسم الله الخ إنه هذا اللفظ أو ملتيس به. قوله:(ان مفسرة) بمعنى أي والمفسر

ألقى إليّ كتاب أو كتاب نفسه لتضمنهما معنى القول دون حروفه، ولا ناهية على هذا واذا كانت مصدرية فهي نافية، وضمير هو للكتاب بمعنى المكتوب كضميري إنه وتقدير المقصود ناظر إلى أنّ ضمير إنه الأوّل للعنوان والثاني للمضمون أي ما تضمنه باطنه، وأنه فيهما إمّا من كلام سليمان عليه الصلاة والسلام أو بلقيس وكونه بدلاً من الكتاب إمّ على تقدير اللام أو على جواز تعدد البدل وفيه كلام للنحاة. قوله تعالى:( {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} ) إن كانت لا ناهية فعطف الأمر عليه ظاهر، وان كانت نافية وأن مصدرية فبناء على جواز وصلها بالأمر وعطف الإنشاء على الخبر لكونه في تأويل المفرد، وقوله مؤمنين بناء على معناه المتعارف وأنّ الإسلام، والإيمان متساويان وأنّ دعوته ل! يمان دعوة النبوّة لا الملك، وما بعده على أنّ المراد به معناه اللغويّ، وأنّ الدعوة دعوة الملك وقد رجح هذا بأن قولها إنّ الملوك الخ صريح في دعوة السلطنة ورد بأنّ اللائق بشأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن تكون دعوتهم وغضبهم لله، وهو الموافق للرواية هنا وقولها إنّ الملوك الخ لعدم تيقنها لبنوّته حينئذ. قوله:) وهذا الكلام في غاية الوجازة الخ) وجه الوجازة تضمنه لمعان كثيرة في ألفاظ قليلة لتضمنه الدلالة على ذات الله وصفاته

ص: 43

والأمر والنهي، وكذا كانت كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جملاً لا يطيلون ولا يكثرون، واطلاق الصانع عليه تعالى بمعنى الخالق ورد في الحديث كقوله:" إن الله صانع كل صانع وصنعته " ذكره السبكيّ فلا حاجة إلى القول بأنه ورد في قوله صنع الله بناء على الاكتفاء بورود المادّة، كما قيل: وقوله أو التزاما كذا في أكثر النسخ، والظاهر أن يقال والتزاما لدلالة الله على الذات صراحة، وعلى الصفات التزاما والرحمن الرحيم بعكسه كما قيل، والأحسن أن يقال إنّ قوله صريحا أو التزاما راجع إلى الصانع فإنه ليس في البسملة دلالة عليه بح! سب الظاهر فإن فسر الرّحمن الرحيم بمعنى المنعم بجميع النعم التي منها الإيجاد كان صريحا فيه والا فالله، وهو المعبود بحق يدلّ على كونه الخالق التزاما. قوله: (وليس الأمر (أي بقوله ائتوني الخ وهذا بناء على أنه دعوة نبوّة لا سلطنة كما مرّ وهو الظاهر لكن ما ذكره لا يخلو من شيء فإنّ كون إلقاء الكتاب على هذا الوجه معجزة غير واضح خصوصاً، وهي لم تقارن التحدي، ولزوم التقليد غير مسلم لأنّ الجاري منهم الدعوة إلى الإيمان أوّلاً فإذا عارضوهم أقيم الدليل فهذا هو الرتبة الأولى ولم يصدر منهم معارضة حتى يحتاج إلى ذكر.

قوله: (في أمري الفتئ) أي في هذا الأمر الحادث والفتيّ بتشديد الياء فعيل بمعنى فاعل ومنه الفتوى، لأنها جواب الحوادث وهو من الفتاء في السن، والمراد بالفتوى هنا الإشارة عليها في هذه الحادثة بما يقتضيه رأيهم وتدبيرهم، وفي نسخة في أمر الفتوى والأولى أصح وأقوى، وقوله ما أبت أمراً أي أقطعه وفي نسخة ما أتيت، وفي أخرى أثبت وقطع الأمر فصل القضية بالحسم فيها ولذا قرأ ابن مسعود رضي الله عنه قاضية، وما كنت المراد به أنها استمرّت على ذلك أو لم يقع منها غيره في الزمن الماضي فكذا في هذا وحتى تشهدون هو غاية للقطع، والممالأة المساعدة ومنه الملأ والعدد جمع عدّة وهي ما يعد من آلات الحرب، والنجدة بكسر النون وبعدها جيم ودال مهملة المراد بها البلاء في الحروب. قوله:(موكول) يشير إلى أنّ الخبر مقدر مؤخرا ليفيد الحصر المقصود لفهمه من السياق واليك متعلق به، وهذا تسليم للأمر إليها بعد تقديم ما يدلّ على القوّة حتى لا يتوهم أنه ناشئ من العجز، وقيل معناه نحن جند شأننا الطاعة والحرب لا الرأي والتدبير وقوله نطيعك ونتبع رأيك وقع في نسخة مجزوما في جواب الأمر والأمر في النظم بمعناه المعروف أو بمعنى الشأن، وجمع الملوك للدلالة على أنه أمر عامّ في جنسهم فهو لا محالة صادر منه وقوله تزييف أي ردّ وهو استعارة من زيوف النقود لردّها، وأحست بمعنى فهمت مجازاً والعرضية بالعدد كما مرّ والخطط جمع خطة بالكسر، وهي الديار وأراضيها وبينه وبين التخطي تجنيس. قوله:(ثم إنّ الحرب سجال لا يدري عأقبتها) هذا مثل مستعار من المساجلة وهي المناوبة في السقي من السجل وهو الدلو يعني كل من زوالها تارة يغلب وتارة يغلب ولا اعتماد على قوّة وشوكة فكم من ضعيف غلب، وقوقي غلب فقوله لا يدري عاقبتها تفسير للمراد منه هنا وأنه كناية عن عدم الوثوق فسقط، ما قيل إنه

غير مناسب للمقام فإنه إنما يقال لمن غلب مرّة، وكونه على طريق الفرض أي لو سلم أنكم غلبتم مرّة فالحرب سجال، والعطف بثم يقتضيه كما قيل ليس بشيء لأنّ المعنى المراد أنه يخرّب الديار إن فررنا ولم نقاتله، وإن قاتلنا. فلا نعرف ما يكون حالنا فالصلح خير وعطفه بثم لتفاوت رتبتة وكون معنى المثل ما ذكر غير مسلم فإنه يقوله من لم يقاتل أصلَا كما صرّحوا به، وقوله وجعلوا الخ لم يقل وأذلوا أعزة أهلها مع أنه أخصر للمبالغة في التصيير والجعل وقوله وكذلك يفعلون أي الملوك أو سليمان ومن معه، وهذا أولى فإنه يكون تأسيساً لا تأكيداً كما ذكره ولو قيل كلام المصنف يحتمله، والتأكيد لاندراجه تحت الكلية جاز. قوله:(درّة عذراء) أي لم تثقب وهو استعارة حسنة، والجزعة بكسر الجيم وتفتح وسكون الزاي والعين المهملة نوع من الجوهر ملوّن وتعويج نفيها لئلا يمكن إدخال سلك فيها، والمعسكر محل العسكر وقوله تقاصرت إليهم نفوسهم أي أظهرت القصر بمعنى الحقارة والمراد أنه اتضح لهم أنها حقيرة، أو المعنى أنهم نظروا إلى أنفسهم متقاصرين من قولهم قصر في عمله أو من القصور وهو ضدّ تطاول بمعنى تعظم، قال المعرّي:

وعند التناهي يقصر المتطاول

واليهم بمعنى عندهم أو هو لتضمينه معنى راجعة إليهم تاركة للترفع، وقد ذكرها الأزهريّ في تهذيبه وأخطا

ص: 44

من أنكر مفردا كالعلامة في شرح الكشاف، وقوله بالحال أي ببيان الحال وطلب الحق بضم الحاء وتشديد القاف بمعنى الحقة، وهي معروفة وهو بالواو في النسخ والظاهر حذفها جواب لما، وقد يقال جواب لما قوله فأمر الأرضة وهي الدويبة المعروفة فإنه يجوز اقترانه بالفاء كما صرّحوا به، وقوله وأخبر أي الرسول عما فيه وفاعله ضمير سليمان، وقوله فاخذت شعرة أي فثقبتها فأخذت فالفاء فصيحة، وقوله ونفذت بالمعجمة بمعنى خرقتها بدخولها، وقوله فتجعله في الأخرى أي اليد الأخرى قيل إنه كان عادة نساء ذلك الزمان فميز به الذكور من الإناث، وقوله تضرب بها أي باليد الأخرى والمعنى تصبه عليه، وقوله كما يأخذه الكاف للمفاجأة أي في حين أخذ.، وما وقع من إخباره بما لم يره وما معه معجزة له.

قوله: (أي الرسول) هذا أولى لموافقته للقراءة الأخرى، ولذا قدمه ونسبة المجيء إلى

الهدية مجازية، والمراد بالمرسل بلقيس وذكره لتأويله بالشخص، وضمير الجمع حيمئذ لتعدد

الرسول أو لإطلاق الجمع على الاثنين وفي القراءة بنون واحدة المحذوف نون الوقاية ويجوز أن تكون الأولى فرفعه بعلامة مقدّرة والقراءة بنونين لنافع وأبي عمرو وبني الفعل للمجهول لشهرتها وان كان دأب المصنف التعبير بمثله في الشواذ لكنه غير مطرد منه. قوله: (فما آناني الله الخ) فسره بالنبوّة والملك، وان كان المناسب للمفضل عليه وقوله أتمدّونني بمال ذكر أمر دنيويّ لأنّ هذا أبلغ لأنّ من بلغ الغاية في الوصول إلى ما في الدارين كيف يحتاج إلى إمداد غيره، وقوله فلا حاجة الخ إشارة إلى أنّ المراد من تفضيل حاله ليس الافتخار والفرح به بل هو كناية عن عدم قبوله لهديتهم، ثم إنّ اقترانه بالفاء دون الواو الحالية على إنها قيد لما أنكر فتكون هذه الجملة معلومة، وتسمى مثلها الحال المقرّرة للإشكال كما في نحو أتهينني وأنا صديقك القديم، وهنا الأمر ليس كذلك فجعل علة له، والعلة كالمعلل لا يجب أن تكون معلوما فيحتاج للبيان كما في الكشاف وشروحه، والوقع مصدر بمعنى الاعتبار كما يقال له موقع عندي. قوله تعالى:( {بَلْ أَنتُم} الخ) إضراب عما فهم أي أنا لا أفرح بل أنتم أو عن إنكار الإمداد وتعليله إلى بيان ما حملهم عليه من قياس حالهم على حاله كما سيذكره المصنف رحمه الله، والهدية تضاف إلى المهدى والمهدى إليه كالعطية كما في الكشاف وإليهما أشار بقوله بما يهدي إليكم أو بما تهدونه ويحتمل أنه عبارة عن الرد أي من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها لا أنا ولما فيه من الخفاء تركه المصنف رحمه الله لأنه ليس بخارج عما ذكر إلا بمغايرة اعتبارية. قوله:(والإضراب الخ) هذا هو الوجه الثاني، وهو ظاهر لأنه إضراب انتقالي عن جملة ما قبله وانكار الإمداد من قوله أتمذونني بمال وعليه متعلق بالإنكار وضميره للرسول، والإفراد لأنهم في حكم شيء واحد أو بالنظر إلى الرسول دون من معه أو لسليمان والجارّ والمجرور حالط من الإمداد أو متعلق به لتضمنه معنى الامتنان أو لما فيه من معنى الإعانة وقوله وتعليله بالجرّ معطوف على إنكار، وهو المستفاد من قوله فما آتاني الخ. قوله: " لى بيان) خبر قوله الإضراب، وقوله حملهم عليه أي على الإمداد، وقوله في قصور الخ هو جار على الوجهين في إضافة هدتيكم لأنه إذا قصرت همتهم على الدنيا على ازديادها سرّهم ما يهدي إليهم لأنه يزيد في مالهم، وما يهدونه لأنه يزيد فخرهم واشتهارهم ولأنّ الهدايا للعظماء

