المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

انضمّ إليه قوله وتول عنهم حتى حين المؤكد لمثله فيما - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٧

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: انضمّ إليه قوله وتول عنهم حتى حين المؤكد لمثله فيما

انضمّ إليه قوله وتول عنهم حتى حين المؤكد لمثله فيما قبل، ويحتمل أنّ قوله فتول الخ تأكيد لقوله وتول الخ وقد انضمّ تأكيده له لتأكيده هو لقوله ولقد سبقت فإنه مؤكد لما تضمنه من الوعد، ويؤيد الأوّل كون الإطلاق بعد التقييد مخ‌

‌ص

وصاً بقوله، وأبصر فسوف يبصرون فالظاهر أنّ التأكيد فيه أيضا. قوله:(وإطلاق بعد قييد للإشعار الخ) متعلق بإطلاق والإطلاق في أبصر ويبصرون إذ لم يذكر له مفعول وقد ذكر في الأوّل في أبصرهم لفظاً وفي يبصرون تقديراً لأنّ اقترانه بالمقيد يقتضي تقييده، ولكنه ترك للفاصلة وعموم هذا لا ينافي كونه تأكيداً لأنه يئكده بشموله لمعناه، أو باعتبار أنّ المراد منهما واحد وما ذكر إنما هو نظر للظاهر المتبادر، ومثله يكفي لإيهام تلك النكتة فما قيل إنه مقيد ايضاً لكنه اكتفى عن التصريح هنا بما مرّ غير متجه. قوله:(ما لا يحيط به الذكر) إشارة إلى أنه يقدر له مفعول عامّ، وقد كان الأوّل خاصا، وبهذا ظهر معنى آخر للإطلاق والتقييد في كلام المصنف، وأصناف المسرّة الخ لف ونشر مرتب ليبصر ويبصرون. قوله:(وإضافة الرب إلى لمعزة لاختصاصها به) الذي في الكشاف لاختصاصه بها وهو الظاهر لأنّ الباء داخلة في المقصور، والمضاف يتخصص بالمضاف إليه لا العكس كما ذكره إلا أن تجعل الباء داخلة على المقصور عليه فإنّ كلاً منهما جائز ولا حاجة إلى جعل اللام للاستغراق فإنّ اختصاص الجنس يلزم منها ختصاص جميع الأفراد كما قرّر في الفاتحة، وما قاله المشركون الشريك والولد وعدم القدرة على البعث. قوله:(إذ لا عزة إلا له أو لمن أعزه) وعزه من أعزه له فالاختصاص على ظاهره، وقوله أدرج فيه الخ إمّا السلبية فمن التنزيه عما لا يليق به، وهو شامل لجميعها والمذكور وان كان تنزيها عما وصفوه به لكنه يعلم منه غيره بطريق الدلالة، ويدخل في

الصفات السلبية عدم الثريك فيدل على التوحيد، وإنما صرّح به اعتناء به لأنه أهمها فلا وجه لما قيل إنّ قوله مع الإشعار بالتوحيد غير سديد نهايته أنّ في تعبيره نوع مسامحة أو يقال لم يدخله فيها وأخذه من اختصاص العزة به لأنه لو كان له شريك شاركه في العزة بمفهوم الشركة، وللزومها للألوهية، والصفات الثبوتية من العزة فإنّ صفاته كلها صفات كمال وثبوت كل صفة كمال عزة والعزة تعريفها للاستغراق أو تدل عليه كما مرّ، وقيل كونه ربا ومالكاً للعزة يكون بعد كونه حياً عالماً مريدا قادرا سميعا بصيراً، والا لما تأتت الربوبية وكونه رباً للنبيّ صلى الله عليه وسلم المأمور بتبليغ كلامه المتحدّي به يقتضي كونه متكلما، والتوحيد من إثبات العزة ولا يخفى ما فيه، وقوله على ما أفاض عليهم أي على الرسل وجعل الحمد في مقابلة النعم بمقتضى المقام وذكره بعد شامل الأنعام. قوله:(ولذلك أخره عن التسليم) جواب عما يخطر بالخواطر من أنّ الله وحمده أجل من السلام على الرسل فكان ينبغي تقديمه على ما هو المنهج المعروف في الخطب والكتب، بأنّ المراد بالحمد هنا الشكر على النعم والباعث عليه هو النعم ومن أجلها إرسال الرسل الذي هو وسيلة لخير الدارين والباعث على الشيء يتقدم عليه في الوجود لا في الرتبة فلذا قدم ذكره قيل وإيماء إلى أنّ ثناءه عليهم المتقدم بمحض فضله لاختصاص المحامد به. قوله:(والمراد تعليم المؤمنين كيف يحمدونه الخ) وكيف يسبحونه أيضاً ولا تعلق لهذا بما قبله والا لعاد السؤال عليه. قوله: (وعن علئ كرّم الله وجهه الخ (أخرجه ابن أبي حاتم وغيره وهو استعارة حسنة إمّا تبعية في يكتال بمعنى يجوز وتصريحية في المكيال إلا وفي أو هو ترشيح للاستعارة أو مكنية أو تخييلية بأن يشبه الأجر بما يكتال من الغذاء كالبر، ويثبت له الكيل والمكيال تخييلاً، وقوله من قرأ الصافات الخ حديث موضوع من حديث أبيّ بن كعب المشهور تمت السورة والحمد لله على التمام، وأفضل صلاة وسلام على خاتم النبيين وآله الكرام.

سورة ص

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (مكية) قال الداني في كتاب العدد، وقيل مدنية وليس بصحيح وآياتها خمس وثمانون، وقيل ست وقيل

ص: 292

ثمان ولم يقل أحداً أنّ ص، وحدها آية كما قيل في غيرها من الحروف في أوائل السور، وقد مرّ إعرابه في سورة البقرة. قوله: (بالكسرا لأنه الأصل في التخلص من الساكنين كما قال بعض الظرفاء:

لأيّ معنى كسرت قلبي وما التقى فيه ساكنان

وقوله يعارض الصوت الأوّل أي يقابله بمثله في الأماكن الخالية والأجرام الصلبة العالية،

وقوله عارض القرآن بعملك أي اعمل بأوامره ونواهيه. قوله: الأنه أمر) استعيم لما ذكر أو استعمل في مطلق الموافقة، وقوله لذلك أي لالتقاء الساكنين أيضاً فإنه يتخلص منه بالكسر لأنه أخو السكون، وهو اكثر ولذا قدمه وبالفتح لخفته والحركة فيهما بنائية. قوله:) أو لحذف حرف القسم الخ) توجيه آخر للفتح على أنه معرب بأنه منصوب بفعل القسم بعد نزع الخافض لما فيه من معنى التعظيم المتعدى بنفسه، أو مجرور بالفتح لمنع صرفه، ولذا عبر بالحذف والإضمار لفرق شراح الكشاف بينهما بأنّ الحذف ترك ما لم يبق أثره والإضممار خلافه وهو اصطلاح للنحاة أغلبيّ فلا يرد قوله في الهداية يضمر حرف الفسم فينصب أو يجرّ كما قيل. قوله:(لأنها علم السورة) قد مرّ ما حققه الشريف في أوجل البقرة من أنه إذا اشتهر! سمى بإطلاق لفظ عليه يلاحظ المسمى في ضمن ذلك اللفظ، وأنه بهذا الاعتبار يصح اعتبار التأنيث في الاسم فاندفع أنه ليس علما للفظ السورة، بل لمعناها فلا تأنيث فيه ومر ماله وعليه ثمة فإن أردت تفصيله فانظره. قوله:) وبالجرّ والتنوين على تأويل الكتاب (ولا ينافيه كون الثلاثي الساكن الوسط يجوز صرفه بل هو الأرجح وإن لم يؤوّل كما صرّحوا به كما قيل لأنه يؤيده فإنه لا مانع من اجتماع سببين لشيء، ويقتصر على أحدهما لاطراده في الساكن وغيره كما دفع به بعضهم هذا لا يراد وفيه أنه إذا جاز صرفه بلا تأويل يصير ذكر التأويل عبثا بل مصبّ الإبهام أنه إذا لم يؤوّل امتنع فالظاهر أنّ مراده بالتأويل التفسير أي إذا جعل اسماً للقرآن كان مصروفا

حتماً، وهو أحد الاحتمالات في الحروف المقطعة كما مرّ. قوله:(مذكورا للتحدّي) هكذا هو في النسخ الصحيحة بدون أو ووقع في نسخة بها فقيل الأولى طرحها وجهت بأنّ المراد ذكرها للتحدي سواء كانت اسم حرف أولاً فتظهر المقابلة بينهما وفيه نظر، وقيل المراد بكونه اسم حرف سواء كان للتحدي أو لا وقد مرّ إيضاحه في البقرة وقوله خبراً أي هذه صادا ولفظ الأمر بمعنى عارضه بعملك وعلى كونه اسم السورة فهو لم يظهر رفعه لنية الوقف، وقد قرئ به كما روي عن الحسن وغيره في الشواذ وهذا لا يتمشى على ما ذكره المصنف من القرا آت فكان عليه ذكره وأمّا كون الساكن جعل علما للسورة، ولم يغير فلا وجه له إلا أن يقصد الحكاية. قوله: (وللعطف الخ الا للقسم لئلا يلزم توارد قسمين على مقسم عليه واحد وقد مرّ أنه ضعيف لكن إذا كان الأوّل قسماً منصوبا على الحذف، والإيصال يكون العطف عليه باعتبار المعنى والأصل عكس قوله:

بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائيا

فلا إشكال فيه حتى يلزم حينئذ أنها للقسم كما قيل. قوله: (والجواب اللقسم محذوف

لم يقل كما في الكشاف أنه كلام ظاهره متنافر غير منتظم لما فيه من ترك الأدب فإنّ الحذف في كلامهم كثير والقسم هنا دال على المقسم عليه، وكذا ما قبله كما أشار إليه بقوله دل عليه ما في ص الخ سواء كان اسم حرف دال على التحدي أو اسم السورة فإنّ هذه سورة ص، في معنى هذا المتحدي به المعجز، ولذا جوّز في الكشاف أن يكون هو المقسم عليه وقدم كما تقول هذا حاتم والله أي هذا هو المعروف بالجود، وتركه المصنف لخفائه بالحذف والتقدّم، وجعل المقسم عليه لازم معناه. قوله:(أو الأمر بالمعادلة) أي مقابلة علمه بالقرآن بعمله بما فيه من قولهم هو عدله وعديله أي نظيره، ومقابله وهو معطوف على الدلالة لا على ص، وليست المعادلة تحريفاً وتصحيفاً من المصاداة لتفسيره به السابق كما توهم، وهذا على كونه أمرا، وقوله أي إنه لمعجز على كون القرينة ما في ص، من المتحدي وقوله الواجب الخ على كونه أمراً من المصاداة، وقوله إنّ محمدا الخ على كونه رمزا لصدق محمد صلى الله عليه وسلم ففيه لف ونشر طوى بعضه في الأوّل لقيام القرينة

ص: 293

وللإشارة إلى مرجوحيته ولو صرّح به كان أظفر، وقيل إنه مشترك بينهما لدلالة الإعجاز وعمله به على صدقه وله هنا كلام تركناه لركاكته، وقيل إنه معطوف على قوله محذوف لأنه معنى ص فالمقسم عليه مذكور مقدّم ولا يخفى بعده لأنه غير مذكور صريحا فلا يلائم ما قبله والذكر ضمنا متحقق في الجميع فالظاهر عطفه على قوله إنه لمعجز. قوله:(أو قوله بل الخ) معطوف على قوله محذوف، وهو إشارة إلى ما نقله السمرقندي من قول

بعضهم جواب القسم قوله بل الذين كفروا الخ فإن بل لنفي ما قبله د! اثبات ما بعده فمعناه لي الذين كفروا إلا في عزة وشقاق، وقيل الجواب أنّ ذلك لحق الخ وقيل كم أهلكنا الخ انتهى. وإمّا أن يريد هذا القائل إنّ بل زائدة في الجواب أو ربط بها الجواب لتجريدها لمعنى الإثبات، وأمّا كون الجواب ما كفر من كفر لخلل وجده كما ذكره المصنف لكنه لما أقيم الإضراب مقامه صار كأنه غير محذوف فلا يخفى ما فيه من التكلف فإنه لا يخرجه عن الحذف حتى يكون، مفابلا له، وقيل إنه معطوف على قوله ما في ص الخ أي أو ما في قوله هذا من دلالة الإضراب على أنّ ما يضرب عنه صالح للجواب، أو على قوله ص الخ وقول المصنف وعلى الأوّلين الخ، وإن أباه لكن قوله أيضاً ربما ارتضاه فتأمّل. قوله:(وجده فيه) أي في القرآن، وقوله استكبار عن الحق تفسير للعزة لأنه ليس المراد العزة الحقيقية بل ما يظهرونه منها، وقوله وعلى الأوّل أي التقديرين الأوّلين إنه لمعجز أو لواجب العمل به الإضراب عن الجواب المقدّر وهو ما ذكره لكن ليس إضرابا عن صريحه بل عما يفهم منه، وهو أنّ من كفر لم يكفر لخلل فيه بل تكبراً عن اتباع الحق وعنادا لأنه لا يحسن الإضراب عن ظاهره إلا أن يجعل انتقالياً، وسكت عن الثالث لأنه في حكمهما أو المراد بالأوّلين كونه محذوفاً أو مرموزاً إليه، ويشملهما وهو بناء على ما مرّ وقد عرفت ما فيه. قوله:) أو الشرف والشهرة) وفي نسخة أو الشهرة والأولى أصح لأن شهرته لشرفه كما يقال هو مذكور وانه لذكر لك ولقومك، والمراد بالمواعيد الوعد " والوعيد، وقوله للدلالة على شدتهما يعني أنه للتعظيم، وقوله قرئ في غرّة أي بكسر الغين المعجمة مع راء مهملة قال ابن الأنباري في كتاب الرد على من خالف الإمام إنه قرأ بها رجل وقال إنها أنسب بالشقاق وهو القتال بجد واجتهاد وهذه القراءة افتراء على الله انتهى، التعبير بفي فيهما للدلالة على استغراقهم فيهما، وجملة ولات الخ حالية والعائد مقدّو وان لم يلزم مناصهم. قوله:(هي المشبهة بليسى) في الدمل فترفع الاسم وتنصب الخبر وهو أحد مذاهب فيها ذكرها النحاة كما في المغني وقيل إنها ليست بعينها وأصل ليس بكسر الياء فأبدلت ألفاً لتحركها بعد فتحة، وأبدلت السين تاء كما في ست فإن أصله سدس، وقيل إنه فعل ماض ولات بمعنى نقص وقل فاستعمل في النفي كقل، وهل التاء مزيدة في آخرها أو في أوّل اسم الزمان الواقع بعدها، وهل هي أصلية أو مبدلة أقوال أشهرها الأوّل. قوله: (زيدت عليها تاء

التأنيث للتكيد. قوله: (أي لتثيد معناها، وهو النفي لأنّ زيادة البناء تدل على زبادة المعنى او لأنّ التاء تكون للمبالفة كما في علامة أو لتثيد شبهها بليس جعلها على ثلالة أحرف ساكنة الوسط وقال الوضى إنها لتأنيث الكلمة فتكون لتثيد التأنيث. قوله: (وخصت بلزوم الأحيان) للنحاة في معمولها قولان فقيل تختص بلفظة حين، وقيل لا تختص به بل تعمل فيه وفيما رادفه والسماع شاهد له لدخولها على أوان وكلام المصنف محتمل لهما وقد اتفق أنها لا تعمل في غير اسم الزمان وأما قول المتنبي:

لقدتصبرت حتى لات مصطبر والآن أقحم حتى لات مقتحم

فللواحدفي في شرحه كلام غير مهذب والذي يخرج عليه أنه على قول من لا يخصها

بلفظ حين بل يعمم فيها فيقول تدخل على كل اسم زمان بجعل مصطبر، ومقتحم اسمي زمان لا مصدواً بمعنى الاصطبار والاقتحام أو يقول هي داخلة على لفظ حين مقدّر بعدها فإنه قال في التسهيل إنه قد يحذف ونقله في القاموس وأمّ الخبر بعده ففيه كلام سيأتي فمن قال إنه يدل على عدم اختصاصها بالأحيان لم يصب، وقوله وحذف الخ أي التزموا حذف أحدهما إمّا المرفوع أو المنصوب كما فصله النحاة، والغالب حذف المرفوع وليس بمضمر لأنّ الحرف لا يضمر فيه. قوله:(وقيل هي النافبة للجنس) هذا أحد الأقوال في عملها، وهي إنها تعمل عمل

ص: 294

أنّ فتنصب الاسم لفظاً أو محلاً وترفع الخبر مذكوراً أو مقدّراً، وقد كان عملها على العكس في القول السابق كليس، وقد قيل إنها لا عمل لها أصلا فإن وليها مرفوع فمبتدأ حذف خبره أو منصوب فبعدها فعل مقدر فقوله لهم خبرها على القول الأوّل هنا، وقوله وقيل للفعل أي نافية لفعل مقدر ناصب لما بعدها على قراءة النصب وهو على القول الثاني، وقوله وقرئ بالرفع أي لفظ حين وكونه اسم لا على عملها عمل ليس وكونه مبتدأ على أنها لا عمل لها، وقوله حاصلاً الخ لف ونشر مرتب لهما. قوله:(ويالكسر الخ) أي قرئ بكسر نون حين ولم يقل بجرّها ليشمل القول بانه مبيّ، وقوله طلبوا الخ البيت لأبي زيد الطائي النصراني واسمه المنذر ابن حرملة وهو ممن أدرك الإسلام ولم يسلم وهو من قصيدة أولها:

خبرتنا الركبان إن قد فخرتم وفخرتم بضربة المكاء

يخاطب بني شيبان وقد قتلوا منهم رجلاً على غرّة وقد رواه في الشواهد ليس حين بقاء

على أنّ الشاهد في لات الأولى يقول طلب الأعداء أن نصالحهم، والحال أنه ليس وقت صلح

لأنه بعدما وقع من القتل والشقاق فلذا أجبناهم بأق الزمان ليس زمان بقاء بل زمان التعاني في القتال فالبقاء على ظاهره، أو بمعنى الإبقاء. قوله:(أمّا لأنّ لات تجر الأحيان) أي حرف جرّ يختص بجرّ اسم الزمان كمذ ومنذ، ثم اشتشهد على اختصاص بعض حروف الجرّ بمجرور مخصوص بأنّ لولا الامتناعية تجرّ الضمير المتصل دون غيره وهو قول سيبويه لأنّ حقها أن تدخل على ضمير منفصل كلولا أنتم فإذا دخلت على متصل كلولاه ولولاي كانت جارة وجرّها مختصبذلك كما تختص حتى والكاف بجرّ الظاهر وذهب الأخفش إلى أنه مبتدأ لكنه استعير لضمير الرفع المنفصل وأقيم مقامه، ومنعه المبرد رأساً ولا وجه لاسنبعاد ذلك كاستبعاد أنه لا متعلق له فإنّ لكل منهما نظائر والعهدة فيه على قائله لا على ناقله. قوله:(أو لأنّ أو أن شبه، ذ) هذا منقول عن المبرد في توجيه كسر أو أن في البيت، وقد خطأه ابن جنى فيه وفي تنظيره بإذ لأنّ إذ كان مبنيا لكونه على حرفين وللزوم إضافته للجمل، وأوان ليس كذلك لأنه يضاف للمفرد كقوله:

