الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علم الرسل فالمراد بفرحهم غرورهم بما عندهم حتى لزم منه استحقار ما عند غيرهم، ولولا ملاحظة هذا المعنى لم يكن بين الشرط والجزاء ارتباط معنوي تام كما لا يخفى. قوله:) والمراد بالعلم عقائدهم الخ) أعمّ من أحوال الآخرة الواقع في هذه الآية إذ لا وجه للشخصيص كما في الكشاف، والآية المذكورة مفسرة في محلها وقوله: وهو أي ذلك العلم مفهوم قولهم أو معلومة بتقدير مضاف فيه أو القول النفسي، وقوله: وسماها أي سمي الأمر المذكورة علما في النظم هنا وفي تلك الآية ولا وجه لتخصيصه بإحدإهما. قوله: (أو من علم الطبائع الخ (يعني هو إشارة إلى من له فلسفة واعتقاد في التنجيم، ونحو. فإنّ منهم من اغترّ بما عنده وترك متابعة الرسل عليهم الصلاة والسلام كما يحكى عن بعض حكماء اليونان، وكان الظاهر ترك من لأنه معطوف على قوله عقائدهم لكنه معطوف على معنى ما قبله والتقدير فرحوا بما عندهم من علم الطبائع لاكتفائهم بها واستنكافهم عن متابعة الرسل. قوله: (أو علم الآنبياء (أي المراد بالعلم في قوله من العلم علم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فضمير عندهم للرسل والفرح بمعنى الاستهزاء كما صرّح به فيما بعده، وقوله: وقيل الفرح أيضا للرسل والعلم أيضا علمهم كما في الوجه الذي قبله، وقوله: وحاق الخ ففيه مضاف مقدر وهو جار على الوجهين وفيهما تفكيك للضمائر، وقوله: بما كنا به مشركين أي إشراكا بسبب عبادته وهي الأصنام. قوله: (فلم يك
ينفعهم إيمانهم) قال المعرب: يجوز رفع إيمانهم اسما لكان وينفعهم جملة خبر مقدم، ويجوز أن يرتفع بأنه فاعل ينفعهم وفي كان ضمير شأن وليس من التنازع في شيء) وفيه بحث الأن الخبر إذا ألبس تقديمه الفاعل بالمبتدأ لم يجر تقدمه فتأمّل فيه. قوله: الامتناع فبوله حينئذ (أي إنه تعالى بمقتضى حكمته قضى أنّ إيمان اليأس لا يقبل، وقد تقدم فيه كلام فامتناع قبوله امتناع عاديّ كما يشير إليه قوله سنة الله لكنه قيل عليه إنه لا يناسبه تفسيره بل بيصح ويستقيم. قوله: (والفاء الأولى لأنّ قوله الخ) بيان للفا آت الأربعة وهي فما أغنى عنهم فلما جاءتهم فلما راً وا فلم يك فالأولى بيان عاقبة كثرتهم، وشدّة قوّتهم وما يكسبون بذلك زعماً منهم أنّ ذلك يغني عنهم فلم يترتب عليه إلا عدم الإغناء، وبهذا الاعتبار جعله الزمخشري نتيجة والمصنف كالنتيجة لأنه عكس! الغرض، ونقيض المطلوب لكن لترتبه عليه نزل منزلتها والثانية تفسير وتفصيل لما أبهم وأجمل من عدم الإغناء ومثله كثير لأن التفسير بعد الإبهام كالتفصيل بعد الإجمال، والثالثة لمجرّد التعقيب وجعل ما بعدها واقعاً عقبه لأنّ محصل قوله: فلما جاءتهم الخ إنهم كفروا فكأنه قيل: إنهم كفروا، ثم لما رأوا بأسنا آمنوا والرابعة عطف على قوله: آمنوا دلالة على أنّ ما بعدها تابع لما قبلها من الإيمان عند رؤية العذاب كأنه قيل وآمنوا فلم ينفعهم إيمانهم أو النافع إيمان الاختيار، ولذا جعلها المصنف في الأخيرتين سببية. قوله:) سن الله ذلك) أي عدم نفع إيمان اليأس، وقوله: من المصادر المؤكدة كوعد الله وصبغة الله وقيل مفعول به بتقدير احذروا، وقوله: وقت رؤيتهم الخ تفسير لهنالك اسم إشارة للمكان استعير للإشارة إلى الزمان وقوله: من قرأ الخ حديث موضوع وصلى عليه بمعنى دعا له، تصت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف مخلوقاته وعلى آله وصحبه أجمعين.
سورة
السجدة
تسمى سورة فصلت وسورة حم السجدة.
بسم الله الرحمن الرحبم
قوله: (مكية) بلا خلاف وعدد آياتها كما قال الداني خمسون وآيتان بصرى وشامي وثلاث مكي ومدني وأربع كوفي واختلافها اثنان حم عدها الكوفي، ولم يعدها الباقون عاد وثمود لم يعدها البصري، والشامي وعدها الباقون اهـ. قوله: (إن جعلته مبتد " على أنه اسم السورة أو القرآن والخبر تنزيل على المبالغة أو التأويل المشهور، وقوله خبر محذوف أي القرآن أو السورة أو هذا. قوله: (ولعل افتتاح هذه السور السبع الخ (بيان للنكتة في تصدير جميعها بحم دون أن تجعل فواتحها مختلفة، أو لصدرية بعض منها دون بعض
سواء كانت حم اسم السورة أو القرآن أو حروفا مقطعة لاتحاد ما صدرت به من ذكر الكتاب، ولاتحاد الغرض منها فما قيل إنّ هذا آخذ مما قل إنها اسم للقرآن فافتتاحها بما هو اسم من أسماء القرآن في الأصل لكونها مصدرة ببيان الكتاب والقرآن والتسمية بحم لتشاكلها في النظم، والمعنى لا وجه له إذ هو تخصيص من غير داع وليس في كلام المصنف ما يدل عليه فالوجه ما ذ! ناه. قولى:(وإضافة التنزيل الخ) يعني تخصيص هذين الاسمين مع ذكر الكتاب المراد به القرآن المنتظم به أحوال الدارين، ولا نعمة أعظم من ذلك فلذا صدر بلسمين دالين على أنه المتفضل فيهما كما مرّ تحقيقه دلالة على ذلك، والإضافة لغوية لا نحوية. قوله: (ميزت باعتبار اللفظ (بفواصل الآيات ومقاطعها، ومبادئ السور وخواتمها والمعنى بكونها وعداً ووعيداً وقصصا وأحكاما وخبرا وانثاء، وقد جعل المصنف في سورة هود كلاً من اللفظ والمعنى تفسيرا مستقلا، وأشار هنا إلى جواز الجمع بينهما إذ لا مانع منه، وقد ذكر ثمة وجوه أخر. قوله: (وقرئ فصلت (اًي بالفتح والتخفيف على بناء المعلوم أو بالضم على المجهول لأنه قرئ بكل منهما في الشواذ إذ فعلى الأوّل قوله أي فصل إمّا متعد فاعله مستتر وبعضها مفعوله أو لازم هو فاعله، وعلى
الثاني بعضها قائم مقام الفاعل، وقوله: أو فصلت معلوم على الأوّل مجهول على الثاني فمن اقتصر على بعض هذه الاحتمالات فقد قصر وفصل يكون لازماً بمعنى انفصل كقوله: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} [سورة يوسف، الآية: 94] ومتعدياً وإلى كل منهما أشار المصنف. قوله:) نصب على المدح) بتقدير أعني أو أمدح ونحوه أو الحال من فاعل فصلت ففيه مضاف مقدر اعتمادا على ظهوره وقد جوّز في هذه الحال أن تكون موطئة ومؤكدة لنفسها، وقوله: بسهولة قراءته وفهمه لفصاحته، ونزوله بلسان من نزل بين أظهرهم وقوله: يعلمون العربية إشارة إلى مفعوله المقدّر، وقوله: أو لأهل العلم إشارة إلى تنزيله منزلة اللازم ولام لقوم تعليلية أو اختصاصية وخصهم بذلك لأنهم هم المنتفعون به، وقوله: والأوّل أولى وما أورد على الثاني من لزوم عمل المصدر الموصوف وقد منع ممنوع لجواز كون قوله من الرحمن صلة له أو القول بجواز عمله في الظرف للتوسع فيه والقراءة بالتخفيف شاذة نقلها الثقات فلا يرد عليه ما قيل إنها لم توجد فيما شاع من كتب القرا آت، ونقله في الكشف عن موضح الأهوازي. قوله:(للعاملين به الخ) فيه لف ونشر، وقوله: قرئ بالرفع عزاه الطيبي لنافع، وقيل: إنه رواية شاذة عنه، وقوله: فأعرض أكثرهم الضمير للقوم على التفسير الأوّل وللكفار المذكورين حكماً على الثاني إلا أن يراد به من شأنهم العلم والنظر، وقوله: سماع تأمّل الخ فهو! صماع مخصوص، أو هو مجاز عن القبول كما في سمع الله لمن حمده. قوله:(أغطية جمع كناق (كغطاء لفظاً ومعنى، وليس هو ما يجعل فيه السهام كما قيل وجعلها هنا في أكنة وفي غير هذه الآية قيل على قلوبهم أكنة فذهب الزمخشري إلى أنهما بمعنى لأنّ ما كان ظرفا لشيء فهو عليه وأما التعبير بقي هنا وبعلى ثمة فلأن السياق اقتضاه فإنه لما كان منسوبا إليه تعالى في الإسراء والكهف كان معنى الاستعلاء، والقهر أن! سب ولما حكى عنهم هنا كان الاحتواء أقرب وليس المراد أنه أبلغ في عدم القبول لاحتواء الأكنة عليه احتواء الظرف على المظروف حتى لا يمكن أن يصل إليه شيء كما قيل لأن قوله على قلوبهم أكنة يفيد ما ذكر من الاحتواء من كل جانب أيضا بالنظر إلى لفظ الكن لأن الكن لا بد أن يكون ساتراً للمكتن فيه من كل جانب أيضا كما أشار إليه الفاضل اليمني فالمبالغة في كل منهما إنما المراد توجيه اختيار أحد الطريقين فتأمّل. قوله:) يمنعنا عن التواصل) أي عن الوصول إليك واتباعك، وقوله: ومن للدلالة على أنّ الحجاب مبتدأ منهم
الخ هذا ما في الكشاف من الفرق بين هذا الحجاب بيننا ومن بيننا وأنّ من ليست زائدة بل تدل على أنّ الحجاب عريض مستوعب للمسافة المتوسطة بينهما فتكون من أبلغ في مغ الوصول، وقد اعترض عليه بأنه لا دلالة له على ما ذكر ولا فرق بين وجود من وعدمها وأجيب بأنّ معنى البين الوسط سواء كان حاقا أولاً وإذا كان مبدأ الحجاب من البين ولا أولوية لبعض الأجزاء كان من الطرف الذي يلي مخاطبك فيحصل الاستيفاء منه بمجرّد ذلك فكيف إذا اعتبر ابتداء من طرف مخاطبك، وانتهاء إلى طرفك ولا كذلك عند ترك من فإنه يدل على حجاب ما بلا ابتداء، ولا انتهاء وقد قيل الابتداء من حاقة الوسط يفيد الاستيعاب أيضا للزوم كون الانتهاء لجميع الأطراف لعدم الأولوية لكن هذا
ليس ما قرّر في الكتاب ولا يتوقف هذا على تقدير من قبل بين الثاني بل ولا إعادة بين كما حققه الشارح المحقق رداً على غيره من الشراح، وإنما ذهبوا إلى ما ذكر صوناً لكلام الله على زيادة من غير فائدة لكن فيه بحث لا يخفى. قوله:
(وهذه تمثيلات) أي ما في مقول قولهم من الأكنة وما بعده استعارات تمثيلية، ثم بين ما استعير له على الترتيب بقوله لنبوّ الخ المراد بالنبوّ عدم القبول، أو البعد عنه وهذا أقرب وهو إما من نبوّ السيف لكلاله أو من النبوة وهي الارتفاع، والتباعد واعتقادهم معطوف على قلوبهم فقولهم قلوبنا في أكنة استعير لبعيدة عن فهم ما تدعونا إليه ووجه الشبه ظاهر، وقوله: ومج أسماعهم له هو ما استعير له في آذاننا وقر، والمج رمى المانع من الفم ونحوه والمراد به عدم القبول لما سمعوه حتى كأنهم صم، وقوله: وامتناع الخ هو ما استعير له ومن بيننا وبينك حجاب والمراد تباعد ما بين الدينين، وما هم عليه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم وما هو عليه والمراد بهذا إقناطه عن اتباعهم حتى لا يدعوهم إلى الطريق المستقيم. قوله:(على دينك أو في إبطال أمرنا (على التفسير الأوّل هو متاركة وتقنيط عن إتباعه، والمقصود هو الثاني والأوّل توطئة له والمعنى إنا لا نترك ديننا بل تثبت عليه كما تثبت على دينك، وعلى الثاني هو مبارزة بالخلاف والجدال. قوله: (لست ملكاً ولا جنياً (إشارة إلى ما يفيده الحصر الأوّل، وقوله: لا يمكنكم التلقي منه إشارة إلى أنه جواب عن قولهم قلوبنا في أكنة الخ ورد له، وقوله: ل! ست الخ رد لقم لهم: بيننا وبينك حجاب فإنه ليس ملكا ولا من الجن حتى لا يصلوا إليه، وقوله: تنبوا عنه العقول والأسماع جواب عن قولهم قلوبنا الخ، وفي آذاننا ولم يرتض ما في الكشاف من أنه استدلال على صحة نبوّته ووجوب اتباعهم لدعوته. قوله:) وإنما أدعوكم الخ (هو تفسير اصلحصر الثاني، وأدعوكم تفسير لقوله يوحي إليئ فإنه إنما يوحي إليه لدعوة الخلق والحصر في التوحيد
