المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الجلال هي الصفات السلبية وصفات الإكرام لثبوتية والدال عى الأول - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٧

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: الجلال هي الصفات السلبية وصفات الإكرام لثبوتية والدال عى الأول

الجلال هي الصفات السلبية وصفات الإكرام لثبوتية والدال عى الأول هنا قوله: سبحان وعلى الثانية: الحمد والمراد بالعليين الملائكة مطلقا أو حملة العرس، وقوله: تلذذاً أي لا تكليفا لأنهم خارجون عن خطة التكلف والتكليف، والدال على أنه منتهى درجاتهم أنهم إذا كانوا حول الحرشن فهم في أجل الأماكن وهو أعظم مقاماتهم فما يشتغلون به ثمة الظاهر إنه أنفس ما عندهم وفيه نظر. قوله:(بينا الخلق الخ (لأن القضاء- المعروف يكون بينهم ولوضوحه لا يضرّ كون ضميره لغير الملائكة إذ التفكيك لا يمتنع مطلقا كما توهم. قوله: (والقائلون) أي لهذا القول الخ لأنّ حمدهم يقتضي أنهم ممن قضى لهم لا عليهم، وكونه لمطلق العباد كضا في الكشاف غير ظاهر، ولذا خالفه المصنف إذ حمد من يعذب نادر وذكره غير مهمّ فلعل ما ذكره أراد به أن الحمد من عموم الخلق المقضي بينهم هنا إشارة إلى التمام، وفصل الخصام كما يقوله المنصرفون من مجلس حكومة ونحوها فيحمده‌

‌ المؤمن

ون لظهور حقهم، وغيرهم لعدله واستراحتهم من انتظار الفصل وما قيل من إنه إظهار للرضا والتسليم بل للحكم بالعدل بينهم في غاية البعد، وإذا كان الحامد المؤمنين كما اختاره المصنف، وقد مرّ حمدهم مرّة أخرى فيكون لئلا يكون فيه تكرار الأوّل على إنجار وعده بإيراث الجنة وهذا على

القضاء بالحق لهم، وقيل الأوّل للفصل والتفرقة بين الفريقين بحسب الوعد، والوعيد والسخط والرضا وهذا للتفرقة بينهم بالأبدان ففريق في السعير، وفريق في الجنان والأوّل أحسن. قوله: (عن النبتي صلى الله عليه وسلم (هو حديث موضوع، وقوله: الخائفين لما ذكر فيها من الإنذار وكأنه الحافين فحرّف ولا بعد فيه، وقوله أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة الخ رواه الترمذي فليس بموضوع، تمت السورة والحمد لله على أنعامه والصلاة والسلام على أشرف مخلوقاته وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة المؤمن

وتسمى سورة غافر وسورة الطول.

بسم الله الرحمن الرحيم

وأعلم أن هذه السور المبدوأة بحم يقال لها آل حم والحواميم جمع حم وما قاله ابن الجوزي تبعا للجواليقي والحريري من أنه خطأ ليس بصحيح كما فصلته في شرح الدرة. قوله: (مكية (بلا خلاف، وإنما الخلاف في الاستثناء فقيل: استثنى منها قوله: وسبح بحمد ربك لأن الصلاة نزلت بالمدينة كما في الكشاف وقد رد بأن الصلاة إنما نزلت بمكة بلا خلاف ولو سلم فلا يتعين إرادة الصلاة بالتسبيح فيها وسيأتي ما فيه ثمة، وقيل: أيضا إلا قوله إن الذين يجادلون الآية فإنها مدنية نزلت في إليهود لما ذكر والدجال، واختلف في عدد آياتها فهي تزيد على ثمانين فقيل بآيتين، وقيل بأربع وفيل بخمس، وقيل بست وأمّا قول المصنف رحمه الله ثمان فلم بذكره أحد سواه فهو تحريف عن ثناتان وفيه نظر. قوله:) صريحاً (أي إمالة تافة لا بين بين، والتحريك لالتقاء الساكنين على أنه مبنيئ على الفتح كأين وكيف وقوله النصب عطف على التحريك لا على فتح الميم لركاكة معناه وهو على أنه معرب ولو عطفه بأو كان أولى ولم ينوّن لأنه ممنوع من الصرف كما ذكره والتأنيث لأنه بمعنى السورة، وقوله زنة الأعجمي أي على وزن يختص أو يكثر في الأسماء العجمية كفاعيل، وهذا هو العجمة المذكورة في موانع الصرف لا أمر آخر زائد عليها، وهو منقول عن سيبويه لأن العجمة إمّا حقيقية وهي ظاهرة أو غير حقيقية بأن يخالف المعروف في مفرداتهم فيلحق بالأعجميئ، ويسمى شبه العجمة فليس بتأويل كما توهم وفي الكشف إن الأولى أن يعلل بالتعريف، والتركيب وهو وجه آخر ولكل وجهة ولم يذكر إعراب تنزيل الكتاب لأنه مرّ تفصيله في أوّل انزمر. قوله: الما في القرآن من الإعجاز والحكم) فإعجازه لأنه كلام إله قدير لا يغالب فلذا ذكر العزيز ولاشتماله على الحكم البليغة البالغة ذكر العليم لأن البليغ علمه بالأشياء يكون حكيما، وناطقاً بالحكمة فلذا قيل: العليم، ولم يقل الحكيم تفننا لأنه مرّ في أوّل الزمر، وأما مناسبته للكتاب فهي مشتركة فسقط

ما قيل إنه لا يعلم منه إيثار العليم على الحكيم هنا! فكان الظاهر إبدال

ص: 355

قوله: الحكم بأنواع العلوم التي يضيق عنها نطاق الإفهام. قوله: (صفات أخر الخ) أي هذه صفات لله كما أن العزيز العليم كذلك، وذكر الغافر، وقابل التوب وذي الطول للترتيب وذكر شديد العقاب للترهيب والمجموع للحث على المقصود من إنزاله وهو المذكور بعده من التوحيد والإيمان بالبعث المستلزم للإيمان بما سواهما والإقبال على الله وجعل الإضافة فيه حقيقية لا لفظية ليصح وصف المعرفة به. قوله:(على أنه لم يرد الخ) على إمّا للاستعلاء أي مبنيّ على ذلك أوللتعليل كما في قوله على ما هداكم، وهذا إشارة إلى ما قاله الإمام من أنه لا نزاع في جعل غافر، وقابل صفة لأنهما يفيدان معنى الدوام والاستمرار وكذا شديد العقاب لأن صفاته تعالى منزهة عن الحدوث، والتجدد قال أبو حيان: وهذا كلام من لا يعرف النحو ولا نظر فيه للزوم كون عليم وحليم معارف فيكون تعريفها بأل وتنكيرها سواء وهو تعصب منه، وقد تقدم في الفاتحة تحقيقه والمراد أنها تقبل التعريف والتنكير باعتبار تعين متعلقها وعدمه، والإضافة للمعمول لفظية فإذا قصد الاستمرار ألحق بالأسماء الجامدة فتكون إضافته معنوية معزفة كما حققه الرضى، وغيره وقد مرّ ما فيه. قوله:(وأريد بشديد العقاب مشدّه (بزنة اسم الفاعل من أشده أي جعله شديداً إشارة إلى دفع ما قاله النحاة من أن سيجويه رحمه الله قال: إضافة الصفات لفظية، ويجوز أن تجعل محضة ويوصف بها المعارف إذا لم تعمل إلا الصفة المشبهة وشديد منها، وهذا لا يرد على مذهب الكوفيين القائلين بأنها كغيرها من الصفات قد تكون إضافتها محضة أمّا على ما ذهب إليه غيرهم يقولون إنها مؤوّلة باسم الفاعل لتعطي حكمه فشديد بمعنى مشد كاذين بمعنى مؤذن. قوله: (أو الشديد عقابه) يعني أنه معرّف بالألف واللام، وأصله الشديد العقاب فحذفت لمشاكلة ما معه من الأوصاف المجرّدة من الألف اللام والمقدر في حكم الموجود، والمراد بالازدواج هنا المشاكلة وهي مرجحة له والمصحح أمن الإلباس بغير الصفة لوقوعه بين الصفات، واحتمال كونه بدلاً وحده لا يلتفت إليه. قوله:(أو إبدال) جمع بدل معطوف على قوله صفات، ولا يرد عليه قفة البدل في المشتقات ولا إن النكرة لا تبدل من المعرفة ما لم توصف ولا إن تعدد البدل لم يذكره النحاة كما قيل لأن النحاة صرّحوا بخلافه في الجميع وللدماميني فيه كلام طويل الذيل في أول شرح الجزرية لا يسعه هذا المقام فإن أردته فانظر فيه، وقوله: مشوّس للنظم أي لما فيه من الإلباس، والفصل بين الصفات بالبدل وتنافي غرضيهما فإن الإبدال تجعله في نية الطرج ووصفه يقتضي أنه متبوع مقصود من الكلام. قوله:(وتوسيط الواو بين الأولين الخ) بيان لوجه العطف وتركه فيما عداه

مع إن العطف وتركه يجري في الصفات والإبدال على القول بتعددها، وقوله: بين الأولين يعني من أولى صفات الترغيب والترهيب، وقوله: لإفادة الجمع فيه نظر لأنه إن أراد بلازم اجتماعهما كما حمل عليه كلام الزمخشري فهو نزعة اعتزالية إذ لا عفو عن الكبائر عندهم بدون توبة، وان أراد اجتماعهما في الجملة فغيره كذلك، والظاهر أنه أراد أن بينهما اجتماعا وعدم تناف كما بين العقاب والطول. قوله:) أو تغاير الوصفين الخ) يعني عطف لدفع توهم الاتحاد بينهما وقوله: موقع الفعلين، وهما ستر الذنب الذي هو معنى المغفرة وقبول التوبة عنه فإنه موقع الأول ذنب باق وموقع الثاني ذنب زائل ممحوّ، والمراد ببقائه إنه باق في صحائف سيآته لا ينمحي ما لم يتب وان لم يعاقب عليه فإذا تاب محي وكتب له حسنة بدلاً منه. قوله:(التائب من الذنب كمن لا ذنب له) وجه التشبيه فيه أن كلاً منهما لم يكتب عليه ذنب، والتارك للذنب عمداً مثاب كالتائب فإنه يثاب بالتوبة ومغفرة ذنبه بستره، وثوابه بتوبته كل منهما بفضل الله وكرمه فلا يخالف مذهب أهل الحق، وهذا أيضا غير مخالف لما تقدم مع أنه لو خالفه لم يكن فيه ضير لأنّ كلاً منهما وجود نكتة مستقلة فلا يرد عليه شيء، وقوله: جمعها أي جمع التوبة، والمراد إنه اسم جمعيّ كتمر وتمرة. قوله:) والطول الفضل بترك العقاب المستحق (الطول في اللغة التفضل، والظاهر منه إنه الثواب والإنعام فالمتبادر أنه يفسره به أو بما يعتم الثواب، وترك العقاب أمّا تخصيصه بالثاني كما فعله المصنف فقد قيل عليه إنه خلاف الظاهر مع أنه مكرّر مع قوله غافر الذنب فكان الداعي له ذكره بعد شديد العقاب كأنه قال: إن شاء عاقب وان شاء ترك، وقيل الأنعام لما كان بمقتضى وعده كان كالواجب اللازم

ص: 356

والفضل لما لم يكن كذلك فسره به ولا يخفى بعده. قوله: (دليل رجحانها) أي الرحمة يعني زيادتها وسبقها فلذا عدد ما يدلّ على الرحمة، وأفرد ما دلّ على خلافها، وقوله: لا إله الخ مستأنفة أو حالية لا صفة لله ولا لشديد العقاب كما توهم، وقوله: فيجب الخ يعني أن المراد بهذا وبما بعده إن عبادته وطاعته واجبة وإنه المثيب والمعاقب لأنه أتمّ فائدة وأنسب بالمقام. قوله:) سجل بالكفر ملى المجادلين الخ (أي أثبت ذلك لهم كما يثبت الشيء في السجل، وقوله: بالطعن متعلق بالمجادلين والإدحاض الإبطال والإزالة والإدحاض على زعمهم، أو هو بتقدير مضاف أي

وقصد إدحاض الحق وازالته، وعقده جمع عقدة وهي المشكل والخفيّ مما يتمسك به أهل الأهواء والزيغ الميل عن الحق، وقوله: بالتنكير يعني به أنّ تنكيره في الحديث للتبعيض فيفيد أنّ بعضه كفر وضلال كما أنّ بعضه جهاد في المبطلين، وعبادة فليست المجادلة فيه مذمومة مطلقا، وقوله: مع أنه ليس جدالاً فيه الخ جواب آخر إفا بأن البحث في القرآن ليس جدالا أصلا لأنه إنما يستعمل في المخاصمة الباطلة إذ هو من جدل الحبل إذا فتله لما فيه من العدول عن الحق أو البحث جدال عنه لا فيه فإنه يتعدى بعن إذا كان للمنع عن الحق، وبفي بخلافه كما ذكره الإمام وبالباء أيضا كما في قوله:{وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وفيه بحث. قوله تعالى: ( {فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ} ) مسبب عما قبله أي إذا علمت أنّ هؤلاء كفرة خسروا الدنيا والآخرة فلا تلتفت لاستدراجهم بتوسعة الرزق عليهم وإمهالهم فإن عاقبتهم الهلاك كما فعل بمن قبلهم من أمثالهم، وإليه أشار بقوله فإنهم مأخوذون عن قريب لقلة زمان الدنيا، ولأن كل آت قريب والتقلب الخروج من أرض! لأخرى، وقوله في بلاد الشام واليمن إشارة إلى أنّ المراد كفار قريش وتقلبهم رحلة الشتاء لليمن، ورحلة الصيف للشام. قوله:(تحزبوا على الرسل (أي اجتمعوا ناصبوهم بمعنى عادوهم، وقوله بعد قوم نوج مأخوذ من ذكرهم بعدهم، وقوله: برسولها رعاية للفظ الأمّة والقراءة المشهورة نظر لمعناها. قوله: اليتمكنوا من إصابته بما أرادوا) يعني أنه ليس المراد بالأخذ ظاهره بل هو كناية عن التمكن من إيقاع ما يريدونه به لأنّ من أخذ شيئا تمكن من الفعل فيه، وقوله: وقتل بالتاء المثناة الفوقية والتمكن منه لا يستلزمه إذ المتمكن من الشيء قد لا يفعله لمانع وغيره، وقوله من الأخذ بمعنى الأسر فإنه يقال للأسير أخيذ فهو مأخوذ منه فكني به عما ذكر، والتمكن من القتل لا ينافي الأسر كما توهم، وفي بعض النسخ وقيل بالقاف والياء التحتية فيكون الأخذ في الآية بمعنى الأسر، والأولى هي الموافقة لما في الكشاف، والمناسبة للمقام وجزالة المعنى. قوله:) فأخذتهم بالإهلاك جزاء لهم (يعني أنّ المراد بالأخذ مجازاً أو كناية هنا ما في الدنيا من الهلاك المستأصل لهم، وقوله: جزاء لهم يعني على الهمّ بالأخذ لأنّ المتبادر من الجزاء إنه من جنس المجزي فخصه كالزمخشري بالمتوسط بين التكذيب ومجادلة الإدحاض، ولا يرد عليه إنه يفوت به رعاية جانب المعنى لأجل مناسبة لفظية لأنه إذا عجل عقوبة أهونها الذي هو مجرد

القصد، والهمّ دالّ على أنه يعذبهم على قرينته في الآخرة أشدّ العذاب كما دلّ عليه ما بعده ففيه محافظة على جانب المعنى مع مناسبة مقابلة الأخذ بالأخذ كما فصله السعد في شرح الكشاف وغيره. قوله:(فإنكم تمرّون على ديارهم الخ) مناسبة لما قبله من تقلبهم في البلاد، ورؤية أثر العقاب تؤخذ من سؤالهم لأنه إنما يسأل عن الشيء من يعرفه، وقوله: وهو تقرير اًي تثبيت وتأكيد لهلاكهم أو حمل لهؤلاء على الإقرار به مع ما فيه من تعجيب السامعين مما وقع لهم أو من عدم اعتباره هؤلاء به، وقوله: وعيده الخ فسرها به لأن الكلمة بمعنى الكلام، والمراد به مدلوله أو حكمه به وقد مرّ تحقيقه، وقوله: بكفرهم إشارة إلى أنّ التعريق بما هو في حكم المشتق يفيد العلية. قوله: (بدل الكل (إن كان المراد بالكلية قوله أو حكمه بأنهم أصحاب النار فهو بدل كل فإن كان أعمّ فهو بدل اشتمال قال الراغب: القضية تسمى كلمة قولا أو فعلا فقوله: على إرادة اللفظ أو المعنى يحتمل رجوعه إلى الكلمة فيكون راجعا إلى الوجهين أي هو بدل كل من كل واشتمال على هذين الاحتمالين، ويحتمل عوده إلى أنهم أصحاب النار على اللف والنشر المرتب فهو بدل كل إن أريد لفظه، واشتمال إن أريد معناه كما قيل

ص: 357

وفيه نظر وأمّا كون بدل البعض والاشتمال لا بد له من ضمير يرجع إلى المبدل منه فليس بكلي لأنه إذا ظهرت الملابسة بينهما كما في قوله: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} [سورة البروج، الآية: 4] استغنى عنه كما صرّحوا به، وفيه وجه آخر وهو إنّ التقدير لأنهم الخ فهو علة للوعيد. قوله:) الكروبيون أعلى طبقات الملائكة) الكروبيون جمع كروبي بفتح الكاف وضم الراء المهملة المخففة، وتشديدها خطأ ثم واو بعدها باء موحدة، ثم ياء مشددة من كرب بمعنى قرب وقد توقف بعضهم في سماعه من العرب وأثبته أبو علي الفارسي البغدادي واستشهد له بقوله:

كروبية منهم ركوع وسجد

وفيه دلالة على المبالغة في قربهم بصيغة فعول والياء فإنها تزاد لذلك وقيل الكرب أيضا

شدة القرب، وهم سادة الملائكة كما في الفائق كجبريل وإسرافيل وقال البيهقي إنهم ملائكة

والعذاب فهو عنده من الكرب بمعنى الشدّة، والحزن كما صرّج به ويجوز أخذه منه على المعنى " الأوّل أيضا لشذة خوفهم من الله وكلام المصنف على أن الكروبيين هم حملة العرش، وقال الرئيس ابن سينا في رسالة الملائكة إنهم غيرهم وعبارته الكروبيون هم العامرون لعرصات التيه إلا على الواقفوان في الموقف الأكرم زمراً الناظرون إلى المنظر الأبهى نظراً وهم الملائكة

المقرّبون، والأزواج المبرّؤون، وأما الملائكة العاملون فهم حملة العرش والكرسي، وعمار السموات انتهى. قوله؟ (مجاز عن حفظهم الخ) حمل العرس ظاهر هنا وأما ذكره الحفيف فيحتمل أن يكون استطرادا، ويحتمل أنه تفسير لمن حوله هنا لأنه بمعنى حافين وهو الظاهر، ولا مانع من حملهما على الحقيقة وهو ظاهر الأحاديث والآيات، وما ذكره كلام الحكماء وأكثر المتكلمين والمراد بالحفظ والتدبير له أن لا يعرض له ما يخل به أو بشيء من أحواله التي لا يعلمها إلا الله ولما كانت الكناية والمجاز لا يجتمعان في لفظ واحد حملوه على اللف، والنشر المرتب بجعل المجاز للحمل والكناية للحفيف والتخصيص كما قيل لأن العرش كرى في حيزه الطبيعي فلا يحتاج لحامل ففيه قرينة عقلية على منع إرادة المعنى الحقيقي، وأما الحفيف والطواف به فلا مانع من إرادته منه فيكون كناية لأنّ هذا شأنها وفيه نظر لأن عدم احتياجه له لا يصيره مجازاً لأنّ الكناية يكفي فيها إمكان المعنى الحقيقي لا إرادته منه بالفعل وهو موجود هنا فتدبر، وقوله: أولهم وجودا مثله لا يعرف إلا بسماع من أفق الوحي، وقوله الكروبيون الخ تفسير للذين يحملون العرس ومن حوله لا لأحدهما كما يدل عليه كلامه. قوله: (من صفات الجلال واكرام (بيان لمجامع الثناء وقد مرّ بيانه بأن صفات الجلال هي السلبية التي دل عليها التسبيح والتنزيه والإكرام الصفات الثبوتية، وأما قول القشيري وصف الجلال ما حقق العز والإكرام إنعام خاص والجلال ثبوت العلوّ والرفعة، وقول بعضهم الجلال صفات القهر والإكرام صفات اللطف فليس بمراد هنا. قوله: (وجعل التسبيح أصلَا الا يخفى أنه حيث ورد في الذكر سواء كان من الملائكة أو البشر ورد هكذا فالأولى أن يوجه بأن التسبيح تحلية مقدمة على التحميد الذي هو تحلية، وإنما دلت الحالية على مقتضى حالهم لأن معناه ملتبسين بحمده فيدل على تلبسهم به قبله، ومعه وانه ديدنهم فلا يتوهم أنّ مقتضى الحال ينبغي أن يصدر ويؤسس به المقال لكنه إنما كان كذلك لأنهم يعظمون الله دائما والحمد الوصف الجميل، وإنما يقع التنزيه إذا رأوا نسبة بعض البشر له ما هو منزه عنه، ففي قولهم مقتضى حالهم لطف لا يخفى لأنه حال. قوله: (إظهاراً لفضله وتعظيماً لأهله (يعني أنّ الملائكة خصوصا الخواص منهم لا يتصوّر منهم الإيمان حتى يخبر به عنهم هنا فليس فيه فائدة الخبر ولا لازمها لأنه يفهم من تسبيحهم حامدين فدفعه بأن المقصود من ذكره مدح الإيمان وتعظيم الله لأهله وهذا في الخير نظير ما مرّ في الصفة المادحة للموصوف إنها قد تكون لمدح الصفة نفسها كما في وصف الأنبياء بالصلاج، وقوله: مساق اية لذلك أي لإظهار فضله وتعظيم أهله لأنّ دعاء الملائكة واستغفارهم يدلّ على شرفهم، ولو لم يكن القصد هذا لم يكن لذكره بين