هذا أوان الشد فاشتدي زيم

فلذا حاول بعضهم تصحيحه بأنه شبه بدراك في زنته، ثم نون عوضا عن المضاف إليه فتشبيهه بإذ صحيح فاندفع أنه إن بني لقطعه عن الإيضافة فحقه الضم كقبل وبعد والا فهو معرب فتدبر. قوله: (ثم حمل عليه مناص الخ (يعني حمل مناص على أوان لأنه لما أضيف إليه الظرف وهو حين نزل منزلته لأنّ المضاف، والمضاف إليه كشيء واحد فقدرت ظرفيته، وهو كان مضافا إذ أصله مناصهم فقطع وصار كأنه ظرف مبني مقطوع عن الإضافة منوّن لقطعه، ثم بني حين على الكسر لإضافته إلى ما هو مبني فرضا وتقديراً وهو مناص المشابه لأوان وهذا تطويل للمسافة، فالأولى كما في المغني أن يقال في التنزيل المذكور اقتضى بناء الحين ابتداء فإنّ مناص معرب وان كان قد قطع عن الإضافة بالحقيقة لكنه ليس بزمان فهو ككل وبعض وليس! امن تعيين الطريق فإن ترك الأقرب الأسهل لخلافه لا يليق، وما ذهب إليه من أنها حرف جرّ وأنه حذف منه حرف جرّ وهو من الاستغراقية كقوله:

ألا رجل جزاه الله خيراً

في رواية الجرّ أهون من هذه التكلفات فإنّ ما ذكر من الحمل لم يؤثر في المحمول نفسه فكيف يؤثر فيما يضاف إليه. قوله: (ولات بالكسر) أي قرئ بكسر التاء فيه فبني عدى الكسر

كجير والإمام اسم لمصحف عثمان رضي الله عنه لأنه متبع، وقوله إذ مثله لم يعهد فيه يعني إنه لم يقع في الإمام في محل آخر مرسوما على خلافه، حتى يقال ما هنا مخالف للقياس الرسمي لاحتمال موافقته له بأن يكون تحين كلمة برأسها كما ذهب إليه أبو عبيدة فلم يحمل على مخالفة القياس مع إمكان الموافقة، والخط القديم لا يعرف كيف رسم فيه وخط بعضهم على أنه متصل بلا فلا عبرة به، والوقف على لات غير مسلم، وقد قال السخاوي في شرح الرائية أنا أستحب الوقف علي لأبعد ما شاهدته في مصحف عثمان، وقد سمعناهم يقولون اذهب فلان وتحين بدون لا وهو كثير في النظم والنثر. قوله:(وتقف الكوفية عليها بالهاء) قال أبو عليّ في الأعمال ينبغي أن يكون الوقف بالتاء بلا خلاف لأنّ قلب اللام هاء مخصوص بالأسماء. قوله: (والأصل اعتباره الخ) قيل لات ساعة مندم ونحوه يدل

ص: 295

على خلافه فيخصه والبيت ظاهر فيما ذكره وكون أصله العاطفونه بهاء السكت فلما أثبتت في الدرج قلبت تاء اعتذار أقبح من الذنب، نعم هو أمر نادر شاذ لا ينبغي حمل كلام الله عليه وحذف كلمة لات مع بقاء حرف منها جائز أيضاً. قوله:(بشر مثلهم أو أمئ من عدادهم) في الكشاف رسول من أنفسهم، والمراد بكونه من أنفسهم إمّا من جنسهم فيكون بمعنى كونه بشراً أو من نوعهم وهم معروفون بالأمية فيكون كالمعنى الثاني، ولكونه مجملا فصله المصنف فلا مخالفة بينهما كما توهم ومجرّد كونه من أنفسهم لا يقتضي التعجب والاستبعاد بل هو باعث بخلافه لعلمهم بصدقه صلى الله عليه وسلم، وأمانته لكونه نشأ بين أظهرهم. قوله:(وضع فيه الظاهر الخ) كان الظاهر أن يقال، وقالوا فأظهر لما ذكر فإن الذم يقتضي كراهتهم والغضب عليهم، والإشعار لأنّ تعليق الأمر بمشتق يقتضي عليه مأخذ الاشتقاق، وحسرهم بمعنى جرأهم عليه وقوله فيما يظهره الخ خصه لأنّ في كل منهما خرق العادة وان كان الفرق بينهما ظاهرا. قوله: (بأن جعل الألوهية الخ الأنه لم يقصد هنا إلى جعل أمور متعددة أمراً واحدا سواء كان محالاً في نفسه أو بل جعل ما لآلهتهم من الألوهية، والعبادة للواحد الأحد والجعل هنا التصيير، وليس تصييراً في الخارج

بل المراد في القول والتسمية، كما في قوله تعالى:{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [سورة الزخرف، الآية: 19] وقوله بليغ لأن صيغة فعال للمبالغة. قوله: (من أنّ الواحد لا يفي علمه وقدرته الخ) قيل عليه إنهم لم يدعوا لآلهتهم علما ولا قدرة وأثبتوهما لله {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة لقمان، الآية: 45] فلو تركه كما في الكشاف كان أحسن والقول بأنهم لو لم يثبتوا لها ذلك ما عبدوها ولا بدع في إسناد المعجز له مع إنكار البعث ونحوه من الرجم بالغيب الذي لا يفيد، وقوله وهو أبلغ لزيادة البنية وهو ظاهر، وقوله وروي رواه أحمد في مسنده وقوله هؤلاء السفهاء أرادوا من أسلم، وقوله يسألونك السؤال كذا وقع في الكشاف والظاهر أنه تحريف وأنه السواء أي العدل كما وقع في غير. من التفاسير وقد يقال المراد أنهم يسألونك أن تسأل منهم ما تريد فتأمّل وارفض بمعنى اترك، وقوله أمعطيّ بتشديد الياء جمع معط مضاف للياء، وقوله تدين أي تنقاد وتطيع وقولهم وعشرا عطف تلقين أي واحدة وعشراً معها، وقوله قالوا ذلك أي أنّ هذا الشيء عجاب الخ. قوله:(أشراف قريش (تفسير للملأ لأنه يخص ذوي الشرف الذي يملؤن العيون بهاء، والاك! حباء، وبكتهم أي استقبلهم بما يكرهون، وقوله قائلين بعضهم الخ بيان لحاصل المعنى على أنّ إن مفسرة كما سيصرّح به لا أن هنا قولاً مقدرا وهو حال لأن المفسرة لا تقع بعد صريح القول بل بعدما تضمن معناه دون لفظه، وفيه نظر، وقوله على عبادتها إشارة إلى تقدير مضاف فيه، وقوله فلا تنفعكم مكالمته أي مكالمة محمد صلى الله عليه وسلم تعليل لما قبله من الأمر بالذهاب والصبر. قوله: (يشعر بالقول) أي يستلزمه عادة إذ المنطلقون من مجلس! غالباً يتفاوضون بما جرى فيه لتضمن المفسر لمعنى القول أعمّ من كونه بطريق الدلالة وغيرها كالمقارنة ومثله كاف فيه، وأما إذا أريد بالانطلاق المعنى الآخر فتضمنه للانطلاق بطريق الدلالة ظاهر وإطلاق

الانطلاق على التكلم الظاهر أنه مجاز مشهور نزل منزلة الحقيقة ويحتمل التجوّز في الإسناد وأصله انطلقت ألسنتهم والمعنى شرعوا في الكلام بهذا القول ووجه تمريضه أنه خلاف الظاهر. قوله: (من مشت المرأة الخ) الظاهر أنه لا يختص بالتفسير الثاني للانطلاق بل هو متأت عليهما، وان كان السياق يخالفه كما أنه على هذا يجوز تفسير إمشوا بانتشروا، وقوله ومته الماشية أي سميت بذلك لأنها من شأنها كثرة الولادة أو تفاؤلاً بذلك، وأما كونها سميت به لكثرة مشيها لتردّدها في رعيها فوجه آخر كاحتمال أنه يقال للمرأة مشت تشبيهاً لها بالبهائم في كثرة الولادة لأنه يكثر في الرعاع كما قيل:

بغاث الطيرأكثرهافراخا وأمّ الصقر مقلاة نزور

وأما القول بأنه دعاء بكثرة الماشية فقد قيل إنه خطأ لأنّ فعله مزيد يقال أمشي إذا كثرت ماشيتة فكان يلزم قطع همزته، والقراءة بخلاف ولو طرحت حركتها على النون كما قاله الرماني وقوله اجتمعوا إشارة إلى أنه تجوّز به عن لازم معناه، وهو أكثر واو اجتمعوا لأنّ المعنى الأصل غير مناسب هنا. قوله:) وقرئ بغير أن) فهو

ص: 296

بإضمار القول أي قائلين وهو أحسن من إضمار أن لأنه لا وجه لتقديره بل هذه دالة على زيادتها في الأخرى وفي قراءة يمشون الجملة حالية أو مستأنفة، والكلام في أن اصبروا كما في أن امشوا سواء تعلق بانطلق أو بما يليه. قوله:(1 نّ هذا الأمر لشيء من ريب الزمان يراد بنا) ذكر الزمخشري في تفسيره وجوهاً أوّلها أن هذا الأمر لشيء يريده الله ويحكم بإمضائه وما أراد الله كونه فلا مردّ له ولا ينفع فيه إلا الصبر، ولم يذكره المصنف مع جعل الزمخشري له أوجه الوجوه فقيل لما فيه من التناقض أو شبهه فإنّ كون أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم مراد الله ينافي كونه كذبا مختلفاً كما سيأتي فلذا لم يذكره، وقيل إنه غير وارد لأنّ كونه كذبا لا ينافي كونه مراد الله إذ يقال قد أراد الله أن يكذب، وهذا يصح لو أورده المصنف وأورد عليه ما أورد أما العلامة فلا لأنه لا يقول إنه يريد الكذب فلذا دفع الإشكال بما ذكره من أنّ قولهم أن هذا إلا اختلاق مخالف لاعتقادهم فيه دمانما هو ممن غلا به مرجل الحسد فلا منافاة ومن غفل عنه قال إنه لا يدفع شبه التناقض فلو سلم لانحسم الإشكال إذ قيل إنهم كانوا شاكين وهذا الجعل ينافيه، وقوله من ريب الزمان بناء على إسنادهم الحوادث والوقائع إلى الدهر، ولذا ورد " لا تسبوا الدهر " (كما مرّ. قوله:) أو أنّ هذا الذي يدعيه الخ (قوله يتمنى أي النبيّ صلى الله عليه وسلم يتمنى التوحيد ولكنه لا يكون كل ما يتمنى فاصبروا راجع إلى الوجه

الأوّل، وقوله أو يريده كل أحد راجع إلى الثاني على اللف والنشر المرتب. قوله:(أو أنّ دينكم يطلب ليؤخذ منكم) فالمشار له بهذا هو دينهم وفي الوجه السابق كان المشار إليه ما وقع من أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم، والمراد بأخذه منهم انتزاعه وطرحه ولو قدر مضاف وهو إبطال لكان أقرب أي يراد إبطاله وتعليل هذه الجملة لما قبلها ظاهر، وكون المراد أنّ دينهم مما يراد ويرغب فيه له وجه لكن لا يتوقف صحة التعليل ولا ظهوره عليه كما توهم. قوله:(أو في ملة عيسى عليه ا! لاة والسلام الخ) هذا معنى قول الزمخشريّ لأنّ النصارى يدعونها وهم مثلثة غير موحدة، وفي الكشف إن قيل لا حاجة إلى التعليل فإنها كانت الآخرة قبل ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم وكانت قريش لا تسلم نبوّته فهي الملة الآخرة عند قريش أجيب بأنّ الإطلاق يقتضي أن يكون آخرا في نفس الأمر فلهذا احتاج إلى التعليل المذكور اهـ، يعني أنّ نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فملته آخر الملل فكيف تطلق الآخرة على ملة عيسى عليه الصلاة والسلام، فأجاب بأنهم لما لم يسلموا نبوّة نبينا صلى الله عليه وسلم كانت آخرة بزعمهم فصح الإطلاق، وان لم تكن آخرة في نفس الأمر ولا عند النصارى فإنّ عيسى عليه الصلاة والسلام آمن بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم فلا بلأع في التوصيف بشيء بحسب الاعتقاد أو الظن فما قيل إنه لا يدفع الإشكال غير صحيح، ثم إنّ فيه إشارة إلى أن المقصود من قولهم ما سمعنا بهذا إنا سمعنا خلافه وهو عدم التوحيد فهو كما زعمت النصارى إذ ملل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام متفقة على التوحيد، ولذا عبر بالملة دون الشرع والدين فإنها تطلق على الكفر كما في الحديث " الكفر كله ملة واحدة " ففيه توجيه آخر لادّعاء أنّ عدم التوحيد ملة عيسى عليه الصلاة والسلام، وهو لا ينافي الأوّل كما توهم وترك المدقق له لظهوره ولأنّ الأوّل هو المقصود كما سنبينه. قوله: (ويجورّ أن يكون (أي قوله في الملة الآخرة حالاً من اسم الإشارة وقد كان متعلقاً بسمعنا والإشارة إلى ما دعاهم إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهذا توجيه آخر لكونها آخرة منه يعلم أنّ ما قبله المقصود منه توجيهها أيضا فالمعترض غافل عما سيق له الكلام فليس المراد ملة قريش ولا ملة عيسى صلى الله عليه وسلم كما مرّ فيكون المراد ملة نبي مبعوث في آخر الزمان من غير تعيين كما كانت الكهان، واً هل الكتاب تبشر به ولكونها غير معينة كان المناسب تنكير ملة ولسبق التبشير بها كان لها نوع من العهدية فيجوز تعريفها، فما قيل إنّ التعريف فيه نبوة عن هذا نظراً إلى الأوّل لكنه غير متعين وهذا من كذبهم فإنه فيما يشير به إنه يكسر الأصنام ويدعو إلى التوحيد، ولدّا دلسوا وقالوا: ما سمعنا ظاهر فأفهم. قوله:

(كذب اختلقه) أي افتراه من غير سبق مثل له، وقوله إنكار لاختصاصه بالوحي الباء داخلة على المقصود والاختصاص مستفاد من قوله من بينناً فهو من صريحه لا من تقديم عليه دهان صح، وكونه مثلهم أو دونهم من إنكار

ص: 297

اختصاصه به مع المساواة أو المرجوحية بزعمهم الباطل في سبة الشرف الدنيوي لغيره. قوله: (الحسد) ناظر إلى كونه مثلهم، وقصور النظر إلى كونه دونهم، والحطام- نا يكسر من الحطب أطلق على متاع الدنيا تحقيرا له وايماء إلى أنه مقدمة لإحراقهم. قوله:(من القرآن) يعني أنّ الذكر المراد به القرآن والضمير لله أو الوحي الذي ذكر منقولاً عن الله، وقوله لميلهم الخ تعليل لشكهم فيما ذكر، ولذا جعلوه تارة سحرا وتاوة شعراً واختلاقا فلشكهم الناشئ عن عصبية الجاهلية لم يقطعوا فيه بشيء، وقوله ما يبتون به من البت وهو القطع فما نافية هذا هو الصحيح، وفي نسخة يبيتون من الإباتة وفي نسخة بينون من البناء وما موصولة وهو من تحريف النساخ قبل للإضراب عن جميع ما قبله، فإن قيل الشك في الذكر لا ينافي كون دعوى التوحيد مختلقا، وكذا قولهم ساحر كذاب قيل بل ينافيه لأنّ الذكر مشحون بالتوحيد فيلزم الشك فيه أيضاً والذكر مصدق له فإما كان سحرا وكذبا لزم عدم تصديقه فيما جاء به فتأمّل. قوله:(بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال شكهم) يعني أنّ لما هنا نافية جازمة كلم وان فرق بينهما بوجوه كما في المغني، وقوله فإذا ذاقوه إشارة إلى ما في لما من توقع وقوع المنفي بها! ، وقوله زال شكهم إشارة إلى إضراب عن الإضراب الذي قبله، وقيل إنه إضراب عن مجعوع الكلامين والمعنى أنّ شهم وحدهم لا يزولان إلا بذوقهم العذاب كما في الكشاف. قوله:(بل أعندهم) إشارة إلى أنّ أم منقطعة فإنها تقدر ببل والهمزة، وقوله في تصرفهم تفسير لقوله عندهم بأن المراد بالعندية الملك والتصرف لا مجرّد الحضور لأنه لا يتم به المرإد وتقديمه لأنه محل الإنكار فهو كالمسؤول عنه لازم التقديم ولا حاجة إلى جعله للتخصيص حتى يؤوّل بأنه لئخصيص الإنكار لا لإنكار التخصيص المفهوم منه أنّ كونها عندهم وعند غيرهم غير منكر كما قيل، وكذا ما قيل من أنهم لجسارتهم على مثل هذا القول نزلوا منزلة من يدّعي الاختصاص بخزائن الرحمة دونه تعالى فردّ عليهم بأنّ الأمر بالعكس إذ ليس

في يدهم شيء منها فانه لا يدفع الإيهام المذكور مع أنه لو سلم فمنطوق عند دال عليه فتأمّل والصناديد رؤساؤهم وكبارهم جمع صنديد، وجمع خزائن إشارة إلى ما في النبوّة من كثرة الخيرات. قوله:(عطية من الله الا تتوقف على شيء آخر كما هو مذهب الحكماء وقد مز في الأنعام ما يخالفه وتوجيهه فتذكره، وقوله فإنه العزيز الخ تعليل لقوله لا مانع له، والوهاب تعليل لتفضله على من يشاء فهو لف ونشر غير مرتب والتوصيف بهما للإشارة إلى بطلان ماهم عليه من العزة وكون الخزائن عندهم. قوله: (ثم رشح ذلك) أصل معنى الترشيح التربية والتأهل كما يقال ترشح للوزارة ومنه ترشيح الأستعارة، والمراد به هنا التقوية والتأكيد لا المعنى المصطلح فإن كون ملك السموات والأرض وما بينهما لهم يقتضي أنّ خزائن الرحمة عندهم يقسمونها على من أرادوا ولم يصرح بأنه تأكيد له لتغاير مدلوليهما. قوله:) كأنه لما أنكر عليهم التصرف الخ) بيان للترشيح، وفي الكشاف ثم رشح هذا المعنى فقال أم لهم الخ حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختص بها رب العزة والكبرياء ا! ، وليس فيما ذكره المصنف ردّ عليه كما توهم واذا تأمّلت عرفت أنّ ما في الكشاف أولى مما ذكره المصنف فتدبر، وقوله إن كن لهم ذلك قيل الإشارة للتصرف في خزائنه وما فسره بعضهم وهو إن كان لهم ملك السموات أنسب. قوله:(حتى يستووا الخ) تبع في هذا الزمخشري وليس في هذا نسبة الاستواء إليه عز وجل فلا يرد عليه ما في الانتصاف الاستواء المنسوب إليه تعالى ليس مما يتوصل إليه بالصعود في المعارج وليس استواء استقرار كما فسر في محله فهذه العبارة ليست بجيدة وهو غير وارد فتأمّل، وقوله الوصفة بضم الواو ما يتوصل به كالحبل ونحوه وقوله لأنها الخ أي جعلها الله أسباباً لذلك لا أنها مؤثرة حتى يكون فلسفة. قوله:(أي هم جندمّ من الكفار الخ) في الكشاف ما هم إلا جيش من الكفار المتحزبين على رسل الله الخ والحصر المذكور قيل إنه من تقدير جند خبرا مقدما لمبتدأ مؤخر لاقتضاء المقام الحصر والمصنف عدل عنه وجعله خبر مبتدأ مقدم ولم يتعرّض للحصر وأورد عليه أنّ التقديم مطلقاً يفيد الحصر عند الزمخشري بدون تقديم ما حقه التأخير كما صرح به في قوله كلمة هو قائلها ونظائره ولا إشكال