قد تفيد ما هو أزيد منها مالاً أو غيره كمنع تخريب ديارهم هنا فما قيل إنّ قوله والزيادة فيها يوهم اختصاص بيان وجه الإيضراب بالوجه الأوّل فإنّ الزيادة فيه دون الثاني إذ فيه نقص المال لكن إذا لوحظ أنّ إهداء الهدايا العظيمة لا يتيسر بدون كثرة المال يظهر انتظام الزيادة لكلا الوجهين ناشئ من زيادة القصور. قوله تعالى: ( {ارْجِعْ} ) جعله المصنف أمراً للرسول وجوّز في الكشاف أن يكون للهدهد أيضاً بان يحمله كتابا ولم يذكره المصنف لضعفه دراية ورواية، وقوله فلناتينهم الخ قيل إنه جواب شرط مقدّر أي إن لم يأتوني مسلمين فلا يتوهم أنه حنث في يمينه إذ لم يقل إن شاء الله، وقوله لا طاقة أي لا قدرة فالقبل بمعنى المقاتلة بالمقابلة جعل مجازا أو كناية أو كناية عن القدرة عليها، والصغار الذل والعرس السرير والمراد بالملا من عنده من الجن والإنس، وكان الرسول وجع إليها وأخبرها بعظمته فعلمت أنها لا تقاومه فحفظت عرشها وتجهزت للخروج إليه كما قيل. قوله:(فإنها إذا أتت الخ) هذا مرويّ

ص: 45

عن قتادة وليس! هذا غنيمة ولم يذكر أحد أنه أخذه لتملكه، وإنما أراد إظهار معجزته وقوّته لها فلا يرد أن الغنائم لم تحل لأحد قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا ينافي ردّ الهدية وتعليله بقوله:{فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم} كما قيل لأنّ هذا ليس بهدية لها، وأمّا ما يفهم منه من حل أخذه قبل إسلامها وحيازته فلأنه مال حربي يجوز إتلافه، والتصرف فيه بغير رضاه بخلاف مال المسلم مع أنّ الظاهر أنه بوحي فيجوز أن يكون من خصوصياته لحكمة كما أشاروا إليه فلا إشكال فيه أصلاً. توله:(لأنه يقال للرجل الخبيث المنكر المغفر أقرانه) أي الذي يغلب قرنه ويصرعه، ويمرّغه في التراب فهو جسب الأصل والاشتقاق لا يختص بالجن حتى يكون قوله من الجن بعد عفريت لفوا لأنه يقال رجل عفر وعفريه نفريه وعفريت نفريت وعفارية نفارية إذا كان خبيثاً، وفي الحديث:" إن الله يبغض العفريت النفريت " فالتاء زائدة في آخره للمبالغة، وقوله وكان يجلس الخ بيان لأنّ ما ذكر مبين لمقدأر زمان الإتيان لكونه معلوما حينئذ. قوله: (على حمله (

لم يقل على إتيانه كما هو المتبادر لأنّ قوله قوفي قرينة عليه، وان لم يقل قادر وقوله لا أختزل بالخاء والزاي المعجمتين بمعنى لا أقتطع شيثاً من جواهره وذهبه تفسير للأمانة، والاختزال بهذا المعنى صرّح به أهل اللغة فلا عبرة بمن أنكره من شرّاح الألفية، والقوّة صفة تصدر عنها الأفعال الشاقة، ويطيق بها من قامت به تحمل الأجرام العظيمة فلذا اختير قويّ على قادر هنا، وآصف بالمد وزيره أو كاتبه وبرخيا بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الخاء المعجمة وبعده مثناة تحتية ويمد ويقصر، وبه استدلّ على إثبات الكرامات لكنه مع الاحتمال يسقط الاستدلال، وقوله أيده الله به أي قوفي الله سليمان عليه الصلاة والسلام بمعونته وسببيته وكون المراد أيد الله الملك بالعلم بعيد. قوله:(أو سليمان نفسه) ولا يرده الخطاب في آتيك لأنه على هذا للعفريت كما صرّح به المصنف رحمه الله فلا يتوهم منافاته لهذا التفسير فإنّ حقه أنا آني به، ولا قوله فلما رآه إذ المناسب فلما أتى به لأنّ قوله آتيك باعتبار سببيته له، وقوله رآه عنده للإشارة إلى أنه لا حول ولا قوّة فيه فهو كقوله:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [سورة الأنفال، الآية: 7 ا] فان أراد أنه مخالف للظهر فهو الذي أخره، وقوله التعبير الخ يعني على هذا الوجه بيان لنكتة الأطناب فيه، والمراد بالكرامة ما أكرمه الله به لا معجزة لأنها لم تقارن التحدّي، وقوله بسببه يعني لا بقوّة جسمانية كما ذكره العفريت. قوله:(أو أراد إظهار معجزة في نقله) أي نقل عرشها سريعاً، وقيل المناسب عطفه بالواو إذ لا يفهم منه وجه إيراد كاف الخطاب، وإنما يفهم منه وجه قوله أيكم يأتيني مع أنّ الإتيان يقع منه آخراً إذا الإظهار الذي ذكره حاصل ولو بلا خطاب، ولذا قيل ينبغي أن لا يكون حينئذ الخطاب للعفريت بل لكل أحد كما في قوله:{ذَلِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُواْ} [سورة النساء، الآية: 3] ولا يخفى أنه لا تحدّى فيما قبله، ولذا قال فيه كرامة فالتقابل بينهما يقتضي العطف بأو والتحذي يقتضي أنه كان بعضهم منكرا، وتخصيص الخطاب بالعفريت لامتيازه من بينهم بدعوى القدرة على الإتيان به وهو ظاهر من كلام المصنف، وقوله والمراد الخ يعني على الأوّلين والأخير، وقوله واللوح على الثالث والرابع وبجوز التعميم. قوله: (والطرف تحريك الأجفان للنظر (فهو مقدمة النظر كما أنّ مقدّمة الرؤية، ثم تجوّز به عن النظر والعين نفسها ولكونه مصدراً في الأصل كثر إفراده واليه أيظ ر بقوله فوضع موضعه أي موضع النظر بمعنى عبر به عنه لأنّ الرد والارتداد أظهر فيه، وقيل لا حاجة إلى لوضع المذكور إذ المراد قبل ارتداد تحريك الأجفان بطبقها بعد فتحها، وفيه

نظر. قوله: (ولما كان يوصف الناظر الخ) بيان للتجوز في ارتداد النظر بأنه لما عبر عن النظر بالإرسال تعبيرا شائعا والإرسال الإطلاق، والتسريح وهو إما لتوهم نور امتد من العين إلى المرئيّ، واما لتهيئة الآلات للتحريك وتوجيهها نحو المنظور فعبر عن مقابله بالرد لذلك فيكون استعارة تمثيلية على استعارة أخرى أو مشاكلة. قوله:(وكنت الخ) هو لعبد الله بن طاهر الحماسيّ وبعده:

رأيت الذي لأكله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر

والرائد طالب الماء والكلا للقوم، وهو حال وأتبعتك جواب إذا والمناظر جمع منظر،

وقوله رأيت الذي

ص: 46

الخ تفصيل لقوله أتعبتك المناظر أي إذا جعلت عينك طالبة لقلبك ما يهواه أوقعتك في المشاق التي لا تقدر على خصيلها، ولا تصبر على تركها كما قيل من أرسل طرفه استدعى حتفه، وقوله وصف برد الطرف جواب لما، وقوله والطرف معطوف على الضمير المستتر فيه للفاصل، وقوله والمعنى أي معنى الآية ولمح البصر وردّ الطرف تمثيل للسرعة، وقوله والمعنى الخ إن كان المراد ما روي أن آصف قال لسليمان مد طرفك، وقبل ردّ طرفه حضر عنده فهو حقيقة لا مثل فقوله ومثل وجه آخر كما في الكشاف ولا يلزم أن يكون مجازاً كما هو في اصطلاح أهل المعاني، وهذا يعرفه من تتبع كتب الأمثال، ويحتمل أن يريد بيان ما كنى به عنه تمثيلا فهووجه واحد. قوله:(حاصلَا بين يديه) متعلق الظرف إذا كان كونا عامّا كحاصل ومستقرّ وجب حذفه عند النحاة، ولذا أشكلت هذه الآية عليهم فذهب ابن مالك إلى أنه أغلبيّ، وأنه قد يظهر كما في هذه الآية وقوله:

فأنت لدى بحبوحة الهون كائن

ومن لم يجوّزه قال مستقرّاً هنا بمعنى ساكنا غير متحرّك فهو خاص أو الظرف متعلق

برآه، واذا كان بمعنى ساكناً فالمراد أنه قارّ على حاله الذي كان عليه فلا يرد عليه أنه لا فائدة فيه فلا يناسب المقام كما قيل هكذا قرره النحاة، وغيرهم فمن ذكره بحثا من عنده فقد أغرب

وشاكلة المخلصين طريقتهم، وقوله من غير استحقاق أي استحقاق بالذات فلا يتوهم أنه سوء أدب، وقوله والإشارة الخ أو إلى الحضور، وقوله من مسيرة شهرين لأنه تحوّل في أثناء ذلك من صنعاء إلى الشام كما قيل، والا فمسافته من صنعاء ثلاثة أيام وما مرّ في الإسراء تقهدم تحقيقه، وقوله بان أجد نفسي في البين أي بان أثبت لنفسي وجودا وتصرّفا في ذلك وليس البين بمعنى البعد كما توهم. قوله:(ومحلها النصب) أي محل هذه الجملة، وفي نسخة محلهما أي أشكروا كفر وقد جعله في سورة الملك مفعولاً ثانياً لفعل البلوى لتضمنه معنى العلم، وقوله فإنما يشكر يعني فائدة الشكر عائدة إليه فإنّ الله غنيّ عن العالمين وشكرهم، والعبء كالحمل لفظا ومعنى، وهو استعارة وليس قوله فإنّ ربي قائم معلوله الذي هو الجزاء، وهو فإنما ضرر كفرانه عليه بقرينة ما قبله حتى يناسب تفسيره بأنه لا يتوقع عوضا، ولا يفعل لغرض يفوت بفوته لأنه لا يناسب قوله كريم. قوله:(بتغيير هيئتة وشكله) قال الراغب التنكير جعل الشيء بحيث لا يعرف ضدّ التعريف ومنه نقل إلى مصطلح أهل العربية، وظاهر أنه لا يكون إلا بتغيير هيئته وشكله عما كان عليه كما ذكره المصنف، ولا فرق بين هذا وبين تفسيره بتغيير معاهده عندهما إلا أنّ قوله عندهما لا وجه له لأنه لم يكن معهودا لسليمان عليه الصلاة والسلام حتى يذكر، والمعهودية إنما هي لصاحبته، وقوله لها يعينه لأنّ لامه للبيان كما في حيث لك فيدلّ على أنها المراد خاصة بالتنكير لأنّ المقصود اختبارها والمراد بالتغيير التغيير في الجملة حتى لا ينافي الاختبار ولا مانع من أن يراد بالهيثة، والشكل معناهما المصطلح كما قيل. قوله:(إلى معرفته) تنازعه الفعلان أو الجواب الصواب بالجرّ معطوف علئ معرفته والمراد بهما ما هو في شأن العرس لئلا يتحد مع ما بعده، وقوله لموقيل إلى الإيمان مرضه لأنّ تنكير عرشها وعدمه لا يتضح كونه متعلقا بجواب الأمر لأنه لا يظهر مدخليته في الإيمان وليس إبقاؤه على حاله أعون كما توهم بل وجهه كما أشار إليه المصنف رحمه الله أنّ الدعوة السابقة لما كانت دعوة إلى النبوّة فإذا ظهر على يدي الداعي مثل هذه المعجزة من سبق عرشها من تلك المسافة بعدما غلقت الأبواب، والأقفال كان ذلك داعيا لهداية من هداه الله، فما قيل المراد إلى الإيمان منضماً إلى أحد الاحتمالين المذكورين كما يشير إليه قوله كانها ظنت الخ ناشئ من سوء الفهم، وقوله مغلقة عليها الظاهر عليه بتذكير الضمير فيهما إلا أنه على تقدير مضاف أي على عرشها والحرّاس جمع حارس. قوله:(تشبيهاً عليها) تعليل لقوله قيل أي لم

يقل أهذا عرشك لئلا يكون تلقيناً للجواب بل قيل إعرشك مشابه لهذا ليختفي حاله عنها لأنها ربما ظنته عرشاً مثله إذا لم يكن لها فطنة فهو إمّا بمعناه المعروف وضمن معنى لتلبيس أي ليس عليها الأمر للتشبيه، وترك التصريح لأنها كانت جنية كما قيل فخافت الجن من أن يتزوّجها فيرزق منها ولدا يحوز فطنة الإن! وخفة الجن فيضبطهم ضبطا قويا فرموها عنده بالجنون، وان رجليها كحوافو البهائم فلذا اختبرها بهذا، وبما يكون سببا للكشف