أحوال الكفرة شأن يليق به. قوله:) كما صرّح به (أي بإظهار فضله وفضل أهله، وهو إن لم يكن صريحا لكنه لظهوره بمنزلة الصريح لأنّ دعاء الملائكة للمؤمنين تعظيم لهم بلا مرية، وتعظيمهم للإيمان بالطريق الأولى لأنهم إنما شرفوا فلا يرد عليه ما قيل إنه ليس بصريح. قوله:) وإشهاراً الخ (لأنه سبحانه

ص: 358

وتعالى لو كان مستويا على العرس كما تستوي الأجسام كان من حوله شاهداً له فلا يطلق عليه مؤمن بالله لأنه لا يقال لمن يشاهد الشمس إنه مصدق، ومذعن بالشمس ولو قيل كان مما يتعجب منه بل يقال رآها وعاينها، قيل لو أبدل قوله في معرفته بقوله من الإيمان به كما في الكشاف كان أويى وفيه نظر لأن المراد بالمعرفة الإقرار بوجوده على ما يليق به، وقد يعتذر للشارح المحقق بأن ما ذكر لزوم عادقي وأنه لا يستلزم نفي صحة الرؤية كما يتوهم فيكون على مذهب المعتزلة لأنهم لا يقولون إنه على العرش، وفيه تفصيل في شروج الكشاف. قوله:(واستغفارهم شفاعتهم الخ (إلهامهم ما يوجب المغفرة وهو التوبة كالتفسير لما قبله وإيجابها بمقتضى وعده بالمغفرة لمن تاب إذ لا إيجاب عندنا ولا وجه لتخصيص هذا بالحالية بل هما عامان فيهما كما لا يخفى، ولذا عطفه بالواو، وقوله وفيه تنبيه الخ وجه التنبيه أنهم دعوا لهم وشفعوا لهم لإيمانهم مع أنهم ليسوا من جنسهم، وهو ظاهر فإن قلت لا داعي لصرف الاستغفار عن ظاهره، وهو الدعاء بالمغفرة هنا قلت كأنه ما بعده من أنه وعدهم الجنة، وهو لا يخلف الميعاد كما أشار إليه الزمخشري لكنه لا يدفع السؤال فإنه إذا سلم هذا لا يبقى حاجة للشفاعة أيضا فإن أريد به التعظيم، والشفقة عليهم أو زيادة الثواب والكرامة فالدعاء يفيده أيضاً كما ندعو للنبيّ صلى الله عليه وسلم بالرحمة مع تحققها في حقه. قوله:) وهو بيان الخ) أي فيه قول مقدر والجملة مبينة أو حالية في محل نصب والبيان إن أراد به التفسير لا يكون للجملة محل من الإعراب، وهو الظاهر وإن أراد أنها عطف بيان إن حوزناه في الجمل تكون في محل رفع، وقوله وسعت رحمتك يشير إلى أنه تمييز محوّل عن الفاعل ليفيد ما ذكر على ما مز تقديره في قوله:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [سورة مريم، الآية: 4] والإغراق هو المبالغة في وصفه بما ذكر حيث جعلت ذاته كأنها عين العلم والرحمة ودل على عمومها تلويحا بعدما دل عليه تصريحاً بالتبعية لأنّ نسبة جميع الأشياء إليه مستوية فيقتضي استواءها في شمول الرحمة والعلم، ولم يقل رحمتك إشارة إلى أن هذه النكتة في الحكاية، وقوله: لأنها المقصودة الخ إذ المقام لطلب المغفرة لهم وهي مناسبة لذكر الرحمة إذ هي من ثمراتها، وإنما

ذكر العلم للإشارة إلى أنه عالم بهم واستحقاقهم لذلك كما أشار إليه. قوله: (للذين علمت منهم الخ (إشارة إلى فائدة ذكر العلم وترتب هذا بالفاء على ما قبله وترك بيان ترتبه على الرحمة لظهوره مما ذكره قبله وعلمه إمّا في الأزل فيكون قبل وقوع التوبة أو مطلقا فيشمل ما بعده، وسبيل الحق دين الإسلام، وقوله بعد إشعار لأن الدعاء بالمغفرة يستلزمه فلذا كان تأكيداً لأنه كالمكرر وشدة العذاب الأخروي مأخوذة من التصريح به، وعدم الاكتفاء بالتلويح، وقيل هو من إضافته للجحيم، وقوله إياه أي الدخول إشارة إلى أن مفعوله مقدر. قوله: اليتم سرورهم (إشارة إلى أن الدعاء بدخول هؤلاء دعاء لآبائهم وجعلهم مندرجين في الموعودين موافق لقوله وألحقنا بهم ذرّياتهم، وقوله بالضم أي ضم اللام والقراءة الأخرى بالفتح، وقوله: لا يمتنع لأنه بمعنى الغالب القوي وهو بيان لارتباطه بما قبله، ولذا قال: ومن ذلك الوفاء، وقوله العقوبات لأنها سيئة في نفسها فإن كانت بالمعنى المشهور وهو المعاصي ففيه مضاف مقدر وهو الجزاء، أو تجوز بالسبب عن مسببه وقوله تعميم بعد تخصيص لشموله العقوبة الدنيوية أو الأول للأصول وهذا للفروع أو المراد بها المعاصي ووقايتهم منها حفظهم عن ارتكابها، وهذا كله دفع لتوهم التكرار إذ العطف يأبى التوكيد، وأيد الأخير بأنّ قوله يومئذ المتبادر منه الدنيا لأنّ إذ تدل على المضيّ فيومئذ يوم العمل وعلى الأوّل يوم المؤاخذة بها، وإنما أخره لأنّ الصلاح سبب تقديم طلب السبب للرحمة، وهو عدم ارتكاب السيآت والمسبب المغفرة لها ودخول الجنة فإنها مسببة عن ارتكابها، وقوله الرحمة قدمه لأنه أنسب بالفوز، والظفر وعلى ذلك فالتذكير والإفراد لتأويله بما ذكر. قوله: (فيقال لهم الخ (المعنى إنهم ينادون بهذا فهو إمّا معمول للنداء لتضمنه معنى القول أو هو معمول لقول مقدر مصدر بفاء التفسير كما ذكره المصنف، وما ذكرناه هو مذهب البصرية والكوفية في مثله، وأما تقدير الجار

قبل الجملة كما قيل: فتعسف خارج عن المذهبين، وقوله: لمقت الله إياكم إشارة إلى تقدير معمول المصدر الأوّل، دهانه مضاف للفاعل كالثاني، وهو محتمل للتنازع وإعمال

ص: 359

الثاني لأنه يضمر في الأوّل واياكم ضمير أنفسكم لأنه المراد منه، وإنما صرح بالأنفس لئلا يتحد الفاعل والمفعول مع امتناعه في غير أفعال القلوب، ولا يلزمه محذور الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر إذا أعمل الثاني، ويحتمل أنه مجرد تقدير من غير تنازع إذ لم يقدر المفعول الثاني بلفظه، فمن قال: إنه مراد المصنف فقد ألزمه ما لم يلتزمه، والمنادي الخزنة أو المؤمنون توبيخا لهم.

قوله: (دلّ عليه المقت الأوّل) فتقديره مقتكم الله إذ تدعون الخ، والمقت أشد البغض،

وهو رد على الزمخشري إذ قال إنه منصوب بالمقت الأوّل لأن المصدر لا يفصل بينه وبين معموله بالخبر ولا يخبر عنه قبل تمامه بمتعلقاته، ومن قال إنّ هذا مراد الزمخشري لم يصب، لأنه ذهب إلى جوازه في الظرف كما في أمالي ابن الحاجب. قوله:(لأنه أخبر عنه (والإخبار عنه لا يجوز قبل ذكر متعلقاته، وهذا مانع آخر غير الفصل بالأجنبي فمن فسره به لم يصب وكل منهما مانع على حدة كما صرح به النحاة، وقوله يوم القيامة أي لا في الدنيا إذ دعوا إلى الإيمان بالله. قوله:) 1 لا أن يؤوّل الخ (لما كانوا لم يمقتوا أنفسهم وقت الدعوة بل في القيامة وإن كنت مقت الله في الدنيا والآخرة أوّل على تقدير تعلقه بالثاني، وان كان خلاف الظاهر لقربه منه بأنّ المراد إذ تبين إنكم دعيتم إلى الإيمان المنجي والحق الحقيق بالقبول، أو أن المراد بأنفسهم جنسهم من المؤمنين أو مما ذكره المصنف وهو أمّ مقتهم لأنفسثم كأنه وقع وقت الدعوة كما في المثل المذكور وفي قول على إنما أكلت يوم أكل الثور الأحمر فهو مجاز بتنزيل وقوع السبب، وهو كفرهم وقت الدعوة منزلة وقوع المسبب وهو مقتهم لأنفسهم حتى عاينوا ما حل بهم بسببه، وليس على تنزيل سبب المقت منزلة المقت حتى ينسب إليه ما ينسب إليه بعد تناسي المجاز فإنه لا تجوّز في المقت وسببه بل في النسبة الظرفية إذ جعل ظرف السبب ظرفا للمسبب لتخيل إنه وقع فيه، ويلزمه تشبيه الوقوع بالوقوع أو هو استعارة تمثيلية فتدبر. قوله: (الصيف ضيعت اللبن) وفي نسخة في الصيف، وهو رواية في هذا المثل وأصله كما في شرح الفصيح إنه يضرب لمن فزط في طلب ما يحتاج إليه حتى فإنه فطلبه في غير وقته وضيعت بكسر التاء لأنه خطاب لامرأة والأمثال لا تغير وكان عمرو بن عدس التميمي تحته دخشوس بنت لقيط، وكان مسنا لكنه متمؤل فسألته الطلاق فطلقها فتزوّجها عمير بن معبد، وكان شابا معدماً فمرّت مواشيه بها في الشتاء يوما، وكانت مقفرة من الزاد فقالت لخادمها: قم فاطلب لنا منه لبناً فلما جاءه، قال له: قل لها الصيف الخ وبعضهم قال: ضيحت بالحاء

المهملة من الضياح، وهو اللبن الخاثر والأوّل أصح. قوله:(أو تعليل للحكم الخ) معطوف على قوله ظرف لفعل الخ والحكم بمعنى المحكوم به، والنسبة التامة وكل منهما صحيح هنا فهو إمّا تعليل لأكبريته أو لكونه أكبر فيتعلق بأكبر أو بالمقت الأوّل على ما مز أو بالثاني، وكون زمان المقتين واحداً من عدم التقييد لأحدهما بالظرف فالمتبادر ذلك وليس المراد أنه يجوز أن يكونا في وقت واحد لأنه خلاف ما تدلّ عليه عبارته. قوله: (إماتتين (يعني أنه منصوب على أنه صفة لمفعول مطلق مقدر، وقوله: ابتداء وان لم يسبق بحياة أخرى فتكون بمعنى العدم ولو أوّلاً، وقوله: أو بتصيير أي تصيير الحياة معدومة بعد إن كانت موجودة، وقوله: كالتصغير والتكبير فإنهما يطلقان على كونه صغيراً وكبيراً ابتداء وعلى تصييره صغيراً بعد أن كان كبيراً وعكسه، وظاهره أنه حقيقة فيهما وهو مخالف لكلام الزمخشري، والسكاكي وسنبينه لك إن شاء الله تعالى وقد أورد على ما فسره به المصنف إنّ فيه جمعا بين الحقيقة والمجاز وقد جوّزه بعضهم في المثنى والمجموع ورد بأنه من متناولات المعنى الوضعي فلا جمع فيه كما أشار إليه المصمنف رحمه الله وليس بشيء لأنهما معنيان متغايران كما ذكره النحاة في معاني أبنية الفعل، فان أفعل قد يكون للصيرورة كاغذ البعير إذا صار ذا غدة، وقد يكون لغيره فلا بد من أحد أمرين إمّا الجمع بين الحقيقة، والمجاز أو استعمال المشترك في معنييه وهما متقاربان منعا وجوازا فلا يصح ما ذكره المجيب، وقد قيل إنه من عموم المجاز بأن يراد بازماتة الصرف لا النقل وسيأتي تحقيقه، وبيان كونه وضعيا أوّلاً، وعليه فتقابل الحياة والموت تقابل السلب والإيجاب والمشهور إنه تقابل العدم والملكة، ويجوز على هذا كونه منه أيضا فمعنى كونه ميتا خلقه جنينا ميتا

ص: 360

من شأنه قبول الحياة. قوله: (سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل (وضيق فم الركية، وقد ذهب السكاكي تبعاً للزمخشري فيه كما بينه الشريف في شرح المفتاح بما حاصله أنه جعل السعة المجوّزة في المثال الثاني كالواقعة، ثم أمر بتغييرها فتجوز بالتضييق الموضوع لتغيير السعة المحققة عن تغيير السعة المقدرة، كما قيل وليس بشيء إذ لا يكون المثال حينئذ من قبيل التجوّز بالفعل عن الإرادة أصلا فلا يظهر كونه أبعد! ن اتجوّز في قرأت، وهو من المجاز المرسل كالاستعارة بالكناية فالحق أن يقال نزلت الإرادة المتوهمة المتعلقة بالسعة منزلة السعة فعبر عنها بالسعة لأنّ مآل هذه العبارة أعني ضيق إلى قولك غير السعة أعني غير إرادة السعة إلى إرادة عدمها، وبهذا ينكشف كونه أبعد من التعبير بالفعل عن إرادته المتحققة، وإلى ما ذكرنا أشار بقوله إنما الذي هناك هو مجرّد تجويزان يريد إظهار التوسعة أي هناك إرادة مجوّزة متوهمة ثم قال فتنزل مجوّز مراده وأراد به السعة مراداً بها إرادة السعة لا معناها الحقيقي كما توهمه ذلك القائل وبني عليه كلامه مع كونه معترفا بأنّ ضيق فم الركية من تنزيل إرادة

الشيء منزلة ذلك الشيء والتعبير بها عنه، وقد يقال إحداث الشيء ضيقا من توابع معنى التضييق أعني التغيير من السعة إلى الضيبئ فليستعمل اللفظ فيه مجازاً فإنه أقرب لما تكلفه المصنف انتهى (أقول) ذهب العلامة إلى أن الصانع إذا اختار أحد الجائزين، وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر فجعل صرفه عنه كنقله منه يعني أنه تجوز بالتفعيل الدال على التصيير، وهو النقل من حال إلى حال أخرى عن لازمه، وهو الصرف عما هو في حيز الإمكان ويتبعه جعل الممكن الذي يجوز إرادته بمنزلة الواقع وجعل أمره بإنشائه على الحال الثانية بمنزلة أمره بنقله عن غيرها، وتغييره بها ولذا جعله المحمق بمنزلة الاستعارة بالكناية فيكون مجازاً مرسلَا بالكناية، وهذا معنى قول السكاكي إذ الذي هنا هو مجرّد تجويز إن يريد إظهار التوسعة فتنزل مجوّز مراده منزلة الواقع، ثم تأمره بتغييره إلى الضيق واقتضاؤه سبق السعة من صريح التصيير، وهو النقل لا بحكم العقل كما زعمه السعد فليس في كلامه ما يعترض عليه غير هذا فإنه طبق المفصل ووفق بين كلام الشيخين، ولما فيه من الدقة حيث اعتبر الإرادة المجوّزة بطريق الإيماء والتبع كان أبعد من قرأت المتجوّز به عن الإرادة ابتداء ولا تجوز في أحد الإرادتين إذ ليس في الكلام ما يدل عليها بالوضع حتى يجعل التصرف فيه، وإنما جاء هذا بطريق الاستتباع فما ادّعى أنه التحقيق تعسف لا محصل له فتدبره فإنه من الحور المقصورات في خيام الأذهان. قوله:(وإن خص بالتصغير) يعني أن بعضهم زعم أن المجاز في هذا المثال إنما هو في قولهم صغر البعوض فإنه لم يكن كبيراً بخلاف الفيل فإنه من ابتداء كونه نطفة صغيرة إلى تكامل جثته انتقل من الصغر إلى الكبر لأن المراد به جثته المشاهدة، وهي لم تنقل من صغر إلى كبر وهذا بحث في المثال لا طائل تحته. قوله:(فاختيار الفاعل المختار أحد مقبوليه) الضمير للفاعل المختار أو هو للشيء والمقبول ما يقبله الشيء من الحالين، وقوله: تصيير وصرف له عن الآخر هو كلام مجمل لكنه غير صاف من الكدر فإن إطلاق الإماتة على عدم الحياة ابتداء إن كان حقيقة عنده، وكذا التصغير والتكبير إن كن حقيقة في إنشائه صغيراً أو كبيراً والتصيير فيه بمعنى الصرف ولو بدون نقل من حالة إلى أخرى فيكون مخالفا لكلام أهل المعاني فلا يخفى أنه مخالف للمعقول، والمنقول قال الراغب في مفرداته صار عبارة للتنقل من حال إلى حال واوفعال والتفعيل موضوع للتصيير وإن أراد التشبيه اًي اختياره كالتصيير، والمراد منه الصرف كما مرّ فيكون موافقا لما في الكشاف ففيه إجمال مخل ومن فسره به هنا نسي ما قدمت يداه من أنه من متناول المعنى الوضعي فتدبر. قوله:) الإحياءة الأولى وإحياءة البعث (فالإماتتان العدم للحياة الأصلي أو من حال النطفة إلى نفخ الروج فيه، والثانية المعروفة والإحياءة الأولى بنفخ الروح فيه أوّلاً، والثانية في النشور. قوله:) وقيل الإماتة الآولى عند انخرام الأجل (بالخاء المعجمة والراء المهملة أي عند انقطاع عمره ومدة

حياته والداعي لارتكابه ليكون الموت بمعناه المعروف المزيل للحياة، ومرضه لأنه مخالف لظاهر النصوص ولما يلزمه من إثبات إحيا آن ثلاثة، وهو كما في الكشاف خلاف ما في القرآن إلا أن يتمحل

ص: 361

فيجعل إحداها غير معتد به، أو يزعم أن الله يحييهم في القبور وتستمرّ بهم تلك الحياة فلا يموتون بعدها ويعدهم في المستثنين من الصعقة في قوله:{إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ} [سورة النمل، الآبة: 87] وفيه كلام مفصل في شروحه. قوله:) إذ المقصود اعترافهم بعد المعاينة (بالنون من العيان، وهو المشاهدة جواب عما ذكر آنفا مما يلزمه من أنه مخالف لما في القرآن هنا لأنّ الإحيا آت تكون ثلاثة بتسليمه من غير احتياج لما ذكر من التمحل لأن الحياة الأولى معلومة لا فائدة في ذكرها، وإنما الكلام في إحيائهم في قبورهم، وبعثهم ونشورهم فإنهما منكرتان عندهم فإذا عاينوا ذلك تم عليهم البهت فنعوا غفلتهم، ويكترثوا بمعنى ينالوا ويعتدوا وأمّا ضبط بعضهم للمعاتبة بالمثناة الفوقية من العتاب، والمراد به مقت الله لهم فركيك لأنّ مثله لا يسمى عتابا، والمفاعلة فيه غير واضحة، وقوله بما الخ متعلق باعترافهم. قوله:) ولذلك تسبب بقوله الخ (أي لأجل أن المقصود من قوله: {أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [سورة النمل، الآية: 87، اعترافهم بالأحياءين اللذين غفلوا عنهما تسبب هذا القول بقونه: فاعترفنا فصدر بالفاء الدالة على تسببه لأنهم لما أنكروا ما في البرزخ والمعاد من الجزاء دعاهم ذلك إلى ارتكاب المعاصي لأنّ من لم يخش العاقبة لم يحترز من الجناية التي تخشى عاقبتها، والمقصود بيان وجه التسبب وأن اعترافهم بالذنوب اعتراف منهم بما إنكاره سبب لها وهو البعث. قوله: (نوع خروج من النار (أي سواء كان بطيئا أو سريعا أو من مكان فيها إلى آخر أو إلى الدنيا أو غيرها وقوله: فيسلكه بالنصب في جواب الاستفهام، وقوله: من فرط قنوطهم أي إياسهم فإن مثل هذا التركيب يستعمل عند اليأس وليس المقصود به الاستفهام وإنما قالوه من حيرتهم ليتعللوا أو يتلهوا به والتعلك الاشتغال بما يلهى، وقوله: ولذلك أي لكون ما ذكر نشأ من اليأس والحيرة أجيبوا بذكر ما أوقعهم في الهلاك من غير جواب عن الخروج نفيا، وإثباتا ولو كان الاستفهام على ظاهره كقوله: {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا} [سورة السجدة، الآية: 12] ونحوه لقيل اخسؤوا فيها ونحوه وكونه تأنيسا لهم ببيان أنهم لما استمروا على الشرك جوزوا باستمرار العط ب كما يقتضيه حكمه تعالى خلاف الظاهر، وتبادر ما ذكر كاف للمراد فتدبر. قوله:) متحداً أو توحد وحده) أي هو منصوب على الحال بمعنى متحداً أي منفرداً في ذاته وصفاته أو على أنه مفعول مطلق لفعل مقدر على حد أنبتكم من الأرض نباتاً والجملة بتمامها حال أيضاً حذفت، وأقيم