- ا. هـ؟ 511- ا. / - " / - "

فيما ذكره الزمخشري بتقديم ولا تأخير، فإن قيل إنه لا طريق له سواه فليس بمسلم لأنه قد يستفاد من السياق كما سيأتي

ص: 298

فإن قلت مقتضى ما في الكشاف حصرهم في الجندية بأن لا يتجاوزوها إلى القدرة على الأمور الربانية، وتقديم الخبر يفيده وما ذكره المعترض يفيد حصر الجندية فيهم، وهو غير مناسب للمقام فهو ناشئ من عدم الفرق بين القصرين والذي ذكر في الفاعل المعنوي كما بين في كتب المعاني، قلت هو كما ذكرت ولما وقع للزمخشري في قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [سورة الأحزأب، الآية: 4] تفسيره بلا يقول إلا الحق ولا يهدي إلا سبيل الحق قال الشارح الطيبي طيب الله ثراه أما دلالة يهدي السبيل على الحصر فظاهرة لأنه على م! وال أنا عم قت وأما والله يقول الحق فلأنه مثل الله يبسط الرزق وهو عنده يفيد الحصر قال في عروس الأفواح هذا عجيب منه فإنّ أنا عرفت والله يبسط فيه حصر الفاعل أي لا يقول الحق إلا الله، والزمخشري لم يتعرّض! له بالكلية فإنه وجد المعنى على الحصر في الحق فصرح به فقال لا يقول إلا الحق ولا يهدي إلا السبيل فلم يقف الطيبي على مراده مع وضوحه، وذهب في الكشف إلى أنّ الحصر مستفاد من التفخيم المدلول عليه بالتنكير وزيادة ما الدالة على الشيوع وغاية التعظيم لدلالتها على اختصاص الوصف بالجندية من بين سائر الصفات كأنهم لا وصف لهم سواه فقيل عليه لا نسلم أنّ تعظيم وصف الجندية يقتضي أن لا وصف لهم سواه، قلت: ما ذكره المدقق بعينه كلام السيرافي في شرح الكتاب قال: ما مزيدة في قولهم بجهدمّ يبلغن تشبيها لدخولها في هذه الأشياء بدخولها في الجزاء لما كان لا يبلغ إلا بجهد صار كأنه غير واجب، وهو يقال لمن لا ينال المراد إلا بمشفة وهذا من المفهوم لأنه إذا نال أمرا بجهد عظيم لم يصل له بدونه، وقيل إفادته الحصر أنه كان حق الجند أن يعرف لكونه معلوما فنكر سوقا للمعلوم مساق المجهول كأنه لا يعرف منهم إلا هذا القدر وهو أنهم جند بهذه الصفة، كما في قوله:{هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ} [سورة سبا، الآية: 7] إذا الخ كأنهم لا يعرفون من حاله إلا أنه رجل يقول كذا. قوله: (مهزوم مكسور عما قردب) في شرح المحقق للكشاف إن قرب الانهزام مفهوم من تعبيره عما لم يقع باسم المفعول المؤذن بالوقوع فكأنه محقق لشدة قربه، ويؤيده اسم الإشارة وهو هنا أيضا ومكسور بمعنى مهزوم مجاز مشهور ولم يستعمل قديما وعما ما فيه زائدة وعن بمعنى بعد أي بعد زمن قريب والمتحزبين الصائرون أحزابا. قوله:) وما مزيدة للتقليل كقولك كلت شيئاً مّا الخ) عدم ملاءمتة لما بعده من كونهم مهزومين مما يترإءى في بادئ النظر دون دقيقه لأنّ السياق مناسب له إذ كون الخزائن عندهم والارتقاء إلى أعلى المقامات لما كان استهزاء بهم ناسب وصفهم بانعظمة أيضاً اسنهزاء فهي بحسب اللفظ عظمة، وكثرة وفي نفس الأمر أقل قلة وكذا توله هنالك محلى تفسيرهم فيأخذ الكلام بعضه بحجز بعض، والمعروف في كلامهم كونها للتعظيم

نحو لأمر ما جدع قصير أنفه لأمر مّا يسود من يسود مع أنه تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم وتبشير بانهزامهم والتبشير بخذلان عدوّ حقير ربما أشعر بإهانة وتحقير:

ألم تر أنّ السيف ينقص قدره إذا قيل أنّ السيف أمضى من العصى

وكون ما حرفا زائداً أحد قولين، وقيل هي اسم وأما كونها نافية فمما لم يقله أحد من

أهل العربية ولا يليق بالمقام. قوله: (وهنالك إشارة الأنه وضع للإشارة إلى المكان البعيد فاستعير هنا للمرتبة من العلوّ والشرف، وهو معنى قوله حيث وضعوا فيه أنفسهم وقد جوّز فيه أن يكون حقيقة للإشارة إلى مكان تقاولهم وهو مكة، والانتداب مطاوع ندبه لكذا فانتدب له إذ ادعاه فأجاب وقد كني به هنا عن نصب أنفسهم له والتقييد به، وهذا القول ما سبق في شأن النبوّة من قولهم أأنزل عليه الذكر من بيننا، وهنالك صفة جند أو ظرف مهزوم وتفصيل إعرابه في الدرّ المصون. قوله: (ذو الملك الثابت) هو صفة لفرعون لا لما قبله والا لقال ذوو والظاهر أنه شبه فرعون في ثبات ملكه بذي بيت ثابت أقيم عموده، وثبتت أوتاده تشبيها مضمرا في النفس على طريق الاسنعارة المكنية، وأثبت له ما هو من خواصه تخييلا وهو قوله ذو الأوتاد فإنه لازم له ولا حاجة إلى تكلف أنّ فيه كناية حيث أطلق اللازم، وأريد الملزوم وهو الملك الثابت فإنه لا وجه له. قوله:(ولقد غنوا الخ) هو من شعر للأسود بن يعفر شاعر جاهلي من قصيدة أوّلها:

نام الخلي وما أحس رقادي والهمّ محتضر لدى وسادي

ص: 299

ومنها:

ماذا أؤمّل بعد آل محرق تركوا منازلهم وآل إياد

جرت الرياح على مقرّ ديارهم فكأنهم كانوا على ميعاد

ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد

وغنوا بالغين المعجمة بمعنى أقاموا، ولذا قيل للمساكن مغان وظل الملك حمايته، وقوله مأخوذ الخ إشارة إلى ما فيه من الاستعارة وظاهره أنّ ذو الأوتاد وهو البيت المطنب أي المربوط أطنابه أي حباله بأوتاده استعير للملك استعارة تصريحية، وهو أظهر مما مرّ نهايتة أنه

وصف به فرعون مبالغة لجعله عين ملكه، وكذا إذا كان بمعنى الجموع فالاستعارة تصريحية في الأوتاد أو هو مجاز مرسل للزوم الأوتاد للجند، وقوله يشد البناء ليس المراد به معناه المعروف إذ لا معنى لشدّه بالوتد بل هو من قوله بني عليه إذا ضرب خيمة، والمعذب بصيغة المفعول من يريد تعذيبه وضمير عليها للأيدي والأرجل وعلى هذا فهو حقيقة. قوله:(وأصحاب النيضة (هي الشجر وقد مرّ، وقوله وهم قوم شعيب قيل إنه غير صحيح لأنه أجنبيّ من أصحاب الأيكة وإنما قومه أصحاب مدين كما مرّ في سورة الشعراء وسيأتي في الصف إنه لم يقل يا قوم كما قال موسى عليه الصلاة والسلام لأنه لأنسب له فيهم، ويجاب بأنّ المراد بقومه أمّة دعوته بقرينة ما صرح به ثمة والمراد من أرسل إليهم. قوله: (يعني المتحزبين) أي المتجمعين عليهم فتعريفه للعهد وكونه إعلاء لشأنهم على من تحزب على نبينا صلى الله عليه وسلم على أنه من قبيل زيد الرجل بالقصر الادعائي مبالغة وجعله تعريفا جنسيا على طريق الادعاء أيضاً كما قيل فهو لا يناسب قول المصنف جعل الجند المهزوم منهم في قوله سابقا من الأحزاب مع أنه لا وجه له إذ المقام مقام تحقير لا مقام إعلاء وترفيع. قوله:) إن كل إلا كذب الخ) إن نافية ولا عمل لها لانتقاض نفيها بإلا فكل مبتدأ محذوف الخبر والتفريغ من أعمّ العام أي ما كل أحد مخبر عنه بشيء إلا مخبر عنه بأنه كذب جميع الرسل لأن الرسل يصدق كل منهم الكل فتكذيب واحد منهم تكذيب للكل أو على أنه من مقابلة الجمع بالجمع فيكون كل كذب رسوله، أو الحصر مبالغة كان سائر أوصافهم بالنظر إليه بمنزلة العدم فهم غالون فيه، وقوله على الإبهام متعلق بأسند ويحتمل تعلقه ببيان أيضاً لأنه لا تفصيل فيه، وإنما ذكر المكذب وهم الرسل. قوله: (مشتمل على أنواع من التثيدا لإعادة التكذيب والتعبير بالاسمية وحصر صفاتهم في التكذيب للمبالغة، كما مر وتنويع الجملتين إلى استثنائية وغيرها وجعل كل فرقة مكذبة للجميع في أحد التأويلين، وقوله وهو أي معنى قوله إن كل الخ، وقوله ليكون الخ تعليل لقوله مشتمل أو لقوله بيان، وقوله مقابلة الجمع بالجمع بأن يقدر مضاف لضمير الأحزاب أي كلهم وعلى ما بعده تقديره كل حزب على ما هو معناه في الإضافة لمعرفة أو نكرة، فمن قال إنّ الأوّل خلاف الظاهر، ولذا اقتصر الزمخشري على الثاني لم يصب، وتكذيب جميعهم لما مر أو لاتفاق كلمتهم في العقائد وإفراد ضمير كذب رعاية للفظ كل فلا ترجيح فيه لأحد الوجهين. قوله: (وما ينتظر (إشارة إلى أن النظر هنا بمعنى الانتظار لا بمعنى الرؤية، وقوله قومك إشارة إلى أنّ المشار إليه بهؤلاء غير المشار إليه بأولئك، وهم كفار قريش

ودل بتقديمه على اختياره لمناسبته للإشارة بما يشار به للقريب، وليس المراد أنّ تلك الصيحة عقاب لهم لعمومها للبر والفاجر بل المراد أنه ليس بينهم وبين ما أعدلهم من العذاب إلا هي لتأخير عقوبتهم إلى الآخرة لأنه تعالى لا يعذبهم بالاستئصال ونحوه لقوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، إذ المراد وجوده صلى الله عليه وسلم لا مجاورته لهم كما توهم حتى يقال إنه لا يمنع وقوعه بعد الهجرة لمخالفته للتفسير المأثور، والتعبير بالانتظار مجاز بجعل محقق الوقوع كأنه أمر منتظر لهم والإشارة بهؤلاء للتحقير لهم. قوله:(أو الأحزاب) فهو بيان لما يصيرون إليه في الآخرة من العقاب بعدما نزل بهم في الدنيا من العذاب، وجعلهم منتظرين له لأنّ ما أصابهم من عذاب الاستئصال ليس هو نتيجة ما جنوه من قبيح الأعمال إذ لا يعتد به بالنسبة إلى ما ثمة من الأهوال فهو تحذير لكفار قريش، وتخويف لمن يساق له الحديث فلا وجه لما قيل من أن هذا ليس في حيز الاحتمال أصلاً لأنّ الانتظار سواء كان حقيقة أو استهزاء إنما يتصوّر في حق من لم يتجه عمله فبعد ذكر ما حق عليهم من

ص: 300

العقاب لم يبق لهم ما ينتظر وإنما المترصد له كفار مكة. قوله: (فإنهم كالحضور) جمع حاضر إشارة إلى توجيه الإشارة إليهم بما يشار به للقريب بعد الإشارة بأولئك الذي يشار به للبعيد مع اتحادهما على هذا التفسير بأنّ الأوّل على ظاهره لا يحتاج إلى توجيه فلما سبق ذكرهم مكرراً مؤكداً استحضرهم المخاطب في ذهنه فنزل الوجود الذهني منزلة الوجود الخارجي المحسوس، وأشير إليه بما يشار به للحاضر المشاهد، ويجوز أن يكون للتحقير ولا ينبو عنه التعبير بأولئك لأنّ البعد في الواقع مع أنه قد يقصد به التحقير أيضا. قوله:(أو حضورهم في علا الله) معطوف على استحضارهم، وتخصيص هذا بهذا الاعتبار مع مشاركة ما قبله له فيه للتفنن ومثله دوري لا يسئل مع أن الثاني محل التغيير والعدول أو لأنهم لما كذبوا كانوا موجودين حقيقة وانتظارهم بعد هلاكهم فوجودهم في نف! س الأمر، وعلمه الحضوري فقط فناسب اعتباره، وأما كفاية صيحة واحدة فلا يلائمه ولا يستدعيه كما قيل إلا أن يريد هذا. قوله: (هي النفخة (وتسميتها صيحة ظاهر، وقد مر تفسيرها بالعذاب أيضاً، وقوله من توقف مقدار فوقا فهو إمّا بحذف مضافين أو فواق مجاز مرسل بذكر الملزوم وإرادة لازمه كما إذا كان بمعنى الرجوع، والترداد بفتح التاء بمعنى الرد والصرف أو بمعنى التكرار من قولهم رد الفعل إذا كرره ومنه التردد على الناس، وقوله فإنه أي الفواق بيان للمناسبة المصححة للتجوّز به عما ذكر، وقوله وهما لغتان ظاهره أنهما بمعنى واحد وهو ما مر وهو قول لأهل اللغة، وقيل المفتوج اسم مصدر من أفاق المريض إفاقة وفاقة إذا رجع إدى الصحة والمضموم اسم ساعة رجوع اللبن للضرع. قوله: (قسطنا من العذاب (أي ما عين لنا

منهه فيكون استعجالاً لما هدّدوا به متضمنا للتكذيب وهو المراد، وقوله أو الجنة الخ فهو سؤال لأن يعجل لهم النعيم الذي سمعوه منه صلى الله عليه وسلم يعد به من آمن فطلبوا تعجيله لهم في الدنيا استهزاء، أو حقيقة فإنهم لما وعدوا نعيم الجنان بالإيمان وهم لا يؤمنون بيوم الحساب سألوا ما وعدوه في الآخرة قبلها قال السمرقندي، وهو أقوى التفاسير لقولهم ربنا ولو كان على ما يحمله أهل التأويل من سؤال العذاب، أو الكتاب استهزاء لسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يسألوا ربهم، ولذا ترك المصنف درج الاستهزاء فهي كما في الكشاف. قوله:) الصحيفة الجائزة (أي العطية وصحيفتها ما يكتبه الكبير لبعض عماله أو أتباعه لأن ينفذه للسائل ونحوه وذكر بعض أهل اللغة إنها كلمة حدثت في الإسلام، وأصلها أنّ أمير جيش كان بينه وبين عدوّه نهر فقال: من جاز هذا النهر فله كذا فكان يعطي من جازه مالاً، ثم سميت به العطية مطلقا وقد تظرّف القائل:

إنّ العطايا في زمان اللؤم قد صارت محرمة وكانت جائزة

وقوله قد فسر بها أي بقطعة القرطاس هنا أيضا أما القط بمعنى الصنور والهرّ فقال ابن

دريد في الجمهرة لا أحسبه عربيا صحيحا وودّ بأنه ورد في الحديث " عرضت علئ جهنم فرأيت فيها المرأة الحميرية صاحبة القط " وقد ذكره صاحب القاموس وغيره، وطلبهم نظر صحائفهم استهزاء وتكذيب أيضا، وقوله استعجلوا ذلك هو جار على الوجوه في تفسيره. قوله:) تعظيماً للمعصية الخ) إشارة إلى المناسبة بين اصبر واذكر المقتضية للعطف، وقوله بعظائم النعم إشارة إلى قوله إنا سخرنا والصغيرة تزوّجه الآتي وسيأتي كونها صغيرة أو خلاف الأولى، وقوله نزل عن منزلته الظاهر أنّ ما بعده تفسير له فمنزلته توقيره ونزوله عنها استحقاقه للعتاب وقوله أو تذكر فاذكر على الأوّل بمعنى الذكر المعروف، والمراد منه تخويف من أنذره وعلى هذا بمعنى التذكر والمراد تنبيهه صلى الله عليه وسلم للاعتناء بحفظه عما يوجب العتاب وعنان نفسه استعارة مكنية أو تصريحية. قوله:(يقال الخ) فالأيد القوّة والأيدي القوي واياد بكسر الهمزة

بمعنى القوّة أو ما يتقوى به فإنه يقال له قوّة أيضا وقوله مرضاة مصدر ميمي بمعنى الرضا، وقوله وهو تعليل أي في قوله أنه أوّاب كما هو معروف في مثله من الجمل وقوله دليل الخ لأنّ الأيد القوّة وهي محتملة هنا لأن تكون في الجسم لما سخر له من عمل الحديد والصبر في القتال، ونحوه وأن تكون في الدين فلما علل بهذا تعين أنّ المراد قوّته الدينية دون الدنيوية لأن الأوّاب وان دل على الرجوع المطلق المحتمل للرجوع لله رجوعا دينيا والرجوع لما يزاوله فيكون بدنياً لكنه اشتهر في الأوّل لا سيما في القرآن فإنه لم يستعمل فيه الأوّاب إلا بمعنى التوّاب، والتوبة الرجوع دلّه فسقط ما اعترض به

