الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحقائق وكذا الحشر من المغيبات التي بها الصلاح والسداد، وفيها تنكشف الأمور للعباد. قوله:(اثنتين وعشرين مرّة الخ) قد عرفت أنه مخالف لرواية الترمذيّ عشر مرّات فإن قلت يلزم من هذا تفضيل الشيء على نفسه لأن يس من جملة القرآن قلت ليس هذا بلازم إذ يكفي في صحته التغاير الاعتباري فإن يس من حيث تلاوتها فردة غير كونها مقرونة في جملته كما إذا قلت الحسناء في الحلة الحمراء أحسن منها
في البيضاء وقد يكون للشيء مفردا ما ليس له مجموعا مع غيره كما يشاهد في بعض الأدوية، ألا ترى آيات الحفظ جرّبت خاصيتها إذا كتبت مفردة دون ما إذا كانت في المصحف، وقد قيل لبعض الملاحدة إنها تمنع سرقة المتاع فقال قد سرق المصحف وهي فيه، وليس من أجل شخصاً وأكرمه على انفراده كمن كرمه مع قرنائه وأنداده ولعل هذا أقرب مما قيل المراد القراءة بالتدبر وبدونه، أو المراد بقراءة القرآن قراءته دون يس، وقول بعض المشايخ اللازم حصول الأجر بلا تناه لقارئها ولا محذور فيه مما لا مآل له فتأمّل. قوله:(يصلون عليه) أي يدعون له ويصلون عليه الثاني من الصلاة على الميت تمت السووة، اللهمّ إني أسألك ببركة سورة يس أن تجعلنا من جوارك وحفظك في حصن حصين، وأن تصلي وتسلم على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
سورة
الصافات
بسم الله الرحمن الرحبم
لم يختلفوا في كونها مكية ولا في عدد آياتها والثاني غير مسلم لأنّ الداني نقل فيها خلافا! ض من قال إحدى ومنهم من قال اثنتان وثمانون آية. قوله:) أقسم بالملافكة الصافين (يعني أنّ الواو للقسم والمقسم به جماعة كان حقه أن يجمع جمع المذكر السالم فتأنيثه إمّا على أنه جمع صافة أي طائفة، أو جماعة صافة فيكون في المعنى جمع الجمع أو على تأنيث مفرد باعتبار أنه ذات ونفس، والمراد بالصافات الملائكة لقيامها مصطفة في مقام العبودية لمالك الملك، وصفا وزجرا مصدر مؤكد وكذا ذكرا ويجوز فيه كونه مفعولاً به، وقوله على مراتب يعني تقدم بعض صفوفهم على بعض باعتبار تقدم الرتبة ولقرب من حظيرة القدس، وأما التفسير بأن منهم قياماً ومنهم ركوعاً ومنهم سجوداً فلا دلالة في اللفظ عليه، ومنتظرين حال من ضمير الصافين وهذا لبيان الواقع في حكم اصطفافهم لا من مدلولط النظم. قوله:) الزاجرين الإجرام الخ) الزجر يكون بمعنى السوق والحث، ويكون بمعنى المنع والنهي والى الأوّل أشار بما ذكر هنا ومعنى سوقها تسخيرها وتدبيرها لما خلقت له كإدارة حق الأفلاك وطلوع الأفلاك وغروبها واجراء المياه الأرضية، واخراج النبات وارسال السحب وهو المشار إليه بقوله فالمدبرات أمراً، وقوله أو الناس هو على الثاني ولا جمع فيه بين معني المشترك كما توهم إلا أن يكون في نسخة عطفه بالواو، والإجرام وما عطف عليه هو مفعوله المقدّر ولم يتعرّض لمفعول القول الأوّل وظاهره أنه لا مفعول له لتنزيله منزلة اللازم كما قيل، وقد رد بأن التقدير في أحدهما دون الآخر غير مناسب لاتساق النظام وهو مقدر أيضاً أي الصافات أنفسها، ولم يصرّح به لظهور. وصرّح به في الثاني لتكثير الوجوه المحتملة فيه دون ما قبله وفيه نظر لأنه ليس في كلامه ما يشعر بما ذكر مع أنّ احتمال الوجوه جار في الأوّل أيضا كما في الكشاف بأن يقدر أقدامها في الصلاة أو أجنحتها في الهواء فلعله مال إلى ما ذهب إليه أبو البقاء فإنه كثيراً ما يتبعه من أنّ صفا مفعول به فهو مفرد أريد به الجمع أي الصافات صفوفها فتدبر. قوله:(أو الشياطين) الظاهر عطفه بالواو لأنّ من الملائكة من يفعل هذا، ومنهم من يفعل الآخر وقوله
التالين آيات الله صفة بعد صفة إشارة إلى أنّ ذكرا بمعنى المذكور المتلوّ وهو مفعول الذاكرات، ويحتمل أن يريد بيان مفعوله المقدر وذكرا مصدر مؤكد ليبهون على نسق واحد، وجلايا قدسه بالجيم جمع جلية بمعنى مجلوّة أو ظاهرة وفسرت بالدلائل أو بالمعارف التي لا تكتم عن خواص خلقه، أو بصفاته المقدسة التي يتحلى بها والثاني أقربها، وقوله على أنبيائه إشارة إلى أنه من التلاوة على الغير لأنه المناسب لذكره عقب الزاجرات ولو قصد ما يكملها في نفسها قن! م عليه. قوله:(أو بطوائف الإجرام المترتبة الخ) معطوفة على قوله
بالملائكة وهو تفسير ثان يعني أنّ المراد بالصافات الأفلاك وصفها قصدها مرصوصة بعضها فوق بعض ولا معنى لإدخال طبقات العناصر في كلامه هنا كما توهم، والزاجرات الأرواح الفلكية على مذهب الحكماء في إثبات أرواح ونفوس لها، وهو ما عبر عنه في لسان الشريعة بالملائكة، وزجرها بالمعنى الأوّل هو سوقها وتدبيرها ومن الناس من لم يعرفه فقوله طوائف الأجرام تفسير للصافات، وقوله الأرواح الخ تفسير للتاليات والمراد بها الملائكة لأنها عندهم جواهر بسيطة ذات حياة ونطق يعني ملائكة عرشه والكروبيون المقرّبون الملازمون للتسبيح، والتقديس فلذا وصفت بالتاليات. قوله:(أو بنفوس العلماء) وجه ثالث فالصافات نفوسهم، وذواتهم المصطفة في عبادة ربهم والزجر لغيرهم عن الكفر والمعاصي وتلاوتهم لآياته وشرائعه، وقوله أو بنفوس الغزاة جمع غاز وهو الوجه الرابع فصفوفهم في الحرب وزجرهم إمّا سوقهم للخيل وركضها أو منعهم وكفهم العدوّ، وتلاوتهم ذكر الله تعالى في وقت القتال كما كان دأب الخلفاء والصحابة رضي الله عنهم فإنهم لا يشغلهم شيء عن ذكر الله ومبارزة العدوّ ومقابلته، ومعارضته في الكرّ والفرّ. قوله:(والعطف لاختلاف الذوات الخ) هو إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ الصفات المعطوفة بالفاء فيها ثلاث احتمالات الأوّل أن تدل على ترتب معانيها الوضعية في الوجود إذا كانت الذات فيها واحدة كقول ابن زيابة الحماسي:
يا لهف زيابة للحرث الصابح فالغانم فالآيب
وقد تقدم شرحه وما فيه يعني الذي صبح فغنم فآب أي رجع وهذا على أنّ المراد بها ذوات متحدة لكن صفها وجد أوّلاً لأنه كما لها في نفسها، ثم وجد بعده الزجر للغير لأنه تكميل للغير يستعد به وهو واقع بعده ثم إفاضة الغير عليها بعد الاستعداد الثاني، وهو مع
الاتحاد أيضاً أن تدل على تفاوت الصفات في الرتب ترقياً وتدلياً كخذ الأفضل فاكمل فالأعلى، والثالث وهو مع التعدّد هو أن يكون لتفاوت موصوفاتها في الرتبة نحو رحم الله المحلقين فالمقصرين، وما جعله الزمخشريّ ثلاثة أقسام جعله المصنف قسمين، وقد قال شراح الكشاف إنّ القسمة رباعية لأنّ الترتيب إمّا بين الصفات أو بين الموصوفات وكل منهما إمّا بحسب الوجود أو الرتبة فالترتيب بين الصفات بحسب الوجود كما في البيت وبينها بحسب الرتبة نحو أتنم العقل فيك إذا كنت كهلا فشاباً وفي الموصوفات بحسب الوجود نحو وقفت كذا على بني بطنا فبطنا وفي الرتبة رحم الله المحلقين فالمقصرين، ووجهه في الكشف بأنّ المراد من قول الزمخشري ترتب موصوفاتها في ذلك التفاوت من بعض الوجوه إذ لا تدل على ترتب الموصوفات في الوجود البتة، ثم أنه يكون حقيقية في نحو رحم الله المحلقين الخ إذا أريد الترتب في الرحمة ومجازاً إن أريد الترتب في الفضل وكلاهما داخل في الدلالة على ترتب الموصوفات في التفاوت من بعض الوجوه، وأما دلالتها على ترتب الصفات في غير الوجود فمجاز البتة ومته ظهر أنّ القسمة مثلثة، 1 كل وكأنه يعني أنّ مدلولها الترتب الخارجي بين الصفات أو الموصوفات، وهو إمّا من حيث وجود ذواتها أو من حيث تلبسها بالعامل، وأما الترتب الرتبي وهو الثالث فمعنى مجازيّ لها اعتباري وبشرف الصفة وضده يكون الموصوف كدّلك وعكسه فليس بينهما فرق معتبر فلذا كانت مثلثة وحينئذ تظهر التثنية أيضاً فافهم وتدبر. قوله:(لاختلاف الذوات) أي في الثاني، وهو محتمل في غيره أيضاً ولا تعيين فيه حتى يقال الأظهر أنّ الفاء للترتيب الرتبي كما قيل وهذا توجيه لا يثار الفاء على الواو وقوله فانّ المصنف الخ هذا لا يقتضي الترتب الوجودي إلا بتكلف مع أنه لا يناسب الثاني، وتأخر التلاوة لأنها تحلية وما قبلها تخلية. قوله:(أو الإساقة) يقال أساقه إساقة إذا جعله سائقا كما أثبته أهل اللغة، وقوله غير أنه الخ كون ما في المثال الذي ظنه حديثاً الفضل للمتقدم ظاهر لأنّ حلق المحرم أفضل من تقصير. فيكون من قبيل التنزل، وأما كون ما في النظم على العكس ففيه نظر لأنه جعله في الكشاف وشروحه محتملا لهما من غير ترجيح فتأمّل. قوله:(أو الرتبة) عطف على الوجود، وليس المراد الشرف لأنه يكون ترقيا وعكسه كما سيشير إليه ومن قال الظاهر أن يقول الشرف فقد غفل عما أراد ولا يضرّ كون المثال منه فلا حاجة إلى تكلف أنه المراد لما بينهما من الملازمة. قوله:(رحم الله المحلقين الخ) في الكشاف، وقولك
رحم الله الخ وأصاب إذ لم يجعله حديثاً فانّ الحديث كما في الصحيحين وغيرهما إنه صلى الله عليه وسلم قال: " رحم الله المحلقين قالوا
والمقصرين يا رسول الله قال والمقصربن " وهو عطف تلقين بالواو ولا شاهد فيه فاعتراض الطيبي رحمه الله لا يرد عليه لكنه وارد على المصنف. قوله: (على ما هو المألوف الخ) من تثيد ما يهتم به بتقديم القسم ونحوه، وهو دفع لما مرّ من أنه كلام مع منكر مكذب فلا فائدة في القسم، ثم أشار إلى أنّ عدم فائدة القسم إنما تكون إذا لم يذكر برهانه وما يحققه، وهو قد ذكر بقوله:{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الخ وأما ما قيل من أنّ الصانع ووحدته قد تثبت بالدليل النقلي بعد ثبوت ذلك بالعقل ففائدة القسم ظاهرة هنا فغير تام هنا لأنّ الكلام مع من لا يعترف بالتوحيد. قوله: (فإنّ وجودها الخ) قد مرّ من المصنف مثله في سورة البقرة ويرد عليه أنه مبني على وجوب الأصلح كقوله في الإحياء ليس في الإمكان أبدع مما كان، وقد شنع عليه كثيرون فيه بأنه مخالف للمذهب الحق من أنّ قدرته تعالى لا تتناهى، وأنه قادر على أن يوجد عالما آخر أحسن وأكمل من هذا العالم وقد صنف فيه عدة رسائل، والجواب عنه ما قاله الآمدي في كتابه غاية المرام في علم الكلام إنّ ما علم الله سبحانه وتعالى إنه لا يكون منه ما هو ممتنع لذاته كالجمع بين النقيضين ومنه ما هو ممتنع متعلق علم الله بعدم وجود مع إمكانه في ذاته والقدرة من حيث هي قدرة تتعلق به، ولا معنى لكونه مقدوراً غير هذا فيطلق عليه مقدور وممكن بهذا الاعتبار فإن أطلق عليه أنه غير مقدوراً وممكن لأمر خارج وهو مخالفة علمه تعالى فلا محذور فيه، ولذا قيل:
وليس في ليس في الإمكان ما فهموا وإنما هو في التحقيق تخييل
وفي كلام المصنف إشارة إليه 0 قوله: (مع إمكان غيره) قد عرفت أنه لا بدّ من هذا ليوافق المذهب الحق فما قيل إنه لا حاجة إليه إذ يكفي إمكان نفسه إنما الحاجة إليه في إثبات صفة الإرادة غفلة مع أنه ردّ بأنه لا بد منه في إثبات التوحيد فإنّ هذا الوجه ا! مل إذا كان واجباً لا ينتهض ما ذكره المتكلمون في برهان التمانع لإثباته دليلا عليه إذ يقال المانع من تعلق قدرة الآخر، وارادته بغير هذا الوجه هو عدم إمكانه. قوله:(دليل على وجود الصانع) ذكره توطئة لقوله وحدته إذ التوحد مستلزم للوجود فلا وجه لما قيل من أته لا وجه لذكره إذ ليس الكلام فيه لقوله لواحد. قوله: (ورث بدل من واحد) فهو المقصود إلى أنه هو الرب الذي لا
يشاركه غيره، واذا كان خبر محذوف فهو مرفوع على المدح. قوله:) فيدل على أنها من خلقه (ردّ على المعتزلة في خلق أفعال العباد قيل ووجها لدلالة خفي إذ لا يلزم من التربية الخلق وهو غير موجه لأنّ الرب كما يكون بمعنى المربي والسيد والمالك يكون بمعنى الخالق، واضافته للسموات تعينه وهو المراد فتأمّل. قوله: (مشارق الكواكب) هو المناسب لقوله إنا زينا الخ وقوله وهي ثلثمائة وستون هو بتنزيل الأكثر منزلة الكل وعدم اعتبار الكسور إذ السنة الشمسية تزيد على ذلك بنحو ستة، وقوله ولذلك اكتفى الخ هو جار على تفسيره بالكواكب أيضاً وفي قوله زينا إشارة إليه فلا يتوهم أنّ الاكتفاء يحصل بالعكس، وهو الاقتصار على المغارب كما أشار إليه بقوله مع أنّ الشروق الخ، وما قيل عليه إنه حينئذ تتمة لما قبله لأنه لا يتم بدونه لا وجه مستقل وأسلوب التحرير يأباه وقوله وبحسبها الدال على أصالتها يكفي وجها لعدم العكس فالوجه إنه جواب آخر مستقل كما فعله الإمام لأنّ الشروق لدلالته على أتم قدرة وأبلغ نعمة ينبغي الاكتفاء به غير متجه لأنّ مجرّد هذه الدلالة بدون الاستلزام غير كافية فجعل المجموع، وجا واحداً أتم والإباء المذكور ممنوع، قال الإمام: ولهذه الدقيقة استدل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالشروق حيث قال فإنّ الله يأتي بالشمس من المشرق فتأمّل. قوله: (وما قيل الخ) فيكون على النصف من الأوّل فإنّ مشارقها من رأس السرطان إلى رأس الجدي متحدة معها من رأس الجدي إلى رأس السرطان بعد الاعتدالين فإن اعتبر ما كانت عليه وما عادت إليه واحداً كانت مائة وثمانين، وان نظر إلى تغايرهما كانت ثلثمائة وستين فأوقاتها من أوّل الصيف إلى أوّل الشتاء، ثم من أوّل الشتاء إلى أوّل الصيف فلك أن تنظر إلى الاتحاد والتغاير
بالانتقال والعود. قوله: (القربى منكم) إشارة إلى أن الدنيا هنا مؤنث أدنى بمعنى أقرب أفعل تفضيل ومنكم صلته التي يتعدى بها فعله لأنه يقال قرب منه لا من الداخلة على المفضل عليه حتى يرد عليه أنّ النحاة منعوا من اجتماع الألف، واللام ومن فلا يقال الأفضل من زيد مثلا. قوله:(والإضافة للبيان) على معنى من لأنّ الزينة ما يزين به، وقوله على إبدالها أي بدل كل أو هو عطف بيان وتذكير ضمير الزينة لتأويلها باللفظ أو ما يتزين به، وقوله أو بزينة هي لها إذا فسرت الزينة بالأضواء لتغايرهما فالإضافة لامية، كما أشار إليه بقوله لها وهذا التفسير منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله وأوضاعها تفسير آخر للزينة على كون الإضافة لامية والمراد بها
نسبة بعض الكواكب إلى بعض أو نسبة بعض أجزائها لبعض كالثريا. قوله: (اسماً (جامدا كالليقة بلام مكسورة من لاق بمعنى التصق، وهو ما يجعل في الدواة من حرير ونحوه من الهخيوط المانعة لغوص القلم في الحبر وهي اسم جامد. قوله: (والنصسب على الأصل) وهو تهنوين المصدر وأعماله وجوّز أبو حيان كون الكواكب على النصب بدلاً من السماء بدل اشتمال، ولا ينافيه كونه بلا ضمير كما هو في يدل البعض والاشتمال لأنه قد يستغني عنه إذا ظهر اتصال أحدهما بالآخر كما قررو. في قوله:{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّار} [سورة البروج، الآية: 4] أو يقال اللام بدل منه ويجوز كونه بدلاً من محل الجاز والمجرور أو المجرور وحده على القولين أو بتقدير أعنى فإن قلت إنّ ابن مالك اشترط في إعمال المصدر أن لا يبهون محدوداً، وقال في شرحه المحدود ما فيه تاء الوحدة كالضربة ولم يحك فيه خلافا قلت ليس هذا منه فإنه وضع مع التاء كالكتابة، والإصابة وليس كل تاء في المصدر للوحدة، وأيضاً ليست هذه الصيغة صيغة الوحدة. قوله:(إن تحقق لم يقدح الخ) إشارة إلى أنه غير مقطوع به لا سيما عند أهل الشرع مع أنّ بعض علماء الهيئة شكك في تعين ما دلت عليه الأرصاد من أفلاكها وان كان قوله: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [سورة الأنبياء، الآية: 33] يدل على اختلاف مراكزها في الجملة، وقوله فإن الخ توجيه على تسليم ما ذكر بأنه يكفي لصحة كونها مزينة بها كونها كذلك في رأى العين وقوله كجواهر الخ إشارة إلى قوله:
وكان إجرام النجوم لوامعا درر نثرن على بساط أزرق
فوجه تقييد السماء بالدنيا لأنها ترى عليها فلا يرد أنه لا تمايز بين الدنيا والعليا في ذلك
كما توهم. قوله: (بإضمار فعله) فهو مفعول مطلق لفعل معطوف على زينا أي وحفظناها حفظاً، وقوله باعتبار المعنى لأنه معنى مفعول له والعطف على المعنى غير عطف التوهم والعطف على الموضع، وقوله بمري الشهب متعلق بحفظا وفيه إشارة إلى أنّ الكواكب يدخل فيها الشهب بطريق التغليب، وان كانت مغايرة لها كما سيأتي. قوله: (كلام مبتد " أي مستأنف اسمثنافاً نحو يا من غير تقدير سؤال لأنه لو قدر كان المتبادر أن يؤخذ من فحوى ما قبله فتقديره حينئذ لم يحفظ فيعود المحذور كما ذكره الزمخشري، ويجوز أن يكون أيضاً بيانيا في جواب فما حالهم بعد الحفظ، وأن يكون السؤال عما يكون عند الحفظ وعن كيفية الحفظ فقوله لا كيمعون جواب عن الأوّل أي يتمكنون من السماع ويقذفون جواب عن الثاني كما في بعض
شروح الكشاف، وليس في كلامه ردّ على الزمخشري إذ منع تقدير السؤال مطلقاً كما تكلفه بعضهم فإنه يعيبه عبارة الزمخشري فلو صح إرادة المصنف رحمه الله ما ذكر لكان في كلام الزمخشري إشارة لجوازه لكن الحق أنّ الاستئناف لا مانع منه بأن يقدر ما ذكر ونحوه كما اتفق عليه شراح الكشاف، وقوله فمانه يقتضي الخ أي لا يصح الوصفية لأنه لا معنى للحفظ ممن لا يسمع فيفسد على تقديره الكلام مع إيهامه عدم الحفعل ممن عداهم، وما قيل من أنه لا محذور فيه لأنّ المراد حفظهم ممن لا يسمع بسبب هذا الحفظ فغايته أنه يصيرك {أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا}
[سورة المؤمنون، الآية: 44]{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ}
[سورة النحل، الآية: 12] قد ردّ بأنه تعسف لأنك لو قلت اضرب الرجل المضروب وأردت كونه مضروباً بهذا الضرب المأمور به لا يضرب آخر قبله رشقت بسهام الملام لخروجك عن سنن الكلام، لكنه قيل إنّ المعنى لا يتمكنون من السماع مع الإصغاء أو لا يتمكنون من التسمع مبالغة في نفي السماع كأنهم مع مبالغتهم في الطلب لا يمكنهم ذلك ولا بد من ذلك جعل، وصفاً له أو لا جمعاً
بين القراءتين وتوفية لحق الإصغاء المدلول عليه بإلى وحينئذ يكون الوصف شديد الطباق وأولى من قطع ما ليس بمنقطع معنى، وهو كلام دقيق جدّاً به يصح ما منعوه وحاصله أنة ليس المنفي هنا السماع المطلق حتى يلزم ما ظنوه لأنه لما تعدّى بمالى وتضمن معنى الإصغاء صار المعنى حفظناها من شياطين لا تنصت لما فيها إنصاتاً تامّاً تضبط به
ما تقوله الملائكة، وما-له حفظناها من شياطين مسترقة للسمع، وقوله إلا من خطف الخ بناء على صحته فلله درّه في بعد مغزاه، واصابة مرماه ومن لم يقف على مراد. قال ما قال وماذا بعد الحق إلا الضلال، وكون الأوصاف قبل العلم بها إخباراً غير مطرد كما مرّ ولا لزوم له هنا فتدبر. قوله:(ولا علة للحفظ الخ) إهدارها هو إبطال عملها النصب كما في أحضر الوغى على روايته مرفوعا وفيه رواية أخرى بالنصب ولا شاهد فيها، وهو صدر بيت عجزه:
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
وهو من المعلقة المشهورة يخاطب من زجره ولامه في حضور الحرب خوف الهلاك،
وعن التلذذ والتهتك في الملاذ ويقول هل تضمن ليس الخلود فإن مت لا خلود له يغتنم الفرص ولا يخاف الذي هو لا بد ملاقيه، والوغى بالمعجمة الحرب والقتال وقوله فإن اجتماع ذلك الخ أي حذف اللام وأن ورفع الفعل، لان كان كل منهما واقعاً في كلام الله وغيره أمّا اجتماعها فلا لأنه كم من حمل يقدر على حمل بعضه دون كله، وعدل عن قول الزمخشري كل واحد من هذين الحذفين غير مردود على انفراده فإمّا اجتماعهما فمنكر لأنه اعترض عليه بأن مدّهب
الكوفيين تجويز هذين الحذفين قياساً كما قدروه في قوله: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [سورة النساء، الآية: 176] لئلا تضلوا وقال بعض شراحه إنه ليس بجائز عنده بل يقدر في مثله كراهة ان تضلوا ونية شيء وكذا ما قيل إنه مراد الزمخشري لأنّ هذين الحذفين باسم الإشارة يقتضي حذفين مخصوصين وهو ما كان مع الإهدار مع أنه لا يلزم من تجويز الكوفيين حذف اللام ولا جواز حذف اللام، وان وعلى كل حال فكلام المصنف رحمه الله أولى. توله:(وتعدية السماع إلى الخ) سمع له استعمالات فيتعدى إلى غير المسموع بنفسه كسمعت زيداً يتحدث، وقد مرّ الكلام عليه وبالباء نحو قوله:
عمرك الفه هل سمعت براع ردّ في الضرع ما قرى في الحلاب