ص: 47

عن ساقيها، أو هو تفعيل من الشبهة وهي أن لا يميز أحد الشيئين عن الآخر لما بينهما من شدة التشابه عيناً أو معنى، والمراد إلقاء للشبهة عليها لما ذكر وأما تلقين التشبيه فلا يفوّت زيادة الامتحان كما قيل. قوله:(ولم ئقل هو) أي هو هو لاحتمال أن لا يكون عينه فأتت بكأنّ الدالة على غلبة الظن في اتحاده معه مع الشك في خلافه، ولم تقل أظنه هو ليطابق الجواب السؤال، وهذا إشارة إلى أنّ كأنّ ليس المراد بها هنا التشبيه بل الشك، وهو مشهور فيها وهذا دليل على كيسها وفطنتها والفرق بين كأنّ وهكذا في التشبيه كما أفاده صاحب الانتصاف أن كان تفيد قوّة الشبه حتى كأنّ المتكلم شكك نفسه في تغايرهما وهكذا تفيد الجزم بتغايرهما، والحكم بوقوع التشبيه بينهما فلذا عدلت عنها. قوله:(من تتمة كلامها الا من كلام سليمان عليه الصلاة والسلام وأتباعه، وضمير لها لبلقيس وقوله أو المعجزة معطوف على الحالة وضمير قبلها لها فالمعنى لا حاجة إلى لاختبار لأني آمنت قبل وهذا يدل على كمال عقلها أو المعنى علمنا إتيانك بالعرس قبل الرؤية أو هذه الحالة بالقرائن أو الأخباو. قوله: (وعطفوه على جوابها) أي على ما أجابوها به إذ أجابت فهو عطف على مقدر اقتضاه المقام المقتضى للإفاضة في وصفها برجاحة الرأي ورزانة العقل في الهداية للإسلام فالتقدير أصابت كيت وكيت، وأوتينا العلم الخ فسقط ما قيل عليه من أنه لا مجال للعاطف بين كلامي شخصين إلا في العطف التلقيني وما نحن فيه ليس منه، ومن لم يدره قال لا بد على هذا من تقدير القول ني الحكاية لا ني النظم أي وقال سليمان، وقومه عاطفين كلامهم على كلامها فعطفهم من المحكي ولا بد للعطف في الحكاية من تقدير القول، وهذا مع أنه لا محصل له تعسف أنت في غنى عنه بما مرّ. قوله: (لما فيه من الدلالة على لسأنها الغ الا يخفى أنها لم تجزم بما ذكر من كونها معجزة مع أنّ مجرّد العلم بأنها معجزة لا يدل على الإيمان بدون التصديق، والإذعان ولا دلالة في الكلام عليه، ولذا مرّضه المصنف رحمه الله وأخره عكساً لما في الكشاف لما ذكر مع ما فيه من التقدير، هذا محصل ما في الحواشي، وأنت إذا تأمّلت كلام الزمخشريّ عرفت أنّ المصنف لم يأت بزبدته فوقع فيما وقع

فيه، وهذه عبارته لما كان المقام الذي سئلت فيه عن عرشها وأجابت بما أجابت به مقاماً أجرى فيه سليمان وملؤه ما يناسب قولهم، وأوتينا العلم نحو أن يقولوا عند قولها كأنه هو قد أصابت في جوابها، وطبقت المفصل وهي عاقلة لبيبة وقد رزقت الإسلام وعلمت قدرة الله وصحة النبوّة بالآيات التي تقدمت عند وفدة المنذر، وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها عطفوا على ذلك قولهم وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته، وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها ولم نزل على دين الإسلام شكر الله على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله والإسلام قبلها، ومحصله انّ في الكلام طيا لما ذكروه من علمهم بإسلامها، وانقيادها وتصديقها بالمعجزات وذلك المطوي هو المعطوف عليه وليس الدال على ذلك قولها كأنه هو بل جعل علمهم واسلامهم قبلها فإنه يومي إلى ما ذكر فتدبر فإنّ هذا المقام مما زلت فيه الأقدام، وقوله ويكون غرضهم الخ إذ لا فائدة في وصف سليمان عليه الصلاة والسلام وقومه بما ذكر وهو معلوم. قوله:(تجويزا غالبا (هو من قوله كأنه هو، وقوله واحضاره أي العرس ثمة من معجزات سليمان فإن كان هو الذي أحضره فلا كلام فيه، وكذا إذ! كان من أيد به من الملائكة فإن كان آصف أو عفريتا فلأنّ إقدار الله له لما كان لسليمان وقد جرى ذلك بأمره وعلى يديه كان معجزة له، ثم إنّ المراد بالمعجزة مطلق ا! خارق للعادة، وان لم يكن معه تحد فإنها كثيراً ما تستعمل بهذا المعنى فلا يرد عليه شيء وقوله لا يقدر عليها غير الله أي لا كسبا ولا خلقا فلا مخالفة فيه لمذهب الأشاعرة، وقوله ولم نزل الخ الاستمرار من كان وهي في الوجه الأوّل لمجرّد المضيّ وضمير قبلها لبلقيس. قوله: (وصدّها عبادتها الخ) إشارة إلى أنّ ما مصدرية والمصدر فاعل صد، ويجوز كونها موصولة واقعة على الشمس أو الشيطان والإسناد مجازفي فيهما، وقوله أو وصدها الله ففاعل صد ضمير الله وما مصدرية قبلها حرف جرّ مقدّر وهو عن، ويجوز كون الفاعل ضمير سليمان وما موصولة أيضا واذا أبدل من فاعل صد فهو بدل اشتمال، وعلى التعليل قبله لام مقدرة وعلى الكسر هي أيضاً مفيدة للتعليل. قوله: (قيل لها ادخلي الم يعطف على قوله قيل أهكذا لأنه

ص: 48

استئناف في جواب ماذا قيل لها بعد الامتحان ولو عطف لم يفد ذلك، وضمير رأته إذا كان الصرح القصر له بتقدير مضاف أي رأت صحنه، وقوله وكشفت لا حاجة إلى عطفه على مقدر أي شمرت وكشفت لأنّ الكشف عنه عينه، ولذا قال المصنف في تفسيره فكشفت

إشارة إلى تفرّعه عنه باعتبار ما ذكر، وإنما ترك الفاء فيه في النظم لأنّ الشرط سبب له بواسطة ما عطف عليه كقولهم إذا جاء الأمير استأذنت وخرجت أي، واذا استاذنت خرجت ومن زعم أنّ فيه مقدراً حسب المصنف غفل عنه هو الغافل، وسيأتي تحقيقه في الفتح وضمير من تحتها للزجاج، وهو يجوز تأنيثه لأنّ واحده زجاجة، ووضمع السرير في صدره لتمرّ إليه فتحتاج لما ذكر. قوله:(بالهمز) أي بهمز ألف ساق خلا على جمعه لأنه يطرد في الواو المضمومة هي أو ما قبلها قلبها همزة فانجرّ ذلك بالتبعية إلى المفرد الذي في ضمنه، وادعاء أنها لغة فهي يأباه الاشتقاق وفيه ردّ على من قال إنّ هذه القراءة لا تصح، وممرّد بمعنى مملس ومنه الأمرد، وقوارير جمع قارورة، وقوله بظني بسليمان أي بظني السوء به، ولذا فسره بقوله فإنها الخ وذي تبع من ملوك اليمن ويقال لهم الإذواء لأنّ أعلامهم تصدر بذو والمراد صاحب هذا الاسم كذي يزن وقد بين في محله، وهمدان بسكون الميم ودال مهملة من بلاد اليمن وبفتح الميم من بلاد العجم. قوله:(بأن اعبدوا الله الخ) على أنّ إن مصدرية يجوز وصلها بالأمر، ولا ضير فيه كما مرّ ويجوز كونها مفسرة لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه، ويجوز تقدير اللام أيضاً وصالحاً بدل من أخاهم أو عطف بيان. قوله تعالى:( {فَإِذَا هُم} ) أي ثمود لأنه اسم للقبيلة كما ذكره الراغب أو هؤلاء ليشمل صالحاً والأصح الأوّل، وقوله ففاجأ وأشارة إلى أنّ فجائية، وقوله فآمن فريق وكفر فريق أي من ثمود وجعل المصنف رحمه الله في الأعراف أحد الفريقين صالحاً وحده، والآخر قومه والحامل عليه كما ذكره ابن عادل العطف بالفاء فإنها تؤذن أنهم بمجرّد الإرسال صاروا فريقين ولا يصير قومه فريقين إلا بعد زمان ويأباه قوله أطير نالك وبمن معك وتعقيب كل شيء بحسبه على أنه يجوز كون الفاء لمجرّد الترتيب كما في المغني، وفريق الكفرة أكثر ولذا ناداهم بقوله يا قوم لجعلهم في حكم الكل وقوله والواو أي ضمير يختصمون، وهو صريح في أنه صفة فريقان إذ لو كان خبراً ثانيا كما قيل لكان بقوله هم فما أوهمه من قوله ففجاؤوا التفرّق والاختصام ليس بمراد فإنه بيان لحاصل المعنى، ومفاجأة التفرّق وقوعه عقب الإرسال، والمعنى فاجأ إرسالنا تفرّقهم واختصامهم فليس وجها آخر كما

توهم والكفر والإيمان معنى افتراقهم، والاختصام معلوم منه أو هو ما وقع في محل آخر بقوله:{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} [سورة سبأ، الآية: 32] الآية وقوله يختصمون دون يختصمان على المعنى للفاصلة، والعامل في إذا مقدّر لا يختصمون لأنّ معمول الصفة لا يتقدّم على الموصوف، وقوله: قال يا قوم الخ جملة مستأنفة بيان لما جرى معهم لا للاختصام وإن صح. قوله: (بالعقوبة) هذا ما في الكشاف وغيره ولم يحملوا السيئة على ظاهرها لأنّ المعنى عليه، وكذا الكلام في حمل الحسنة على التوبة والتقابل حاصل من كون أحدهما حسنا والآخر سيئاً فلا وجه لما قيل من أنّ الأنسب بتفسير الحسنة بالتوية تفسير السيئة بالمعاصي، وليس بسديد مع أنّ المعصية قبل التوبة قما وجه العتاب حينثذ، وقوله فتقولون الخ تفسير لاستعجالها وقد مرّ في الأعراف والقرآن يفسر بعضه بعضاً فلا مجال لما مرّ. قوله:(قبل التوية) مرّ وجه اختياره، وأمّا تفسيرها بالحال الحسنة وهي رحمة الله فغير مناسب للحال كما أشار إليه بقوله:(فإنهم كانوا يقولون) الخ ويعين هذا قوله لولا الخ فما ذكر لب التفسير بالمأثور، وما سواه من القشور. قوله:(تستنفرون الله قبل نزوله) أي العذاب تخطئة لهم وتجهيل فإنّ الاستغفاو إنما ينفع قبل معاينة العذاب وما ذكر من العقوبة والتوبة إنما قدروه على قول صالح، وهو خاطبهم على حسب اعتقادهم، وقوله: فإنها لا تقبل حينئذ أي حين نزول العذاب ومشاهدة البأس. قوله: " ذ قتابعت) تعليل لقوله: {اطَّيَّرْنَا بِكَ} وقوله ووقع في نسخة أو وقع وهو بيان لما به التشاؤم من أحدهما أو مجموعهما، وقوله: مذ اخترعتم راجع لتتابعت ووقع على التنازع وفسر أطيرنا بتشاء منا ويكون تطير بمعنى نفر وهو صحيح أيضا. قوله: (سببكم الذي جاء منه شرّكم الما كان المسافر من العرب إذا خرج مرّ به

ص: 49

طائر سانحا وهو ما وليه بميسرته أو بارحاً وهو ما وليه بميمنته تيمنوا بالأوّل وتشاءموا بالثاني، ونسبوا الخير والشر إلى الطائر، ثم استعير لما كان سببهما من قدر الله وقسمته، أو من عمل العبد الذي هو سبب الرحمة والنقمة ومنه طائر الله لا طائرك، فقوله سببكم مبتدأ والذي خبره والمراد سبب تشاؤمكم ما ذكر لا نحن فالحصر إضافيّ، وقوله وهو راجع إلى سببكم، وقدر بفتحتين أي ما قدره لله وذكر الشر دون الخير لأنه المناسب وقد يفسر بأنه في علمه وهو قريب منه.