ص: 301

صاحب التقريب، وصيام يوم وإفطار يوم أشق من غيره كقيام بعض دون بعض فإنه أشق من صيام الدهر ومن قيامه كله لتركه راحة تذكرها قريبا، وقوله مرّ تفسيره أي في الأنبياء قال بعض فضلاء العصر أخر ظرف المعية هنا عن الجبال وقدم في الأنبياء فقيل وسخرنا مع داود الجبال لذكر سليمان وداود ثمة فقدّم مسارعة للتعيين، ولا كذلك هنا وهو حسن وقد مرّ في الأنبياء تجويز كون التسبيح بلسان الحال، وقوله بالعشي والإشراق هنا ياً باه إذ لا اختصاص به بهما ولا بكونه معه أيضا. قوله:(حال وضع موضع مسبحات) لأنّ الأصل في الحال الإفراد فالعدول للدلالة على حدوثه وتجدّده شيئاً فشيئاً، واستحضار الحالة العجيبة من نطق الجماد ولو قيل مسبحات لم يدل على ما ذكر وفيه نظر لأن المنظور إليه زمان الحكم، وهو حال أو مستقبل عند التسخير، ويجوز كونه مستأنفاً لبيان تسخيرها له لكن مقابلته بقوله محشورة هنا يعين الحالية فلذا اقتصر عليها وجملة إنا سخرنا مستأنفة لبيان قصته أو لتعليل قوّته أو أوّابيته. قوله:(ووقت الإشراق) يعني فيه مضاف مقدّر لعطفه على الزمان، والمراد بوقت الضحا الضحوة الصغرى عند ارتفاع الشمس، وشرقت الشمس بمعنى طلعت ولما تشرق بمعنى لم تشرق أي لم ترتفع ارتفاعا تامّا فلما فيه جازمة كما مر، وأم هانئ صحابية معروفة وقوله إنه أي النبي صلى الله عليه وسلم. قوله. (هذه صلاة الإشراق الخ) إشارة إلى الخلاف الواقع في هذه الصلاة أعني الإشراق، والضحا على ما فصله المحدثون

فقيل إنها بدعة حسنة وانه صلى الله عليه وسلم لم يصلها، وأما صلاته في بيت أم هانئ لما دخل مكة عام الفتح فإنما كانت صلاة شكر لذلك الفتح العظيم صادفت ذلك الوقت لا أنا عبادة مخصوصة فيه دون سبب، وقيل إنها سنة وقد ورد فيها أحاديث أكثرها ضعيف، وأصحها حديث أم هانئ وهذا هو القول الأصح فيها، وقيل إنها كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم وهو من خصائصه، وقول ابن عباس رضي الله عنهما عا عرفت الخ إشارة إلى إنكار ثبوت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لها وهو ما ذهب إليه بعض الصحابة، وأقلها ركعتان وأكثرها اثنا عشر وأوسطها في الفضيلة ثمانية ووجه فهم ابن عباس رضي الله عنهما لها من الآية بناء على ما روي عنه كما مر في سورة الصافات أنّ كل تسبيح ورد في القرآن فهو بمعنى الصلاة يعني ما لم يرد به التعجب، والتنزيه كما رواه الطبري فحيث كان صلاة لداود عليه الصلاة والسلام قصت على- طريق المدح علم منه مشروعيتها، وهذا هو المراد بلا تكلف، وما قيل في توجيهه إنه خص ذينك الوقتين بالتسبيح، وعلم من الرواية أنه كان يصلي فيهما مسبحاً، وقد حكى دون بيان لكيفيته فتحمل على صلاة الضحا أو تسبيح الجبال مجاز فينبغي حمل تسبيح داود عليه الصلاة والسلام على معنى مجازي لأنّ المجاز بالمجازآنس لا يخفى ضعفه فإنه إذا علم من الرواية فكيف يقول ابن عباس رضي الله عنهما إنه أخذه من الآية، والتجوّز ينبغي تقليله ما أمكن وهذا بناء على أنّ معه متعلق بيسجن حتى يكون هو مسبحاً أي مصلياً والا فتسبيح الجبال لا دلالة له على الصلاة، ومع هذا ففيه حينئذ جمع بين معنيين مجازيين إلا أن يقال به أو يجعل بمعنى يطعن، ويجعلى تعظيم كل محملاً على ما يناسبه وبعد اللتيا والتي فلا يخلو من كدر. قوله:(من كل جانب) لأنّ المتبادر من الحشر أن يكون من أماكن متفرقة، وقوله المطابقة أي الموافقة بين الحالين يسبحن ومحشورة بجعلهما اسمين أو فعلين وقد بين وجه المضارعية ثمة لأنها حال بعد حال، وأما هذه فالحشر دفعة هو المناسب لمقام القدرة المراد كما بينه ودلالة محشورة على الحشر الدفعي إما بمقابلته للفعل أو لأنه الأصل عند عدم القرينة على خلافه فلا يرد عليه أنّ الاسم لا يدل على ذلك، ومدرجاً في نسخة متدرجاً وهما بمعنى، والطير معطوف على الجبال أو مفعول معه إن لم يتعلق به معه كما مرّ. قوله: (كل واحد من الجبال الو أرجعه إليهما كما في الكشاف بل إلى الطير فقط استغنى عما ذكر من التوجيه والمعنى كل طائر، وعلى هذا فضمير له لداود عليه الصلاة والسلام ولامه تعليلية، والموافقة من قوله معه والمداومة من رجوعه له كلما رجع داود عليه الصلاة والسلام

إليه ولامضارع وان دل على استمرار تجددي كما مر لكن دلالة هذا بمنطوقه، وهي أقوى من الأولى لأنه قد يراد به مجرد الحدوث من غير تكرره فاندفع ما أورد عليه من أنّ ما قبله يدل على المداومة أيضا لدلالته على الاستمرار التجدّدي كما صرّح به، وقوله

ص: 302

عجز عن البيان أي إقامة البينة، وقوله فأعلمه أي بأنه سيقتله وتصديقه اعترافه باستحقاق القتل وغيلة بكسر الغين المعجمة وسكون الياء وهو أن يخدع رجلا ليذهب معه لمكان فإذا خلا به فيه قتله، وقوله فعظمت الخ إشارة إلى أنّ هذه القصة كانت سببا لمهابته والخوف منه، وإنما مرضه لأن جعله سببا لتقوية ملكه مستقلا غير مناسب بمقإصه نعم له مدخل مّا فيه. قوله:(النبوة) الحكمة ما أحكم من قول أو فعل أو عمل، ولا أشد أحكاما في جميع الأمور من النبوّة فلذا وردت في القرآن بمعناها، وقيل هي كل صواب واذا فسرت بالثاني فهي أعمّ، وقوله فصلى الخصام فالفصل بمعناه المصدري والخطاب أريد به المخاصمة لاشتمالها عليه أو لأنها أحد أنواعه خص! به لأنه المحتاج للفصل، وقوله الكلام المخلص فالفصل بمعنى المفصول، وهو من إضافة الصفة لموصوفها، وقوله من غير التباس إشارة إلى أنه أطلق عليه فصلا لانفصاله عما سواه بلا التباس وحسنه كون إلالتباس المقابل له بمعنى الاتصال وعدم الانفصال، " وفيه دقة في نظر الواضع الحكيم فتدبر. قوله:(يراعي فيه الخ (حالط من فاعل ينبه أو استئناف لبيانه، وهذا على طريق التمثيل والمراد بمظانها مقاماتها التي من شأنها أن تقع فيها كما يقال يتبع الراعي مظانّ المطر والنبات، وقوله وإنما سمي الخ إشارة إلى ما ذكره بعضهم من تفسيره فصل الخطاب بأمّا بعد بأنه ليس مراده حصره فيه بل أنه من جملته لأنه أكثر ما وقع في الخطب بعد الحمد والصلاة فذكر ليفصل بين ما جعل غرة للكلام تيمناً به، وبين المقصود منه وهو مما يقع في الكلام البليغ فأطلق عليه لوتوعه في كلام فصل من باب إطلاق اسم الكل على جزئه، وقوله عما سبق بالباص. الموحدة أو المثناة التحتية على بناء " المجهول بكليهما ضبط، وهما بمعنى ومقدمة منصوب على الحالية، وهو على هذا بمعنى الفاصل واضافته بحالها وهو ممكن فيما مر أيضا. قوله: (وقيل هو الخطاب القصد) بقاف وصاد ودال! مهملتين ومعناه المتوسط باعتداله بين أمرين، ولذا فسره بقوله ليس فيه الخ والإشباع التطويل، والممل الموقع في الملل والسآمة، وقوله لا نزر أي قليل فيكون فيه اختصار مخل وهذر بالذال المعجمة بمعنى كثير من الهذر وهو الهذيان، وهو بأن يكون فيه تطويل ممل وهكذا وقع في وصف كلامه حينئذ في

حديث أم معبد وغيره من طرق صحيحة وقد جعلوا لا نزر ولا هذر بمعنى لا قليل، ولا كثير على هذا تفسير الفصل، وقد قيل هما صفتان لكلامه مستقلتان أي فصل بين الحق والباطل، ومع ذلك لا قليل ولا كثير ولا يلزم العطف على هذا كما توهم حتى تتعين الوصفية لأنّ فصل وقع خبرا عن كلامه أو ضميره فقوله:(لا نزر ولا هذرا لا يخلو من أن يكون صفة لفصل مقيدة لا مفسرة ولا مؤكدة فيلزم عدم العطف، ويفيد وصف كلامه بوصفين معنويين وهما كونه فصلا وغير نزر هذر أو خبرا بعد خبر أو صفة بعد صفة إن سلم فلا يلزم عند تعدد الأخبار أو الصفات العطف كما صرّج به النحاة في المتون، ولا يخفى مغايرة هذا لما قبله. قوله: (التعجيب والتشويق) التعجب الظاهر أنه بمعنى جعل المخاطب معجبا بما ألقى إليه أو متعجبا منه، أو عده أمرا عجيبا وهذا وما بعده من الاستفهام ممن لا يعرف القصة ويراد إعلامه بها فيقال له هل سمعت بكذ! وهذا أمر مستفيض في عرف التخاطب، وقوله مصدر أي لخصمه بمعنى خاصمه أو غلبه، وقوله أطلق على الجمع أي هنا لقوله تسوروا وهو ظاهر. قوله:(تصعدوا الخ) السور الحائط المحيط المرتفع، والمحراب الغرفة وهي البيت العالي ومحراب المسجد مأخوذ منه لانفصاله عما عداه أو لشرفه المنزل منزلة علوّه والمراد من تسورهم الغرفة نزولهم لها من الحائط دون الباب لأنه كان مغلوقا في زمان خلوّه له بعبادته وصيغة تفعل تكون لمعان كثيرة منها العلو على أصله المأخوذ من التسور بمعنى علا السور والحائط، وتسنم علا السنام. قوله: (وإذ متعلق بمحذوف الخ الأنه لا يتعلق بأتى لأنّ إتيان الخبر لم يكن في ذلك الوقت بخلاف تحاكمهم، وقوله على حذف مضاف أي قصة ردّ لما في الكشاف من أنه لا يصح تعلقه بالنبأ لأنّ النبأ الواقع في عهد داود عليه الصلاة والسلام لا يصح إتيانه رسول الله صلى الله عليه وسلم وان أريد به القصة لم يكن ناصباً، اهـ بأنه يتعلق به ويدفع المحذور بتقدير مضاف فيه، وهو ظاهر وقد قيل إنه يصح أيضا بجعل الإسناد مجازيا بلا حذف، وجعل النبأ بمعنى القصة عاجلاً لأنه في الأصل

ص: 303

مصدر، والظرف قنوع يكفيه رائحة الفعل. قوله:(وإذ الثانية الخ) بأن يجعل زماناهما لقربهما بمنزلة المتحدين، أو يجعلا ممتدّين فيصح بدل الكل كبدل الاشتمال. قوله:(أو ظرف لتسوّروا) ولا يخفى أنّ التسوّر ليس في وقت الدخول إلا أن يعتبر امتداده، أو يراد بالدخول إرادته ويفرّع قوله ففزع على التسوّر وفيه تكلف، وقد جوّز تعلقه باذكر مقدرا والمراد

بقوله من فوق الحائط، والحرس جمع حارس أو حرسيّ والمراد بخاصته أهله. قوله:(نحن فوجان متخاصمان (إشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدر ودفع لما يتوهم من أنّ الخصم شامل للقليل والكثير، والمراد به هنا جماعة لجمع ضميره في تسوّر واو ما معه فلم ثني هنا بأنّ الخصم المثني هنا عبارة عن الفوج فيكون هنا جماعتان تخاصما فيطابق ما مر، وقد قيل يجوز أن يكون الضمائر المجموعة مرادا بها التثنية فيتوافقا ويؤيده أنّ الذي روي أنه جاءه ملكان. قوله ة) على تسمية مصاحب الخصم خصماً (تغليباً جواب سؤال مقدر، وهو أن المتخاصمين ملكان اثنان كما صرّح به في المروقي، ويؤيده قوله بعده هذا أخي فكيف يجعلان جماعتين وتقدير خصمان مبتدأ خبره مقدر مقدما أي فينا خصمان لا يدفعه كما قيل لكون الخصم جماعة كما مرّ إلا بملاحظة كون الفوجين بأسرهم خصماً والمذكور بعده قول بعضهم وهو تكلف. قوله: (وهو على الفرض وقصد التعريض (دفع لما يرد على تقدير كونهم ملائكة بأنهم كيف يخبرون عن أنفسهم بما لم يقع منهم والملائكة منزهون عن الكذب بأنه إنما يكون كذباً إذا قصد به الأخبار حقيقة أمّا لو كان فرضاً لأمر صوّروه في أنفسهم لما أتوا على صورة البشر كما يذكره العالم إذا صوّر مسألة لأحد أو كان كناية، وتعريضاً بما وقع من داود عليه الصلاة والسلام فلا. قوله: (ولا تجر الخ (بيان للمعنى المراد منه وان كان أصل معناه مختلفا باختلاف القراآت فإن قراءة العامّة بضم التاء من أشطط إذا تجاوز الحق وغيرهم قرأ بفتحها من شطط بمعنى بعد وهي التي أشار إليها بقوله وقرئ الخ، والكل يرجع لمعنى واحد، وقوله وهو العدل فتجوز بالوسط عنه لأنه خير الأمور. قوله: (وقد يكنى بها عن المرأة (الكناية هنا بمعناها اللغوي لأنه استعارة مصرّحة لتشبيهها بها في لين الجانب، وسهولة الضبط والانتفاع وقد استعملته العرب كثيرا كالشاة قال:

كنعاج الملا تعسفن رملا

ياشاة ما قنص لمن حلت له ~ حرمت عليّ وليتها لم تحرم

فلعدم التصريح بالمرأة وذكر ما يدل عليها حقيقة سمي الاستعارة كناية لخفاء المراد. قوله: (والكناية والتمثيل فيما يساق للتعريض أبلغ) هكذا وقع في الكشاف، وفيه خفاء يحتاج إلى توضيحه فالظاهر أن المسوق للتعريض الكلام بتمامه فإنه تعريض لداود عليه الصلاة والسلام، والداعي للتعريض إمّا احتشام من ص عرض له واحترامه أو تنقيصه وايلامه وعلى كليهما تحسن الكناية والتمثيل دون التصريح، والتحقيق أمّا في الأوّل فظاهر لأنه حيث لم يواجه ابتداء لتوقيره ناسب عدم التصريح بقصته بعينها فإنه لا يقع التعريض في نحوه، وأمّا في الثاني فلان عدم التصريح مؤكد لتنقيصه لعدم الاعتناء بحاله والمراد بالكناية الاستعارة كما مرّ، وأمّا التمثيل فذهب شراح الكشاف إلى " أنه ليس بالمعنى المصطلح بل اللغوي إذ المراد به تحاكمهم له ومجيئهم له على صورة خصمين فإنّ التمثيل كما يجري في الأقوال يجري في الأفعال قال المولى: بعد الدين وهذا في الأفعال بمنزلة الاستعارة التخييلية في الأقوال حيث لم يكن المقصود! من تحاكمهم ما هو ظاهر الحال، ثم في هذا التمثيل تعريض بحال داود عليه الصلاة والسلام وما صدر منه، ورمز إلى الغبرض! وأبلغيته لأنه بعد فهم المراد منه يتمكن في الذهن غاية التمكن، وهو أشد في التقريع لإيهامه أنه أمر يستحي من مثله وهو لائق في البهائم دؤن الحراس، ويجوز أن يراد بالتمثيل معناه المعروف فتأمّل، وقوله بالدين أو النوعية. قوله:(وقرئ تسع وتسعون الخ) لأنّ الفتح والكسر يتعاقبان في الأسماء كثيراً ولما جاور التسع العشر قصدوا مناسبته لما فوقه ولما تحته، وكسر نون نعجة لغة تميم وقوله ملكنيها لأنّ من كفل صغيراً كمان في تصرفه وكذا من ملك فاستعمل بمعناه لتقاربهما، وقوله غلبني تفسير لعزني والمخاطبة تفسير للخطاب، وقوله لم أقدر رده ضمنه معنى أطلق فعدّاه بنفسه، وقوله أو في مغالبته

ص: 304

الخ على أنّ الخطاب مصدر خاطبه إذا سبق وغلب خطبته بكسر الخاء وهي في النكاج خاصة، وهذا إذا أريد بالنعجة المرأة وما قبله في الوجهين، وقوله على تخفيف للزاي بترك التشديد، وهو غريب كما قالوا: في ظللت ظلت وفي رب رب. قوله: (قصد به) أي بجواب القسم، وهو قوله لقد ظلمك الخ إذ جعله ظلما مؤكداً بالقسم والتهجين التقبيح، وقوله ولعله الخ دفع لما يتوهم من أنه بمجرّد ذكر المدعي ظلامته دون إثبات ونحوه كيف حكم بظلم شريكه بأنّ فيه مطويا وهو فلما أقرّ المدّعي عليه قال لقد ظلمك الخ أو فيه شرط مقدر أي إن

كان كما قلت فقد ظلمك. قوله: (وتعديته إلى مفعول الخ) وهو لا يتعدّى بها فتضمن ما يتعدى بها كالضم أو الإضافة، قال الزمخشي كأنه قال بإضافته نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب فجعل المضمن أصلا والمضمن فيه قيداً، ولو عكس جاز بأن يقدر بسؤال نعجتك مضافة إلى نعاجه كما مر أو سؤاله إضافة نعجتك الخ، وأشار بقوله والطلب إلى أنّ المراد من السؤال مطلق الطلب من غير نظر إلى علو المسؤول منه وعكسه ولا مساواته، فما قيل إنه للإشارة إلى أنه من الأعلى للأدنى بقرينة المعازة غير مسلم فإنه يجوز أن يكون هنا على طريق الخضوع والتذلل، واذا قبح هذا كما أشار إليه بجعله تهجينا له فغيره بطريق الأولى نعم ما ذكره أنسب بالظلم، والمعازة في المحاجة لا تستلزم العلوّ كما قيل. قوله:(وانّ كثيرا من الخلطاء الخ) يحتمل أن يكون من كلام داود عليه الصلاة والسلام، وأن يكون ابتداء كلام غير محكيّ عنه، وفسر الخلطاء بالشركاء لاختلاط أموالهم ويكون بمعنى الأصدقاء فيكون كما قيل: عدوّك من صديقك مستفاد فلاتستكثرنّ من الصحاب

فإنّ الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أوالشراب

قوله: (وقرئ بفتح الياء) فتحة بناء لاتصاله بنون التأكيد المقدرة وهو حينئذ جواب قسم

مقدّر بقرينة اللام كما في البيت. قوله: (اضرب عنك الهموم طارقها) .