ويتعدى بإلى للمسموع كسمعت إلى حديثه والى غيره كسمعت إليه يتحدث، وهو يفيد الإصغاء مع الإدراك كما في الكشاف والظاهر أنه تضمين ويحتمل التجوّز أيضا والمصنف رحمه الله اختار الأول ووجه المبالغة أنه يلزم من نفي الإصغاء نفيه بالطريق الأولى، والتهويل لأنهم إذا كانوا مع إصغائهم لا يسمعون يدل على مانع عظيم، ودهثة تذهلهم عن الإدراك، وأمّا ما قيل من أنه عدى بإلى لتضمنه معنى الانتهاء أي لا ينتهون بالسمع أو التسمع إلى الملأ الأعلى لتضمنه معنى الإصغاء لعدم لزوم انتفاء السمع أو التسمع إذ لا يلزم من انتفاء المجموع انتفاء كل جزء منه فالمبالغة فيه، وهم فهو غفلة لأنه إذا انتفى المجموع فأمّا بجزأيه وهو أبلغ أو جزؤه الثاني فهو المطلوب، أو الأوّل لزم منه انتفاء الثاني لأنّ من لا يصغي كيف يسمع فهو كقوله:
ولا ترى الضب بها ينحجر
فلا وجه لما قيل إنه من نفي القيد والمقيد وأمّا ما دل عليه كلام المصنف رحمه الله من
انّ تعدية التسمع بإلى على التضمين أيضا ففيه نظر لما سيأتي مع أنّ الظاهر أنه لا يخالف ثلاثيه! التعدية فمتعه مكابرة والاستعمال لا يقتضي كون حقيقة فتدبر. قوله: (ويدل عليه الخ (لأن التسمع طلب السماع على ما تدل عليه صيغة التفعل كتحكم، وتجرأ إذا طلب ذلك بتكلف أو كدونه فهو يدل على أنّ القراءة الأخرى موافقة لها معنى وطلب السماع يكون بالإصغاء فهي كل افقها وان لم يقل بالتضمين واذا انتفى تطلب السماع انتفى هو بالطريق الأولى لأنه مبدؤه غالبا لأن قلت كيف هذا، وتطلبهم واقع حتى قيل إنه ترك بعضهم بعضا لذلك قلت هو إما ادّعاء للمبالغة في نفي سماعهم، أو هو بعد وصولهم إلى السماء لخوفهم من الرجم حتى يدهشوا عن طلب السماع فضلاً عنه فاندفع ما قيل إنّ قول ابن عباس رضي الله عنهما يتسمعون فلا يسمعون كئمر القراءة بالتخفيف فتدبر. قوله: (الملأ الأعلى (لأنهم في الس! ء والملأ الأسفل الإنس
والجن، وقد نقل عن ابن عباس تفسيره بالكتبة وإشراف الناس فالعلو معنوي. قوله: (من جوانب السماء (ليس المراد أن كل واحد يرمى من جميع الجوانب بلهو على التوزيع أي كل من صعد
من جانب رمي منه وضمير صعوده للجانب أو للسماء وذكر لتأويله، وقوله أو مصدر أي مفعول مطلق ليقذفون كقعدت جلوساً لتنزيل المتلازمين منزلة المتحدين، ولذا قال لأنه الخ فيقام دحورا مقام قذفاً أو يقذفون مقام يدحرون، وقوله بمعنى مدحورين إمّا لأنه مصدر مؤول باسم المفعول، وهو في معنى الجمع لشموله للكثير وكونه جمع داحر بمعنى مدحور كقاعد وقعوداً وعلى ظاهره تكلف، وقوله ويقوّيه لأن فعولاً يكون بمعنى ما يفعل به كثيراً كطهور وغسول لما يتطهر ويغسل به. قوله:) وهو) أي على الفتح يحتمل أن يكون مصدراً كما يحتمل أن يكون اسماً لما يفعل به، وأن يكون صفة كصبور لموصوف مقدر أي قد فاد حوراً طارداً لهم وفعول بالفتح في المصادر نادر وفي كتب التصريف لم يأت منه إلا خمسة أحرف الوضوء والطهور والولوغ والوقود والقبول كما حكي عن سيبويه وزيد عليه الوزوع بالزاي المعجمة، والهوى بفتح الهاء بمعنى السقوط كما ذكره المصنف رحمه الله في سورة النجم وصرح به في القاموس، والرسول بمعنى الرسالة كما مرّ في سورة الشعراء فهي ثمانية. قوله:(عذاب آخر (أي غير الرمي بالشهب المحرقة لهم، وقوله دائم قيل هو حقيقة معناه، وتفسيره بشديد تفسير له بلازمه. قوله: (استثناء من واو يسمعون) متصل وقد تبع فيما ذكره الزمخشري، وفال ابن مالك إذا فصل بين المستثنى والمستثنى منه فالمختار النصب لأنّ الإبدال للتشاكل، وقد فات بالتراخي وكونه منقطعاً على أنّ من شرطية جوابها فأتبعه أو من ضمير يقذفون أي هم لا يلبثون الأقدار الاختطاف تكلف، وكان من حق المصنف رحمه الله أن يقدم تفسير الخطف على فأتبعه شهاب ثاقب، وقوله الاختلاس أي الأخدّ بخفة وسرعة على غفلة المأخوذ منه، وقوله ولذلك عرف الخطفة بلام العهد لأنّ المراد بها أمر معين معهود وفيه إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية، ويجوز أن يكون مفعولاً به على إرادة الكلمة. قوله:) وقرئ خطف الخ (قراءة العامّة خطف بفتح الخاء وكسر الطاء مخففة وقرأ الحسن بكسرهما مع تشديد الطاء وهي لغة تميم، وعنهما أيضاً وعن عيسى بفتح الخاء وكسر الطاء المشددة وأصله اختطف فسكنت التاء للإرغام وقبلها خاء ساكنة فكسرت لالتقاء الساكنين، وسقطت همزة الوصل للاستغناء عنها، ثم كسرت الطاء اتباعا لها وأمّا الثانية فمشكله لأنّ كسر الطاء في الأولى للاتباع، وهو مفقود وقد وجه بأنه على
لتوهم لأنهم لما أرادوا الإدغام نقلوا حركة التاء إلى الخاء ففتحت فتوهموا كسرها لالتقاء الساكنين كما مرّ، ثم اتبعوا الطاء للحركة المتوهمة، واذا جرى التوهم في حركات الإعراب فهذا أولى وهو تعليل شذوذ ضعيف، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما خطف بكسر الخاء والطاء الخفيفة اتباعا كنعم كذا أفاده المعرب ووجه كسر الخاء في الثانية لئلا يلتبس بفعل ولا يخفى ضعفه، والأوّل مأخوذ من كلام الزجاج والى ما ذكر أشار المصنف رحمه الله. قوله:(وأثبع) من الأفعال بمعنى تبع الثلاثي فيتعدى لواحد أو لاثنين لأنه لم يجعل الخاطف تابعا وروي في الشواذ فأتبعه بالتشديد. قوله: (والشهاب ما يرى كان كوكباً انقض (أي مشابها للكوكب النازل من السماء فسره بالمتيقن منه، وقوله وما قيل الخ إشارة إلى ما ذهب إليه الحكماء بناء على أن الشهب ليست كواكب بل أجزاء بخارية دخانية لطيفة، وصلت كرة النار فاشتعلت، وانقلبت ناراً ملتهبة فقد ترى ممتدة إلى طرف الدخان، ثم ترى كأنها صفيت وقد تمكث زماناً كذوات الأذناب على ما فصلوه، وقوله إن صح إشارة إلى عدم صحته لأنّ قوله زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين يقتضي خلافه وقوله فتخمين وقع في نسخة فيختنس أي ينزل وقوله ولقد زينا في نسخة إنا زينا وهو من سهو القلم، ثم أوّله على فرض صحته بأنه ليس في القرآن ما يدل على أنها تنزل من الفلك حتى ينافي ما ذكر من حدوثها تحت كرة النار، والزينة بها لا تقتضي كونها فيه حقيقة إذ يكفي كونه في رأى العين كذلك، وقوله في الجوّ العالي إشارة إلى أنه يجوز أن يراد بالسماء جهة العلو لا الفلك فلا ينافي كلامهم إذ لا مانع من كون الشهب والمصابيح غير الكواكب فقوله فإنّ كل نير الخ تعليل لقوله ليس فيه الخ، وجواب عن كونه مصباحا وزينة يقتضي انقضاضه من الفلك، وقد جوّز إطلاق الكوكب عليه للمشابهة أيضا، وقوله رجماً لشياطين الخ أي لا ينافي كونه للوقت انقضاضه في ذلك الوقت بمقتضى طبعه
لتقدير الله له كذلك. قوله:) وما روي الخ) أي أنه كان إرهاصا إذ قربت أو وقعت ولا دلالة على ما روي في الآثار فإنه وقع في بعضها ما يدل بظاهره على أنّ ذلك إنما وقع في ذلك الزمان مع أنّ المعروف خلافه والآيات دالة على أن حفظ السماء بها لم يحدث بل إن خلقها لذلك فإمّا أن يقال ما روي غير صحيح، أو المراد منه أنه كثر ذلك جدا إذ ذاك، أو أنه صار طاردا للشياطين بالكلية لكن الطعن في صحته غير صحيح
لأنه مروي عن ابن عباس في الصحيحين، وما روي عن الشعبي من أنه لم يقذف بالنجوم حتى ولد صلى الله عليه وسلم فلما قذف بها جعل الناس يسيبون أنعامهم، ويعتقون رقيقهم يظنون أنه القيامة فأتوا عبد ياليل الكاهن وقد عمي وأخبروه بذلك فقال انظروا إن كانت النجوم المعروفة من السيارة والثوابت فهو قيام الساعة، والا فهو أمر حدث فنظروا فإذا هي غير معروفة فلم يمض زمن حتى أتى خبر النبي صلى الله عليه وسلم لا ينافي ما ذكر كما توهم فإنّ قوله لم يقذف الخ معناه لم يكثر القذف بها فكثرته لأمر أراده الله، وهو حفظ السماء حفظاً كليا وقد قيل إنه يعني أنه لو كان بخاراً لم يختص بزمان فهو مبطل لقول الحكماء ومناف له فيجاب عنه بما ذكر، وقوله حدث بميلاده في المنتظم لابن الجوزي إنه حدث بعد عشرين يوما من مبعثه وهو غير موافق لهذا، وفي السير أن إبليس كان يخترق السموات قبل عيسى عليه الصلاة والسلام فلما بعث عيسى أو ولد حجب عن ثلاث سموات، ولما ولد النبي صلى الله عليه وسلم حجب عنها كلها وقذفت الشياطين بالنجوم فقالت قريش قامت الساعة فقال عتبة بن ربيعة انظروا إلى العيوق فإن كان رمي به فقد آن قيام الساعة وإلا فلا قال السهيلي هذا صحيح لكن القذف بالنجوم كان قديما وهو كثير في أشعار الجاهلية ولما جاء الإسلام كثر وشدد، ولذا قال تعالى:{مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [سورة الجن، الآية: 8] ولم يقل حرست وذلك لينحسم أمر الشياطين وتخليطهم، ويصح الوحي فتكون الآية والحجة أقطع وان وجد استراق على الندرة قبل مبعثه وإنما ظهر في بدء أمره إرهاصاً فقد اتفقوا على أنه كان قبله، وإنما شدد في بدء بعثته هذا ما اتفق عليه المحدثون. قوله: (واختلف الخ (أي هل يلزم من إصابته له إهلاكه أم لا، وقوله فيرجع أي عن الاستراق أو إليه، وقوله لكن الخ بناء على أنه يحترق إذ لو لم يخطئ المرمى ارتدعوا وكفوا عنه رأساً أي بالكلية، وقوله ولا يقال الخ جواب عما يتوهم من أن المخلوق من النار لا تؤذيه. قوله: (فاستخبرهم الأن الاستفتاء الاستخبار عن أمر حدث ومنه الفتى لحداثة سنه وأشد يكون بمعنى أقوى وأصعب وبكل منهما فسر هنا، وقوله ما ذكر تفسير لمن خلقنا كما بينه وأراد به ما تقدّم صراحة ودلالة لأنّ تعريف الموصول عهدي في الأصل كما قرّر في شروج الرسالة الوضعية، وعددنا المقروء به في الشواذ روي مخففاً ومشدداً أي من ذكرنا فيما سبق من الآيات وفاء فاستفتهم جواب شرط مقدر أي إذا عرفت ما مرّ والاستفهام تقريري أو إنكاري وفسوه باستخبرهم على الأصل
ولم يذكر الشيطان فيمن خلق لتحقيره أو لدخوله في المسؤولين، وإطلاقه أي عدم بيانه لقرب عهده وسبق ذكره والإشارة لما مرّ وهذا على تفسيره الصافات الخ الأوّل. قوله:(فإنه الفارق الخ) إشارة إلى عدم ارتضاء تفسيره بالأمم الماضية كما في الكشاف فإنّ ما ذكر ليس فارقا بينهم لاشتراكهم فيه فتعقيبه بقوله إنا خلقناهم من طين لازب يدل على أنه ليس مادّة ما قبله. قوله: (ولأن المراد إثبات المعاد ورد استحالته) أي عده محالاً وجه آخر لتأييد ما ذكر لترجيح ما فسره به وقوله، وتقريره أي تقرير إثبات المعاد بما ذكر أو ردّ استحالته، وقوله لعدم قابلية المادة الخ بناء على أنّ المعاد هو الأجزاء الأصلية وقوله الحاصل الخ تفسير للازب لأنّ المراد لاصق بعضه ببعض، وهو بامتزاجه بالماء وأصله الثابت أو اللازم كما يقال ضربة لازب. قوله:(والأمر فيه) أي في خلقهم من طين لا في إثبات المعاد لأنهم ومن قبلهم سواء في إنكاره كما توهم. قوله: (وقد علموا الخ) جواب عن سؤال مقدر تقديره إنما ينهض ما ذكر لو أقزوا بخلقهم من هذه المادة وهم جهلة معاندون، وحاصله أنه مسلم عندهم أو مشاهد لا يسمع إنكاره فاعترافهم بحدوث العالم مطلقاً، وهو يستلزم الاعتراف بحدوث ما فيه من إنسان وغيره فيلزمهم الاعتراف بما ذكر أو لأنهم لا ينكرون خلق آدم خاصة من الطين إن لم يعرفوا حدوث العالم جميعه
فالمقابلة بينه وبين العالم مع دخوله فيه ظاهرة وتولد بعض الحيوانات منه كالحشرات، والفار مشاهد لهم لا ينكر ولا فرق بينه وبين غيره ففيه ترق في الإلزام، وقوله بلا توسط مواقعة بالقاف والعين المهملة أي مجامعة الذكر للأنثى دفع لما يتوهم من أنهم خلقوا من أب وأمّ بالمجامعة، وهذا ليس ثمة بأنه ثبت في رأى العين لهم خلافه. قوله:(وإمّا لعدم قدرة القاعل) معطوف على قوله إما لعدم قابلية المادّة، وهو على القول الآخر في المعاد بإيجاد المعدوم، وقوله ومن قدر وفي نسخة نإنّ من قدر وهو تعليل لقدرة الفاعل وقوله من ذلك يدأهم، وفي نسخة بدؤهم والإشارة إلى الطين، وقيل إلى مادّة البعث أو إلى اتحاد المادتين وقوله وقدرته ذاتية أي وما بالذات لا يزول ولا يقبل التغير بوجه. قوله تعالى:( {بَلْ عَجِبْتَ} ) بفتح تاء المخاطب على خطاب الرسول أو كل من يقبله وبل للإضراب إمّا عن مقدر دلّ عليه
فاستفتهم أي هم لا يقرون بل الخ أو عن الأمر بالاستفتاء أي لا تستفتهم فإنهم معاندون بل انظر إلى تفاوت حالك، وحالهم فإنك تعجب من قدرته الباهرة وانكارهم لما لا ينكروهم يهزؤون ويسخرون، وجمع المصنف بين قدرة الله وانكار البعث في العجب والسخرية مخالفا للزمخشريّ في التفسير بكل منهما على الانفراد لأنه لا مانع منه مع كونه أتمّ فائدة وأشمل فلا وجه لجعل الواو بمعنى أو لأنه لا وجه للتعجب من قدرة الله، وإنما يتعجب من الإنكار مع هذه القدرة التامّة فتأمّل. قوله:(أي بلغ كمال قدرتي وكثرة خلائقي أتي تعجبت منها) وفي نسخة فكيف بعبادي، وقوله أو عجبت الخ خالف في هذا ما قبله فعطفه بأو الفاصلة، ولذا جعل بعضهم الواو بمعنى أو إذ الفرق بينهما حتى يجوز الجمع في الأوّل دون الثاني غير ظاهر. قوله:(والعجب من الله الخ (يعني أنه أسند إليه تعالى في هذه القراءة وهو منزه عنه لأن العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسببه، ولذا قيل العجب ما لا يعرف سببه، واذا ظهر السبب بطل العجب، وهو تعالى لا يخفى عليه خافية فلذا أوّلت هذه القراءة بوجوه فقوله على الفرض! والتخييل يحتمل تغايرهما واتحادهما فالفرض على أن يكون استعارة تخييلية تمثيلية كما في قوله: قال الحائط للوتد لم تشقني فقال سل من يدقني أي لو كان العجب مما يجوز على عجبت من هذه الحال، والتخييل أن يكون استعارة مكنية وتخييلية كما في نحو لسان الحل ناطق فيجعل قعالى كأنه لإنكاره لحالهم يعدها أمراً غريباً، ثم يثبت له العجب منها تخييلا واذا كانا بمعنى يراد الأوّل أو الثاني منهما وقيل فرض إنه تعالى لو كان ممن يتعجب لعجب من هذا على المشاكلة. قوله: (أو على معنى الاستعظام اللارّم له) فهو مجاز مرسل وهذا موافق للمشهور من أنّ ما لا يجوز عليه تعالى كالغضب يحمل على غايته كما مرّ وأورد عليه أنّ الاستعظام لا يجوز عليه تعالى أيضاً لأنّ كل عظيم سواه عند. حقير وفيه نظر لأنه ورد في القرآن وكان ذلك عند الله عظيما من غير تأويل وعظم الشيء بلوغه الغاية في الحسن أو القبح فلا وجه لما ذكر، وقوله فإنه روعة الخ تعليل للوجه اأصاني، ويحتمل أنه تعليل لقوله والعجب من الله الخ أولهما، والروعة بفتح الراء الفزع والخوف ويتجوّز بها عن الاستحسان أو الاستنكار المفرط لما يفجؤك ومنه قولهم أمر رائع، وهو المراد هنا وعلى كل تقدير فهو تعالى منزه عنه. قوله:(عند استعظام الشيء) المراد بكونها عنده تعقبها له بسرعة حتى كأنهما في زمان واحدا وحصولها معه معية حقيقية فإنّ اللازم قد يكون كذلك كالإحراق للنار فلا ينافي كونه لازماً، فما قيل إن استعظام الشيء مسبوق بانفعال يحصل في الروع أي القلب عن مشاهدة أمر غريب كجوهرة نفيسة، وهو الروعة ليس بشيء وأعلم أنّ قوله والعجب الخ توجيه لإسناد
العجب إليه في هذه القراءة فهو لا يتصوّر كونه حقيقة منه تعالى، وأمّا تعجب غير الله من أفعاله نحو ما أقدر الله ما أحلم الله فمنعه أبو حيان تبعاً لابن عصفور لأنّ معناه شيء أقدره أو حلمه وجوّزه السبكي لأنّ المتعجب هو الذاكر له، وله فيه تألمف. قوله:) وإذا وعظوا بشيء لا يتعظون به) في الكشاف ودأبهم إنهم إذا وعظوا بشيء لا يتعظون به، وهو أنسب وأبلغ مما ذكره المصنف فقيل إنه أخذ الاستمرار من إذا لأنّ الأصل فيها القطع والقطع إنما يحصل بالمشاهدة قبل الاختيار مراراً عدة أو من عطف المضارع على الماضي كما في ويسخرون أيضاً، وقيل عليه قطع الله تعالى لا يتوقف على ما ذكر. والظاهر من عطف
المضارع على الماضي في الأمر المستغرب قصد الإحضار، وتبعه من قال حمل القطع المدلول عليه بإذا على قطع المخاطب، وهو لا يحصل إلا بما ذكر ولا مانع من حمله على قطع المتكلم، ولذا ترك المصنف هذه الزيادة وليس كما زعموا، إذ مراد العلامة أنّ عدم الاتعاظ مرّة لا يناسب مقام الذم فالأنسب أن يراد أنّ هذا دأبهم وديدنهم فلما رآه المدقق لائقاً بالنظم بين ما يدلّ عليه ليتأبد ما حاوله فقال الدال عليه إذا لأنها للقطع والعادة حصوله إذا كان المقطوع به مستقبلا بكثرة تكرّر صدور أمثاله فتجوّز بها عن التكرر هنا المستلزم للقطع، أو هو مأخوذ من العطف وليس النظر إلى كونه للخلق أو الخالق مع أنّ كون قطع المخاطب لا يحصل إلا بما ذكر خلاف الواقع فالإيراد غفلة عن المراد. قوله:(وإذا ذكر الخ) فالتذكير ذكر الأدلة، وعدم التذكير عدم الانتفاع بها، وقوله يبالغون الخ إشارة إلى أنّ زيادة السين لتدلّ على زيادة المعنى لأنّ ما يطلب يرغب فيه ويستكثر مته، وقوله أو يستدعي الخ فتكون السين للطلب على حقيقتها لطلب بعضهم من بعض، وقوله ظاهر سحريته في نفسه يعني أنه من أبان اللازم. قوله:) أصله أنبعث الخ) أي يحسب الظاهر المتبادر وبعد التغيير إلى ما ذكر لما ذكر إن كانت ذا ظرفية فهي متعلقة بمقدر لأنّ ما بعد إنّ واللام لا يعمل فيما قبله، وإن كانت شرطية فجوابها محذوف وفي عاملها الكلام المشهور وتقديره عليهما نبعث مقدماً ومؤخراً، فقوله وقدّموا الظرف يعني في الكلام بحسب الظاهر لا أنه مقدّم على عامل له مذكور كما يتوهم، وقوله مبالغة في الإنكار لتكرير حرفه وتصديره والاسمية، وانّ أيضاً قد تشعر بتأكيد الإنكار وقوله مستنكر في نفسه لإعادة همزة الإنكار معه، وقوله وفي هذه الحالة يعني حال موتهم وصيرورتهم عظاما رفاتا لإعادة
إنكار مصدراً للاهتمام فأبلغيته على أبلغ الوجوه كما لا يخفى وتقدير المصنف له بقوله أنبعث الخ ظاهر في الظرفية. قوله: (عطف على محل إنّ واسمها) هذا مبنيّ على مدّهب البصريين القائلين بعدم اشتراط المحرز وكون أن لا تعمل في الخبر، والمخالف لهم يمنعه لأنّ الرفع للابتداء وقد زال بدخول الناسخ، ولأنه لو عطف عليه كان مبعوثون خبراً عنهما وخبر المبتدأ رافعه الابتدا وخبر أنّ رافعه أنّ فتوارد عاملان على معمول واحد مع شروط أخر اشترطها الجمهور، وقول المصنف على محل إن واسمها لا يدفع المحذور كما توهم بل يزيده لأنا لا نعلم من يقول إنّ أن المكسورة وما معها له محل من الإعراب فقد علمت ما في هذا الوجه فالأولى جعله مبتدأ محذوف الخبر وتعطف الجملة على الجملة. قوله:(أو على الضمير في مبعوثون) المستتر فيه ولا يشترط لصحة العطف تأكيده بل المفصل بأيّ شيء كان، وقد فصل هنا بالهمزة كما أشار إليه المصنف بقوله فإنه الخ وردّ هذا الوجه أبو حيان بأنّ همزة الاستفهام لا تدخل على المعطوف إلا إذا كان جملة لئلا يلزم عمل ما قبل الهمزة فيما بعدها، وهو غير جائز لصدارتها وهو ظاهر الورود والجواب بأنّ الهمزة هنا مؤكدة للاستبعاد فهي في النية مقدمة داخلة على الجملة في الحقيقة لكن فصل بينهما بما ذكر لا يجدي إلا بالعناية فإن الحرف لا يكرّر للتوكيد بدون مدخوله، والمذكور في النحو أنّ الاسنفهام له المصدر من غير فرق بين مؤكد ومؤسس، مع أنّ جوابه يعود عليه بالنقض لأنها إذا كانت في نية التقديم ينبغي أن لا يعتد بفصلها، وفصل حرف واحد أمر قليل في الاعتداد بمثله، وقوله لزيادة الاستبعاد أي أتى بالهمزة لزيادة الاستبعاد لأنّ إعادة من مات قبلهم أبعد في عقولهم القاصرة فعلى قراءة السكون لا احتمال للوجه الثاني، وصاغرون بمعنى أذلاء. قوله:(وإنما اكتفى به) أي بقوله نعم من غير إقامة دليل للمنكرين لأنه تقدّم البرهان عليه في قوله فاستفهم الخ ولأنّ المخبر علم صدقه بمعجزاته الواقعة في الخارج التي دلّ عليها قوله: {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً} وهزؤهم بها وتسميتهم لها سحرا عناد ومكابرة لا تضرّ طالب الحق ولا الناظر له بعد ظهوره ولذا أمره بقوله نعم دون زيادة والا لم يكن جواباً شافياً وإليه أشاو بقوله، وقيام المعجز على صدق المخبر وأمّا القول بأنه يجدي لقيام الحجة عليهم في القيامة، والحجة المنتظرة في القيامة لا تفيده هنا شيئاً وعدى القيام هنا بعلى لأنه من قام على كذا إذا استمرّ عليه كما في قوله:{دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا} [سورة آل عمران، الآية: 75] أو لتضمنه معنى الدلالة ونعم في القراءة الثانية بكسر العين. قوله: (جواب شرط مقدّر الخ) يعني أنّ الفاء واقعة في جواب شرط مقدّر كما ذكر.
ويجوز كما قال الزجاج أن يكون تفسيراً وتفصيلا للبعث المذكور قبل وهذه الجملة إمّا من مقول قل أو من قوله تعالى، وكان المصنف لم يحتج للثاني لأنّ تفسير البعث الذي في كلامهم لا وجه له والذي في الجواب غير مصرّح به، وتفسير ما كني عنه بنعم مما لم يعهد.