المصدر مقامها وعلى الوجه الأوّل هو حال ابتداء مؤول بمشتق منكر لأن الحال لا تكون معرفة إلا مؤولة بنكرة وفيه كلام آخر مفصل في محله. قوله: (كفرتم بالتوحيد (فالكفر هنا بمعنى الجحد والإنكار، لقوله في مقابله تؤمنوا بالإشراك أي تذعنوا وتقربوا به وفسر الله بالمستحق للعبادة لاقتضاء المقام له أيضا، وقوله: حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد الدائم وقع ذكره هنا في بعض النسخ وأسقط من بعضها، وهو الظاهر لتكرّره مع ما بعد. فالظاهر الاكتفاء بأحدهما وان كانت موجهة أيضا كما لا يخفى، وكون العذاب سرمدا مستفاد من عدم السبيل إلى الخروج. قوله: (الدالة على التوحيد (فالآيات ما يشاهد من آثار قدرته:

وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد

وقوله: أسباب رزق فهو بتقدير مضاف فيه أو بالتجوّز، وقوله مراعاة لمعاشكم إشارة إلى مناسبته لما عطف عليه وإنهما للامتنان عليهم بأنه نظم لهم أمور دينهم ودنياهم، وقوله التي هي كالمركوزة أي الثابتة في العقول دفع لما يتوهم من أن التذكر يقتضي إنها معلومة لهم لكنهم غفلوا عنها، وليس جميع الخلق كذلك بأن آيات قدرته ظاهرة حقها أن تعلم بمقتضى لفطرة السليمة فجعلت لظهورها بمنزلة المعلوم الذي غفلوا عنه وقيل التذكر هنا بمعنى التفكو من غير حاجة للتأويل، وقوله: المغفول عنها صفة أخرى للآيات لا خبر للمبتدأ كما لا يخفى، وقوله: لظهورها علة لكونها كالمركوزة في العقول متعلق بمقدر ويجوز كونه خبر مبتدأ مقدر أي وذلك لظهورها ولا وجه لجعله متعلقا بالكاف، لأن حرف الجر لا يتعلق به جار آخر. قوله:) فإن الجازم) تعليل للحصر، وقوله: من الشرك متعلق بمخلصين، وقوله: إخلاصكم تقديره بمقتضى لو الوصلية وخطاب ادعوا للمنيبين أو للناس، وقوله: خبران آخران أي هما خبران لقوله: هو بعد ما أخبر عنه بالذي الخ، وقوله: للدلالة على علو ضمديته الصمدية كونه

محتاجا إليه مقصوداً لما عداه وسيادته

ص: 362

وهو بيان لفائدة الأخبار به مع البعد، ولذا قيل إنهما مبتدأ وخبر أو خبراً مبتدأ مقدر، وقوله من حيث الخ متعلق بقوله: علو أو بالدلالة، وهو الأظهر وقيل هو متعلق بصمديته والمعقول من رفعة الدرجات فإنها درجات الكمال المعنوية والمحسوس من العرش، والدال صفة علو وقوله لا يظهر دونها كمال أي لا يظهر كمال بدونها أي إلا وهو منها كما يقال: فلان لا يفصل حكم دونه، وقيل معناه إنه ليس وراءها كمال والمراد نفي كمال غيره وقيل دونها بمعنى عندها أي كمالات غيره عنده كالعدم، والأوّل أظهر، وقوله فإنّ بيان لوجه الدلالة وفي نسخة بالواو عطف تفسرفي على تفزده. قوله:) وقيل الدرجات مراتب المخلوقات (فالرفيع بمعنى الرافع وكذا في الوجوه التي بعده. قوله: اللدلالة على ان الروحانيات الخ) قال السيوطي في رسالة الحبائك في الملائك الروحانية بفتح الراء من الروج وقيل إنه بالضم والفتح مطلق الملائكة وقيل ملائكة الرحمة، وبالأوّل فسره أرباب الحواشي هنا، وقوله: مسخرات لأمره أي منقادة لأمره، وقوله: بإظهار آثارها وفي نسخة آثاره وفي أخرى أثره متعلق بالدلالة أي آثار الملائكة وعلى التذكير المراد أثر التسخير والمعنى إنا يستدل بنزولها بالوحي على كونها مسخرة فإن الوحي، وإن كان بواسطة بعضها لكن لا فرق بين بعض ويعض منها فيه، وقيل هو متعلق بأمره، وقوله وهو ال! حي الضمير للآثار وروعي فيه حال الخبر أو للأثر الذي في ضمنها. قوله: (وتمهيد للنبوّة الخ (أي هذا الخبر الرابع بيان لأمر النبوّة بعد ذكر ما يقرر وحدانيته بذكر آياته الدالة على ذلك بقوله الذي يريكم الخ، وقوله الروح للوحي لأنه به الحياة الأبدية المعنوية كما إن بالروج الحياة الحسية فهو استعارة، وقيل إنه جبريل ويلقى بمعنى ينزل ومن أمره بمعنى من أجل تبليغ أمره وقوله مبدؤه فمن ابتدائية وهو معطوف على قوله بيانه إذ معناه أن من بيانية لا على الوحي كما قيل فإنه وإن صح مع ركاكته أقل مفاداً، وقوله والأمر هو الملك يعني إذا كانت من ابتدائية لأن الوحي لتلقيه عنه يكون مبدأ له، وقوله وفيه أي في قوله:{عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} دليل على أنّ النبوّة عطائية وموهبة الهية من غير اشتراط أمر آخر كتصفية الباطن وغيره مما ذهب إليه الحكماء وهذا لا يخالف كلامه في سورة الأنعام كما توهم. قوله: (غاية للإلقاء لخ (أى علة غائية مرتبة عليه والمستكن بالتشديد استفعال من الكت بمعنى الاستتار، ويجوز فيه عوده على الأمر أيضا وقوله: واللام مع

القرب يؤيد الثاني أمّا القرب فظاهر لأنه أقرب مما عداه فيكون عوده عليه أظهر وأرجح، وأمّا ترجيح اللام فالظاهر أنه لأمر معنوي لا صنافي، وهو أن المنذر في الحقيقة للناس هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأمّا الله فبواسطة من بلغ عنه وجعل الوحي منذراً مجاز وكذلك السياق يقتضي إن ذكر الملقى عليه إنما هو للتبليغ عنه، وما قيل إنّ تأييدها بالنسبة إلى الأوّل لأنه لو عاد الضمير على الله لم يحتج إلى اللام لاتحاد فاعل الإنذار والفعل المعلل فمع ضعفه فيه أنّ الح! سرط الثاني مفقود وانّ هذا ليس باسم صريح حتى ينص وفي قوله تتلاقى الأرواح والأجساد نظر يدفعه التأويل الصادق ويوم التلاف ظرف أو مفعول لينذر ويوم هم الخ بدل من يوم التلاق، وفيه وجوه أخر. قوله:(ظاهرون لا يسترهم شيء الخ) إن عمّ الثياب والبناء وكل حائل ققوله بعده ظاهرة نفوسهم الخ المراد بالنفوس فيه الأرواح بناء على عدم تجرّد النفسى، وإنها جسم لطيف فغواشي الأبدان استعارة أو من إضافة الصفة للموصوف على أن الغواشي هي الأبدان نفسها، وأمّ ما قيل من أن المراد بالنفس الحملة، والغواشي الثياب فقيل عليه: إنه مع أنه تكلف عين ما قبله فلا ينبغي عطفه باو وحمله الستر في الأول على ستر البناء، وهذا على ستر الثياب تخصيص من غير مخصص، ولا يرد عليه إنه إنكار للحشر الجسماني لأن المراد بعدم حجب غواشي الأبدان أنها مع تعلقها بالبدن لا تسترها كما في الدنيا لا إنها تنفصل عنه فتدبر. قوله:(وإزاحة لنحو ما يتوهم في الدنيا) أي لما كانوا يتوهمون في الدنيا من أنهم إذا استتروا بالحيطان، والحجب إن الله لا يراهم لحماقتها وجهلهم كما في الكشاف، وقوله: حكاية كأنه يعني أنّ فيه قولاً مقدراً أي ويقال لمن الملك وفي القائل، والمجيب هل هو الله أو الملائكة مع أحتمال الاتحاد فيهما والمغايرة احتمالات. قوله:(نتيجة الخ) أراد بالنتيجة معناها اللغوي لأنه يفهم من تفرّد الملك القهار، وعدم خفاء شيء عليه، واجتماعهم

ص: 363

فيه أن يجازي كلا بما يستحقه. قوله: (وتحقيقه أن النفوس الخ) هذا على طريق الصوفية، والحكم التألهين من أصحاب الكشف، وتصفية البواطن بالرياضة من كدر الطبيعة والهيولي المشاهدين للأرواح المفارقة للأبدان، وصور أعمالها وان لذتها وألمها هو الألم، واللذة ومن توهمه إنكاراً للحشر الجسماني أو قال المراد بالنفس الجملة لم يصب:

وإذالم ترالهلال فسلم لا ناس رأوه بالأبصار

قوله: (بنقص الثواب الخ (لو وقع لم يكن ظلما عندنا وإنما سمي بمقتضى أنه وعد منه

وهو لا يخلف الميعاد أو لأنه على صورة الظلم ومثله تخليد المؤمن وادخال الكافر الجنة، وقوله فيصل إليهم ما يستحقونه سريعاً إشارة إلى أن سرعة الحساب يلزمها سرعة، وصول العقاب وهو المراد ليكون تعليلا وتذييلاً لما قبله. قوله:(لأزوفها) أي قربها بالإضافة لما مضى من مدّة الدنيا أو لما بقي فإنّ كل آت قريب وعلى هذا فهو اسم ليوم القيامة منقول من اسم الفاعل، أو هو باق على وصفيته وهو صفة لموصوف مقدر تقديره الخطة الآزفة والخطة بضم الخاء المعجمة مع تشديد الطاء المهملة، وبعدها هاء تأنيث ومعناه الأمر والقصة، والمراد به ما يقع يوم القيامة من الأمور الصعبة التي من حقها أن تخط وتكتب لغرابتها، والمراد باليوم الوقت مطلقا أو هو يوم القيامة. قوله:(وهي مشارفتهم النار) تحقيق لمعنى الأزوف فيه لأنهم بعد تلك الأهوال يدخلون النار، وقوله: وقيل الموت فالمراد بالخطة ما يقع لهم من وقائع الدنيا قيل، ولا يلزم فيه التكرار وهو أنسب بما بعده. قوله:(فلا تعود (أي إلى مقرّها فيتروحوا أي فيحصل لهم روح بالفتح أي راحة بالتنفس وهو كما قيل كناية عن فرط تألمهم أو كناية عن شدة خوفهم كما مرّ في سورة الأحزاب ولا منافاة بينهما، وقوله: {إِذِ الْقُلُوبُ} بدل من يوم والحناجر جمع حنجرة أو حنجور كحلقوم لفظا ومعنى، وهي كما قال الراغب رأس الغلصمة من خارج، والغلمة لحها بين الرأس والعنق وبما مر من أنه كناية عن فرط التألم أو شذة الخوف سقط ما قيل على قوله ولا تخرج فيستريحوا من أنه لا يناسب ثفسير الآزفة بالموت، وأنّ فيه إشارة إلى ترجيح الوجهين الأوّلين. قوله: (كاظمين على الغم) من الكظم وهو كما قال الراغب مخرج النفس يقال أخذ بكظمه، والكظم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت وكظم الغيظ حبسه، والتوقف عما يدعو إليه أو معناه أنهم متوقفون عن كل شيء كالمغمى عليه فقوله: كاظمين على الغيظ معناه ساكتين عليه ففيه استعارة تصريحية في كاظمين أو مجاز مرسل أو هو بمعنى مغمومين ففيه استعارة مكنية، وتخييلية إذ شبه ما في نفسه من الغم بماء ملأ قربة وإثبات الكظم له تحييل والغم بالغين المعجمة معروف، ويحتمل أن يكون بالفاء والمعنى أنهم ممسكون على الأفواه لئلا تخرج قلوبهم مع أنفاسهم ففيه مبالغة عظيمة كما أشار إليه في الكشف لكن الظاهر الأوّل رواية ودراية. قوله: (حال من أصحاب القلوب الخ (أي حملا على المعنى إذ المعنى قلوبهم أو حناجرهم، ثم جعلت الألف واللام عوضاً عن الضمير المضاف

إليه، ولا يرد أنه حال من المضاف إليه والنحاة أبوه لأنه يجوز في ثلاث صور إذا كان المضاف عاملا أو جزأ له أو كجزء، وهذا من القسم الثاني والعامل فيه الظرف أو متعلقه وفي نسخة لأنه على الإضافة أي على نية الإضافة كما عرفته. قوله:(أو منها (أي من الضمير المستتر في الخبر، وهو لدى الحناجر وجمع جمع العقلاء لتزيلها منزلتهم لوصفها بصفة العقلاء، وهذا في الوجهين الأخيرين ففيه استعارة مكنية وتخييلية، والوجه الثاني أولى لأن في الأوّل مجيء الحال من المبتدأ، وهو ممنوع أو ضعيف وإسناد الكظم إلى القلوب مجازي وفيه وجه آخر ذكره في تفسير تلك الآية، وقد قيل إنها جمعت جمع العقلاء باعتبار أصحابها وفيه نظر. قوله:) على أنه حال مقدّرة (قيل أي مقدّراً كظمهم على صيغة المفعول إذ لا تقديره من المنذرين وقت الإنذار، وفي الكشاف أي أنذرهم مقدرين وفيه نظر يعني أنهم لم يقع منهم ذلك التقدير أصلأ، وهو ساقط لأنه يجوز أن يكون بصيغة المفعول، كما يجوز في الأوّل أن يكون بصيغة الفاعل مع أنه لا مانع من تقديرهم تقديرا وفيه وجه آخر، وهو أن كاظمين بمعنى مشارفين الكظم فتدبر. قوله:) قريب مشفق (القرب إما من جهة النسب، وهو

ص: 364

الظاهر أو من جهة الصداقة فيكون بمعنى محب مشفق كما في الكشاف لكن الأوّل هو المصرّج به في كتب اللغة، وهو أوفق بعموم شفيع بعده وقد سبق في الشعراء إنه من الاحتمام بمعنى الاهتمام فهو الذي يهمه ما يهمك، أو هو من الهامة بمعنى الصديق الخاص بك فيناسب الثاني.

قوله:) شفيع مشفع (فيطاع بمعنى مشفع والظاهر أنه حقيقة، وقيل إنه مجاز لأن المطاع كالآمر يكون أعلى ممن أطاعه، وفيه نظر والمراد به نفي الصفة والموصوف، وهو من باب: ولا ترى الضب بها ينحجر

فهو نفي له بدليل لأن من شأن الشفيع أن يشفع ولأن نفي الموصوف يدل على نفي الصفة، وفي مثله وجوه قد سبق تحقيقها في سورة البقرة. قوله:(والضمائر الخ (يعني المذكورة من قوله وأنذرهم إلى هنا، ويجوز أن تكون عامّة لهم ولغيرهم وعلى الأوّل مقتضى الظاهر مالهم من شفيع الخ، وقوله: للدلالة على اختصاص ذلك أي الإنذار وبلوغ قلوبهم الحناجر والاختصاص من اختصاص العلة، وهي الظلم بهم وأعظمه الكفر واحتمال كون الضمير لمشركي هذه الأمّة وغيرهم لا شفيع لهم أيضا فلا يتجه الاختصاص كما قيل: مبني على أن الشرك عظيم، والمطلق ينصرف لفرده الكامل ويؤيده كون السياق لهم وفيه بحث. قوله: (النظرة الخائنة) فهو صفة لموصوف مقدر هو النظرة لا العين أو الأعين لأنه لا يناسبه ما

عطف عليه لأنّ مقتضى الظاهر أن يقال والصدور المخفي ما فيها وقوله: كالنظرة الثانية، لا الأولى لأنها معفوّ عنها وأبى بالكاف إشارة إلى عدم اختصاصه بما ذكر وجعلها خائنة استعارة مصرّحة، أو إسناد مجازي أو مكنية وتخييلية بجعل النظر بمنزلة شيء يسرق من المنظور إليه ولذا عبر فيه بالاستراق. قوله:(أو خيانة الأعين) على أنّ خائنة مصدر بوزن فاعلة كالكاذبة بمعنى الكذب وهو قليل في بابه ولذا أخره، ومن الضمائر وهي ما يخفيه الإنسان في نفسه وقلبه بيان لما وفيه إشارة إلى أنها موصولة ويجوز كونها مصدرية فيناسب الثاني، وقوله: خبر خامس أي لهو في قوله: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} [سورة غافر، الآبة: 13] وهو وان كان بعيداً لفظا قريب معنى لارتباطه ما بعده به كما فصله شراح الكشاف. قوله: (للدلالة على أنه ما من خفي الخ) كونه متعلق العلم من صريحه، وأما الجزاء فلأنّ علمه تعالى بالأمور كناية عن مجازاته عليها كما مرّ مراراً وليس هذا تعليلاً لسكونه خبراً خامسا بل لما تضمته من ذكره بعدما تقدم من قوله لا يخفى على الله منهم شيء فلا يرد عليه أن الأولى أن يقول لاتصاله به وقد يجعل تعليلاً له إذ معناه المقصود منه عموم الجزاء فيفيد غير ما سبق وتتضح خبريته فافهم. قوله:(فلا يقضي بشيء إلا وهو حقه) يعني أنه يفيد الحصر كما قال الزمخشري يعني والذي هذه صفاته وأحواله لا يقضي إلا بالحق والعدل لاستغنائه عن الظلم، وهو مستفاد من ذكر القيد على وجه الملابسة كأنه قيل يقضي قضاء ملتبسا بالحق لا بالباطل وأما البناء على المبتدأ فلا يفيده وإنما هو للتقوى كما تقدم. قوله:) تهكم بهم (لا مشاكلة وأصله لا يقدرون على شيء لأنّ التهكم أبلغ لأنه ليس المقصود الاستدلال على عدم صلاحيتهم للإلهية، وقوله: أو لا يقضي دفع لسؤال وهو أنه إذا كان تهكما يكون مجازاً ولا حاجة إلى ارتكاب التجوّز في النفي لتصوّر حقيقته لأنه إنما ينتفي الشيء عما يصح صدوره منه وبهذا الاعتبار يكون مجازاً كما مرّ تحقيقه في قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي} [سورة البقرة، الآية: 26] وقوله: وقرأ نافع هو رواية عنه، وقوله: أو إضمار قل فلا يكون التفاتا وإن عبر عنه بالغيبة قبله لأنه ليس على خلاف مقتضى الظاهر إذ هو ابتداء كلام مبني على خطابهم. قوله: (تقرير لعلم الخ (الأوّل من قوله البصير، والثاني من قوله السميع فهو لف ونشر مشوّش، وقوله: يقولون ويفعلون مرتب ووجه الوعيد أن اطلاعه على أعمالهم يشعر بجزائه عليها وما يدعونه من دون الله الجمادات المعبودة فإنها لا سمع لها ولا بصر واستنبط منه عدم صحة قضاء الأصم والأعمى. قوله:) فينظروا (

مجزوم لعطفه على المجزوم أو منصوب في جواب النفي، وفيه نظر لأنه لا يصح تقديره إن لم يسيروا ينظروا فإمّا أن يجعل الاستفهام استبطائيّ إنكاري في معنى النفي، وهو جواب نفي النفي والمعنى هلا يسيروا فينظروا فإنّ منهم من لم يسر فغلب على غيره فتأمّل. قوله:) مآل حال الخ) هو تفسير للعاقبة، وقوله: وإنما جيء بالفصل أي ضمير الفصل، وهو هم إن لم يجعل تأكيداً لضمير كانوا ولم يذكره لعدم احتياجه للتوجيه مع ظهوره، وقوله: وحقه أن يقع بين معرفتين يعني أنه وصل الأكثر فيه فلا ينافي

ص: 365

تجويز الجرجاني وقوع المضارع بعده كما في قوله: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [سورة اد بروج، الآية: 13] وقوله: لمضارعة أفعل من أي أفعل التفضيل الواقع بعده من الداخلة على المفضل عليه، والمضارعة بمعنى المشابهة لفظا في عدم دخول أل عليه ومعنى لأنّ المراد به الأفضل باعتبار أفضلية معناه فلا يرد زيد هو على رحل فإنه لأمر لفظيّ، وقراءة أشد منكم على الالتفات وجملة كانوا الخ مستاً نفة في جواب كيف سارت أمورهم. قوله: (وقيل المعنى الخ الم يرتضه للتأويل من غير حاجة له لعطفه على قوّة وإنما قدر أكثر لأنّ مثله لا يوصف بالشدّة، وهو غير مسلم وعلى هذا فهو معطوف على أشد وأوّل هذا:

يا ليت زوجك في الوغى

قوله تعالى:) {وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} ) كان هنا للاستمرار أي ليس لهم واق أبداً

وقد سبق في الرعد ما لهم من الله من واق ومن الأولى متعلقة بواق قدمت للاهتمام والفاصلة لأنّ اسم الله قيل إنه لم يقع مقطعا للفواصل، والثانية زائدة، وقيل الأولى للبدلية أي ما كان لهم بدلاً من المتصف بصفات الكمال، وهم الشركاء أو هي ابتدائية لأنه إذا لم يكن لهم منه واقية فليس لهم باقية، وقوله: يمنع الخ تفسير لواق لأنه من الوقاية وهي القطع والمنع. قوله: (بالمعجزات الخ الا مانع من إرادتهما معاً، وقوله: لا يؤبه أي لا يعتذ به فإنه كلا عقاب إذا قيس إليه، وقوله والعطف الخ يعني إن كات المراد بهما واحداً نزل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين فعطف الثاني على الأوّل، أو المراد بالسلطان المبين بعض من معجزاته عطف عليه