ضربك بالسيف قونى الفرس

فاضرب فعل أمر مبنيّ على السكون لكنه فتحه لتقدير نون التوكيد معه والهموم مفعوله، وطارقها بدل منه بدل بعض واستعار ضربها لصرفها عنه، وضربك مفعول مطلق وقون! بفتح القاف والنون أعلى الرأس والمراد به هنا عظم بين أذني الفرس، وهذا البيت من شعر لطرفة بن العبد وحذف الياء للتخفيف كما في والليل إذا يسر. قوله:(وما مزيدة الخ) هم مبتدأ وقليل خبر.، وفيه مبالغة من وجوه وصفهم بالقلة وتنكير قليل وزيادة ما الإبهامية والشيء إذا بولغ فيه كان مظنة للتعجب منه فكأنه قيل ما أقلهم فهو معلوم من المقام. قوله تعالى: ( {وَقَتَلَ دَاوُدُ} الخ الم يفسر الظن كما في الكشاف بجعله مجازاً عن اليقين لاحتمال بقائه على حقيقته لكن ما بعده صريح في مسلك الزمخشري، وقد روي أنّ الملكين فالأقصى الرجل على نفسه وإنما المفتوحة لا تدل على الحصر كالمكسورة كما فصله في المغني ولو سلم كما ذهب إليه

الزمخشري حملا على المكسورة فهو لم يدع اطراده فليس المقصود قصر الفتنة عليه لأنه يقتضي انفصال الضمير ولأقصر ما فعل به على الفتنة لأنّ كل فعل ينحل إلى عام وخاص فمعنى ضربته فعلت ضربه على أنّ المعنى ما فعلنا به إلا الفتنة كما قيل لأنه تعسف وألغاز. قوله: (ساجدا (على أنّ الركوع مجاز مرسل عن السجود لأنه لإفضائه إليه جعل كالسبب، ثم تجوّز به عنه وهو معنى قوله لأنه مبدؤه لكنه تمسح في العبارة أو هو استعارة له لمشابهته له في الانحناء والخضوع، وقوله أو خر للسجود راكعا وجه آخر بجعل راكعاً بمعنى مصليا لاشتهار التجوّز به عنه، ولذا يسمى ركعة وتقدير متعلق لخرّ يدل عليه غلبة فحواه لأنه بمعنى سقط على الأرض كما في قوله: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ} [سورة النحل، الآية: 26 لح أو جعله بمعنى سجد ولذا جعله أبو حنيفة دليلاً على أنّ هنا سجدة تلاوة وأنها من العزائم، وخالف فيه بعض الشافعية. قوله: (حرّم (بتشديد الراء تفعيل من التحرم أي عقداً لتحريمه ودخل في الصلاة يقال أحرم للصلاة وحرم المشهور الأوّل إذا دخل فيها بتكبيرة الإحرام لأنها تحرّم عليه الأشياء كالكلام ونحوه وركعتا الاستغفار ركعتان تصليان عند التوبة وهي مشروعة. قوله: (وأقصى ما في هذه الخ) يعني أنه ليس في هذه القصة ما يضر بمقام النبوّة فإنّ ما ذكر فيه محصله ما ذكر، وليس فيه ما يخالف الشرع ولكنه لنزاهة

ص: 305

عصمته رآه منكرا فلذا استغفر منه وتاب، وما وقع في رواية بعض القصاص من إسناد ما لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام إليهم إمّا مفتري أو مؤوّل فلذا قال المصنف فلعله الخ فنهايته أنه خطب على خطبته ولم يكن هذا ممنوعاً في شرعهم، أو هو صغيرة عند من جوّزها على الأنبياء، واستنزاله عن زوجته طلب أن يطلقها وبعد العذة إن كانت في شرعهم يتزوّجها، وهذا جائز عندهم، وقد كان ذلك في صدر الإسلام بعد الهجرة فكان الرجل من الأنصار إذا كانت له زوجتان نزل عن إحداهما لمن اتخذه أخاله من المهاجرين فقوله بهذا المعنى أي بالنزول عن الزوجة والاستنزال بالهمزة أي جعله أسوته وواساه خطأ عند أهل اللغة وذهب صاحب القاموس إلى أنه لغة رديئة. قوله:(وما قيل الخ) أو ريا بهمزة مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة مكسورة، وياء تحتية بعدها ألف اسم رجل من مؤمني قومه، وقوله بأن يقدم أي يجعل مقدما في عسكره، وهراء بهاء وراء مهملة ومد بزنة غراب بمعنى كلام فاسد وفي نسخة فزور، وقوله ولذلك أي لكونه كذبا فاسدا

وما روي عن عليّ كرّم الله وجهه فيه إنه حد الفرية على الأنبياء لكن قال الزين العراقي إنه لم يصح عنه وعلى فرض حصته فهو اجتهاد منه وجهه إنه ضوعف هذا على حذ الأحرار لأنهم سادة السادة، وتصنعوا تكلفوا صنعته والمراد زوّروه ودلسوه وعلى هذا فليس فيه ما يخالف مقام العصمة النبوية والابتلاء امتحانه هل يغضب لنفسه أم لا والاستغفار لعزمه على تأديبهم لحق نفسه لعدوله عق العفو الأليق به، وقيل االأستغفار كان لمن هجم عليه وقوله فغفرنا له أي لأجله وهو تعسف وان وقع في كتب الكلام. قوله:(وإنّ له عندنا لزلفى لقربة (عظيمة بحيث لا يحط ما ذكر من مقامه، وقوله يا داود كلام مستأنف لا معطوف بتقدير قول لما فيه من لتقدير بلا حاجة وايهامه لغير المراد، وقوله استخلفناك الخ على الأوّل يكون مثل فلان خليفة السلطان إذا كان منصوبا منه لتنفيذ ما يريد والثاني من قبيل هذا الولد خليفة عن أبيه أي ساذ مسده قائم بما كان يقوم به من غير اعتبار لحياة، وموت أو غيره ومن ذكرهما فهذا مراده لكنه جرى على الغالب فيه فلا يعترض عليه، ويطال بلا طائل ولظهور المعنى الأوّل قدم وجعلها الزمخشريّ دليلا على إرادته في سورة البقرة! ع تجويز. الوجهين هنا فلا تناقض فيه فتدبر. قوله: (بحكم الله) هذا يحتمل أن يكون لأنّ تريف الحق بمعنى خلاف الباطل للعهد هنا على أنّ المراد حكم الله الذي هو شرعه لأنه لا يحكم إلا بالحق، وتفريعه بالفاء على جعله خليفة يشعر بالعلية لأنه لما كان خليفة له اقتضى ذلك أن لا يخالف حكمه حكم من استخلفه بل يكون ذلك على وفق إرادته ورضاه، أو المترتب مطلق الحكم لظهور ترتبه على كونه خليفة وذكر الحق لأنّ به سداده، وقيل ترتبه لأنّ الخلافة نعمة عظيمة شكرها العدل ويحتمل أن يكون الحق اسم الله وفيه مضاف مقدّر والأوّل أولى لأنّ مقابلته بالهوى تأباه. قوله:) وما تهوى النفس) لأنّ الهوى يكون بمعنى المهوي كما في قوله، هو أي مع الركب اليمانيين، وقوله وهو يؤيد الخ وجه التأييد أنّ ذكره بعد الحكم يقتصي أنّ اتباعه للهوى في نفس حكمه لا في أمر آخر من الميل إلى امرأة أوريا ولم يجعله دليلا لاحتمال انقطاعه عما قبله، وكونه وصية مستقلة لكنه غير مناسب لمقامه أن يحكم بغير علم منه وقوله دلائله سواء كانت عقلية أو نقلية نصا أو

قياسا وصدّ. عن الدلائل إمّا لعدم النظر فيها أو العمل بموجبها. قوله:) بسبب نسيانهم (يعني الباء سببية وما مصدرية وإضافة السبب بيانية والمراد بالنسيان الترك أو عدم الذكر مطلقا لا الغفلة فيشمل الكفرة المنكرين للحشر، وقوله بما الخ متعلق بقوله لهيم عذاب، وقوله وهو ضلالهم الخ ظاهره أنه أريد بالنسيان الضلال بعلاقة السببية فقوله فإن الخ إشارة للعلاقة المصححة، وقد قيل عليه إن العدول إلى المجاز مع إمكان الحقيقة لا داعي له مع صحة أن يقال الذيق يضلون عن سبيل الله لهم عذاب بسبب نسيانهم الذي هو سبب ضلالهم فينبغي أن يحمل قوله وهو ضلالهم على المبالغة أو على تقدير المضاف أي بسبب ضلالهم، وفي الكشاف يوم الحساب متعلق بنسوا أي بنسيانهم يوم الحساب فهو مفعول أو بقوله لهم أي لهيم عذاب أليم يوم القيامة بسبب نسيانهم، وهو

ص: 306

ضلالهم عن سبيل الله، اهـ فهو ظرف وظاهره أن هذا التشبيه على الوجه الثاني لأنّ قوله إنّ الذين الخ تعليل لما قبله من النهي عن اتباع الهوى المضل عن سبيله وسبيله دلائله، والضلال عنها تركها ونسيانها كما فسره به قبيل هذا فاختار المصنف الثاني، ولذا ذكر النسيان مطلقا لأنه أنسب بالسياق إذ المعنى حينئذ لأنّ الضالين معذبون بضلالهم، وترك الحق واتباع الهوى لازم للنسيان عادة فصح التجوّز به عنه، وهذا القائل لم يقف على مرادهم فحبط خبط عشواء. قوله:(خلقاً باطلَا) فهو منصوب على نيابته عن المفعول المطلق نحو كل هنيا أي أكلاً هنياً فلا يختص هذا بالأخير كما فعله المصنف فكان ينبغي ذكرهما في قرن واحد، وقوله لا حكمة فيه تفسير للباطل هنا، وقوله أو ذوي باطل فهو حال من فاعل خلقنا بتقدير مضاف ويصح كونه من المفعول أيضا بنحو هذا التأويل، والباطل على هذا اللعب والعبث، وقوله أو للباطل فهو مفعول له وقوله الذي الخ تفسير للباطل على هذا الوجه والتدرع لبس الدرع مجاز عن التحصن بالتمسك بالشريعة، وقوله من التوحيد بيان للحق، وقوله على وضعه الخ يعني في هذا الوجه، والتقدير للعب الباطل وإنما أوّله لأنّ الباطل ليس فعلَا له حتى يعلل به. قوله: (والظن بمعنى المظنون اليصح الحمل أو يقدّر ظن ذلك ومن في قوله من النار ابتدائية أو بيانية أو تعليلية، وقوله بسبب هذا الظن إشارة إلى ما تفيده الفاء من ترتب ثبوت الويل لهم على ظنهم الباطل الذي به كفروا فيؤكد وضع الذين كفروا

موضع الضمير للدلالة على العلية. قوله: (والاستفهام الأنها تقدر ببل والهمزة والاستفهام المقدر إنكاريّ في معنى النفي والحزبين المؤمنون، والمفسدون وكونه من اللوازم لأنه إذا لم يجاز المصلح والمفسد لزم البعث المنافي للحكمة، وقوله ليدل على نفيه لأنه يلزم من نفي اللازم نفي ملزومه، وقوله باعتبار وصفين هما التقوى والفجور، وقوله من الحكيم الرحيم لأن مقتضى الحكمة عدم التسوية ومقتضى الرحمة إزالة فساد المفسد والانتقام منه وازالة ظلم المظلوم. قوله: (والآية الخ) لأنّ مقتضى الحكمة عدم التسوية، وليس هذا في الدنيا لأنا نشاهد خلافه كما قال الشافعيّ رضي الله عته:

ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق

فلا بدّ من دار جزاء أخرى وهو المطلوب، وقوله نفاع أي كثير النفع تفسير لمبارك وكتاب مبتدأ مبارك خبره أو خبر مبتدأ مقدر أي هذا كتاب ومبارك صفة أو خبر بعد خبر وعلى حاليته فهي حال لازمة لأنّ البركة لا تفارفه جعلنا الله في بركاته، ونفعنا بشريف آياته. قوله:(ليتفكروا الخ) قراءته على الأصل بترك إدغام التاء في الدال ولتدبروا على الخطاب أي على أنّ الأصل لتتدبر، وابتاءين حذفت إحداهما والظاهر في قراءة الغيبة إنّ الواو ضمير أولي الألباب على التنازع واعمال الثاني أو للمؤمنين فقط أو لهم وللمفسدين ويدبر بوزن يضرب بمعنى يتغ من دبر. إذا تبعه، وقيل معناه صرفه لأنّ من تبع الظلم لم يفز بطائل وهو إشارة إلى اشتقاق التدبر من الدبر لأنّ به تعرف العوافب، ومعنى الاتباع لظاهر المتلو الاكتفاء بمعرفة المعاني الظاهرة من غير تأويل في مظانّ التأويل، ولا اطلاع على النكت والأسرار، وليدبروا متعلق بأنزلنا أو بمحذوف يدل عليه، وقوله أنت وعلماء أمّتك إشارة إلى أنّ فيه تغليباً. قوله:(وليتعظ به ذووا العقول السليمة الخ) على أنّ التذكر بمعنى الاتعاظ، وقوله أو ليستحضروا على أنه من الذكر ولما ورد عليه أنهم لم يعلموه أوّلاً حتى يعد هذا تذكرا لما غاب عن خواطرهم أشار إلى

دفعه بأنه أمر موافق للفطرة مركوز في العقول، والدلائل منادية عليه فجعل تمكنهم منه أوّلا بمنزلة علمه فلذا عبر بالتذكر تنزيلا للقوّة منزلة الفعل فقوله من فرط الخ من فيه تعليلية متعلقة بما في الكاف من معنى التشبيه. قوله:(فإنّ الكتب الخ) بيان لوجه الاستحضار بالكتاب والمقصود منه قوله وإرشاد الخ وما لا يعرف إلا من الشرع كالأحكام الفرعية وبعض الأصلية وما يستقل به العقل كوجود الصانع القديم، وقوله ولعل الخ ليس وجها في تفسير التدبر والتفكر كما قيل بل من تتمة هذا بيان لأن المراد بالتدبر المعلوم الأوّل وهو ما لا يعرف إلا من الشرع لأنه بعد معرفته منه يحتاج إلى التأمّل والثاني، وهو ما يستقل به العقل فإنه هو المركوز في العقل المنظور بعين التذكر

ص: 307

فتذكر وتدبر ترشد. قوله:) إذ ما بعده الخ (بيان لتعيين سليمان بنعم العبد دون داود عليهما الصلاة والسلام وكونه من حاله ظاهر والتعليل ظاهر من جملة أنه أوّاب ومن إذ الظرفية لأنّ الظروف تستعمل للتعليل كثيوا كما مز فلا يتوقف فهم التعليل منه على تعلقه بأوّاب كما قيل، وقوله بالتوبة قيد به لفهمه من القصة والسياق وكونه بمعنى التسبيح لأنّ الترجغ في الذكر، ونحوه ويجوز أن يراد أؤاب لمرضاة ربه كما مرّ، وقوله أو لنعم أخره لأنه خلاف الظاهر لتقييد المدح وتعلق الظرف بفعل غير متصرّف كما أنّ في تعلقه بأوّاب تقييد الوصف، ولذا قيل إنّ الأحسن معنى تعلقه باذكر مقدرا ولا وجه لتخصيص وجهي التعلق بتفسيري أوّاب كما قيل وقوله عند الجمهور لأن منهم من قال إنه لداود كما ذكره المعرب. قوله: (الذي يقوم على طرف سنبك (قيل عليه الصفون عند أهل اللغة ألف الفرس للقيام على ثلاث قوائم وتبقى الرابعة ماسة بطرف مقدمها الأرض! ، وقال الراغب هو الجمع بين يديه في القيام، وقيل هو القائم مطلقا وما ذكره المصنف لا يوافق شيئاً منهما ودفعه إن مراده القول الأوّل ولشهرته تسمح في العبارة ولأنه من المعلوم إنه لا يمكن القيام على طرف واحدة ورفع الثلاث فقوله على طرف الخ حال أن يقوم على ثلاث حالة كونه معتمداً على طرف سنبك، والسنبك مقدّم الحافر كما في شرح المقصورة فإن فسر بطرف الحافر كما وقع في بعض كتب اللغة فإضافة الطرف له من إضافة العام للخاص كمدينة بغداد فلا يقال الأولى حذفه، والعراب بكسر العين الأصيلة منها والخلص تفسير له والصافتات بجمع المؤنث لأنه يجوز فيما لا يعقل لا للتغليب لأنّ تغليب المؤنث على المذكر غيو جائز في الأكثر. قوله:) أو جود) بالفتح كثوب

وثياب، وقوله الذي يسرع الخ أي ففيه مدح لحاليه من القيام والمشي أو الجري هنا بمعنى المشي لا الركض وان كان المشهور في الاستعمال أنهما بمعنى واحدة لأنه لو كان كذلك لم يغاير ما بعده أصلا. قوله:(وقيل جمع جيد الخ) مرضه لأنه لا فائدة في ذكره مع الصافنات حينئذ، ولفوات مدح حاليه وكون الجياد أعم فذكره تعميم بعد تخصيص فيه نظر وقوله وأصاب ألف فرس فيه نظر لأنّ الغنائم لم تحل لغير نبينا صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث المشهور وكذا قوله فورثها منه لأنّ الأنبياء لا تورث إمّا لبقاء مالهم على ملكهم أو لمصيره صدتة أو لعوده لبيت المال أو لكونه وقفاً على ورثته على ما فصله المحدثون، والفقهاء لكنه اختلف فيه فقيل هو مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم وقيل هو عام في جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لقوله ت! ز:" إنا معاشر الأنبياء لا نورث " فما ذكره المصنف مبنيّ على القول الأوّل إن صححوا خلافه وكون الأوّل فيها لا غنيمة والمراد بالإرث حيازة التصرّف لا الملك وعقرها تقرّبا لا يقتضي الملك بعيد، وقيل خرجت من التجر بأجنحة فاستعرضها وقوله عن ورد أي أمر من العبادة صلاة أو ذكر استعارة من ورود الماء ولا يختص بالثاني كما تظنه العامّة وقوله تقرّبا بمعنى لا غضباً فيكون إسرافا مذموما. قوله: (أصل أحببت أي يعدّى بعلى (ظاهره أنه حقيقة لا تضمين، وهو ظاهر قول الراغب في مفرداته قوله:{اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ} [سورة التربة، الآية: 23] أي آثروه عليه واقتضى تعديته بعلى معنى الإيثار فلا يرد عليه إنّ هذا تضمين أيضا لا فرق بينه، وبين ما بعده فيجاب بأق الفرق أن الأوّل ملحق بالحقيقة لشهرته بخلاف الباقي، وقوله لكن لما أئيب الخ أراد أنه مضمن معناه لكنه عدل عنه للمناسبة اللفظية، وقصد التجنيس وفائدة التضمين إشارة إلى عروضه وجعله لاشتغاله به عنه ناب منابه وذكر ربي إمّا مضاف لفاعله أو لمفعوله. قوله: (وقيل هو بمعنى تقاعدت الخ (هذا ما نقله الزمخشري عن التبيان من أن أحببت هنا بمعنى لزمت كما في الشعر المذكور وقال ليس بذاك لأنها لغة غريبة والغرابة لكنة لا يليق تخريج القرآن عليها ولأنه كما في كتب اللغة ليس مطلق اللزوم بل لزوم البعير مكانه لمرض أو ئعب أو حران وهو لا يناسب لأنه هنا لزوم نشاط، وما قيل من أنه من استعمال المقيد في