قوله: (فإنما البعثة زجرة) إشارة إلى أنّ الضمير راجع إلى البعثة المفهومة مما قبله لا
مبهم يفسره الخبر وهو زجرة كما في قوله: {إِنْ هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [سورة الأنعام، الآية: 29] كما في الكشاف لما فيه من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وقد مرّ تفصيله وقدروه في النازعات لا تستصعبوها فإنما هي زجرة الخ لأنّ الإنكار هناك أوضح كما في الكشاف، وقوله من زجر الخ إشارة إلى أنه استعارة، وقوله وأمرها أي الزجرة كأمركن في السرعة من غير توسط شيء وتخلف أصلاً كما مرّ في سورة يس وفي قوله كأمر إبهام لطيف، وقوله فإذا هم الخ يعني أن ينظرون من النظر بالبصر أو بمعنى الانتظار. قوله:(اليوم الذي نجارّي) يعني الدين هنا بمعنى الجزاء كما في كما تدين تدان، وقوله وقد تمّ به كلامهم وقيل كلامهم تمّ عند قولهم يا ويلنا، ولذا وقف عليه أبو حاتم وما بعده كلام الذ. أو كلام الملائكة لهم كأنهم أجابوهم بأنه لا تنفع الولولة، واختاره أبو حيان وتركه المصنف لأنه يكون تكرار اليوم للتأكيد والتأسيس خير منه. قوله:(وقيل هو أيضاً من كلام بعضهم لبعض (مرّضه لما فيه من التكرار وهو يؤيد ما قلناه، والفرق بين المحسن والمسيء تمييز كل عن الآخر بدون قضاء فيغاير ما قبله، وقوله أو أمر بعضهم أي الملائكة يأمر بعضهم بعضا بذلك وعلى الوجهين فهو حكاية ومقامهم محلهم إذا خرجوا من القبور. قوله: (وقيل منه) أي الموقف إلى الجحيم مزضه لأنه لا يلائم قوله: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} لأنه كتعقيب الشيء على نفسه، أو تسببه عنه فما قيل إنّ تعقيبه به يؤيده وإنما مرّضه لاقتضاء السياق للأوّل لأن الحشر يكون بالجمع من أماكن مختلفة فالفاء للسببية، أو تعقيب كل شيء بحسبه ليس بشيء لاقتضاء السياق والسباق للاوّل. قوله:(وأشباههم) يعني أنّ الزوج المقارن كزوجي النعل فأطلق على لازمه، وهو المماثل وبه فسر عمرو ابن عباس رضي الله عنهم، وقوله في الكشاف وأشباههم من العصاة أهل الزنا مع أهل الزنا وأهل السرقة مع أهل السرقة تبعا للزجاج ليس مغايراً له كما توهم لأنه
عام مثل له كل بمثال فلا ضعف فيه لعدم صحة سنده، والمصنف لم يقصد ردّ. ولذا روي عن عمر رضي الله عنه تفسيره بنسائهم لمماثلتهن لهم في الكفر، وقوله مع عبدة الصنم إشارة إلى أنّ الواو يجوز أن تكون للمعية كما يجوز أن تكون عاطفة، وقوله كقوله:{وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا} وهم أصحاب اليمين وأصحاب الشمال والسابقون إذ المراد به الأمثال المتقارنة كما هنا. قوله: (أو نساءهم) روي عن عمر رضي الله عنه ومجاهد والحسن وما بعده عن الضحاك، وقوله من الأصنام وغيرها مما عبد من دون الله، وأمّا عزير والمسيح ونحوهما فقد مرّ الجواب عنه، وما نقل من قول ابن الزبعري وجواب النبيّ له بقوله:" بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم " كما قال تعالى: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سورة سبأ، الآية: 41] وسيأتي ما في كلام المصنف من بيانه هنا وما قيل إنّ ما على عمومها والأصنام ونحوها غير داخلة لأنهم جميعهم إنما عبدوا الثياطين فمع مناقصته لما ذكره في غير هذه الآية كلام واه، وتخيل فأسد غنيّ عن الرد، وقوله زيادة في تحسيرهم مفعول له تعليل لحشرهم وما يعبدون. قوله:(وهو عامّ مخصوص الخ) يعني أنّ ما عام في كل معبود حتى الملائكة والمسيح وعزير لكنه خص منه البعض بهذه الآية، أو أنّ عبادتهم إنما كانت للشياطين الحاملة لهم على ذلك كما مرّ ولكل وجه لكن تخصيص العام أقرب من هذا التجوّز البعيد مع أنّ تفسير أزواجهم بقرنائهم من الشياطين مناسب لتركه فلذا تركه فمن اقتصر عليه استسمن ذا ورم كما ذكرناه، وقوله وفيه أي في قوله وما كانوا يعبدون وقد أطلق عليه في قوله:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان، الآية: 13] كما مرّ. قوله: (فعرّفوهم طريقها ليسلكوها) أي الجحيم أو طريقها والتعبير بالصراط والهداية للتهكم بهم. قوله: (احبسوهم في الموقف الا عند مجيئهم للنار كما قيل، والسؤال المعروف ثمة ما ذكره المصنف لا السؤال عن النصرة والشفاعة ولا دلالة في قوله تعالى:{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} [سورة فصدت، الآية: 9 ا] الخ على ما ذكره لأن جاؤوا بمعنى شارقوا المجيء، أو جملة شهد حالية بتقدير قد ولا يليق إخراج النظم عما يظهر منه لمجرّد التشهي
مع أنّ ما ذكره وجه وتفسير آخر بينه المصنف أيضا بقوله مع جواز أنّ موقفهم الخ. قوله: (والواو لا توجب الترتيب الخ) دفع لما يرد من أن وقوفهم للسؤال مقدم على سوقهم في طريق الجحيم، وظاهر النظم عكسه بأنّ الواو لا تقتضي ترتيباً كالفاء، وثم فلا مانع من تقدم الثاني على الأوّل ولما كانت مخالفة الظاهر من غير نكتة لا تناسب بلاغة النظم أجاب بجواب آخر، وهو قوله مع جواز أن موقفهم وفي نسخة اختلاف
وا! راب هنا ففي نسخة أن يكون موقفهم وفي نسخة موقفهم متعدداً، وهي أظهرها وفي! خة أنه وفي نسخة موقفه بالإفراد وفي نسخة بعد الهدى، والتوقيف للسؤال وفي نسخة تركه والمراد منها واحد فموقفه بمعنى موقف هذا السؤال وموقفهم يعني لهذا السؤال أي لا مانع من إ! ا! ء على ظاهره لأنّ معنى هداية صراط الجحيم إراءته والدلالة عليه ولا مانع من تقدّمها على مو! فلا السؤال فانّ المؤخر عنه إنما هو الدخول في الطريق والوصول إليها، وأيضا يجوز أن جكون هذا سؤال آخر بعد السير أو الدخول على أنّ قوله:{مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} تفسير له أو صراط الجحيم طريقهم له من قبورهم إلى مقرهم وهو ممتد فيجوز كون الموقف في بعض منه مؤخرا عن بعض، وهذا إيضاحه بما لا مزيد عليه، وقد خبطوا فيه خبطاً عجيباً كقول بعضهم معنى هوله مع جواز أن يكون موقف ما لكم لا تناصرون جواز كون موقف السؤال موقف سؤال! ا! كم لا تناصرون على حذف مضافين، ويحتمل أن يكون موقفه بضمّ الميم على صيغة اسم ا! ا! لى واعتبر الصاحب بالصاحب. قوله تعالى:( {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} ) جوّز في الإضراب أن يكون عن مضمون ما قبله أي لا ينازعون في الوقوف، وغيره بل ينقادون أو يخذلون أو عن قولى لا تناصص ون أي لا يقدر أحد على نصر أحد بل هم منضادون للعذاب أو هصخذولوه والانقياد لازم لطلب السلامة عرفاً فلذا استعمل فيه، وقوله يسلم بعضهم بعضاً أصل م! اه! سلمه بالتشديد والمراد يخذله يقال أسلمه لكذا إذ أخذله فقول ويخذله عطف تفسير له، والقرناء بمعنى الثياطين، وقوله للتوبيخ أي لا للاستعلام. قوله: (عن أق! وى لوجوه وأ! ظ الخ (!! ني أنّ الاتباع يقولون للرؤساء في مخاصمتهم هذا، وقد تجوّز به عن أحد هذه المعاني لأنّ يمين الإنسان أشرف وأقوى وبها يتيمن أيضاً ولذا يسمون اليسار شؤمى فتجوّز بها عن أحد هذه ا! افي على طريق الاستعارة لتشبيهها باليد اليمنى فيما ذكر، وتحرير معنى الآية أنّ قوله قالوا ا! خ! سسير لقولن يتساءلون بمعنى يتخاصمون فيقول بعضهم لبعض في الجحيم أي الاتباع للرؤساء إنكم كنتم تصدوننا بقوتكم عن اتباع الحق، وتزعمون أن ما أنتم عليه خير ودين حق فتخدعوننا وتفلوننا، ولذا أجابوهم بقولهم بل لم تكونوا الخ. قوله: (كأنكم تنفعونضا (متعلق ببم ما قبله أو بالأخير وهو الخير، وقوله نفع السانح الخ السانح والسنيح ما أتاك عن يمينك من طائر أو ظبي أو غيرهما ضد البارج ومن العرب من يتيمن بالسانح ويتشاءم بالبارج ومنهم من يتمثماءم بالسانح، ويتيمن بالبارج قاله الخليل في العين وفي النهاية السانح ما جاء من جهة يسارك إلى يمينك والبارح ضدّه فقد علمت أنّ لأهل اللغة في تفسيرهما مذهبين وأنّ العرب في
التيمن والتشاؤم فرقتان منهم من يتيمن بهذا ومنهم من يتيم بالآخر ومراد المصنف تبعا للعلامة بالسانح ما يتيمن به، وأنه ما جاء من جهة اليمين لأنه الموافق لقوله تعالى عن اليمين ووجه التيمن به أنه جاء من جهة اليمين وهي مباركة ووجه التيمن بضذه أنه متوجه لها وضذه أمكن، ومته يعلم وجه عكس التسصية فقوله نفع السانح لبيان الاستعارة وتحقيقها فتدبر. قوله:) مستعار من يمين الإنسان (فالاستعارة تصريحية تحقيقية في اليمين وحده على المعاني السابقة فجهة اليمين استعيرت لجهة الخير والنفع، وان كانت جهة الخير أيضاً وجاء منه مجاز أيضاً لأنه لشهرته التحق بالحقيقة فيجوز فيه المجاز على المجاز كما في المسافة على ما قرّر في الكشاف، وشروحه لكن الظاهر أنه استعارة تمثيلية والتجوّز في مجموع قوله تأتوننا عن اليمين لمعنى تمنعوننا وتصدوننا فيسلم من التكلف، ودعوى المجاز على المجاز كما اختاره بعضهم، ثم إنّ المصنف خلط معنى القوّة مع هذه الوجوه مخالفاً لما في الكشاف وسيأتي الكلام عليه قريباً. قوله: (هو أقوى الجانبين وأشرفه وأنفعه الف ونشر مرتب ناظر لتفسيره اليمين يعني شبه أقوى الوجوه في القوّة والدين في الشرف
والخير في النفع بجارحة اليمين فاستعيرت لإحداها، وقوله ولذلك أي لما فيه من القوّة أو الشرف أو النفع سمي الجانب المعهود يميناً لما فيه من ذلك لأنّ اليمين في الأصل القوّة والبركة، وتيمنت الناس بالسانح لكونه يأتي من اليمين أو يتوجه إليها كما بيناه. قوله:) أو عن القوّة والقهر الخ) معطوف على قوله عن أقوى الوجوه فيكون اليمين مجازاً عنه لا عن الوجه القوي والجهة، وبهذا فارق الأوّل وليس فيه حيحئذ مجاز على المجاز بل ولا استعارة لأنه مجاز مرسل إمّا بإطلاق المحل على الحال أو السبب على المسبب، ويجوز أن يكون استعارة بتشبيه القوّة بالجانب الأيمن في التقدم ونحوه والأوّل أولى، وقوله فتفسروننا الخ بيان للمراد منه على هذا، وقوله أو عن الحلف فتكون اليمين حقيقة بمعنى القسم ومعنى إتيانهم عنه أنهم يأتونهم مقسمين لهم على حقية ما هم عليه فالجار والمجرور حال، وعن بمعنى البأء كما في قوله:{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} [سورة النجم، الآية: 3] أو هو ظرف لغو وتفسيره بالشهوة، والهوى لأنّ اليمين موضع الكبد كما في القاموس غويب جداً. قوله:(بل لم الخ) إضراب عما قالوه، وقوله أجابهم الرؤساء إشارة إلى أنّ السابق من كلام الاتباع فقولهم لم تكونوا مؤمنين إنكار لإضلالهم لأنهم أضلوا أنفسهم بالكفر، وقولهم ما كان لنا الخ جواب آخر تسليمي على فرض! إضلالهم بأنهم لم يجبروهم عليه وإنما دعوهم له
فأجابوا له باختيارهم لموافقة ما دعوا له هواهم، وقيل إنه جواب واحد محصله أنكم اتصفتم بالكفر من غير جبر عليه. قوله:(ثم بينوا أنّ ضلال الفريقين) أي الرؤساء واتباعهم، وقوله:{كَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا} [سورة مريم، الآية: 21] أي بقضاء منه تعالى، وهذا معنى قوله:{فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا} أي وجب العذاب لجميعهم لقضائه تعالى بذلك، وقضاؤه تعالى سواء قلنا برجوعه إلى صفة العلم كما هو مذهب الماتريدية أو إلى الإرادة كما هو مذهب الأشاعرة لا يستلزم الجبر كما قرروه في الكلام فإنه لا ينافي الكسب باختيارهم وضملال الفريقين هو معنى قوله أغويناكم إنا كنا غاوين، ووقوعهم في العذاب معنى إنا لذائقون فما قيل من أنّ دلالة النظم عليه غير ظاهرة وأنه يجر إلى الجبر ظاهر الدفع أنه لو سلم الثاني يكون بياناً لمدعي هؤلاء الكفرة، وهو باطل مع أنّ قوله وأنّ غاية الخ صريح في خلافه، وقولن دعوهم إلى الغيّ معنى أغويناكم فليس المراد به حقيقته بل الحملى عليه. قوله:(لأنهم كانوا على الغئ الخ (هو معنى قوله إنا كنا غاوين إشارة إلى أنها جملة مستأنفة لتعليل س قبلها، وقوله إيماء بأنّ الخ أي إشعار به ولذا عداه بالباء على عادته في التسامح في الصلات ووجه الإشعار أنهم لم يقولوا مغوين بصيغة المفعول لما فيه من الإشارة إلى أنّ غواية الاتباع ليست من الرؤساء كما بينه بقوله إذ لو كان كل غواية ناشئة من إغواء غاو آخر وتأثيره لكان لكل مغو مغو آخر وليس كذلك لأنّ أول غاو لا مغوى له، وهذا كما في حديث العدوى [فمن أعدى الأوّل] كما في البخاري وليس المراد أنه برهان قطعيّ فيما ذكر بل إنه أمر جار على ما عرف في العرف، والمحاورات فاندفع ما قيل عليه من أنه لا تلزم الكلية حتى يكون لهم مغو آخر أيضاً، وأنّ قوله لو كان كل غواية الخ لا وجه له فإنّ للغواية أسباباً منها الإغواء قليس بلازم بخصوصه، وبه سقط ما قيل إذا ئحققت غواية بلا إغواء يكون كل فرد كذلك لاتحاد الطبيعة إن اتحاد أفراد طبيعة في جميع الأمور غير لازم فتدبر. قوله: (بالمشركين لقوله الخ) يعني تخصيصهم لأنّ ما بعده معين له،
وقوله لشاعر مجنون قيل إنه كالهذيان فإئا لشعر يقتضي عقلا تاما، وفيه نظر وقوله رد عليهم إشارة إلى أنّ الإضراب إبطاليّ، وفي قوله إنكم لذائقوا الخ التفات. قوله:(وقرئ بنصب العذاب الخ) يعني أنه بتقدير لذائقون العذاب فأسقطت النون للتخفيف كما أسقط الشاعر التنوين مع نصبه المفعول، وعدم إضافته فيهما وقوله ولا ذاكر الله الخ هو شعر لأبي الأسود الدؤلي وأوّله:
فالفيته غير مستعتب
لا ذاكر الله الخ وذاكر روي بالجرّ وبالنصب بالعطف على غير أو مستعتب. قوله: (وهو ضعيف في غير المحلى) . قوله: أمّا ما كان صلة للألف واللام فورد حذفه كثيرا لاستطالة الصلة الداعية للتخفيف كما في قوله الحافظ وعورة العشيرة البيت، وقوله وهو على الأصل أي قرئ بالنصب مع إثبات النون على الأصل والقاعدة في عدم حذفها في نحوه، وقوله مثل ما عملتم لأنّ الجزاء من جنس العمل لا عينه. قوله:(استثناء منقطع) فقوله أولئك الخ مستأنف لبيان حالهم والاتصال مع عموم الضمير بعيد لما فيه من تفكيك
الضمائر، ويحتاج إلى تكلف لأنّ عدم جزائهم بمثل العمل بمعنى الزيادة والمضاعفة أبعد وأبعد، وأمّ كون المنقطع لا بد فيه من هذا التأويل أيضاً فغير مسلم لأنّ إلا مؤوّلة بلكن وما بعد المستثنى كخبرها كما ذكره النحاة فيصير التقدير لكن عباد الله المخلصين لهم رزق وفواكه، الخ فلا حاجة لتكلف مثله ولا لتكلف أنّ الإخراج من مماثلة الشيء بالشيء فينتفي عنهم، ويثبت جراء الحسن بالحسن والأحسن كما قيل، وفي شروح التأويلات للسمرقندي أن الاستثناء محتمل أن يكون من قوله:{لَذَائِقُو الْعَذَابِ} فيكون الاستثناء حيمئذ حقيقة، ويحتمل أن يكون من تجزون على أنّ ما كنتم تعملون بتقدير بما كنتم تعملون فالاستثناء لأنهم لا يجزون بما كانوا يعملون بل يعطون النعم تفضلاً منه تعالى لأنّ عبادتهم لا تؤدي شكر ما أنعم به عليهم في الدنيا، وجزاء الكفرة في مقابلة العمل ومقدّر بقدره، ولا يحتمل العفو والإسقاط بمقتضى الحكمة انتهى. قوله:(خصائصه من الدوام الخ) جواب عن سؤال صرح به السمرقندي بأنّ الرزق لا يكون معلوما إلا إذا كان مقدراً بمقدار لأنّ ما لا يتعين مقدأره لا يكون معلوما، وقد قيل في آية أخرى يرزقون
فيها بغير حساب، وما لا يدخل تحت الحساب لا يحد ولا يقدّر فلذا جعل معلوميته باعتبار وصفه، وخصائصه المعلومة لهم من آيات أخر كقوله غير مقطوعة ولا ممنوعة ونحوه فلا ينافي ما في الآيات الأخر، وقوله من الدوام الخ لم يرد به حصر الخصائص فيما ذكر وقد ذكر فيه في الكشاف، وغيره وجوها أخر ككونه معلوم الوقت لقوله:{بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [سورة مريم، الآية: 162 وقول قتادة المعلوم الجنة يأباه قوله في جنات وان كان المعنى على أن الجنة معينة لهم، وهم مكرمون فيها بإقامة الظاهر مقام الضمير لأنّ جعلها مقرّ المرزوقين لا يلائم جعلها رزقا أما إذا كان للرزق فهو ظاهر الإباء كما في الكشف وكون المساكن رزقا للساكن فإذا اختلف العنوان لم يكن به بأس لا يدفعه كما توهم. قوله:) أو تمحض اللذة) في بعض النسخ عطفه بالواو، وقوله ولذلك فسره بقوله فواكه إشارة إلى أنه عطف بيان وعلى غيره هو بدل كل أو بعض أو خبر مبتدأ محذوف والجملة مستأنفة، وقوله محفوظة عن التحلل أي التحلل في البدن المحتاج لبدل فلا ينافي ما ورد في الحديث من إنه يتحلل بعض فضلات الغذاء بعرق طيب الرائحة فإنه الاحتياج إلى التقوت ليحصل من كيموسه بدل عما تحلله الحرارة الغريزية من أجزاء البدن كما ذكر. الأطباء وهو دفع لما يتوهم من منافاته لقوله: {وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} [سورة الواقعة، الآية: 21] لأنّ المراد بالفاكهة ثمة المعروفة وهنا ما يتلذذ به مطلقا. قوله: (كما عليه وزق الدنيا) من الكد والكسب، وقوله ليس فيها إلا النعيم إشارة إلى أنّ الإضافة على معنى لام الاختصاص المفيدة للحصر، وقد مرّ في ألم السجدة أن المراد في نعيم الجنات ومرّ ما فيه. قوله:(وهو ظرف القوله مكرمون أو معلوم ولذا لم يعين متعلقه، وقوله خبر ثان إشارة إلى أنّ قوله لهم رزق معلوم خبر أوّل ويجوز كونه خبرهم أيضا، وقوله يحتمل الحال أي من المستتر في مكرمون أو في جنات النعيم وكدّا قوله فيكون متقابلين حالاً أي من المستتر الخبر أو في قوله على سرر على احتماليه. قوله: (بإناء فيه خمر) إشارة إلى ما ذكره أهل اللغة من أنها لا تسمى كأسا حقيقة إلا وفيها شراب فإن خلت منه فهو قدج، وقوله أو خمر مجازا من إطلاق المحل على الحال فيه لكنه مجاز مشهور بمنزلة الحقيقة، وقوله وكأس الخ يشير إلى قول الأعشى من قصيدة له مشهورة:
وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منهابها
لكي يعلم الناس أني امرؤ أتيت اللذاذة من بابها
يعني ورب كاس شربتها لألتذ بسكرها وأخرى لأداوي بها خمار الأولى وكسلها كما
قال:
كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
فقوله شربت قرينة على أنه أراد بالكأس الخمر الذي فيها لأنّ تقدير شربت ما فيها تكلف
كما أن بيان الكأس بقوله من معين هنا قرينة على ذلك. قوله: (ظاهر للعيون) جار على وجه الأرض! كما تجري الأنهار، أو خارج من العيون جمع عين وهو المنبع لأنها تطلق عليه، وعلى ما يخرج منه فهو كقوله وأنهار من خمر ومعين كمعيب أصله معيون من عان أو هو من معن فهو فعيل إذا ظهر أو نبع، وقوله وصف به الخ إشارة إلى أنه استعارة وانه في الأصل اسم مفعول أو صفة بوزن فعيل. قوله:(لأنها تجري كالماء)
هذا بناء على أنها خمر حقيقة لكنها وصفت بالمعين تشبية لها به لكثرتها حتى تكون أنهاراً جارية في الجنان وقوله للأشعار بأنّ ما بالمد والقصر، وهو وجه آخر مبني على أنه ماء جار على الحقيقة لكنه في حلاوة العسل وله تفريح ونشوة كنشوة الخمر ووجه الإشعار ظاهر لأنّ جعله خمراً يفيد أن فيه لذته، ونشوته وكونه معيناً يدل على ماء أو جنس من المشروب يضاهيه في لونه ورقته فلا يخفى وجه الإشعار لمن له شعور، وفائدته على الأوّل وصف الخمر بالرقة واللطافة، وعلى الثاني وصف الماء باللذة والنشوة. قوله: الكمال الفذة (بدل من قوله لما يطلب أو متعلق بجامع تعليل له، وقوله وكذلك أي على الاحتمالين، وقوله أيضاً أي كما أن قوله من معين صفة، وقوله للمبالغة بجعل الملتذ به عين اللذة، وقوله كطب بفتح الطاء بمعنى طبيب حاذق فهو فعل بسكون العين صفة كصعب بمعنى فعيل أو بكسرها كخشن أو بفتحها كحسن فسكن للإدغام، وقوله في البيت ولذ فسره في الكشاف بنوم وفسره في الأساس يعيش لذيذ وهو الظاهر وعلى كليهما فهي شاهد لما ذكره لأنه على الأوّلين ليس باسم جامد له بل معنى لذيذ بغلب على النوم، والتردد فيه لا وجه له والصرخدي الخمر منسوب لصرخة بلدة بالشام ينسب إليها الخمر الجيد، والحدثان بفتحات شدائد الدهر ونوائبه التي تحدث فيه. قوله تعالى: ( {لَا فِيهَا غَوْلٌ} ) قدم فيه الظرت
للتخصيص، والمعنى ليس فيها ما في خمر الدنيا من الخمار وفيه كلام في كتب المعاني والغائلة ما يخشى من الضرر، وقوله كالخمار بضم الخاء صداع الخمر وأشار بالكاف إلى عدم حصر ضررها فيه، وقوله ومنه الغول التي تذكرها العرب من شياطين الجن المهلكة، وهل لها حقيقة أولاً فيه تفضيل في حياة الحيوان أي سميت به لإفسادها، وفي المثل الغضب غول الحلم والمراد بالحلم العقل أو معناه المعروف أي مذهبه ومهلكه. قوله: (يسكرون (بيان لحاصل المعنى وهو على قراءته مجهولا وكذا قوله نرف الشارب على البناء للمفعول إذا ذهب عقله وادواكه من السكر كأنه ظرف للعقل ففرغ منه، وقوله أفرداه الخ مع أنّ ذكر الخاص بعد العام مستغنى عنه لكنه للاعتناء بنفيه جعل كأنه نوع آخر فعطف عليه كما عطف جبريل على الملائكة تعظيماً له، وقوله وقرأ الخ أي بضم الياء وكسر الزاي مضارع أنزف أي صار ذا نزف أي عقل أو شراب نافد ذاهب فالهمزة فيه للصيرورة أو للدخول في الشيء ولذا صار لازما فهو مثل كبه فأكب، وسيأتي تحقيقه وهو أيضا بمعنى السكر لنفاد عقل السكران أو نفاذ شرابه لكثر شربه فيلزمه عليهما السكر، ثم صار حقيقة فيه قال:
لعمري لئن أنزفتمو وصحوتمو
ويجوز أن يراد لا يفنى شرابهم أو ينفد حتى ينغص عيشهم، وتعديته بعن لتضمينه معنى يصدرون عنها سكارى، وقوله وأصله النفاد أي ما وضل له في الأصل نفاد شيء من شيء كنفاد الماء من البئر والدم من الجريح والعقل من السكران، ونزحت الركية بمعنى أخرجت ماءها حتى نزفتها أي لم يبق فيها شيء منه، والركية بفتح الراء البئر. قوله:(قصرن أبصارهق على أزواجهت) فلا ينظرن لغيرهم هو إمّا على ظاهره، وكناية عن شدة الحسن المانع عن رؤية غيره أو عن إفراط المحبة، وقوله نجل العيون بضم النون جمع عين نجلاء وهي التي اتسع شقها وليس المراد السعة المفرطحة فإنها غير ممدوحة، ولذا قيل سعتها عبارة عن كثرة محانها ولا حاجة إليه. قوله:(شبههن ببيض النعام الخ) على عادة العرب في تشبيه النساء بها وخصت ببيض النعام لصفائه، وكونه أحسن منظرا من سائره ولأنها تبيض في الفلاة وتبعد بيضها عن أن يمس، ولذا قالت العرب للنساء بيضات الخدور كما بينه الزمخشري ولأن بياضه يشوبه قليل
صفرة مع لمعان كما في الدر، وهو لون محمود جداً إذ البياض الصرف غير محمود وإنما يحمد إذا شابه قليل حمرة في الرجال وصفرة في النساء، ولذا ورد في الحلية الشريفة أبيض ليس بالأمهق، ومن الغريب قول بعض أهل العصر المراد به بيض طبخ وقشر لنعومته وطراوته لقول العامّة كأنها بيضة مقشرة، وهذا من عدم معرفة كلام العرب ولولا خوف الإطالة ذكرت الأبيات حتى صرح فيها بهذا التشبيه. قوله:(فيتحادثون على الشراب) على للمعية أي مع شرب الشراب، وقوله كعادة الشرب بفتح الشين وسكون الراء جمع شارب كصحب وصاحب، وقوله وما بقيت الخ تبع فيه الزمخشري والذي رأيناه في كتب الأدب أنّ هذا الشعر لمحمد بن فياض من المحدّثين
وأنشدوه هكذا وهو الذي في الانتصاف:
وما بقيت من اللذات إلا محادثة الكرام على الشراب
ولثمك وجينتي قمرمنير يحول بوجهه ماءالشباب
وعارض معناه القائل:
وكان الصديق يزور الصديق لشرب المدام وعزف القيان
فصار الصديق يزور الصديق لبث الهموم وشكوى الزمان
وزاد فزورته إن أتى هروبامن الدين أومن زباني
وهذه نفثة مصدور خشيت أن تحرق السطور. قوله: (والتعبير عنه الخ) كان الظاهر توافق المتعاطفين مضياً واستقبالاً لكن أتى بصيغة الماضي لأنها لدلالتها على التحقق تفيده الإقبال على الحديث لكونه أعظم لذاتهم حقيق بالاعتناء فيؤكد لذلك قيل وهذا أولى من قول الزمخشري إنه جيء به على عادة الله في إخباره لاشتراك العلة بين المتعاطفين فكان ينبغي تناسبهما، وقيل إنه لا يغني شيئاً لقوله قبله في أهل النار وأقبل بعضهم الخ وقد عطف ثمة على مضارع مع عدم تأتي ما ذكر هنا من الاعتناء فيه، وفيما قالاه نظر لأن ما قاله الأوّل لا يخفى على أحد فضلا عن الزمخشريّ فالظاهر أنّ مراده إخبار الله عما صدر عن عباده وحكايته له عنهم كما في تلك الآية أيضاً والمعطوف عليه ليس كذللث لأنه إخبار عما أنعم به عليهم في الآخرة، وهو لا يشتبه ولا يستغرب عند المخاطبين فلذا أكد الثاني دونه ومنه يعلم ترجيح ما في الكشاف مع أن المعتاد في أمثاله مما يدل على الشروع في أمر الماضي، وأمّا الثاني دونه ومنه يعلم ترجيح ما في الكشاف مع أن المعتاد في أمثاله مما يدل على الشروع في أمر الماضي، وأمّا الثاني ففي حيز المنع لأنّ المراد الاعتناء بالنسبة للمعطوف عليه ولا شك أنّ توبيخ بعضهم لبعض أعظم من توبيخ الغير، وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله فما بين
المتعاطفين معترض أو من متعلقات الأول لثلا يطول الفصل فتدبر.