والاستقامة في العمل من قوله: فاستقيموا إليه، وقوله: قد يدل عليهما الخ المضارع للاستمرار وقد للتحقيق كما في قوله: قد يعلم ما أنتم عليه يعني دعوته منحصرة فيما ذكر وهو أمر محقق عقلاً ونقلاً فليس يسوغ مخالفته. قوله: (فاستقيموا في أفعالكم) إشارة إلى أن الاستقامة، وهي عدم الاعوجاج مستعارة للإخلاص في الأفعال وعدى بإلى لتضمينه معنى متوجهين إليه أو الاستقامة بمعنى الاستواء وهو يتعدى بإلى كما في قوله:{اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: 29] ومعناه القصد وعلى كل من التفسيرين يجوز أن يكون من الموحى إليه وأن يكون من المقول، وكذا ما بعده كما قيل، وقيل إنه على الأوّل من الموحى إليه وعلى الثاني من المقول وعليه اقتصر الزمخشري ويؤيده قوله برو:" قل لا إله إلا الله ثم استقم " ولا يخفى أنّ قول المصنف قبل إنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة يعين كونه من الموحي، والموحي من القول فلا فرق بينهما فتأمّل. قوله:(مما أنتم عليه الخ (يعني المراد بالاستغفار هنا الرجوع عن الكفر والمعاصي، إذ الاستغفار بمعناه المتبادر لا يفيد المشركين، وقوله: من فرط الخ ولو قال من شركهم كان أظهر وهو مراده. قوله: (لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق الأنهم لو كان لهم شفقة أعطوا الفقراء من مال الله، وهذا لا ينافي كون السورة مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة لأنّ المفروض بالمدينة تقدير ما يخرج، وقد كان الإعطاء مفروضاً بمكة من غير تعيين كما في قوله تعالى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [سورة الأنعام، الآية: 141] وقد مرّ تفصيله في سورة الروم، وقوله: وذلك يعني البخل وعدم الإشفاق وأفرده لتأويله بما ذكر. قوله:) وفيه دليل على انّ الكفار الخ) كما ذهب إليه الثافعية كبعض الحنفية كما فصل في الأصول والذاهبون إلى خلافه يقولون هم مكلفون باعتقاد حقيتها فمعنى الآية لا يؤتون الزكاة بعد الإيمان وأما حمله على أنهم لا يقرّون بفرضيتها كما قيل: فبعيد وقد قيل كلمة ويل تدل على الذم لا التكليف وهو مذموم عقلاً، وقوله: وقيل الخ فالزكاة بالمعنى اللغوي فلا دليل فيها لما ذكر ومرضه لأن قوله: يؤتون يأباه ولأنه لا حاجة إليه وأما كون الإتيان ورد في نحو قوله: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَاّ وَهُمْ كُسَالَى} [سورة التوبة، الآية: 54] فلا يفسر به كما قيل للفرق بين الإتيان والإيتاء فتأمّل. قوله:) حال مشعرة الخ) يعني أنه للإشعار بما ذكر جعلت هذه الجملة حالاً لم تعطف
على ما قبلها، وهم الأوّل مبتدأ والثاني ضمير فصل لا مبتدأ ثان وتقديم بالآخرة للاهتمام ورعاية الفاصلة. قوله:(من المت) بمعنى تعداد النعم، وأصل معناه الثقل فأطلق على
ذلك لثقله على الممنون عليه وما فيل إنه بمعنى الأنعام لا غير كما في القاموس غفلة عن قوله تعالى: {لَا تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} [سورة البقرة، الآية: 264] وإنما تركه لشهرته. قوله:) وقيل نزلت في المرضى (جمع مريض، والهرمي جمع هرم وهو الشيخ الفاني فالمعنى غير منقوص، ولا ممنوع أجر من كان يعمل في حال شبابه وقوّته وصحته أعمالاً ثم عجز وكبر فلا ينقص أجره الذي كان يكتب له في شبابه وقوّته كما قاله السمرقندي. قوله:) كأصح ما كانوا يعملون) أي كما كتب لهم الأجر في أصح أوقات كونهم عاملين على طريقة أخطب ما يكون الأمر تجوّزاً في النسبة على ما حققه النحاة في المثال المذكور، والمعنى أن ما يكتب لهم في الأجر في المرض والكبر مثل الذي كان لهم وهو أصح مما سواهم أو أصح منهم الآن. قوله:(في مقدار يومين أو نوبتين) فهو على تقدير مضاف أو تجوّز، وإنما أوّله بما ذكر لأنه لا يتصوّر اليوم قبل خلق السماء والكواكب فإنه عبارة عن زمان كون الشمس فوق الأفق فالمراد مقدار زمنهما أو في نوبتين أي دفعتين، ومرّتين ففي نوبة خلق أصلها ومادتها وفي أخرى صورها وطبقاتها كما أشار إليه المصنف، وقوله: في أسرع ما يكون إشارة إلى أن المراد بذلك بيان سرعة إيجاده وأنه لم يرد أنه أكثر من يوم فاليوم هنا الوقت مطلقا على الوجهين لا على الثاني كما قيل. قوله: (ولعل المراد من الأرض ما في جهة السفل (تجوّزاً باستعماله في لازم معناه وأصلها مادّتها، ولا حاجة إلى بيان أنه الهيولي أو الأجزاء التي لا تجر مما لا يعرف في لسان الشرع كما قيل، والمراد بالأنواع الجبال والبراري والرياض والغياض ونحوها فليس المراد إنه خلق بعضها في يوم وبعضها في آخر، وحينئذ يشمل العناصر كلها ويكون في قوله فوقها استخدام لأنّ الجبال فوق الأرض المعروفة والمراد بالأجزاء البسيطة العناصر، وقوله: بها صارت أي بسبب هذه الصور المختلفة تنوعت إلى أنواع مختلفة، والمصنف رحمه الله لم يدع تلازما حتى يقال إنه ليس بلازم، ولذا عبر بلعل فيجوز أن تكون ظرفية ذلك للخلق بمعنى آخر. قوله: (إلحادهم في ذاته وصفاته (أي مجادلتهم بالباطل أو خروجهم عن الحق اللازم دته على عباده من توحيده واعتقاد ما يليق بذاته وصفاته فينزه عن صفات الأجسام وتثبت له القدرة
التامّة والنعوت اللائقة به سبحانه وتعالى ويعترف بالبعث وأحوال المعاد وإرسال الرسل وأنهم لم يخلقوا عبثا. قوله: (ولا يصح أن يكون له مدّ (يعني أنه ذكر بصيغة الجمع لأنه أبلغ في ذمّهم لأنه كيف يكون له أندادا ولا ند واحد له، وقوله: الذي خلق الأرض في يومين إشارة إلى اتصال هذا بما قبله بتوسط اسم الإشارة لأنه مستحق لكونه ربا للعالمين لأجل خلقه ما ذكر في أسرع مدة مما يدل على قدرته الباهرة التامّة الدالة على ربوبيته تعالى، ومعنى مربيها أنه يعطيها ما به قوامها ونماؤها. قوله: (استئناف الخ) إشارة إلى ما ذكر في شروج الكشاف على ما لخصه الشارح المحقق حيث قال: إنه يتبادر عطف هذه الجملة على خلق الأرض، وقد فصل بينهما بجملة وتجعلون الخ المعطوفة على تكفرون وجملة ذلك الخ المبتدأة وحقها التأخير عن تمام الصلة، وأجيب بأنّ الأولى متحدة بقوله: تكفرون بمنزلة إعادتها والثانية معترضة مؤكدة لمضمون الكلام فالفصل بهما كلا فصل، وفيه بلاغة من جهة المعنى لدلالته على أنّ المعطوف عليه أي خلق الأرض كاف في كونه رب العالمين وأن لا يجعل له ند فكيف إذا انضمت إليه هذه المعطوفات من قوله: وجعل فيها الخ ولا يخفى أنّ الاتحاد الذي ادّعوه لا يخرجه عن كونه فاصلا مشوّشا للذهن مورثا للتعقيد، وان كان الزمخشري ذكر ما يقرب منه في سورة براءة فالحق والأقرب أي تجعل الواو اعتراضية وكل من الجملتين معترضا ليندفع بالاعتراض الاعتراض، أو يجعل ابتداء كلام بناء على أنه قد يصدر بالواو وأو يقال هو معطوف على مقدر كأبدعها وجعل فيها رواسي الخ وذكر للدلالة على تمام النعمة، وكمال القدرة مبالغة في الرد على المشركين بعد تمام المطلوب بخلق الأرض في يومين. قوله: (مرتفعة عليها الخ (بيان لفائدة قوله: من فوقها مع أنه غير محتاج له، ولذا لم يذكر في غيرها بأن جعلها فوقها لا تحتها كالأساطين ولا مغروزة فيها كالمسامير، ولا منبطحة بجهد عليها لتكون رأى العين فيستبصر من شاهد خلقها، ويستدل بكونها ثقلا على ثقل على الصانع لافتقارها لممسك لها وليتمكن مما فيها من المنافع وقوله: معرضة بوزن اسم المفعول من الأفعال من أعرضه لك إذا أظهر.، ومكنك من أخذه أو من التفعيل
وهو قريب منه معنى، وقد اقتصر شراح الكشاف على
الأول. قوله: (أقوات أهلها (ففيه مضاف مقدر وإنما قدره لأنّ الإضافة للاختصاص لامية ولا معنى لاختصاص القوت بالأرض إلا أنه نشأ منها وهو الوجه الثاني، أو أنه مأكول لمن فيها وهو يحتاج إلى التقدير المذكور، وقيل الإضافة على الثاني مجازية لأدنى ملابسة، وكونها فيها وان جاز جعله وجها للإضافة لكنه لا طائل تحته، وقوله: بأن عين متعلق بقدر وهو تفسير له فالمراد بتقديره لهم تعيين كل لكل، وقوله: بأن خص حدوث الخ لا يخفى ما فيه فإنّ كل نوع لا يختص بقطر بل أكثرها مما به ينتظم أصل المعاس مشترك كالحنطة، وان كان لبعض البلدان خواص ليكون الناس محتاجين بعضهم لبعض، وهو مقتض لعمارة الأرض وانتظام أمور العالم وقراءة قسم مؤيدة للوجه الثاني ولذا أخرها. قوله: (في تتمة أربعة أيام) وهي يومان بعد اليومين السابق ذكرهما ففيه مضاف مقدر، والداعي لذلك إنه لو لم يقدر كذلك أو يجعل خبر مبتدأ محذوف تقديره كل ذلك في أربعة أيام لم يصح إذ خلق السموات والأرض في ستة كما صرح به في القرآن، والحديث منها ما ذكر هنا واثنان لخلق السماء واختار هذا لأنّ حذف المضاف أسهل من حذف المبتدأ، ولأنه يلزمه توالي حذف مبتدأين لتقدير مثله فيما بعده. قوله:(وإلى الكوفة في خمسة عشر) أي في خمسة يكون بها جملة السفر من البصرة خمسة عشر فهو بتقدير مضاف كما في النظم، وقوله: للإشعار الخ بيان للمرجح للعدول عن يومين إلى ما ذكر لدلالة ما هنا على أنّ اليومين اللذين خلق فيهما الأقوات متصلان بالأوجلين لتبادره من جعلهما جملة واحدة، واتصالهما في الذكر وليكون ما ذكر بياناً لجملة الأيام التي خلق فيها الأرض وعدى والتصريح بعلى لأنه بمعنى التنصيص. قوله:(على الفذلكة الخ) الفذلكة بمعنى جملة الحساب، وهو لفظ منحوت من قولهم بعد العدد لشيء فذلك يكون كذا فاشتقوا منه فعللة مصدر، وقالوا في جمع فذلكة فذالك لكنه قيل عليه إنّ الفذلكة يذكر فيها تفاصيل إعداد ثم يؤتى لها بجملة فيقال مثلاً هنا يومان وبومان فهي أربعة، وما هنا ليس كذلك فكيف يكون فذلكة وهو لم يذكر فيه أحد المقدارين فإمّا أن يقال إنه للعلم به نزل منزلة المذكور أو يقال المراد إنه جار مجرى الفذلكة كما أشار إليه المدقق في الكشف، وما قيل إنّ الفذلكة بمعنى الإنهاء كما في القاموس فذلك حسايه إذا أنهاه وفرغ منه وبالأربعة ينتهي مقدار مدّة خلص الأرض، وما فيها مع كونه ليس مراد المصنف رحمه الله قطعا لا يعتمد على ما ذكره في
القاموس لمخالفته للاستعمال وكلام الثقات كما لا يخفى على من له إلمام بالعربية والآداب مع أنّ مراده ما ذكرناه لكن في تعبيره نوع قصور هو الذي غرّ هذا القائل. قوله:) 1 ستوت سواء (يعني إنه منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر أي استوت استواء، والجملة صفة للمضاف أو المضاف إليه ويؤيده قراءة الجر فإنها صريحة في الوصفية، ومعنى استوائها أنها لا زيادة فيها ولا نقصان. قوله: (وقيل حال الخ) مرضه لقلة الحال من المضاف إليه في غير الصور الثلاث ولأنّ الحال وصف معنى، وما ذكر صفة الأيام لا الأرض ويلزمه تخالف القراءتين في الممعنى. قوله:) هذا الحصر (أي في أربعة كائن للسائلين وهو مستقرّ لا خبر لغو كما توهمه العبارة، وقوله: عن مدة الخ متعلق بالسائلين، وبيان للمسؤول عنه وأن النسؤال على ظاهره وقوله: أو بقدر فهو لغو أو مستقر على أنه حال من أقواتها، وقوله: للطالبين تفسير للسائلين على هذا الوجه، وقد جوّز تعلقه بسواء أيضا. قوله: (قصد) أي توجه وأراد لأن الاستواء المعدى بعلى معناه الاستيلاء والمعدى بإلى معناه القصد، وهو المنالسب هنا لأنه لأسماء موجودة لكن الإرادة العلية تعلقت بإيجادها وقوله: لا يلوي على غيره أي لا يلتفت إليه لتمحضه له. قوله: (والظاهر أنّ ثم الخ) هذا بناء على انّ خلق السماء مقدم على خلق الأرض لظاهر الآية المذكورة فلزم إنه للتفاوت الرتبي لا للتراخي الزماني، وقد مز تفصيله في البقرة وإنّ جمهور المفسرين غير مقاتل على خلافه، وقوله: ودحوها متقدم على خلق الجبال لأن نظم الآية هكذا: {أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [سورة النازعات، الآيات: 28- 29- 30] أي بسطها ومهدها للسكنى أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها فقد علم من هذه الآية صريحا للتعدية المذكورة أن دحو الأرض مؤخر عن خلق السماء بمرتبتين فلا يتأتى كون، ثم هنا للتراخي الزماني للزوم
تأخر خلق السماء عن خلق الجبال، وهو مناقض للأوّل، وءانما قال الظاهر لأن قوله: ثم استوى إلى السماء ليس نصاً في خلقها بل صريحه قصده وإرادته بأمرها أن تأتي طائعة منقادة لأمره، وأما كون بعد متعلقة بمقدر كتذكر أمر الأرض بعد ذلك أو البعدية رتيبة فخلاف الظاهر عنده، وهو مشترك الإلزام لأن ثم كذلك إلا أن يقال: لفظ بعد أبعد من التأويل، وليس هذا مخالفاً لما مز في النحل في تفسير قوله تعالى:{وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [سورة النحل، الآية: 15] الخ كما
قيل لأنّ المراد خلقها كهيئة فهو صغير كما ورد في الحديث فيكون خلق الجبال بعده ولو سلم فهو مبني على قول آخر ومثله كثير.