قوله: (تختبرون الخ) تفسير لتقتنون لأنّ أصل معنى الفتنة تصفية الذهب من الغش كما

مرّ، وقد يفسر بالتعذيب أو وسوسة الشيطان بالطيرة. قوله:(تسعة أنفس) أي تسعة أشخاص لأنّ النفس تكون بمعنى الشخص فتذكر كما في المصباح فلا يرد الاعتراض عليه بأنه مؤنث فكان الظاهر رجال بدله مع أنّ تأنيثه لفظي سماعي، والمذكور في النظم رهط وهو مذكر فلا يضر تفسيره به، وإنما اختاره لأنّ مثله من العدد يضاف لجمع القلة كما أشار إليه بقوله باعتبار المعنى بعده وليس المراد أنّ الرهط بمعنى النفس بل أنّ التسع من الأنفس هي الرهط فتدبر 0 قوله:(وإنما وقع تمييزا للتسعة) لأنّ العدد يضاف لتمييزه إذا كان جمع قلة فميا دون العشرة فإذا ذكر بعده اسم جمع فالقياس جرّه بمن كخمسة من القوم قال تعالى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ} [سورة البقرة، الآية: 260] فإضافته إليه كما هنا نادرة ولذا صرحوا بأنه لا يقال ثلاثة قوم لكنه لما كان بمعنى جمع القلة أجرى مجراه، ولذا فسره بأنفس دون رجال ومن لم يقف على مراده قال الصواب رجال، وقال السفاقسي قدروه تسعة رجال وقال الزمخشريّ: إنما جاز تمييز التسعة بالرهط لأنه في معنى الجماعة فكأنه تسعة أنفس، والأوّل أولى لأنه لو قدر إضافته لا نفس قيل تسع بالتانيث إذ غيره شاذ ورهط اسم جمع وفصله بمن هو الفصيح اتفاقاً كخذ أربعة من الطير واختلفوا في جواز إضافة العدد إليه فقال الأخفش هو نادر لا ينقاس، وفصل قوم بين أن يكون اسما للقلة كرهط ونفر وذود فيجوز إضافته له أو للكثرة، أو يستعمل لهما فلا يجوز إضافته كما قاله المازني اهـ. قوله:(والفرق بينه وبين النفر الخ) والغاية داخلة هنا لقوله في الأحقاف والنفر دون العشرة فإنه يدل على دخولط التسعة كما أنّ قوله من الثلاثة يدل! على خروح الاثنين فلا حاجة إلى الاستدلال عليه بما في القاموس فقوله في سورة الجن والنفر ما بين الثلاثة والعشرة قول آخر، ولم يذكر اختصاصه بالرجال كالقوم وقد صرّح به بعض أهل اللغة. قوله:(أي شأنهم الإفساد) المراد أنه عادتهم المستمرّة كما يفيده المضارع، وتأكيده بقوله في الأوض الدال على عموم فسادهم وهو صفة رهط أو تسعة، وقوله الخالص عن شوب الصلاج أي مخالطته من قوله ولا يصلحون. قوله:(أمر) أي فعل أمر من المقاسمة أو فعل ماض بدل من قالوا أو هو حال والمقول لنبيتنه وقيل إنه محذوف، وقوله: لنباغتن من البغتة أي

مفاجاتهم بالإيقاع بهم ليلَا وهم غافلون، ومن قرأه بالنون فتح ما قبل نون التأكيد وعلى قراءة غيره هو مضموم، وقوله على أن تقاسموا خبر الخ وهو على قراءته بياء الغيبة إذ لا معنى له على تقديره أمرا وعلى غيره يجوز فيه الوجهان وقد مرّ تفصيله، وقوله فيه القراآت أي بالياء التحتية والتاء والنون والكلام فيه كالكلام فيما فبله بعينه، وقوله لو لي دمه بيان للمعنى المراد أو لأنّ فيه مضافاً مقدرا، والبيات الهجوم على العدوّ بغتة بالليل وفي الكشاف أنه أشير على الإسكندر بالبيات فقال ليس من آيين الملوك استراق الظفر. قوله:(ما شهدنا) معناه ما حضرناه وهو أبلغ من ما قتلناهم، ولذا لم يذكروا قتل صالح عليه الصلاة والسلام لأنّ من لم يقتل أتباعه كيف يقتله ولما كان هذا مستلزما له لم يذكر فلا حاجة إلى اعتبار فضلاً مرّتين أي فضلاً عن أنّ تولينا إهلاكه وفضلاً أن تولينا إهلاكهم مع أنه لا حاجة إلى اعتبار فضلاً إذ يكفي تقديره هكذا إهلاكهم، وإهلاكه وأمّا رجوع ضمير أهله إلى وليه حتى لا يحتاج إلى تقدير فلا وجه له لأنه خلاف الظاهر ولا يتعين أهلكم بالخطاب حينئذ كما قيل إنّ حقه أهلك أو أهلكم وقد مرّ أنه قرى:{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} [سورة آل عمرأن، الآية: 12] بالخطاب والغيبة ووجهه ظاهر وسيأتي وجه آخر لذكر مهلكهم دون مهلكه. قوله: (وهو) أي لفظ مهلك في النظم يحتمل الوجوه الثلاثة لكن نسبته إلى الزمان مجازية إذ كل موجود في زمان نبيّ فهو شاهد له، ووجودهم فيه محقق لا يحتمل

ص: 50

الإنكار فالمراد بشهوده المنفي شهود الهلاك الواقع فيه، وقوله كمرجع خصه بالتمثيل لأنه نادر وقد قالوا إنّ المهلك والمرجع والمحيض والمكيل مصادر أربعة لا خامس لها، وقد تقدّم تفصيله في سورة الكهف. قوله:(ونحلف إنا لصادقون) إشارة إلى أنه معطوف على قوله ما شهدنا فهو من جملة المقسم عليه، وقوله لأنّ الشاهد للشيء غير المباشر له توجيه لادعائهم الصدق وهم عقلاء ينفرون عن الكذب ما أمكن بأنّ حضور الأمر غير مباشرته في العرف لأنه لا يقال لمن قتل رجلَا إنه حضر قتله، وإن كان لاحضور لازماً للمباشرة فحلفوا على المعنى العرفي على العادة في الإيمان وأوهموا الخصم أنهم أرادوا معناه اللغوي فهم صادقون غير حانئين، ولا بعد فيه وكونهم من أهل التعارف لا يضرّ كما قيل بل يفيد فائدة تامّة. قوله:(أو لأنا ما شهدنا مهلكهم وحده الخ) كذا في الكشاف ورده في الانتصاف بأنّ من فعل أمرين وجحد أحدهما لم يكن في كذبه شبهة، وإنما تتمّ الحيلة لو فعلوا أمرا واحدا وادعى عليهم فعل أمرين فجحدوا المجموع، ولذا لم يختلف العلماء في أنّ من حلف لا أضرب زيدا فضرب زيدا، وعمرا كان حانثاً بخلاف من حلف لا أضرب زيدا وعمراً ولا آكل رغيفين فأكل أحدهما فإنه محل الخلاف إلا أنه قد يكتفي بمثله في المعاريض، وتبرئتهم من الكذب فيما ذكر غير لازم حتى يتكلف له ما ذكر والذي دعا الزمخشريّ له ادعاء القبح العقلي في الكذب حتى ترى الكفرة مع كفرهم لا يرضونه. قوله:(بهذه المواضعة) أي

الحيلة في ادعاء الصدق المذكور وقوله بأن جعلناها أي الحيلة والمواضعة المذكورة، ومكرهم ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح عليه الصلاة والسلام ومكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون على سييل الاستعارة المنضمة إلى المشاكلة كما في الكشاف وشروحه، وقوله في الحجر هي مدينتهم، وقوله يفرغ منا وفي نسخة عنا أي يهلكنا فيخلو عنا، وقوله إلى ثلاث الغاية داخلة هنا بقرينة وقوع قوله قبل الثلاث في مقابلة فلا يرد عليه ما قيل إنه كان عليه أن يقول بعد ثلاث لأنه كذلك في الواقع، وقوله: ليقتلوه يعني إذا جاء الشعب، وقوله فوقع عليهم الوقوع هنا بمعنى النزول نحوهم لا إهلاكهم فلا يخالف ما بعده، وقوله: فهلكوا أي في الشعب بالجوع والعطش أو بالصيحة فيكون قوله بالصيحة تنازعه الفعلان والأوّل أظهر رواية ودراية. قوله: (فخبرها كيف) أي لوقوعها قبل ما لا يستغنى أي كانت عاقبة مكرهم واقعة على وجه عجيب يعبر به، والجملة في محل نصب على أنها مفعول انظر، والاستئناف لتفسير العاقبة، وقوله أو خبر محذوف الظاهر أنه الشأن أو ضميره لا شيء آخر مما يحتاج للعائد ليعترض عليه ببقا المحذور في جعله خبر كان ولا يرد عليه أنّ ضمير الشأن المرفوع منع كثير من النحويين حذفه فإنه غير مسلم، ولا أنه يجوز كونه خبر كان ويكفي للربط وجود ما يرجع إلى متعلق المبتدأ والخبر إذ رجوعه إليه نفسه غير لازم فإنه تكلف، وهو إنما يتمشى على مذهب الأخفش القائل بأنه إذا قام بعض الجملة مقام مضاف إلى العائد اكتفى به كما مرّ تقريره في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} [سورة البقرة، الآية: 234] وغيره من النحاة يأباه. قوله: (وإن جعلتها تامّة) أشار يتاخيره لمرجوحيته، ولذا لم يقل إن جعلت كقسيمه وفي قراءة الفتح وجوه تبلغ العشرة، وقوله خبر محذوف هو ضمير العاقبة، وقوله بدل من اسم كان أو من فاعلها وعلى الخبرية هو مفرد تأويلَا لا يحتاج إلى رابط، وقوله وكيف حال أي على الوجه الأخير وقوله على أنه خبر محذوف أي أو خبر بعد خبر أو خبر وبيوتهم بدل من تلك، وقوله فيتعظون تفسير له لا تفريع لأنّ الآية يعني العبرة هي في الحقيقة الاتعاظ، وقوله: فلذلك أي لإيمانهم

وتقواهم إشارة إلى أنّ التعليق بالموصول للتعليل وهو ظاهر. قوله: (لدلالة ولقد أرسلنا) أي قبله في قصة صالح وعلى الوجهين هو من عطف قصة على قصة، ولم يجعله معطوفا على صالحاً مع تبادره ولا على قوله الذين آمنوا قبله مع قربه كما ذكره المعرب تبعا للبحر لأنه غير مستقيم لأنّ صالحاً بدل أو عطف بيان لأخاهم، وقد قيد بقيد مقدم عليه، وهو إلى ثمود فلو عطف عله تقيد به، ولا يصح لأنّ لوطا عليه الصلاة والسلام لم يرسل إلى ثمود، وهو متعين إذا تقدّم القيد بخلاف ما لو تأخر كم صرحوا به مع أنّ تعينه غير مسلم إذ يجوز عطفه على مجموع القيد والمقيد كما ذكره في المطوّل لكنه خلاف المألوف في الخطابيات

ص: 51

وارتكاب مثله تعسف لا يليق فلذا لم يلتفتوا إليه مع تبادره في بادئ النظر، وأمّا عطفه على الذين آمنوا وان كان لا محذور فيه إلا أنه لا ينايسب أساليب سرد القصص من عطف إحدى القصتين على الأخرى لا على تتمة الأولى ودليلها كما لا يخفى، وقوله بدل أي بدل اشتمال له وقوله: أتأتون معناه أتفعلون والاستفهام إنكاري. قوله: (تعلمون الخ) فالتعبير به لأنه لظهوره كأنه محسوس، وقوله: بيان بعد إبهامه للتقرير وهو أوقع، وقوله وتعليله إشارة إلى أنه مفعول له وقد جوّز فيه الحالية أيضاً، وقوله: قضاء الوطر إشارة إلى أنّ المراد لقضاء الشهوة ومقتضاه النفرة لا الشهوة إذ هي ليست في محلها كما أشار إليه بقوله من دون النساء فهم مخطئون في محلها فعلا وتركا وتعبيره بالرجال دون الذكران تقبيح على تقبيح، وبيان لاختصاصه ببني آدم. قوله:(تقعلون فعل من يجهل قبحها الخ) هذه الوجوه لبيان أنه لا ينافي قوله تبصرون، وقوله والتاء فيه أي تاء الخطاب مع أنه صفة لقوم، وهو اسم ظاهر من قبيل الغيبة لمراعاة المعنى لأنه متحد مع قوله أنتم لحمله عليه وقد جعلوه من التغليب وأورد عليه أنه من قبيل المجاز ولا قجوز فيه هنا، وأجيب بأنّ نحو تجهلون موضوع للخطاب مع جماعة لم يذكروا بلفظ غيبة، وهنا ليس كذلك كما فصله الحفيد في حاشية المطوّل وجعله بعضهم التفاتاً. قوله: " لا أن قالوا) استثناء مفرغ والمراد بآل لوط هو ومن اتبع دينه فلا تدخل امرأته فيهم وقوله إنهم أناس الخ تعليل للأمر على وجه يتضمن الاستهزاء، وقوله: ويعدون فالمعنى يزعمون التطهر وهم