قوله: (فإنه الخ) تعليل لمقدر تقديره فيستحق التأكيد فإنه الخ وقوله، وقرئ بتشديد الصاد من التصدق قيل إنه لا يلائم قوله بعده أئذا الخ وليس بشيء لأنه قيل إن رجلين شريكين، وقيل أخوين ورثا ثمانمائة ألف دينار واقتسماها فعمد أحدهما، وكان كافراً بماله فاشترى به بساتين وفرشاً وجواري يتنعم بها وأنفق الآخر ماله في وجوه الخير رجاء رحمة ربه ونعيمه المخلد، وكان مؤمناً ثم أصاب الثاني فاقة فذهب إلى ذلك وطلب منه شيئاً فسأله عما كان له فأخبره بفعله فقال له إنك من المتصدقين لأنا بعد الموت والفناء نبعث ونجازى فنزلت هذه الآية في إعلام حالهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمن نزلت فيه متصدق، ومصدّق أيضاً وما أنكره عليه ذلك الكافر أنه أنفق ليجازي على إنفاقه مما هو أعظم وأبقى فقد ضيع ماله لتصوّر ما لا أصل له، وهو الجزاء الأخروي ولا يكون بدون البعث فلذا قدم إنكاره بل إنكاره رأسا للجزاء بقوله إنا لمدينون لأنه المقصود بالإنكار والنفي فقوله لمدينون أنسب بالثاني، والنظم وكذا سبب النزول تمام المناسبة له إذ محصله أنت المتضق طلبا للجزاء في الآخرة فهل نحن بعدما نفنى نبعث ونجازى فما ذكروه مندفع بلاشبهة، وكيف يتوهم عدم المناسبة وقد قرئ بها. قوله:(ترابا وعظاماً) قيل ذكر تراباً يكفي ويغني عن ذكر العظام، وكونه للتنزل في الإنكار أو للتأكيد لا يرجحه بل يجوّزه فكأنه تصوير لحال ما يشاهده من الأجساد البالية من مصير اللحم، وغيره ترابا عليها عظام نخرة ليذكره ويخطر بباله ما ينافي مدعاه. قوله:(ذلك القائل (أي كان لي قرين الخ يعني المذكور في قوله قال قائل منهم والمقول له جلساؤه، ويقابل هذا القول ما سيأتي وقوله إلى أهل النار عداه بإلى لتضمينه معنى ناظرين، وقوله لأريكم الخ إشارة إلى أن المقصود من قوله هل أنتم مطلعون سواء كان المراد منه الأمر أو العرض إراءتهم سوء حال قرينه، وقوله يقول لهم أي لهؤلاء المتحادثين في الجنة، وهل تحبون إشارة إلى أنه للعرض عليهم إن أرادوا، واطلاع أهل الجنة على أهل النار ومعرفة من فيها مع ما بينهما من التباعد غير بعيد بانه يخلق الله لهم حدة نظر، وقيل إنّ لهم طاقات في الجنة ينظرون منها من علو لأهل النار كما قاله السمرقندي. قوله: (وعن أبي عمرو الخ) المذكور في الإعرإب، وكتب القرا آت أنّ أبا عمرو قرأ بسكون الطاء وفتح النون وكونها رواية شادة عنه كما قيل يحتاج
إلى نقل وإنما هي شاذة منقولة عن حماد وهشيم، وقد قرئ مطلعون بالتشديد والتخفيف مع فتح النون
وكسرها كما سيأتي والتشديد من اطلع على الأمر إذا شاهده أو اطلع علينا أقبل، والتخفيف من اطلعه عليه إذا أوقفه ليراه والأوّل لازم والثاني يكون متعدّيا ولازما بمعنى اطلع، واطلع قرئ ماضياً مبنياً للفاعل من الافتعال وهمزته همزة وصل، وقرئ فأطلع بهمزة قطع مضمومة وكسر اللام ماضياً مبنياً للمفعول، وقوله فاطلع بالتشديد والتخفيف مضارعاً منصوبا في جواب الاستفهام واذا كان مبنياً للمفعول فنائبه ضمير المصدر أو ضمير المطلع عليه على الحذف والإيصال أو ضحمير القائل، والقراءة في العشرة بالتشديد والتخفيف في مطلعون مع فتح النون، واطلع بالماضي المعلوم المشدد على الأولى والمخفف المجهول في الثانية وما عداهما شاذ فأعرفه. قوله:(وضم الألف) أي همزة اطلع الساكن الطاء في هذه القراءة مضمومة على أنه ماض! مجهول فلامه مكسورة أو مضارع منصوب بصيغة المعلوم، والمجهول فلامه مكسورة ومفتوحة وهو على متعد وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما وان كان ما بعده أظهر في بعضها. قوله:(على أنه جعل اطلاعهم سبب اطلاعه) بسكون الطاء فيهما والسببية من الفاء إذ المعنى إن اطلعتموني أطلع والمقصود اطلاع الجميع ولكنه عبر بما ذكر رعاية للأدب الآتي، وهذا المعنى أيضاً يتأتى على فتح النون، وقوله يمنع الاستبداد به أي الاستقلال بالاطلاع لأن من الآداب أن لا ينظر في مجلسه لشيء، ولا يفعل شيئا مما لم يشاركوه فيه فإن كان المخاطب بهل أنتم مطلعون الملائكة لم تحتج السببية إلى هذه النكتة ولذا أخره فخاطب الملائكة عطف على قوله جعل. قوله: (على وضع المنصل موضع المتقصل (يعني أنّ أصله على قراءة الكسر مطلعون إياي، ثم جعل المنفصل متصلاً فقيل مطلعوني، ثم حذفت الياء واكتفى عنها بالكسرة كما في قوله فكيف كان نكير هذا ما أراده المصنف رحمه الله تبعا للزمخشري، وللنحاة في هذه المسألة كلام طويل حاصله أنّ نحو ضاربك وضاربيك ذهب سيبويه فيه إلى أنّ الضمير في محل جر بالإضافة، ولذا حذف التنوين ونون التثنية والجمع وذهب الأخفش وهشام إلى أنه في محل نصب وحذفها للتخفيف حتى وردت ثابتة في نحو قوله:
هم الآمرون الخير والفاعلونه
وقوله:
أمسلمني للموت أنت فميت
فعنده أنّ النون في مثله تنوين حرك لالتقاء الساكنين ورد بأنه سمع مع الألف واللام قوله وليس الموافيني، ومع أفعل التفضيل كما وقع في الحديث " غير الدجال أخوفني عليكم "
وإنما هذه نون وقاية ألحقت مع الوصف حملاً له على الفعل كما حمل ضماربونه في إثبات نونه على تضربونه وقد ردّ أبو حيان ما ذكر بانه ليس من محال المنفصل حتى يدعي أنّ المتصل وقع موقعه إذ لا يجوز أن يقال هند زيد ضارب إياها ولا زيد ضارب إياي لأنه لا يعدل إلى الانفصال ما دام الاتصال ممكناً وما أجاب به المعرب من أنه لا يسلم إنه يمكن الاتصال حالة ثبوت النون والتنوين قبل الضميربل يصير الموضع موضع المنفصل فصح ما قاله الزمخشري، وكلام المصنف رحمه الله لا يصح على المذهبين لأنّ من قال إنها نون الوقاية قال الموضع موضع الاتصال ومن قال إنه تنوين قال أيضاً إذا ثبت ضرورة لزم الاتصال كما نقلناه آنفا وكذا ما قيل مراده أنّ الحذف لازم في الاختيار كما نبه عليه بتمثيله وفرض! الإبقاء لا يجدي فاسد لأنه يعود على المدّعي بالنقض إذ لو كان لازما لم تصح القراءة به، وقد علمت أن مراده غير ما فهم. قوله:(هاً الآمرون الخير والفاعلونه) تمامه:
إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما
لا يعرف قائله، ولذا قيل إنه مصنوع لا يصح الاستشهاد به، وقيل إن الهاء هاء سكت حركت للضرورة وهو فرار من ضرورة لأخرى إذ تحريكها واثباتها في الوصل غير جائز، وقوله أو شبه الخ عطف على قوله وضع الخ وهو مخصوص بتوجيه الجمع، وأمّا المفرد كقوله أمسلمني فلا يتأتى فيه، وقوله فاطلع عليهم أي على أهل النار لا على أصحابهم كما توهم وقوله وسطه لأنه ورد عن العرب انحنى سوائي أي وسطي كما أوضحه الزمخشري سمي به لاسنواء جانبيه، وقوله لتهلكني لأنّ الردى الهلاك واللام هي الفارقة أي بين المخففة والنافية، وقوله معك فيها أي في الجحيم لأنها مؤنثة ولو قال فيه بإعادته للسواء صح وهما سواء. قوله:(عطف الخ) هو أحد القولين كما فصله في المغني، وقوله أنحن مخلدون الخ بناء على أنه قول المؤمنين لتوبيخ الكفار وبقي إنه في بعض النسخ بدون همز إشارة إلى أنّ الاستفهام
فيه تقريري ويجوز أن يكون من قولهم جميعا، وقوله بمن شأنه الموت إشارة إلى ما في الصفة المشبهة من الدلالة على الثبوت، وتوجيه للاستثناء ليكون متصلَا وضمير هي للموتة الأولى، وقوله متناولة الخ توجيه للموتة بتاء الوحدة بأنّ موتة القبر بعد السؤال داخلة في الأولى لأنّ ما بينهما من الحياة غير معتد به لأنه ليس إعادة تامّة ولا قارة. قوله: (وقيل على الاستثناء المنقطع (هو فيما
قبله استثناء مفرع من مصدر مقدّر وعلى هذا المعنى لكن الموتة الأولى كانت لنا في الدنيا كما في قوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [سورة الدخان، الآية: 56] وسيأتي تحقيقه وقوله وذلك الخ يعني قوله أفما نحن بميتين الخ ويجوز أن يكون من كلام الجميع كما مرّ، وقوله يحتمل أن يكون من كلامهم أي أهل الجنة الشامل للقائل والجلساء، ولذا لم يقل كلامه ثم كما صرّح به فمن قال الأظهر أن يقول كلامه لم يصب. قوله: النيل مثل هذا) ففيه مضاف مقدر ومثل يحتمل لإقحام كما في مثلك لا يبخل، وقوله للحظوظ الدنيوية إشارة إلى ما يفيده تقديم الجار والمجرور من الحصر والانصرام الانقطاع واحتمال الأمرين كونه كلام الله أو كلامهم. قوله:(ثمرها نزل أهل النار) إشارة إلى أنّ فيه مضافاً مقدراً أي ثمر شجرة الزقوم لأنّ الشجرة ليست نفسها نزلاً والنزل بضمتين وبالزاي ما يعد للنازل من الطعام، أو هو مستعار من الحاصل للشيء وله معان أخر كريع الطعام والفضل والبركة ولكن الأوّل هو المراد ليدل على ما ذكره من الدلالة، والإشارة إلى ما مرّ من قوله رزق معلوم فواكه الخ لأنه رجوع إليه، والقصة المذكورة بينهما ذكرت بطريق الاستطراد كما ذكره الزمخشري وإن جوّز بعضهم كونه من كلام هؤلاء، وجعل ثمر الزقوم خيراً ونزلا تهكم بهم أو للمشاكلة، وجوّز فيه المصنف الحالية من لاضمير في خير والتمييز من غير تمييز بينهما كما في الكشاف إذ جعله حالاً إذا كان ما يعد للنازل، وتميزا إذا كان بمعنى الحاصل من الشيء إذ الحال يصدق على ذيها والرزق معد بخلاف التمييز فإنه يغاير المميز نحو هو الرجل كرما وشجاعة، وحاصل الشيء غيره والمصنف اقتصر على أحد المعنيين، وجوّز الوجهين فيكون التمييز كما في لله دره فارسا حيث ميزه بما يصدق عليه وحاله ظاهر، وقوله دفرة بالدال المهملة يعني منتنة لا بالمعجمة دمان قيل إنه بمناه أيضا لأنّ المشهور أنّ الثاني يختص بالطيب فيقال مسك أذقر، وتهامة سهل الحجاز مقابل نجد وقوله الموصوفة أي بما ذكر في هذه الآية. قوله: (محنة وعذابا (لما مرّ من أنّ الفتنة في الأصل الإذابة بالنار فلذا أطلق على العذاب وبالإذابة يعلم ما غش من غيره فلذا أطلق على
الابتلاء، والحيوان الذي يعيش في النار هو السمندل وتفصيله في حياة الحيوان وقوله في قعر جهنم إشارة إلى أنّ الأصل هنا بمعنى أسفل كما يقال لأسفل الشجرة أصلها. قوله:) حملها (بفتح الحاء وهو ما على رأس أو شجر، وقوله مستعار من طلع التمر الأولى أن يقول طلع النخل وهو أوّل ما يبدو قبل أن تخرح شماريخه أبيض غض مستطيل كالكوز فسمي به هذا إتا لأنه بشابهه في الشكل فيكون استعارة تصريحية أو لاستعماله بمعنى ما يطلع مطلقا فيكون كالرسن للأنف فهو مجاز مرسل، وهذا معنى قوله في الكشاف استعارة لفظية أو معنوية وقد ذكر الطيبي له تفسيراً آخر بأنّ المراد باللفظية التصريحية وبالمعنوية المكنية، وهو غريب واوظاهر لم يرده فقوله أو الطلوع معطوف على الشكل، والهون بمعنى الفزع والخوف. قوله: (وهو تشبيه بالمتخيل الخ) رد على بعض الملاحدة إذ طعن فيه بأنه تشبيه بما لا يعرف بأنه لا يشترط أن يكون معروفا في الخارج بل يكفي كونه مركوزا في الذهن والخيال ألا ترى امرى القيس وهو ملك الشعراء يقول:
ومسنونة رزق كأنياب أغوال
وهو لم ير الغول، والغول نوع من الشياطين لأنه في خيال كل أحد مرتسم بصورة قبيحة
وإن كان قابلا للتشكل، كما أنهم إذ! استحسنوا شيئاً قالوا ما هو إلا ملك كما قرره أهل المعاني، والأعراف جمع عرف وهو بضم فسكون شعر على ما تحت الرأس، وقوله لعلها سميت بها لذلك أي لقبح منظرها سميت به على طريق التخيل أيضاً لكن المشبه به على الثاني متحقق لكنه لم يرتضه لكونه غير معروف لا في الذهن ولا في الخارج. قوله:(من الشجرة أو من طلعها) الظاهر أنه يريد أنّ الضمير للشجرة، ومن ابتدائية أو تبعيضية وفيه مضاف مقدر ويؤيده أنه وقع في نسخة أي طلعها، واما أنه على أنّ الضمير راجع للطلع وأنث لإضافته للمؤنث أو لتأويله بالثمرة، أو للشجرة على التجوّز فجائز مع بعدما.