قوله: (أمر ظلماني) نسبة إلى الظلمة على خلاف القياس كما قيل نورانيّ، وإنما أوّله بما
ذكر لأنّ الدخان الكائن من النار التي هي إحدى العناصر لم يكن موجوداً إذ ذاك أو هو غير مراد كما لا يخفى. قوله: (ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء) المراد بالمادّة معناها المشهور، وهي ما تركبت منه بقطع النظر عن كونها جواهر فردة أو هيولى، وقيل: المراد بهذا الهيولى وبالأجزاء المصغرة الأجزاء التي لا تتجزأ على ما بين في الحكمة وفي نسخة المتصغرة وما وقع في بعضها المتصعدة بالدال من تحريف الكتاب. قوله:) بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر (وفي نسخة لما باللام وهما بمعنى لأنّ الباء سببية فهي قريبة من معنى اللام التعليلية ويجوز كونها للملابسة، أو التعدية ولا وجه لما قيل إنه على الأخير يلزم حذف ما هو كبعض حروف الكلمة لأنه إنما يصح لو لم يجر حذف صلة ما والضمير للأرضى والسماء والمعنى ليس على إتيان فاتهما، وايجادهما بل إتيان ما فيهما مما ذكر بمعنى إظهاره والأمر للتسخير لكنه قيل إنه على هذا الوجه يكون المترتب في قوله: فقضاهن الخ جعلها سبعا أو مضمون مجموع الجمل المذكورة بعد الفاء، دىالا فالأمر بالإتيان بهذا المعنى مترتب على خلقهما وعلى هذا يجوز حمل، ثم على التراخي الزماني ولا يلزم كون دحو الأرض مقدما على دحو السماء، وان لزم خلق الشمس قبل الدحو لقوله: أغطش الخ فلا تنافي بين الآيتين كما قيل، ولا يخفى أنه على تسليمه مخالف لما قدمه المصنف رحمه الله وارتضاه في ثم وتفسيره للدخان فكان ينبغي تأخيره فتدبر. قوله: (من التأثير الخ) بيان لما وهو لف ونشر مرتب فالتأثير للعلويات، وهو بناء على الظاهر من عد الأسباب مؤثرة أو مجاز المؤثر الحقيقي هو الله والتاً ثير للسفليات ويجوز تعميمه لهما والأوضاع للسموات والنجوم، فهو وما بعده على اللف والنشر أيضاً. قوله:) أو ائتيا في الوجود الخ (كالخلق في خلق الأرض وجعل فيها رواسي لأنه بمعنى خلق أيضا أو بمعنى تعيين مقاديرها لا إيجادهاويجوز على هذا إبقاء، ثم على ظاهرها وهذا كله لما تقتضيه الفاء من التعقيب ولذا قال: والترتيب للرتبة فهو في الوجهين السابقين على حقيقته لأن المراد إذا كان خلق ما فيهما أو تقديرهما فالترتيب على ظاهره، فإذا كان بمعناه العروف كانت الفاء مجازا عن الترتيب في الرتبة أو الإخبار إلا أن يعتبر فيما يدل عليه التمثيل والمرتب عليه هنا أعلى من المرتب والمشهور عكسه كما موّ تحقيقه، أو قد يقال: هذا هو المقصود الأصلي من خلقهما
فهو أعلى رتبة. قوله: (أو إتيان السماء حدوثها الخ (ففيه جمع بين معنيين مجازيين وهو جائز أيضاً عند المصنف رحمه الله فتشبيه البروز من العدم بمن أتى من مكان آخر وبسط الأرض، وتمهيدها بذلك أيضا وهو بالنصب كالترتيب معطوف على اسم إن وهو الحق، وقوله: وقد عرفت ما فيه، وهو لزوم كون الدحو مقدما على خلق الجبال كما قيل وهو ممنوع لأن ثم لتفاوت ما بين الخلقين كما قرره، وغاية ما لزم من الفاء كون الدحو متأخرا عن الاستواء ولا يلزم منه كونه متأخراً عن خلق الجبال على أنه يجوز كون الفاء للتفصيل لا للترتيب فتأمل. قوله: (أو ليأت كل منكما (معطوف على قوله ائتيا في الوجود والمراد بإتيان إحداهما للأخرى توافقهما في ظهور ما أريد منهما كما صرّج به المصنف رحمه الله على الاستعارة، والمجاز المرسل باستعماله في لازمه لأنّ المتوافقين يأتي كل منهما صاحبه كما في الكشف، وقال ابن جني هي المتنازعة: وقال في الكشف هو أحسن والمؤاتاة المفاعلة يقال: آتيته إذا وافقته وطاوعته قال في المصباج يقال آتيته على الأمر بمعنى وافقته وفي لغة لأهل اليمن تبدل الهمزة واواً فيقال وأتيت على لأمر مواتاة وهي المشهورة على ألسنة الناس، اهـ ولذا وقع في نسخة هنا وأتيا فلعله قرئ به في الشواذ فالقول بأنّ الصحيح آتيا لأنّ الكلمة مهموزة الفاء ليس
بصحيح وكذا يجوز في المواتاة قراءته بواو وهمزة وكلمة في في قوله في حدوث للسببية. قوله: (والمراد إظهار كمال قدرته الخ) الظاهر أنه استعارة لأنهما لما نزلا وهما من الجمادات منزلة العقلاء إذ أمرا وخوطبا على طريق المكنية والتخييلية أو التمثيلية أثبت لهما ما هو من صفات العقلاء من الطوع، والكرة ترشيحا وهما مؤوّلان بطائع وكاره لأن المصدر لا يقع حالاً بدون ذلك ويجوز كونهما مفعولاً مطلقا. قوله:(والأظهر أنّ المراد الخ) اعلم أنه قال في الكشاف معنى أمر السماء والأرض بالإتيان وامتثالهما أنه أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه ووجدتا كما أرادهما وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع، وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل ويجوز أن يكون تخييلاً ويبنى الأمر فيه على أنه تعالى كلم السماء والأرض، وقال لهما: ائتيا شئتما ذلك أو أبيتماه فقالتا: أتينا على الطوع لا على الكره، والغرض! تصوير أثر قدرته في المقدورات لا غير من غير أن يحقق شيء من الخطاب والجواب ونحوه قول القائل، قال الجدار للوتد لم تشقني قال الوتد سل من يدقني فقيل: يعني إنّ إثبات المقاولة مع السماء والأرض من الاستعارة التمثيلية كما مرّ، ويجوز أن يكون من الاستعارة التخييلية بعد أن
تكون الاستعارة في! ذاتها مكنية كما تقول نطقت الحال بدل دلت فتجعل الحال كإنسان يتكلم في الدلالة ثم يتخيل له النطق الذي هو لازم المشبه به وينسب إليه، وإما بيان التمثيل فهو أنه شبه فيه حالة السماء والأرض التي بينهما وبين خالقهما في إرادة تكوينهما، وايجادهما بحالة أمر ذي جبروت له نفاذ في سلطانه واطاعة من تحت تصزفه من! غير تردد، والأوجه أن يراد بكونه تخييلاً تصوير قدرته وعظمته، وأنّ القصد في التركيب إلى أخذ الزبدة والخلاصة من المجموع على سبيل الكناية الإيمائية من غير نظر لمفرداته يعني إنه لما عطف التخييل على المجاز التمثيلي كان غير.، وان جاز تخصيص التمثيل بالمفرد المتعارف منه وهو التحقيقي ويحمل التخييل على لآخر فيعود القسم قسيما، وما ذكره من الكناية إمّا على أنه لا يلزم إمكان الحقيقة في مثله لجعل المفروض كالمحقق كما جرت فيعود. القسم قسيماً، وما ذكره من الكناية إما على أنه لا يلزم إمكان الحقيقة في مثله لجعل المفروض كالمحقق كما جرت عليه محاورأتهم، أو يقال: هو ممكن لجواز أن يخلق الله في الجماد إدراكا ونطقا بى حياة وعلما فيصدر منه الخطاب،! ونجي الكشف التخييل تمثيل خاص لا ينافيه التمثيل، وما ذكر من الكناية الإيمائية وأخذه الزبدة من غير نظر إلى حقيقة شيء لا يطابقه الحقيقة ولا الاصطلاح ولا يغني عن الرجوع لما ذكرناه من أنه مركب لم يرد به معناه الحقيقي فلا بد من التجوّز، ولا مجال لكونه كناية يعني إلا أن يرتكب ما مرّ وهو خلاف الظاهر إذا عرفت هذا فما مرّ مبني على أنه تصوير واستعارة تمثيلية مبنية على الفرض، وهذا أيضا تمثيل بمعناه المتعارف أو الأوّل على أنه استعارة مكنية وكونه كناية عرفت حاله فما قيل من أنه قصد مدلوله من غير قصد إلى الأخبار بثبوته ليلزم عدم مطابقة نفس الأمر بل قصد تصوير أثر قدرته تعالى في المقدورات بصورة محسوسة من ورود أمر يأتي من آمر مطاع فامتثل على الفور وقيل عليه إنه هو التخييل الشعري الذي يصان عنه كلام أصدق القائلين، ولا يفيده الخلو عن لحكم في نفس الأمر كلام ناشئ من عدم التحقيق ومعرفة معنى التخييل كما قرّرناه لك فتذكر، ولا تكن من الغافلين. قوله:) وما قيل الخ) يعني أنه متصور في الوجه الأول دون الوجهين المتوسطين لكونهما معدومين عند الخطاب أو لكون السماء معدومة عند. على الثاني منهما، والخطاب متفرّع على الوجود وتميز الماهيات قبل الوجود لا يجدي، وقوله: وإنما قال: طائعين بجمع المذكر السالم مع اختصاصه بالعقلاء الذكور، وكان مقتضى الظاهر طائعات أو طائعتين وأوثر جمع الذكور لأنه لا وجه للتأنيث عند إخبارهم عن أنفسهم الكون التأنيث بحسب اللفظ فقط نظرا إلى الخطاب والإجابة والوصف بالطوع والكره. قوله: (كقوله: ساجدين (التشبيه في مجرّد إتيان جمع العقلاء نظراً إلى وصف السجود وإن كان التذكير فيه لتغليب الكواكب والقمر كما قيل به، وفيه نظر. قوله:
(فخلقهن خلقا إبداعياً القوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [سورة البقرة، الآية: 117] والإبداع ما لم يسبق له مثال ولا مادة، وقوله: أتقن أمرهن هو من التعبير بالقضاء وهو الفصل بين الأمور على وجه التمام، وقوله: والضمير أي ضميرهن رعاية للمعنى لأنه بمعنى السموات، ولذا قيل إنه اسم جمع والمراد بكونه مبهما أنه تفسيره سبع سموات الخ فيرجع لما بعده، وإن كان متأخرا لفظا ورتبة بناء على جوازه في التمييز
كما في ربه رجلاً وباب نعم وهو أبلغ لما فيه صت التفسير بعد الإبهام، وقد مز تفصيله في سورة البقرة، ولذا جعله حالاً على الأوّل من ضمير السماء وتمييزاً على الثاني، ويجوز فيه البدلية وكونه مفعولاً ثانيا على تضمينه معنى التفسير كما ذكره المصنف في غير هذه السورة. قوله:(قيل خلق السموات الخ) قيل: كونه يوم خميس مع إنه لا يوم حقيقة حتى يتعين كما قيل بناء على أنّ الوقت الذي خلقت فيه الأرض لما كان أوّل أوقات وقع الخلق فيها ناسب اعتبار يوم الأحد الذي هو أوّل الأسبوع، وهكذا ما بعده لكنه أورد عليه لزوم تقدّم الدحو على خلق السماء فلذا مرضه، وما وقع في الكشاف من أنّ آدم عليه الصلاة والسلام خلق في آخر سائمة من يوم الجمعة فيه نظر لا يخفى. قوله: (شأفها (فالأمر واحد الأمور، وقوله: يتأتى أي يصدر عنها وكونه اختياراً بناء على مذهب بعض الفلاسفة من أنها حية ناطقة، وقوله: طبعا بناء على مذهب غيرهم من المتكلمين وأما عند غيرهم من أهل الشريعة فلا يقولون بشيء منهما فقوله: بأن حملها تفسير للوحي وبيان لأنه مجاز عما ذكر وقوله: وقيل الخ فالأمر واحد الأوامر، والوحي على ظاهره، وإضافة أمرها لأدنى ملابسة- قوله: (فإنّ الكواكب كلها الخ (دفع لما مرّ من أنّ الكواكب ليست كلها في السماء كما يفهم من النظم فإن المراد كونها كذلك في رأى العين، وقد مز تفصيله في الصافات. قوله: (وحفظناها الخ (يعني إنه مفعول مطلق لفعل مقدر معطوف على قوله: زينا والحفظ إما من الآفات، أو من الشياطين المسترقة للسمع وكون الضمير للمصابيح كما قيل خلاف الظاهر، وقوله: مفعول له على المعنى أي معطوف على مفعول له يتضمنه الكلام السابق أي زينة، وحفظا ولا يخفى أنه تكلف بعيد عن نهج العربية كما قاله أبو حيان، وقوله البالغ في القدرة تفسير للعزيز والبالغ إشارة إلى ما في صيغته من المبالغة، وفيه لف ونشر وقوله: كأنه صاعقة
ظاهر. أنه استعارة لما ذكر وقيل: إنه ورد في اللغة بمعنى العذاب من غير حاجة إلى التحوز وفيه نظر. قوله: (وهي المرة من الصعق (بسكون العين مصدر صعقته الصاعقة إذا أهلكته يصعق بكسرها صعقا بالفتح كحذر حذرا أي هلك بالصاعقة المصيبة له فإذا كان الثاني هو المراد تكون عينه سكنت في المرة تخفيفا. قوله: (حال من صاعقة عاد) ذكر المعرب فيه وجوها أحدها أنه ظرف لأنذرتكم، والثاني أنه منصوب بصاعقة لأنها بمعنى العذاب أي أنذرتكم العذاب الواقع في وقت مجيء رسلهم، والثالث إنه صفة لصاعقة العذاب الأولى، والرابع: إنه حال من صاعقة الثانية قاله أبو البقاء وأورد عليه أن الصاعقة جثة وهي قطعة نار تنزل من السماء فتحرق فلا تقع صفة، ولا حالاً لها وتأويلها بالعذاب إخراج لها عن مدلولها من غير ضرورة، وإنما جعلت وصفاً للأولى لأنها نكرة، وحالاً من الثانية لأنها معرفة ولو جعلت حالاً من الأولى لتخصصها بالإضافة جاز فالأوجه خمسة وسيأتي ما فيه. قوله تعالى:( {إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ} ) يحتمل أن يكون من إطلاق ضمير الجمع على المثنى، وكذا الرسل وجمع الأوّل يجوز أن يكون باعتبار أفراد القبيلتين فتأمّل. قوله:(ولا يجوز جعله صفة الخ (فساد المعنى للزوم كون إنذاره عليه الصلاة والسلام، والصاعقة التي أنذر بها واقعين في وقت مجيء الرسل لعاد وثمود، وليس كذلك ولا صفة لصاعقة عاد أيضاً للزوم حذف الموصول مع بعض صلته أو وصف المعرفة بالنكرة. قوله: (من جميع جوانبهم (فالضمير المضاف إليه لقوم عاد وثمود وجعل الجهتين كناية عن جميع الجهات على ما عرف في مثله، والمراد بإتيانهم من جميع الجهات بذل الوسع في دعوتهم على طريق الكناية فقوله: واجتهدوا الخ عطف تفسير له، والجهة في قوله من كل جهة الوجه الذي أبدوه لهم من التحذير والإنذار ونحوه. قوله: (أو من جهة الزمن الماضي الخ) هذا هو الوجه الثاني، والضمير فيه راجع لما مرّ لكن المراد بما بين أيديهم الزمن الماضي، وبما خلفهم المستقبل ويجوز فيه العكس أيضاً كما مرّ في آية الكرسي، واليه يشير المصنف بقوله: وكل من اللفظين يحتملهما، وقد مرّ توجيهه بأنك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي، وقوله: من جهة الزمن إشارة إلى أنه استعير فيه ظرف المكان للزمان وقد مرّ تفصيله، وقوله: عما جرى فيه على الكفار أي عن مثل ما جرى ففيه مضاف مقدر وعلى هذا أيضا في النظم مقدر تقديره بالإنذار عما وقع من بين أيديهم الخ فتأمّل. قوله: (أو من قبلهم ومن بعدهم الخ (فعلى هذا جمع الرسل ظاهر، وقوله: إذ قد
بلغهم الخ جواب عما يقال كيف يصح مجيء من تقدّم وتأخر من الرسل لهم