تعظيما له كما عطف جبريل عليه الصلاة والسلام على الملائكة، ولا يخفى أنّ مثله إنما يكون إذا عين الثاني بعلم أو نحوه أما مع إبهامه ففيه نظر، وقوله يعنون موسى عليه الصلاة والسلام الخ إذ التقدير هو ساحر الخ. قوله:(وبيان لعاقبة الخ (توجيه لتخصيص فرعون بالذكر هنا بأنه لأشدية طغيانه وقرب زمانه ولا بعد في كونه أ! ثحد من عاد كما توهم، وقوله: أي أعيدوا الخ إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنّ هذا إنما وقع إذ ولد موسى عليه الصلاة والسلام وخوّف فرعون بمولود يسلبه ملكه بأنّ ذلك وقع منه مرّتين أوّلاً لينجو منه، وثانيا بعد ظهوره ليصذ الناس عن اتباعه، وقد قيل إنّ قارون لم يصدر عنه مثل هذه المقالة لكنهم غلبوا عليه هنا، وقوله في ضلال من ضلت الدابة إذا ضاعت كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: التعميم الحكم! لكل كافر، والتعليق بالمشتق يدل على أنّ المشتق منه علة للحكم كما لا يخفى، وقوله: يكفونه بتشديد الفاء أي يمنعونه، وقوله: تخافه أي تخاف منه القتل وسلب الملك كما أخبره الكهان به، وقوله: وتعلله بذلك أي اشتغاله عن قتله بما قالوه له في الكف عنه مع أنه جبار لا يبالي بإراقة الدماء خصوصاً إذا خشي من غائلة وقوله: فخاف من قتله أي خاف أي يهلكه الله ويعجل عقوبته وأنه لا يتيسر له ذلك فيفتضح، دمانما أظهر أن امتناعه لقولهم في سيب الكف عنه تعللا به وتلبيسا على غيره. قوله: (ويؤيده قوله الخ) قيل هو ناظر لقوله وظن الخ لأنه لا يناسب تيقنه التجلد وعدم مبالاته بدعاء ربه لأنه لو خاف قتله لم يتجلد، وقيل إنه ناظر لقوله تيقن أنه نبي ولا يخفى إنه لا يلائم ما بعده من عدم المبالاة إلا أن يراد به إنه كان يظهر ذلك، وفي قلبه وباطنه ما يخالفه وهو الذي أراده المصنف كما يشهد به تعريفه بقوله فإنه الخ لكن كان الأحسن أن يقول تجلد بإظهار عدم مبالاته بدعائه. قوله:(من عبادته) وفي نسخة من عبادتي

وهي أظهر والأولى حكاية بالمعنى وقوله: عبادة الأصنام لقوله الخ لأنهم كانوا يعبدون فرعون إذا حضروا عنده فإذا غابوا عبدوا أصناماً يقولون إنها تقرّبهم إليه كما قالته المشركون كما صزج به المفسرون فلا يقال إنهم كيف عبدوا الأصنام وأقرّهم على ذلك مع ادّعائه الربوبية، وقوله: التحارب تفاعل من الحرب والتهارج بمعناه لأنه من الهرج وهو القتال، وقوله: بفتح الياء والهاء أي من يظهر. قوله: (أي لقومه لما سمع كلامه الخ) جعل المقول له قومه لقوله وربكم فإنّ فرعون ومن معه لا يعتقدون ربوبيته إلا أن يراد أنه كذلك في نفس الأمر ومما يؤنسه إنه مز في سورة الأعراف: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ} [سورة الأعراف، الآية: 128] وإن لم يكن ذلك في مقابلة قول فرعون فإنه ليس بدليل قطعي، وأما قوله كل متكبر فلا دلالة له على ما ذكر كما توهم. قوله: (وإشعارا الخ (ضمنه معنى التنبيه والدلالة فلذا عداه بعلى، وقوله: دفع الشرّ إشارة إلى أنّ قوله من كل متكبر بمعنى من شرّ كل متكبر إفا بتقدير مضاف أو بفهمه من السياق، والتأكيد من تصديره بأنّ والحفظ من لوازم التربية فلذا ضمه

ص: 366

إليه. قوله: الما في تظاهر الآرواح من استجلاب الإجابة) وهذا هو الحكمة في مشروعية الجماعة في العبادات كما قاله الإمام فإن قلت لا ذكر للأرواح في النظم فمن أين أخذ تظاهر الأرواح أي تعاونها في استجلاب الإجابة أي تحصيلها قلت: العياذ بمعنى الالتجاء والالتجاء هو الدخول في جوار من يلتجئ الناس إليه، والتمسك بأذيال عصمته والدخول في حرم حمايته، ولما كان ذلك في الناس بالقرب الحسي، وهو غير متصوّر هنا كان معناه أن يتوجه العبد لمولاه حتى كأنه واقف عنده يراه، وذلك إنما يكون بتوجه وجوه الأرواح وخلع أردية الأشباج، وترك الظاهر لمرجع الضمائر:

وحيثماكنت في مكان فلي إلى وجهك التفات

قوله: (يعمه وغيره) عموما بدليا لا شمولياً لأنه نكرة في الإثبات فلذا أتى بكل ليدل على العموم الشمولي فليس لتأكيد التعميم كما قيل، وقوله: ورعاية الحق أي حق فرعون الذي كان عليه إذ رباه صغيراً فلذا لم يواجهه بالاستعاذة منه كما قاله الإمام وهذا راجع لقوله لم يسم الغ

ففيه لف ونشر مشوش ولولا تصريح الإمام بما ذكر لجاز حمله على أنّ المراد بالحق مقابل الباطل بمعنى أنّ الحق أن لا يستعاذ من ذات أحد ما لم يكن متصفاً بالصفات الذميمة من التكبر، وعدم خوف الله وعقابه لأنّ من لا يقول بالجزاء يتجرأ على الظلم والقتل، وهذا هو الحامل له على الاستعادة منه، وقيل المراد بالحامل الخ الحامل لفرعون فإن سبب قوله أقتل موسى تكبره والأوّل أظهر وأنسب، والإدغام هنا إدغام الذال المعجمة في التاء بعد قلبها تاء. قوله:(وقيل من متعلق بقوله يكتم الخ) ذكروا فيه وجهين أحدهما أنه مستقرّ صفة لرجل، وقدم فيه الوصف بالمفرد على الوصف بالجملة والثاني أنه متعلق بيكتم، وقد قيل عليه إنه لا يتعدى بمن بل بنفسه كقوله تعالى:{وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا} [سورة النساء، الآية؟ 42] وقول الثاعر: كتمتك همابالجمومين ساهرا وهمين همامستكنافظاهرا

وأيضا لا وجه لتقديمه، ولذا لم يرتضه المصنف رحمه الله كما قيل وأيضا ورد في الحديث " الصديقون ثلاث حبيب: النجار مؤمن آل ياسين، ومؤمن آلى فرعون وعلني بن أبي طالب كرم الله وجهه " وهو يعين الاحتمال الأول (أقول) هذا كله غير وارد أتا الأول فلأنه ورد تعدّي كتم بنفسه وبمن كما نقله أهل اللغة قال في المصباج كتم من باب قتل يتعدى إلى مفعولين ويجوز زيادة من في المفعول الأول فيقال كتمت من زيد الحديث كما يقال بعته الدار وبعتها منه، ومنه عند بعضهم وقال رجل مؤمن من آل فرعون الخ وهو على التقديم والتأخير والأصل يكتم من آل فرعون إيمانه وهذا القائل يقول الرجل ليس منهم انتهى، وعليه مشى صاحب التلخيص ووجه تقديمه هنا التخصيص لأنه إنما كتم إيمانه عن آل فرعون دون موسى ومن اتبعه، وأما ما ذكر من الأثر فعلى فرض صحته الإضافة لأدنى ملابسة لوقوع إيمانه بين أظهرهم مع اتباعه لهم ظاهراً. قوله:(والرجل إسرائيلي) أي على الوجه الثاني، وقد كان على الأول عد من أقاربه لأنه قيل إنه ابن عمه وتأخير الثاني للإشارة إلى ترجيح الأول كما في الكشاف ولأنّ بني إسرائيل لم يقلوا، ولذا قال فرعون: أبناء الذين آمنوا معه، وقوله: ينصرنا وجاءنا ظاهر في إنه يتنصح لقومه، وقوله ظاهر صريح في احتمال غيره فإنه لا ينكر فاحتمال كون شرذمة قليلة من بني إسرائيل أظهروا أتباعهم فعدوا من زمرتهم لأغراض لهم لا يضر الظهور كما توهم، وقوله: كان ينافقهم بإظهار أنه على دينهم وهو تقية منهم، وهذا ناظر لكونه إسرائيلياً أو غريبا. قوله:(أثقصدون قتله) فهو مجاز ذكر فيه المسبب وأريد السبب، وكون الإنكار لا يقتضي الوقوع لا يصححه من غير تجوّز كما قيل وقوله: لأن يقول فقبله حرف جر مقدّر وهو يطرد حذفه مع أنّ وان، وقوله وقت أن يقول ففيه مضاف مقدّر وبعد حذفه انتصب

المضاف إليه على الظرفية لقيامه مقامه، وأمّا كون القائم مقام الظرف لا يكون إلا المصدر الصريح أو ما كان بما الدوامية كما قاله أبو حيان: فغير مسلم لأن ابن جنى والزمخشري صرحا بجوازه وهو كاف في صحته وسقوط الاعتراض عنه. قوله: (من غير روية وتأمل في أمره) يعني أنهم لم يفكروا في عاقبة أمرهم إذا قتلوه، ولم يؤمنوا بما جاء به من البينات أو من غير تتفكر فيما جاء به فإنه جاءكم بما هو ظاهر الحقية فلا ينافي قوله:{وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ}

[سورة غافر، الآية: 28، كما قيل وكون المعنى على التشبيه تعسف. قوله:) ربي الله وحده (توطئة للحصر لأنّ المعنى لا رب لي إلا الله وإنّ الإيضافة فيه للجنس لأنها تأتي لمعاني اللام فإذا حمل

ص: 367

فرد معين على الجنس أفاد القصر بخلاف العكس كزيد صديقي فإنّ المحمول يكون أعم، ولولا ذلك لم يتم المراد لأنّ الإضافة العهدية تكون لحمل جزئي على جزئي فلا بد من إفادة الاتحاد لكنه غير مناسب هنا، ومثله لا يسمى قصرا اصطلاحا كما قرره أهل المعاني في زيد أخوك وعكسه. قوله:(المتكثرة) إشارة إلى أنّ جمع المؤنث السالم وإن كان للقلة إذا دخلت عليه أل يفيد الكثرة بمعونة المقام، وقوله: على صدقه متعلق بالبينات لأنها بمعنى الشواهد وجملة وقد جاءكم الخ حالية من الفاعل أو المفعول، والمراد بالاستدلالات ما مز في الشعراء مما ذكره من أدلة التوحيد، وهي غير المعجزات. قوله:) احتجاجا عليهم (أراد أنه بعدما ذكرهم بالأدلة البينة على كونه ربهم وإنه لا بد لهم من رب أضحافه لهم ليحتج عليهم فليس الاحتجاج بمجرّد الإضافة حتى يقال هو غير صحيح لأنهم لا يعترفون بأنه ربهم فكيف يحتج عليهم بمجرّد الإضافة. قوله: (ثم أخذ بالاحتجاج الخ (يعني إنه خاف فرعون لما قدمه أن يعرف حقيقة إيمانه فيبطش به فذكر احتياطا الاحتجاج المذكور على سبيل الإنصاف احتياطا لأمره ونفسه فلا يرد أن كلامه يشعر بأنه لا احتجاج فيما قبله، وقوله: لا يتخطاه الخ الحصر من تقديم الخبر عليه. قوله: (مبالغة في التحذير (لأنه إذا حذرهم من بعضه أفاد أنه مهلك مخوّف فما بال كله والإنصاف بنصحه لهم وعدم الجزم بكل ما وعد به وهذا توجيه لذكر البعض دون الكل مع أن ما أخبر به النبي الصادق لا يتخلف أو الوعيد دنيوي، وأخروي والمراد ببعضه العذاب الدنيوي. قوله: (وتفسير البعض بالكل) المنقول عن أبي عبيدة استدلالأ

بالبيت المذكور لأنّ المراد ببعض النفوس النفوس جميعها إذ لا يسلم من الموت أحد. قوله: (تراك الخ) هو بيت من معلقة لبيد المشهورة، وتراك فعال للمبالغة في الترك والأمكنة جمع مكان، وقوله: أو يرتبط بمعنى إلى أن يرتبط أو إلا أن وسكن للتخفيف أو هو معطوف على المجزوم والارتباط هنا مجاز عن المنع والعوق، والحمام بكسر الحاء المهملة الموت والمعنى إنه ترك كل مكان لا يرتضيه بالرحلة عنه إلا أن يمنعه الموت عن الارتحال كما قيل:

إذا كرهت منزلا فدونك التحوّلا

وإن جفاك صاحب فكن به مستبدلا

ومحصل الرد أن المراد ببعض النفوس نفسه هو لا معنى الكل إذ المراد إلا أن أموت أنا فالبعض على ظاهره واذا كان بمعنى الكل فالمعنى لا أزال أنتقل في البلاد إلى أن لا يبقى أحد أقصده من العباد. قوله: (احتجاج ثالث ذو وجهين) وفي نسخة بحجة ذات وجهين وهما واضحتان وهي جملة مستأنفة، وامّا متعلقة بالشرطية الأولى أو بالثانية أو بهما والإسراف إفراط الضلال أو الفساد ولين الشكيمة مجاز عن الانقياد وقوله: وخيل إليهم الثاني أي أوهمهم إنه أراده يعني أنه كلام فيه تورية وتعريض على طريق الكناية التعريضية، واسراف فرعون بالقتل والفساد وكذبه في ادعاء الربوبية وأمّا موسى عليه الصلاة والسلام فمعصوم فهو على زعم فرعون فيه، ولما في كلامه من التورية لم بناف الاحتياط فلا يتوهم إنه إذا قصد الأولى كيف يكون احتياطا فتأمّل. قوله:(فلا تفسدوا الخ) إشارة إلى أنّ الفاء فصيحة وفي الكلام تقدير به ينتظم كما ذكره، وقوله: ولا تتعرّضوا لبأس الله الذي هو رب موسى الذي ذكرته لكم، وهو كالتفسير لما عطف عليه، وقوله: لم يمنعنا الخ هو معنى قوله من ينصرنا الخ لأنه استفهام إنكاري معناه النفي، وقوله: لأنه الخ على الوجه الأوّل في قوله من آل فرعون، وقوله: ليري إنه معهم على الثاني فلا يكون اقتصاراً على أحدهما كما قيل: والمساهمة المشاركة كان لكل منهم سهما ونصيباً فيما ينصحهم به. قوله: (ما أشير إليكم) قيل الصواب عليكم لأنّ أشار إليه

بمعنى أومأوا منشرته أي راجعته في أمر لأرى رأبه فيه فأشار عليّ بكذا أي أرى ما عنده فيه كما حققه أهل اللغة، وليس معناه أمرني كما في القاموس والإيماء عنه مناسب هنا مع أنه لو صح فالمومي إليه الرأي لأهم وما ذكر تفسير له بلازمه، ومعناه لا أمكنكم من رأي غير رائي وذلك بالأمر به وما مصدرية لا موصولة كما يدل عليه كلام المصنف رحمه الله، وهو من تحجير الواسع فإن المصنف مقصوده إن رأى هنا من الرأي وأمر التعدية سهل كأنه يجوز أن يضمن معنى متوجهاً إليكم في المشاورة في شأنه

ص: 368

وما تحتمل الموصولية والمصدرية، وليس فيهما يخفى على ناظر فيه. قوله:) وما أعلمكم إلا ما علمت (لما جعل ما أريكم إلا ما أرى بمعنى ما أشير عليكم إلا ما هو صواب عندي من الرأي فسر هذا بما ذكره لأن الهداية الدلالة إلى ما يوصل، وهي الإعلام بطريق الصواب التي يعلمها المعلم بها أو بالصواب نفسه فلا يتوهم أنّ هذا التفسير لم يذكر في محله وكان ينبغي تقديمه، وجعله تفسيراً لما أريكم إلا ما أرى كما في الكشاف إشارة إلى أن الرؤية إمّا من الرأي أو علمية أو تأخيره عن قوله إلا سبيل الرشاد نعم لو أتى به كما ذكر كان له وجه فلعمري لقد استسمن ذا ورم. قوله:) وقلبي ولساني الخ (إشارة إلى أنّ ما اختاره من أنّ الرؤية من الرأي وإنّ الهداية الدلالة، والإعلام بالقول أرجح مما عداه إذ به تدل الجملتان على تواطؤ القلب، واللسان فينتظم تأسيس اامملام أحسن انتظام فمن ادعى خلل ترتيبه، لم يقف على مراده. قوله: (فعال للميالغة الخ (يعني إن هذه الصيغة للمبالغة، وقد تثبت من الثلاثي من باب فعل بكسر العين وفعل بفتحها ولهـ3 تجيء من المزيد إلا في ألفاظ نادرة وردت على خلاف القياس، وهي دراك من أدرك وقصار من أقصر عن الشيء وجبار من أجبر وسآر من أسأر مع أنه ثبت في بعضه سماع الثلاثي، وجوّز تجريده من الزوائد تقريبا له من القياس، وقد سمع جبره فقوله كجبار بناء على المشهور ورشد ورشد بمعنى اهتدى، وما قيل المعنى على أنه صيغة مبالغة من الإرشاد إذ المعنى سبيل من كثر إرشاده غير مسلم بل المراد سبيل من اهتدى، وعظم رشده ولا حاجة إلى أن يقال من رشد أرشد فاكتفى بالسبب عن المسبب أو المبالغة في الرشد تكون بالإرشاد كما قيل في طهور وقيوم فإنه إذا قيل إلا سبيل من اهتدى كان في غاية من السداد، والله الهادي إلى سبيل الرشاد فقوله: سماعي يحتمل أن فعالاً من المزيد سماعي أو صيغة فعال مطلقاً سماعية كما قيل. قوله:) أو للنسبة (أي يكون فعال في هذه القراءة للنسبة كما قالوا عواج لبياع العاج، وبتات ليباع البت وهو كساء غليظ، قيل طيلسان من خز أو صوف. قوله:) يعني وقائعهم (أي المراد بالأيام الوقائع فإنها كثر

استعمالها بمعناها حتى صار ذلك حقيقة عرفية والوقائع جمع وقيعة بمعنى الحرب أو واقعة بمعنى النازلة الشديدة، وليس في المقام والاستعمال إباء عنه كما قيل ولو أبقى على معناه المتبادر منه قدر فيه مضاف أي مثل حادث يوم الخ ولكل وجهة. قوله:(وجمع الأحزاب مع التفسير أغنى عن جمع اليوم) دفع لأنه سواء كان على ظاهره أو بمعنى الوقائع فالظاهر جمعه بأنّ الإضافة لها معان كاللام فإذا أريد الجنس أفاد ما يفيده الجمع والقرينة عليه إضافته لأنه لا يكون للأحزاب يوم واحد بمعنييه، وتفسيره بما بعده معين له والمرجح له خفة لفظه واختصاره وليس هذا من الاكتفاء بالواحد عن الجمع، وقال الزجاج: المراد بيوم الأحزاب حزب حزب بمعنى أن جمع حزب مراد به شمول أفراده على طريق البدل فأوّل الثاني، وهو معنى آخر ومنه يعلم أنّ التكرار يكون في معنى الجمع كبابا باباً وعكسه فاحفظه. قوله:(مثل جزاء ما كانوا عليه الخ (يعني أنّ فيه مضافا مقدرا ودأبهم عادتهم الدائمة ودأب يكون بمعنى دام، وإنما قدره لأنّ المخوف في الحقيقة جزاء العمل لا هو ودائبا خبر سببيئ لكان أو حال من المجرور، والأوّل أنسب بما في النظم كما قيل والإيذاء بمعنى الأذى صحيح كما أثبته الراغب فلا عبرة بإنكاره كما مر تفصيله. قوله تعالى: ( {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ} (أي بأن يظلمهم بنفسه أو يظلم بعضهم بعضا ومذهب الأشاعرة أنه لا يتصوّر الظلم منه تعالى لأن الكل ملكه كما مر في سورة آل عمران فهو إما على مذهب الماتريدية من أنه لا يفعله بمقتضى حكمته أو المراد بالظلم ما يشبهه، ويكون على صورته كما مر في العنكبوت وهو الأولى. قوله:) أو لا يخلى الظالم منهم بغير انتقام) من التخلية أي لا يتركه سالماً عن الانتقام منه لأنه إذا لم يرد تركه لم يتركه إذ لا يجري في ملكه إلا ما يشاء فلا يتجه عليه أن تفريعه على النظم لا يتأتى على مذهب أهل السنة لاقتضائه أنه لا يريد ظلم بعضهم لبعففلا يقع إذ لا يجري في ملكه إلا ما يشاء إذ الاقتضاء ممنوع، وإنما يريد الظلم منهم ابتلاء لهم، واظهاراً للمطيع من العاصي كما في سائر التكاليف فلا حاجة إلى جعل الإرادة مجازاً عن الرضا حتى يرد عليه ما يرد وفي الكشات يعني أنّ تدميرهم كان عدلاً لأنه لا يريد ظلما ما لعباده، ويجوز أن يكون معناه كمعنى قوله:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [سورة الزمر، الآية: 7] أي لا يريد لهم أن يظلموا فدمرهم لأنهم كانوا ظالمين فالمعنى على الأوّل كونهم مظلومين

ص: 369

وعلى الثاني كونهم ظالمين ولا يستقيم هذا على مذهب من يجعل الكل بإرادته تعالى، أو يفرق بين إرادة الظلم للعباد وارادة الظلم منهم فإن هذا يمتنع لإشعاره بالطلب، وطلب القبيح باطل بالاتفاق كما قاله المحقق: في شرحه رحمه الله تعالى، وما قيل عليه إنه حديث لم يصح سنده غير متجه بل غفلة عما صرحوا به، قال الراغب في مفرداته: قد تذكر الإرادة ويراد بها معنى الأمر كقولك: أريد منك كذا أي آمرك به نحو: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [سورة البقرة، الآية: 185] اهـ فإذا تعدى فعل الإرادة بمن أو الباء

دل على الطلب والاستعمال شاهد له، وبما قررناه علم أنه لا وجه لما قيل من أنه لا يوافق مذهب أهل السنة إذ له العفو وعدم الانتقام عمن ظلم وان لم يرد بالظلم الكفر.