قوله: (أي بعدما شبعوا الخ) فثم للتراخي على حقيقتها، وقوله ويجوز الخ فهو للتراخي الرتبي لأنّ شرابهم أشنع من مأكولهم بكثير إما ملء البطون فيعقبه، وليس بشيء غير ما قبله متصوّر فيه تفاوت رتبي فلذا ترن بالفاء، وقيل على الأوّل إنه يأباه عطفه بالفاء في آية أخرى {فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ}
[سورة الواقعة، الآية: 53- 54] فلا بد من عدم توسط زمان أو شيء آخر كطول الاستقاء بينهما لكن ملؤهم البطون أمر ممتد فباعتبار ابتدأئه يعطف بثم وباعتبار انتهائه بالفاء فتأمّل. قوله: (من غساق) بالتخفيف والتشديد عين فيها تسيل إليها سموم الحيات والعقارب، أو ماء دموع الكفرة فيها والصديد ما يسيل من جراحهم، وجلودهم فليس فيه جعل شيء قسيماً لنفسه حتى يقال أو للتخيير في التعبير، ولا ينافيه تفسير غساق بصديد في محل آخر، واذا ضم شين شويا فهو ما يشاب به كما أنّ القفل ما يقفل به. قوله:(إلى دركاتها) دفع لما يتوهم من أنه عود لما هم فيه ولا معنى له بأنّ المراد أنهم يوردون في الجحيم من مكان إلى آخر أدنى منه، أو ذلك النزل! كان قبل الدخول فيها ولكونه خلاف الظاهر أخره، وقوله يوردون الخ تفسير لقوله يطوفون الخ في الآية الثانية، وقوله وقيل الحميم الخ هذا وجه في الجواب ثالث فيه أنّ الحميم خارج عن محل من النار يخرج المجرمون منه للسقي كما يخرج الدواب للماء، وليس المراد أنه خارج عن الجحيم بالكلية حتى ينافي أنهم بعد دخول النار لا يخرجون منها بالاتفاق كما قيل بل إنه في غير مقرهم فيجوز أن يكون في طبقة زمهريرية منها مثلاً والانقلاب أظهر في الرد فلذا جعله مؤيداً له. قوله:(كأنهم يزعجون (أخذه من فعل الأهراع المجهول وقوله وفيه إشعار الخ هو من الإسراع المقرون بالفاء، وقوله قبل قومك لأنهم المراد بالظالمين الراجع إليهم جميع الضمائر لأنهم المنكرون لخروج الشجر في النار فليس فيه تفكيك للضمائر كما توهم وإلاستثناء يحتمل الاتصال، والانقطاع وقد تقدم الكلام فيه والخطاب في قوله فانظر. قوله:) ولقد دعانا (أي بإهلاك قومه إذ قال: {لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}
[سورة نوج، الآية: 26] بقرينة قوله أيس من قومه. قوله:) فحذف منها ما حذف) هو محتمل لأن يريد بالمحذوف القسم لدلالة اللام عليه والمخصوص بالمدح وهو فحن، وقوله فأجبناه الخ بيان لحاصل المعنى أو المحذوف ما ذكر وجملة فأجبناه أحسن الإجابة لأنّ المدح بحسن الجواب يقتضي تقدمه على أحسن الوجوه. قوله:) من الغرق أو أذى!!) وفي نسخة وأذى قومه وهي أحسن إذ لا مانع من الجمع وهو تفصيل لما قبله ولا يلزم التكرار على تفسيره بأذى قومه بل على تفسيره بالغرق لقوله ثم أغرقناكما فيل، وقوله إذ هلك من عداهم الخ بيان لحصر الباقين في ذرّيته كما يفيده ضمير الفصل، وقوله إذ روي الخ لا بد منه لأنه كان في السفينة من عداهـ (لكنهم لم يعقبوا عقابا باقيا فلا يضرّنا وأولاده سام وحام ويافث ومنهم تشعبت الأمم كما فصل في التوايخ، ولذا قيل آدم الثاني. قوله: (هذا الكلام (يعني قوله سلام على نوح في العالمين إذ لو لم يحك نصب لأنه مفعول تركنا كما قرأ به ابن مسعود رضي الله عنه فهو مبتدأ وخبر وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى الدعاء، والحكاية إمّا بتركنا لتضمنه معنى القول بناء على مذهب الكوفيين أو بقول مقدر أي تركنا قولهم سلام ملى نوح، وقوله يسلمون عليه تسليما إشارة إلى أنه إذا كان اسم مصدر من التسليم كان منصوبا على المصدرية على الأصل واذا كان سلاما من الله لا من الآخرين فتقديره، وقلنا سلام الخ فمفعول تركنا على هذا محذوف كما ذكره. قوله: (متعلق بالجار والمجرور) هو إمّا على طاهره لأنه لنيابته عن عامله يعمل عمله أو المراد أنه متعلق بما تعلق به، وفي قوله بثبوت هذه الئحية إيماء إليه أو المراد به التعلق المعنوي فيجوز كونه حالاً من الضمير المستتر فيه، وقوله لى الملائكة إشارة إلى أنّ فيه شمولاً وعموماً لا يغني عنه قوله في الاخرين وكونه بدلاً منه يأباه! شره وفصله. قوله:(من التكرمة) بنجاته وتخليد الثناء عليه واحسانه مجاهدته في إعلاء كلمة الله وإزالة أعدائه، وقوله تعليل لإحسانه المدلول عليه بالمحسنين والتعليل من سياق مثله مقرر لى المعاني، وقوله إظهاراً لجلالة قدره أي قدر الإيمان حيث مدح من هو من كبار الرسل به في لمقصود بالصفة مدحلها لنفسها لا مدح موصوفها كما مرّ إذ الرسول لا يتصوّر انفكاكه عن الإيمان على ما بينه شراح الكشاف، وما قيل عليه من أنه توجيه لتوصيفه بالإيمان دون تعليل الإحسان بالإيمان وهو
المقصود من قصور النظر لأن معنى تعليل الإحسان بالإيمان بيان
لحاصل المعنى والأصل تعليل كونه محسنا بكونه من العباد الموصوفين بالإيمان، وليس المقصود هنا من إحسانه مجرّد إيمانه بل ما ينبني عليه فعدل عن المقصود لهذا ما ذكره من أصالته لأنه أساس لكل خير يوجد، ومركز لدائرته ومسك خاتمته. قوله:(ثم أغرقنا الخ) ثم للتراخي الذكري إذ بقاء ذريته وما معه متأخر عن الإغراق، وقوله شايعه أي تابعه، وقوله في الإيمان وأصول الشريعة لأنّ الظاهر أنّ كلا منهما صاحب شريعة مستقلة، وهذا المقدار متيقن وأصول الشريعة العقائد أو توانينها الكلبة من إجراء الأوامر الإلهية وفيه وجوه أخر كالتصلب في الدين وقوّة الصبر، وقوله ولا يبعد الخ وجه آخر إذ لم ينقل اختلاف بينهما أو المراد في غالبها فيعطي للأكثر حكم الكل، وقوله ألفان وستمائة الخ هو رواية وفيه أقوال أخر. قوله:(متعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة الخ) إن أراد أنه جامد لا يتعلق به شيء لكنه لما فيه من معنى الوصفية جاز تعلقه به ورد عليه ما قيل إنه يلزمه عمل في ما قبل لام الابتداء فيما بعدها، والفصل بين العامل ومعموله بأجنبي فيجاب بأنه لا مانع منه لتوسعهم في الظروف، وان أراد تعلقه بمقدّر يدل عليه ما ذكر كأنه قيل منى شايعه فقيل شايعه إذ الخ لم يرد عليه شيء لكن ظاهر الكلام الأوّل لجعله مقابلاً للحذف. قوله:(من آفات القلوب) وفي نسخة الذنوب والأولى أصح وأكثر فسليم على هذا سالم من جميع الآفات وآفاتها فساد العقائد والنيات السيئة والضمائر القبيحة ونحوه، أو سالم من العلائق الدنيوية يعني ليس فيه شيء من محبتها والركون إليها والى أهلها فهو دائما مشغول بمحبة الله ومشاهدة عوارفه ومعارفه، ولذا فسره بقوله خالص لله أي متمحض لجنابة كما قيل:
تملك بعض حبك كل قلبي فإن ترد الزيادة هات قلبا
وهذا مقام الخلة فليس! فيه جمع بين معنيي المشترك على مذهبه كما توهم. قوله: (أو مخلص له) يحتمل أن يكون بفتح اللام بزنة اسم المفعول بمعنى أنه أخلصه لله، أو بكسرها اسم فاعل من أخلص المنزلة منزلة اللازم أي ذا إخلاص فلا يلزم كون القلب مخلصا لنفسه كما قيل. قوله:(حزين) فيكون استعارة من السليم بمعنى الملدوغ من حية أو عقرب فإنّ المعنى سمته سليما تفاؤلاً بسلامتة، وصار حقيقة فيه يقال لدغنه الهموم، وهو وجه لطيف لكن الأوّل أنسب بالمقام فلذا أخر هذا. قوله:(ومعنى المجيء به الخ) يعني كان الظاهر جاء ربه
سليم القلب فلم عدل عنه إلى ما في النظم، وفي الكشاف معناه أخلص لله قلبه وعرف ذلك منه فضرب المجيء مثلاً لذلك، اهـ وفي المطلع معنى مجيئه ربه أنه أخلص لله قلبه، وعرف ذلك منه معرفة الغائب وأحواله بمجيئه وحضوره فضربه مثلاً وقال الإمام: معناه أنه أخلص لله قلبه فكأنه أتحف حضرته بذلك القلب، فقيل المفهوم من المطلع أن الباء للملابسة ومن كلام الإمام أنها للتعدية وظاهر كلام المصنف الأوّل، قيل وفي قول الزمخشري عرف ذلك إطلاق اسم العارف عليه وقد منعوه ولذا غير المصنف عبارته وقيل إنه بصيغة المجهول فلا يتجه ما ذكر عليه، ثم إنّ ظاهر كلامهم أنّ في جاء استعارة تبعية تصريحية فشبه أخلاصه قلبه بمجيئه الغيبة عن حضرته تعالى إلا أنه لا معنى حينئذ لجعل سليم بمعنى الخالص أو المخلص كما قاله بعض الفضلاء (أقول) هذا جميع ما قالوه برمته والذي يقبله القلب السليم أنّ ما ذكروه من الاستعارة مقرّر وأن ما قاله المصنف هنا خالص أو مخلص بيان لمحصل المعنى فيصير معنى التركيب أنه أخلص لله قلبه السليم من الآفات، أو المنقطع عن العلائق أو الحزين المنكسر فرب قلب سليم عن الأوّلين غير مخلص كما في القلوب البله وكذا الثالث، وإنما عقده تقديمه التفسير ومخالفة الزمخشري إذ تركه، وأما ما ذكروه في المعرفة ففيما أجيب به كفاية لكن أصل الاعتراف فيه توفف، وان اشتهر فقد وقع في أوّل خطبة نهج البلاغة إطلاقه عليه تعالى في قوله عارفا بقرائنها واحيائها وقال شارحه أنه صحيح وكفى به حجة عليه فأعرفه. قوله:(فقدّم المفعول للعناية) لأنّ إنكاره أو التقرير به هو المقصود وفيه رعاية الفاصلة أيضاً، وقوله على أنها الخ إشارة إلى أنه بدل كل من كل وليست الآلهة عين الكذب لكنها جعلت عينه مبالغة أو على التأويل
المعروف في أمثاله بالتقدير في الأوّل أو في الثاني كما ذكره فإن عبادتها إفك أي صرف للعبادة عن وجهها أو هو حال من فاعل تريدون، أو من المفعول بتقدير مأفوكة لكن وقوع المصدر حالاً غير مقيس. قوله:(بمن هو حقيق بالعبادة الخ) فسر رب العالمين بالحقيق بالعبادة ليرتبط بما قبله من إنكار عبادة الأصنام، ولذا جعله حجة عليه فالمعنى أنّ استحقاقه للعبادة أظهر من أن يختلج عرق شبهة فيه فأنكر ظنهم الكائن في بيان استحقاقه للعبادة، وهو الذي حملهم على عبادة غيره، وقوله لكونه الخ يعني أنه أقيم فيه الدليل، والعلة مقام مدلوله ومعلوله لدلالته عليه. قوله:(حتى تركشم عبادته) مع كونه المستحق لها وحده لكونه المالك الحقيقي وما سواه مملوك وقد قيل:
كل مايصلح للمولى على العبد حرام
وقوله وأشركتم الخ أي تركتم عبادته خاصة، وفي نسخة أو أشركتم وهو الأظهر فالمعنى
على الأوّل فما ظنكم به وهو حقيق بالعبادة أشككتم فيه حتى تركتم عبادته بالكلية، وعلى الثاني أعلمتم أفي شيء هو حتى جعلتم الأصنام شركاءه وعلى الثالث ما ظنكم بعقابه حتى اجترأتم على الإفك عليه، وفي كلامه لف ونشر وقوله والمعنى الخ يعني أنّ الاستفهام إنكاري والمراد من إنكار الظن إنكار ما يقتضيه، ويصد بالصاد المهملة بمعنى يمنع. قوله:(على طريقة الإلزام) بناء على اعترافهم بأنه رب العالمين وجعله كالحجة دون أن يقول وهو حجة ملتزمة لأنه ليس صريحاً في الإلزام ولذا جعله على طريقته فتأمّل. قوله: (فرأى مواقعها الخ (إنما فسر به لأنّ ما يستدل به على حدوث أمر ليس هو رؤية أجرامها ففط بل مع ما يستدل به من أحوالها كاتصال بعضها ببعض، وتقابلها وتقارنها ومواقعها مغاربها فالمراد بالنظر فيها التأمل في أحوالها، أو في علمها المشروح فيه ما شاهده من ذلك أو في كتب النجوم وأحكامها، ولذا عذاه بفي كما قيل:
هل من كتاب أوأخ أوفتى أنظر فيه أو له أو إليه
وقيل: لبعض الملوك ما تشتهي فقالط حبيب أنظر إليه ومحتاج أنظر له وكتاب أنظر فيه
فهو مجاز عما ذكر أو فيه مضاف مقدّر. قوله: (ولا منع منه (أي كيف ينظر في النجوم، وهو نبيّ معصوم فأجاب بأنه ليس بممنوع شرعا وكون النجوم تدل على بعض الأمور لجعل الله لها علامة عليه جائز، وإنما الممتنع اعتقاد أنها مؤثرة بنفسها والجزم بكلمة أحكامها وقد ذكر الكرماني في مناسكة أنّ النبيي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أراد السفر في آخر الشهر: " أتريد أن تخسر صفقتك وتخيب سعيك اصبر حتى يهل الهلال " مع أنه لم ينظر فيها حققة بل أوهمهم ذلك لأنهم كانوا منجمين فأظهر لهم ذلك لئلا يحضر معهم في مجامع كفرهم. قوله: (سألوه أن يعيد معهم) يقال عيد إذا حضر مع الناس في العيد كما يقال جمع إذا حضر الجمعة، وعرّف إذا حضر عرفة فلما سألوه الذهاب معهم لعيدهم، ومجمع كفرهم ذكر ذلك ليتخلف عنهم. قوله:(أراهم أنه استدد بها) أي أوهمهم أنه استدل بالنجوم على سقمه، وقوله على أنه مشارف للسقم متعلق باستدل، ولئلا متعلق بأراهم ومعيد بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الياء
المثناة التحتية محل عيدهم، وإنما أوّل سقيم بالمشارفة لأنه غير سقيم بالفعل كما شاهدوه والسقيم بالفعل لا يحتاج للنظر في النجوم لذلك، وظاهر عطف قوله أو أراد بأو كما في أكثر النسخ أن هذا تأويل مستقل فالتأويلات أربعة فالمراد أنه مستعد ل! سقام كما هو شأن كل أحد إذ المشارفة بمعناها المعروف غير موجودة فيؤول إلى الجواب الأخير، أو المراد بسقيم صدور الكذب منه وأنه جائز إذا تضمن مصلحة والظاهر هو العطف بأو على أنّ الوجوه ثلاثة، وسقم قلبه حزنه وغمه بجعل ذلك مرضاً على طريق التشبيه أو هو مجاز باستعماله في لازمه، وهو الخروح عن الاعتدال فإنّ الاعتدال الحقيقي غير موجود أو أراد أنه مستعدّ للموت استعداد المريض فهو استعارة أو مجاز مرسل، وإنما أوّلوه لأنه معصوم عن الكذب وتسميته كذبا في الأحاديث الصحيحة نظرا لظاهره، وجعله ذنبا في حديث الشفاعة لأنه خلاف الأولى إذ عدل عن التصريح إلى التعريض، ومن جوّز صدور الذنب عنهم لا يؤوله، وقول الإمام إسناد الكذب إلى راوي الحديث أهون من إسناده إلى إبراهيم لا يلتفت له وقد روي في الصحيحين. قوله:(ومنه المثل كفى بالسلامة داء) هو حديث في مسند الفردوس فهو من الأمثال النبوية، ومعناه أنّ حياة المرء سبب لموته فهو
المرض الحاضر، وهو معنى كثير الأشعار القديمة كقول حميد بن ثور:
وحسبك داء أن تصح وتسلما
ومنه أخذ المتنبي قوله:
قداستشفيت من داءبداء وأقتل ما أعلك ماشفاكا
والبيت الذي ذكره المصنف للبيد من قصيدة وقبله:
كانت قناتي لا تلين لغامز فألانها الإصباح والإمساء
وجاهدا بمعنى مجتهداً ويصحني منأصحه إذا صيره صحيحا، ولبيد كان ممن رزق العمر الطويل والمثل والبيت بيان للوجه الأخير. قوله: (هاربين مخافة العدوى (بفتح العين، وهي
سراية المرض وعلى تفسيره هذا مدبرين حال مقيدة لا مؤكدة كما هو المتبادر، وقوله فذهب الخ أصل معناه الميل في جانب ليخاع من خلفه فتجوّز به عما ذكره لأنه المناسب هنا والطعام المذكور كان يقرب للأصنام في أعيادهم، وأتى بضمير العقلاء لمعاملته معهم معاملة العقلاء، وقوله وأنّ الميل لمكروه، وعلى للمضرّة كما في دعا عليه وضربا مصدر لراغ باعتبار المراد منه بطريق التجوّز أو بدلالة السياق، ويجوز كونه حالاً بمعنى ضارباً أو مفعولاً له. قوله:(وثقييده باليمين الخ) فيكون المراد الضرب القوفي والباء في الأوّل للاستعانة ويجوز كونها للملابسة، واليمين بمعنى القوّة مجازاً كما مرّ، وفي الثاني للسببية. قوله:(بعدما رجعوا فرأوا أصنامهم مكسرة) إشارة إلى التوفيق بين ما في هذه الآية وما في الأخرى سمعنا فتى يذكرهم الخ فإنّ هذه تقتضي أنهم شاهدوه، وهو يكسرها فأسرعوا إليه وتلك تدلّ على أنهم لم يشاهدوه، وإنما استدلوا بذمّه على أنه الكاسر لها بأنّ هذه لا تنافي تلك فإنّ معناها أنه حين كسرها لم يشعر به أحد وأقبالهم إليه يزفون بعد رجوعهم من عيدهم، وسؤالهم عن الكاسر وقولهم فأتوا به على أعين الناس، وليس في النظم ما ينافيه وأجيب أيضا بأنّ الرائي له بعض أتباعهم ولم يذكره لكبرائهم لصارف مّا حتى بلغهم فقالوا ما صدر عنهم وهو المذكور في سورة الأنبياء. قوله:(من رّف النعام) أي أسرع لخلطه الطيران بالمشي، ولذا قيل زت العروس لا لسرعة المشي بها بل لخفة السرور، ونشاطه ومصدره الزف والزفيف وأزفه حمله على الزفيف أو دخل فيه فيكون متعدياً ولازما من الثلاثي المعلوم قرأ جميع القراء إلا حمزة فإنه قرأه بضمّ الياء على أنه معلوم المزيد، والقرا آت الباقية كلها شاذة فما نقله المصنف عن حمزة مخالف لما في جميع كتب القرا آت وقوله يزف بعضهم قدر مفعوله لأنّ أزف متعد وقد عرفت أنه يكون لازماً فلا يحتاج لتقديره، وكون وزف بمعنى أسرع أثبته الثقات فلا يلتفت لمن أنكره، وزفا بمعنى حدا استعير لمعنى أسرع كما أشار إليه بقوله كان الخ. قوله: (وما تعملونه (فما موصولة وعائدها محذوف،
وهذا رجحه في الكشاف على المصدرية لكنه زعمأنه هو الموافق لمذهب أهل العدل لأنّ أهل السنة استدلوا بهذه الآية على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وبنره على كون ما مصدرية وأنه الأصل لعدم احتياجه إلى التقدير وليس هذا أيضاً بلازم كما أشار إليه المصنف وقال الزمخشريّ أنّ المعنى الآية يأباه إباء جلياً لأنه تعالى احتج عليهم بأنّ العابد والمعبود جميعا خلق الله فكيف! عبد المخلوق المخلوق على أنّ العابد هو الذي صوّره وشكله، ولولاه لم يكن له صورة فلو قلت والله خلقكم وخلق عملكم لم تكن محتجا عليهم، ولا كان لكلامك طباق وما في ما شحتون موصولة فلا يعدل بها عن أختها لما فيه من فلف النظم وتبتير. هذا محصله، وهو كلام حسن لكنه حق أريد به باطل كما سنبينه. توله: (فإن جوهرها بخلقه وشكلها وإن كان بفعلهم (ردّ على الزمخشري إذ جعل الموصولية دالة على أنّ جوهرها أي مادّتها بخلقه تعالى دون تشكيلها، وتصويرها فإنها من أفعال العباد المخلوقة لهم عنده فالموصولية لا تنافي مذهب أهل الحق إذ تعلق الفعل بالمشتق يقتضي تعلقه بمبدأ اشتقاقه فمعنى يحب التوّابين يحب ذواتهم وتوبتهم، وقوله وان كان الخ أن فيه وصلية أي لهم مدخل في الفعل بالكسب الاختياري والمباشرة، وإن كان الله خلقه كما هو مذهب الأشعرية ولا دلالة في كلامه على أنه لا مدخل لشلق الله في الشكل كما توهم، وقوله ولذلك جعل من أعمالهم دفع لما قيل إنه كيف جعل. مخلوقا لله ومعمولاً لهم من غير احتياج إلى إيقاع الخلق على جوهرها والعمل على شكلها كما في الكشاف تاييدا لمذهبه، وقوله فبأقداره الخ خبر
قوله شكلها والعدد بضمّ العين جمع عدة وهي ما يكون آلة للشيء. قوله: (أو عملكم الخ) أي ما مصدرية والمصدر مؤوّل باسم المفعول لأنه كالتفسير لما تنحتون، وهو بمعنى المنحوت فيتحد معناه ومعنى لموصول لكنه! ستغني عن الحذف، وأمّا كونها استفهامية للتحقير والإنكار فخلاف الظاهرء، وجوّز في الانتصاف كونها في ما تنحتون مصدرية لأنّ المعبود في الحقيقة عملهم ولا مانع منه أيضاً. قوله:(أو أنه بمعنى الحدث) أي باق على مصدريته، والمراد به الحاصل بالمصدر والأثر لا نفس التأثير والإيقاع فإنه لا وجود له في الخارج حتى يتعلق به الخلق والمصدر كثيرا ما يرإد به ذلك حتى قالوا إنه مشترك بينهما، وليس مجازا فيه وهو المراد من الفعل بالكسر بخلاف الفعل كالفتح فإنه اسم الإيقاع، والخلاف بيننا وبين المعتزلة في الأوّل فمتعلق الخلق على هذا الوصف وعلى ما قبله الذات مع الوصف. قوله:(فإن فعيم إذا كان بنق الله الخ) يعني أنه على إرادة الحدث لا يفوت الاحتجاج به على مسلك أهل السنة بل يثبت على وجه أبلغ فيه، وأيد بأنه يصير كناية وهي أبلغ من التصريح لأنّ خلق الفعل يستلزم خلق المفعول المتوقف عليه فهتم الاحتجاج على الكفرة بأنّ العابد والمعبود خلق الله ولا تفوت الملازمة كما شنع به الزمخشريّ عليهم، وقد سلف تقريره ورده في الكشف بأن الملازمة ممنوعة عندهم ألا تراهم
اعترفوا بأنّ العبد وفدرته، وإرادته من خلق الله وما توقف عليها من قعل العبد خلق العبد فتوقفه على ألله لا ينكر، وإنما الكلام في الإيجاد فأظهر منه أن يقال المعمول من حيث المادّة لا ينكر كونه من خلق الله، فقيل هو منحيث الصورة أيضاً خلقه فهو من جميع الوجو. مخلوق مثلكم من غير فرق فلم تسوّونه بالخالق، وما ازداد بفعلكم إلا بعداً عن استحقاق العبادة والإنصاف أنّ استدلال الأصحاب بهذه الآية لا يتم، ورده الكرماني في حواشيه بأن ما يعملونه على إطلاقه لا يفيد وإنما يفيد بعد تقييده بقوله من الأصنام كما صرّح به الزمخشريّ فتدخل الأصنام يعني بجوهرها وشكلها الذي يتحقق به الصنمية في عموم ما يعملونه دخولاً أوّليا فلا يفوت الاحتجاح عليهم، ويتم به الاستدلال على مذهب أهل الحق وقد قيل عليه أنّ المراد بالفعل الحاصل بالمصدر لأنه بالمعنى الآخر من النسب التي ليست بموجودة عندهم، ومان ذكره من أنّ السند يجتمع مع المقدّمة الممنوعة فهو أعنم غير صالح للسندية والمراد بمفعولهم إشكال الأصام المتوقفة على الفعل بهذا المعنى فإذا كان كذلك، وقد قام بما يباينهم بخلقه فما قام به أولى ولا مجال لمنع هذه الملازمة فإنهم معترفون بها إذا ثبتوا خلق المتولدات للعباد بواسطة خلق ما يقوم بهم من أفعالهم ليس إلا وانتفاء الأوّل ملزوم لانتفاء الثاني والحاصل أنّ السند غير صالح وهم فد اعترفوا بهذه الملازمة فهو إلزام لهم بما التزموه فتأمّل. قوله:(وبهذا المعنى (أي إرادة الحدث على الوجه الذي قرّره تمسك به أهل السنة على خلق الأفعال لته إذ لا قائل بالفرق، وقوله على الأوّلين أي الموصولية والمصدرية بتأويله بالمعمول، وقوله من حذف أي للضمير العائد المقدر والمجاز كون المصدر بمعنى المفعول وقد عورض بأنّ الموصولية أكثر وأنسب بالسياق وكلاهما غير مسلم أمّ الأوّل فظاهر وأمّ الثاني فلما عرفت من أنّ العدول عن الظاهر ليثبت بطريق برهانيّ أبلغ، وأمّا كونه يحتاج إلى تقدير عملكم في المنحوت فيكثر الحذف فليس بلازم لجواز إبقائه على عمومه الشامل للمنحوت بالطريق الأولى أو يقدر بمصدر مضاف إضافة عهدية. قوله: (ابنوا له بنياناً (حائطاً يوقد فيه تلك النار، وفسر الجحيم بما ذكر لأنها تكون بمعنى جهنم والتأجج الإيقاد، وجحيم ذلك البنيان الإضافة لملابسته بكونه فيه، وقوله فإنه الخ تفسير للكيد فإنه الحيلة المخفية، وقيل المراد به المنجنيق وفسر الأسفلين بالأذلين فهو استعارة وقد فسر بالهالكين وبالمعذبين في الدرك الأسفل، والبرهان النير الواضح وفيه لطف هنا. قوله: " لى حيث أموني ريي) الظاهر أنه جعل الذهاب إلى المكان الذي أمره
ربه بالذهاب إليه ذهابا إليه، وكذا الذهاب إلى مكان يعبده فيه لا أنه على تقديره مضاف أي مأمور ربي ولو أخر قوله وهو الشام كان أولى، وقوله إلى ما فيه صلاج الظاهر أنه لف ونشر موّس، ولو جعل مرتباً أو عمم في كل منهما صح. قوله: (وإنما بت القول الخ (أي قطع وجزم به لأنّ السين تؤكد الوقوع في المستقبل لأنها في مقابلة نفي لن المؤكد للنفي كما ذكره سيبويه
والضمير في قوله لسبق وعده لله أو لإبراهيم على أنّ الضمير مضاف لمفعول لتتسق الضمائر، والظاهر أنه لما أمره بالذهاب تكفل بهدايته وليس فيما ذكره نسبة القصور إلى موسى عليه الصلاة والسلام حتى يقال ذإك في أمر دنيوي، وهذا في أمر ديني فلذا ناسب الجزم فيه بل للتفاوت بين مقاميهما أو ذاك كان قبل البعثة بخلاف هذا، والظاهر أنّ التوقع ليس ناشئا من قردّد في الإجابة بل تأدّب مع الله أن لا يقطع عليه بأمر قبل وقوعه، وقد صدر مثله عن نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله عسى أن يهديني ربي، وهو أرفع الرسل عليهم الصلاة والسلام. قوله:(رب هب لي من الصالحين) تقديره ولداً من الصالحين، وحذف لدلالة الهبة عليه فإنها في القرآن وكلام العرب غلب استعمالها مع العقلاء في الأولاد كقوله:{وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ} [سورة الشورى، الآية؟ 41] ولذا سمي هبة وموهبة وأمّا قوله ووهبنا له أخاه هرون فمن غير الغالب أو المراد هبة نبوّته لا ذاته وهو شيء آخر. قوله: (ولقوله فبشرناه الخ) وجه لدلالته باعتبار ما يتبادو من فحواه فإنه إنما يقال مثله في حق الأولاد وكفى بعرف التخاطب شاهداً عليه كما فيما فبله فلا يرد عليه أنه لا دلالة فيه على ما ذكر، ولا يتجه دفعه بأنها من تسبب البشارة على الدعاء فإنه لا يجدي دون ما ذكرناه وأيضا يجوز كون الدعوة مطلقة، والجواب خاص. قوله: (وبأنه دّكرا لاختصاص الغلام به، وقوله يبلغ أو إن الحلم بضمّ فسكون أي البلوغ بالسن المعروف فإنه لازم لوصفه بالحليم لأنه لازم لذلك السن بحسب العادة إذ قلما يوجد في الصبيان سعة صدر وحسن صبر واغضاء في كل أمر، ويجوز أن يكون من قوله غلام فإنه قد ختص بما بعد البلوغ وإن كان ورد عامّا أيضاً وعليه العرف كما ذكره الفقهاء، وقوله ويكودط حليماً معطوف على يبلغ وهذا من منطوقه وقوله وهو مراهق قريب من البلوغ فيعطي حكمه فلا
يتوهم عدم مناسبته لما قبله مع أنه أغلبيّ، وقوله تشهد عليه أي تدل على ما ذكر فيهما. قوله:(فلما وجد الخ) بيان لحاصل المعنى المراد لا تقدير إعراب وبيان حذف إذ البلوغ لا يكون إلا بعد وجوده، وقوله لأن صلة المصدر الخ، وكذا أعماله معرّفا قليل أيضاً ومن اغتفر ذلك في الظرف جعله متعلقا به من غير تكلف. قوله:(فإنّ بلوغهما لم يكن معاً) ولو تعلق به لدل على ذلك وهو غير صحيح، وأمّا قول بلقيس أسلمت مع سليمان فلا يدلّ على جواز مثله باعتبار دلالته على التبعية وان لم يتحد زمان تلبسهما بالفعل لأنه أوّل بأنه حال أو فيه مضاف مقدر أي إسلاما مع دعوته وهذا أيضاً جار هناك بأن يقدر حالاً من فاعل بلغ أو فيه مضاف مقدر أي مع ترتبه فمن قال: المعنى ليس عليه لم يصب إذ لا مانع منه وقوله فقيل معه أي سعى معه لكن تقدم البيان خلاف الظاهر، وقوله فلا يستسعيه الخ فالمراد بيان أوانه وأنه في غضاضة عوده كان فيه ما فيه من رصانة العقل ورزانة الحلم حتى أجاب بما أجاب ففائدته بيان الواقع مع ما ذكر وفي الوجه الذي بعده بيان استجابة دعائه. قوله:(يحتمل أنه رأى ذلك) أي رأى في منامه أنه فعل ذبحه فحمله على عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أنّ رؤياهم تقع بعينها أو رأى ما عبره بذلك وقوله: روّي أي فكر وتأمّل في ذلك ليعلم أهو رحمانيّ أم شيطانيّ، وقوله: وقال له أي قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لابنه. قوله: (والأظهر الخ) اختلاف في هذه المسألة مشهور ولكن الصحيح أنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام للوجو. التي ذكرها المصنف، وقوله: أثر الهجرة أي هجرته إلى الشام وهي أوّل هجرة لله وكان رزقه قبل كبر سنه بخلاف إسحق. قوله: (أنا ابن الذبيحين) قال العراقي: لم أقف عليه (قلت) في مستدرك الحاكم عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي فقال: يا رسول الله خلفت البلاد يابسة والماء يابساً هلك المال وضاع البيإل فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر
عليه الحديث " ذكره في المواهب والشفاء وهذا يكفي لثبوته حديثاً فإنه قوله وفعله وتقريره، وقوله إن سهل الله له حفر زمزم لأنها كانت اندرس أثرها لما خلت مكة عن الناس بعد جرهم كما فصل في السير، وقوله أو بلغ الخ شك من الراوي وهو الصحيح لأنّ عبد الله لم يولد عند حفر زمزم، وقوله فخرج الخ هي قصة طويلة طواها المصنف، وقوله: ولأنّ ذلك كان بمكة يعني ولم يخرج لها إسحق ومن يقول هو إسحق وعليه أهل الكتاب يقول النحر بالأرض المقدّسة فلا يسلم هذا.