بأن المراد بالمجيء إيمانهم به فمن بين أيديهم الخ حال من الرسل لا متعلق بجاءتهم، وقوله: ويحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة قيل: إنّ هذا هو بمعنى الوجه الذي قبله إذ لم يرسل إليهم غير هود، وصالح فيكون المراد من بلغهم خبرهم ومن أتاهم منهم إلا أن الفرق بينهما أنه على هذا كناية عن الكثرة، وما قبله على الحقيقة كما قيل، وفيه نظر فلعله على الأوّل مجاز في جاءتهم وعلى هذا هو مع ذلك المجاز فيه كناية، وقيل المراد بالرسل ما يعم رسل الرسل. قوله:) بأن لا تعبدوا الخ) إشارة إلى تقدير حرف جرّ متعلق بجاءتهم وان مصدرية ولا ناهية، وهي قد توصل بالنهي كما توصل بالأمر على ما فيه مما مز غير مرّة، وقيل إنها مخففة من الثقيلة، ومعها ضمير شأن محذوف وأورد عليه إنها إنما تقع بعد أفعال اليقين، وإن خبر باب أن لا يكون طلباً إلا بتأويل وقديدفع بأنه بتقدير القول وان مجيء الرسلك الوحي معنى فيكون مثله في وقوع أن بعده لتضمنه ما يفيد اليقين كما أشار إليه الرضى وغيره. قوله:) أو أي لا تعبدوا (يعني إنها مفسرة لمجيء الرسل لأنه بالوحي وبالشرائع فيتضمن معنى القول، وقد جوّز على الوجه السابق كون لا نافية. قوله: (لو شاء ربنا الخ) كون مفعول المشيئة المحذوف بعد لو الشرطية يقدر من مضمون الشرط ليس بمطرد فقد يقدر من غيره كما قدره المصنف إذ لو جعل على النهج المعروف، وقدّر لو شاء ربنا إنزال الملائكة لأنزل ملائكة لم يكن له معنى لائق بالمقام، وقيل في توجيهه إنه جار على القاعدة فإن مآل التقدير فيه إلى لو شاء ربنا الإرسال لأرسل ملائكة، وقوله: برسالته يشير إليه وهو وجه حسن. قوله: (فإنا بما أرسلتم الخ) الفاء إن كانت فاء النتيجة السببية فيكون في الكلام إيماء إلى قياس استثنائيّ أي لكنه لم ينزل، ويجوز أن تكون تعليلية لشرطيتهم أي إنما قلنا ذلك لأنا منكرون لما أرسلتم به كما ننكر رسالتكم وما موصولة، وكونها مصدرية وضمير به لقولهم لا تعبدوا إلا الله خلاف الظاهر. قوله:(على زعمكم (بالزاي المعجمة والعين المهملة زاده دفعاً لما يتوهم من التناقض لأن قولهم بما أرسلتم به إقرار برسالتهم، وقوله: كافرون جحد لها فكان مقتضى الظاهر بما اذعيتم أو بما جئتم به لكنهم أتوا به على زعمهم إظهاراً لعنادهم وتعنتهم كما أشار إليه المصنف. قوله:) إذ أنتم الخ (تعلل لكفرهم وبيان لارتباطه بما قبله، وقوله: فأمّا عاد الفاء تفصيلية ولتفرّع التفصيل على الإجمال قرن بفاء السببية، وقوله: اغتراراً بقوّتهم وشوكتهم فالاستفهام إنكاريّ مآله النفي، وإنه لا أشد
منهم وهذا بيان لاستحقاقهم العظمة وجواب للرسل عماخوّفوهم به من العذاب، وقوله: ينزع الصخرة أي يقلعها فالمراد يريد نزعها ليصح ما فرعه عليه، ويجوز أن يكون تفسيرا له فإن كانت العبارة فيفلقها بفاء وقاف أي يكسرها ويفتتها فلا حاجة للتأويل وهو أقرب. قوله:) أو لم يروا الخ (لما ذكروا قوّتهم في جواب الرسل، وتخويفهم لهم رد عليهم بما ذكره إيماء إلى اًن ما خوّفهم به الرسل ليس من عند أنفسهم بناء على قوّة منهم، وإنما هو من الله خالق القوى والقدر وهم يعلمون إنه أشد قوّة منهم، وقوله: قدرة فسر القوّة بالقدرة كما قال الراغب: القؤة تكون بمعنى القدرة وتكون بمعنى التهيؤ للشيء كما يقال النواة بالقوّة نخلة، وقدرة الإنسان هيئة يتمكن بها من فعل شيء قا، واذا وصف الله بها فهي بمعنى نفي العجز عنه فلا يوصف بها على الإطلاق غيرد تعالى انتهى فلا وجه لما قيل إن القوّة عرض ينزه الله عنه لكنها مستلزمة للقدرة فلذا عبر عنها بالقوّة مشاكلة، وقوله: قادر بالذات بيان للأشدية فإن ما يكون بالذات أقوى من غيره، وقدرة البشر غير مؤثرة أو تؤثر بالاستناد لقدرة الله تعالى. قوله:) مقتدر على ما لا يتناهى (قال الراغب: القدير الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة بلا زيادة ولا نقصى والمقتدر يقاربه لكنه قد يوصف به البشر، ومعناه المتكلف والمكتسب للقدرة فإذا استعمل في الله فهو مبالغة في القدرة الكاملة كالقدير، وهذا وجه آخر للأشدية إشارة إلى قوّة مدرته كيفما وكما. قوله: (يعرفون الخ (لأن الجحد الإنكار عن علم وقد يرد لمطلق الإنكار، وقوله: وهو عطف الخ أو على قالوا فجملة أولم يروا اعتراضية، والواو أعتراضمية أو عاطفة على مقدر، والمعطوف والمعطوف عليه مجموعهما اعتراض، وقوله: من الصرّ الخ بكسر الصاد ويجوز كونه من الصرّ بالفتح بمعنى الحز لأنه روي أنهم أهلكوا أنفسهم بالسموم، وهو مناسب لديار العرب وقوله: يجمع أي لشدة البرد يجتمع ظاهر جلد الإنسان وينقبض.
قوله: (جمع ئحسة (بكسر الحاء صفة مشبهة من فعل يفعل كعلم، وقوله: على التخفيف أي سكون الحاء لأن السكون أخف من الحركة أو فعل بالسكون صفة كصعب، أو هو مصدر وصف به مبالغة. قوله: (آخر شوّال الخ) ولا منافاة بين هذه النسخة، وما وقع في أخرى من آخر شباط لجواز توافق شباط وشوّال وإن كانت الثانية أظهر لأنها كانت أيام العجوز كما سيأتي في الحاقة، وفي الآية إشارة إلى أنّ الأيام منها نحس وسعد، وفي مناسك الكرماني عن ابن عباس
رضي الله عنهما الأيام كلها لله تعالى لكنه خلق بعضها نحوسا وبعضها سعوداً، وقيل: النحس هنا بمعنى البارد. قوله: (أضاف العذاب الخ (يعني أنه من إضافة الموصوف للصفة بدليل قوله: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى} [سورة فصلت، الآية: 16] وهو من الإسناد المجازي فإنه وصف المعذب وقوله: للمبالغة لدلالته على أن مذلة الكافر زادت حتى تصف بها عذابه كما قرر في نحو قولهم: شعر شاعر وقوله: بدفع العذاب الخ بيان لارتباطه بما جعلى تذييلاً له. قوله:) فدللناهم على الحق) يعني أن الهداية هنا مطلق الدلالة بدليل ما بعده وتكون بمعنى الدلالة الموصلة كما في قوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [سورة القصص، الآية: 56] ولا كلام في استعماله لكل منهما إنما الكلام في كونه حقيقة في أيهما أو مشتركا بينهما مطلقا، أو على التفصيل بين المتعدى بنفسه وبالحرف كما تقدّم تفصيله، وعدل عن قول الزمخشري دللناهم على طريقي الضلالة والرشد كقوله:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [سورة البدد، الآية: 10] على ما ستراه في تفسيره فقيل: لأن ما ذكره أظهر لأن الدلالة على طريق الضلالة إضلال لا هداية، وهو كلام ناشئ من عدم التدبر لأن التفسير المذكور منقول عن قتادة وهو الذي اختاره الفزاء والزجاج وهو أنسب هنا لأنّ قوله بعده فاستحبوا الخ يقتضي أنهم دلوا على كلتا الطريقتين فاختاروا إحداهما على الأخرى فيكون بمعنى قوله: هديناه النجدين كما لا يخفى على من له ذوق سليم. قوله: (بنصب الحجج (أي إقامتها وبيانها على ألسنة الرسل، وقوله: منوّنا لصرفه وعدم تنوينه وصرفه على العجمة أو إرادة القبيلة، وقوله: بضم الثاء على أنه مصدر أو جمع ثمد، وهو قلة الماء فسموا بذلك كما قاله الطيبي: لأنهم كانوا بديار قليلة الماء. قوله: (فاختاروا الضلالة على الهدى) وقد استدل المعتزلة بهذه الآية على أن الإيمان باختيار العبد على الاستقلال لأن قوله: هديناهم دل على نصب الأدلة وإزاحة العلة، وقوله: استحبوا العمي الخ دل على أنهم بأنفسهم آثروا العمي ورد بأن لفظ الاستحباب يشعر بأن قدرته تعالى هي المؤثرة، وليس لقدرة العبد مدخل مّا فإن المحبة ليست اختيارية وهو من الدقائق العجيبة وإليه أشار الإمام وبه اقتدى هذا الهمام، ومعنى كونها ليست باختيارية أنها بعد حصول ما يتوقف عليه من أمور اختيارية تكون بجذب الطبيعة من غير اختيار له في ميل قلبه وارتباطه هواه بمن يحبه فهي في نفسها غير اختيارية لكنها باعتبار مقدماتها اختيارية، ومن لم يمعن النظر فيه قال: كيف لا تكون المحبة اختيارية ونحن مكلفون بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا تكليف بغير الاختيارية وتفصيله كما في طوق الحمامة لابن سعيد إن المحبة ميل روحاني طبيعي، وإليه
يشير قوله عز وجل: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [سورة الأعرأف، الآية: 189] أي يميل فجعل علة ميلها كونها منها، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:" الأرواح جنود مجندة " وتكون المحبة لأمور أخر كأحسن والإحسان والكمال، ولها آثار يطلق عليها محبة كالطاعة والتعظيم وهذه هي التي يكلف بها لأنها اختيارية، وبهذا سقط الاعتراض! فأعرفه. قوله:) صاعقة من السماء (بالمعنى المعروف، وقيل: المراد بالصاعقة هنا الصيحة كما ورد في آيات أخر ولا مانع من الجمع بينهما وجعلها صاعقة العذاب يفيد مبالغة كالوصف بالمصدر، أو المعنى إنّ عذابهم عين الهون وان له صواعق، وقوله: من اختيار الضلالة لم يقل من عمل الضلالة لأنه أنسب بقوله: استحبوا، وقوله: من تلك الصاعقة متعلق بقوله: نجينا فلو ذكر بجنبه كان أولى أو المراد أنهم يتقون الله لا الصاعقة كما يتوهم، ولو علق بيتقون لم يمنع منه مانع لأن المتقي من عذاب الله متق دلّه، ولعله أخره لاحتماله للوجهين. قوله: (يوم يحشر الخ) متعلق باذكر مقدر معطوف على قوله: {فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ} [سورة فصلت، الآية: 13، الخ أو بما يدل عليه يحشر أو يوزعون كيجمعون ونحوه، وقوله: فهم يوزعون الفاء تفصيلية ومعنى
حبس أوّلهم إمساكهم حتى يجتمعوا فيساقوا إلى النار، وقوله: وهو عبارة عن كثرة أهل النار أي كناية عن ذلك إذ لو لم يكونوا جمعا كثيرا جدا لم يحبس أوّلهم انتظارا لمجيء آخرهم فذكر هنا للدلالة على ما ذكر ولولاه لم يكن تحته فائدة عظيمةء
قوله: (ما مزيدة لتثيد اتصال الشهادة الخ (لأنها تؤكد ما زيدت بعده فهي تؤكد معنى إذا
واذا دالة على اتصال الجواب بالشرط لوقوعهما في زمان واحد، وهذا مما لا تعلق له بالعربية حتى يقال إنّ النحاة لم يذكروه كما قيل وأكد لأنهم ينكرونه، وقوله: شهد الخ قيل فيه إيجاز حذف والأصل سئلوا فأنكروا فشهد الخ، واكتفى عنه بذكر الشهادة لاستلزامها لما ذكر لا يقال هذا ينافي ما مرّ من الاتصال المؤكد لأنا نقول يكفي لذلك الاتصاف وقوعهما في مجلس واحد
فلا حاجة إلى ما قيل إنه يقدر هكذا إذا جاؤوها وأنكروا بعد السؤال شهد الخ. قوله: (بأن ينطقها الخ) فهو على ظاهره وحقيقتة أو المراد ظهور علامات على الأعضاء دالة على ما كانت متلبسة به في الدنيا بتغيير أشكالها، ونحوه مما يلهم الله من رآه إنه صدر عنه ذلك لارتفاعه الغطاء في الآخرة فالنطق مجاز عن الدلالة، والجلود قيل المراد بها الظاهر، وقيل الجوارج وقيل هي كناية عن الفروج، فإن قلت على كل حال الشاهد أنفسهم وهي آلات كاللسان فما معنى شهدتم علينا قلت: قال المحقق في شرحه ليس المراد هاذ النوع من النطق الذي ينسب حقيقة إلى الجملة، ويكون غيره آلة بلا قدرة وارادة له في نفسه حتى لو أسند إليه كان مجازا كإسناد كتب العلم بل على أنّ الأعضاء ناطقة حقيقة بقدرة وارادة خلقهما الله فيها، وكيف لا وأنفسهم كارهة لذلك منكرة له إلا أن يقال: إنه نفسه لا يقدر على دفع كونها آلات، ويؤيده قوله عليهم فإن فيل: أنطقنا الله إنما يصلح جوابا عن كيف شهدتم لا عن لم شهدتم، قيل: قد دل الجواب على أنّ المعنى لأيّءكللة وبأيّ موجب شهدتم فيصلح ما ذكر جوابا له وخصت الجلود دون السمع والبصر لأنها أعجب إذ ليس شأنها الإدراك بخلافهما، وقيل: إنما خصت لأنها بمرأى منهم مشاهدة لا لما مرّ لأنّ في الجلود قوّة مدركة أيضا وهي اللامسة، وهي مشتملة أيضاً على الذائقة وكل منهما أهمّ وأعتم، وهذا أيضاً يصلح وجهاً للتخصيص وفيه تعكيس عليهم إذ تضرّروا مما يرجون منه أكمل النفع ولا يخفى ما فيه إذ الظاهر إن رده على المحقق لم يصادف محزه إذ ليس المراد مما ذكره من أنها ليس من شأنها الإدراك إلا إدراك أنواع المعاصي التي شهد عليها كالكفر والكذب والقتل، والزنا والربا مثلا وادراك مثلها منحصر في السمع والبصر كما لا يخفى فتدبر. قوله:(سؤال توبيخ) هو على التفسير الأول من أنه نطق حقيقي إذ خلق فيها الإدراك، وقوّة النطق فكانت قابلة للتوبيخ أيضا، وأما التعجب فهو على الثاني أو عامّ لهما. قوله:) ولعل المراد به نفس التعجب (هذا على الوجهين أيضا لا على الثاني كما توهم إذ لا وجه للتخصيص بلا مخصص يعني لا قصد هنا للسؤال أصلاً، وإنما قصد به ابتداء التعجب لأن التعجب يكون فيما لا يعلم سببه وعلته فالسؤال عن العلة المستلزم لعدم معرفتها جعل مجازاً أو كناية عن التعجب لأنه قيل: إذا ظهر السبب بطل العجب، وقوله: ما نطقنا باختيارنا بناء على أنه سؤال توبيخ، وقوله: أوليس الخ بناء على أنه سؤال تعجب أو تعجب رأسا وكون النطق بغير اختيار على كونها آلات ظاهر أمّا على أنه خلق فيها قدرة وارادة كما مرّ فبأن يكون ذلك بجبر من الله بتسخيرها لما أراده منها، ولا ظلم فيه لأنه جبر على إظهار ما تقرّر قبل للإلزام. قوله: (الذي أنطق كل حيئ) وفي نسخة شيء بدل حي وفي نسخة
كل شيء نطق بالتوصيف، وهي الصواب كما قيل ويدل عليه قوله: بعد بقي الشيء عامّا فإنه يقتضي تخصيصه قبله بها، ويشير إلى أن صفته المخصصة مقدرة ولا بد منه إذ ليس كل شيء أوحى ينطق بالنطق الحقيقي، ولذا قال ولو الخ وكذلك لو كان النطق ولاجواب بمعناه الحقيقي وحمل النطق في قوله الذي أنطق كل شيء على الدلالة فإنه يجوز فيه ذلك فيبقى على عمومه أيضاً، ويكون التعبير بالنطق للمشاكلة كما قيل لكن المصنف لم يلتفت إليه، لأنه خلاف الظاهر والموصول المشعر بالعلية يأباه إباء ظاهراً فتأمل، وقوله في الموجودات لأنّ المعدومات لا تدرك حتى تدل بالحال ولذا قال: الممكنة فتدبر. قوله:) تمام كلام الجلود (ومقول القول أو مستأنف من كلام الله تعالى والمراد على كل حال تقرير ما قبله بأنّ القادر على الخلق أوّل مرة قادر على إنطاق كل شي.