قوله: (وهو أبلغ من قوله وما ربك بظلام الخ) لأنّ نفي إرادة الشيء أبلغ من نفيه، ونفي النكرة أشمل إذ معناه لا يريد شيئا من الظلم خصوصاً والآية الثانية فيها نفي المبالغة، وهي لا تقتضي نفي أصل الفعل وان أجيب عنه كما مر وقد ذكر ثمة أنّ فيه مبالغة من وجه آخر فتذكره، وقوله: من حيث أن المنفي فيه نفي حدوث الخ قيل لفظ نفي مقحم في عبارته إذ المنفي الحدوث لا نفيه، وقيل إنّ المنفي يضمن معنى المذكور فلا إقحام فيه وما قيل إنّ إرادة الظلم ظلم ممنوع في حقه تعالى فلا حاجة إلى أن يقال المراد ظلم غير الإرادة بقرينة المقام. قوله:(ينادي الخ) استئناف لبيان، وجه تسمية يوم القيامة بيوم التناد والنداء، وان كان رفع الصوت لطلب الإقبال فهو مجرد لجزء معناه هنا وفي الأعراف ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار الخ، وقوله: بالتشديد أي تشديد الدال من ند إذا هرب، وقيل المراد به يوم الاجتماع من ند إذا اجتمع ومنه النادي وضمير عنه للموقف، وقوله: وقيل: فارين عنها قيل إنّ هذا أولى لأنه أتم فائدة وأظهر ارتباطا بقوله: {مَّا لَهُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ} . قوله: (يوسف بن يعقوب الخ) ذكر أهل التاريخ أن فرعون موسى اسمه الريان واسم هذا الوليد وذكر القرطبي رحمه الله أنّ الأوّل من العمالقة وهذا قبطي، وفرعون يوسف عليه الصلاة والسلام مات في زمنه. قوله:(أو على نسبة أحوال الآباء الخ) وقد جوّز كون بعضهم حيا وفي بعض التواريخ أن وفاة يوسف عليه الصلاة والسلام قبل مولد موسى عليه الصلاة والسلام بأربع وستين سنة فيكون نسبة حال البعض إلى الكل واليه مال المصنف في سورة يوسف، وقوله: حتى إذا هلك الخ غاية لقوله فما زلتم. قوله: (ضما إلى تكذيب رسالته الخ) متعلق بقوله قلتم الخ إما مفعول مطلق أ "! در

أو حال بمعنى ضامين أو مفعول له وحزنا مثله معطوف عليه، وهو دفع لما يتوهم من أن قوله من بعده رسولاً يقتضي تسليم رسالته، والتصديق بها مع أنّ ما قبله يدل على شكهم فيها بأنهم لم يقولوا هذا إلا تضجرا بها وانكاراً للرسالة مطلقاً والفرق بين الوجهين أنهم في الأوّل بعد الشك يتوا بتكذيب رسالته ورسالة غيره فيكون ترقياً، وقيل: الشك مقابل اليقين لا التردد وفيه بعد لا يخفى، وفي الثاني جزموا بعدم من يرسل بعده مع شكهم في رسالته، واحتمال اًن يكونوا أظهروا الشك في حياته حسدا وعنادا فلما مات أقروا بها جائز لكنه لم يحمله عليه لمخالفته للظاهر. قوله:(على أن بعضهم يقرر بعضاً بنفي البعث) أي يحمله على الإقرار بنفيه، والتقرير تفسير للاستفهام في هذه القراءة، وقوله: مثل ذلك لضلال اًي السابق وما بعده كما مر، وقوله: بغلبة الوهم أي على ما يقتضيه العقل، وقوله بدل الخ هو أحد الوجوه وفيه كنصبه بأعني ورفعه بأنه خبر مبتدأ مقدر وجعله بياناً لمن أو صفة إن قلنا بحواز وصفه وداحضة بمعنى ساقطة باطلة. قوله:) وأفراده للفظه (يعني تضمير كبر المستتر لمن رعاية للفظه بعد رعاية معناه، وهو جائز وإن كان المشهور عكسه وقد حوز كون فاعله ضمير الجدال الذي في ضمن يجادلون، وقوله على حذف مضاف هو المخبر عنه لأنّ الذين جمع لفظاً ومعنى فلا يصح أفراد ضميره، وقوله: أو بغير سلطان هو الخبر عن المضاف المقدر أيضا لا عن الذين لما فيه من الإخبار عن الذات والجثة بالظرف، وكون الكاف اسماً بمعنى مثل معمولة لعامل مذكور نادر مخالف للظاهر وربما أبا. بعض النحاة لكونه على صورة الحرف، ولم يثبت في كلامهم مثله، ولذا أخره المصنف. قوله: (كقولهم رأت عيني) في الإسناد إلى منبع الرؤية والظاهر إنه مجاز، ولو قيل إنه حقيقة عرفية لم يبعد وكلام الكشاف يميل إلى الثاني، وإذا قدر المضاف

توافقت القراءتان، وقوله: بناء الخ حاصله إنّ الصرح

ص: 370

القصر العالي لظهوره مأخوذ من التصريح، والسبب كل ما أدى إلى شيء كالرشاء والسلم فلذا فسره بالطرق هنا، وقوله وفي إبهامها الخ دفع لما يتوهم من أنه لو قيل: ابتداء أسباب السموات كفى من غير تطويل. قوله: (بالنصب على جواب الترجي) بناء على أنّ جوابه ينصب كالتمني ومن فرق بينهما جعله هنا محمولاً عليه لشبهه به في إنشاء الطلب ومن منعه جعله منصوبا في جواب الأمر، وهو ابن أو معطوفا على خبر لعل بتوهم أن فيه أو على الأسباب على حد:

للبس عباءة وتقر عيني

قوله: (ولعله أراد أن يبني له رصداً الخ) التي هي أسباب صفة أحوال الكواكب مفسرة للمراد من أسباب السموات على هذا بانتهاء ما تدل عليه حركاتها ونحوها مما يعلم من كتب أحكام النجوم، وهذا يدل على أنه مقر بالله وإنما أراد طلب ما يزيل شكه في الرسالة، وكان هو وأهل عصره لهم اعتناء بالنجوم وأحكامها على ما قيل. قوله:(أو أن يرى) بضم الياء وكسر الراء مضارع أراهم أي أعلمهم فالمقصود إلزامه إذ قال له إني رسول من رب السموات، واعلام الناس بفساد ما قاله لأنه إن كان رسولاً منه فهو ممن يصل إليه وذلك بالصعود للسماء وهو محال فما بني عليه مثله، وهو جهل منه بالله وظنه إنه في السماء وان رسله كرسل الملوك يلاقونه، ويصلون إلى مقره وهو سبحانه، وتعالى منزه عن المكان وكلما هو من صفات المحدثات والأجسام ولا يحتاج رسله الكرام لما ذكره من خرافات الأوهام، وما ذكره مستلزم لنفي رسول من الله على ما توهمه، وأمّ نفي الصانع المرسل له فلم يتعرّض له وقد قرره الإمام بأنه إيراد شبهة في نفي الصانع لأنه لو وجد كان في السماء لشرفها أو للعلم بعدمه في غيرها فلا يطلع عليه بدون صعودها، وهو محال فكذا ما يتوهم عليه ولك أن تحمل كلام المصنف على هذا إذ ليس صريحاً في مخالفته كما قيل فقوله ابن لي صرحا ليس على ظاهره بل لإظهار عدم إمكان ما ذكر ولعل لا تأباه فإنه للتهكم على هذا، وقد مر في سورة القصص وجه آخر فتذكره والاستنباء إرسال الأنبياء إلى الناس. قوله: (في دعوى الرسالة (أو في دعوى أنّ له إلها

لقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [سورة القصص، الآية: 38] وقوله: سبيل الرشاد للتصريح به قيل فتعريفه للعهد، وقوله: والفاعل الخ قد مرّ تفصيله في سورة الأنعام فلا تغفل عنه، وقوله: ويدل عليه لأنه سبق ذكر الله ولم يذكر الشيطان، وقوله: بالتوسط أي الفاعل بواسطة بالوسوسة من الشيطان كما مر. قوله: (ويؤيده وما كيد فرعون الخ (لأنه يشعر بتقدم ذكر للكيد قبله، وهو في هذه القراءة أظهر وهي قراءة أكثر السبعة وقوله خسار ومنه تب لكنه خسار دائم من قولهم لا يتبب أي يبقى ويدوم، وقوله: وقيل موسى مرضه لأنّ هذا العنوان مناسب لمؤمن آل فرعون دون النبي. قوله: (تمتع يسير) فسر. به لأنّ التنوين، والتنكير يدل على التقليل وجعل المتاع مصدراً بمعنى التمتع ويكون بمعنى المتمتع به وهو صحيح أيضاً، وقوله: وفيه دليل الخ فيه نظر لأنّ من أتلف شيئاً يلزمه قيمته لا مثله، وقوله: بالعمل تنازعه تقدير وموازنة، وفيه إشارة إلى أن المراد بالرزق كل ما لهم فيه من الثواب، وأنّ المراد بكونه بغير حساب أنه لا يقدر بمثلها كالأعمال السيئة بل يزاد ويضاعف إلى سبعمائة فصاعدا، وقد يستعمل بغير حساب بمعنى غير متناه وهو صحيح أيضاً لأنّ رزق المخلد مخلد فيكون غير متناه. قوله:(ولعل تقسيم العمال) جمع عامل والتقسيم بقوله: من ذكر أو أنثى للاهتمام والاحتياط في شمولهم لاحتمال نقص الإناث خصوصاً إذ لوحظ نقص عملهم في مدة الحيض ونحوه، وجعل ما وقع جزاء لأعمالهم اسمية مؤكدة له بالثبوت مع الإشارة إليهم بالبعيد الدال على تعظيمهم، وقوله: وتفضيل الثواب بالضاد المعجمة أي جعله زائداً على العمل لكونه أضعافا مضاعفة له وجوّز كونه بالصاد المهملة أي جعله مفصلاً كقوله يدخلون الخ ويرزقون الخ بخلاف ما يقابل السيئة والظاهر هو الأوّل وقوله: لتغليب الرحمة أي للدلالة على أن رحمته تعالى غالبة على غضبه حيث ضوعفت لمن استحقها ولم يضاعف موجب غضبه إذ لم يزد في جزاء السيآت. قوله: (وجعل العمل عمدة) ركناً من القضية الشرطية لأنه مقدمها والإيمان حالاً في قوله، وهو مؤمن وقوله: على أنه شرط لأنّ الأحوال قيود وشروط للحكم التي وقعت

الأحوال فيه وكوف شرطا في صحة العمل والاعتداد به لا كلام فيه إنما الكلام في كون الكلام يدل على أنّ ثوابه أعلى وان كان في نفس الأمر كذلك فإن الطهارة شرط تتوقف عليه صحة الصلاة

ص: 371

وليس ثوابها أعظم من ثواب الصلاة كما لا يخفى فلعله لما قيل: إنه لا ثواب ولا اعتداد بعمل دونه فهم إنه أعظم في نفسه فثوابه أعظم من ثواب غيره، فتأمّل. قوله:(كرّر نداءهم الخ) لأنّ النداء يدل على غفلة المنادى والاهتمام بالنصيحة المنادى لها بتكرارها إجمالاً وتفصيلاً والتوبيخ لجعلهم لا يفيد فيهم، ولا يسمعهم نداء واحد والاستفهام فيه أيضاً توبيخيئ ومقابلتهم معلومة من قوله:{تَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} وقوله: عطفه الخ، اسم مبتدأ أو فعل ماض معطوف على كرّر نداءهم، وقوله: الداخل على ما الخ صفة للنداء الثاني فإنّ له حكم ما بعده لأنه المقصود بالذات فلذا لم يعطف لأن ما بعده لا يعطف وكون البيان لا يعطف لشدة الاتصال معلوم في المعاني، وإنما الكلام في بيانه وستسمعه عن قريب. قوله:(فإنّ ما بعده أيضاً الخ) أي ما بعده النداء الثالث مثل النداء الثاني فيما ذكر من البيان، والذي ذكره الزمخشريّ إنّ الثاني داخل على ما هو بيان للمجمل، وتفسير له فأعطى الداخل عليه حكمه في امتناع دخول الواو وأمّا الثالث فليس بتلك المثابة يعني أنّ الأوّل للدعوة إلى الحق الموصل إلى سعادة الدارين والثاني لبيان إنّ الدنيا، وما فيها غير العمل الصالح الموصل للسعادتين غير معتد به ففيه بيان للأوّل لتضمنه ما ينجي وحث على الآخرة، والثالث لتضمنه مجادلة جرت بينه وبينهم، ولذا ختمه بما يدل على المتاركة بقوله: وأفوض الخ ليس من البيان في شيء لكنه مناسب لما قبله فلذا عطف على يا قوم الأوّل لا الثاني، والمصنف خالفه إذ أدخله في البيان وعطفه على الثاني وله وجه لأنّ المجادلة مقررة للدعوة، ولا يأباه ما فيه من الوعيد وأما المتاركة، وان أبته فهي تذييل له خارج عن البيان فقوله: فستذكرون الخ عند المصنف متفرع على جملة الكلام، وعند الزمخشري على الأخير والمصنف اختار الأوّل لقرب المعطوف عليه فيه فلا يرد ما ذكر ولا ما قيل إنه غير سديد هذا هو الحق والمصنف اختار الأوّل لقرب المعطوف عليه فيه فلا يرد ما ذكر ولا ما قيل إنه غير سديد هذا هو الحق في تحقيق مراد الشيخين، ولبعض الناس فيه كلام لا طائل تحته رأينا تركه أولى من ذكره فتدبره. قوله:(فإن ما بعده) أي ما بعد النداء الثالث أيضا كالثاني فهو تعليل لعطفه على الثاني دون الأول أو المجموع كما ذهب إليه الزمخشري، وقوله: تفصيل في نسخة بدله تفسير وهو أنسب بالبيان، وقوله: لما أجمل فيه أي في الأوّل وقوله تصريحا أو تعريضاً، وفي نسخة وتعريضا بالواو وهما بمعنى لأنه تقسيم على سبيل اللف والنشر فالتصريح في الثالث، وقوله: أو على الأوّل هو ما اختاره الزمخشري لأنه بين إنّ سبيل الرشاد هو ما دعاهم إليه لأنه منج وغيره مهلك موبق في

النار والتعريض لأن فناء الدنيا وقرار الآخرة، المجزي فيها على الأعمال الصالحة بالنعيم الأبدي يفهم منه أنه هو الحق وان الدعوة إليه عين الرشاد والسداد، وقد يقال إن في الأوّل تعريضا أيضاً لأن الدعوة إلى خلافه دعوة إلى النار فتأمّل. قوله:(بدل (أي من قوله إن في الأوّل تعريضا أيضا لأن الدعوة إلى خلافه دعوة إلى النار فتأمّل. قوله: (بدل) أي من قوله تدعونني إلى النار أو هو عطف بيان له بناء على أنه يجري في الجمل كالمفردات كما ذهب إليه السكاكي، وقد صرح ابن هشام بمنعه في المغني فإن حمل البيان على معناه اللغوي فهي جملة مستأنفة مفسرة له لم يكن بينهما مخالفة وقوله في التعدية بإلى واللام بياين لوجه التشبيه، وتخصيص له بالتعدية بهما فإن الهدإية قد تتعدّى بنفسها وفيه إيماء إلى أن الهداية المتعدية بالحرف مجرد الدلالة فهي في معن الدعوة. قوله:) بربوييتة) وألوهيته لا بذاته فإنها معلومة له، وقوله: والمراد نفي المعلوم أي نفي العلم هنا كناية عن نفي المعلوم كما مرّ تحقيقه في سورة القصص، وأنه لا ينافي قوله: إنه يختص بالعلم الحضوري وقوله: والإشعار بأن الألوهية لا بد لها من برهان أي يقيني لأنها من المطالب التي لا يكتفي فيها بالظنيات، والإقناعيات فضلاً عن الوهميات والتقليد الصرف وهو من إنكاره للدعوة إلى ما لا يعلمه يقينا فإن العلم صفة توجب ثمييزاً لا يحتمل التقيض. قوله:(المستجمع لصفات الألوهية) أخذه من مقابلته بما لا يعلم فيه شيئا منها إذ السياق يدل على أن المعنى تدعونني إلى ما ليس فيه وصف من أوصافها، وأنا أدعوكم لمن فيه جميع صفاتها فجعل هذين الوصفين كناية عن جميعها لاستلزامهما لما عداهما كما أشار إليه بقوله من كمال القدرة، والغلبة الذي هو معنى العزيز لأن العزة صفة تقضي بالذات أن يقهر ولا يقهر وهو بالقدوة التامّة المخصوصة به تعالى، كما قال:{فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [سورة فاطر، الآية: 10، وكونها متوقفة على العلم والإرادة بيان لاستلزامها لغيرها من الصفات الذاتية، وبيانه كما تقرّر

ص: 372

في الأصول أن القدرة صفة تؤثر في وفق الإرادة فهي متوقفة على الإرادة، وذلك أيضاً مستلزم للعلم فإنه لا يتصوّر إرادة التأثير فيما لا يعلمه، وهو مستلزم للحياة واعتبر بذلك بقية الصفات الذاتية، والسلبية فتأمّل. قوله: (والتمكن من المجازاة والقدرة على التعذيب (معطوف على كمال القدرة، وهو تفسير للغفار على وجه يتضمن وجه تاً خيره عن العزيز ومناسبته التامّة فإن العفو إنما يمدح به بعد القدرة فالتمكن، والقدرة من لوازمه ولذا كان قول الحماسي:

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا

من أبلغ الذم وتخصيصهما بالذكر لما فيهما من الدلالة على الخوف، والرجاء المناسب لحاله وحالهم. قوله:(لا جرم) تحقيقه كما في الكتاب وشرحه للسيرافيّ إن أصل معناه كما قاله الزجاج: لا يدخلنكم في الجرم أي الإثم كإثمه أدخله في الإثم ثم كثر استعماله حتى صار بمعنى لا بد عند الفرّاء وبمنزلة حقاً، ولذا جعلته العرب قسما وهو من جرمت الذنب بمعنى كسبته لا بمعنى حققت، وقال الأزهرقي: لا ردّ لشيء توهم ثم تبدأ بما بعده جرم إنّ لهم النار أي كسب ذلك العمل لهم الخسران، وقيل: لا صلة وقيل نافية وجرم وجرم كسقم وسقم بمعنى باطل لأنه موضوع له أو لأنه بمعنى كسب والباطل محتاج للكسب والتزيين، ولذا فسر بحقاً لأنه نقيض الباطل ولا باطل صار يمينا كلا كذب في قول النبي صلى الله عليه وسلم:" أنا النبي لا كذب " وفيه لغات جرم وجرم وأجرم، وقد يزاد قبله إن أو ذا، اهـ محصله فقوله: لا رد الخ أحد الأقوال فيه وجرم فعل بمعنى حق، وقوله: أي حق عدم الخ إشارة إلى أنّ الفاعل المسبوك المتصيد مته، وعدم الدعوة عبارة عن جماديتها وأنها غير مستحقة لذلك ودعوة آلهتكم مصدر مضاف لفاعله ومعناه دعوتها إياكم لعبادتها. قوله: (أو عدم دعوة مستجابة (على ما مز لام له دعوة لنسبة الدعاء إلى الفاعل، وعلى هذا لنسبته إلى المفعول لأنهم كانوا يدعونه فحمل نفي الدعاء له على نفس الاستجابة منه لدعائهم إياه إما بحذف الموصوف أو المضاف أي استجابة دعوة أو دعوة مستجابة تنزيلا لغير المستجاب منزلة العدم، وقد جوّز فيه التحوز بالدعوة عن استجابتها التي ترتب عليها بمنزلة الجزاء لها كما في تدين تدان، وليس هذا من المشاكلة في شيء عند المحقق وان جوّزها غيره. قوله: (وقيل جرم بمعنى كسب (أي لا رد لما قبله وجرم بمعنى ك! سب وفاعله ضمير الدعاء السابق الذي دعاه قومه إليه وإنما الخ مفعوله، والحاصل أن دعاءهم ما كسب إلا ظهور بطلان دعوته أي الدعوة إليه فدعوته مصدر مضاف لمفعوله، وهذا هو القول الثاني من أقوال النحاة فيه كما مرّ. قوله: (وقيل فعل (بفتحتين اسم لا وهو مصدر مبنيّ على الفتح بمعنى القطع، ومعناه لا بد من بطلانه أي بطلانه أمر ظاهر مقرر وهو مثل لا بدّ فإنه من التبديد، وهو التفريق وانقطاع بعضه من بعض، وقوله: فتنقلب بالنصب في جواب النفي، وقوله: ويؤيده الخ أي إن اللغة الأخرى فيه وهي جرم بضم فسكون تدل