متكلفون بإظهار ما ليس فيهم، وفاء فأنجينا فصيحة أي أهلكناهبم وأنجينا الخ قوله قدّرنا كونها قدّر فيه مضافا لأنّ التقدير يتعلق بالفعل لا بالذات بالذات كما يدل عليه قدرنا إنها لمن الغابرين في آية أخرى وقوله مرّ مثله أي في الثمعراء وقد ذكرنا تفسيره وتفصيله ثمة. قوله تعالى:( {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} الخ) فسره بعضهم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لقوله في آية أخرى: {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [سورة الصافات، الآية: 181] وعمم آخرون وإليه يشير قوله من عبيده ولا يلزمه السلام على غير الأنبياء لأنه ليس استقلالاً وسلام مبتدأ أو معطوف على الحمد وقوله بتحميده متعلق بأمر وفي نسخة أمر به فيكون هذا بدلاً منه بإعادة العامل وما خص به معطوف على قوله القصص، وقوله: شكراً إمّا منصوب على المصدرية بتحميده أو مفعول له، وقال: على ما أنعم عليهم دون عليه لدخوله فيهم دخولاً أولياً ولأنهم كنفس واحدة فالإنعام عليهم إنعام عليه وقوله: وعرنانا معطوف على شكر التعليل السلام فإن كان بمعنى المعرفة، وهو الظاهر يكون حاملاً وإن كان بمعنى الاعتراف يكون غاية. قوله:(أو لوطاً) معطوف على قوله رسوله فيكون حكاية وأخره لعدم ملاءمتة لما بعده ولاحتياجه إلى تقدير وقلنا له، وعلى ما ذكر المصنف هو تخلص من قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى ما جرى له مع المشركين وجعله الزمخشريّ اقتضابا كانه خطبة مبتدأة قال: ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب فحمدوا الله وصلوا على رسوله صلى الله عليه وسلم إمام كل علم مفاد. قوله: (آلله) بالمدّ لقلب الهمزة ألفا وما في أم ما موصولة كما أشار إليه المصنف، وجوّز فيها المصدرية بتقدير أتوحيد الله خير أم شركهم، وقوله إلزام لا رخاء العنان بتسليم أنّ فيهم خيرية والتسفيه نسبتهم إلى السفاهة. قوله:(وبين من هو مبدأ كل خيرا لا يخفى حسن الطباق بين الرأس والمبدأ مع أنه مبدأ كل شيء تأدّبا ومناسبة للمقام فلا وجه لما قيل إنه تخصيص قدريّ او شرك خفيّ، والتوحيد الأبلج أن يقال كل شيء بدله، والموازنة من الهمزة وأم المعادلة. قوله: (بالتاء) الفوقية ومعنى التحتية أي أم الذي يشركونه هؤلاء المهلكون، وقوله: بل أم من أي ام منقطعة مقدرة ببل والهمزة والإضراب عن الاستفهام التوبيخي في المعادلة إلى

الاستفهام التقرير، والخبر مقدر وهو خير وقوله لأجلكم إشارة إلى أنّ اللام تعليلية لأنّ المقصود انتفاعهم. قوله:(لتثيد اختصاص الفعل بذاته) يعني أنّ فائدة الالتفات من الغيبة إلى التكلم الخاصة بهذا تأكيد معنى اختصاص الفعل، وهو الإنبات بذاته لأنه لو قيل أنبت الخ أفاد اختصاص الإنبات به بحكم المقابلة بين أخ! الشركاء، وخالق الأرض والسماء، فإذا التفت ونسب الفعل لذاته تأكد ذلك الاختصاص لضم إسناد الفعل لذاته إلى المقابلة

ص: 52

والإيذان بأنه لا يقدر عليه غيره من ضمير العظمة دفعاً لتوهم أنّ غيره له قدرة عليه كما إذا بذر وسقي بأنه هو الخالق لمباديها التي لا قدرة لأحد عليه كالأرض والسماء، وانزال الماء ورشح ذلك بقوله ما كان لكم الخ وقوله البهية تفسير لمعنى البهجة وهي الحسن، والموادّ المتشابهة الأرض والماء والعناصر الأربعة واخراج ألوان مختلفة من مادّة واحدة أمر عجيب كما قيل في وصف المطر: يمدعلى الآفاق بيض خيوطه فينسج منهاللثرى حلة خضرا

فقوله: أشار إليه أي إلى انتفاء قدرة غيره عليه، وقوله ص! الأحداق وهو الإحاطة إشارة

إلى أنّ الحديقة بستان يحيط بجوانبه الحائط. قوله: (أغيره يقرن به) أي الاستفهام إنكاري، والمعنى لا يليق ذلك والتكوين من صفاته تعالى، والفرق بينه وبين الخلق مبسوط في علم الكلام وبتوسيط عطف على قوله إلها، وكذا قوله وإخراج وهو معلوم في الأداء، وقوله بين بين بالتركيب والبناء على الفتح وهو التسهيل المعروف عند القرّاء واختلف في الحرف المسهل هل هو متحرّك أم ساكن والصحيح الأوّل، وقوله يعدلون عن الحق فهو من العدول لا من عدل بغيره وان جوّز لأنّ هذا أنسب بما قبله ولأنّ من ليس معه غيره كيف يعادل بغيره فيصير ذكر. لغواً. قوله:(بدل من أمّن خلق السموات) إذا كنت أم منقطعة، والجعل إن كان تصييرياً فالمنصوبان مفعولان وإلا فالثاني حال مقدرة، وقوله: بحيث يتأتى الخ فقراراً بمعنى مستقرّاً لا بمعنى قارة غير مضطربة وان استلزمه فلذا فسر بهذا لأنه أتمّ فائدة، وقوله أوساطها وفي نسخة وسطها لأنّ الخلال جمع خلل وهي الفرجة بين الشيئين فهو ظرف حل محل الحال أو المفعول

الثاني، وقوله جارية إشارة إلى أنّ المراد بالأنهار ما يجري فيها لا محلها الذي شق. قوله:(جبالاً تتكوّن فيها المعادن الم يتعرّض لمنفعة منعها الأرض عن الحركة والميلان كما في المدارك لأنه لو كان المقصود هذا ذكرت عقب جعل الأرض قرارا، فمن قال الأولى أن يتعرّض له هنا أو في تفسير قوله قرارا لم يأت بشيء، وقوله وينبع الخ إشارة إلى وجه تعقيب الأنهار به. قوله: (الذي أحوجه الخ) هذا تفسير للمراد به هنا وأصل معناه من وقع في الضرورة مطلقا كما ذكره واللجأ الالتجاء والاسنناد، والضرورة ما يضرّ المرء ويحوجه، وقوله: واللام فيه للجنس إنما حمله عليه لأنه كم من مضطرّ لا يجاب، ويجوز حمله على الاستغراق وهو مقيد أي يجيب كل مضطرّ إن شاء أوإن علم فيه مصلحة كما في الكشاف على ما فيه، وقوله ويدفع الخ المراد بالدفع ما يشمل الرفع. قوله:(خلفاء فيها) بيان لحاصل المعنى أو لأنّ الإضافة فيه على معنى في وقوله ممن قبلكم أي من بني آدم أو غيرهم، والنعم العامّة الماء والنبات والقرار في الأرض التي لا تخص الناس والخاصة الخلافة أو العامّة للناس، وهي خلافه الأرض بتفسيره والخاصة ببعض الناس كإجابة المضطرّ ودفع السوء. قوله:(أي ثذكرون ا3ءه تذكوا قليلَا الخ) بيان لمعنى النظم على وجه يتضمن الإشارة إلى زيادة ما فيه وأنّ المفعولط محذوف للفاصلة، وهو آلاؤه أي نعمه وأنّ قليلاً منصوب على المصدرية لأنه صفة مصدر مقدّر ولما كانت القلة قريبة من العدم استعملوها تارة للنفي، وتارة بمعنى مقابل الكثرة فقوله والمراد بالقلة العدم على الأوّل وقوله أو الحقارة على الثاني، وقوله: المزيحة للفائدة من الإزاحة بالزاي المعجمة والحاء المهملة بمعنى المزيلة لفائدة التذكير لنعم الله وهي توحيده الموصل للسعادة العظمى فإنها ليست فيهم لأنهم مشركون فلا اعتداد بتذكرهم فلذا صح نفيه واثباته وفيه تأمّل، وقوله: بالياء أي التحتية وتشديد الذال، وقوله وتخفيف الذال من تذكرون بحذف إحدى التاءين. قوله تعالى:( {أَمَّن يَهْدِيكُمْ} ) قيل في تفسيره: (يرشدكم بالنجوم في طلمات البرّ والبحر) ليلاً وبعلامات في الأرض نهارا والظلمات ظلمات الليالي يعني أنه تعالى

هو الهادي في الليل والنهار لأنه إذا هدي في الظلمة علم أنه الهادي في غيرها بالطريق الأولى فلا يهو في كلامه كما قيل، ولا ينافيه تفسيره الظلمات بما ذكر وملابسة الظلمة كونها فيهما وقوله:(بالنجوم وعلامات الأرضر) لف ونشر مثوّس أو هو لكل منهما لأن من في البحر قد يهتدي بعلامات الأرض وما يتبعها كما في قوله: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [سورة النحل، الآية: 6 ا] والمنار ما يوضع على الطرق لمعرفتها وعلى

ص: 53

الوجه الثاني هو استعارة وجعلت الطريق نفسها ظلمة مبالغة. قوله: (يعني المطر) تفسير للرحمة فإنها تطلق عليه وقد مرّ تفسير قوله بثرا في الفرقان. قوله: (ولو صح الخ) إشارة إلى عدم صحته عند أهل الشرع، وهو قول الحكماء إنّ سبب تكون الريح قد يكون بسبب برد الدخان المتصعد إلى الطبقة الزمهريرية، وذكروا له أسباباً أخر، ولذا قال اكثريّ: وتمويجها أي تحريكها معطوف على قوله معاودة يعني أنّ ما ذكره لا ينافي كون الرّياح مرسلة من الله، وهو ظاهر ولو لم يذكر مثله كان أحسن. قوله:(عن مشاركة العاجز المخلوق) إشارة إلى أنّ ما مصدرية ويجوز كونها موصولة، والعائد محذوف للفاصلة وفيه مضاف مقدر كمشاركة ومقارنة وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمله، وهذا كالنتيجة لما قبله. قوله:(والكفرة وإن أنكروا الخ) جواب عما يقال إنّ الكلام مع المشركين وأكثرهم منكر للإعادة فكيف خوطبوا به خطاب المعترف بأنها لظهورها، ووضوح براهينها جعلوا كأنهم معترفون بها لتمكنهم من معرفتها فلم يبق لهم عذر في الإنكار فلا حاجة إلى القول بأنّ منهم من اعترف بها فالكلام بالنسبة إليه، وقوله بأسباب سماوية وأرضية يعني أنّ من ابتدائية داخلة على السبب لأنه مبدأ مسببه، وقوله: يفعل ذلك قدّر في الأوّل يقدر وهنا يفعل ليكون تأسيساً، وراعى فيه الترتيب بين القدرة والفعل لتقدّمها واقتصر على القدرة في قوله على أن غيره يقدر لأنه يلزم من نفي القدرة نفي الفعل. قوله:(في إشراككم الخ) أي في أنّ لله شريكاً في الألوهية الذي أنكر في قوله أإله مع الله بأن يثبتوا لشيء قدرة على ما هو قادر عليه فإنّ ذلك من لوازمها كما أشار إليه بقوله فإنّ كمال القدرة الخ فلا