قوله تعالى:) {أَنْ يَشْهَدَ} الخ) إمّا مفعول له بتقدير مضاف أي مخافة أو كراهة أي ليس استتارهم للخوف مما ذكر بل مز الناس، أو لأجل أن يشهد فهو مفعول له أو من أن يشهد أو عن أن يشهد أو أنه ضمن معنى الظن فهو في محل نصب واستبعد هذا المعرب، وما ذكره المصنف بيان لحاصل المعنى من غير تعرّض لإعرابه لكن قوله: ما استترتم عنها يحتمل احتمالاً قريباً إنه إشارة إلى أنّ أن يشهد في محل نصب أو جر على الخلاف فيه بتقدير عن لأنّ حذف الجارّ جائز قبل أن وأن ويحتمل أنّ متعلقه محذوف، وأن يشهد مفعول له أي ما تستترون عن أعضائكم مخافة أن يشهد، وقيل: إنه بتقدير الباء أي بأن يشهد، والمعنى ما استترتم عنها بملابسة أن يشهد عليكم والمراد تحمل الشهادة فالوجوه في إعرابه خمسة وأما قوله: ما ظننتم الخ فهو لازم معناه لأنهم إذا لم يستتروا عن أعضائهم فهم لم يظنوا شهادتهم عليهم، فما قيل إنه إشارة إلى أنّ تستترون ضحمن معنى الظن فعدى تعديته لأنه لازم، وفيه بحث وهو ميل إلى ما نقل عن قتادة من إن معناه وما كنتم تظنون أن يشهد الخ ليس بشيء لما عرفته مما قررناه، وقد يقال إنه مراد قتادة رضي الله عنه. قوله: (إلا وعليه رقيب (كما قال أبو نواس:
إذا ما خلوت الدهريوما فلا تقل خلوت ولكن قل عليئ رقيب
ولاكحسبن الله يغفل ساعة ولا أن مايخفى عليه يغيب
قوله تعالى: ( {وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ} (معناه ما ظننتم أن الله
يعلم فينطق الجوارج ولكن ظننتم إنه لا يعلم كثيرا وهو ما عملتم خفية فما استترتم عنها، واجترأتم على المعاصي وإذا كان أن يشهد مفعولا له فالمعنى ما استترتم بالحجب لخيفة أن
تشهد عليكم الجوارح فلذا ما استترتم عنها لكن لأجل ظنك إن الله لا يعلم كثيراً فلذا سعيتم في الاستتار عن الخلق لا عن الخالق، ولا عما ينطق به الجوارج وعلى تقدير الباء فالمعنى ما استترتم عنها بملابسة أن تشهد عليكم أي تتحمل الشهادة إذ ما ظننتم إنها تشهد عليكم بل ظننت أنّ الله لا يعلم فلذا لم يكن استتاركم بهذا السبب، وعلى تقدير عن قيل يلزم زيادة يشهد وفيه نظر. قوله:(إشارة إلى ظنهم هذا) أي للذكور ضمن قوله: ظننتم، وقوله: خبران له يعني ظنكم خبر أوّل لذلكم والذي صفته، وأرداكم أي أهلكهم خبر ثان له وهو أحد الوجوه في إعرابه، وقيل: أرداكم حال بتقدير قد معه أو بدونه وإن أباه بعض النحويين، وقيل: إنه استئناف وقيل: ظنكم بدل والموصول خبر وأرداكم حال بتقدير قد وقيل الموصول خبر ثان،! وقيل: الثلاثة أخبار، إلا أنّ أبا حيان ردّ الوجه الأوّل بأنّ ذلكم إشارة إلى ظنهم السابق فيصير التقدير، وظنكم بربكم إنه لا يعلم ظنكم بربكم فما استفيد من الخبر هو ما استفيد من المبتدأ وهو لا يجوز كقولهم سيد الجارية مالكها وقد منعه النحاة، ورد بأنه لا يلزم ما ذكر لجواز جعل الإشارة إلى الأمر العظيم في القباحة فيختلف المفهوم باختلاف العنوان، ويصح الحمل كما في هذا زيد ولو سلم فالاتحاد مثله في شعري شعري مما يدل على الكمال في الحسن كما في هذا ال! مثال أو القبح كما فيما نحن فيه ع وقيل المراد منه التعجب والتهكم وقد يراد من الخبر غير فائدة الخبر ولازمها، وهذا كله على طرف الثمام والحق ما قاله ابن هشام في شرح بانت سعاد من أنّ الفائدة كما تحصل من الخبر تحصل من صفته وقيده كالحال وان أشكل هذا على قمول الأخفش إنه منع أحق الناس بمال أبيه ابنه البار به، ونحوه: لأن الخبر نفسه غير مفيد ولا ينفعه مجيء الصفة بعده لانّ وضع الخبر على تناول الفائدة منه، وقد بسط الكلام فيه فراجعه. قوله: (إذ صار ما منحوا (أي أعطوا من الج! وارج الموهوبة لهم للاستسعاد أي نيل السعادة في الدارين الدنيا والآخرة لأنّ بها تعيشهم في الدنيا وإدراكهم ما يهتدون به إلى حق اليقين ومعرفة رب العالمين الموصل للسعادة الأخروية فحيث أذاهم ذلك إلى كفران نعم الرزاق والكفر بالخالق كان ذلك سببا للشقاء في المنزلين تثنية منزل، والمراد بهما الدنيا والآخرة لجهلهم بالذات والصفات وارتكاب المعاصي واتباع الشهوات وقيل المراد بما منحوا العقل، والأول أنسب بما قبله من شهادة الأعضاء وإن استبعده بعضهم. قوله: (لا خلاف لهم عنها! يعني التقدير أن يصبروا لظن إنّ الصبر ينفعهم لأنه مفتاج الفرج
لا ينفعهم صبرهم إذ لم يصادف محله، وقوله: وصي الرجوع إلى ما يحبون لأنها اسم من أعتبه إذا ما رأى ما يعتب عليه، وقوله: المجابين إليها أي إلى العتبي وهي الرجوع لما يرومون بسؤالهم إياه، والجواب مأخوذ
من وقوعه في مقابلة السؤال، وتحقيقه ما قاله الإمام الكرماني في شرح البخاري في باب الاستنجاء أنّ الاستفعال هنا لطلب المزيد فيه فالاستعتاب فيه ليس لطلب العتب بل لطلب الأعتاب، والهمزة فيه للسلب فتأمّل. قوله:) ونظيره قوله الخ) أي نظيره في المعنى لأن معناه إن صبروا، أو لم يصبروا بأن جزعوا لأنّ سؤالهم لعدم صبرهم فمعنى الشرطيتين سواء صبروا أم جزعوا، وقوله: وقرئ وأن يستعتبوا أي بالبناء للمجهول والمعتبين بصيغة الفاعل، وقوله: أي أن يسألوا أن يرضوا ربهم الخ أو هذه القراءة في معنى قوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [سورة الأنعام، الآية: 28 لح لتماديهم في الطغيان، وقوله: لفوات المكنة أي لفوات وقتها وهو الدنيا. قوله: (وقدّرنا (يقال: فيض الله له كذا إذا قدره والقرناء جمع قرين وتقييضه له إما لاستيلائه عليه أو لأخذه لا عن غيره من قرنائه، والأخدان جمع خدن وهو كالخدين الصديق، وقوله: وقيل الخ هو ما ارتضاه الزمخشري ورجح الأوّل لقربه معنى، وقوله: من أمر الدنيا الخ تفسير لما بين أيديهم لحضورها عندهم كالشيء الذي بين يديك تقلبه كيف تشاء وما خلفهم أمور الآخرة لعدم مشاهدتها كالشيء الذي خلفك أو لكونها ستلحق بهم، وقد يعكس فيجعل ما بين أيديهم الآخرة لأنها مستقبلة، وما خلفهم الدنيا لمضيها وتركها كما مز، وما ذكره المصنف رحمه الله أوفق بالترتيب الوجودي ولذا اختاره المصنف واتباع الشهوات عطف على أمر الدنيا بيان للمراد منه وهو المزين لهم فهو كالتفسير له كما إن إنكاره عطف على أمر الآخرة لأنه الذي زين لهم فيه لا قبوله. قوله:) في جملة أمم (يعني أن في للظرفية والجار، والمجرور في محل نصب على الحال من ضمير عليهم أي كائنين في جملة أمم كما في البيت المذكور، وقيل في بمعنى مع في الآية والبيت المذكور لكن المصنف ساقه شاهدا لما ذكر، والصنيعة الإحسان والكرم ومأفوكا بمعنى مصروف عن الجود للبخل، وقوله: ففي آخرين أي فأنت في جملة قوم آخرين قد أفكوا وعدلوا عن الصنيعة يعني لست أوّل من بخل. قوله:) وقد عملوا مثل أعمالهم) قدره لاقتضاء المقام له وبه يأخذ الكلام بعضه بحجز بعض، وقوله: والضمير
لهم وللأمم ويجوز كونه لهم بقرينة السياق. قوله: (وعارضوه بالخرافات (عارضوه أمر بالمعارضة، والمراد بها التكلم عند قراءته والخرافات جمع خرافة بالتخفيف اسم رجل كانت الجن استهوته فلما رجع كان يحدث بما رأى من العجائب، ثم شاع في كل كذب وف يث لا أصل له وورد في الحديث: " خرافة حق " ونقل عن الزمخشري تشديد رائه ولم يذكره غيره والتشويش على القارئ التخليط حتى يذهل عما يقرؤه، وهذا تفسير بحاصل المعنى وأصل معناه ائتوا باللغو ليختلط فلا يمكنه القراءة والمراد باللغو ما لا أصل له أو ما لا معنى له، وقوله: لغى يلغى كرضى يرضى ولغا يلغو كعدا يعدو، وهذى بالذال المعجمة من الهذيان وهو معروف. قوله:) تنلبونه على قراءته) أي تشغلونه عنها، وقوله: وقد سبق مثله أي في سورة الزمر وهو إشارة إلى أن إضافة أسوأ للتخصيص وأفعل للزيادة المطلقة إذ ليس المعنى إنا نذيقهم أسوأ الأعمال بل الأسوأ المنسوب إلى أعمالهم، ثم لما أشير إلى ذلك الأسوأ وأخبر عنه بقوله: جزاء أعداء الله النار وجب أن يكون التقدير أسوأ جزاء الذين كانوا يعملون ليصح الأخبار إذ الجزاء ليس هو الأسوأ الذي من جنس العمل بل من جنس الجزاء، فإن قيل: فبعد تقدير المضاف يصح الحمل على الإضافة إلى المفضل عليه أي أسوأ أجزية عملهم قلنا ليس المعنى على أنّ لعملهم أجزية كثيرة هذا أسوأها بل على إن هذا الأسوأ جزاء عملهم. قوله: (فلنذيقق الذين كفروا الخ (أظهر في مقام الإضمار وللإشعار بالعلية، والعذاب إفا في الدارين أو في إحداهما وأيد الأوّل بقوله: عذابا شديداً في الدنيا والآخرة، وإذا أريد عاقة الكفار ثبت في هؤلاء بالطريق البرهاني. قوله:) خبره (وتصحيح الحمل يحتاج إلى تقدير فيه بسبب جزاء أعدائه أو في السابق أي جزاء أسوأ الذي أو أسوأ أجزاء العمل الذي أو هو خبر جزاء، أو ذلك خبر محذوف أي الأمر كذلك، وقوله: وهو كقولك في هذه الدار الخ يعني إنه من التجريد وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر
مثله مبالغة فيها كما مرّ تحقيقه لأنها نفسها دار الخلد وجعله للظرفية حقيقة تكلف لا داعي له مع أنّ المذكور أبلغ، وقوله: على أن المقصود الصفة
أشار بالعلاوة إلى جواب آخر لتصحيح الظرف لأنه إذا قصدت الصفة، وذكرت الدار توطئة كان كأنه قيل لهم فيها الخلود. قوله:(يلغون وذكر الجحود الخ) جعله مجازا عن اللغو المسبب عنه وهو الذي اختاره الزمخشريّ لأنه سواء جعل مصدراً أو حالاً أو مفعولاً له مرتب على قوله: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه، وقوله: شيطاني النوعين من الإنس والجن لإطلاقه عليهما لكنه في الإنس مجاز مشهور بمنزلة الحقيقة، وقوله: الحاملين أي هما سببان يقال حمله على الأمر إذا دعاه له وتسبب في ارتكابه، وقوله: سنا الكفر والقتل لف ونشر فالذي سن الكفر إبليس، والذي سن القتل قابيل وفخذ بالسكون مخفف فخذ كحذر وما في الكشاف إن أر بالكسر للاستبصار وبالسكون للاستعطاء لا يظهر وجهه، ولذا تركه المصنف وقوله: وقيل الخ مرضه لأنه خلاف الظاهر إذ يحتاج إلى تأويله بالجهة التي تلي ما تحت أقدامنا. قوله:) مكاناً أو ذلاً اليس هو على اللف، والنشر المرتب أو المشوّش بل على الوجهين في تفسير تحت أقدامنا، وقوله: وإقراراً بوحدانيته الوحدانية من الحصر الذي يفيده تعريف الطرفين كما في صديقي زيد. قوله:) وثم لتراخيه) يعني، ثم هنا لتراخي الاستقامة عن الإقرار في المرتبة وفضلها فهي للتراخي الرتبى لا الحقيقي، وقوله: من حيث الخ بيان للتراخي الرتبي فيه بأنه مبدأ الاستقامة ومنشؤها. قوله: (أو لأنها) أي الاستقامة عسر لو قال عسرة كان أحسن وان أوله بأمر عسر والمعطوف عليه في الأوّل أعلى مرتبة لأنه العمدة والأساس، وهذا عكسه لأن الاستقامة أعظم وأصعب أو المراد بها كما في الكشف الثبات على الإقرار ومقتضياته لأن من قال: ربي الله اعترف بأنه مالكه ومدبر أمره ومربيه وانه عبد مربوب بين يدي مولاه فالثبات على مقتضاء إن لا تزل قدمه عن طريق العبودية قلبا وقالبا وثندرج فيه كل العبادات، والاعتقاديات ومثله كما يأتي في الحجرات، ثم لم يرتابوا وقد حوزوا فهي مع ما ذكر التراخي الزماني هذا محصل ما في الكشاف، وشروحه وهو مبنيّ على أن المعطوف بثم أك! لى مرتبة وما ذكره المصنف أوّلا مبنيّ على خلافه، ولذا فسره بالعمل كما صرّح به في سورة الأحقاف فمن خلط الكلامين وفسر أحدهما بالآخر لم يصب وما في الكشاف هو الوجه الثاني بعينه، وبما ذكر من