على اسميته، وليس هذا معينا لاسميته على اللغة الأخرى حتى يقال إنه لا وجه لحكايته بقيل لاحتمال كونه فعلا مجهولاً لاسكن للتخفيف أو أنه استعمل منه الفعل، والاسم بحسب اقتضاء مقامه وفي ثبوت هذه اللغة في فصيح كلامهم تردّد. قوله:(وإنّ مردنا إلى الله (أي مرجعنا، وقوله: كالإشراك الخ الظاهر أنه لف ونشر فالإشراك إسراف في الضلالة والقتل في الطغيان أو هما تمثيل لتعميمه لظلم نفسه، وظلم غيره وظاهره شموله لغير الكفرة من العصاة فيكون قوله: ملازموها بمعنى الملازمة العرفية الشاملة للمكث الطويل فإن خص ذاك بالكفرة فهو بمعنى الخلود. قوله: (فسيذكر بعضكم بعضاً) من التذكير، وهو الأخطار بالبال والقلب بعد ذكره باللسان، والواقع في النظم مطلق وكون الجميع يذكرونه بعيد فلذا حمله على ذكر بعضهم البعض، وهو تذكير له إذا كان قد سمعه منه أيضاً، وهو أحد محتملاته لكنه لما قرئ فيه بالتشديد على أنه من التذكير فسره بما يوافق القراءتين فلا يرد عليه إنّ هذا التفسير لتلك القراءة لا لهذه كما قيل لأنّ الذكر فيها مطلق يشمل ما لم يكن بتذكير. قوله:(فكأنه) أي قوله، وأفوّض أمري الخ لما جعل تفويض أموره وهو تسليمها له بالتوكل عليه كناية عن عصمته لأنه من توكل عليه كفاه، وكذا كونه بصيرا بأحوال العباد

ص: 373

مطلعاً عليها عبارة عن حفظه لهم يقتضي أنه في معرض أن يوقع به ما يضر منهم حتى التجأ إلى الله في رفع المكروه جعله واقعا في جواب توعدهم له المفهوم مما بعده، ولو جعله مفهوما من قوله:{وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} [سورة غافر، الآية: 37] كان له وجه وعبر بكان لاحتمال أنه متاركة كما مرّ ومنه علم ما مرّ في العطف، وقوله: شدائد الخ فالسيئات بمعنى الشدائد لأنها تسوءهم وما مصدرية، وقوله: الضمير لموسى لا لمؤمن آل فرعون ومرضه لأن السياق، وقوله: يا قوم يأباه وهذا كما مرّ في أن لذي آمن موسى وهو بعيد جذاً. قوله: (واستغنى بذكرهم) الخ ويجوز أن يكون آل فرعون شاملاً له بأن يراد بهم مطلق كفرة القبط كما قيل في قوله: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سورة سبأ، الآية: 13] إنه شامل لداود عليه الصلاة والسلام، ومثله تفسير النحاة لنحو كذا بكذا ونحوه وليس ببعيد مما ذكر وطلبة بفتحات جمع طالب، وهو من أرسله فرعون خلفه ليرده له، وفاعل قتلهم ضمير فرعون وكونه للمؤمن كما قيل بعيد والرعب الخوف وسوء العذاب إضافة

لامية بمعنى أسوأ العذاب أو من إضافة الصفة للموصوف وقوله: الغرق على التفسير الاً وّل لال فرعون، وقوله: أو القتل على الثاني والنار عليهما. قوله: (جملة مستأنفة (مبينة لكيفية نزول العذاب بهم على أن النار مبتدأ وجملة يعرضون خبره أو النار خبر هو مقدر وهو ضمير العذاب السيء أو هي بدل من سوء العذاب، ويصلون بصاد مهملة بمعنى يحرقون هنا والمراد بالاختصاص هنا تقدير أخص أو أعني لا ما اصطلح عليه النحاة. قوله:) فإن عرضهم الخ (توجيه لتفسيره بالإحراق يعني أنه من قولهم عرضت المتاع على البيع إذا أظهرته لذي الرغبة فيه، وعرضت الجند إذا أمررتهم لينظر إليهم والظاهر أنه مجاز ولا حاجة إلى دعوى القلب فيه كما في قولهم عرضت الناقة على الحوض كما قيل مع أن في دعوى القلب فيه نزاعا ذكره في عروس الأفراج، وليس هذا محل تفصيله فعرضهم على النار وعرضه على السيف استعارة تمثيلية بتشبيههم بمتاع يبرز لمن يريد أخذه وجعل السيف والنار كالطالب الراغب فيهم لشذة استحقاقهم للهلاك، وفيه تأييد لتفسيره بعذاب القبر لجعلهم كأنهم لم يهلكوا بالنسبة لما يمسهم بعده فتأمّله. قوله: (وذلك لأرواحهم) الإشارة إلى العذاب المفهوم من المقام أو إلى العرض المراد به ذلك، وهو أقرب وما روي عن ابن مسعود ذكره القرطبيئ في التذكرة ونصه أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرّتين يقال لهم هذه داركم، فذلك قوله تعالى:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} الخ، وقد قيل: إنّ أرواحهم في صخرة سوداء تحت الأرض السابعة وورد في أرواح المؤمنين أنها في أجواف طير بيض وفي رواية خضر قال: وهذه سور تخلق لهم من صور أعمالهم، أو هو تمثيل. قوله:) وذكر الوقتين الخ (قيل: إن الآخرة ليس فيها مساء وصباج، وإنما هذا بالنسبة إلينا فإذا كان كذلك يخص العرض بوقتين يفصل بينهما بترك العذاب أو بتعذيبهم بنوع آخر غير النار أو المراد التأبيد اكتفاء بالطرفين المحيطين عن الجميع. قوله: (وفيه دليل الخ (لأنه ذكر لها عذاب عطف عليه عذابهم في النار فيدل عليه، وأن الروج باقية لأنه لا يتصؤر إحساس العذاب بدون بقائها، ولا معنى لتعذيب ما لا روح له وهذا جار على الوجهين سواء أريد التخصيص لأن الوقتين في الدنيا أو التأبيد لأن المراد من موتهم إلى أبد الآباد وأما كونه كناية فالكناية يجوز فيها إرادة الحقيقة فإنما يدل على

جوازه لا على وجوده، وسواء كان العذاب للروح أو للبدن ولا يرد أن الروح ليست في القبر لأن المراد بعذاب القبر عذاب البرزخ وسواء كان قوله ويوم تقوم الساعة معطوفاً أو اعتراضا فإنه يدل على مغايرته لما قبله فيكون لا محالة في البرزخ والاستدلال لأنه فرق بينهم وبين غيرهم. قوله:(هذا ما دامت الدنيا فإذا الخ) تفسير على أن الواو في قوله ويوم عاطفة واتصاله بما قبله ظاهر ولذا أتى بالفاء لتدل على اتصال العذابين لا أن المقام يقتضي الفاء بل لو أتى بها في النظم لم يحسن كما أشار إليه صاحب الكشف، أو هو إشارة إلى أنه ترك فيه حرف التعقيب تعويلا على فهم السامع كما قيل: وأشار بقوله: قيل لهم إلى أنّ فيه قولاً مقدراً ليعطف الخبر على الخبر والا فلا يحتاج إليه معنى، وقوله: يا آل فرعون إشارة إلى أنه على قراءة ادخلوا أمراً من الدخول يكون آل فرعون فيها منادى حذف منه حرف النداء. قوله:) أو أشدّ عذاب جهنم (لأنه مقتضى شدّة كفرهم

ص: 374

فتعريف العذاب للعهد وأشديته على الأوّل بالنسبة لعذاب الدنيا والبرزخ وعلى هذا بالنسبة لعذاب غيرهم فلا ينافي دلالة ما قبله على عذاب القبر، وما قيل إنه لا دلالة على هذا في أشد العذاب على عذاب القبر لا يخفى ما فيه.

قوله: (بإدخالهم النار (إشارة إلى أن هذه القراءة من الأفعال وان آل فرعون مفعول لا منادى وقوله: اذكر الخ فعامله مقدر معطوفءلمى ما تقدّم عطف القصة لا على مقدر تقديره اذكر ما يتلى عليك ولا على قوله: فلا يغررك أو أنذرهم لبعده، وعطفه على غدوّ اعطف الظرف على مثله وجملة ويوم تقوم الخ اعتراض ووجه الدلالة فيه أيضا ظاهر لعطف عذاب الآخرة عليه، واعتراضه بينهما ولا تكرار فيه كما توهم لكنه لا يخلو من شيء في ذكر قوله في النار، ولذا قيل إنه قليل الفائدة. قوله: (تفصيل له) أي لتخاصمهم فيها وفي نسخة لهم والأولى أصح، وقوله: تباعا بتشديد الباء جمع تابع وجمعه على فعل نادر وحصره النحاة في ألفاظ مخصوصة أو هو مصدر بتقدير مضاف، أو على التجوّز في الطرف أو الإسناد للمبالغة بجعلهم لشدة تبعيتهم كأنهم عين التبعية. قوله:) بالدفع (أي بدفع بعض عذأب النار أو بتحمله عنا، ومغنون من الغناء بالفتح بمعنى الفائدة ونصيبا بمعنى حصة وبعض منه، وقوله: لما دل

عليه مغنون من أحد المذكورين وهو الدفع أو الحمل، أو هو العامل بتضمين أحدهما أي دافعين أو حاملين عنا نصيبا وقوله: أو مصدر أي قائم مقام المصدر لتأويله به كما أنّ شيئا في تلك الآية كذلك كما مرّ، وقوله: من صلة مغنون أي يكون من في قوله من النار متعلقا بمغنون لأنه يتعدّى بمن وعلى ما قبله هو ظرف مستقرّ بيان لنصيباً فلفظ من اسم يكون وصلة منصوب خبر هنا، ويحتمل جرّه على أن اسم يكون ضمير نصبيا أي على هذا يكون نصيبا معمول لمغنون ومن تتمته لا بتقدير عامل فيه، وفيه ميل إلى أن التضمين من قبيل التقدير أيضا وهو أحد احتمالاته لكن الظاهر أن المراد هو الأوّل، واليه ذهب أرباب الحواشي. قوله:) نحن وأئتم) تفسير لكل لأنّ المراد به كلنا فهو مبتدأ خبره فيها والجملة خبر إنّ على هذا، وقوله: فكيف الخ إشارة إلى ارتباطه بما قبله، وقوله: على التأكيد أي لاسم إن وفيها خبرها وكون كل المقطوع عن الإضافة يقع تأكيداً مذهب الفرّاء وتبعه الزمخشري والمصنف ومنعه ابن مالك، وقوله في الظرف هو فيها. قوله:(فإنه لا يعمل في الحال المتقدّمة الخ (إشارة إلى ما ذهب إليه بعض النحاة في الجواب عن الاستدلال بهذه الآية على التأكيد بكل المقطوع عن الإضافة بأنه حال من الضمير المستتر في الظرف، وضعف بوجهين تقديم الحال على عاملها الظرفيئ وقطع كل عن الإضافة لفظاً وتقديراً ليصير نكرة فيصح كونه حالاً فلذا قيل إن الأجود كونه بدلاً من اسم وان وجاز إبدال الظاهر من ضمير الحاضر يعني لا الغائب فإنه جائز بدل كل لأنه مفيد للإحاطة كقمتم ثلاثتكم، فإن قلت: يلزمه إيلاء كل للعوامل، وهو شاذ قلت: إنما يكون كذلك على القول بأن عامل البدل مقدر، وأما على القول بأنّ عامله عامل المبدل منه فقيل لا يلزم ذلك، وفيه نظر فالأحسن أن يقال إنه إنما يكون كذلك إذا كانت على هيئة تكون فيها توكيداً وليست هنا كذلك وفي تقدم مثل هذه الحال خلاف للنحاة فجوّزه بعضهم مطلقا، وبعضهم إذا تقدم على الحال المبتدأ ومنعه آخرون وقد وقع لابن الحاجب تجويزه في بعض كتبه ومنعه في بعضها وقد يوفق بينهما بأن المنع على تقدير عمل الظرف لنيابته عن متعلقه، والجواز على جعل العامل متعلقه المقدر فيكون لفظيا لا معنويا وقوله: كما يعمل في الظرف المتقدّم فإنه جائز للتوسع فيه كما في المثال المذكور فإن كان يوم منصوب على الظرفية وعامله لك الواقع خبراً عن ثوب المبتدأ النكرة المسوغة بتقدم خبرها. قوله:) بأن أدخل أهل الجنة الخ) أو بأن قدر عذابا لكل منا لا يدفع عنه، ولا يتحمله عنه غيره وهذا أنسب بما قبله،

وقوله: لا معقب أي لا رادّ له ولا اعتراض عليه، وقد مز تفسيره وقوله: لخزنتها إشارة إلى أن المحل محل إضمار لضمير النار المتقدمة فوضع هذا موضعه للتهويل فإنها أخص من النار بحسب الظاهر لإطلاقها على ما في الدنيا أو لأنها محل لأشد العذاب الثامل للنار وغيرها، وقوله: أو لبيان محلهم أي الكفار وهذا أنسب من كونه للخزنة كما قيل: وهذا بناء على أنها علم لأسفل محالها والأوّل على أنه علم لها مطلقا وهما قولان وجهنام معروف بكسر الجيم وتشديد

ص: 375

النون بعدها ألف البئر العميقة، وهي عربية وقيل إنها معربة. قوله:) قدر يوم (أي مقدار يوم من أيام الدنيا، وف! تمره به لأنه ليس في الآخرة ليل ولا نهار، وقوله: شيئا من العذاب يعني أنّ مفعوله مقدر ومن تحتمل البيان والتبعيض وكلام المصنف محتمل لهما أيضا، وإذا كان يوما مفعولاً فتقديره ألم يوم وشدة يوم ونحوه أو المراد يدفع عنا يوماً من أيام العذاب فتأمل. قوله: (إلزامهم للحجة الخ (يعني المقصود من الاستفهام التوبيخ، وقوله: فإنا لا نجترئ فيه يعني ليس المقصود أمرهم بالدعاء بل امتناعهم من الدعاء مع التوبيخ وامتناعهم منه يتضمن إقناطهم من الإجابة لهم، والمراد بقوله: أمثالكم الكفرة، وقوله: لإيجاب تفسير للضياع، وقوله: الانتقام لهم سواء في حياتهم أو بعد مماتهم كما أباد بختنصر بني إسرائيل بعد قتلهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقوله: وما دعاه الكافرين يحتمل أن يكون من كلام الخزنة أو من كلام الله إخبارا لنبيه جمتي، وهو أنسب بما بعده وقوله: في الدارين تفسير للحياة الدنيا وما بعده. قوله: (ولا ينتقض ذلك) أي كون الله ناصرا لرسله، وقوله: بما كان لأعدائهم أي للكفرة من الغلبة أي الغالبية، وكون الضمير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والغلبة بمعنى المغلوبية على أنه مصدر المجهول خلاف المعروف من معناه، وهذا في الدنيا فإنّ الحرب فها سجال وامّا في الآخرة فلا تتخلف نصرتهم، ولذا دخلت في على الحياة دون قرينة لأن الظرف المجرور بفي لا يستوعب كالمنصوب على الظرفية كما ذكره الأصوليون، وقوله: الإشهاد الخ اختلف في جمع فاعل على أفعال مع عدم اطراده بالاتفاق، ومن لم يجوّزه يقول في مثله إنه جمع فعل مخففا من فاعل كشهد، وقيل هو جمع شاهد فهو جمع الجمع فما ذكره المصنف

قيل يجوز أن يكون قصراً للمسافة، وهو خلاف الظاهر من كلامه هنا والتصريح من قوله في صورة الإنسان إن الأبرأر جمع بر كأرباب وبارّ كإشهاد، وقيل: أشهاد جمع شهيد كاً شراف جمع شريف، وقوله: والمراد بهم أي بالأشهاد من يشهد على تبليغ الرسل وقد فسر في هود بالجوارج كما مرّ. قوله:) وعدم نفع المعذرة الخ) الوجه الأوّل على أنه لنفي النفع فقط، والثاني على أنه لنفي النفع، والمعذرة كما مرّ في ولا شفيع يطاع، وقوله: لأنه في بعض النسخ لأنها والصحيح الأولى، وان كان كل منهما ضمير شان، وقد قيل عليه إنه قال في التحريم في تفسير قوله:{لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [سورة التحريم، الآية: 7] إما أنه لا عذر لهم أو لأن العذر لا ينفعهم فلا وجه لتعليل عدم النفع هنا بعدم الإذن ولا جعله مقابلا للبطلان فالأولى أن يقول لعدم تعلق إرادته بالنفع مع أن ما ذكره هنا مخالف لقوله في المرسلات {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [سورة المرسلات، الآية: 36] في جواب لا يؤذن لهم لإيهامه إن لهم عذرا لكن لم يؤذن لهم فيه فتأمل في التوفيق مستعينا بولي التوفيق وقراءة تنفع بالتاء ظاهرة وقراءة الياء لأنه مصدر وتأنيثه غير حقيقي مع أنه فصل منه. قوله: (جهنم (تفسير للدار وسوءها ما يسوء فيها من العذاب فإضافته لامية أو هو من إضافة لصفة للموصوف أي الدار السوأى وقوله: ما يهتدي به على أنه مصدر تجوّز به عما ذكر أو جعل عين الهدى مبالغة فيه، وتركنا عليهم الخ يعني أنه جعل مجازا مرسلاً عن الترك لأنه لازم له أو هو استعارة تبعية له، وقوله: هداية وتذكرة الخ إشارة إلى أنه مفعول له أو حال لتأويله بالصفة، والإشارة في قوله من ذلك للهدى، وقوله: بعده أي بعد موته لأن الإرث ما يؤخذ بلا كسب بعد الموت فهذا أتم للشبه فلا وجه لما قيل ولو فره بقوله: جعلنا بني إسرائيل آخذين الكتاب عنه بلا كسب ليشمل من في حياته كما يقال العلماء ورثة الأنبياء كان أولى. قوله: (لذوي العقول السليمة (خصهم لأنهم المنتفعون به وإلا فهدايته عاقة كما مرّ مثله مراراً، وقوله: فاصبر الخ الظاهر أنه بتقدير إذا عرفت ما قصصناه عليك للتأسي فاصبر وإليه أشار بقوله: واستشهد بصيغة الماضي، أو هو بصيغة الأمر والمعنى اجعله شاهداً لك ولنصرنا لك فالنصر له أو عام له وللمؤمنين، وقوله: أقبل على أمر دينك بالدال المهملة والياء المثناة التحتية والنون وفي بعض النسخ بالذال المعجمة والنون والباء

الموحدة، والظاهر أنه تحريف لأن تعبيره غير ملائم له كما لا يخفى على من له فطنة سليمة إذ مراده تأويل ما في النظم، من إضافة الذنب له مع عصمته وطهارته عن دنس الآثام بأن المراد أمره بالإقبال على الدين وتلافي ما ربما يصدر مما يعد بالنسبة له ذنبأ، وإن لم يكنه فقوله: تدارك بصيغة الأمر أو المصدر، وقوله: بترك متعلق بفرطات وهو ما صدر عن غير قصد وتعمد تام والاهتمام

ص: 376

إن كان تدارك مصدار فهو معطوف عليه ويجوز عطفه على الأولى، وقوله: بالاستغفار بتدارك وقوله: فإنه تعالى كافيك الخ تعليل لما قبله من قوله: أقبل الخ ولا ينافي ما ذكر كونه تعليماً لأمّنه. قوله: (ودم على التسبيح الخ) يعني بالعشيّ، والإبكار كناية عن دوام تسبيحه كما يقال بكرة وأصيلا وقد مرّ مثله وتحقيقه أو هو تخصيص للوقتين على أن المراد بالتسبيح الصلاة بناء على ما ذكره والقائل بعدم فرض الصلوات الخمس بمكة الحسن لا غير، وقد مرّ في الروم أنه يقول كان الواجب ركعتين في أفي وقت اتفق وكله مخالف للصحيح المشهور فيجوز أن يراد الدوام، ويراد بالتسبيح الصلوات الخمس ولذا ذهب الحسن رحمه الله بناء على مذهبه إلى أن هذه الآية مدنية على التخصيص يجوز إرادة التسبيح بمعناه الحقيقي أيضاً. قوله: (عام في كل مجادل مبطل (البطلان مأخوذ من كونه بغير سلطان أي حجة، وقوله: وان نزل الخ لأنّ السبب لا يخصص ومن قال: نزلت في اليهود يجعلها مدنية كما مرّ، وقوله: حين قالوا الخ المراد بصاحبنا النبيّ المبشر به في الثوراة فالإضافة فيه لأدنى ملابسة، والمسيح ابن داود والدجال لأنه من اليهود كما ورد في الأحاديث ويسمى المسيح بالحاء المهملة فقيل: لشؤمه لأنه يطلق المسيح على من فيه شؤم وقيل لكونه أعور والمسيح هو من مسح وجهه بأن لم يبق في أحد شقيه عين ولا حاجب كما في كتاب العين، ونقل ابن مأكولا عن الصوري أنّ المسيح بالحاء المهملة عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وأمّا اسم الدجال فهو مسيخ بالخاء المعجمة من المسخ. قوله: (إن في صدورهم (أي في قلوبهم فأطلقت عليها للمجاورة والملابسة، وقوله: أو إرادة الرياسة تفسير للكبر معطوف على قوله: تكبر فيكون