المطلق أو لزوم المكان لمحبة الخيل لكونه على خلاف بر. جعل كبعض أمراضه المحتاجة للتداوي بعقاقير العفر ونحوه من أضدادها ففي أحببت استعارة تبعية حسنة مناسبة للمقام ليس بشيء لأنا لا نقنع بصحته فضلا عن حسته الذي ادّعاه إذ الاستعارة الضدّية هنا خفية، ولا قرينة عليها وما نقلت منه أخفى وأخفى فمثله من

ص: 308

التعسفات لا يليق وأيضا اللزوم لا يتعدى بعن إلا إذا ضمن أو تجوّز به فما الفائدة في استعمال لغة وحشية من غير فائدة، وتضمين معنى مناسب مما يعدي بعن من أوّل الأمر ممكن، ولما رأى المصنف ما في الكشاف مختلا عدل عنه مشيرا إلى إصلاح ما نقل بأن ما ذكروه من اللزوم أرادوا به التقاعد، وهو الاحتباس المعوّق عن الأمر وهو يتعدى بعن من غير تضمين فقصر المسافة، وجعل أحب بمعنى تقاعد أي احتبس دفعاً لبعض ما أورد على ذلك القيل كما ذكره المدقق في كشفه وبعد اللتيا والتي فهذا الوجه ضعيف مردود. قوله:(مثل بعير السوء إذ أحبا) رواه الجوهري:

ضرب بعير السوء إذا حبا

وهو من شعر وقبله:

كيف قريب شيخك الا زبا

وقيل:

تبا لمن بالهوى قدالبا

وبعير السوء بمعنى السيء لكنه غير مرضي له واجب بمعنى لزم مكانه كما فسر المصنف. قوله: (وحب الخير مفعول له) أي على هذا الوجه فتقديره تقاعدت وتعوّقت عن ذكر ربي لأجل حب الخير وهذا بيان إذ ما قيل من أنّ قوله حب الخير يقتضي إن أحببت بمعناه المشهور لا بالمعنى المذكور وعلى الوجه السابق هو مفعول به أي آثرت حب الخير، أو مفعول مطلق ومفعوله محذوف، وهو الصافنات أو عرضها ويجوز حمل أحببت على ظاهره، وجعل عن متعلقة بمقدر كمعرضاً وبعيداً وكون عن تعليلية كسقاه عن العيمة بعيد، وقوله الخيل الخ حديث صحيح والناصية الرأس ومعنى عقده بها إنه لا يفارقها لما فيها من العز

وثواب الجهاد. قوله: (والمراد به الخ (أي على تفسيري أحببت والخير على هذا من ذكر العام وإرادة الخاص وعلى الثاني من ذكر الشيء وارادة ملابسه، ويجوز إبقاؤه على معناه إذا كان مفعولاً مطلقا. قوله: (حتى توارث الخ) متعلق بقوله أحببت وفيه استعارة تصريحية أو مكنية لتشبيه الشمس بامرأة حسناء أو ملك وباء بالحجاب للظرفية أو الاستعانة أو الملابسة. قوله: (لدلالة العشي عليه) رد على الإمام وغيره ممن رجح كون الضمير للصافنات لما في هذا من تفكيك الضمائر والإضمار من غير سبق ذكر بأنه مذكور حكصاً لأنّ العشيّ وقت غروب الشمس فهو يدل عليها تضمناً أو التزاماً وتخالف الضمائر مع القرينة لا ضير فيه، وتوارى الخيل بالحجاب عبارة ركيكة والاعتراض بأنّ الاشتغال بها حتى تفوت الصلاة ذنب عظيم مشترك الإلزام لأنّ تواري الخيل في حجاب الليل يكون بعد العتمة مع أنّ النسيان لا يدخل تحت التكليف، وفوت الصلاة وكون تلك الصلاة كانت مفروضة عليه غير معلوم والاصشتغال بخيل الحهاد عبادة وقوله ردّوها الخ ليس تهورا وتجبراً كما توهم بل إبتهالاً حيثما ألهاه قربانا له وكان تقريب الخيل مشروعاً في دينه فهو طاعة كما قيل، وقيل على اشتراك الإلزام أنه غفلة عن قول الإمام إنّ المراد بتواريها التواري عن نظره لما أمر بإجرائها، ثم أمر الرائضين بردها لا لتواري بظلمة الليل، ورد بأنه لا غفلة فيه بل المراد أنه لا يتم ما لم يرد هذا فإن مجرّد تواريها عن نظره لا محذور فيه حتى يقتضي استقفاره وتوبته وقد روي أنّ الشمس غربت لاشتغاله بأمرها فالمعنى إنه إن أبقى على ظاهره خالف الرواية والدراية والأبقى المحذور، فتأمّل. قوله:(ردوها) من مقول القول فلا حاجة لتقدير قول آخر كما في الكشاف، وكون السياق يقتضيه لأنه جواب عن سؤال تقديره فما قال غير مسلم ولذا لم يلتفت إليه المصنف، وقوله الضمير للصافنات هو المشهور وقيل إنه للشمس أيضاً وانها ردت له كما رد ليوشع ليصلي الصلاة في وقتها والخطاب للملائكة جمليهم الصلاة والسلام، وهو مرويّ عن علي كرم الله وجهه فإن قلت على هذا برد الشمس تصير الصلاة أداء أم قضاء قلت الظاهر إنها أداء وقد بحث فيه الفقهاء بحثاً طويلا ليس هذا محله. قوله تعالى:( {فَطَفِقَ} الخ) هي من أفعال الشروع كما بينه النحاة، وقوله يمسح مسحا إشارة إلى أنه مفعول مطلق لفعل مقدر هو خبر طفق لا حال مؤوّل بماسحا كما توهم وليس هذا مما يسد الحال به مسذ الخبر، وقوله بسوقها الخ إشارة إلى أن التعريف للعهد أو أل قائمة مقام الضمير المضاف إليه، وقوله يقطعها تفسير ليمسح والعلاوة بكسر العين الرأس ما دامت على الجسد وقد يكون بمعنى ما يزاد على الحمل واستعمال المسح بمعنى ضرب العنق استعارة وقعت في كلامهم قديما. قوله:) وقيل الخ (مرضه لأنه لا

يناسب السياق وردها لمجرّد المسح لا وجه له، والرواية على خلافه أيضا فلا وجه لترجيح الإمام له، وقوله على همز الواو أي الساكنة المضموم ما قبلها والقياس إبدال الواو همزة

ص: 309

إذا كانت مضمومة كادؤر فنزلوا ضمّ ما قبلها منزلة ضمها كما نبه عليه بقوله كموقن، وقوله وعن أبي عمرو بالسؤق أي بهمزة مضمومة بعدها واو بوزن فسوق، وهو جمع ساق أيضاً وما ذكره بعض أهل اللغة من همز الساق فهو إبدال على غير القياس إذ لا شبهة في كونه أجوف فما قيل من أنه لا حاجة إلى جعل الهمزة بدلاً من الواو لأنه لغة فيه لا وجه له واقامة المفرد مقام الجمع فيه كلام سيأتي تحقيقه.

قوله: (ثم أناب) عطفه بثم وكان الظاهر الفاء كما في قوله فاستغفر ربه قيل إشارة إلى استمرار نابته، وامتدادها فإنّ الممتذ يعطف بها نظراً لأواخره بخلاف الاستغفار فإنه ينبغي المسارعة إليه، وقوله وأظهر ما قيل فيه أي في معنى الفتنة والآية، الحديث المرفوع ما انتهى سنده إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقابله الموقوف، وهذا رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه لكن الذي في البخاري أربعين وان الملك قال له فل إن شاء الله فلم يقل وغايته ترك الأولى فليس بذنب، وقوله فلم تحمل بالتاء وروي بالياء بتأويله بشخص وشيء ونحوه ومعنى جاءت، ولدت ومعنى إلقائه على كرسيه وضع القابلة أو لفه له عليه ليراه، وقوله فوالذي الخ هكذا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقسم ومعنى بيده في تصرّفه إن شاء أحياها وان شاء أماتها، وقوله على قتله أو إفساد عقله حتى لا يسخرهم بعد سليمان عليه الصلاة والسلام، وقوله فكان يغدوه الخ أي جعله مع

ظئره فيه بحيث لم يروه حين وضعه وهم لا يعلمون الغيب فلا وجه لما قيل ما فائدة وضعه فيه، والشياطين يقدرون على الصعود للسحاب، وقوله إلا أن ألقي أي إلا ملقي وهو استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال، وتيل بدل من به أي بشيء من أحواله إلا بإلقائه، وقوله لم يتوكل أي توكل الخواص اللائق به، وهو عدم مباشرة الأسباب إذ ما فعله لا ينافي التوكل كما في أعقلها وتوكل، وقوله صيدون بصاد مهملة ودال مهملة اسم مدينة في جزائر البحر فقوله مل الجزائر بيان لها، وقوله أصاب أي وجدها فأخذها وتزوّج بها وجرادة اسمها ويرقأ مهموز بمعنى ينقطع وولائدها جمع وليدة بمعنى مولودة والمراد به الجارية، وقوله يسجدن هو الصحيح وفي نسخة يسجدون وهو سهو من الناسخ وآصف وزيره، وقوله وكان ملكه فيه يعني كان الله قدر له ملكه ما دام الخاتم معه فإذا فارقه نزع ملكه كما في بعض الطلسمات ومثله مستبعد في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكنه تعالى لا يسئل عما يفعل وخروجه باكيا توبة فقوله: ثم أناب المراد قبلت توبته أو تمام توبته إنما كان بعد استيلاء الشياطين فلا تنافيه، ثم كما قيل مع أن هذا معطوف بالواو وهي لا تقتضي ترتيباً. قوله:) دخل للطهارة (أو جامع وقوله إلا في نسائه، وقيل إنه كان فيهن أيضاً وإنما عرفته لأنه كان يجامعهن في الحيض ولا يتغسل من الجنابة ولبعد هذه الرواية عن مقام العصمة لم يذكرها المصنف وقوله غير سليمان عن هيئته بقدرته تعالى كما ألقى شبه عيسى عليه الصلاة والسلام على غيره وقوله يتكفف أي يسأل، وقيل هذا لمن يسأل لأنه يمد كفه وقوله فطار أي ذهب عن كرسيه في الهوى، ورمي بالخاتم في البحر لئلا يأخذه غيره، وقوله فوقعت في يده أي السمكة لأنه كان خدم أولئك الصيادين، ويقر بمعنى شق. قوله: (لأنه كان متمثلَا الخ) جواب عن أن الجسد بلا روح وصخر الجنى المتمثل له روح فأجاب بأنه تمثل بصورة غيره وهو سليمان، وتلك الصورة المتمثلة ليس فيها روح صاحبها الحقيقيّ، وإنما حل في قابلها ذلك الجني فلذا سميت جسداً وفي القاموس الجسد الإنسان والجنى، والتجوّز أقرب من هذا فلا مانع منه، وقوله والخطيئة الخ توجيه لهذه القصة ورد على ما في الكشاف من أنها من افتراء اليهود فإنه لا يليق بمقامه صلى الله عليه وسلم ما ذكر فإن ابن حجر قال إن هذه القصة رواها

النسائيّ وغيره بإسناد قوي. قوله: (لا يتسهل الخ الأن أتبغي مطاوع بغاه بمعنى طلبه فلذا لم يستعمله بمعنى لا يصح ولا يتيسر، ولا يليق فإنّ ذلك كله من شأنه أن لا يطلب، وقوله ليكون معجزة الخ فليس طلبه للمفاخرة بأمور الدنيا الفانية وإنما هو كان من بيت نبوّة، وملك وكان زمن الجبارين وتفاخرهم بالملك ومعجزة كلى نبيّ من جنس ما اشتهر في عصره كما غلب في عهد الكليم السحر فجاءهم بما يتلقف ما أتوا به، وفي عهد خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم القصاحة فأتاهم بكلام لم يقدروا على أقصر فصل من فصوله فقوله من بعدي بمعنى من دوني وغيري كما في قوله: (فمن يهتد به من بعد الله)

ص: 310

[سورة الجاثية، الآية: 23] أي غير الله. قوله: (أو لا ينبغي لآحد أن يسلبه) هذا تفسير آخر لا تفصيل لما أجمل ولا تقدير شيء في النظم كما توهم، ومن بعدي بمعنى غيري ممن هو في عصري وكون ملكه لغيره في عهده إنما هو بسلبه منه كما وقع لصخر معه فمعناه الدعاء بعدم سلب ملكه عنه في حياته، ولا تقدير فيه باًن يكون أصله بعد السلب شيء. قوله:(أو لا يصح لآحد من بعدي) فقوله من بعدي بمعنى غيري أيضا ولكنه مطلق لا يختص بعصره، وهو كناية عن عظمته سواء أكان لغيره أم لا فإنها لا تنافي إرادة الحقيقة وعدمها فلا ينافي ما في الحديث تفلت عليّ شيطان البارحة فأردت أن أربطه بسارية من سواري المسجد ثم تذكرت دعوة أخي سليمان عليه الصلاة والسلام كما توهم، وهذا مراده وليس في كلامه ما يأباه إذ قوله لعظمته صريح فيه ومثاله لفلان ما ليس لأحد من كذا وربما كان في الناس أمثاله إذ المراد أنّ له حظا عظيماً وسهما جسيماً كما وضحه في الكشاف، وقوله على إرادة الخ هو ما فيه بعينه والمنافسة الحسد، والبخل وأصله تقديم نفسه على من سواه لشره عينه على الدنيا فمن قال الحق أني قول معناه ملكاً عظيما لم يفهم مراده. قوله:(وتقديم الاستغفار الخ) يعني أنه دعاء بالمغفرة حين طلب ما طلب لأنّ الظاهر وقوعهما على وفق النظم وكون ما طلبه معجزة فاللائق كونها في ابتداء أمره غير مسلم، ولو سلم فليس هنا ما ينافي وقوعه في ابتدائه أو جعل رجوعه بعد الغيبة كالابتداء وما يجعل الدعاء بصدد الإجابة التوبة أو تجديدها، ونحوه مما ذكر في الآداب والوجوب ليس شرعيا ولا عقليا هنا بل لزومه لمن يتحرى الأحسن أو هو مبالغة في استحبابه، وما قيل من أن كلامه مشعر بأن المقصود الاستيهاب والاستغفار وسيلة له وفيه أنّ الوقوع في الفتنة يقتضي الاهتمام بأمر الاستغفار وتقديمه غير صحيح لأنّ قوله لمزيد اهتمامه بأمر الدين يفيد أنّ الاستغفار مقصود لذاته ووسيلة لمقصود آخر مع أنه غفل عن قوله {ثُمَّ أَنَابَ} ، وقوله بفتح الياء أي في بعدي وذللنا هنا

بمعنى سهلنا. قوله: (إجابة لدعوته) هذا جار على الوجه الأوّل والثالث من تفسير لا ينبغي دون الثاني فإنه كان بعد سلب صخر إلا بتأويل فأدمنا له تسخير الريح أو فرددنا له تسخير الريح كما كان فيكون بعد إنابته، وقراءة الرياح هو الدموافق لما مؤ من أنّ الريح تستعمل في الشرّ والرياح في الخبر. قوله:(لا تزعغ الخ) أي لا تحرك لشدتها فإن قلت هذا ينافي قوله في القراءة الأخرى ولسليمان الريح عاصفة لوصفها ثمة بالشدّة وهنا باللين قلت اقد أجاب السمرقندي عنه بانها كانت في أصل الخلقة شديدة لكنها صارت لسليمان لينة سهلة، أو أنها تشتدّ عند الحمل وتليبئ عند السهر فوصفت باعتبار حالين أو إنها شديدة في نفسها فإذا أراد سليمان لينها لانت كما. قال بأمره أو أنها تلين وتعصف باقتضاء الحال وفي تفسيره هنا ما يشير! إلى أنّ المراد بلينها انقيادها له فلا ينافي في عصفها واللين يكون بمعنى الإطاعة والصلابة. بمعنى العصيان ومنه التصلب في الدكن وقد مرّ في سورة الأنبياء. قوله:(أراد) تفسير لأصاب فإنه بمعنى فعل الصواب غير مناسب هنا ولقي رؤية رجلاً فقال له أين تصيب أي تريد ولظهوره في المثال المذكور أتى به المصنف لأنه لو كان بمعناه المعروف لم يصح قوله فأخطأ، وقيل إنه من أصاب بمعنى نزل وهمزته للتعدية أي حيث أنزل جنوده وحيث متعلقة بسخر أو بتجري، وقوله بدل منه كل من كل إن كان تعريف الشياطين للعهد وهم المسخرون أو أريد من له قوّة البناء والغوص والتمكن منهما أو بعض إن لم يقصد ذلك فيقدر ضمير أي منهم. قوله:(عطف على كل الا على الشياطين لأنهم متهم إلا أن يراد العهد ولا على ما أضيف إليه كل لأنه لا - يحسن فيه إلا الإضافة إلى مفرد منكر أو جيمع معرف وقوله، ولعل أجسامهم الخ جواب سؤال تقديره إنها أجمكام لطيفة ولذا لا ترى وتقبل التشكل فلا يمكن تقييد! اولا إمساك القيد لها فدفعه بأنّ لطافتها بمعنى كونها شفافة، والشفافية لا تنافي الصلابة كما في الزجاج لكن فيه إنّ اللطافة- بمعنى الشفافية لا تقتضي. عدم الرؤية كما في الثلج والزجاج غير االملون فلذا قال يمبهق، ثم قال والأقرب لما فيه من المبعد وقربه لأنه بمعنى المنع مجازا فلا يكون! في ربط بقيد وكحوه. قوله: (وهو القيد) وقيل الغل، وقيل الجامعة وهو الأنسب بقوله مقرنين لأنّ التقرين بها غالباً وقوله لأنه يرتبط المنعم عليه أي يربطه لأن ارتبط كربط متعد أي يربطه بمن أنعم عليه كما قيل غل يداً مطلقها وأرق رقبة معتقها، ومن وجد لإحسان قيداً تقيد، وفي بعضها بالمنعم