الوجه الثاني عرفت أنّ تفسيره بأن الاستقامة تحصل بعد مدة من وقت الإقرار، وانه لا يناسب المقام إذ مقتضاه الترغيب في الاستقامة لا وجه له مع أنه فاسد لأنه لو سلم كان التراخي زمانيا لا رتبياً، وقوله: من الثبات الخ روي عن عمر وإخلاص العمل عن عثمان رضي الله عنهما، وأداء الفرض عن عليّ فهذه جزئيات ذكر كل منها على طريق التمثيل، وما في كلام بعضهم مما يوهم الاتحاد ليس بمراد وحقيقتها التوسط بين الإفراط والتفريط قولاً وفعلا واعتقادأ. قوله:
(يعن لهم) أي يعرض ويطرأ من الأحوال، وهذا إفا بالها مهم في الدنيا أو في غيرها كما في القبر والمحشر وحال الاحتضار، وقوله: بما يشرح صدورهم متعلق بتنزل والباء للملابسة أو التعدية، وقوله: على ما خلفتم في الدنيا خص بالماضي وما قبله بالمستقبل بناء على الفرق بين الحزن والخوف بأنّ الخوف لما يتوقع والحزن لما وقع. قوله: (وأن مصدرية الخ (مز تفصيل الوجوه الثلاثة في قوله أن لا تعبدوا في هذه السورة وعلى الأخير تتنزل يضمن معنى القول وعلى الثاني يضمن معنى العلم وعلى الأوّل يجوز كون لا نافية، وسقوط النون للنصب والجر في موضمع الإنشاء مبالغة وفيما سواه ناهية. قوله:) في الدنيا على لسان الرسل (قيل إنه ميل منه إلى غير التفسير الأوّل في قوله: تتنزل عليهم الخ، وقيل: تقديره في الجنة، وفيه نظر لا يخفى وقوله: نلهمكم الخ هو تفسير لكونهم أولياء، وقيل: معناه نحفظكم. قوله: (ما تتمنون) قد مر تحقيقه في يس مع وجهين آخرين فيه ووجه كون المتمنى أعم من المشتهى لأنه قد يقع في أمور معنوية وفضائل عقلية روحانية لكن قد يضتهي المرء ما لا يطلبه كالمريض يشتهي ما يضرّه، ولا يريده والأولى أن يقال: بينهما عموم وخصوص وجهي إلا أن يقال المراد بالمتمني ما يصح تمنيه، لا ما يتمنى بالفعل وكون التمني أعئم من الإرادة غير مسلم. قوله:(حال من لا تدّعون) يحتمل إنه حال من الموصول بناء على جواز
الحال من المبتدأ او على مذهب الأخفش في إعمال الظرف من غير اعتماد أو من عائده المقدار أو من ضميره المستتر في الخبر أي لكم وهو أحسن صناعة، ومعنى أمّا الأوّل فظاهر وأمّا الثاني فلأنه قيد للحصول لا للادعاء والتمني كما يعرف بالتأمّل، وقوله: كالنزل قليل عنده لأنّ النزل ما يهيأ للمسافر ليأكله حين نزوله
والعادة في أمثاله أن يعقبه من الكرامة ما هو أعظم منه جداً. قوله: (ومن أحسن قولاً الخ) أي لا أحد أحسن منه، وقوله: تفاخرا به مع قصد الثواب إذ هو لا ينافيه فيكون قال بمعنى تلفظ به لما ذكر وقوله: أو اتخاذاً، الخ فالمعنى جعل واتخذ الإسلام دينا له وليس المراد به أنه تكلم به فإنه كما قال الراغب: يرد لمعان ذكرها، منها الدلالة نحو:
امتلأ الحوض وقال قطني
وقوله: أو مذهبا من تولهم: قال بكذا إذا اعتقده وأورد عليه إن قال بمعنى تمذهب يتعدى بالباء ومفهوله مفرد وفيه نظر، وقد جعل هذا وما قبله وجها واحداً وهو أقرب مما ذكره المصنف، وقد وقع في نسخة ومذهباً معطوفا بالواو وهي أصح مما اشتهر في النسخ وهذا الوجه مبنيّ على الوجه الثاني. قوله:(وقيل نزلت في النبئ صلى الله عليه وسلم فتكون خاصة به كقوله في حق إبراهيم: {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة البقرة، الآية: 181] والمعنى اختار النسبة إلى الإسلام دون عز الدنيا وشرفها وهو ردّ على قولهم لا تسمعوا لهذا القرآن وتعجيب منه، وقيل: إنها نزلت في المؤذنين لدعوتهم الناس إلى الصلاة التي هي عماد الدين فالآية مدنية إلا أن يقال حكمها متأخر عن نزولها لأنّ السورة مكية، والأذان شرع بالمدينة. قوله:) في الجزاء وحسن العاقبة) أو في ظاهرهما لما في الأوّل من الحسن والثاني من القبح، وإذا كان المراد أنّ الحسنة لا تستوي مع السيئة فلا الثانية مزيدة للتأكيد فإن كان المراد إنّ الحسنة لا تتساوى مع السيئات لتفاوت مراتبها وأفرادها، كما أنّ السيئة كذلك فلا ليست مزيدة فإن تعريفهما للجنس، والأوّل أقرب، ولذا اختاره المصنف دون الثاني الذي اختاره الزمخشريّ. قوله:(ادفع السيئة حيث اعترضتك) اعترض بمعنى وقف بالعرض وبمعنى عرضت لك، ونالتك وهذا هو المراد هنا، وقوله: على أنّ المراد بالأحسن الزائد مطلقا فهو أحسن في الجملة فقوله: أحسن منها أي موجراً بها، وما يقع في مقابلتها وقيل تقديره متباعداً منها، واستبعد بعضهم فمن ليست الداخلة على المفضل عليه على أنها صلة أفعل. قوله:(أو بأحسن ما يمكن دفعها) فالمفضل عليه عام، ولذا حذف كما في الله أكبر أو المراد أن الزيادة على الحسن أمر مخصوص وهو ما يدفع به
السيئة، وقوله: وإنما أخرجه الخ هذه الجملة محتملة لاتصالها بما قبلها وانقطاعها عنها والظاهر الأوّل والمعنى لا تستوي الحسنة والسيئة في الطاعة، وجلب القلوب فادفع سيئتهم بالحسنة فكان الظاهر الفاء التفريعية فتركت للاستئناف الذي هو أقوى الوصلين اتكالاً على فهم السامع، وإليه أشار المصنف بجعله مستأنفا في جواب سؤال أي كيف أصنع الخ ومقتضى الظاهر ادفع بالحسنة فعدل عنه إلى الأبلغ لأنّ من دفع بالأحسن هان عليه الدفع بما دونه، وهذا الكلام أبلغ في الحمل، والحث على ما ذكر لأنه يومي إلى أنه مهم ينبغي الاعتناء به والسؤال عنه، وقوله: ولذلك أي لأجل المبالغة المأخوذة من الاستئناف. قوله:) عدوّك المشاق) أي المخالف وهو اسم فاعل وأصله المشاقق، وقوله: فعلت ذلك إشارة إلى أنه في جواب شرط مقدر والوليّ هنا بمعنى الصديق أو القريب، وقوله: هذه السجية أي الخصلة والصفة فالضمير راجع لما يفهم من السياق، ويجوز رجوعه للتي هي أحسن ومعنى يلق يعطي ويؤتى، وقوله: وهي أي السجية والمراد بالدين صبروا من فيهم طبيعة الصبر، وقوله: الجنة فهو وعد وعلى ما قبله مدح وفسر الحظ أيضا بالثواب وكمال العقل. قوله:) نخس (بالخاء المعجمة والنخس المس بطرف قضيب أو اصبع بعنف مؤلم استعير للوسوسة هنا، وقوله: لأنها أي الوسوسة تبعث الإنسان على ما لا ينبغي بتسويل الشيطان كما أنّ النزع يكون للحث على حركة ونحوها فهو وجه الشبه بينهما، وقوله: كالدفع بما هو أسوأ مثال لما لا ينبغي وهو ضدّ الدفع بالأحسن، والمعنى إن أفسدت ففساد ناشئ من الشيطان، وجد جدة بمعنى سعد سعده من الإسناد للمصدر مجازاً للمبالغة، ومن على هذا ابتدائية أي نزغ ناشئ منه. قوله:) أو أريد به نارّغ (فالمصدر بمعنى اسم الفاعل كعدل بمعنى عادل وإليه أشار بقوله: وصفا الخ، ومن على هذا بيانية والجار والمجرور
حال ويجوز أن يكون تجريداً، ومن ابتدائية، ويجوز أن يكون المراد بالنازغ وسوسته وقوله: لاستعاذتك الخ فسره في الأعراف بسميع لقوله من آذاك عليم بفعله فينتقم منه مغنيا عن انتقامك وقيل: عليم بنزغ الشيطان.
قوله:) مأموران مثلكم (بأمركن التكويني لا أمر تكليف لأنهما لا إدراك لهما أو المراد
أنهما جاريان على وفق إرادته مسخران، وقوله: مثلكيم إشارة إلى مانع آخر لأنّ المرء لا يعبد
من هو مماثل له، وقابل الليل بالنهار لأنه يقابله كما أن الليلة تقابل اليوم، وقوله: والمقصود
الخ جملة حالية وضمير بهما للشمس والقمر، وقوله: إشعاراً مفعول له وهو تعليل لجمعها في
ضمير واحد مع أنّ المقصود الشمس والقمر ووجها لإشعار المذكور نظمها بصيغة واحدة
والليل والنهار لا يعقل قطعا فكذا ما هو مثلهما، ولو ثنى الضمير لم يكن فيه إشعار، وفيه
إشارة إلى وجه التعبير بضمير المؤنث أيضا فإنّ جماعة ما لا يعقل في حكم الأنثى أو الإناث
يقال الأقلام بريتها وبريتهن فليس من التغليب في شيء حتى يرد أنه، إنما يغلب المذكر على
المؤنث لا العكس فعلم عدم استحقاقهما للعبادة من وجوه كونها مخلوقة غير مدركة. قوله:
(فإنّ السجود أخص العبادات) إذ العبادة مطلقا مختصة بالله معنى، وهذا يختص به معنى
وصورة بخلاف القيام والركوع، والعبادة التذلل وهو غايتها فيلزم من اختصاصها اختصاصه،
وقوله: وهو أي هذا المحل عند قوله: تعبدون موضع السجود عند الشافعيّ في أحد قوليه
وذكره لأنه هو الذي ظهر فيه محل الاختلاف فلا ينافيه كون الأصح خلافه عندهم إن سلم،
وعند أبي حنيفة وفي أحد قولي الشافعي السجدة عند قوله: لا يسأمون لأنه تمام الآية وبه يتتم
المعنى فلذا أخرها احتياطا لأنه لا ضير في تأخير السجود بخلاف تقديمه على محله فإنه يقع
غير معتد به. قوله: (عن الامتثال) قدره، وكان الظاهر عن السجود أو العبادة لكنه عدل عنه
لأنهم لم يستكبروا عن ذلك لكنهم لم يمتثلوا أمره إذ سجدوا لغيره تعالى، والمخالفة تتضمن
الاستكبار بوجه مّا، وقوله: فالذين الخ جواب أمر مقدر أي فدعهم وشأنهم أو فقاتلهم فإن دته
عباداً يعبدونه، وقوله: لقوله الخ فإنّ عدم السآمة المعبر عنه بالاسمية المقدم فيها الضمير يدل
على الدوام. قوله: (مستعار من الخشوع الخ (يعني أن أصل معنى الخشوع التذلل فاستعير
استعارة تبعية لحال الأرض! في السكون، وكونها مجدبة لإثبات فيها كما وصفها بالهمود في
قوله: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} [سورة الحج، الآية: 5] وهو خلاف وصفها بالاهتزاز وما معه كما
بينه الزمخشري، ويجوز أن تكون استعارة تمثيلية كما ستراه كما أشار إليه الشارح المحقق.