قوله: (ولآنّ البشارة بإسحق الخ) يعني في قوله تعالى في هود: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} [سورة هود، الآية: 71] منه أي من إسحق فظاهره اقترانهما في البشارة بهما كما هو المتبادر وان أمكن وقوع البشارة بيعقوب منه بعد قصة الذبح كما مرّ فإذا بشر بالولد وولد الولد دفعة كيف يتصوّر، ويجيء ذلك الولد مراهقاً قبل ولادة يعقوب منه وكتابة يوسف إلى يعقوب غير ثابتة بل قال ابن حجر إنه موضوع فلا حاجة إلى تاويل ابن الذبيحين بأنه قد يطلق على العمّ والد، وقوله بفتح الياء أي من إني وهو ظاهر، وقوله احترقا أي حين حاصرها في زمن ابن الزبير رضي الله عنهما الحجاج، ومن قال هو إسحق يقول الذبح بالشام أو عند الصخرة وكتابة يعقوب إلى يوسف عليهما الصلاة والسلام حين أخذ أخاه ووقع في النسخ إسرائيل الله بالإضافة لأنّ إسرائيل بمعنى الصفوة، وقد مرّ أنّ معناه صفوة الله فلا وجه للإضافة منه إلا على التجريد وقيل إنّ في الدلالة على كونه إسحق أدلة كثيرة وعليه حمل أهل الكتاب، ولم ينقل في الحديث ما يعارضه فلعله وقع
مرّتين مرّة بالشام لإسحق ومرّة بمكة لإسماعيل. قوله: (من الرأي) يحتمل أنه بيان لكون يرى من الرأي ويحتمل أن يكون بياناً لما في النظم ويعلم منه تفسير ترى أيضاً وهو على قراءة الفتح من الرأي والقصد المشاورة، وماذا مفعول مقدّم وقوله وهو حتم أي الذبح لأنه بوحي أو ما في حكمه مما يفيد الإيجاب، ولذا قال ابنه أفعل ما تؤمر وقوله بفتحها أي التاء وبإخلاص فتحها أي الراء، وقيل إنه لتسن المشاورة أو لأنّ ذبحه مما لم يرض قيل والأمر فيه سهل وضم التاء مع كسر الراء على حذف مفعوله أي تريني إياه من الصبر وعلى الضمّ، والفتح فالمعنى ما يسنح لخاطرك وفكرك. قوله:(أي ما تؤمر به الخ) يعني أنّ ما موصولة حذف عائدها بعدما حذفت الباء فعدى بنفسه كقوله:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
أو حذفا معاً أو ما مصدرية والأمر بمعنى المأمور به لأنه المفعول ولا حذت فهي، ثم إنّ الحذف بعد الحذف كالمجاز على المجاز مإنه يجوز إذا شاع الأوّل حتى التحق بالحقيقة ويمتنع في غيره والحذف الأوّل سائغ كما في البيت المذكور فكأنه متعد بنفسه فالحذف فيه كأنه واحد فلا ينافي هذا ما مرّ في قوله:{لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} [سورة الصافات، الآية: 8] من منع المصنف اجتماع حذفين فمانه ليس على إطلاقه واذا جاز حذف جمل متعددة فلم لا يجوز حذف حرفين فلا حاجة إلى القول بأنّ الممنوع كونه حذفا قياسيا فلا يمتنع سماعاً على طريق الندرة. قوله: (على إرادة المأمور) يعني أنّ الأمر بمعنى المأمور كالطهور والإمام لما يتطهر به، ويؤتتم به فالمصدر المسبوك بمعنى الحاصل بالمصدر فإنه كالمصدر الصريح، وهو كثير إما يراد به ذلك كما مرّ فلا يرد أنّ المصدر المؤوّل لا يراد به الحاصل بالمصدر كما قيل، وقوله والإضافة إلى المأمور أراد بالإضافة معناها اللغوي يعني أنه كان الفعل المجهول فيه سنداً إلى الجارّ والمجرور وأصله بما يؤمر به فأسند إلى ضمير إبراهيم وهو المأمور تجوّزاً من غير حذف فيه وفيه نظر. قوله:(ولعله فهم من كلامه الخ) لأنّ قوله تؤمر يقتضي تقدم الأمر، وهو غير مذكور فإمّا أن يكون فهم أنّ معناه إني أمرت بذلك أو رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحي
فهي في معنى الأمر، والفرق بين الوجهين أنه فهمه على الأوّل من كلامه وعلى الثاني من عزمه على ما لا يقدم مثله عليه بدون أمر واليقظة بفتح القاف وتسكن للضرورة كما في قوله: فالعيش نوم والمنية يقظة والمرءبينهما خيال ساري
قوله: (وإنما ذكر بلفظ المضارع) الداد على الاستمرار التجددي لتكرّر الرؤيا كما مز، وقوله: ستجدني أي لا يقع مني ما تخشاه، وقوله على قضاء الله أي كل ما قضاه ذبحا كان أو غيره فهو أعمّ من الأوّل. قوله:(استسلما) أي انقادا وأطاعا فيكون لازما وما بعده على أنه متعدّ مفعوله مقدر، وقوله الذبيح وما بعده بالرفع بدل من ضمير التثنية أو فاعل لفعل مقدر مفسر لقوله سلما، وقوله وقد قرى بهما أي باستسلما وسلما وقوله وأصله أي الأفعال الثلاثة وفي نسخة أصلهما والأولى أولى، وقوله فإنه الخ توجيه لاستعماله للخلاص بأنه لسلامته من النزاع. قوله:(صرعه على شقه) أصل معناه رماه على التل، وهو الترأب المجتمع كتربه، ثم عمّ لكل صرع وكونه على شقه من الجبين لأنه أحد جانبي الجبهة كما أشار إليه، وقوله كبه على وجهه الخ مرضه لأنّ قوله على الجبين يأباه ولذا خطأ الكندي أبا الطيب المتنبي في شرحه لقوله:
وخل زيا لمن تحققه ماكل دام جبينه ساجد
فقال السجود على الجبهة لا على الجبين وقد وضع الجبين موضع الجبهة على عرف العامّة، ولكل إنسان جبينان يكتنفان الجبهة هذا قول أهل اللغة ولم أر من نقل هذه اللفظة انتهى إلا أنه لا مانع من إطلاقه على الجبهة للمجاورة وعلى كل حال لا يخرجه عن الضعف، وقوله ثإشارته أي صرعه على وجهه بإشارة ورأى من ابته حتى لا ينظر كل للآخر فيرق قلبه ويحزن، ولذا تقول العامّة عين لا تنظر وقلب لا يحزن، وقوله تغيرا يرق كان الظاهر فيرق وفي نسخة يرق له أي للتغير لا للولد وهي أحسن لسلامتها من التكلف، وقوله وكان ذلك أي الموضع الذي تله فيه وأضمره لعلمه من ذكر الأرض ومنى يجوز صرفه وعدمه، وقوله على مسجده أى مسجد منى وذكره باعتبار المكان، واللام في قوله للجبين كما في:{يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} [سورة الإسراء، الآية: 107] وقوله:
وخرّ صريعاً لليدين وللفم
لبيان ما خرّ عليه وليست للتعدية. قوله: (وجواب لما محذوف) مقدّر بعد قوله صدقت الرؤياء، وليس هو ناديناه والواو زائدة فيه لما في حذقه من البلاغة لإيهام أنه مما لا تفي به العبارة كما أشار إليه بقوله كان ما كان الخ وندأؤه كان بواسطة ملك، وتصديقه الرؤيا إمّا لبذل وسعه وان لم يقع ما رآه بعيته أو لأنّ الرؤيا تؤوّل وصدقها وقوع تاويلها ووقوعها بعينها ليس بلازم، وعدم قطع السكين لأنّ القطع يخلقه الله فيها عادة وقد لا يخلق أو لأنه قلب حدّها أو لأنّ مذبحه جعل الله عليه صفيحة من نحاسى لا يراها كما قيل. قوله:(تعليل لإفراج تلك الشذّة) أي إنّ الله فرّح كربهما لما فيهما من الإحسان، والخيرات الحسان وليس تعليلاً لما انطوى عليه الجواب من الشكر كما توهم فانه لا وجه له، وقوله بإحسانهما متعلق بتعليل. قوله: إواحتج به من جوّز النخ قبل وقوعه) أي الفعل كما نسخت الخمسين صلاة ئي حديث الإسراء، وهذا مذهب كير من الأصوليين ومن خالف فيه من المعتزلة وغيرهم أوّله، والخلاف في المسالة على وجهين هل يجوز النسخ قبل الوتوع والتمكن منه أو يجوز قبل الوقوع إذا تمكن منه وما نحن فيه من قبيل الثاني لتمكنه من الذبح ولذا لم يذكره المصنف، وهو محل النزاع بيننا وبين المعتزلة فإنّ الأوّل لم يقل به أحد غير الكرخي. قوله:(ولم يحصل) أي الذبح أو المأمور به فيكون نسخاً له قبل وقوعه مع التمكن منه، والفائدة فيه الابتلاء واختبار المكلف في انقياده فلا يرد قول المعتزلة إنه لا فائدة فيه، وحجة الفريقين مفصلة في أصول الفقه لكن من الحنفية من قال ما نحن فيه ليس من النسخ لأنه رفع الحكم لا إلى بدل، وهنا له بدل قائم مقامه ونظيره بقاء وجوب الصوم في حق الشيخ الفاني عند وجوب الفدية عليه فعلم أنه لم يرفع حكم المأمور به، وفي التلويح فإن قيل هب إنّ الخلف قام مقام الأصل لكنه استلزم حرمة الأصل أي ذبحه وتحريم الشيء بعد وجوبه نسخ لا محالة لرفع حكمه قيل لا نسلم كونه نسخاً، وإنما يلزم لو كان حكماً شرعياً وهو ممنوع فإنّ حرمة ذبح الولد ثابتة في الأصل فزالت بالوجوب، ثم عادت بقيام الشاة مقام الولد فلا يكون حكماً شرعياً حتى يكون ثبوتها نسخاً للوجوب اص. (قلت) هذا بناء على ما تقرّر من أنّ رفع الإباحة الأصلية
ليس نسخاً أمّا على أنه نسخ كما التزمه بعض الحتفية إذ لا إباحة و، تحريم إلا بشرع كما قرّروه فيكون رفع الحرمة الأصلية نسخا واذا كان رفعها نسخاً أيضا يبقى الإيراد المذكور من غير جواب على ما قرّر في شرح التحرير. قوله:(الذي يتميز فيه المخلص من غيره (يعني أنّ المبين من أبانه المتعدّى، وقوله أو المحنة البينة على أنه من اللازم وذكر الصعوبة لأنّ معنى ئبين البلية ظهور صعوبتها لا للإشارة إلى أنها صفة جرت على غير من هي له كما توهم لأنه لا مجال له. قوله: (بما يذبح) إشارة إلى أنّ ذبح بالكسر صفة بمعنى ما يذبح وكونه بدله هو معنى الفداء، وقوله فيتم به أي بما يذبح الفعل المقصود من القربان وهو إراقة الدم بقطع الأوداج لله، وكونه عظيم الجثة لأنه مطلوب في الأضاحي وكونه عظيم القدر لما حصل به من عظيم النفع كما ذكره، وقوله من نسله الخ ترجيح لكونه إسماعيل وقوله وعلا بسكون العين المهملة وكسرها وكذئل العنز البرية أو الذكر منها، وثبير اسم جبل بمكة معروف وقوله سنة أي في رمي الجمار، وروي أنه إنما روي الشيطان إذ تعرّض لهما 0 قوله: (والفادي على الحقيقة لخ الأنه المباشر له لكنه جعل مجازاً بمعنى أمرنا أو أعطينا، أو أسند إلى الله مجازاً ويجوز كونه
استعارة مكنية أيضاً وفائدة العدول عن الأصل تعظيمه. قوله:) واستدل به الحنفية الخ (وكذا نقله القرطبي عن الإمام مالك، وكذا لو نذر قتله كما قاله الجصاص ولو نذر ذبح عبده لا شيء عليه وعند أبي يوسف لا شيء عليه في الكل لأنه لا نذر في معصية الله والقتل حرام، وكفارته كفارة يمين وقال أبو حنيفة أنه في شرع إبراهيم عليه الصلاة والسلام عبارة عن ذبح شاة، ولم يثبت نسخة فليس معصمية وقوله وليس فيه أي فيما ذكر من النظم ما يدل على أنه كان ظ را من إبراهيم حتى يستدل به، وأجيب بأنه ورد في التفسير المأثور أنه نذر ذلك وهو في حكم النص، ولذا قيل له لما بلغ أوف بنذرك وبأنه إذا قامت الشاة مقام ما أوجبه الله عليه علم قيامها مقام ما يوجبه على نفسه بالطريق الأولى فيكون ثابتا بدلالة النص فتأمّل. قوله: العله س عئه إنا) إذ لم يقل إنا كذلك كما في غيره قال في درة التنزيل لما كان قوله: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} تذييلاً جعل إمارة على التمام لم يذكر هنا كما في غيره لتقدم ذكر هذه
القصة مؤكدة به تكيداً أغنى عن إعادته هنا وللإشارة إلى أنّ هذه القصة لم تتم فلذا لم يعبر فيها بما جعل مقطعاً هذا محصل ما ذكره، وهو كلام حسن، وما ذكره المصنف يشير إليه. قوله:(مقضياً نبوّته مقدرا كونه من الصالحين الخ الما لم يكن في حال البشارة موجودا ولا نبيا من الصالحين أوّله بما ذكر لتوجد المقارنة باعتبار التقدير، والقضاء الأزلي فتقارن الحال صاحبها على هذا التقدير وتتضح الحال كما ستفصله لك، وقوله من الصالحين حال أيضاً. قوله: (ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة) ردّ على الزمخشري حيث جعلها حالاً مقدرة كأدخلوها خالدين، ثم قال: ولا بد فيه من تقدير مضاف أي بشرناه بوجود إسحق نبيا أي بأن يوجد مقدّرا نبوّته، وهو العامل في الحال لأفعل البشارة وبذلك صار نظير ادخلوها خالدين مع الفرق البين بينهما فإنهم كانوا موجودين حالى الدخول دون الخلود فلذا أوّل بمقدّرين بخلافه حال البشارة إذ لم يكن موجوداً فيشكله حاله وقرّره الطيبي بأنّ الحال حلية ووصف يقتضي تقرّر الموصوف، والوصف عند إثباته له كما صرّح به السكاكي، وردّه المصنف بوجهين الأوّل أنّ وجوده ليس بلازم وإنما اللازم مقاونة معنى العامل لاتصافه بمعنى الحال موجودا كان أو لا فلا حاجة لما ذكره من التقدير والثاني أنه على تسليم ما ذكره لا يكون نظيراً لأدخلوها خالدين فإنهم حال الدخول مقدربن للخلود وهذا حال الوجود لم يكن مقدراً للنبوّة والصلاح، وقال المدقق في الكشف فيه بحث فإنه نظيره في أنه حال مقدّرة وأنّ التقدير مقارن لوجود ما وقع نبياً حالاً منه، ولفظ مقدر الذي قدره في الحال المقدرة اسم مفعول قائم به ولا يجب أن يكون اسم فاعل، وهو القائل وهذا يقتضي الحال المقدرة، وأما التخصيص بهذا أو ذاك فعلى حسب المعنى والمقام، ثم أنّ تقدير الوجود لا محيص عنه، وان لم تكن الحال مقدرة لأنّ البشارة لا تتعلق بالأعيان تقول بشرته بقدوم زيد فمعنى بشرناه بإسحق بوجوده لا محالة فما ذكره في الكشاف لا بد منه، وما جنح إليه القاضي لا يغني عنه (أقول) قد أطال الشراح هنا من غير طائل والتحقيق أنّ الأصل في الحال أنّ تقاردط العامل في الوجود باعتبار معناها المراد منها سواء كان حقيقة أو مجازاً في زمان من أحد الأزمنة الثلاثة الدال عليه العامل فإن لم تقارنه كانت مقدّرة، وليس المراد أنها مجاز عن معنى مقدراً بل هو مجاز أول أو مجاز في النسبة الحالية، والمصنف لما جعله بمعنى مقضيا ومقدراً بصيغة المفعول أي في تقدير الله كانت غير مقدرة عنده كما صرّح به فمن حمله عليه فقد أخطأ وإنما هو تجوّز كما مرّ بجعل ما قدّر كالمقارن فقولهم مقدّراً سواء كان اسم فاعل أو مفعول إشارة لذلك، وما ذكره المصنف من أنّ المقدر بصيغة الفاعل صاحبها غير صحيح لأنه يلزمه أن يكون نحو وضعته أمّه مربية له مثلاً ليس منه لأنّ المولود لا يكون مقدراً والمقدر غيره إلا أن يجعل استعداده بمنزلة تقديره، وهو تعسف فما ذكره كلام مغشوس ثم إنّ مقارنة الحال إن أريد بها مقارنة جزء مّا فالدخول يقارن أوّل
الخلود، وان أريد مقارنة جميعه لزم أن يكون نحو مررت به راعيا حال مقدرة ولا قائل به اللهمّ إلا أن يراد مقارنة كل جزء أو جزء معتبر منه وفيه ما فيه، ثم إنّ قوله في الكشف إنّ البشارة فتعلق بالمعاني دون الذوات إن أراد أنه إنما تستعمل كذلك فالواقع خلافه كبشر أحدهم بالأنثى ويشر بولد فإن قال إنما يصح بتقدير ولادة ونحوه من المعاتي فهو محل
النزاع فلا وجه له. فوله: (وجود المبشر به الخ) أي الخارجي وعدل عن وجود الحال إلى وجود المبشر به الأخص للإشارة إلى عدم لزومه هنا بل لزوم عدمه لأنه لا يبشر بالحاصل ليثبت ما ذكر بطريق يرهاني فسكون الحال حلية قائمة بالمحلى غير صحيح كما بيناه، وقوله بل الشرط الخ قد أوضحناه بما لا مزيد عليه، وقوله فلا حاجة إلى تقدير الخ قد مر تحقيقه وأن ادعاءه في الكشف أنّ الحاجة ماسة له لا وجه له، وما قيل من أنّ تعلق البشارة بالأعيان ادّعائية للمبالغة ولا منع منه على أنّ الوجود عين الماهية عند الأشاعرة أو المراد لا حاجة له في حل الأشكال لا يسمن ولا يغني من جوع مع أنه لا حاجة له لما عرفت، وقوله لاعتبار المعنى وقع في نسخة للاعتبار المعنى بالتوصيف فالمعنى بصيغة المفعول يعني أنّ الشرط تعلق التبشير بإسحق مقارنا للمقصود بالحال من القضاء والتقدير لكفايته فيه. قوله:(ومع ذلك لا يصير نظير الخ) رد على الزمخشري فيما مرّ، وقد عرفت أنه غير صحيح وأنه مبني على أن مقدر المقدر بزنة اسم افاعل لأنّ المقدر ذي الحال فلا يتوجه عليه أنّ التنظير في مجرّد كونه حالاً مقدرة، دمان أخئلف المقدر فيهما لأنه غير مسلم عنده، وقوله فانّ الداخليق كانوا مقدّرين وقع في نسخة كعضهم بدون كانوا فاعترض بأنّ الصواب مقدرون إلا أن يقدر كان وهو من سهو الناسخ. لوله:(ومن فسر الغلام بإسحق الخ) يعني في قوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ} [سورة الصافات، الآية: 01 ا] بناء على أنه الذبيح بجعل البشارة الأولى بولادته، ثم إنه بعدها وبعد قصة الذبح والفداء كره بنبوّته لئلا تتكرر البشارة، ويكون الأمر بذبحه مع كونه سيصير نبياً وأبا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام منافياً له كما احتج به من قال إنه إسماعيل لكنه خلاف الظاهر لأنه كان الظاهر ان يقال بشرناه بنبوّته ونحوه وتقدير أن يوجد نبيا لا يدفعه أيضاً لأنّ التقدير خلاف الظاهر أيضاً رعلى هذا التقدير فالحال مقدرة أيضاً لا مقارنة كما توهم لأنّ نبوّته بعد ذلك وكون المقصود! ال وذكر إسحق تعييناً لاسمه، وتوطئة لما بعده فيؤول الكلام إلى التبشير بنبوّته ووصفه، الصلاح الذي طلبه مع أنه لا قرينة عليه لا يدفع كونه خلاف الظاهر واستبعاده. قوله:(وفي ذكر الصلاح الخ) توجيه لأنه لا يليق وصف الأنبياء بالصلاح ولو سلم فينبغي تقديمه على
الوصف بالنبوّة لثلا يلغو بأنّ الصلاح ضدّ الفساد، ولذا قوبل به في قوله:{وَلَا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [سورة الأعراف، الآية: 56] وقد يقابل بالسيئ كما في قوله: {عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [سورة التوبة، الآية: 52 ا] وهو في الاستعمال يختص! بالأفعال كما قاله الراغب فذكر بعدها هنا تعظيما لشأن الصلاج حيث جعل من صفات كمل الأنبياء وأو ما بتأخيره إلى أنه غاية الراغب فذكر بعدها هنا تعظيما لشأن الصلاح ونتيجتها لاختصاصه بالأفعال، والمقصود من الكمال والتكميل الإتيان بالأفعال السديدة الحسنة، وقوله على الإطلاق يعني في جمير من عداه أو في جميع أفعاله لتكون بأسرها صالحة وهو من أعظم الأوصاف، وقوله بالفعا! متعلق بالتكميل. قوله:) على إبراهيم في أولاده (الظاهر أن التعميم الآتي أحسن، ولم ير%يم الضمير للمبشر به لبعده لفظا ومعنى إذ سياق الكلام لمدح إبراهيم عليه الصلاة والسلام م! يم ته لا يتمشى على القول بأنه إسحق كما مرّ وأعاد على مع إسحق إشعاراً باستقلاله في افي! يث، والضمير في قوله من صلبه لإبراهيم لأنّ أولاد إسحق كلهم من بني إسرائيل وأيوب من نسل عيص بن إسحق وشعيب من نسل مدين بن إبراهيم، وقوله قرئ وبرّكنا أي من التفعيل بالتشديد للمبالغة وقوله محسن في عمله فلا يقدر له مفعول، وقوله على نفسه عداه بعلى لتضمنه معنى متفضل ويدخل في المعاصي ظلم الغير، وقوله مبين إشارة إلى أنّ غيره قلما يخلو منه فلذا لم يذم به. قوله: (البليغ في بيانه) هو من المبالغة، ويجوز كونه من البلاغة وهما مأخودان من زيادة البنية، وقوله ابن ياسين وقع في نسخة ماسين بالميم ولا أدري صحتها وكانه م! ض ث، من بنيامين فإن ماسين ليس بعبراني، وقوله وقيل إدرشى فأحدهما اسم والآخر لقب، ومزضه لأنّ الظاهر تغايرهما وأمّا كون الظاهر ذكره قبل نوج ففيه نظر،
وقوله وفي حرف أبيّ أي قراءته إبليس بهمزة مكسورة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وأخرى بعد اللام ساكنة، وقيل إنها مفتوحة وسين مهملة، وقوله مع خلاف عنه في الرواية فروي عنه الوصل والقطع والثانية أشهر حتى قال الداني إنه قال بغير همز يعني لا تهمز الألف التي قبل السين كما في كاس ففهموا عنه الوصل، ولم يرّده وردّه صاحب النثر وقال إنه خطأ، وهذا إما على أنه ياس دخلت عليه أل أو على أنه إلياس فتلاعبوا
فيه لعجمته. قوله: (أتعبدونه) على أنّ الدعاء بمعنى العبادة أو هو طلب الخير بمعناه المشهور، وقوله صنم كان لأهل بك الخ ظاهره أنّ الصنم لقوم إلياص، وفي القاموس إنه لقوم يونس ولا مانع لكونه لهما حتى يقال إنه تحريف وظاهره أيضاً أنّ البلد لم تسم قديماً بعلبك بل بك فقط والمشهور خلافه، وقوله أتدعون بعض البعول أي الأرباب والمراد الأصنام فالتنكير للتبعيض فيرجع لما قيل قبله. قوله تعالى:( {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} ) لا يرد عليه أن أفعل يضاف لما هو منجنسه وخلق الله بمعنى الإيجاد، وخلق العباد كسبهم وهو على مذهب المعتزلة ظاهر لأنّ المراد أعظم من يطلق عليه ذلك بأي معنى كان كما قاله الآمدي، وقوله وتتركون عبادته فهو بتقدير مضاف فيه أو المراد بتركه ترك عبادته ولم يقل أو تتركون طلب الخير منه كما فسر به تدعون قبله اكتفاء بما علم مما سبق بل لأنهم لا يتركون ذلك كما لا يخفى لقوله:(إذا أصابتهم مصيبة دعوا الله مخلصين) ونحوه وقال: وتذرون ولم يقل تدعون مع مناسبته ومجانسته لما قبله لأنّ مثله من الصيغة المتكلفة غير ممدوح عند البلغاء ما لم يجيء عفواً بطريق الاقتضاء ولذا ذم الفصحاء من يقول مثله فقالوا:
طبع المجنس فيه نوع قيادة أو ما ترى تأليفه للأحرف
على أنّ المناسب هذا دونه لأنّ مثله ربما ألبس على من يقرأ من المصحف دون حفظ
من العوام وأيضاً يدع إنما استعملته العرب في الترك الذي لا يذم مرتكبه لأنه من الدعة وهي الراحة، ولذا سمي مفارقة الناس بعضهم بعضا موادعة دون مواذرة، ويذر بخلافه لأنه يتضمن إهانة وعدم اعتداد لأنه من الوذر وهي قطع اللحمة الحقيرة كما أشار إليه الراغب وهذا مما لا مرية فيه، وأمّ ما قيل من أنّ الجناس ونحوه من المحسنات فهو مناسب مقام الرضا والمسرة لا مقام الغضب والتهويل فمما لم يقله أحد سواء مع مخالفته للمعقول والمنقول أمّا الأوّل فلأنه لا علاقة بين البلاغة وبين ما ذكر، وأمّا الثاني فلأنهم قالوا لم يقع الجناس التامّ في القرآن إلا في موضعين في قوله:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [سورة الروم، الآية: 55] وقوله: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ} [سورة النور، الآية: 43- 44] جمع بصر وبصيرة وهما في المقام الذي زعم أنه غير مناسب، وكذا ما قيل إنّ ح أمر للترك قبل العلم وذر بعده كما نقل عن الرازي فإنه لا يساعده