مجازاً عنه لما بينهما من التلازم، وقوله: أو أنّ النبوّة الخ معطوف على الرياسة بأو العاطفة، وقوله: ببالغي دفع الآيات فالضمير عائد إليه لفهمه من المجادلة إذ هو المقصود منها والجملة مستأنفة على هذا فإن كان الضمير للمراد جاز ذلك وكونه صفة كبر أيضا، وقوله: إنه الخ تعليل للأمر قبله. قوله: (فمن قدر على خلقها (أي خلق هذه الأجرام العظيمة وفي نسخة خلقهما وهما بمعنى، وقوله: من غير أصل أي مادة ونحوها، وهو تفسير لقوله: أوّلا أي ابتداء، وقوله: من أصل بناء على أنه ليس بمعدوم الأصل والمادة ولو عجب لذنب الذي منه يخلق خلق النخلة من النواة. قوله: (لا شكل ما يجادلون فيه من أمر التوحيد (وفي نسخة بأمر التوحيد بالباء بدل من والمقصود كما صرّح به الزمخشريّ بيان اتصال هذه الآية بما قبلها لأنه لما ذكر قبله التوحيد وما يثبته ونعى على المشركين شركهم، ثم فذلك قبيل هذه الآية بأق مجادلتهم كلها إنما دعاهم لها التكبر بغير حق، والطمع فميا لا ينالونه عقبه بما ذكر مما يثبت أمر البعث كما في قوله:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم} [سورة يس، الآية: 81] الآية لأنّ اللازم بعد الإيمان بالله ووحدانيته معرفة أمر المبدأ والمعاد هذا ما أراده بلا مرية لك الكلام في عبارته، أمّا على نسخة الباء فهو واضح لأن أشكل بمعنى أشبه كما تقول هذا من أشكاله أي أشباهه وإضرابه وهي متقاربة المعنى يعني إنه شيء بأشبه شيء بأمر التوحيد، وأقربه في كثرة المجادلة في شأنه وكونه من ألزم اللوازم معرفته وعلى النسخة الأخرى فأشكل بمعناه السابق أيضاً لكنه ضمن معنى أقرب فتعلقت من به بهذا الاعتبار وهذا أصح مما قيل إن من متعلق بأشكل والمعنى إنه أصعب من أمر التوحيد في مجادلتهم فإنه ظاهر لا يحتاج لبيان بطلان مجادلتهم فيه بخلاف هذا فلذا خص بالبيان، وأمّا ما قيل إنّ معنى الآية خلق هذه الأمور أكبر من خلقهم فما بالهم يجادلون، ويتكبرون على خالقهم فقليل الفائدة والجدوى. قوله: الأنهم لا ينظرون الخ (إشارة إلى ما ذكره الراغب في الغرة من أنّ ما قبله لما كان لإثبات البعث الذي يشهد له العقل ناسب نفي العلم عن الناس ممن كفر به لأنهم لو كانوا من العقلاء الذين من شأنهم التدبر والتفكر فيما يدل عليه لم يصدر عنهم مثله، ولذا لم يذكر له مفعولاً لأنّ المناسب للمقام تنزيله منزلة اللازم. قوله: (الغافل والمستبصر (يعني أن الوصفين المذكورين مستعاران لمن غفل عن معرفة الحق في مبدئه، ومعاده ومن كان له بصيرة في معرفتهما ولذا قدم الأعمى لمناسبته لما قبله من نفي النظر، والتأمّل وقدم الذين آمنوا لمده لمجاورة البصير، ولشرفهم وفي مثله ظرف أن يجاور كل ما يناسبه كما هنا وأن يقدم ما يفايل الأوّل ويؤخر ما يقابل الآخر كقوله:{ {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ}

ص: 377

وأن يؤخر المتقابلان كالأعمى والأصئم والبصير والسميع والكل جائز وأما تفسيره بالصنم والله كما مرّ في سورة فاطر فغير مناسب هنا. قوله:) والمحسن والمسيء (الأوّل تفسير للذين آمنوا ولذا قابله بالمسيء فعدل عن التقابل الظاهر إشارة إلى أنهم علم في الإحسان ففيه لف ونشر لما قبله غير مرتب، وقوله: فينبغي أن يكون الخ إشارة إلى أن المقصود من عدم استوائهما ليس تفاوت حالهم في الدنيا بل في دار الجزاء بعد البعث لأنه لو لم يكن ذلك كان خلقهما عبثا منافياً لحكمة الصانع الحكيم، ولذا ذكره بعد الحجة على المعاد وعقبه بقوله: قليلا ما يتذكرون. قوله:) وزيادة لا في المسيء الخ (ليس المراد إنها زائدة رأسا بل إنها أعيدت تذكيراً للنفي السابق لما بينهما من الفصل بطول الصلة لأنّ المقصود بالنفي إنّ الكافر المسيء لا يساوي المؤمن المحسن وذكر عدم مساواة الأعمى للبصير توطئة له، ولو لم يعد النفي فيه ربما ذهل عنه وظن أنه ابتدأ كلام ولو قيل: ولا الذين آمنوا والمسيء لم يكن نصاً فيه لاحتمال أنه مبتدأ قليلا ما يتذكرون خبره وجمع على المعنى فما قيل من أن المقصود نفي مساواته للمحسن لا نفي مساواة المحسن له إذ المراد بيان خسارته فلذا اكتفى بالنفي السابق في الذين آمنوا فيه أن المراد نفي المساواة من الطرفين فتأمل. قوله: (والعاطف الثاني عطف الموصول الخ (إشارة إلى أنّ المراد عطف المجموع على المجموع كما في قوله هو الأوّل والآخر والظاهر، والباطن ولم يترك العطف بينهما لأنّ الأوّل مشبه به والثاني مشبه فهما بحسب المآل متحدان فكان ينبغي ترك العطف بينهما لأنّ كلاً من الوصفين مغاير لكل من الوصفين الآخرين وتغاير الصفات كتغاير الذوات في صحة التعاطف كما مرّ ووجه التغاير أنّ الغافل والمستبصر والمحسن، والمسيء صفات متغايرة المفهوم بقطع النظر عن اتحاد ما صدقها، وعدمه ولا حاجة إلى القول بأن القصد في الأوّلين إلى العلم وفي الآخرين إلى العمل، وقوله: أو الدلالة بالصراحة الخ هذا بناء على اتحادهما في الما صدق ولكن لما بينهما من التغاير الاعتباري إذ أحدهما صريح والآخر مذكور على طريق التمثيل عطف وفيه نظر لأنه لو اكتفى بمجز هذه المغايرة لزم جواز عطف المشبه على المشبه به وعكسه. قوله: (تذكر إئا قليلَا) يعني أنّ نصبه ونه صفة مصدر مقدر، وقوله: على تغليب المخاطب الخ الظاهر جريانه على الوجهين لأن بعض الناس أو الكفار مخاطب هنا والتقليل أيضاً يصح إجراؤه على ظاهره لأن منهم من يتذكر ويهتدي لإسلامه وجعله بمعنى النف على كونه ضمير الكفار أولى كما أنه على حقيقته إذ رجع للناس،

وأمّا تخصيص التغليب بما إذا رجع للناس والالتفات بما إذا رجع للكفار فلا وجه له وفي الالتفات إظهار للعنف لأنّ الإنكار مواجهة أشد ولذا قيل:

لقدأجلك من يرضيك ظاهره وقدأضاعك من يعصيك مستترا

فهو أبلغ من التغليب فمن قال إنّ هذه النكتة توجد في التغليب مع التعميم فيكون أبلغ لم

يميز وجه الأبلغية فيه حتى يعرف جريانهما فيهما، والظاهر أنّ المخاطب من خاطبه تخييه من قريش فمن قال المخاطب النبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله:" فاصبر " ولا يناسب إدخاله فيمن لم يتذكر فقدمها، وأمر الرسول بتقدير قل قبله فلا يكون التفاتا. قوله:(لوضوح الدلالة الخ (وما ذكر ينفي الريب والشبهة لأنّ ما دل البرهان الواضح على جوازه كما مرّ مرارا من الآيات وأجمع على وقوعه الرسل عليهم الصلاة والسلام، لا ينبغي لعاقل الشك فيه وقوله يحسون به أي يدركونه بالحواس الظاهرة وعداه بالباء لأنه بمعنى الشعور. قوله: (اعبدوتي (فسر الدعاء بالعبادة والاستجابة بالإثابة واطلاق الدعاء على العبادة مجاز لتضمن العبادة له لأنه عبادة خاصة أريد به المطلق وجعل الإثابة لترتبها عليها استجابة مجازاً أو مشاكلة وإنما أوّل به لأنّ ما بعده يدل عليه إذ لو أريد ظاهره قيل: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} ليحسن الاستئناف التعليلي فلزم إمّا جعلى ادعوني بمعنى اعبدوني أو عبادتي بمعنى دعائي واختار تأويل الأوّل قبل الحاجة إليه لأن المقام يناسبه الأمر بالعبادة، ومعنى صاغرين أذلاء. قوله:) كان الاستكبار الصارف عنه الخ (أي نزل الاستكبار عن العبادة الصارف عن الدعاء لأنّ من استكبر عن عبادة الله كان كافراً، ولا يدعوالله مثله فنزل الاستكبار عن العبادة

ص: 378

منزلة عدم الدعاء وعبر به عنه للمبالغة بجعل عدم الدعاء كأنه كفر فلذا أقيم مقامه والفرق بينه وبين ما بعده إنّ العبادة ليست في هذا مجازا بل الاستكبار عنها فتدبر. قوله: (أو المراد بالعبادة) أي تجوّز في الثاني فعبادتي بمعنى دعائي فأطلق العبادة، وأريد بها فرد خاص من أفرادها، وهو الدعاء وهو مجاز أيضا ولو قيل لا حاجة إلى التجوز لأنّ الإضافة المراد بها العهد هنا فيفيد ما ذكر من غير تجوز لكان أحسن. قوله: (لتستريحوا الخ (يعني تسكنوا من السكون لا السكنى، وقوله: بأن الخ بيان لسبب ذلك بأنه لغيبوبة الشمس غلب عليه البرد والظلمة فأدّى برده إلى ضعف القوى المحركة وظلمته إلى هدوّ الحواس الظاهرة أي سكونها ففي قوله ليؤذي الخ لف ونشر. قوله: (يبصر فيه أو به (يعني أن

النهار إمّا ظرف زمان للأبصار أو سبب له وعليهما فإسناد الأبصا له بجعله مبصرا إسناد مجازقي لما بينهما من الملابسة، وعدل إليه للمبالغة بجعل بصر المبصر لقوّته أثر فيما يلابسه حتى كأنه مبصر أيضا، ولذا لم يقل ليبصروا فيه كما في قرينه، فإن قلت لم ترك هذه المبالغة في الأوّل فلم يقل فيه ساكنا قلت قد أجيب عنه بوجوه فقيل: إنّ نعمة النهار أتتم وأعظم فكان أولى بالمبالغة وقيل لأنه يوصف بالسكون، وإن كان لسكون الريح فيه غالبا لكنه شاع حتى صار بمنزلة الحقيقة في وصفه به أو لأنه دلّ على فضل في الأوّل بتقديمه فجبر الثاني بالمبالغة المذكورة، وأما كونه من الاحتباك وأصله مظلما لتسكنوا فيه ومبصراً لتبتغوا من فضله فمثله لا يقال بسلامة الأمير. قوله:(لا يوازبه فضل (بالياء التحتية أي لا يقابله ويقاومه أو بالنون يعني إنّ التنوين والتنكير للتعظيم، والمقصود هنا تعظيم فضله وأنعامه بذكره بعدما عدد منه، ولذا لم يقل لمفضل لأنه يدل على تعظيم ذاته صراحة دون فضله، وليس هذا بمقصود هنا مع أنّ اسم الله يكفي فيه ففي قوله للإشعار به مضاف مقدر أي لقصد الإشعار به. قوله: الجهلهم الخ (أي لعدم علمهم بحقه لأنهم لو علموا حقه وأنه هو المنعم كان ذلك شكرا واغفال مواقع النعم عدم رعاية حقوقها، وقوله: لتخصيص الكفران بهم قال الشارح المحقق: هو من إيقاعه على صريح اسمه الظاهر الموضوع موضع الضمير الدال على أنه شأنه، وخاصته في الغالب لا بمعنى التخصيص الحصري كما توهمه العبارة لأنه لا يناسب المقام فلا دلالة للفظ عليه. قوله: (المخصوص بالآفعال الخ) يشير إلى أنّ اسم الإشارة جعل مبتدأ ليدل على ثبوت ما أخبر به عنه لدلالته على الذات المتصفة بما سبق من التفضلي بما مز من النعم الجسام ولا يكون إلها معبودا إلا من هو كذلك وليس فيما ذكر دلالة على أن لفظ الجلالة صفة لاسم الإشارة كما قيل حتى يلزم مخالفة ما ذكره النحاة ويدعى أنه خالفهم نظراً لأصله بل هو إلى الخبرية أقرب منه إلى ما ذكر، وقوله: الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو أخبار مترادفة صريح فيه، وقوله: لا فائدة في الأخبار به مع عدم إنكار الكفار غير متوجه لأنّ معنى ذلكم المتصف بهذه الصفات هو الإله المعبود لا غيره كما يفيده تعريف الطرفين والمشركون منكرون للتوحيد الذي يدلّ عليه الحصر المستفاد من تعريف الطرفين. قوله: (تخصص! اللاحقة السابقة (المراد بالتخصيص تقليل الاشتراك في المفهوم نظراً إلى أصل الوضع فإن الله المعبود بحق وهو شامل للمربى المنعم وغيره فذكر الرب للتخصيص به وهو أيضا شامل لخالق جميع المخلوقات، وغيره فما بعده اختص به فلا يرد عليه أنّ الله دال على استجماع جميع صفات الكمال فلا حاجة

للتخصيص بغيره، ثم إنه في الأنعام جوّز في بعضها الوصفية والبدلية إلا أنه فيها أخر خالق كل شيء عن قوله: لا إله إلا هو وقدم هنا ولا بد له من نكتة وهي أن المقصود هنا الرد على منكري البعث فناسب تقديم ما يدلّ عليه، وهو أنه مبدأ كل شيء فكذا إعادته والمراد بالتقرير التوكيد وليس المراد بالتخصيص مصطلح النحاة بل تقدير أعني أو أخص فتأمّل. قوله:(استئنافاً) على هذه القراءة وعلى الأولى هو خبر، وقوله: كالنتيجة لأنّ ما قبله يدل على ألوهيته وتفرّده با لألوهية كأنه قيل: الله متصف بما ذكر من الصفات ولا إله إلا من اتصف بها فلا إله إلا هو. قوله: (ومن أقي وجه) تفسير لما قبله لأن أني اسم اوضع للاستفهام عن الجهة تقول أنى يكون هذا أي من أيّ وجه، وطريق كما في المصباح فهو لإنكار جهة يأتي منها وهو أبلغ من إنكاره فالوجه في كلامه بمعنى الجهة وهو أحد معانيه. قوله:) أي كما أفكوا أفك الخ) ما موصولة أو مصدرية وفيه إشارة إلى أن

ص: 379

المضارع بمعنى الماضي، والعدول عنه لاستحضار صورته لغرابته، وقيل إنه للإشعار بأنه ينبغي أن يكون مما لا يتحقق وقوعه وفيه نظر، وقوله بناء أي مبنية وقد فسرت هنا وفي البقرة بالقبة المضروبة لأنّ العرب تسمى المضارب أبنية فهو تشبيه بليغ وهو إشارة لكريتها، وقوله: استدلال ئان والأوّل هو قوله الله الذي جعل لكم الليل الخ.

قوله: (منتصب القامة) أفرده على تأويل كل فرد وبادي البشرة لا مغطي بالشعر والوبر والمراد بالتخطيطات جمع تخطيطة مقابل ما يتقل بالأعضاء كالحواجب، والأصداغ والشوارب في الرجال والأظفار والهيآت المصوّرة وهذا بيان للمحاسن المحسوسة الظاهرة، وما بعده للمعنوية الباطنة، وفسر الطيبات باللذائذ، وقد فسرت بالحلال أيضاً. قوله:) فإنّ كل ما سواه مربوب الخ) فسر المربوبية بافتقار جميع الموجودات إليه ابتداء، وبقاء لأنّ الممكن في كل آن عرضة للزوال لولا استناده إلى ذي الجلال المتعال كما سيأتي تحقيقه في سورة تبارك. قوله: (فاعبدوه (تقدّم أنّ الدعاء ورد بمعنى العبادة كعكسه وفسره به هنا من غير تعرض للاحتمال الآخر لأن قوله مخلصين له الدين يقتضيه، ولأنه هو المترتب على ما ذكر من أوصاف الربوبية

الألوهية، وإنما ذكر بعنوان الدعاء لأنّ اللائق هو العبادة على وجه التضرّع والانكسار والخضوع. قوله:) أي الطاعة (تفسير للدين، وقوله: من الشرك والرياء متعلق بمخلصين وقوله: قائلين له قدر هذا في الكشاف قبل قوله: الحمد لله على أنه من كلام المأمورين بالعبادة قبله، ويجوز كونه من كلامه تعالى على أنه إنشاء لحمد ذاته بذاته فإن كان هذا متعلقا بما قبله فلا وجه لتأخيره، وذكر له إلا أن يكون هذا من تحريف الكاتب فإن تعلق بما بعده ففيه بعد إذ لا حاجة لتقديره إلا لارتباطه بما قبله فتأمله. قوله: (من الحجج والآيات الخ) يعني المراد من البينات ما يدل على التوحيد من البراهين العقلية، وهو المراد بالحجج والسمعية وهو المراد بالآيات، وليس هذا مبنياً على الحسن والقبح العقليين كما يتوهم لأنّ إثبات الصانع ووحدانيته إنما تثبت بالعقل عندنا أيضاً لئلا يلزم الدور لو توقف على الأدلة السمعية، وقوله: فإنها مقوية الخ إشارة إلى دفع ما يرد من الاعتراض على تعدد الأدلة بأنّ الثاني لا يفيد حينئذ لحصول اليقين بالأوّل ومبناه على أنّ اليقين يقبل زيادة القوّة، والاطمئنان فلا يرد عليه أنه مبنيئ على الاعتزال كما توهم ثم إنّ الآية إن كانت لإرشاد الأمّة فظاهر، وان كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فهو مما لا يتصوّر منه فالمراد به إنه أكمل الناس عقلاً وقد خلق مبرّأ منه وقامت لديه شواهد العقل حتى كأنها نهته عنه، وذلك قبل ورود الآيات السمعية فلا معنى لترتيبها عليها، وإنما المترتب عليها تقوية ذلك والتنبيه عليه أو الدعوة إليه، واظهاره وقوله إن انقاد في إخلاص ديني وفي نسخته وأخلص ديني بالعطف وفيه إشارة إلى أنّ الأمر للإرشاد والدوام على قوة ما اقتضاه فطرته المنقادة من دنس الآثام. قوله:(أطفالاً) هو تفسير للمعنى المراد منه لأنه اسم جنس صادق على القليل والكثير، وفي المصباح قال ابن الأنباري: ويكون الطفل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والجمع كقوله أو الطفل الذين لم يظهروا الآية ويجوز فيه المطابقة أيضا أو هو بتأويل خلق كل فرد من هذا النوع، وقد مرّ بيان المراد من خلقهم من التراب، وقوله: وكذا في قوله: يعني له متعلق آخر مقدر وإنما قدره لأنه محتمل لأن يكون المراد أن منهم من يبلغ الأشد فقط ومنهم من يزيد عليه والأشدّ تقدم تفسيره، وقوله: وقرأ نافع الخ والباقون الأكثر بكسر الشين وفي نسخة وقرئ شيوخا بالكسر، وقيل عليه التعبير عن قراءة الأكثر بصيغة المجهول غير معقول ولا مقبول والأمر فيه سهل. قوله:(ويفعل ذلك لتبلغوا الخ) ذلك إشارة إلى خلقهم من

تراب وما بعده من الأطوار والجار والمجرور متعلق به، وهو معطوف على خلقكم، ويجوز عطف الأوّل على علة مقدرة كخلقكم لتعيشوا ونحوه وعطف ما بعده عليه. قوله:) هو وقت الموت أو يوم القيامة) ظاهره يميل لترجيح الأوّل لأنه أنسب بالسياق لأنّ خلقهم للعبادة، ثم الجزاء عليها إمّا أنه ليبلغوا القيامة فلا يتبين له وجه إلا بالترتيب على الأجل الأوّل أعني الموت فكما يترتب الجزاء على العبادة يترتب وقت الجزاء على الوقت قبله فإن صح لت! بلغوا موقف الجزاء صح لتبلغوا أجل الموت لكن الملاءمة مع القرائن تنبني على ترجيح هذا الوجه، وهو الحق لأنّ وقت الموت فهم من ذكر التوفي قبله، وليس المراد من يوم القيامة

ص: 380

إلا ما فيه من الجزاء ولأنّ الآية تكون جامعة للأطوار البشرية من مبدأ أمره إلى آخره لكنه جمل لشى المقصود بيان امتداد الأحوال إلى القيامة، ولذا قيل لكل وجهة. قوله:(ولعلكم تعقلون (عطف على قوله: ولتبلغوا الخ، وهذا مما يؤيد القول بأنها تكون للتعليل، وقوله: ما في ذلك أي التنقل في الأطوار إلى الأجل المذكور، وقوله: فإذا أراده أي أراد بروزه إلى الوجود الخارجي وإنما فسره بما ذكر لأنه هو المناسب لتعقيب التكوين له عليه فإنه يعقب إرادة الإيجاد، وقوله: فلا يحتاج في تكوينه وخلقه إلى عدة بضمّ العين وتشديد الدال المراد به الآلة وهذا بيان للمعنى المراد به وأنه تمثيل كما مرّ تحقيقه. قوله:) من حيث إنه يقتضي قدرة ذاتية الخ (تعليل لترتبه على ما قبله فإنّ القدرة منسوبة إلى الذات وجميع الأشياء بالنسبة إليها على حد سواء فكما يسند إليها الآلات والعدد يستعد ما هي آلة، وعدة له فلا يتوقف أحدهما على الآخر فتدبر، وقد جوّز في هذه الفاء كونها تفصيلية وتعليلية أيضا فتأمّل. قوله: (عن التصديق به (أي بالله ووحدانيته بناء على أنّ المراد من آيات الله دلائل توحيده الدالة عليه، ولو قال بها كان صحيحا أيضا بل هو أظهر كما قيل، وقيل: إنه للأيات بتأويل الكتاب وقد سقط لفظ به من بعض النسخ، وقوله: لتعدّد المجادل الخ يعني إنه يحمل في كل على معنى مناسب مغاير ففيما مرّ في البعث، وهنا في توحيده أو يجعل مكرّراً للتأكيد للاهتمام بشأنه. قوله: (الذين كذبوا) بدل أو بيان أو صفة له أو منصوب على الذمّ أو خبر محذوف أو مبتدأ خبره فسوف يعلمون. قوله: (من سائر الكتب) إن أريد بالكتاب القرآن وما بعده إذا أريد ما بعده فهو لف ونشر مرتب، وقوله ظرف ليعلمون يعني هو متعلق به، وقوله: إذ المعنى على الاستقبال دفع لما يتراءى من