قوله:) تزخرفت وانتفخت) التزخرف التزين بالنبات والانتفاخ معنى قوله: ربت بمعنى صارت
ربوة مرتفعة، وقوله: وقرئ ربأت أي بالهمز بمعنى ارتفعت من ربا عليه إذا أشرف ويقال: إني
لأربا بك عن كذا أي أرفعك عنه ولا أرضاه لك كما في الأساس، وفي الكشاف: كأنها بمنزلذ
المختال في زيه وهي قبل ذلك كالذليل الكاسف البال في الأطمار الرثة انتهى فهو استعارة أيضا وفي الكشف إنه يشعر بأنه ليس من التمثيل وذكر في قوله: {حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} [سورة يونس، الآية: 24] إنه كلام فصيح جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروش إذا أخذت النبات الناضر من كل لون والظاهر أنه تمثيل هنا أيضا لكن أطلق الاستعارة على المعنى الأعم على معنى أنه لا مانع من الوجهين كما في قوله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا} وقوله: بعد موتها الموت والحياة استعارة للخصب والجدب كما مرّ تحقيقه، وقوله: من الإحياء والإماتة لو أبقى على عمومه ويدخل هذا فيه دخولاً أوّليا كان أولى. قوله: (يميلون) من ألحد إذا مال، والإلحاد في آياته أي شأنها وما يليق بها، وقوله: بالطعن الخ، إشارة إلى أنها شاملة للقرآن وغيره لأن التحريف لم يقع في القرآن بل في غيره من الكتب، وقوله: والإلغاء فيها بالغين المعجمة إفعال من اللغو وكان الظاهر أن يقول اللغو فيها لأنه إشارة إلى قوله، وألغوا فيه كما مرّ، وقوله: فنجازيهم على إلحادهم لأن اطلاع الله على الأمور وعلمه بها كناية عن مجازاة فاعلها كما مرّ مراراً. قوله:) قابل الإلقاء في النار الخ) كان الظاهر أن يقابل بدخول الجنة لكنه عدل عنه لأنّ الأمن من عذاب الله أعمّ وأهمّ، ولذا عبر في الأوّل بالإلقاء الدال على القسر والقهر وفيه بالإتيان الدال على أنه
بالاختيار والرضا مع الأمن ودخول الجنة لا ينبغي أن يبدل حالهم من بعد أمنهم خوفا فليس بمستغنى عنه والإحماد كونهم محموداً حالهم في الحال، والمآل وكونه من الاحتباك بتقدير من يأتي خائفا، ويلقي في النار ومن يأتي آمناً ويدخل الجنة فحذف من كل منهما نظير ما أثبت في الآخر بعيد لأنه لا قرينة تدل عليه ولا يكفي في مثله سلامة الأمير. قوله: (بدل من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ} الخ (بدل كل من كل ظاهره إن كلمة إن مع الاسم بدل من إنّ مع الاسم، وقد قال المحقق في شرحه: إنه إبدال غريب ليس من إبدال المفرد ولا من إبدال الجملة، ولا يشعر كلامه بأن الذين بدل من الذين بتكرير العامل مع أنّ ذلك لم يعهد في غير الجار والمجرور ولا بأنه على حذف الخبر للتهويل أي إنّ الذين كفروا يكون من أمرهم ما يكون، أو لا يخفون أو هلكوا ونحوه ولا وجه لما ذكر فإن الجملة بدل من الجملة، وليس في كلام المصنف ما يأباه لكنه قيل عليه إنه على تقدير الخبر لا حاجة إلى تكلف البدلية فيه فإنّ الحامل عليه الاستغناء عن التقدير فتأمل، وقوله:
أو على الوجهين أو قوله: أولئك ينادون فلا حذف فيه لكنه بعيد، وقوله: والذكر القرآن بوضع الظاهر موضع المضمر وفيه وجوه أخر ذكرها المعرب مع ما فيها. قوله:) كثير النفع عديم النظير الخ (العز حالة مانعة للإنسان عن أن يغلب كما قاله الراغب: فإطلاقه على عديم النظير مجاز مشهور يقال: هو عزيز أي لا يوجد مثله، وكذا كونه مبتغى وأما كونه كثير النفع فهو مجاز أيضا لأنه إنما يعز الشيء لنفاسته، وهي بكثرة المنافع فيه وعدم نظيره لإعجازه وفسر أيضا بأنه غالب لسائر الكتب لنسخه لها. قوله: (من جهة من الجهات) أي من جميع الجهات فما بين يديه وما خلفه كناية عن جميع الجهات كالصباح، والمساء كناية عن الزمان كله، وفيه تمثيل لتشبيهه بشخص حمى من جميع جهاته فلا يمكن أعداءه الوصول إليه لأنه في حصن حصين من حماية الحق المبين وقوله: أو مما فيه الخ معطوف على قوله من جهة يعني أنه لا يتطزق إليه باطل في كل ما أخبر عنه والأخبار الماضية ما بين يديه والآتية ما خلفه أو العكس كما مز تحقيقه، وقوله: أفي حكيم يعني تنوينه للتعظيم وقوله: بما ظهر عليه من نعمه الباء للسببية أو للآلية فيكون الحمد بلسان الحال، وعلى الأوّل بالقال فتدبر. قوله: (أو ما يقول الله لك الخ (معطوف على قوله: ما يقول لك كفار قومك الخ وما قاله الكفار الأذية وما ضاهاها وما يقوله الله الأوامر والنواهي الإلهية التي أجملت في قوله: إنّ ربك لذو مغفرة الخ كما أشار إليه المصنف، وقوله: يحتمل الخ إشارة إلى أن فيه احتمالاً آخر وهو أن يكون القول غير مذكور وما ذكر كلام مستأنف، والمقول له أصول التوحيد والشرائع والحصر فيه إضافي بالنسية لغيره من أمور الدنيا فلا ينافي أنه يقال له غير ذلك كالأمر بالدعوة والقصص رنحو ذلك، وإليه أشار بقوله: بمعنى أنّ حاصل الخ وأنه باعتبار الحاصل فلا يضرّ اختلاف الخصوصيات والشرائع واختار الميم على شديد مع أنه أنسب بالفواصل إيماء إلى أن نظم القرآن ليس كالإسجاع، والخطب وأنّ حسنه ذاتي والنظر إلى المعاني دون الألفاظ فيه، وقوله: إليهم أي إلى الرسل. قوله: (أكلام أعجمي الخ! فأعجمي
وعربي صفتان لموصوفين مقدرين كما ذكره، وقوله: إنكار مقرّر للتخصيص أي هو استفهام إنكاري مقرّر ومؤكد لتخصيص الفرآن بكونه عربيا لا أعجميا والمخاطب العربي أعم من الرسول والمرسل إليه والإنكار لاستبعادهم لذلك وعدم فهمهم له. قوله: (والأعجمي الخ) أصله أعجم، ومعناه من لا يفهم كلامه للكنة أو لغرابة لغته وزيدت الياء للمبالغة كما في أحمري ودواري وأطلق على كلامه مجازاً لكنه اشتهر حتى ألحق بالحقيقة فلذا ذكره المصنف وتركه الزمخشريّ فإنّ قوله: ولكلامه وقع في بعض النسخ دون بعض والعجمي المنسوب إلى العجم، وهم من عدا العرب وقد يخص باهل فارس ولغتهم العجمية أيضاً فبين الأعجمي والعجمى عموم وخصوص وجهي. قوله:(وعلى هذا يجوز أن يكون المراد هلا) هو معنى لولا التحضيضية وقوله: فجعل بعضها الخ على تقدير بعضها أعجمي، وبعضها عربي فيكون خبر مبتدأ مقدر بما ذكر وعبر بالجواز لأنه غير متعين لاحتمال غيره مما فصلوه، وقوله: والمقصود الخ أي من قوله ولو جعلناه إلى تمام
الشرطية على الوجوه، والقراآت ومقترحهم كونه بلغة العجم والمحذور اللازم لاقتراحهم أنه يفوت الغرض منه إذ لا معنى لإنزاله أعجميا على من لا يفهمه، وقوله: أو الدلالة الخ يعني المقصود من هذه الجملة الشرطية بيان إنهم لا ينفكون عن التعنت عنادا لاقتراحهم الأعجمية فإذا وجدت طلبوا تفصيله، ولو فصل طلبوا أمرا آخر وهكذا، واذا كن المراد بالعربي المرسل إليهم كان حقه الجمع لكن الإفراد والتذكير هنا متعين كما أفاده الزمخشريّ لأنّ حق البليغ أن يجرّد الكلام عما يزيد عن مراده والمراد تنافي الحالتين بقطع النظر عمن هو في حقه فإذا أنكرت لباساً طويلاً على امرأة قصيرة قلت اللباس طويل، واللاب! قصير ولو قلت: اللابسة قصيرة كان مستهجنا وقبيحاً من الكلام فاحفظه. قوله تعالى: ( {قُلْ هُوَ} الخ) رد عليهم بأنه هاد لهم شاف لما في صدورهم كاف في دفع الشبه فلذا ورد بلسانهم معجزاً بينا، في نفسه مبينا لغيره وقوله: على تقدير هو في آذانهم الخ ذكروا لي إعرابه ثلاثة أوجه فالذين آمنوا إمّا مبتدأ في آذانهم خبره ووقر فاعل الجار والمجرور او في آذانهم خبر مقدم، ووقر مبتدأ مؤخر والجملة خبر الأوّل، أو وقر خبر مبتدأ مقدر والجمله حر الأوّل والتقدير هو وقر الخ، أو الذين عطف على الذين ووقر عطف على هدى على أنه م! العطف على معمولي عاملين مختلفين بناء على تجويزه والخلاف فيه مشهور فقوله: على نقدبر
الخ هو أحد الوجوه فيه فهو مبتدأ خبره وقر على المبالغة، أو بتقدير ذو وقر وفي آذانهم بيان لمحل الوقر لا خبر لوقروا لتقدير في آذانهم منه، وقر ولا يقدر هو حينئذ، وقيل: التقدير ذو وقر وفي آذانهم بيان لمحل الوقر لا خبر لوقر والتقدير في آذانهم منه، وقر ولا يقدر هو حينئذ، وقيل: التقدير الذين لا يؤمنون به في آذانهم، وقر فالرابط به أو الجملة معترضة فلا تقدير فيها. قوله:(لقوله وهو عليهم عمي) فإنه إنما يناسب ما قبله إذا قدر فيه هو ورعاية المناسبة أولى لا وواجب حتى يدل على عدم جواز غيره من الوجوه، وإنما اختار الزمخشري ما اختاره لأن حذف المبتدأ لا يخلو عن ضعف بخلاف العائد المجرور فإنه كثير وليس فيه تفكيك للنظم كما قيل، وقوله: على عاملين هذه عبارة النحاة وفيها تسامح والتقدير على معمولي عاملين والعاملان حرف الجرّ والابتداء، والخلاف فيه مشهور فمنهم من منعه، ومنهم من جوّزه ومنهم من فصل فيه فجوّزه إذا كان أحدهما مجروراً وقدم نحو في الدار زيد والحجرة عمرو، وتفصيله في المغني وشروحه. قوله:(من مكان بعيد منهم وهو الخ) كذا في بعض النسخ وفي بعضها إسقاط قوله: منهم وفي نسخة هم بدل هو وهي من تحريف الناسخ، وجعل النداء من مكان بعيد تمثيلا لعدم فهمهم وانتفاعهم بما دعوا له يقال: أنت تنادي من مكان بعيد أي لا تفهم ما أقول، وقيل إنه على حقيقته وانهم يوم القيامة ينادون كذلك تفضيحاً لهم، وقوله: يصح به تفعيل من الصياح كما صحح في النسخ من صيح الثوب إذا انشق وصيح به إذا أزعجه لشدّة صياحه. قوله: (وهي العدة بمالقيامة الخ) يعني لولا أنه تعالى قدر الجزاء في الآخرة قضى بينهم في الدنيا، أو لولا أنه تعالى قدر الآجال لعجل هلاكهم واستئصالهم فتقدير لآجال عطف على العدة. قوله:(وأن اليهود) فالضمير لهم بقرينة السياق لأنهم الذين اختلفوا في كتاب موسى فإن أريد من لم يؤمن منهم فظاهر، وان أريد المطلق فمعنى لفي شك إنهم لا يؤمنون حق الإيمان به كما يأتي في السورة الآتية، وقوله: من التوراة الخ لف ونشر مرتب أو هو على التعميم فيهما، وقوله: موجب للاضطراب لأنّ الشبه والشكوك تورث القلق والاضطراب، وقدر نفعه وضرّه مؤخرا ليفيد الحصر المناسب للمقام ومن يصح فيها الشرطية والموصولية كما مرّ. قوله تعالى:( {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} ) قد مرّ تفصيله وانّ المبالغة في نفي الظلم لا نفي مبالغة
الظلم ما هو المتبادر، ووجهه أن يعتبر النفي أوّلاً والمبالغة بعده ولو عكس كان على العكس، وهو موكول إلى القرائن أو المبالغة في الكم لكثرة العبيد، وفيه كلام آخر مرّ تفصيله. قوله:(فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله) إشارة إلى أنّ الظلم هنا عبارة عن فعل ما لا يفعله إلا أنه ظلم لو صدر منه وعدم فعله جريا على وعده السابق، ومقتضى حكمته والا فله تعالى أن يعذب المطيع وينعم المسيء فليس هذا مبنياً على قاعدة الحسن والقبح العقليين الذي ذهب إليه المعتزلة وعممه للفريقين ولم يخصه بالمسيء كما في الكشاف فإنه لا وجه له إلا الإيماء إلى مذهبه في أنّ الكبيرة صاحبها مخلد. قوله: (إذا سئل عنها (فرد علمها إليه تعالى معناه أن يقال الله عالم بها
لأنها من المغيبات ولذا علله بقوله: إذ لا الخ ففيه احتمالان في شرح التأويلات، إنه متصل بأمر الاعة والبعث، وهو الأقرب فإنه لا يعلم هذا كله إلا الله فذكر هذه الأمور لمناسبتها لعلم الساعة، وان الكل إيجاد بعد العدم بقدرته تعالى فيكون برهانا على الحشر وأن يتصل بقوله:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ} [سورة فصلت، الآية: 37] الخ وبقوله: ومن آياته إنك ترى الأرض خاشعة الخ فالمعنى من آيات ألوهيته وقدرته وعلمه أن يخرج التمرات من أكمامها الخ انتهى محصله. قوله: (جمع كم بالكسر) من كممه إذا ستره وهو بالكسر في الثمار وبالضم كم القميص وقد يضم الأوّل أيضاً والجمع مشترك بينهما كما قيل:
من فوق أكمام الرياض وتحت أذيال النسيم
وقوله: بجمع الضمير أي أكمامهن، وقوله: للاستغراق أي لتأكيد الاستغراق والنص عليه
إذ النكرة بعد النفي مستغرقة وتأنيث تخرج على الموصولية نظراً إلى المعنى لأنه بمعنى ثمرة، وفوله: من مبينة أي الأولى ومن في من أكمامها ابتدائية على كل حال ومن ثمرة في محل نصب على الحال، وقوله: بخلاف قوله: وما تحمل الخ فإنّ ما فيه نافية لا غير لأنه عطف عليه النفي وأتى بعده بقوله إلا بعلمه، وهو استثناء مفرغ لا يكون إلا بعد النفي فلا يصح كونها موصولة كما فيل: وفيه نظر لأنه يكفي لصحة التفريغ النفي في قوله، ولا تضع وجملة لا تضع يصح أن تكون حالاً أو معطوفة على جملة إليه يرد الخ وما هذه موصولة كمثل الأولى. قوله: " لا مقروناً بعلمه) إشارة إلى أنّ الباء للملابسة أو للمصاحبة وأنّ الجار والمجرور في محل نصب على الحال، وهو مستثنى من أعتم الأحوال، وقوله: واقعاً الخ تفسير لاقترانه به، وقوله:
بزعمكم لأنه تعالى منزه عنه فسيق على زعمهم توبيخاً لهم، وقوله: ما منا من شهيد جملة منفية في محل نصب لأنها مفعول آذناك وقد علق عنها لأنه بمعنى العلم أي أعلمناك والمراد بالإعلام هنا الإخبار أيضاً، ولذا فسره به فلا يرد أنه ينبغي تفسيره بأخبرناك لأنه تعالى عالم فلا يصح إعلامه بما هو عالم به بخلاف الإخبار فإنه يكون للعالم كما قاله السمرقندي؟ وعلى كليهما فهو معلق على اختلاف فيه فالمعنى أعلمناك بأنه ليس أحد منا يشهد بشركتهم ويقرّبها الآن فشهيد فعيل من الشهادة، ونفي الشهادة كناية عن التبرؤ منهم لأن الكفرة يوم القيامة أنكروا عبادة غيره ت! لى مرّة واً قرّوا بها، وتبرؤوا منها مرّة أخرى وسألوا الرد إلى الدنيا في أخرى بحسب الأوقات أو هو من أقوام أو أشخاص منهم كما صرّحوا به هنا، وفسره السمرقندي بالإنكار لعبادتها فيكون كذبا كقوله:{وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 23] وهو أقرب فيما قيل مما اختار. المصنف وليس بمسلم لأنه إن أريد نفي إقرارهم الآن فهو تبرّؤ، وإن أريد فيما مضى فهو كذب. قوله:(فيكون السؤال عنهم للتوبيخ) أي إذا كان المراد بنفي الشهادة والإقرار الآن التبرّؤ منهم وأنهم أخبروه تعالى بذلك التبرّؤ، قبل السؤال لما رأوا ما أشركوه فالسؤال حينئذ توبيخ، وتقريع إذ لا يتوهم إنه سؤال ولو بحسب الظاهر، وهو جواب عن السؤال المقدّر بأن الإيذان الإعلام فإذا سبق فلم سثلوا وأجابوا عنه بوجوه أنه ليس سؤالا حقيقة، بل توبيخ وتقريع أوليس المراد أعلمناك فيما مضى بنفي الشركة، بل هو مجاز عن علمه تعالى الآن بأنهم لا يشهدون بالشركة لأنّ العلم يلزم الإعلام أو هو إنشاء لا إخبار. قوله:(أو من أحد يشاهدهم) فشهيد من الشهود بمعنى الحضور والمشاهدة والأعلام بمعنى العلم كما مز أو هو إنشاء فعلى هذا كان ينبغي أن يؤخر قوله فيكون السؤال الخ، وقوله: ضلوا عنا أي غابوا أو ضاعوا كما مرّ فهو مجمل تفصيله ما بعده. قوله: (وقيل هو قول الشركاء الخ) ومرضه لما فيه من التفكيك، ويكون المعنى حينئذ كقوله: ويكونون عليهم ضدّ التبرؤ كل منهم عن الآخر وكون المعنى أنهم أنكروا عبادتهم لهم كذباً منهم لا وجه له هنا، وقوله: لا ينفعهم الخ تفسير لضل بمعنى غاب أمّا بأنه لعدم نفعه كأنه ليس بحاضر موجود أو أنهم لم يروهم إذ ذاك وهذا في موقف وجعلهم مقترنين بهم في آخر فلا تنافي بينهما، وقوله: وأيقنوا لأنه لا احتمال لغيره هنا وهو يكون بمعنى العلم كثيرا، وقوله: معلق الخ فالجملة سادّة مسد مفعوليه، وقوله: الضيقة هي الضد السعة. قوله: (وهذا صفة الكافر) يعني ما في هذه الآية من قوله: لا يسأم
الخ لا يتصف به غيره، وقوله: وقد بولغ الخ جواب عما يرد في المقال من أنه لا يوصف به
غيره، ويكون المراد شدة قلقه فإن المبالغة المذكور تأباه، وقوله: من جهة البنية أي الصيغة لأنّ فعولاً من صيغ المبالغة والتكرير لأنّ اليأس والقنوط كالمترادفين، وان كان اليأس مغايراً له أو أعمّ لأنّ القنوط أثر اليأس أو يأس ظهر أثره على من اتصف به كإنكساره وحزنه فيتكرر بذكره اليأس في ضمنه على كل حال كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: وما في القنوط الخ. قوله: (حقي أستحقه الا بفضل من الله كما تدل عليه لام الاستحقاق فيكون جاحداً للنعم كافراً بالمنعم، وقوله: أولى دائما فاللام للملك وهو يشعر بالدوام، وهو المراد فهو ذم له بأنه طغى وبطر، وقوله: تقوم إشارة إلى أنّ اسم الفاعل هنا للمستقبل. قوله:) ولئن قامت على التوهم (كما يدل عليه إن الشرطية فإنّ الأصل فيها أن تستعمل لغير المتيقن فالتأكيد بالقسم هنا ليس لقيامها بل لكونه مجزيا بالحسنى لجزمه باستحقاقه للكرامة فلا تنافي بينها وبين التأكيد بالقسم، وان واللام وتقديم الظرفين وصيغة التفضيل فإن تكوز للأمور المفروضة، وليس هذا وجها آخر كما قيل ولا ينافي قوله: وما أظن الساعة لأن المعنى بل أتوهمها فتدبر. قوله: (وذلك لاعتقاده الخ) هذا على تفسيره الثاني لقوله: هذا إلى لا إن هذا الاعتقاد مقرر عنده كما في قولهم: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سورة سبأ، الآية: 35] أي في الآخرة إن تحقق أمرها فلا ينافي الوجه السابق ولا قوله: لا ينفك عنه فتأمل. قوله: (ولنبصرنهم (من التبصير يقال بصره كذا وبكذا إذا عرفه فالمراد بإخبارهم بأعمالهم توقيفهم على ما يستحقون به العذاب المشاهد لهم فهو وعيد لهم لأنه كناية عن العذاب وأنهم مستحقون للإهانة لا الكرامة كما توهموا، وقوله: لا يمكنهم التفصي أي التخلص عنه، والنجاة منه تفسير لقوله: غليظ، وإشارة إلى أنه استعارة كما سيأتي تقريره في قوله: عريض فغلظه استعارة له من عدم الرقة في الأجسام للمعاني ككبير وكثير لشدته أو كثرته، وإحاطته بهم بحيث لا ينفك عنهم كمن أوثق بوثاق غليظ لا يمكنه قطعه. قوله:) وانحرف عنه (قال الراغب حقيقة نأى أعرض وقال أبو عبيدة: تباعد ويقال: نأى ونأى به بمعنى نهض كقوله: لتنوء بالعصبة، ومنه: نأى بجانبه أي نهض به وهو عبارة عن التكبر كشمخ بأنفه والباء للتعدية، وفي ضمير عنه استعارة بالكناية
وتفسيرا لنأى بالجانب بالانحراف تفسير له يلازمه عادة فهو إنا مجاز أو كناية ولا مانع من إرادة معناه الحقيقي كما توهم. قوله: (أو ذهب بنفسه وتباعد عنه) على أن الجانب بمعنى الناحية، والمكان ثم نزل مكان الشيء وجهته كناية منزلة الشيء نفسه كقولك المجلس العالي أدام الله أيامه، وقولهم: مقام الذنب فكأنه قيل: نأى بنفسه ثم كني بقوله: ذهب بنفسه عن التكبر والخيلاء ففيه على هذا كنايتان وعلى الوجه السابق كناية واحدة حيث كني بنأى بجانبه عن الانحراف، فما قيل: إنّ في كلا الوجهين لفظ جانب كناية مطلوب بها الموصوف أعنى نفسه أو عطفه ومجموع الكلام كناية مطلوب بها اختصاص صفة بموصوف، وهو التكبر والتعظم في الأوّل والانحراف والأزورار في الثاني مبني على اًن الجانب حقيقته الناحية والجهة وأنه مغاير للجنب وقد صرّح الراغب وغيره بخلافه فإنه سوى بينهما فجعل الجنب والجانب حقيقة كالعطف في اوجارحة وأحد شقي البدن مجازا في الجهة والمصنف في سورة الإسراء جمع بين المعنيين وجعل كونه كناية عن التكبر وجهاً آخر، وقوله: تباعد عنه عطف تفسيرقي لذهابه بنفسه. قوله:) والجانب مجاز عن النفس الخ) قد مرّ فيما قررناه تبعا لشراح الكشاف قاطبة إنه كناية وكلام المصنف مخالف له فإنه رآه استعمل حيث لا يمكن إرادة الحقيقة كما في قوله: في جنب الله، والكناية شرطها جواز إرادته فقاس ما هنا عليه وله وجه وجيه، وما قيل: إنه أراد ما ذكر فعبر عنه بالمجاز على طريق المجاز خلاف الظاهر من غير داع لتكلفه وعليه فالمجموع استعارة بالكناية لا كناية ويجوز كونها تمثيلية. قوله: (كثير مستعار مما له عرض! (وأصله مما يوصف به الأجسام، وهو أقصر الامتدادين وأطولهما هو الطول ووصفه بالعرض العظيم يستلزم عظم الطول أيضا لأنه لا بد أن يكون أزيد منه والا لم يكن طولأكما لا يخفى، وإليه أشار المصنف وقوله: له عرض بفتح فسكون أو بسكر ففتح كصغر، وقوله: بكثرته أو استمراره كما في بعض النسخ والظاهر عطفه بالواو كما في كثير من النسخ أيضا فإن معنى كثرة الدعاء تجدده وتكرّره، وهو استمراره فليس بينهما تفاوت كبير، وقوله:
متسع إشارة إلى أن فيه استعارة بالكناية حيث شبه الدعاء بأمر ممتد وأثبت له لازمه وهو العرض والاتساع من قوله: عريض لأنه يدل عليه في عرف التخاطب، ولا حاجة لأخذه من صيغة المبالغة وتنوين التكثير وإن كان لا مانع من تقويتهما لذلك، فإن قلت كونه يدعو دعاء طويلا عريضا ينافي وصفه قبيل هذا بأنه يؤس قنوط لأن الدعاء فرع الطمع والرجاء، وقد اعتبر في القنوط ظهور أثر اليأس فظهور ما يدل على الرجاء يأباه قلت: إن سلم اتحاد موصوفيهما ذاتا وزماناً، ولم يقل إنه بحسب الأشخاص أو الأوقات كما هو أحد الوجوه المذكورة في التأويلات فلا تعارض بينهما، وإلا فليس المراد بما ذكر في الآيتين إلا بيان ما طبع عليه الإنسان من الرغبة في الخير والسعة والنفرة والكراهة للشدة والبلاء لا حقيقة ما ذكر بل إنه حريص الطمع هلوع الجزع قولاً وفعلاً
حتى إنه لعدم اعتماده على خالقه وسخافة عقله أحواله متناقضة، وظاهره مناف لباطنه وهو لشدة ذهوله وولهه واضطرابه يصعد في هبوطه، ويدعو مع قنوطه كما أشار إليه السمرقنديمما في تفسيره وتبع أثره المدقق في الكشف حيث قال في ذكر الوصفين ما يدل على أنه عديم النهية ضعيف الهمة إذ اليأس والقنوط ينافيان الدعاء العريض، وأنه كالغريق المتمسك بكل شيء ومن لم يفهم مراده زعم أنه لا يدفع المنافاة إلا إذا حمل على عدم اتحاد الأوقات والأحوال، وقوله: عرضه كذلك أي متسعاً وقوله: أخبروني مر تحقيقه مراراً فتذكره.
قوله: (قل أرأيتم) الآية رجوع لإلزام الطاعنين والملحدين وختم للسورة بما يلتفت لفت بدئها، وهو كما في شرح الكشاف من الكلام المنصف وفيه حث على التأمل واستدراج للإقرار مع ما فيه من سحر البيان، وحديث الساعة وقع في البين تتميما للوعيد وتنبييا على ما هم عليه من الضلال البعيد، وقوله: فوضع الموصول وهو من هو في شقاق بعيد أي أقيم ذلك الاسم الموصول الظاهر مقام الضمير، وهو منكم فالمراد بالصلة الجار والمجرور المتعلق بأفعل التفضيل والجار المتعلق بشيء يطلق عليه صلته، ولذا عبر به المصنف قصد المراعاة النظير وأيها ما لمن ليس بذي ذهن سليم، ومن لم يقف على مراده تردد فيه بما لا وجه له، ولو قال وضعالظاهر موضحع الضمير كان أظهر كما وقع في بعض النسخ وشرح حالهم يعلم من الصلة، والتعليل يفهم من التعليق بذلك لأنه في قوّة قوله: لكونهم في شقاق بعيد كما يدل عليه فحوى الخطاب، وقوله: لمزيد ضلالهم عبر بالمزيد إشارة إلى ما يفيده أفعل التفضيل، والشقاق الخلاف لكون المخالف في شق وجانب مما خالفه. قوله:(ما أخبرهم النبتي عليه الصلاة والسلام الخ) فإنها من آيات نبوّته لما فيها من المعجزات لإخباره عن المغيبات والحوادث الآتية كقوله: لتميم الداري " إنه سيفتح بيت المقدس " وقوله في الخندق: " إق المسلمين يملكون ملك كسرى " ونحوه مما لا يخفى، كما في الأحاديث الصحيحة كما سيأتي في سورة الفتح،
والنوازل جمع نازلة وهي ما قصه الله عليه في الأمم الخالية مما لا يعلمه إلا بالوحي وقوله: على وجه خارق للعادة توجيه لكون تلك الفتوح من آياته ومعجزاته. قوله: (ما ظهر فيما بين أهل مكة) فآيات الآفاق على هذا ما أخبر به من أحوال غيرهم من الأمم الماضية كعاد وثمود، والآتية من أحوال الروم والعجم وما في أنفسهم ما حل بالعرب من الأسر والقتل كما وقع ببدر ويوم الفتح أو المراد بالآفاق ما في غير الإنسان، وبالأنفس ما فيه من أطوار خلقه من النطفة إلى المعاد أو الأوّل ما في السموات كرفعها بغير عمد وغير ذلك من أحوال الملكوت، والأنفس ما في عالم الملك وهي احتمالات فصملها السمرقندي، وأشار إليها المصنف ولو صرّح بها على وجه التقابل كان أظهر لكنه لم ينبه عليها لظهورها فلا يرد عليه شيء. قوله:(الضمير للقرآن الخ) يعني أنهم إذا عرفوا الآيات الدالة على وجوده أو ما أخير به الرسول صلى الله عليه وسلم وأتى به من المعجزات تبين لهم حقيقة القرآن بإعجازه أو الرسول بمعجزاته، أو الله بالبراهين العقلية والسمعية فقوله: الضمير للقرآن يعني على كلا التفسيرين، وكذا إذا جعل الضمير للرسول فضمير كان في الآية السابقة للرسول أيضا فكان عليه أن يشير إليه أوّلاً ثم إنه لا حاجة إلى جعل ضممائر الجمع في سنريهم وما معه للمشارفين للاهتداء منهم أو للجميع على أنه من وصف الكل بوصف البعض كما قيل إذ لا يلزم من تبين الحق لهم إيمانهم به فإنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فتأمّل. قوله:(أو التوحيد) أو الدين قيل، وهو الأولى أو لله وهذان