يرد عليه أنّ الأنسب على هذا أن يقال هاتوا برهانكم على إشراككم إن كنتم صادقين فيه فإنا قد أتينا بدلائل التوحيد. قوله: (لما بين اختصاصه بالقدرة التامّة) في قوله أمّن خلق السموات إلى هنا فقوله أتبعه بما هو كاللازم له أي اتبع اختصاصه المذكور بما هو كاللازم لذلك الاختصاص أو لله، وقال: كاللازم لأنه لا تلازم بينهما عقلا وإن لم ينفك أحدهما عن الآخر في الواقع كما لا تلازم بين القدرة وعلم الغيب أيضا، والمقصود بيان المناسبة بين هذا وما قبله بأن كلاً منهما مما اختص به تعالى وأنهما كالمتلازمين لأنّ من تفكر في بدائع مصنوعاته الدالة على كمال قدرة صانعها الحكيم علم كمال علمه المحيط، ولذا قال:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [سورة الحشر، الآية: 22] فتدبر. قوله: (والاستثناء منقطع الأنه تعالى عن أن يكون ممن في السماء والأرض! ولغة بني تميم في المنقطع اتباعه لما قبله والحجازيون ينصبونه، وأنما اختار اللغة التميمية لما ذكره من المبالغة في نفي علم الغيب فإذا استحال كونه فيهما استحال علم أهلهما به، وهذا إنما يتأتى إذا جعل الاستثناء منقطعا تحقيقا متصلا تأويلا وهي نكتة سرّية. قوله: (أو متصل الخ) هذا ردّ على الزمخشري، والاتصال على أنّ المراد بمن فيهما من اطلع عليهما اطلاع الحاضر فيهما مجازاً مرسلاً أو استعارة، ولا يلزم فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز وان قال به المصنف رحمه الله وإمّا التسوية بينه تعالى وبين غيره في إطلاق لفظ واحد المنهيّ عنه في حديث:" ومن بعضهما فقد غوي " فليس بمحذور لوروده في كثير من الآيات والأحاديث ووجه النهيّ عنه مفصل في كتب الحديث وقد مرّ في الكهف طرف منه. قوله: (متى الخ) إشارة إلى أنّ إيان استفهام عن الزمان، ولذا قيل: إنّ أصلها أيّ آن أي أيّ زمان وان كان المعروف خلافه، وما هو ما لهم البعث وقوله بالغ فيه أي في تعنى نفس شعورهم بمآل أمرهم وهذا هو الموافق لما في الكشاف، وأمّا كون الضمير لنفي علم الغيب عنهم كما قيل وإن كان لازماً ضمنا فيأباه قوله أضرب عنه فإنّ الإضراب عن نفي الشعور قطعاً وقوله، انتهى وتكامل تفسير لأدرك في هذا الوجه، وقوله من الحجج والآيات بيان لما وقوله وهو راجع إلى ما وتفسير له، وقوله لا يعلمونه خبر أنّ، وقوله أسباب علمهم إشارة إلى أنّ فيه

مضافاً مقدّرا أو أنه مجاز يجعل علمهم بالأسباب علماً بالمسبب لتسببه عنه فأضرب عن جهلهم الأوّل إلى جهل أعمّ منه وأشدّ لتوفر أسبابه، وقوله كما ينبغي مفهوم من السياق والمعنى بل انتهى علمهم في أمر الآخرة، وانكارهم لها لي ما هو أعظم وأقوى في الجهل. قوله:(كمن تحير الخ) أتى بالكاف لئلا ينافي قوله قبلة تكامل فيه أسباب

ص: 54

علمهم، وقوله لا يدركون دلائلها وإن تكاملت أسبابها لما على بصائرهم من الغشاوة كما مرّ، وقوله وهذا أي ما ذكر من معنى الآية وهذا بناء على أنّ الضمائر لمن في السموات والأرض لا للكفرة، كما قيل ونسبة ما للكل إلى البعض مجاز وقد تقدم شرطه وما فيه.

قوله: (ننزيل لأحوالهم) من حال إلى أنزل منها ويصح أن يكون ترقيا في مراتب شدة جهلهم لأنّ جهلهم بأمر الآخرة مع توفر أسباب العلم أنزل من عدم علمهم بمآل أمرهم والشك، والتحير فيها أنزل لأنه يلاحظ فيه الدلائل، وما قبله لم يلاحظ فيه وإن كانت موجودة والعمي عن الدلائل أنزل من الكل. قوله:(وقيل الأوّل) أي قوله بل أدرك علمهم الخ على أن أدرك بمعنى انتهى، واستحكم العلم نفسه من غير تقدير مضاف أو تجوّز ولم يرتضه لعدم القرينة لا لأنّ الإضرابات لا تكون على سنن واحد إذ لا بأس فيه. قوله:(وقيل أدرك بمعنى ائتهى واضمحل) الظاهر أنه معطوف على قوله قيل قبله، ولا ينافي كونه غير متعلق بالإضراب حتى يجعل معطوفاً على قوله بين أن ما انتهى الخ أو على مقدّر مفهوم منه، واضمحل بضاد معجمة وحاء مهملة ولام مشدّدة بمعنى فني وانتفى علمهم بالآخرة مع وضوح دلائلها وتمريضه لأنّ الإدراك، وإن كان بلوغ النهاية وكل شيء بلغ الحدّ انتهى لم يعهد بهذا المعنى لا لأنه ينبغي أن يكون مجازا عن العدم بعد الوجود وعلمهم بالآخرة لم يوجد رأساً فإنّ إرادة لازمه وهو العدم مطلقاً غير مستبعد، ونظائره أكثر من أن تحصى ولا لأنّ الإضراب لا يصح حينئذ فإنه نفي للعلم كالذي قبله واعتبار وضوح الدلائل بلا قرينة بعيد فإنه مع وروده على الوجه الأوّل غير مسلم فإنّ ما فيه نفي خاص، وهذا عامّ وقوله لأنها وفي نسخة لأنّ تلك أي الحال المعروفة يلزمها الفناء والاضمحلال بيان للعلاقة المصححة للمجاز وهي اللزوم. قوله: (وقرأ

نافع الخ) ذكروا فيه اثنتي عشرة قراءة المتواتر منها اثنان، والباقية شاذة قال الجعبريّ رحمه الله تعالى: قرأ نافع ؤابن عامر والكوفيون بل إدّارك بوصل الهمزة، وفتح الدال مشذدة وألف بعدها وأبو عمرو بقطع الهمزة وتخفيف الدال الساكنة بلا ألف ماض بوزن أقعل فما ذكره المصنف رحمه الله مخالف لنقل القرّاء، ولذا قيل ينبغي أن يقول هنا وعاصم إذ لم تختلف الرواية عنه في المشهور وما ذكره عن أبي بكر رواية شاذة لم ينقلها القرّاء في السبعة، وقوله حتى استحكم على التفسير الأوّل، وقوله حتى انقطع على الأخير، وقوله: من تدارك متعلق بالثاني ويجوز تعلقه بهما، وقوله وأصله أي على القراءتين وفي نسخة وأصلهما وحكمه في الإعلال معروف في الصرف. قوله:(وبل أرك) على ماضي الأفعال بنقل فتح الهمزة إلى اللام وحذفها مع دال ساكنة، ويحتمل فتح اللام مع تشديد الدال على نقل حركة همزة الاستفهام فإنه قرئ بها في الشواذ وقوله: أو مضمن كأم فإنّ معناها بل كذا، وقوله من ذلك أي ما ذكر من القراآت، وقوله تفسير له أي للشعور بالإدراك الواقع بعد بلي وما بعده هو قوله بل هم في شك الخ، وقوله مبالغة في نفيه لأنّ معناه شعورهم وعلمهم الشك كقوله:

تحية بينهم ضرب وجيع

فإنه يفيد أنه لا علم لهم لا تحية على أبلغ وجه، وقوله: أو ردّ على أنّ الإضراب إبطاليّ فافهمه. قوله: (كالبيان) إشارة لاتصاله بما قبله ولم يجعله بيانا لأنه يقتضي ترك العطف وهو عمه أي عمي بصيرة لإنكارهم البعث، والضمير لهم ولآبائهم على التغليب والمبالغة في الإنكار من تكرير أداته، وقوله من حال الفناء إلى الحياة فهو تمثيل للعدم بعد الوجود بالحبس وجعل الحياة إطلاقاً منه، وعلى قراءة نافع تقدّر همزة الاستفهام مع الفعل المقدّر لأنّ المعنى ليس على الخبرية فقوله على الخبر أي على صورة الخبر لعدم أداة الاستفهام فيه لفظاً لكنه لس بخبر حقيقة وقوله قبل وعد محمد الخ يزعمون أنه خرافات قديمة كما أشاروا إليه بقولهم

أساطير الأولين. قوله: (وثقديم هذا على نحن الخ) إشارة إلى النكتة في تقديم هذا على نحن وآباؤنا هنا " مع تأخيره في آية أخرى في سورة المؤمنين وهو مفعول ورتبته التأخير فأتى به ثمة على الأصل فقوله وحيث أخر أي وقع، مؤخرا على أصله، وهو مشاكلة ا / وروعي / أصل! ثمة لأنّ ما ذكر هناك اتباعهم أسلافهم في الكفر وانكار الحشر من غير نعي ذلك عليهم، وهنا ذكر ما صدر منهم أنفسهم مؤكدا مقرّرا مكرّرا فكان المقصود بالذكر، وما هو أعنى البعث المشار إليه بهذا وهذا ما عناه السكاكيّ، وقوله

ص: 55

فالمقصود به المبعوث لم يبين وجهه وهو ما بيناه، والأسمار جمع سمر وهو الحديث الذي يتلهى به ليلاً. قوله:(لأنّ المقصود بالذكر الخ) أي بيان أحواله فللإشارة إليه قدّم هذاكل ولذا أورد نحن ضميرا منفصلاً مع عدم الاحتياج للفصل. قوله: (تهديد الخ) لأنّ المقصود الأمر بالنظر لمن له نظر،، وقوله- والتعبير عنهم بالمجرمين أي دون أن يقول الكافرين لطفا بالمؤمنين لإرشادهم إلى أنّ الجرم مطلقا مبغوض لله فيجتنبونه وينفرون عنه، واللطف من الله هو التقريب من الطاعة، والتبعيد من المعصية. قوله:(على تكذيبهم وإعراضهم) يحتمل التفسير على أنه بيان لحاصل المعنى أو تقدير مضاف فهو بدل ولا يلزم تعلق حرفي جرّ بمعنى بمتعلق واحد، ويجوز أن يكون تعليلا لوجه حزنه، وقوله بكسر الضاد وهو مصدر وعلى الفتح يحتمل المصدرية والوصفية، وقوله من مكرهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية. قوله:(تبعكم) هو أصل معنى ردف ولحقكم أي وصل إليكم هو المراد. به. فهو تفسير له، وهو متعد بنفسه وباللام كنصح فلا يحتاج لما ذكر، وتضمينه معنى دنا لأنه يتعدى بمن والى واللام كما في الأساس، فمن اعترض عليه بأنه يتعد! بمن فقد سها كسهوه في أنّ ردف بمعنى دنا فلا يصح أن يضمن معناه، وقوله بالفتح أي فتح الدال وهي لغة فيه كما في القاموس إنه كسمع ونصر، وقوله حلوله مفعول تستعجلون. قوله: (وعسى ولعل الخ الما كان الترجي لا ينسب إليه تعالى جعل في بعض المواضع من العباد وجعله هنا في الكشاف استعارة تمثيلية جارية على عادة العظماء في استعمالها مع الجزم بصدق الأمر وجده إظهاراً للوقار، ووثوقا

بعدم الفوت وانّ الرمز من مثلهم كاف، وعلى هذا جرى وعد الله ووعيده وهو كلام حسن. قوله:(بتأخير عقويتهم) خصه لمناسبته لما قبله ولو أبقى على عمومه الشامل له جاز، وقوله: الأفضال هو الأنعام وظاهره أنّ الفاضلة تكون مصدراً، وقوله وجمعهما بالتثنية وما وقع في نسخة جمعها سهو من الناسخ فلا وجه لما قيل إنها هي الصواب، وهو لف ونشر فجمع فضل فضول، وجمع فاضلة فواضل وهذا كقول الحماسي:

ليس العطاء من الفضول سماحة

ثم شاع عرفا في كثرة الكلام في غير محله، ولذا نسب له فضوليّ كأنصاري كما حققه

في المغرب. قوله: (لا يعرفون حق النعمة فيه) أي في تأخير العذاب، والعقوبة على المعصية وقوله فلا يشكرونه أي الله عليه أو فلا يشكرون تأخير. أو فضله والظاهر الأوّل، وقوله وقوعه أي وقوع العذاب الموعود، وقوله:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ} [سورة النمل، الآية: 74] الخ فليس! التاخير لخفاء حالهم عنه، وقوله من عداوتك متعلق بتكن ويعلنون على التنازع، وقوله: فيجازيهم يعني إنه كناية عن المجازاة كما مر وتقديم الاكتنان ليظهر المراد من استواء الخفيّ والظاهر في علمه، وقيل لأنّ مضمرات الصدور سبب داع لما يظهر على الجوارح وفعل القلب يجازي عليه إذا كان عزما مصمماً أصرّ عليه صاحببما لا خاطراً، وقراءة تكن من الثلاثي بفتح التاء وضم الكاف شاذة لابن محيصن. قوله:(وهما من الصفات الغالبة الخ) يعني أنها صفة غلبت في معنى الشيء الخفي الثابت الخفاء فكثر عدم إجرائها على الموصوف، ودلالتها على الثبوت وان لم تنقل إلى الاسمية كمؤمن وكافر فتاؤها ليست للتأنيث إذ لم يلاحظ لها موصوف يجري عليه كالرواية فهي تاء مبالغة أو هي منقولة إلى الاسمية، والتاء فيها للثقل كالعافبة والفاتحة والفرق بينهما أنّ الأوّل يجوز إجراؤه على موصوف مذكر بخلاف الثاني فمن قال إنّ معناه إنها من الصفات الدالة على الشدّة والغلبة، وانّ الغالبة من وصف الدال بصفة مدلوله لم يصب والرواية الرجل الكثير الرواية، وقوله كالتاء في عافية خبر مبتدأ محذوف تقديره فالتاء فيها

للنقل للاسمية كالتاء الخ. قوله: (بين لخ) يعني أنه من أبان اللازم أو المتعدى والبين صريحه، ونصه ولذا خص الأكثر فلا ينافي قوله:{وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سورة الأنعام، الآية: 59] فتأمّل، وقوله: أو القضاء هو حكمه الأزلي وقيل المراد علمه الأزلي ولا وجه له وقوله على الاستعارة أي تشبيهه بالكتاب الجامع للوقائع كالسجل، ويجوز تفسيره بالقرآن قيل وهو مناسب لما بعده وفيه نظر وقوله:(وعزير وَالْمَسِيحَ) إشارة إلى أنّ المراد ببني إسرائيل ما يمشل النصارى كما في الكشاف وهو حث للمشركين على اتباعه لأنهم كانوا يراجعون أهل الكتاب. قوله: (فإفهم المنتفعون به) توجيه

ص: 56

للتخصيص مع أنه رحمة للعالمين، والمراد بالمؤمنين مؤمنو بني إسرائيل أو الأعمّ وهو الظاهر، وقوله بين بني إسرائيل أو بين المؤمنين أو بين الناس. قوله:(بما يحكم به وهو الحق) فسر الحكم بالمحكوم به أو الحكمة ولم يبقه على المعنى المصدري لأنه يصير كضرب زيد بضربه، وهو لا يقال مثله في كلام عربي كما في الكشاف وأورد عليه أنه يصح أن يقال ذلك على معنى ضرب بضربه المعروف باً لشدة فالمعنى هنا يحكم بحكمه المعروف بملابسة الحق أو يحكم بحكم نفسه لا بحكم غيره كالبشر، وقيل عليه ليس المانع لصحة مثل هذا القول إضافة المصدر فيه إلى ضمير الفاعل فإنه لا كلام في صحته كإضافته إلى ضمير المفعول في سعي لها سعيها إنما المانع دخول الباء على المصدر المؤكد، ثم إنّ المعنى الأوّل يوهم أنّ له حكما غير معروف بملابسة الحق والثاني إنما يظهر لو قدم بحكمه، وليس هذا بشيء لأنه على ما ذكر ليس بمصدر مؤكد وعدم الجواز في المصدر النوعي لا سيما إذا كان من غير لفظه ليس بمسلم، ويؤيده قوله: ويشتم بالأفعال لا بالتكلم

ثم إنه يرد عليه أنّ الظاهر أنّ المانع هو كونه لغوا من الكلام وتأويله بالمحكوم به لا يفيد، ولذا فسره بالعدل والحق فلو أبقى على ظاهره مع ردّه ذلك كفى، وقوله قرئ بحكمه أي جمع حكمة مضاف إلى ضميره تعالى. قوله:(تعليل آخر) بعدما علله بقوله إنك على الحق لأنّ معناه إنّ الله متولى نصرك وحفظك، وأمّا كونه استئنافاً في جواب سائل نشأ مما قبله تقديره ما بالهم غير مؤمنين بمن هو على الحق فيأباه السياق كما لا يخفى وقوله من حيث الخ توجيه للتعليل باعتبار المراد، والمشايعة والمتابعة بمعنى وقد وقع ني نسخة متابعتهم. قوله:(وإنما شبهوا بالموتى الخ) وأمّا كون المراد تشبيه قلوبهم بالموتى في عدم الشعور فيشير إلى بطلان

مشعر القلب بالمرّة، ثم بين بطلان مشعري الأذن والعين كما في قوله:{لَهُمْ قُلُوبٌ لَاّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَاّ يُبْصِرُونَ بِهَا} [سورة الأعراف، الآية: 179] الخ والا فبعد تشبيههم أنفسهم بالموتى لا يظهر لتشبيههم بالعمي والصم. مزيد مزية كما قيل فتخيل بارد لأنّ القلب يوصف بالفقه والفهم لا السمع لكن لو جعل التشبيه لطوائف على مراتبهم في الضلال فمنهم من هو كالميت، ومن هو كالأصم ومن هو كالأعمى لكان وجهاً وجيهاً إلا أنّ ما ذهب إليه المصنف والزمخشريّ هو الظاهر ووجهه أنه على طريق التسليم في النظر لأحوالهم فكأنه قيل كيف يسمعهم الإرشاد إلى طريق الحق، وهم موتى وهذا بالنظر لأوّل الدعوة ولو أحييناهم لم يفد أيضاً لأنهم صم وقد ولوا مدبرين وهذا بالنظر لحالهم بعد التبليغ البليغ، ونفرتهم عنه ثم إنا لو أيسمعناهم ذلك أيضا فهم عمي لا يهتدون إلى العملى بما يسمعون، وهذا خاتمة! أمرهم فقد علمت ما فيه من مزيد المزية الحالية عن التكلف. قوله:(فإنّ أسماعهم) أي الصم في هذه الحال وهي كونهم مدبرين متباعدين عن مواطن السماع، وهو بيان لوجه التقييد بقوله إذا ولوا مدبرين، وقوله حيث الهداية أي الكاملة أو هو باعتبار الأغلب وقوله ما يجدي أي يفيد بيان لأنّ إن نافية وأنّ النفي باعتبار. الانت! فاع والفائدة. قوله:(من هو في علم الله كذلك) فسره بعضهم بالذين يصدّقون أنّ القرآن كلامه تعالى إذ حينئذ تثبت نبوّته فيقبل قوله اويجدي استماعه نفعاً ولم يرض ما فسر به المصنف لأنّ المناسب له من آمن وكون صيغة الاستقبال باعتبار تعلق العلم فيما لاليزال، وإليه أشار المصنف بقوله كذلك مصحح لا مرجح حتى يدفع كونه مناسباً، ولا يرد على تفسير البعض للحصر مبئ يؤمن في الاسئقبأل إن أريد الحال أو عكسه أو استعمال المشترك في معنييه إن أريدا لأنّ المراد الحال، ويدخل غيرء فيه بدلالة النص من غير تكلف ولا يعارضه عبارة النص كما فسره القائل في شرحه للسراجية في جرّ الولاء، وقيل " المراد من علم الله أنه يؤمن فلا يرد ما ذكر وسيأتي تحقيقه في أوّل القصص، وإنما عدل المصنف عما اختاره لمأ فيه من شبه تحصيل الحاصل لأنّ الإيمان بالقرآن هو استماعه النافع، وان كان بينهما مغايرة بعد النظر الصحيح فتامّل. قوله:(مخلصون) فسره به ليفيد ذكره بعد وصفهم بالإيمان وقوله: إذا دنا وقوع إشارة إلى ما! فيه / ئن مجاز المشارفة، وقوله معناه إشارة إلى أنّ القول أطلق مجازا على معناه ومؤدّاه لأنه الواقع ويحتمل تقدير المضاف، والجساسة بجيم مفتوحة وسين مهملة مشددة وألف بعدها أخرى من الجس وهو المس سميت بها لتجسسها الأخبار للدجال

كما هو معروف في حديث: " أشراط

ص: 57

الساعة "، والزغب بمعجمتين صغار الريش والشعر أوّل ما يطلع ويدركها بمعنى يلحقها ومخرجها محل خروجها والحرمة التعظيم. قوله: (وقيل من الكلم) وهو الجرح ولكونه خلاف الظاهر ذكر بعده قراءة " ثكلمهم " بالتخفيف عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه أظهر فيها والتفعيل إذا كان من الكلم للتكثير ولكونه خلاف الظاهر مع احتياجه للتقدير مرضه، وقوله: " فتنكت) بتاء مثناة فوقية أي تمسه حتى يظهر فيه نكتة أي لون مخالف للونه، ومسجد المؤمني بفتح الجيم جبهته، وقوله فيبيض ويسودّ أي يسري إليه لون محل النكت. قوله:(خروجها) تفسير للأيات وقوله وهو حكاية معنى قولها لا لفظه لأن قوله آياتنا لا يناسبه إلا أن يكون بتقدير مضاف أي بآيات ربنا أو إضافة الآيات لها لاختصاصها بمحليتها وعلى هذا فالجملة مفسرة لما تكلمهم به، واذا كان حكايتها لقول الله فالتقدير وتقول قال الله إنّ الناس الخ وفي الكشاف إنّ المعنى يقول الله عند ذلك إنّ الناس الخ، وقوله على حذف الجارّ وهو اللام على أنه علة والباء على أنه تكلمها بصيغة المصدر ومن قصره على الأوّل فقد قصر، وهذان على قراءة الفتح وما قبله على الكسر ويجوز كونه عليهما أيضا. قوله:

(يحبس أوّلهم على آخرهم) حتى يجتمعوا فيكبوا جميعاً في النار، وقد مرّ توضيحه، وقوله الواو للحال أي في قوله ولم تحيطوا وعلى العطف فهو إنكاو لجمعهما فإن من لا يصدّق بالكتاب قد يقرأه فهو كناية عن إهانته، وعدم الالتفات والمبالاة به. قوله:(أم أيّ شيء كنتم تعملونه) في ماذا على ما ذكره النحاة وجهان أن تكون مجموعة اسماً واحداً للاستفهام وأن تكون ما اسم استفهام وذا اسم موصول بمعنى الذي وعليهما يختلف الإعراب والتقدير، وكلام المصنف ظاهر في الأوّل محتمل لغيره وأم تحتمل الاتصال والانقطاع والمراد بأيّ شيء ما هو في حق الآيات أو الأعمّ ولا يلزم دخول الاستفهام على الاستفهام حتى يجاب بأنه ليس على حقيقته الأعلى الأوّل وذلك إشارة إلى التكذيب ولا حاجة إلى جعل بعد بمعنى غير كما قيل، وقوله من الجهل أي ناشئ من الجهل أو هو تعليل. قوله:(فلا يقدرون أن يقولوا فعلنا غير ذلك) من التصديق به، وعدم قدرتهم وان جوّز وقوع الكذب من الكفرة في القيامة كما مرّ لأن الخطاب لتبكيتهم وتفضيحهم واعلامهم بعلم القائل إنه لم يصدر عنهم غير التكذيب كما في الكشاف فلا مجال للكذب حيمئذ فمعنى ماذا كنتم تعملون التوبيخ كأنه قيل إن كان لكم عمل أو حجة فهاتوه وليس هذا وجهاً آخر كما توهم، وقوله باعتذار أو لا يقدرون على النطق أصلاً لدهشتهم. قوله:(ويرشدهم (أي الرؤية بمعنى العلم وهو وما بعده توطئة لتفسير باقي الآية والنور، والظلمة من الليل والنهار وقوله غير متعين بذاته لأنه لو كان له تعين ذاتي لم يحتج للمؤثر، وقوله بقدرة قاهرة يعني ليست لما أشركتموه فيدلّ على التوحيد لأنّ كمال القدرة من لوازم الألوهية، وفيه إشارة إلى برهان التمانع. توله: (وأنّ من قدر على إبدال الظلمة الخ) إشارة إلى الاستدلال على جواز الحشر، ولو ضمّ إليه مشابهة النوم واليقظة للموت والحياة كان له وجه وقوله وانّ من جعل الخ ذكر الدلالة في النهار ليس للتخصيص حتى يرد أنّ سكون الليل من جملة المنافع فله مدخل في الدلالة أيضا بل اكتفاء أو اقتصاراً على ما هو أشبه بالنعت