التنافي والتنافر بين إذ وسوف والأوّل باق على ظاهره لكن إذ هنا بمعنى إذا وعبر بها للدلالة على تحققه حتى كأنه ماض حقيقة. قوله: (أو مبتدأ خبر 0 يسحبون (أو مقدر أي في أرجلهم، وقوله: وهو على الأوّل حال أي من ضمير يعلمون أو أعناقهم، ويجوز أن يكون استئنافاً، ويجوز أيضاً كونه خبر الأغلال وفي أعناقهم حال، وقوله: اذ الأغلال تعليل والأغلال في أعناقهم، وأعناقهم في الأغلال بمعنى وليس من القلب في شيء كما توهم كما أشار إليه المصنف فيما سيأتي، وقوله: وهو على الأوّل أي إذا عطف السلاسل على الأغلال يكون جملة يسحبون حالاً لا خبراً محتاجا لتقدير العائد، وقوله: بالنصب أي نصب السلاسل والمراد بسحبهم للسلاسل كونها طويلة تصل إلى الأرض. قوله: (والسلاسل بالجرّ (أي قرئ به كما قرئ بالرفع والنصب وهو على الجرّ من عطف التوهم لكنه إذا وقع في القرآن يسمى العطف على المعنى تأدبا كما يسمى الزائد صلة فيه. قوله: (من سجر التنور إذا ملأه (فالمراد احتراق ظاهرهم وباطنهم كما في قوله: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} وهذا إذا كان الوقود مصدرا بمعنى الإيقاد والاحتراق فإن كان بمعنى ما يوقد وهو الحطب يكون كقوله في التكوير سجر التنور إذا ملأه بالحطب ليحميه فلا يخالف ما ذكر هنا ما ذكر ثمة كما قيل، وما في الكشف من أنّ السجر من الأضداد أي هو أن يملأ بالوقود أو يفرغ منه، والسجير بمعنى الصديق يجوز أخذه من كل منهما لأنه إذا ملئ حبا فرغ عن غيره وهو معنى، وقوله في القاموس المسجور الموقد والساكن ضد لأنه إذا سكن من الوقد فقد فرغ من الاحترأق فمن قال إنه لا يوجد في اللغة وظن أنّ ما في القاموس مغاير له فقدسها. قوله:) والمراد أنهم يعذبون بأنواع من العذاب الخ) أي المراد بهذا، وما قبله إنهم يعذبون بأنواع من العذاب لسحبهم على وجوههم في النار الموقدة، ثم تسليط النار على باطنهم وأنهم يعذبون ظاهراً وباطنا فلا استدراك في ذكر هذا بعدما تقدم. قوله:) وذلك عقبل أن تقرن بهم اكهتهم الخ) يعني إن السؤال للتوبيخ وضلالهم بمعنى غيهم من ضلت دابته إذا لم يعرف مكانها وقد ذكر في آيات أخر أنهم مقرونون بهم كما في الكشاف فوفق بينهما بأنّ للنار طبقات ولهم مواقف فيها فيجوز غيبتها عنهم في بعضها، ثم اقترانهم بها في بعض آخر أو ضلالهم استعارة لعدم نفعها لهم فحضورهم كالعدم فذكر على حقيقته في بعض! الآيات، وعلى مجازه في آخر كما صزج به بعده. قوله:

(بل تبين لنا إنا لم نكن نعبد شيئاً (اتفق الشيخان على هذا التفسير، وقد جعله بعضهم بمعنى ما كنا مشركين وأنهم كذبوا لحيرتهم واضطرابهم كما مز في الأنعام

ص: 381

ومعنى قوله: كذلك يضل الله الكافرين إنه تعالى حيرهم حتى فزعوا إلى الكذب مع علمهم بأنه لا ينفعهم وادعى أن ما اختاره المصنف لا يلائم الإضراب وليس هذا بشيء معتد به فإن ما ذكر هو المناسب للسياق لأنه من مقول القول وقع جوابا عن السؤال عما عبدوه في الجواب بأن الآلهة الباطلة ليست بموجودة أو ليست بنافعة، ثم أضربوا عن ذلك بأنها ليست شيئا معتداً به، وقد فقدت في وقت كان يتوهم نفعها فيه أو ظهور عدم نفعها فالظاهر أنهم معترفون بخطئهم والندم حيث لا ينفع، وقوله: يعتذ به يعني أنّ نفي الشيئية ليس على ظاهره إذ هو مقرر بل المراد به ذلك إمّا على تقدير صفة أو تنزيل الوجود منزلة العدم كما في قوله:

إذا رأى غير شيء ظنه رجلا

قوله: (مثل هذا الضلال الم يقل إضلال إشارة إلى أن الإشارة لما سبق في قوله: ضلوا

عنا لا لما بعده كما في أمثاله فتدبر. قوله:) حتى لا يهتدوا الخ (يعني أن المراد ضلالهم في الدنيا وهذا على مذهب أهل الحق وهو إشارة إلى تفسيره على الوجه الىشاني في الضلال، وكونه بمعنى عدم النفع كما سنبينه وقوله أو يضلهم عن آلهتهم كذا في الكشاف، وقال الشارح: المحقق فسره بذلك لا بالخذلان جرياً على مقتضى المقام لقوله: قالوا ضلوا عنا بمعنى غابوا عنها من ضلت الدابة إذا لم يعرف موضعها، وهو مبنيّ على الجواب الأوّل من كون ضلالهم بمعنى غيبتهم وقت السؤال التوبيخي فقط أمّا على الثاني من كون الضلال عدم النفع فيتعين المصمير إلى الخذلان عنده، وعندنا إلى أن المعنى مثل هذا الإضلال يضل الله الكافرين حتى لا يهتدوا إلى ما ينفعهم في الآخرة إذ ليس للحمل على مثل ذلك الضلال، وعدم النفع بجعل الله الكافرين ضالين عن آلهتهم بمعنى عدم نفعهم للآلهة كبير معنى اهـ. قوله:) حتى لو تطالبوا الخ (أي لو طلبوا الآلهة وطلبتهم لم يتصادفوا بالفاء أي لم يلق بعضهم بعضاً وهو مبنيئ على الوجه الأوّل لكن قيل عليه إنّ قوله: ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق لا يلائم الإضلال بهذا المعنى، ورد بأن مآل المعنى عليه خيبة ظنهم وانعكاس رجائهم في الآخرة حيث كانوا يعتقدون فيهم أنهم يلاقونهم وينفعونهم فيها فأخبر بأق ذلك لذلك ولا يخفى أنه على هذا يكون هو الوجه السابق بعينه إذ يرجع إلى عدم النفع فيكون رده وارداً عليه، ومثله لا يخفى على الشارح المحقق فالحق في الجواب أن يقال الإشارة لا تتعين أن تكون للإضلال، وذكره على أحد الوجهين وعلى غيره فهو إشارة إلى سحبهم في الأغلال، وتسجيرهم في النار ونحوه

فتدبر. قوله: (تبطرون وتتكبرون الخ (بطر كفرح بطرا إذا أشرّ ونشط غروراً وعدم احتمال للنعمة وبغير الحق فسره بما ذكر ولو فسر بغير استحقاق للتكبر صح، وبين الفرج والمرج تجنيس حسن والمرح كما قال الرغب: شدة الفرح والتوسع فيه كما في قوله: {وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} . قوله: [سورة الإسراء، الآية: 137 ويقال: مرحى عند التعجب، وقوله: للمبا لغة في التوبيخ لأنّ ذمّ المرء في وجهه تشهير له، ولذا قيل النصح بين الملأ تقريع، وقوله: الأبواب السبعة الخ إشارة إلى قوله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} [سورة الحجر، آية: 44] وقد مر تفسيره وقوله مقدرين الخ اشارة إلى أنه حال مقدرة وقد مز تحقيقه وقوله جهنم هو المخصوص المقدر قوله:) وكان مقتضى النظم الخ) يعني حين صدر الكلام بلفظ ادخلوا ناسب أن يجاء في العجز بمدخل ليتجاوبا وأجاب بأنه إنما لم يناسبه إذا اكتفى بقوله: ادخلوا غير مقيد بالخلود ولما قيد به كان معناه مع التقييد معنى مثوى فصح التجاوب، وصار شبيهاً في المعنى بنحو صل في المسجد الحرام فنعم المصلي. قوله: (المقيد بالخلودا لأنّ قيد القيد قيد كشرط الشرط أو لأنّ تقديره يؤل إلى التحقيق فلا يتوهم أنه قيد بتقدير الخلود لأنها حال مقدرة كما عرفت، ومثل هذا الأمر مآله للاتحاد أيضا دون مجرّد الإيجاب والتفويض إلى الاختيار كأوامر التكليف. قوله: (وما مزيدة لتثيد الشرطية ولذلك (أي لتأكيدها بما جاز أن تلحقها نون التوكيد غالباً، وقال الزجاج إنه واجب وردّ بسماعه غير مؤكد كقوله:

فإمّا ترني ولي لمة فإنّ الحوادث أودى بها

لا! إن الشرطية يكون ما بعدها غير متحقق لإفادتها التردد والتأكيد لا يناسب إلا التحقق

فإذا أكد دل على أنه مما يهتم ويعتنى به فيدخل في حكم المتيقن، وقد نسب الجواز إلى سيبويه كما نقله أبو حيان على كلام

ص: 382

فيه ذكره المحشي لكنه هنا زيادة غير مهمة فلذا ضربنا عنه صفحا، وقوله: ولا يلحق مع أن وحدها هذا قول لبعض النحاة وقد أجازه بعضهم على قلة. قوله:) فنجازيهم بأعمالهم (تفسير للمصير إلى الله، وقوله: فذاك الظاهر أنه مبتدأ خبره مقدر

أي فذاك جزاؤهم، وقوله: ويجوز أن يكون جوابا لهما الفرق بين الوجهين التشريك في الجزاء وعدمه، والا فقوله: أو نتوفينك معطوف على نرينك على كلا التقديرين ومعنى كونه جواباً لهما أنه جواب لكل منهما استقلالاً لا لمجموعهما بأن يجعلا بمنزلة شرط واحد لأنه في العطف بالواو دون أو، وان كانت للتسوية ولا يصح كونه جزاء للشرط الأوّل لعدم ارتباطه به ظاهراً، وإن جوّزه بعضهم على معنى أن نعذبهم في حياتك، أو لم نعذبهم فلهم في الآخرة أشد العذاب لرجوعهم إلى عزيز ذي انتقام وما ذكر في الرعد في قوله:{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [سورة الرعد، الآية: 14 من أن الجزاء للشرطين فقيل لأنه لأنّ الغرض ثمة إيجاب التبليغ وأنه ليس عليه سوى ذلك كيفما دارت الحال من إراءة الموعود بإنزال العذاب عليهم أو توفيك قبل ذلك، وههنا التسلية ونفي الشماتة وبيان مدة الأمر بالصبر وإمّا أنّ أريناك الموعود فهو المطلوب لك، والمقصود إذ كانت مطامح أنظار الهمم للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معقودة بذلك، وإن لم يكن الآخر فلا تحزن فإنه منتقم منهم أشد الانتقام فتدبر. قوله:(ويدل على شدّته الاقتصار الخ) هذا يدل على أن الاهتمام بشأن عقاب الآخرة والدنيوية، وقوعه وعدمه على حذ سواء، وكلامه في الكشاف يدل على أن المهتم به عذاب الدنيا لا الأخروي لأنه كائن لا محالة وهو كلام حسن أيضا ولكل وجهة. قوله:(في هذا المعرض) وقع في نسخة بدله الغرض، والمعرض بكسر الميم ووقع في شرح الشافية ضبطه بالفتح والصحيح الأوّل ومعناه هذا القبيل. قوله:) إذ قيل عدد الأنبياء الخ (والرسل منهم ثلثمائة وخمسة عشر جما غفيراً كما وقع في تتمة هذا الحديث، وهو مروقي في كتاب الإمام أحمد ولا يخفى إن الواقع في النظم ذكر الرسول وهو أخص من النبيّ، ولا يلزم من كون المقصوص من الأنبياء قصصه أقل مما ترك كون الرسل كذلك فكان عليه أن يتعرضر له معه أو يقتصر عليه كما قيل، وكأنه اقتصر عليه إشارة إلى أنّ المراد بالرسل هنا الأنبياء فإنه ورد في القرآن مراداً به ذلك في مواضع عذة، أو ترك ذكرهيم لعلمه بالقياس أو اتكالا على شهرة الحديث فتأمل، وفي الكشاف عن عليّ كرم الله وجهه أن الله بعث نبيا أسود وهو ممن لم يقصص عليه وفي صحته نظر. قوله: (فانّ المعجزات عطايا الخ) هو جواب عما اقترحوه عليه من الآيات والقسم بكسر القاف جمع قسمة، وقوله: خسر أي هلك أو تبين خسرانه، والظاهر

هو الأوّل لأنّ عادة الله إهلاك من اقترح الآيات وعدم قبول إيمانه كما مرّ، وبهذا ظهر تفريع قوله فإذا جاء الخ على ما قبله والمبطل من أبطل إذا جاء بالباطل وهو ضد الحق، وقوله: بعد ظهور الخ متعلق باقتراج. قوله: (فإن من جنسها ما يؤكل الخ) في عد البقر مما يركب نظر لا يخفى إلا إنه معتاد في بعض الأتراك فما ذكره المصنف مبنيّ عليه، وهو معتاد عند أهل الأخبية منهم كما ذكره بعضهم، ولو ذكر الخيل بدله جاز وأتى بالكاف في المأكول لأنه بقي منه المعز ونحوه بخلاف المركوب ومن في قوله منها تبعيضية كما أشار إليه المصنف رحمه الله أو ابتدائية. قوله تعالى:( {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ) قال الشارح المحقق قدس سرّه: هذه الجملة حالية لكنه يرد على ظاهره إن فيه عطف الحال على المفعول له ولا محيص عنه سوى تقدير معطوف أي وخلق لكم الأنعام منها تأكلون ليكون من عطف جملة على جملة) أقول الم يلح لي وجه جعل هذه الواو عاطفة محتاجة إلى التقدير المذكور مع أن الظاهر إنها واو حالية سواء قلنا إنها حال من الفاعل أو المفعول حتى جعله بعضهم هربا من التقدير من العطف على المعنى فإنّ قوله: لتركبوا منها في معنى منها تركبون، أو على العكس مع أنه تكلف لا يجري مثله على القياس والتقدير أسهل منه، وقوله: ما يؤكل يعني ولا يركب، وقوله: عليها وعلى الفلك أي على جنسها، وقيل: إنه من نسبة ما للبعض إلى الكل وفيه نظر. قوله:) كالغنم (إشارة إلى أن الأنعام هنا الأزواج الثمانية لا الإبل خاصة كما في الكشاف، لكن الظاهر ما ذهب إليه الزمخشري، وكون المقام مقام امتنان مقتض للتعميم غير مسلم بل هو مقام استدلال كقوله: أفلا ينظرون إلى لإبل كيف خلقت ولا يأباه

ص: 383

ذكر المنافع فإنه استطرادي، وقوله: ولتبلغوا الخ هو عامّ في الركوب وحمل الأثقال، وأمّا قوله: وعليها فذكر توطئة لقوله وعلى الفلك ليجمع بين سفائن البرّ والبحر فلا تكررا فيه. قوله: (وإنما قال على الفلك الخ) يعني لم يقل في الفلك كما في قوله: {احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [سورة هود، الآية: 40] لأنّ معنى الظرفية والاستعلاء موجود فيها فيصح كل من العبارتين والمرجح لهذا المشاكلة بينه وبين قوله عليها وهو المراد بالمزاوجة هنا، ولذا اقتصر المصنف عليه لأنّ المصحح لا يتم بدونه، ولذا لم يذكره في الكشاف، وأما قول ابن الحاجب في الأمالي إن الاستعلاء فيه أظهر من الظرفية فلذا لم يورد بفي لأنّ الإنسان يسكن في أعلاه لا في باطنه كغيره، وقوله: في الفلك المشحون لنكتة ذكرها فغير مسليم من أنه على تسليمه لا ينافي المشاكلة كما توهم. قوله: (وتغيير النظم في اكل الخ (يعني أن مدخول لام الغرض لا يلزم أن يترتب على الفعل فالتغيير إلى صورة الجملة الحالية مع الإتيان بصيغة الاستمرار للتنبيه على امتيازه عن الركوب في كونه من

ضروريات الإنسان، ويطرد هذا الوجه في قوله:{لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} لأنّ المراد منفعة الأكل واللبس وهو أيضاً مما يلحق بالضروريات وأيضا كان الأحسن تقديمه كما قيل، ويدفع بأن مراده إنه فرق في التعبير بين ما هو ضروري صراحة، وهو الأكل وغيره واطراده فيما ذكره لا يضرّ لأن الضروري غير مقصود منه لتقدمه، وحديث التقديم والتأخير على فرض تسليمه يسير. قوله:(إذ يقصد به التعيش وهو من الضروريات) هكذا في بعض النسخ وفي أكثرها، وقيل لأنه يقصد به التعيش الخ، وهي المعتمدة عند أرباب الحواشي فيكون إشارة إلى ما في الكشاف ذكر الركوب وبلوغ الحاجة باللام بخلاف الأكل والحمل وسائر المنافع لنكتة لأن ما دخله اللام غرض متعلق للطلب وجنس الركوب، وبلوغ الحاجة كذلك لأن فيه واجبا ومندوباً تتعلق به إرادة الحكيم بخلاف الأكل واصابة المنافع لأن منه ما هو مباح لا يتعلق به الطلب وهو مبنيّ، كما قيل على أن كل مطلوب مراد وكل مطلوب ليس بلازم أن يكون مدخولاً مراداً، ومدخول لام الغرض مراداً بتة وفيه ما فيه مع أنه لا بعد في دخول اللام على المباح كقوله في الليل:{لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [سورة يونس، الآية: 67] والأولى أن المراد به بالأنعام الإبل وعمدة منافعها الركوب دون الأكل ومنافع الأوبار والألبان وتقديم منها وعليها للاهتمام والفاصلة دون الاختصاص، وقيل: إنهم في الحال آكلون منتفعون بخلاف الركوب ولما مرّ مرضه المصنف وأيضاً الأكل قد يقصد به التقوّي على الطاعة كما أن الركوب قد يكون للتلذذ وهوى النفس، وقوله: لأغراض دينية يعني فأدخلت عليه لام العلة، والغرض للتنبيه على هذا الفرق. قوله:(أو للفرق بين العين) وهي المأكول، والمنفعة وهي ما سواه والغرض في الحقيقة متعلق بالذات بالمنافع دون الأعيان فلا ينافي كون الأكل منفعة، ولذا قيل لتأكلوا منه، ومثله من المناسبات لا يلزم اطراده وهو معطوف على ما بعد قيل أو على ما قبله. قوله: (فأيّ آيات الله تنكرون (استفهام توبيخي، وقوله: قدرته متعلقاً بضميره بتفدير تنكرونه فحينئذ الأولى رفعه لعدم احتياجه للتقدير من غير ضرورة، وقوله: والتفرقة بين المذكر والمؤنث المستفهم منه أغرب من التفرقة في أسماء الأجناس كحمار وحمارة فإن الأكثر المعروف جريانه في الصفات المشتقة، وقوله: لإبهامه لأنه اسم استفهام عما هو مبهم مجهول عند السائل، والتفرقة مخالفة لما ذكر لأنها تقتضي التمييز بين ما هو مؤنث ومذكر فيكون معلوماً له فلذا لم يؤنث هنا كما في قوله:

بأي كتماب أم بأية سنة

وقوله أفلم يسيروا الخ مرّ تفسيره، وب! ان ما وقع بالفاء والواو والفرق بينهما، وقوله ما

بقي منهم أي من آثارهم والمصانع مجاري الماء وفسرت هنا بالحياض وهو الظاهر، وقوله: وقيل آثار أقدامهم مرضه لأن مثلها لا يطول بقاؤه حتى يعتبر به من يراه. قوله: (أو استفهامية (والاستفهام المراد منه الإنكار وقوله: مرفوعة به أي بأغنى لأنها فاعلة له وما الموصولة لا إشكال في كون المحل من رفع وغيره لها على المشهور، لىان قيل إنه لها وللصلة معا، وإما ما المصدرية فلا محل لها وإنما المحل لها وللصله معاً لأنها في تأولل مصدر وحكمه كلمة واحدة ففيه تسمح اتكالاً على فهم السامع، وقوله: الآيات الواضحات أي علامات النبوّة، وهم أعتم مما قبله وفي نسخة عطفه لجاو وفي أخرى بالواو ولكل وجه، وقوله: واستحقروا

ص: 384