بالباء فهي زائدة في المفعول ولو جعل

ص: 311

ضمير أنه للمنعم عليه وهو مفهوم من السياق، ويرتبط بالمنعم بزنة الفاعل صح فتدبر. قوله:(وفرقوا يين فعليهما الخ) الظاهر أنّ النكتة وهي زهرة لا تحتمل الفرك أنّ الثلاثي يستعمل فيما هو الأصل في مادّته والمزيد في الطارئ عليه إذا تغاير معناهما وفصد الفرق بين معنييهما، وأصل هذه المادّة للقيد فلذا ورد فعله ثلاثياً على الأصل، وإنما سمي العطاء به لكونه يقيد المنعم عليه كما قال عليّ كرم الله وجهه من برك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك وهو كثير في الشعر والنثر، وكذلك في الوعد فإنّ الأخبار من شخص بما سيفعله إنما يكون تبشيراً فيما يسرّ غالباً لأن كل فطرة مجبولة على الخير في الأصل، وهو الوعد وما سواه فوارد على خلاف الأصل تمليحاً أو لأنه لا يخلو عن سرور لضدّه، وربما أشعر بهذا كلام الزمخشري، وقيل القيد ضيق فناسب تقليل حروفه والعطاء واسع فناسب تكثير حروفه، وقيل زيادة المبني تدلّ على زيادة المعنى فتقليل حروف الوعد يدلّ على أنه ينبغي تقليل زمنه وأهنأ البرّ عاجله بخلاف الإيعاد المحمود خلفه فينبغي فيه عكسه وكذا الصفد والأصفاد فإنّ من الحسن تقليل ما فيه مضرّة وتكثير غيره، واعتبر في أحدهما الزمان وفي الآخر الحدث لأنّ الوعد والوعيد من الأقوال ولا عبرة بكثرتها، وقلتها فلذا اعتبر ذلك في زمانهما ولا كذلك الآخر، وهذا تخيل لا وجه له فإنه لم يذكر من أهل العربية إنّ قلة الحروف، وكثرتها تدلّ على قصر الزمان أو طوله وإنما الذي ذكروه في الحدث مع عدم اطراده هذا ما ذكر هنا من القيل والقال، وليس فيه ما يبل الغليل، والتحقيق عندي أنّ هنا مادتين في كل منهما ضار ونافع ما قل لفظه وما كثر، وقد ورد في إحداهما الضار بلفظ قليل مقدم والنافع بلفظ كثير مؤخر، وفي الأخرى عكسه ووجهه في الأولى أنه أمر واقع لأنه وضع للقيد، ثم أطلق على العطاء لأنه يقيد صاحبه ولذا تيل للقيد والعطاء صفد، وعبر بالأقل في القيد صيغة المناسب لقلة حروفه وباكثر في العطاء لأنه من شأن الكرم، وقدم الأوّل لأنه أصل أخ! وعكس! ذلك في وعد فعبر في النافع بالأقل وقدم وأخر الضار وكثر حروفه لأنه أمر مستقبل غير واقع والخير الموعود به يحمد سرعة إنجازه وقلة مدة وقوعه بأن أهنأ البرّ عاجله وهذا يناسب قلة حروفه بخلاف الوعيد فحمد تأخيره لحسن الخلف، والعفو عنه فناسب كثرة حروفه وليس هذا لدلالته على طول زمانه وقصره كما توهم لأنه ماض، وهذا مستقبل بل بحسب المعنى الموضوع له، وهذا تحقيق في غاية الحسن وما عداه وهم فارغ فأعرفه ومما يتعجب منه ما قيل إنّ النكتة إنّ الهمزة للسلب وصفد وقيد وأصفده أزال قيد افتقاره ووعده بشره بما يسره، وأوعده أزال سروره بما يسر إلى غير ذلك مما لا طائل تحته. قوله:(أي هذا الذي أعطيناك الخ) إذا كانت الإشارة إلى العطاء المذكور يكون الأخبار عنه بعطاؤنا غير مفيد فيجعل بغير حساب قيداً له لتتم الفائدة أو ذكره ليس للأخبار به بل ليرتب عليه ما بعده كقوله:

هذه دارهم وأنت مشوق ما بقاء الدموع في الآماق

وقوله يسلط به الظاهر عليه لكنه ضمته معنى يظفر به، وقوله أعط تفسير لأمنن لأن المن يكون بمعنى الأنعام وتعداد النعم والمراد الأوّل بدليل ما قابله. قوله: (حال الخ (فإذا كان حالاً من الفاعل كانت الباء للملابسة ومعناه غير محاسب عليه بصيغة المفعول والمعنى غير مسؤول عنه في الآخرة أو هو مفوّض إليك أمره في الدنيا، واختار هذا المصنف، وقوله وما بينهما اعتراض على الوجهين فلا يضرّ الفصل به والاعتراض يقترن بالواو وقد يقترن بالفاء كقوله: وأعلم فعلم المرءينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا

فالفاء على هذا اعتراضية، وفي غيره جزائية كما ذكره النحاة وعلى الحالية العامل معنويّ وقوله عطاء جمّ لأنه يعبر عن الكثير بلا يعد ولا يحسب ونحوه وهذا أحد الوجهين في معناه، وقيل معناه لا يحاسب عليه في الآخرة. قوله: (وقيل الإشارة الخ (مرضه لعدم ملاءمته لتفريع قوله فامنن الخ كما أشار إليه والمن قد يكون بمعنى الإطلاق كما في قوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء} [سورة محمد، الآية: 4] وعلى هذا فقوله بغير حساب حال من الضمير المستكن في الأمر ويجوز فيه غيره من الوجوه لكن هذا أولى، وقوله وأنّ له عندنا لزلفى أي قرباً إشارة إلى أنّ ملكه

ص: 312

لا يضرّه ولا ينقص شيئا من مقامه، وقوله هو ابن عيص قد سبق في الأنعام إنّ عيص جدّه لأنه ابن أموص ابن عيص كما وقع في نسخة هنا، وهو متفق عليه كما في مرآه الزمان. قوله:(بدل من عبدنا) أي بدل اشتمال أو من أيوب كما في الكشاف، ورجح الإبدال من الأوّل لأنه المقصود بالذات والزمخشريّ رجح إبداله من أيوب لقربه منه، وقوله أو عطف بيان هذا مخالف لما اتفق عليه النحاة كما سيأتي قريبا، وقوله لقال إنه مسه بالغيبة لأنه غائب. قوله:(والإسناد الخ) يعني إن مسه بما ذكر من الله فأسند إلى الشيطان لأنه سببه لما وسوس له فصدر منه بسببط وسوسته أمر اقتضى أن الله ابتلاه بهذه البلية، وقوله لما فعل ما فيه مصدرية أي لفعله

بوسوسته، وقوله كما الخ ثمثيل لفعل وهو الإعجاب أو عدم الإغاثة. قوله:(أو لسؤاله امتحاناً) معطوف على قوله لما فعل الخ والضمير المضاف إليه السؤال لأيوب أي إن أيوب عليه الصلاة والسلام سأل البلاء من الله ليمتحن ويجرّب صبره على ما يمسه كما قيل:

وبما شئت في هواك اختبرني ~ فاختياري ما كان فيه رضاكما

فسؤاله البلاء دون العافية ذنب بالنسبة لمقامه لا حقيقة فلما مسه من الله ذلك بذنبه أسنده للشيطان لأنّ الذنوب أكثرها من إلقائه، والمقصود منه الاعتراف بأنه ذنب أو تأدّب إذ لم يسنده إلى الله، وامتحانا مفعول له لسؤال أو لمسه أو لهما على التنازع، ولا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز لأنه يقدر في أحدهما ولو سلم فلا محذور فيه عند المصنف، وقيل الضمير للشيطان لما في بعض التفاسير إنه سمع ثناء الملائكة عليه فسأل الله أن يسلطه عليه ليعلم حاله والله أعلم بصحته. قوله:(أو لآنه الخ) معطوف على قوله لما الخ فيكون أيضاً من الإسناد إلى السبب، وعلى الوجه الذي بعده الإسناد إلى الشيطان أيضاً حقيقيّ لأنّ النصب والعذاب الوسوسة ويغريه من الإغراء وهو الحث عليه، والجزع عدم الصبر، وقوله للتثقيل ظاهره إنها حركة عارضة لا لغة أصلية، ولذا قيل المعتاد التخفيف لا التثقيل فعليه أن يقول، وهي لغة ولا مانع من كونها عارضة للاتباع دلالة على ثقل تعبه وشدته فتدبر. قوله:(حكاية لما أجيب به) إشارة إلى أنه بتقدير فقلنا له اركض الخ وفي هذه الآية حدّف كثير لكن فحوى الكلام دالة عليه دلالة أغنت عنه حتى كأنه مذكور فهي من بديع الإيجاز إذ في دعائه لا بد من تقدير مسني الضرّ فاكشفه عني، وفي هذا فاستجبنا له وقلنا له اركض وبعد قوله برجلك فركض فنبعث عينان فقلنا له هذا الخ كما أشار إليه المصنف. قوله:) أي مغتسل به (يعني مغتسل اسم مفعول على الحذف والإيصال لا اسم مكان وهو الماء الذي يغتسل به، والشراب ما يشرب منه ليبرأ باطنه وظاهره،

وقوله وقيل الخ مرضه لأنّ ظاهر النظم عدم التعدد، وبارد حينثذ صفة شراب مع أن تقم عليه صفة لمغتسل وكون هذا إشارة إلى جنس التابع أو يقدر فيه، وهذا بارد الخ تكلف لا يخرجه عن الضعف وقوله ووهبنا له أهله مرّ تفصيله في سورة الأنبياء فتذكره وقوله الضغث الحزمة وأصله الاختلاط ومنه أضغاث أحلام كما مرّ في سورة يوسف، وقوله زوجته الخ سماها في سورة الأنبياء ما خير بنت ميشي ابن يوسف فلعل فيه روايتين واذا كان اسمها رحمة يكون في قوله رحمة منا تورية لطيفة. قوله:(وهي رخصة باقية في الحدود (في شريعتنا وفي غيرها أيضا لكن غير الحدود يعلم منها بالطريق الأولى، وكون حكمها باقيا هو الصحيح حتى استدلوا بهذه الآية على جواز الحيل وجعلوها أصلاً صلحتها وقيل حكمها منسوخ، وقيل إنه مخصوص بأيوب والصحيح الأوّل لكنهم شرطوا فيه الإيلام أمّا مع عدمه بالكلية فلا فلو ضرب بسوط واحد له شعبتان خمسين مرّة من حلف على ضربه مائة بر إذا تألم فإن لم يتألم لا يبر ولو ضربه مائة لأنّ الضرب وضع لفعل مؤلم يتصل بالبدن بآلة التأديب، وقيل يحنث بكل حال كما فصل في شرح الهداية وغيره. قوله: (ولا يخل به شكواه الخ) جواب سؤال تقديره إنه نادى ربه بقوله مسني الشيطان الخ بأن الصبر عدم الجزع ولا جزع فيما ذكره وهذا جار على الوجوه السابقة في تفسيره، وقوله مع أنه الخ جواب آخر بأنه لأمر ديني لا لغيره وهو ناظر إلى الوجهين الأخيرين وصبره الممدوح به في المصائب الدنيوية ما لم تضر بالدين وشراشره جملته ونفسه كما مرّ. قوله:(أو على أنّ إبراهيم الخ) على لأوّل عبدنا بمعنى عبيدنا، وعلى هذا هو

ص: 313

على ظاهره والمراد إبراهيم وحده وخص بعنوان العبودية لمزيد شرفه، وقوله عطف عليه أي على عبدنا وكان في الوجه السابق عطفاً على إبراهيم. قوله: (أولى القوّة في الطاعة الخ (فالأيدي مجاز عن القوّة مجاز مرسل والأبصار جمع بصر بمعنى بصيرة، وهو مجاز أيضا لكنه مشهور فيه واذا أريد بالأيدي الأعمال فهو من ذكر السبب وإرادة المسبب والأبصار بمعنى البصائر مجاز عما يتفرّع عليها من المعارف كالأوّل أيضا، وقوله وفيه تعريض أي على الوجهين لأنه لما عبر عن الطاعة، والدين وعن العمل والمعرفة بالأيدي والأبصار كان فيه إشارة إلى أنّ من ليس كذلك

لا جارحة له ولا بصر، وفي قوله الزمني خفاء لأن الزمن من لا يمشي أو ذو العاهة مطلقاً لا من لا يدله فكأنه جعل أولى الأيدي بمعنى أولى الجوارج تغليباً. قوله:(تذكرهم الدار الآخرة الخ) فالذكرى بمعنى التذكر، وهو مضاف لمفعوله وتعريف الدار للعهد والدوام مستفاد من إبدالها من خالصة أو جعلها عين الخالصة، التي لا يشوبها غيرها لأنّ ذكرى إمّا بدل من خالصة أو خبر عن ضميره المقدر وكلام المصنف محتمل لهما، وقوله بسببها أي بسبب الآخرة فيه إشارة إلى أنّ باء بخالصة سببية، وقوله واطلاق يعني بحسب الظاهر أو إذا لم يرد العهد لما ذكره وللفاصلة أيضا، وقوله فإنّ الخ بيان لوجه تفسير ذكرى الدار واذا كان خالصة مصدرا كالكاذبة فهو مضاف لفاعله أو المعنى بأن خلص ذكر الدار، وهو ممكن على القراءة الأولى أيضاً، وقيل المراد بالدار الدنيا وذكراها الثناء الجميل. قوله:(المختارين (تفسير للمصطفين وقوله المصطفين عليهم الخ تفسير للأخيار على أنه جمع خير مقابل شز الذي هو أفعل تفضيل في الأصل أو جمع خير المشدّد أو خير المخفف منه، وكان قياس أفعل التفضيل أن لا يجمع على أفعال لكنه للزوم تخفيفه حتى أنه لا يقال أخير إلا شذوذاً أو في ضرورة جعل كأنه بنية أصلية. قوله: (واللام فيه الخ) يعني أنها زائدة لازمة لمقارنتها للوضع، ولا ينافي كونه غير عربيّ فإنها قد لزمت في بعض الأعلام الأعجمية كالإسكندر قال التبريزي في شرح ديوان أبي تمام أنه لا يجوز استعماله بدونها ولحن من قال إسكندر مجرد إله منها كما بيناه في شفاء الغليل، وأمّا البيت المذكور فقد مرّ شرحه والشاهد في قوله اليزيد للزوم أل ولدخولها في يزيد ويسع على ما هو في صورة الفعل، وليست فيهما للمح الأصل قال في القاموس: يسع كيضع اسم أعجمي أدخل عليه أل ولا يدخل على نظائره كيزيد. قوله: (والليسع تشبيهاً بالمتقول من ليسع) فيه تسامح والمراد ما في الكشاف إنّ حرف التعريف دخل على ليسع في الأنعام، وعلى القراءتين هو اسم أعجمي دخلت عليه اللام، وإنما جعله مشبها بالمنقول لأنه هو الذي تدخله أل للمح أصله كأنه فيعل من اللسع. قوله:(واختلف في نبوّته ولقبه) فقيل كان نبيا، وقيل إنما

هو رجل من الصلحاء الأخيار، واختلف في سبب تلقيبه به فقيل إنه كان أربعمائة نبيّ من بني إسرائيل فقتلهم ملك إلا مائة منهم إلياس كفلهم ذو الكفل وخبأهم عنده وقام بمؤنتهم فسماه الله ذا الكفل، وقيل كان كفل أي عهد دلّه بأمر فوقي به، وقيل إنّ نبياً قال من بلغ الناس ما بعثت به بعدي ضمنت له الجنة فقام به شاب فسمي ذا الكفل واختلف أيضا في اليسع فقيل هو إلياس وقيل غيره بل هو ابن عمّ له، وقيل غير ذلك وقد تقدم فيه كلام. قوله:(وكلهم) يعني أنّ تنوينه عوض عن هذا المضاف المقدر، وقوله شرق الخ لأنّ الشرف يلزمه الشهرة والذكر بين الناس فتجوّز به عنه بعلاقة اللزوم فيكون المعنى أي في ذكر قصصهم، وتنويه الله بهم شرف لهم وأمّا إذا أريد أنه نوع من الذكر على أنّ تنوينه للتنويع، والمراد بالذكر القرآن فذكره إنما هو للانتقال من نوع من الكلام إلى آخر ولذا يحذب خبره كثيرا فلا يقال إنه لا فائدة فيه لأنه معلوم إنه من القرآن كما أشار إليه المصنف بقوله ثم شرع الخ وجملة وإنّ للمتقين الخ حالية. قوله: (عطف بيان لحسن مآب الأنه بتأويل مآب ذي حسن بإضافة الصفة للموصوف أو على الادّعاء مبالغة بجعلها كأنها هو فيتحدان ليصح البيان، ولو جعل بدل اشتمال لم يحتج إلى ما ذكر، وأمّ تخالفهما في التعريف والتنكير فهو مذهب للزمخشريّ كما ذكره ابن مالك في التسهيل فلا يرد عليه أنّ النحاة اختلفوا فيه فقيل يختص بالمعارف، وقيل لا يختص لكنه يلزم توافقهما تعريفاً، وتنكيراً وأمّ هذا فلم يقل به أحد ولا خاجة إلى أن يقال المراد بعطف البيان البدل فإنه خلاف الظاهر. قوله: (وهو من الإعلام

ص: 314

الغالبة) قيل الضمير لعدن، وهو دفع لما قلى إنه غير معين ولا صالح للبيان فورد أنّ الأعلام الغالبة يلزم فيها الإضافة أو تعريفها باللام وهذا ليس بمسلم فإنه أغلبيّ كما صرّح به ابن مالك في التسهيل فليكن هذا من خلافه مع أنّ هذه الغلبة لو سلمت كانت تقديرية لأنّ عدن مصدر معناه الإقامة، ولم نره استعمل قبله بمعنى الجنة والبستان أو المكان حتى يغلب في الجنة المعهودة فلو سلمت علميته، أو قيل إنه نكرة كما في القاموس وغيره كان منقولاً من اسم معنى إلى اسم عين كالفضل، وأمّا ما يورد عليه من أنّ إضافة الجنات إليه يصير كإنسان زيد وهو قبيح فغير مسلم لأنه كمدينة بغداد ولا قبح فيه وقيل: إنه لجنات عدن فالعلم مجموعه وبه يندفع بعض المحذور إلا الأوّل فإنه لا يندفع به كما توهم لأنّ المراد بالإضافة التي تعوضها العلم بالغلبة إضافة تفيده تعريفا كما صرّحوا به.