فإنّ سكون الليل وهو النوم أخو الموت، وقوله سبباً مفعول ثان لجعل أو حال إن كان بمعنى خلق ليوافق ما في النظم ومناط جميع المصالح بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام. قوله:(فإن أصله الخ) جواب عن تركه التقابل حيث كان أحدهما علة، والآخر حالاً بأنه مراعي من حيث المعنى إذ أصله ما ذكر فقد عدل عنه لنكتة ففيه طيّ أي هو مراعي فيه مطابقته لما قبله فإنّ أصله الخ لكنه لا يخلو من حزازة، وقيل إنه من الاكتفاء وهو أن يحذف من كل من القرينين نظير ما أثبت في الآخر وأصله جعلنا الليل مظلما ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ليتحرّكوا ويتصرّفوا فيه، والمناقشة في التعبير ليست من دأب المحصلين، وكون الأصل عدم التقدير لا يضرّ، وقوله حالاً من أحواله إشارة إلى ما فيه من التجوّز في الإسناد فإنّ الأبصار ليس حاله بل حال من فيه ووجه عدم الانفكاك أنه مقارن لخلقه، وجعله والخلق لا ينفك عنه فكذا حاله وفيه إشارة إلى أنّ السكون في الليل ليس كذلك فلذا لم يجعله حالاً. قوله:(لدلالتها على الآمور الثلاثة) هي

ص: 58

التوحيد والحشر وبعثة الرسل، وقوله في الصور بضم الصاد وفتح الواو وجمع صووة بناء على أنّ الصور بسكون الواو بمعناه، والبوق بضم الباء وسكون الواو والقاف معرّب بورى وعلى هذا فهو استعارة تمثيلية شبه هيئة انبعاثهم من الصور إلى المحشر وقد نفخ في الصور بجيش نفخ لهم في المزمار المعروف فساروا إلى ما يريدون، وقوله من الهول أي هول النفخ أو هول المحشر. قوله:(لأنه صعق مرّة) أي في الطور، وقد سمع الخطاب فجازاه الله على تلك الصعقة أنه لا يصعق يوم الفزع، وهذا ورد في الحديث ما يدلّ عليه، وقوله حاضرون الموقف إن كان الموقف منصوبا على الظرفية أي حاضرون لله في الموقف فظاهر، وإن كان مفعولاً له فعلى جعل حضور الموقف حضورا له لاختصاصه به وفي نسخة حاضرين على أنه حال، وقوله بعد النفخة الثانية لتعدّدها، وقد قيل إنها ثلاث، وقوله لتوحيد لفظ الكل

وقيل لأنّ المراد كل واحد وداخرين ودخرين بمعنى مقهورين منقادين، وهو حال من الضمير. قوله: (ولعل المراد ما يعنم ذلك العدم قرينة الخصوص، وقد قال الشيخ في الفتوحات إنّ بعض المتقرّبين تتصل حياتهم بالآخرة فلا يدركهم الصعق وكلام المصنف محتمل له، وترى في وترى الجبال بصرية وتحسبها حال، وقوله لا تكاد الخ واليه يشير النابغة في قوله يصف جيشا:

فأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لجاج والركاب تهملج

قوله: (مصدر مؤكد لنفسه) هو في اصطلاح النحاة ما أكد مضمون جملة هي نص في

معناه نحو له على ألف درهم اعترافا فان احتملت غيره فهو مؤكد لغيره والعامل فيه محذوف،

وجوبا لقيام الجملة المؤكدة مقامه فلو جوّزنا حذف تلك الجملة أيضا كان إجحافاً فلذا لم

يرتض المصنف ما ذهب إليه الزمخشريّ من أنّ المؤكد محذوف، وهو الناصب ليوم ننفخ

والمعنى يوم ينفخ في الصور فكان كيت وكيت أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين، ثم قال

صنع الله يريد به الإثابة والمعاقبة مع أنّ التأكيد المقتضى للاهتمام بالشيء ينافي حذفه، وان كان

المحذوف لدليل كالموجود لكن فيما ذكره المصنف خفاء من جهة المعنى لأنّ الصنع المتقن لا

يناسب تسيير الجبال ظاهرا، ولا ذكر أفعالهم والحسنة بعده وكأنه الحامل للزمخشريّ على

التقدير ألا ترى أنّ قوله خلقه وسوّاه كيف يأباه وادعاء دلالتها على اتقان الصنع محل تأمّل.

قوله تعالى: ( {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ} الآية) قيل أكثر المفسرين على أنّ المراد بها الإخلاص،

والسيئة ضدّها وهي الشرك لقوله: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [سورة النمل، الآية: 90] فليس

خير بمعنى أفضل وردّ بأنّ السيئة لا يتعين أن يراد بها الشرك لأن الظاهر منها العموم وذكر

الكبّ من نسبة ما للبعض للجميع، وقد مرّت له نظائر مع أنه غير مختص بالمشرك بل يعمّ

العاصي وكون خير بمعنى أفضل لا مانع منه لأنّ الأفضلية بمعنى الأضعاف لا سيما ورؤية الله

التي لا شيء أفضل منها مترتبة عليها، وفيه أنّ هذا التخصيص منقول عن رئيس المفسرين ابن

عباس رضي الله عنهما، وقوله في مقابلها فكبت قرينة عليه وما ذكره خلاف الظاهر وشرطه

مفقود هنا. قوله: (إذ ثبت له الشريف) وهو الثوأب الأخرويّ، وقوله: بالخسيس قيل أراد به

الحسنة المالية لأنها أوساخ الناس والا ففي التعميم سوء أدب لا يخفى وأجيب عنه بأنه إشارة

إلى أنّ الخيرية من حيث الفاعل والخسة من حيث إنها فعل العبد والجزاء فعل السيد وشتان ما بين الفعلين فأفعال السيد سيدة الأفعال، ووصف العمل بالخسة باعتبار صدوره عق العبد المقهور لا ينافي شرفه بالنط إلى أنه حسنة أو هو إشارة إلى أنّ الخيرية باعتبار أنه بطريق التفضل فوصف العمل بالخسة باعتبار أنه لا يقاوم النعم الدنيوية فضلا عن إفضائه إلى الثواب الأخرويّ، ولك أن تقول قوله والباقي بالفاني تفسير له وهو ظاهر. قوله:(وسبعمائة واحدة (هذا باعتبار الأكثر، واقتصر عليه لأنه أنسب للخيرية فلا يقال عليه إنّ الأولى ذكر الأقل المتيقن، وهو العشرة ليعمّ كل حسنة مع أنه يحتمل أنه يريد به مجرّد التكثير لشيوع استعماله فيه كالسبعة والسبعين، ثم إنّ هذا إشارة إلى الخيرية كما أنّ قوله والباقي بالفاني إشارة إلى الخبرية كيفا. قوله: (وقيل خير منها الخ) فمن ابتدائية ولم يرتضه لأنه خلاف الظاهر لا لأنه

ص: 59

يلزمه استعمال أفعل بدون الأمور الثلاثة لأن على هذا ليس باسم تفضيل بل صفة مشبهة كخير المشدد فإنه ورد كذلك كما بين في كتب اللغة.

قوله: (وبالآوّل) أي في قوله: {فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} [سورة النمل،

الآية: 87] فلا مخالفة بينهما، وأمّا أدراجه في الاستثناء فغير مراد كما أشار إليه المصنف رحمه الله، والعظائم جمع عظيمة وعموم الأوّل لأنه مقتضى الجبلة البشرية، وقوله: بالتنوين أي في فزع فيومئذ ظرف له أو صفة له واليه أشار بقوله لأنّ المراد الخ أو ظرف لآمنون، وقوله: فزع واحد لأنّ التنكير للوحدة، ويجوز كونه للتقليل أو للتعظيم فإنّ كل فزع في القيامة عطيم، وقوله وأمن بصيغة الماضي أو اسم الفاعل والجار من فتقديمه للفاصلة، وقوله: وقرأ الكوفيون لا حاجة لذكرهم مع تقدم قراءتهم بالتنوين ومعه يتعين الفتح ونافع يبنيها على الفتح لإضافتها إلى إذ. قوله: (قيل بالشرك) قيل مرّضه لأنّ الظاهر العموم ولا دلالة في قوله فكبت لأنه م! نسبة ما للبعض للجمع، وردّ بأنه ممنوع إذ الظاهر حمل المطلق على الكامل، وهو الشرك ولر أريد العموم كان الظاهر التنكير وفي قوله فكبت دلالة ظاهرة تعارضه فتأمّل. قوله:) فكبوا فيها الخ) بيان لحاصل المعنى أو هو إشارة إلى أن إسناد الكب إلى الوجوه مجازيّ لأنه يقال كبه

وأكبه إذا نكسه، وان كان المشهور تعدى كبه ولزوم أكبّ حتى قيل إنه مطاوعه صزج به في القاموس، ولسان العرب وحكاه ابن الأعرابي فمن اعترض عليه بأنه لا يقال أكبه متعدّيا لم يصب، وسيأتي الكلام فيه في سورة الملك مفصلاً واطلاق اليد على الشخص مجازا فيه كلام سيأتي. قوله:(أو بإضمار القول) ولا التفات فيه، وان كان عبارة عن من لأنه في كلام آخر كما حقق في المعاني، وقوله أمر الرسول إشارة إلى أنه استثناف بتقدير قل قبله وقوله قد أتمّ الدعوة أي لهؤلاء الكفرة وإلا فهو مأمور بها إلى آخر عمره، وقوله وتخصيص مكة مع أنه رب جميع البلاد والمخلوقات، ولذا قال: بعده وله كل شيء وقراءة التي حرّمها شاذة ولا ينافي هذا ما في الحديث من أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام حرّم مكة وأناحرّمت المدينة لأنه بأمر ربه فهو المحرّم في الحقيقة وابراهيم عليه الصلاة والسلام مظهر لحكمه، والتعظيم من الإضافة والإشارة أيضا. قوله:(وأن أواظب على تلاوته) هو من المضارع الدال على الاستمرار فاتلو من التلاوة بمعنى القراءة، وقوله شيئاً فشيئا أي تدريجاً حال من حقائقه أو من تلاوته فيكون بمعنى مرتلاً والأوّل أولى، وقوله أو أتباعه فاتلو من تلاه إذا تبعه فيكون كقوله:{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى} [سورة الأنعام، الآية: 50] واتل أمر في القراءة الثانية معطوف على معنى أن أكون، وقراءة أن اتل بدون واو في النظم وان مفسرة بتقدير أمرت قبلها أو مصدرية. قوله:(باتباعه اياي في ذلك) قيل هذا وقوله بمخالفتي يقتضي أنه من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم فيقتضي تقدير قل قبله، والتصريح بها بعده يقتضي أنه من كلام الله تعالى عقب أمره بأن يقول لهم ما قبله فالظاهر إياك ومخالفتك ولا بعد في كونه مقول القول المقدر قبل قوله أمرت كما مرّ، ولو جعل ضمير إياي ومخالفتي لله أيضا لم يبعد فتأمّل. قوله:(فلا على من وبال ضلاله) إشارة إلى أنّ ما ذكر قائم مقام جواب من بقرينة مقابله، ولو جعل هذا هو الجواب على أنه كناية عما ذكر تعريضية من

غير تقدير، أو على أنه جواب بتقدير قل له لم يبعد وكلام المصنف لا يأباه. قوله:(كوقعة بدر) قيل قوله: فتعرفونها يأباه لأنهم لا يعترفون بذلك وليس بشيء لأنّ منهم المعترف بالفعل كالمقتولين وبالقوّة كغيرهم وقوله فتعرفون أنها آيات الله الضمير راجع للآيات من حيث هي آيات، أو المراد فتعرفون وقوعها، وقوله: وما ربك ليس مقول القول واذا كان المراد دابة الأرض فالخطاب لجنس الناس لا لمن في عهد النبوّة.

تنبيه: كون البلدة المذكورة مكة عليه أكثر المفسرين، وفي تاريخ مكة إنها من قال: حدّثنا يحيى بن أبي ميسرة عن خلاد بن يحيى عن سفيان أنه قال البلدة مني والعرب تسميها بلدة إلى الآن. قوله: (عن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) هو موضوع، وقوله بعدد أي له بعدد كل واحد منهم عشر حسنات وقوله: وهو دقيل إنه معطوف على من صدّق على المعنى إذ التقدير بعدد قوم سليمان، وقوم هود فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقيل عليه لا حاجة إيى اعتبار المعنى فإنّ العطف بدونه صحيح، ولو عطف على سليمان احتيج لما ذكر

ص: 60