اللغة والاشتقاق فالوجه ما سمعتة وإنما أطلنا الكلام لما ذكره المتصلفون، وهم يحسبون أنهم يحسنون. قوله:(وقد أشار فيه) أي في قوله أحسن الخالقين إلى المفتضى للإنكار على من ترك عبادته، وهو خالق عظيم إلى خلافه ثم صرح بما أومأ إليه أوّلاً للاعتناء به بقوله:{اللَّهُ رَبُّكُمْ} الخ فإنّ من كان ربا لهم ولآبائهم هو الحقيق بتوحيده بالعبادة وعبادته بالتوحيد، وقوله بالنصب أي نصب الثلاثة على أنها بدل من قوله أحسن الخالقين وغيرهم قرأه بالرفع على أنه مبتدأ وخبر أو خبر مبتدأ محذوف وربكم عطف بيان أو بدل منه. قوله:(مخصوص بالشرّ عرفاً) أي في العرف العام أو حيث استعمل في القرآن لإشعاره بالجبر والقهر، وقوله من الواو أي في قوله فكذبوه، وقوله لفساد المعنى لأن ضمير محضرون للمكذبين فإذا استثنى منه اقتضى أنهم كذبوه ولم يحضروا وفساده ظاهر وقيل وجهه أنه إذا لم يستثن من كذبوا كانوا كلهم مكذبين فليس فيهم مخلص فضلاً عن مخلصين ومآله ما ذكر لكنه قيل عليه إنه لا فساد فيه لأن استثناءهم من القوم المحضرين لعدم تكذيبهم على ما دل عليه التوصيف بالمخلصين لا من المكذبين، والمعنى واحد وردّ بأنّ ضمير محضرين للمكذبين لا للقوم فلا وجه لما ذكر أصلا كما مرّ، وتعقب بأنّ ضمير محضرين للقوم كضمير كذبوا والذي غرّه الفاء وهي إنما تفيد ترتب إحضار القوم على تكذيبهم فالمال واحد ولا يخفى أنّ اختصاص الإحضار بالعذاب يعين كون ضميره للمكذبين لا لمطلق القوم فإن لم يسلمه فهو أمر آخر لكن اختصاصه صرّج به السمرقندي وغيره، وهذا إنما هو على تقدير الاتصال. قوله:(كسيناء وسنين) وجه الشبه بينهما أنّ الأوّل علم غير عربي تلاعبوا به فجعلواه بصيغة الجمع، أو أنّ زيادة الياء والنون في السريانية لمعنى كما في الكشاف لا في الوزن والا لكان حقه أن يقول كميكال وميكائيل، واختاو هذه اللغة على هذا رعاية للفاصلة. قوله:(وقيل جمع له) على طريق التغليب بإطلاقه عليه وعلى أتباعه وقومه كما يقال المهالبة لمهلب، وقومه وضعفه بما ذكره النحاة من أنّ العلم إذا
جمع أو ثنى وجب تعريفه بالألف واللام جبراً لما فاته من العلمية ولا فرق فيه بين التغليب، وغيره كما صرح به ابن الحاجب في شرح المفصل، فالاعترا ضبأنّ النحاة إنما ذكروه فيما إذا قصد به مسماه أصالة وهذا ليس منه وهم وإنما يرد هذا على من لم يجعل لام إلياس للتعريف لكن هذا غير متفق عليه قال ابن يعيش في شرح المفصل يجوز استعماله نكرة بعد التثنية والجمع ووصفه بالنكرة نحو زيدان كريمان وزيدون كريمون وهو مختار عبد القاهر، وقد
أشبعوا الكلام عليه في المفصلات. قوله: (أو للمنسوب) معطوف على قوله له أي قيل إنه جمع إلياسيّ فخفف بحذف ياء النسب لاجتماع الياآت في الجر والنصب كما قيل أعجمين في أعجميين كما مرّ تحقيقه في الشعراء، وضعفه بقلبته والتباسه بإلياس إذا جمع وإن قيل حذف لام إلياس مزيل للإلباس لما مرّ، وقوله ملبس بكسر الباء وفتحها موقع في اللبس والاشتباه وأيضاً هو غير مناسب للسياق والسباق إذ لم يذكر آل أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقوله لأنهما في المصحف أي العثماني رسم منفصلاً فيؤيد هذه القراءة لا لأنه قرئ به اتباعاً للرسم كما توهمه هذه العبارة، وقوله فيكون الخ ليوافق معنى القراءة الأخرى لأنّ الآل يطلق على الأولاد كأل محمد. قوله:(والكل لا يناسب الخ) أي ما ذكر بعد قوله وقيل أما الأوّل فلذكره بتبعية أبيه دون اسمه، وأمّا الثاني فإنه إنما يذكر السلام عليهم أنفسهم بعد قصة من قصصهم وكذا ما بعده، وقوله إذ الظاهر الخ وعلى غير الأوّل لم يعد عليه وعليه فعوده على آل وإن كان هو المراد خلاف مقتضى الظاهر لغي نكتة، وقوله سبق بيانه أي في الشعراء. قوله:(مئاجوكم) جمع متجر زمان التجارة أو محل التجارة والمراد طرق متاجركم، وسدوم بالدال المهملة والمعجمة بلدة قوم لوط عليه الصلاة والسلام، وقوله ومساء فالمراد بالليل أوّله لأنه زمان السير ولوقوعه مقابل الصباح، وقوله أو نهاراً وليلاً بتأويل الصباح به لوقوعه مقابل الليل ظ مّا أن يؤوّل الثاني أو الأوّل وقدم الأوّل لأنه تأويل عند الحاجة له، وقوله ولعلها الخ توجيه للئخصيص على الوجه الأوّل بأنهما وقت الارتحال والنزول في الغالب وهي وإن كانت منزلاً حينئذ فهي ممرّ أيا وخصت بالتوجيه لأنه أرجح ولذا قدم، وضمير وقعت لقرية سدوم وكذا ضممير لها فلا وجه لما قيل حقه التذكير قيل ولو أبقى على ظاهره لأنّ ديار العرب لحرّها يسافر فيها في الليل إلى الصباح خلا عن التكلف في توجيه المقابلة، وقوله أفلا تعقلون قبل تقديره اتنظرون فلا تعقلون وهو على أحد القولين، ويونس مثلث النون ولكنه لم يقرأ بالفتح. قوله:(هرب) فرب بعض اللغويين بينهما بأن الإباق الهرب من غير خوف وكد عمل وقوله بغير إذن
ربه على خلاف معتاد الأنبياء كما في هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فإنه لم يهاجر حتى أوحى إليه كما ذكر في حديث الهجرة وقوله حسن إطلاقه لأنه استعارة شبه خروجه بغير إذن ربه بإباق عبد من سيده أو هو من استعمال المقيد في المطلق والأوّل أبلغ، وقيل الإباق الفرار بحيث لا يهتدي إليه طالب، وكان لما خرج طلبه قومه فلم يجدوه فاستعير لى نظراً لهذا القيد، وهو إن سلم اعتباره فيه على ما ذكره بعض أهل اللغة فلا مانع من غيره، والمراد بكونه لا يهتدي إليه آئه يختفي قاصداً أن لا يجده من طلبه، ولا يهتدي على قصده فلا ينافي أنّ الآبق يوجد كثيراً كما توهم، وقوله فقارع أي فرميت القرعة وبهذا اسندل من قال بمشروعيتها وضمير قارع ليونى عليه الصلاة والسلام، وأهله للفلك والمراد باهله من فيه. قوله:(وأصله المزلق) بصيغة المفعول أي الواقع لزلقه فاستعير للمغلوب لسقوطه من مقام الظفر وقوله ههنا عبد آبق وكان عندهم أنّ السفينة إذا كان فيها آبق أو مذنب لم تسر وكان ذلك بدجلة، وقوله من اللقمة أي مستعار منها لشبهه بها. قوله:(ادخل في الملامة) يعني إنّ بناء أفعل للدخول في الشيء نحو أحرم إذا دخل الحرم، وقوله أو آت بما يلام عليه يعني أنّ الهمزة فيه للصيرورة نحو أغد البعير أي صار ذا غدّة فهو هنا لما أتى ما يستحق اللوم عليه صار ذا لوم ومفعوله محذوف وهو نفسه، وقوله مليم نفسه يعني الهمزة فيه للتعدية ومفعوله محذوف وهو نفسه كقدم وأقدمته كما ذكره النحاة في معاني أفعل، وقوله وقرئ بالفتح أي بفتح ميمه الأولى وكان قياسه ملوم لأ نه واويّ ولكن لما قلبت ياء في المجهول كليم جعل كالأصل فحمل الوصف عليه، ومشوب بمعنى مخلوط ومشيب
محمول على شيب بالبناء للمفعول. قوله: (الذاكرين الخ) يعني إنه من سبح إذا قال سبحان الله والكثرة تستفاد من جعله من المسبحين دون أن يقال مسبحا كما مرّ أنّ قولك فلان من العلماء أبلغ من عالم لجعله عريقاً فهم منسوباً إليهم ومثله يستلزم الكثرة لا من التفعيل لأن معنى سبح لم يعتبر فيه ذلك فلا يقال إنه لا حاجة إلى ما وجهناه به، وقوله مدة عمره أي
من غير اعتيار القيد الذي بعده، وقوله من المصلين قال ابن عباس رضي الله عنهما كل ما في القرآن من التسبيح فهو بمعنى الصلاة ومرضه لأنه تجوّز من غير قرينة والأصل الحقيقة. قوله:(حياً) ولا ينافيه ما ورد من أنه لا يبقى عند النفخة الأولى ذو روح لأنه مبالغة في
طول المدّة مع أنه في حيز لو فلا يرد رأسا أو المراد بوقت البعث ما يشملها لأنه من مقدماته فكأنه منه، أمّا على الثاني فلا يرد لأنه لا مانع من أن يبقى مع بنية الحوت ميتين من غير تسليط البلاء عليهما، والحث على إكثاره لما ف! هـ من النفع العظيم، وتعظيمه بوصفه به دون النبوّة ونحوها، وقوله أقبل عليه أي على الله وأضمر لعلمه من السياق، والظاهر أنّ قوله ومن أقبل الخ عطفد على قوله وفيه حث الخ، وهو مسوق لتأييد ما قبله مطلقاً، وقيل إنه معطوف على حث أي فيه مضمون هذا وهو على التفسير الأوّل والثالث، وفيه نظر ثم إنه قيل إنّ قوله لبث دل على حياته لأنه ظاهر تفسير أهل اللغة له بالإقامة، وأما قوله لبثتم في الأرض عدد سنين فمجاز وأمّا دلالته على أنّ هلاك النفخة لا يعم حيوانات البحر فبقاء حوت منها إن سلم لا يدل على عموم ما ذكر. قوله:(بأن حملنا الحوت على لفظه) أي وميه من جوفه وإخراجه ولما كان النابذ له حقيقة الحوت ولكن ذلك بسبب ما أوجد الله فيه من الحامل عليه أشار بقوله حملنا الخ إلى أنّ إسناوو مجازي وما ووي لا ينافي قوله نادى في الظلمات كما توهم لأنه بمجرّد رفع رأسه لا يخرج بها كما لا يخفى، وليس رفع رأسه ليمتنع دخول الماء جوفه حتى يقال السمك لا يحتاج لمثله بل لئلا تنحصر نفسه وتنخنق، وقوله صار بدنه الخ يدل على ضعف القول الأوّل. قوله:(مظلة عليه) كالخيمة تصوير لمعنى ألاستعلاء وتوجيه لذكر على واشارة إلى أنه حال من شجرة قدمت لكون صاحبها نكرة، وقوله شجرة من يقطين اشتهر أنّ الشجر ما له ساق لكن ما وقع في هذه الآية وفي حديث البخاري شجرة الثوم يدل على خلافه، قال الكرماني العامّة تخصص الشجر بماله ساق وعند العرب كل شيء له أرومة تبقى فهو شجر وغيره نجم، ويشهد له قول أفصح الفصحاء اهـ، ولك أن تقول أصل معناه ما له أرومة لكنه غلب+ في عرف أهل اللغة على ما له ساق وأغصان فاذا أطلق يتبادر منه المعنى الثاني وإذا قيد كما هنا، وفي الحديث يرد على أصله وهو الظاهر فما قيل يحتمل أنّ الله أنبتها على ساق لتظله خرقا للعادة تمحل في محل لا مجال للرأي فيه. قوله:(من شجر الخ) هو معنى يقطين كما يدل عليه اشتقاقه ويفعيل من نادر الأوزأن، والدباء بضم الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة والمد ويقال شبه بالهاء القرع وهو معروف وكون الذباب لا يقع عليه من خوأصه، وكان لرقة جلده بمكثه في
بطن الحوت يؤذيه الذباب أذى شديداً فلطف الله به بهذا، وقوله:" إنك لتحبّ القرع " الخ أما محبته للقرع فثابتة للبخاري ولكن هذا الحديث لم تخرجه الحفاظ واضافة الشجرة له للملابسة المذكورة، وقوله يغطي الخ على الأخير لأنه ليس في الورق أكبر منه وكونه على الجميع كما قيل لا يخلو من مكلف وضمير عليه في لا يقع عليه للورق، وقوله وقيل الخ مرضه لأنه لا يعرف تسميته بيقطين، ونينوى بنون مكسورة بعدها ياء ساكنة، ثم نون مضمومة ثم واو وألف اسم الموصول أو قربة بقربها وهي قرية يونس عليه الصلاة والسلام. قوله:(والمراد به ما سبق من إرساله الخ) في قوله لمن المرسلين وفي شرح الكشاف فهو عطف على قوله وانّ يونس الخ على سبيل البيان لدلالته على ابتداء الحال وانتهائه وعلى المقصود من الإرسال، وهو الإيمان واعترض! بينهما بقصتة اعتناء بها لغرابتها وقدر واذكر إذ أبق وأورد عليه أنه يأبى عن حمله على الأوّل الفاء في قوله فآمنوا، وأجيب بأنه تعقيب عرفي نحو تزوّج فولد له وأقرب منه أنها للتفصيل أو السببية، وقوله أو إرسال ثان الخ أورد أنّ المرويّ أنهم بعد مفارقته لهم رأوا العذاب، أو خافوه فآمنوا فقوله فآمنوا في النظم يأبى عن حمله عن إرسال ثان إلا أن يكون المقرون بحرف التعقيب إيمان مخصوص، أو أنه بتأويل
أخلصو! الإيمان وجددوه لأنّ الأوّل كان إيمان يأس، وقوله أو إلى غيرهم قيل هو متعلق بمقدّر لا معطوف على قوله إليهم لأنّ قوله ثان يأباه وفي إبانه نظر. قوله: (في مرأى الناظرا لما كانت أو للشك، وهو محال على علام الغيوب وجهه بأنه ناظر إلى الناظر منا والمقصود بيان كثرتهم، أو أنّ الزيادة ليست كثيرة كثرة مفرطة كما يقال هم ألف وزيادة، وجوّز أيضاً أن تكون أو للإبهام من غير اعتبار للناظر لنكتة أو بمعنى بل أو الواو كما قرئ به وأمّا كون المكلفين بالفعل مائة ألف والمراهقون الذين بصدد التكليف زيادة، ولذا عبر فيه بالفعل فمع أنّ المناسب له الواو وتكلف ركيك وأقرب منه أنّ الزيادة بحسب الإرسال الثاني، ويناسبه صيغة التحذد يزيدون أو تجريده
للمصدرية فإنه ضعيف. قوله: (فصدّقوه أو فجددوا الإيمان به) متعلق بالإيمان وقوله بمحضره متعلق بجددوا وهو بعدما آمنوا بغيبته بعدما رأوا أمارات العذاب كما قيل تبعا لبعض المفسرين، ويرد عليه إذا نزل العذاب أو بدا نزوله لا يصح الإيمان لأنه إيمان يأس فإمّا أن يكون ما ذكر قبل معاينة العذاب فلا إشكال، أو بعده فيجوز أن يقبل منهم لأنه علم صدقهم فيه ويقينهم لا قصد دفع العذاب وهؤلاء هم الذين أخبر الله عنهم أنهم لا ينفعهم الإيمان بعد المعاينة كما صرح به السمرقندي أو يكون هذا مخصوصا بهؤلاء لقوله تعالى:{إِلَاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ} [سورة يونس، الآية: 98] الخ والتفسير الأوّل على الوجوه والثاني على تكرير الإرسال. قوله ة (لم يختم قصته الخ) أي بقوله {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ} الخ والكبر بضم ففتح جمع كبرى، وتوله أو اكتفاء الخ قيل تخصيصهما بالاكتفاء محتاج المخصص فهذا الجواب لا يغني عما قبله فينبغي الاكتفاء بالأوّل ودفعه ظاهر لأنهما لتأخر ذكرهما قربا منه فكان الاستغناء به عن سلامهما ظاهراً وكيف يصح الاقتصار على الأوّل، واليأس ليس من أولي العزم وأصحاب الشرائع الكبر. قوله:(معطوف على مثله في أوّل السورة) وهو قوله: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} [سورة الصافات، الآية: 11] الخ والفاء في المعطوف عليه جزائية في جواب شرط مقدّر وهذه عاطفة تعقيبية لأنه أمر بهما من غير تراخ لكنه أورد عليه أنه فيه فصل طويل إن لم يمتنع لا ينبغي ارتكابه، وقد استقبح النحاة الفصل بجملة في نحو أكلت لحماً وأضرب زيدا وخبزا فما بالك بجمل بل سورة، وأشار المصنف رحمه الله إلى جوابه تبعا للزمخشري بأنّ ما ذكره النحاة في عطف المفردات وأمّا الجمل فلاسنقلالها مغتفر فيها ذلك، وهذا الكلام لما تعانقت معانيه وارتبطت مبانيه، آخذاً بعضها يحجز بعض حتى كأنها كلمة واحدة لم يعد بعدها بعدا فقال لما يلائمه من القصص موصولاً يعضها ببعض الخ واتصالها بأوّل السورة كاتصال المعطوف لأنّ عظيم خلقه كما دل على الحشر دل على تنزهه عما لا يليق بجلاله كالولد والردّ على مثبتي الولد مناسب للرد على منكري البعث أتم مناسبة، والسائل والمسؤول منه والأمر فيهما متحد:
وليس يضير البعد بين جسومنا إذا كان ما بين القلوب قريبا
وأمّا ما قيل إنّ ضمير استفتهم للرسل المذكورين، وما عداه لقريش والمراد أحد إحبارهم
ممن يوثق به من أممهم أو كتبهم أي ما منهم أحد إلا نزهه تعالى عن أمثال هذا حتى يونس
عليه الصلاة والسلام في بطن حوت! هـ فلا يليق بالنظم الكريم لما فيه من التعسف إذ كيف يستفتي من لم يره فلما شعر به هذا جعل استفتاءه سؤال علماء أمّته، والنظر في صحفه فليت شعري بماذا يجيب لو قيل له ما دعاك لهذا المضيق حتى ارتكبت ما لا يليق، وعدى الاستفتاء بعن وهو يتعدى بفي لما فيه من معنى التفتيش. قوله:(جارا لما يلاتمه) من ذكر الأنبياء وتكذيبهم؟ وما حل بهم من سوء العاقبة وشآمة الإنكار ليعتبروا بهم وتفصيل ملاءمة كل جملة لما بعدها مفصل في شرح الطيبي فإن أردت فانظره، وقوله ثم أمر الخ عطف بثم والذي في النظم العطف بالفاء فلا وجه للعدول عنه كما وقع في الكشاف فكأنه لما كان بينهما فصل طويل، وهو بصدد بيانه ناسب هنا ثم، وقوله هؤلاء يعني به القائمين والتجسيم وما بعده بدل من ضلالات والتجسيم من التوالد لأنه من خواص الأجسام، وقوله تجويز البنات وقع في نسخة الفناء بدله لأنّ التوالد لبقاء النوع، وإنما يطلبه من
يجوز عليه. لحناء الشخص فلا وجه لما قيل إنه لا وجه له بل تلك النسخة لا تناسب ما بعدها من قوله فإن الولادة الخ فإنه تعليل للزوم التجسيم والفناء، وقوله وارفعهما لهم إذ اختاروا الذكمور ووأد البنات، وقوله ولذلك أي لزيادتهم على الشرك بضلالات، وقوله إنكاو ذلك الخ أي اتخاذ الملائكة بنات لا ما زادوا ولا ما ذكر من التجسيم والتفصيل والاستهانة كما قيل، وقوله تكاد السموات الخ تقدم تفسيره في مريم والمجعول مما ينفطر له السموات منها الولد والمراد به الإناث وان أطلق فيتضمن الأمور الثلاث ولا يشكل عليه شيء وأيضاً القائلون هم هؤلاء اللازم لهم ما ذكر. قوله:(والإنكار ههنا الخ) أي في قوله فاستفتهم وقوله الأخيرين وفي نسخة الآخرين وهما جعل أوضع الجنسين له والاستهانة بالملائكة، وقوله هذه الطائفة يعني مشركي العرب فإنهم الذين نسبوا البنات إمّا نسبة الولد فقد
شاركهم فيه اليهود والنصارى حين قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله وفي مطلق الشرك شاركوا فيه سائر المشركين، وكذا غيرهما من الضلالات كالتجسيم فقوله لاختصاص الخ أي لتميزهم وانفرادهم بذلك وقوله حيث جعل المعادل الخ متعلق بقوله مقصور، والمعادل هو المفعول الأوّل لجعل والثاني سيأتي، وقوله عن التقسيم يتعلق بالاستفهام وفي نسخة على بدل عن وهي أظهر أي جعل مبنيا عليه للاعتناء به إذ قيل أهو عن مشاهدة أو حجة وهو المفعول الثاني أو ما بعده لأنه قصد به لفظه سواء كان جعل معلوما أو مجهولاً وظاهر. أنّ أم متصلة، وقد قيل الأولى أن تكون منقطعة بمعنى بل لأن الأولى لتعيين أحد الأمرين وقد قالوا بهما، وفيه نظر وكلامه لا يخلو عن نوع من الخفاء، وقد وقع فيه لأرباب الحواشي خبط يتلول شرحه فرأينا الإعراض عنه أولى ففيما ذكرناه كفاية لمن كان على بصيرة ووالله الموفق للسداد، وسلوك طريق الرشاد. قوله:(وإنما خص علم المشاهدة الخ (لم يؤنث الضمير في قوله به مع أنه في الظاهر للمشاهدة لتأويلها بالنظر ولأنّ تأنيث المصادر غير معتبر، وقوله من لوازم ذاتهم أي ليست الأنوثة لازمة للملكية لزوما بيناً أو غير بين ذهنيا أو خارجيا حتى تعلم ويحكم بها لأنها معلومة بالضرورة أو الاستدلال ولم يذكر نفي ما يدل عليها من طريق البرهان لئلا يكون من تلقي الركبان لا اكتفاء كما قيل. قوله:) مع ما فيه (أي في ذكر المشاهدة من الاستهزاء بهم كما إذا أخبر بعض السفلة عن فعل سلطان فقلت له أكنت عنده لما فعل، وفرط الجهلى لقطعهم بما لم يروه قطع منهو بمرأى ومسمع منه والإشعار معطوف بالواو لا بأو حتى يعترض عليه بأنه لا منافاة بينهما مع أنه على تقدير صحتها لها وجه كما أشار إليه في الكشف، وقوله تعالى ولد الله قراءة العامّة على لفظ الماضي مسند الله وقرئ بالإضافة كما ذكره المصنف رحمه الله، وقو! هـ لعدم ما يقتضيه الخ متعلق بقوله إفكهم لأنه مصدر وجعله متعلقا بيقولون بعد تعلق من إفكهم به تكلف حمله عليه صدارة اللام وتأخير المصنف رحمه الله له، وقوله قيام ما ينفيه ذكره مع ما قبله مع أنّ الثاني مغن عنه مبالغة في تكذيبهم. قوله: (فيما يتدينون) أي يعتقدونه دينا مطلقا أو في هذا القول، وقوله فعل بمعنى مفعول أي مولود يستوي فيه الواحد المذكر وغيره، ولذا وقع هنا خبراً عن الملائكة المقدّر على هذه القراءة، وقوله استفهام إنكار أي على القراءة المشهورة بهمزة مفتوحة هي حرف استفهام حذفت بعدها همزة الوصف، وقوله كسر الهمزة أي همزة الوصل إذا ابتدئ بها في إحدى الروايتين عن نافع. قوله: (على حذف حرف الاستفهام (لدلالة أم وإن كانت منقطعة غير معادلة لها لكثرة استعمالها معها فتكون من كلام الله، وقوله على الإثبات للاصطفاء لأنه خبر فيدل على إثبات مضمونه وابداله من ولد الله يحتمل أنه بدل جملة من مفرد كقوله:
إلى الله أشكو أن بالشام حاجة وأخرى ببصرى كيف يجتمعان
على ما ذكره النحاة ويحتمل أنه أبدل من جملة الملائكة ولد الله لكن اقتصر على جزئها المصرح به ليشمل القراءتين، وفي الكشاف وهذه القراءة وإن كان هذا محملها فهي ضعيفة والذي أضعها إنّ الإنكار قد اكتنف هذه الجملة من جانبيها، وذلك قوله:{وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} فمن جعلها للإثبات فقد أوقعها دخيلة بين نسيبين وأيده من قال الجملة الاعتراضية المؤكدة أي أنهم لكاذبون تزيدها ضعفا لأنها مقررة
لنفي الولد عن أصله مؤكدة لذلك فإن وجهتها لهذه خرجت عن كونها مبينة للإفك، وصارت كأنها مجوّزة للولادة المذكورة مطرقة لصدقهم لو تالوا بها يعني أنّ تكذيبهم في كونه اختار البنات يوهم أنه لا تكذيب لو نسبوا له اختيار البنين فلا يكون جملة إنهم الخ مقررة لنفي الولد المطلق، وهو المقصود ومن لم يقف على مراده قال بعدما قال كيف تصير مجوّزة للولادة بعد قوله من إفكهم وتقديمه إذ يكون إنكار الولادة كالمفروغ عنه ولسان الحال يقول له:
سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب
لكن ما ذكر كله على طرف الثمام، ولذا لم يلتفت له المصنف رحمه الله أمّا قول الزمخشريّ دخيلة بين نسيبين فعلى ما يقوله المصنف رحمه الله هي منكرة لإبدالها منه أو جعلها متعلقة الكذب، وارتباطها من جهة الإعراب أتم ارتباط فهي نسيبة بين نسيبين وأمّا ما تخيله القائل فمبني على أنه أريد بالولد المعنى العام، وليس كذلك بل المراد به البنات لأنه المقصود هنا لتصديره بقوله ألربك البنات لأنه محل القباحة والفضاحة التي نفيت ونفى الولد مطلقا مما لا شبهة فيه عقلاً ونقلاً فإنه لم يلد ولم يولد ولكن السياق هنا لغيره ولكل مقام مقال وماذا بعد الحق إلا الضلال. قوله:(ما لكم الخ) التفات لزيادة التوبيخ والأمر في قوله فأتوا للتعجيز والإضافة للتهكم. قوله: (ذكرهم باسم جنسهم الخ) هذا بناء على أن الجن والملك جنس واحد مخلوقون من عنصر واحد وهو النار كما ذهب إليه بعضهم لكن ما كان من كثيفها الدخاني فهو من الشياطين، وهم شر ذو تمرد وما كان من صافي نورها فهو ملك، وهو خير كله ويكونون سمواً بذلك لاستتارهم عن عيوننا فيكون تخصيص الجن بأحد نوعيه تخصيصاً طارئاً كتخصيص الدابة وعلى الأصل ما هنا إذ المراد الملائكة، ونقل عن ابن عباس أيضاً أنّ نوعا من الملائكة يسمى الجن ومنهم إبليس، وهذا وجه آخر يكون الاستثناء عليه متصلَا، وقوله وضعاً أي حطا لرتبتهم وتحقيراً لهم في هذا المقام لا في أنفسهم كما إذا سوّى أحد الملك ببعض خواصه فقال اتسوّى بيني وبين عبدي وإذا ذكر. في غير هذا المقام وقره وكناه.
فوله: (وقيل قالوا الخ) فيكون المراد بالنسب المصاهرة، روي عن أبي بكر أنّ المشركين لما قالوا الملائكة بنات الله قال لهم فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن وعلى هذا فالجنة على ظاهره، وقوله إخوان هو كقول المانوية في يزدان وأهرمن. قوله:(إن فسرت) أي الجنة بغير الملائكة أمّا إذا فسرت بها كما مرّ فلا لأنهم لا يعذبون وهذا شامل لتفسيرها بالشياطين أو بالأعمّ منهم، ومن الملائكة والمراد بالأنس المعهود دون وهم الكفرة أو الأعتم ووجه علمهم ظاهر لأنهم يعلمون أنّ كل عاص معذب، وان كانوا أنفسهم وأنّ إسناد النسب إليه معصية. قوله:(إن فسر الضمير) في إنهم بما يعمّ المخلصين كتفسيره بالإنس مطلقاً وهذا قيد للاتصال، قيل ولو قال إن فسر الضمير بما يعمّ كالمطيعين كان أولى لأنّ من الجن مخلصين أيضا واذا استثنى من واو يصفون فالظاهر الانقطاع لأنه ضمير الكفرة وعلى الاتصال وعمومه فيه تفكيك الضمائر. قوله:(فإنكم الخ) الفاء في جواب شرط مقدر أي إذا علمتم هذا، واذا كان المخلصون ناجين وعليه متعلق بقانتين مقدم من تأخير كما سيأتي، وقوله ضمير لهم أي للكفرة، وقوله إلا من سبق إشارة إلى أنه استثناء مفرغ من مفعول قانتين المقدر أي أحداً وقد سبق الكلام على قوله في علمه فتذكره والمخاطب الكفرة والغائب الآلهة، والضمير على هذا في عليه لله وهو استعارة من قولهم فتن امرأته أو غلامه عليه إذا أفسده وهو متعلق بفاتنين لتضمنه معنى الاستيلاء وفتن مثل كدر في استعماله بعلى في هدّا كما أفاده صاحب الكشف. قوله:(ويجوز أن يكون وما تعبدون الخ) ذكر فيه جار الله ثلاثة أوجه أن يكون ضمير عليه لله أي ما أنتم ومعبودكم بفاتنين إليه أحدا إلا أصحاب النار أي مفسدون عليه بالإغواء، وهو الذي قدّمه المصنف أو الواو في وما تعبدون بمعنى مع إمّا سادّا مسدّ الخبر نحو إنّ كل رجل وضيعته أي إنكم مع آلهتكم، وأنتم قرناؤهم لا تبرحون تعبدونها أو غير سادّ كقوله:
فإنك والكتاب إلي عليّ كدابغة وقد حلم الأديم
والضمير على الوجهين لما يعبدون ولا يرد عليه ضعف المعية إذا لم يتقدم فعل، أو ما
في معناه لأنه إنما يشترط ذلك
إذا نصب على أنه مفعول معه أفا إذا كانت عاطفة والمعية من معنى الجمع فلا، وهو المراد ويمنع منه أيضاً كون ما قبلها منصوب كما هنا فإنه يعين العطف وعلى الوجه الثاني الخبر محذوف، وما تعبدون ساذ مسدّه وهو الذي ذكره المصنف هنا،
وعلى الثالث الخبر ما أنتم الخ ولم يتعرّض له المصنف وكأنه رأى أنّ الحذف فيه حينئذ واجب كما هو المشهور لكن قال بعضهم إذا جاءت الواو بعد مبتدأ أو اسم إن وجب العطف كما ذكره ابن مالك وحذف الخبر في مثله غالب لا واجب، ومن قال بوجوبه شرط أن يكون مدلولاً للواو كمقترنان واذا كان الضمير لما يعبدون فقبله مضاف مقدر أي على عبادته. قوله ة الما فيه من معنى المقارنة) المستفادة من المعية المرادة من الجمعية كما مز وقوله ساذا مسدّ الخبر كقولهم كل رجل وضيعته أي مقرونان فحذف لدلالة الواو وما بعدها على المصحوبية، وكان الحذف واجباً لقيام الواو مقام مع، واستشكل بأنّ الخبر ليس مع حتى إذا قامت الواو مقامه يكون الحذف واجبا لقيام الواو مقام مع، واستشكل بأنّ الخبر ليس مع حتى إذا قامت الواو مقامه يكون الحذف واجبا وإنما الخبر قولنا مقرونان المقدر بعد المتعاطفين وليس ثمة ما سد مسذه ولو قيل التقدير كل رجل مقرون وضيعته أي هو مقرون بضيعته وضيعته مقرونة به كما تقول زيد قائم وعمرو فحذف مقرون وأقيم المعطوف مقامه بقي البحث في حذف خبر المعطوف، وجوبا من غير سادّ مسده قال الرضى ويجوز أن يقال إنّ المعطوف مقامه بقي البحث في حذف خبر المعطوف، وجوبا من غير ساذ مسده قال الرضى ويجوز أن يقال إنّ المعطوف أجرى مجرى المعطوف عليه في وجوب حذف خبره وإلا ظهر أنّ الحذف غالب لا واجب فلا يرد عليه شيء وكلام المصنف مؤيد للإشكال إذ ليس فيه ما يدفعه كما قيل، وقوله قرناء هو الخبر المحذوف وقوله لا تزالون تعبدونها بيان لمعنى المقارنة، وقوله ما أنتم الخ إشارة إلى أنّ الضمير عليه راجع لما يتعلق بفاتنين لتضمته معنى باعثين بجعل المضمن أصلا والمضمن فيه قيدا وحالاً واليه أشار بقوله على طريق الغيبة. قوله:(وقرئ صال بالضم الخ (هي قراءة شاذة عن الحسن وخرجت على ثلاثة أوجه أن يكون تقديره صالون حذفت النون للإضافة، ثم واو الجمع لالتقاء الساكنين واتبع الخط اللفظ فلم يرسم وضمير الجمع لمن باعتبار معناها كما أن هو باعتبار لفظها كما أشار إليه المصنف. قوله: (أو تخفيف صائل على القلب) المكانيّ بتقديم اللام على العين، ثم حذفها تخفيفاً لضمة حركة إعراب ووزنه فاع فصار معربا كباب. قوله: (كشاك (إجراء إعرابه على الكاف في لغة، وقوله في شائك من قولهم شاكي السلاج للمسلح على قول فيه لأهل اللغة قال ابن السيد في شرح أدب الكاتب شاكي السلاج تامّ السلاح، وقيل حاد السلاج شبه بالشوك، ويقال شاك بكسر الكاف وضمها فمن كسر الكاف جعله منقوصا مثل قاض، وفيه قولان قيل أصله شائك فقلب كها واشتقاقه من الشوك، وقيل أصله شاكك من الشكة وهي السلاح، وقيل حاد السلاج شبه بالشوك، ويقال
شاك بكسر الكاف وضمها فمن كسر الكاف جعله منقوصاً مثل قاض! ، وفيه قولان قيل أصله شائك فقلب كهار واشتقاقه من الشوك، وقيل أصله شاكك من الشكة وهي السلاج فاجتمع مثلان فأبدوا الثاني ياء للتخفيف وأعلوه إعلال قاض! ومن ضمه ففيه قولان أحدهما أن أصله شوك فانقلبت واوه ألفا، وقيل هو محذوف من شائك كما قالوا جرف هار بضمّ الراء وفيه لغة ثالثة شاك بتشديد الكاف من الشكة لا غير انتهى، ومن لم يقف على أن ما ذكره الشيخان مذهب اللغويين قال تبعاً لشرّاح الكشاف التشبيه في التخفيف بالحذف فقط لا في كون المحذوف لام الكلمة فإنه في شاك عينها لأن أصله شائك قدمت الكاف في مكان الهمزة. قوله:(أو المحذوف منه) على أنه اللام كالمنسيّ إذا جرى الإعراب على ما قبله كما في يد ودم ولم يجعله منسياً لأنه نادر، وقوله ما باليت به بالة يقال بالاه وبالى به ومنه بلاء ومبالاة وبالة أي اعتد به قال في المجمل اشتبه عليّ اشتقاقه حتى سمعت قول ليلى الأخيلية:
تبالي رواياهم هبالة بعدما وردن وحول الماى بالجم يرتمي
فعرفت أنّ أصله المبادرة للاستقاء فأصل قولهم لا أبالي به لا أبادر إلى اقتنائه فأنبذه ولا
أعتدّ به وأصله بالية حذفت لامه نسيا منسيا فأجرى إعرابه على لامه فلما لحقته التاء انتقل إليها وكونه كعافية من عافى وهو نظير لوزنه، ولكونه مصدرا على فاعلة كما ذكروه مثالاً له. قوله:(حكاية اعتراف الملائكة الخ) على أنه من كلام الله تعالى لكنه حكى بلفظهم وأصله وما منهم، وقوله ويحتمل الخ على أن يكون من كلام الجنة بمعنى الملائكة متصلا بما قبله من فوله، ولقد علمت الجنة أي علمت الجنة أنهم معذبون وقالوا سبحان الله ونزهوه عما نسبوه له دون المخلصين، وقالوا إنكم لا تضلون إلا من هو مثلكم في الشقاوة، ونحن معترفون بالعبودية فكيف
تعبدوننا وعبدة جمع عابد ككتبة وفسقة، وقوله مقام معلوم في المعرفة أي مرتبة فهو مجاز ويحتمل بقاؤه على ظاهر. لأنّ محال عبادتهم متفاوتة كملائكة الأرض وكل سماء. قوله:(ثم استثنوا المخلصين) ويتعين حينئذ الاستثناء من واو يصفون ومن جوّز الاحتمال الآخر فيه فقد تعسف، وقوله تبرئة لهم منه أي مما نسبوه له أو من العذاب إن جوّز الاحتمال الآخر فيه فقد تعسف، وقوله تبرئة لهم منه أي مما نسبوه له أو من العذاب إن جوّز الوجه الآخر، وقوله فيه كان الظاهر فيها أي العبودية، وقوله للشقاوة المقدرة لا جبر فيه كما توهم
وهو ردّ على الزمخشريّ في قوله إلا من كان مثلكم ممن علم الله بكفرهم لا لتقدير. ولم يتبعه أوّلاً حيث قال قبيله إلا من سبق في علمه كما قيل لأنه لم ينو التقدير فيه، وقد قال الطيبي رحمه الله إنه تفسير بالرأي حيث فرق بين علم الله وتقديره فالمقتضى لهذه الحوادث حكم الله بالسعادة والشقاوة وشماعده النظم فتدبر. قوله:(فحذف الموصوف الخ) تبع فيه الزمخشريّ في أنّ منا خبر مقدم والمبتدأ محذوف للاكتفاء بصفته وهي جملة له مقام معلوم لجريه على القاعدة من أنه لا يحذف المنعوت بظرف أو جملة إلا إذا كان بعض ما قبله من مجرور بمن أوفى وما عداه ضرورة أو شاذ في المشهور، وقال أبو حيان ليس هذا من حذف الموصوف إقامة صفته مقامه لأن المحذوف مبتدأ فتقديره ما أحد منا وجملة له مقام الخ خبره إذ الفائدة لا تتم إلا به فلا ينعقد كلام من ما منا أحد فإن أريد أنّ إلا بمعنى غير وهي صفة لم يصح لأنه لا يجوز حذف موصوفها كما صرّحوا به، وقد تقدم هذا في سورة النساء، وأيضاً فهم منعوا التفريغ في الصفات وعلى هذا يكون واقعا فيها وما ذكره ظاهر الورود، وما قيل في دفعه بأنه ينعقد منه كلام مفيد مناسب للمقام إذ معناه ما منا أحد متصف بشيء من الصفات إلا بصفة أن يكون له مقام الخ لا يتجاوزه والمقصود بالحصر المبالغة في إثبات الوصف المذكور حتى كأنّ غيره عدم، أو هو صفة بل محذوف أي ما منا أحد إلا أحد له مقام الخ كما قاله ابن مالك: في دفع ما أورد على تفريغ الصفة من أنه لا يصح معنى إذ لا يخلو أحد من صفات متعددة، ثم إنّ أبا حيان رحمه الله قدر أحد مؤخراً عن منا أيضا فلا يظهر لقوله منا موقع من الإعراب لا يدفعه، ولا يلاقيه حتى يدفعه فإنه عني أنّ المقصود بالإفادة هذه الجملة وهو مما لا شبهة فيه وما هو المقصود بالإفادة يقع خبراً لأنه محط الفائدة فجعله تابعاً لموضوع القضية يقتضي أنه مفروغ عنه سيق هنا لإيضاح أو تخصيص، وأن كان به تصير الجملة كلاما متضمناً لمعنى مفيد، وما نقله عن ابن مالك ليس بشيء لأنّ حذف البدل والمبدل منه مما لا نظير له، وأمّا استشكال الحصر فأظهر من أن يذكر لأن الحصر فيه إضافي في كل مقام يحمل على ما يليق به فهنا الحصر في صفة العبودية لا المعبودية ولا مانع من التفريغ في الصفات كما يستثنى من أعمّ الأحوال، وقع في نسخة محرّفة له وإلا فهو صرّج بأن أحد مبتدأ أو مناصفته مع أنه يجوز أن يعتبره مقدما فيكون حالاً لأن صفة النكرة إذا تقدمت تصير حالاً بناء على رأى من يجوّزه من المبتدأ، وما اعترض! عليه به هم معترفون به، ولذا جعل الزمخشريّ ومن الناس من يقول آمنا حرف الجرّ فيه مبتدأ ميلاً مع المعنى كما مرّ فلا بد مما ارتكبه أبو حيان ليفيد الكلام مع كثرة التفريع في الأخبار فهو أسلم كما قال أو يقال القصد هنا ليس إفادة مضمون الخبر بل الرد عليهم، ولذا جعل الظرف خبراً وقدم فالمعنى ليس منا أحد يتجاوز مقام العبودية لغيرها بخلافكم أنتم فقد صدر منكم ما أخرجكم عن رتبة الطاعة فتدبر. قوله:(ولعل الأوّل الخ) يعني كونهم صافين
أنفسهم، أو أقدامهم لوقوفهم في خدمة رلث العزة كناية عن الانقياد والطاعة وتسبيحهم لله تعالى تنزيهه عما لا يليق به كناية عن المعرفة بما يليق بجلاله، والاختصاص المذكور في الواقع لأنه لا يدوم عليه غيرهم لأنّ خواص البشر لا تخلو من الاشتغال بالمعاش مع ما فيه من التعريض الكفرة فلا خفاء في مناسبتة للمقام كما توهم، وقوله والمعنى الخ فيه الاحتمالان السابقان كما ذكره بعضهم. قوله:(كتاباً من الكتب التي نزلت عليهم) أي من جنسها ومثلها في كونه من الله لا مثله لقوله فكفروا به، أو نفسه لأنّ الكفر بالقرآن كفر بغيره من الكتب السماوية، والمهيمن عليها أي الشاهد عليها المصدق لها كما ورد في الحديث وصفه بذلك وقوله وهو قوله الخ فيكون هذا تفسيراً أو بدلاً من كلمتنا، ويجوز أن يكون مستأنفاً والوعد ما في محل آخر من
قوله لأغلبن أنا ورسلي. قوله: (وهو باعتبار النالب) جواب سؤال مقدر، وهو أنه قد شوهد غلبة حزب الشيطان في بعض المشاهد، وقيل المراد الغلبة بالحجة أو باعتبار العاقبة والمال وتركه لأنه خلاف الظاهر من السياق، وهو تعميم بعد تخصيص وتأكيد على تأكيد. قوله:(والمقضي بالذات) لأنّ الحق والخير هو المراد لله بالذات وغيره مقضي بالتبع لحكمة، وغرض اخر أو للاستحقاق بما صدر من العباد، ولذا قيل بيده الخير ولم يذكر الشرّ وإن كان الكل منه كما مرّ وقوله وإنما سماه كلمة الخ فهو مجاز بإطلاق الجزء على الكل أو استعارة لجعله لشذة ارتباطه ككلمة واحدة وكونها مكنية تكلف، وقد قالوا إنها حقيقة لغوية واختصاصها بالمفرد اصطلاح لأهل العربية فعليه لا يحتاج إلى التأويل. قوله:(هو الموعد لنصرك) عدل عما في الكشاف من قوله إلى مدّة يسيرة وهي مدة الكف عن القتال لما فيه من التسامح لأنّ مدّة الكف معنى لا غاية فالمراد إلى انتهاء مده الكف، وقوله وقيل يوم الفتح قيل فهي منسوخة حينثذ ولذا مرضه، وفيه نظر لأنه كان في مهادنة الحديبية فلا يلزم نسخة فتأمّل، وقوله على ما ينالهم أي من البلاء كأنه يشاهدهم فيه لقربه، وهو حال من مفعول أبصرهم. قوله: (والمراد بالأمر (أي
قوله أبصرهم لأنّ أمره بمشاهدة ذلك وهو لم يقع يدلّ على أنه لشدّة قربه كأنه حاضر قدامه، وبين يدبه مشاهد له خصوصاً إذا قيل إنّ الأمر للحال أو للفور، وقوله كائن بصيغة الفاعل خبر وقريب خبر بعد خبر وفي نسخة كان قرب بصيغة الفعل فيهما وهما بمعنى. قوله:(ما قضينا لك الا ما حل بهم لأنه غير مناسب لما قبله، وقوله والثواب في الآخرة قيل لو تركه كان أنسب لما قبله وهو إشارة لما سيذكره في تفسير قوله يبصرون الآتي، وقوله وسوف للوعيد لا للتسويف والتبعيد الذي هو حقيقتها لأنها تستعمل في الوعيد للتأكيد لا للتأخير لأنه غير مناسب لمقامه كما يقول السيد لعبد. سوف أنتقم منك، وقرب ما حل بهم مستلزم لقرب نصرته فهو قرينة على عدم إرادة التبعيد منه. قوله: (نزل العذاب بفنائهم) بكسر الفاء والمد تفسير للساحة لأنها العرصة الواسعة عند الدور، وقوله شبهه بجيش في نسخة شبه بجيش على بناء المجهول أي شبه العذاب بجيش يهجم على قوم وهم في ديارهم بغتة فيحل بها ففي الضمير استعارة مكنية والنزول تخييلية، ويجوز أن يكون استعارة تمثيلية كما هو الظاهر من الكشاف وقوله بغتة إشارة إلى أنّ إذا فجائية وقوله هجمهم عدا. بنفسه وهو متعد بعلى لتضمنه معنى فاجأهم، وفي قوله فأناخ استعارة مكنية أو تمثيلية لتشبيه الجيش النازل بجمل برك في ساحة. قوله:(وقيل الرسول) أي ضمير نزل للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله وقرئ نزل أي مخففا مجهولاً وهو لازم فلذا جعله مسنداً للجار والمجرور، والقراءة التي بعدها بالتشديد وهو متعد فلذا جعل نائب الفاعل ضمير العذاب واذا كان الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد نزوله يوم الفتح لا يوم بدر لأنه ليس بساحتهم إلى على تأويل ولا بخيبر لقوله ىتج! هـ حين دخلها: " الله كبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)) 11 لأنّ تلاوته ثمة لاستشهاده بها، والخطاب هنا مع المشركين. قوله:(فبئس صباح المنذرين الخ) يعني أنّ ساء هنا من أفعال الذمّ والمخصوص بالذمّ محذوف وهو قوله صباحهم، واللام في المنذرين للجنس لا للعهد لاشتراطهم الشيوع فيما بعدها ليكون فيه التفسير بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال فلو كان ساء بمعنى قبح على أصله جاز العهد فيه من غير تقدير، وقوله المبيت بصيغة اسم الفاعل المشدد من بيت العدوّ واذا سار ليلاً ليهجم عليهم وهم في غفلتهم في الصباج، وقوله لوقت نزول العذاب متعلق بمستعار. قوله: (ولما
كثر) في نسخة كثرت وهو من غلط الناسخ، والغارة إيقاع القتل والنهب بالعدوّ كالإغارة بى أصلها السير السريع وتسميتها صباحا مجاز تجوّز بالزمان عما يقع فيه كما يقال أيام العرب! لوقائعهم قيل، وهذا استطراد لا أنه مراد في النظم إذ لا يصح كونه بيانا لاستعارته لوقت العذاب فإنه من ذكر المقيد وأرادة المطلق وهو وجه آخر ولو أراد أنه وجه آخر عطفه باو وقد يقال إنه إشارة إلى جواز الحمل عليه، ويناسبه جعل بعضهم له في الغارة على خيبر فتدبر. قوله:(تثيد إلى تثيد) أي منضمّ إلى تأكيد آخر يحتمل أن يريد أنّ قوله وأبصر فسوف يبصرون تأكيد لأبصرهم فسوف يبصرون، وقد