قوله: (لقوله الخ) باللام ووجه دلالته أنّ التي إما صفة عدن أو جنات، وعلى كليهما يدل

على أنه معرفة لوصفه بالمعرفة إذ المضاف إليه لو لم يكن معرفة لم يتعرّف المضاف، ووقع في

نسخة كقوله بالكاف وهي قليلة الفائدة فالصحيح الأولى نعم يرد على الأولى أنه لا دليل فيها لاحتمال كون التي بدلاً إذ لا يتعين كونه صفة حتى يتم لتغليب إلا أنّ إبدال المعرفة من النكرة غير حسن ولا يتبادر هنا. قوله: (والعامل فيها) أي في الحال ما في المتقين الخ يعني أنه حال من ضمير الجنات المستتر في خبران، والعامل فيه استقرّ وحصل المقدر أو نفس الظرف لتضمن معناه ونيابتة عنه وليس في كلامه خفاء، وقوله عنها أي عن ضميرها المستتر وهو سهل وقوله وقرئنا أي جنات ومفتحة والمحذوف ضمير المآب وعلى أنه مبتدأ أو خبر ارتباطه بما قبله أنّ الجملة مفسرة لحسن المآب لأنّ محصله جنات أبوابها فتحت لهم إكراماً فليس مغلقاً كما توهم أو هي معترضة والأبواب كما في الكشاف بدل من الضمير تقديره مفتحة هي الأبواب وهو بدل اشتمال، وبقية الكلام في الشروح. قوله:(حالان) أي متكئين ويدعون وعلى التداخل فكيف يدعون حالاً من ضمير متكئين والحال حينئذ مقدرة لأنّ الاتكاء وما بعده ليس في حال تفتيح الأبواب بل بعده، ولذا قال والأظهر الخ فيكون يدعون مستأنفاً في جواب ما حالهم بعد دخولها فالحال على ظاهرها، ومتكئين قدم رعاية للفاصلة وكون الجنة أكلها للتفكه والتلذذ لا عن جوع قد مرّ الكلام فيه في الصافات وكون الفاصل هنا أجنبياً ظاهر وان توقف فيه بعضهم فتأمّل. قوله:(لا ينظرن إلى غير أزواجهن) أو منعن طرف الأزواج أن تنظر للغير لشدّة الحسن، وهو أبلغ وقد مرّ ولدات جمع لدة كعدة أصله ولدة وهو كالترب من يولد معه في وقت واحد كأنهما وقعا على التراب في زمان واحد فترب فعل بمعنى مفاعل ومتارب كمثل بمعنى مماثل، وقوله فإنّ التحاب الخ جعله في الكشاف توجيهاً لما بعده وهو الصواب لأنّ النساء الأتراب يتحاببن ويتصادقن وأمّا الأزواج والزوجات فكون الزوجات أصغر منهم أحب لهم لا التساوي ومن العجيب، ما قيل إن ما فعله المصنف رحمه الله أحسن لأنّ الاهتمام بحصول المحبة بينه وبين زوجته لا بين الزوجات فتدبر، وقوله أو بعضهن الخ فالتساوي في الأعمال على الأول بينهن وبين أزواجهن، وفي هذا بين الحور العين ونساء الجنة. قوله:(لأجله الخ) فاللام تعليلية، وقوله فان الخ بيان للتعليل فإنّ ما وعدوه لأجل طاعتهم وأعمالهم

الصالحة وهي تظهر بالحساب وتقع بعده فجعل كأنه علة لتوقف إنجاز الوعد عليه فالنسبة لليوم، والحساب مجازية ولو جعلت اللام بمعنى بعد كما في كتب لخمس خلون سلم مما ذكر، وقوله بالياء الخ وعلى قراءة التاء فيه التفات. قوله تعالى:) {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} ) قيل ظاهر المقابلة لما مرّيقتضي أن يقال لقبح مآب هنا أو ديما مضى لخبير مآب لكن مثله لا يلتفت إليه إذا تقابلت المعاني لأنه من تكلف الصنعة البديعية كما صزج به المرزوقي في شرح الحماسة وقيل إنه من الاحتباك وأصله أنّ للمتقين لخير مآب وحسن مآب، وانّ للطاغين لقبح مآب وشر مآب وهو كلام حسن، وقوله أي الأمر هذا فهو خبر مبتدأ مقدر أو مبتدأ خبره مقدر أو مفعول فعل مقدر وقد جوّز فيه أيضا كون ها اسم فعل بمعنى خذوذاً مفعول من غير تقدير ورسمه متصلا يبعد.، والتقدير أسهل منه قيل وعلى هذا يلزم عطف الخبر على الإنشاء، ولذا لم يتعرّض له الزمخشري ورد بأنّ هذه الجملة قصد بها الفصل من غير نظر لإنشايتها وخبريتها مع أنّ الجملة الثانية حالية، والقول بأنها مؤوّلة بإنشائية تكلف فلا يرد ما ذكر

ص: 315

وفيه نظر، وأنا ما قيل من أنه على تقدير هذا خبراً فهو من فصل الخطاب لا إذا قدر مبتدأ فقد رد بأنه منه على كليهما فهي تفرقة بلا فارق، وقوله إعرابه ما سبق ويجوز كونه منصوبا على شريطة التفسير، وقوله حال من جهنم أي من الضمير المستتر في قوله للطاغين الراجع لشر مآب المراد به جهنم ففيه ما مرّ من التسامح والحال مقدرة كما مرّ، والمهاد كالفراش لفظاً ومعنى وكذا المهد وقد يخص بمقرّ الطفل. قوله:(أي ليذوقوا الخ) ذكر فيه ثلاثة أوجه أنّ هذا مبتدأ خبره حميم وجملة فليذوقوه معترضة كقولك زيد فافهم رجل صالح أو هو خبر مبتدأ محذوف، وجملة فليذوقوه مرتبة على الجملة الاً ولى قبلها فهي بمنزلة جزاء شرط محذوف، وحميم خبر مبتدأ محذوف أو هذا منصوب بمضمر يفسره فليذوقوه، والفاء زائدة كما في {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [سورة المدثر، الآية: 3] وقد تقدم الكلام في هذه الفاء في سورة النور، وفي كونها تفسيرية تعقيبية ودلالتها على أن يكون لهم إذاقة بعد إذاقة فتذكره وقوله وهو أي حميم على الوجهين الأوّلين في هذا فليذوقوه وهذا المقدر ضمير يعود لاسم الإشارة، وعلى هذا فالمشار إليه بهذا جنس ما أعدّ لشربهم فلا ينافي إفراد هذا تعدّده على بعض التقادير، وان جاز كون الغساق والحميم صفتي موصوف واحد إذ اسم الإشارة يشار به للمتعدد كما في عوان بين ذلك فنزل كلَا من

حأشبة الثهاب / ج 8 لم م اا

الوجوه فيما يليق به وغسق بمعنى سال كضرب، وسمع وغساق مخففا ومشددا اسم لما ذكر ويحتمل أنه وصف وهو في التشديد أظهر. قوله:(من مثل هذا المذوق الخ) هذا وجه لأفراد الضمير مع أنّ الظاهر أن يثنى نظراً للحميم والغساق، والإتيان باسم الإشارة للإشارة إلى تقدم ذكره لا لأنه مبني على الوجه الأوّل كما قيل وان صح فيكون قوله أو العذاب مبنيا على الثاني، وقوله في الشدة متعلق بمثل لبيان وجه المماثلة بينهما، وقوله وتوحيد الخ جواب عن سؤال مرّ بيانه فإن كانا صفتين لشيء واحد فهو إشارة لذاته بقطع النظر عن صفته وقوله بالكسر أي كسر شين شكله وهي لغة فيه كمثل، وقوله أجناس إشارة إلى ما مرّ من أنّ الزوج يطلق على الذكر والأنثى وعلى كل متجانسين. قوله:(خبر لآخر) إشارة إلى الوجوه المذكورة في إعرابه على القراءتين في آض مفردا وجمعا لأنهم قالوا أخر مبتدأ ومن شكله خبره وأزواج فاعل الظرف أو آخر مبتدأ أو من شكله خبر المبتدأ فلا يرد أنها خلت من الضمير أو من شكله نعت لآخر المبتدأ أو أزواج خبره أي وأخر من شكل المذوق أزواج أو من شكله نعت آخر المبتدأ وأزواج فاعله، والضمير لأخر والخبر مقدر أي لهم أنواع أخر من شكلها الأزواج أو الخبر مقدر وهو لهم ومن شكله أزواح صفتان لا آخر فالوجوه خمسة كما في الدرّ المصون، ولا محذور في الأخبار بأزواج على أفراد آخر لأن المراد به نوع آخر وكذ! إذا كان صفة له، وقوله أو للثلاثة أي صفة للثلاثة، وهي حميم وغساق وآخر وتقدير الخبر على الوجه الرابع. قوله:(حكاية ما يقال للرؤساء) من أهل الضلال تقريعاً لهم وفيه إشارة إلى ارتباطه بما قبله بتقدير فيقال لهم عند الدخول هذا الخ، والقائل ملائكة العذاب أو بعضهم لبعض كما في الكشاف ولا حاجة على الثاني إلى أن يقال مقتحم معنا ولا مرحبا بكم دون بهم لا لأنه حكاية بحسب المعنى كما قيل بل لأنّ خطاب معكم من بعضهم أي الرؤساء لبعض منهم وضمير بهم للاتباع والدعاء عليهم من غير مواجهة لهم، وما ذكره بناء على الظاهر من تخاطب الاتباع والرؤساء لا من تخاطب بعض أحد الفريقين لآخرين منهم كما قيل. قوله: (واقتحمها معهم فوج تبعهم في الضلال (ظاهره أنّ مع يجوز تعلقه باقتحم فيكون ظرفا له، وقد جوّز في معكم أن يكون نعتا ثانياً لفوج أو حالاً منه لأنه قد وصف أو من الضمير المستتر في مقتحم وقال أبو البقاء لا يجوز أن يكون ظرفا لفساد المعنى فقيل لم أدر من أيّ وجه يفسد والحالية، والصفة في المعنى كالظرفية ووافقه المدقق في الكشف فقال إن كان الفساد لإيتائه عن تزاحمهم في الدخول فليس بلازم فإنه مثلى ضربت معه زيداً للمشاركة في المضروبية مطلقاً فالمراد اشتراكهم في ركوب قحمتها ومقاساة شدّتها في زمان متقارب عرفا، ولو قيل هذا فوج معكم مقتحمون لم يفد أقتحام المخاطبين

ويفسد المعنى ولا فرق بينه وبين الحالية فقيل عليه إنه حال لا ظرف إذ ليس المراد أنهم اقتحموا في الصحبة ودخلوا فيها بل اقتحموا في النار مصاحبين لكم، ومقارنين إياكم فليس ما تقدّم وجه الفساد كما ظن وهو كلام فاسد لا محصل له لأنّ مدلول مع المعبر عنه بالصحبة معناه الاجتماع في التليس بمدلول

ص: 316

متعلقها فيفيد اشتراكهما أي الاتباع والرؤساء في الاقتحام لا في الصحبة كما توهمه ولا تدل على اتحاد زمانيهما كما صرح به في المغني، ولو سلم فهو لتقاربه عدّ متحداً كما أشار إليه في الكشف فلا وجه لما قاله أبو البقاء ومن تبعه ولا للتوجيه المذكور ولبعضهم هنا كلام مخلول إن شئت فانظره. قوله:(دعاء من المتبوعين الخ) سواء كان القائل هذا فوج الخ الملائكة أو بعض الرؤساء لبعض، وقوله أو صفة الخ فتؤوّل بمقولاً لهم لا مرحبا لأنه دعاء فهو إنشاء لا يوصف به بدون تأويل، وكذا على الحالية أيضاً كما أشار إليه بقوله مقولاً الخ، والمراد بمثله مستحقاً أن يقال لهم ذلك لا أنه قول حقيقة والحالية إمّا من فوج لوصفه المقرب له من المعرفة أو من ضميره وهو على هذا من كلام الخزنة إن كانوا هم القائلين أو من كلام بعض الرؤساء وبجوز كونه ابتداء كلام منهم وقوله أي ما أتوا بفتح الهمزة إشارة إلى ما قدروه وهو أتيتم رحباً أي مكانا واسعاً وبهم بيان للمدعو عليهم كما تبين اللام في سقيا له ونحوه، ورحباً بضم الراء وهو لاسعة من الرحبة، وهي الفضاء الواسع فقوله وسعة ئفسير له والمراد بما ذكر أن رحباً مفعول به لأتوا مقدراً وبهم على ما مرّ من البيان، وما قيل إنه إئارة إلى كون الباء للتعدية ورحباً مفعوله الآخر لا وجه له ولا دلالة للكلام عليه وكون الباء لا تكون مبينة كاللام دعوى من غير دليل، وقوله أنهم لخ تعليل لالى! حقاقهم للذعاء عليهم وصالو من التصلية، والمراد بها الدخول لا معناها المشهور كما أشار إليه وقوله بأعمالهم مثلنا ليس من مدلول النظم بل بيان لمرادهم في الواقع. قوله:(بل أنتم أحق بما قلتم (إن كان الدعاء من المتبوعين، أو قيل لنا إن كان من كلام ملائكة النار كما مرّ وقوله لضلالكم واضلالكم متعلق ثفوله أحق، وقوله كما قالوا بيان لإضلالهم لهم. قوله: (قدّمتم العذاب) فالضمير له لفهمه مما قبله أو للمصدر الذي تضمنه الوصف وهو الصلى أي دخول النار، وأشار بقوله بإغوائنا الخ بأنّ فه تجوّزاً كما قال المحقق إنّ فيه مجازين عقليين وهما إسناد التقديم إلى الرؤساء لكونهم سبباً للإغواء وايقاع التقديم على العذاب لوقوعه على عمل السوء الذي هو شب العذاب ففيه إسناد إلى ما هو السبب، وايقاع على ما هو المسبب وكلاهما مجاز عقلي، وقد يظن أنّ الثاني لغوي من إطلاق السبب على المسبب أي العذاب على العمل فليس في الكشاف تجوّز في الضمير

كما توهم. قوله: (على ما قدّمتموه من العقائد) متعلق بالإغواء أو الإغراء أو هما تنازعاه أي حثا على ما قدم من العذاب، وهو إشارة إلى ما في التشبيه أو الضمير من التجوّز فإنّ المقدم ليس هو العذاب بل ما ذكر من العقائد والأعمال، ورجوعه إلى الكفر بعيد وما قيل تقديم العذاب بتأخير الرحمة فلا مجاز فيه وكلام المصنف صريح في خلافه ومناد على عدم إرادته، وقوله جهنم هو المخصوص بالذم المقدر ومن في قدم شرطية. قوله:(مضاعفاً) بيان للمعنى المراد منه، وقوله أي ذا ضعف توجيه للتركيب بأن فيه مضافا مقدرا فلا يقال إنه كان حقه أن يقول أو ذا ضعف لأنه وجه آخر لكن لتقاربهما جعل أحد الوجهين تفسيرا للآخر لما فيه من التكلف، وما ذكر بناء على أنّ الضعف المثل لا الزيادة المطلقة فيصير عذابه بزيادة الضعف مثلين لعذاب غيره فيوافق ما صرح به في الآية الأخرى، وفي كون الآية موافقة لما ذكره نظر فتأمّل، وقوله أي الطاغون قيل الأولى تفسيره بالاتباع لأنّ ما قبله قول لهم أيضاً. قوله:(صفة أخرى) وبجوز كونها مستأنفة لبيان ما قبلها، وقوله بهمزة الاستفهام فتفتح وتحذف الثانية والتأنيب اللوم الشديد وضم الشين وكسرها قد مرّ تحقيقه وأنّ معناه الهزء. قوله:(وأم معادلة الخ) فهي على هذا متصلة لمقابلتها بالمنقطعة، وهو خلاف ما اشتهر عن النحاة من أنه لا بد من تقدم الهمزة عليها لفظا أو تقديراً وما الاستفهامية لا تكون معادلتها وكذا غيرها من أدوأت الاستفهام لكنه ميل مع المعنى اكتفاء بكونه في معنى ما فيه الهمزة كما أشار إليه بقوله كأنهم قالوا ليسوا، الخ والزمخشري ليس بمقلد لغيره ولا مانع منه غير التقليد. قوله:(على أنّ المراد نقي رؤيتهم الخ) يعني أنّ قوله ما لنا لا نرى بمعنى لم نرهم كما مرّ بيانه في قوله: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} إذ محصل المراد منه أهم غائبون أم أبصارنا زاغت عنهم، وقوله أو لاتخذناهم أي معادل لأتخذناهم على قراءته بهمزة استفهام لما مرّ عن النحاة من اشتراطه، وهو ظاهر بحسب اللفظ لا بحسب المعنى فإنه لا يقابل بين زيغ الأبصار واتخاذهم سخرية، ولذا جعله

كناية عن لازمه وهو التحقير

ص: 317

لأنّ من يحقر أمراً لا ينظر إليه لكنه لا يخلو من شيء. قوله: (أو منقطعة) معطوف على قوله معادلة لأنه بمعنى متصلة وهذا يجري على القراءتين والمقصود أيضا لومهم لأنفسهم وتحقيرهم لهم، وقوله لك الدّي حكينا. مما جرى بين رؤس الكفر وأتباعهم، وقول لا بد الخ يعني أنّ حقيته المراد بها تحققه في المستقبل. قوله:(وهو بدل من حق الخ) والمبدل منه ليس في حكم السقوط حقيقة، والمراد بالتخاصم التقاول مع أنه لا منع من إرادة حقيقته وقوله على البدل من ذلك لم يلتفت إلى ما في الكشاف من كونه صفة لاسم الإشارة لأنه مردود بأنّ وصف اسم الإشارة وان جاز أن يكون بغير المشتق إلا أنه يلزم أن يكون معرفا بالألف واللام كما ذكره في المفصل من غير نقل خلاف فيه بين النحاة، واسم الإشارة لا يجوز الفصل بينه وبين نعته فكلامه مخالف لعامّة النحاة، ولما قرّره وهو في مفصله مع ما فيه من الفصل الممتنع أو القبي، وقد تصدى بعضهم لتوجيهه وترك المصنف له كفانا مؤنته. قوله تعالى:( {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ} ) القصر فيه إضافي أي لا ساحر ولا كذاب كما زعمتم وخصه بالذكر لأنّ الكلام مع المشركين وحاله معهم مقصور على الإنذار كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله للمشركين، وقوله الذي لا يقبل الشركة يحتمل أنه تفسير لقوله لا إله إلا الله وقوله والكثرة تفسير للواحد لأنه هو الذي لا يقبل التعدد في جزئياته، ولا في أجزائه ويحتمل أنه بيان للوحدة يعني لا كثرة في ذاته بحسب الجزئيات بأن يكون له ماهية كلية ولا بحسب الأجزاء، ومعنى الآية إني مبعوث بالإنذار والدعوة لتوحيد العزيز القهار، وقوله في ذأته إشارة إلى أنه يقبلها في صفاته كما هو مذهب أهل الحق. قوله:(منه خلقها وإليه أمرها) أي راجع ومفوّض إليه تدبير جميع أمورها وهذا يفهم من الربوبية فإنه إذا كان هو المربى لجميع الكائنات لزم ما ذكر ولا يخفى مناسبة وصف التفرد بالألوهية، والأحدية لكونه القهار وتربية جميع الكائنات لأنه عزيز غفار، وقوله إذا عاقب كان الظاهر لا يغلب ولا يمنع من شيء مّا لكنه لمقابلته هنا بالغفار فسره بما ذكر. قوله:(وفي هذه الأوصاف الخ) كونها تقريراً للتوحيد ظاهر إمّا الواحد فهو المقرر معناه، وهو صريح فيه غير محتاج للبيان وأمّا القهار لكل شيء فلأنه لو

كان له إله غير. لزم مقهوريته وهو مناف للألوهية ورب السموات الخ بمعنى رب كل موجود فيدخل فيه كل ما سواه فلا يكون إلهاً والعزيز يقتضي أنه يغلب غيره، ولو كان إلهاً كان غالبا لا مغلوبا وأمّ الغفار لما يشاء فلأنه لو كان إله غيره فربما أراد عقاب من غفر له فلا يكون إلها قادرا على المغفرة لكل ما يشاء، والوعد والوعيد ليس من القهار والغفار فقط بل قد يفهم من غيرهما أيضاً لمن له نظر سديد. قوله:(وتثنية ما يشعر بالوعيد) أي تكريره، وهو القهار العزيز وتقديم القهار على غيره مما وصف به الله الواحد لأنّ المقام مقام إنذار فناب الاهتمام به فقدم وكرر، وقوله لأنّ المدعي وقع في نسخة المدعوّ له وهو بمعنى المطلوب. قوله:(ما أنبأتكم به) إشارة إلى أنّ الضمير المفرد رجع لما ذكر وهو متعدد لتأويله بما ذكر ونحوه، وقوله وقيل ما بعده أي مرجع الضمير وهو هو فقوله هو المراد به نبأ آدم فهو مبهم يفسره ما سيأتي بعده، ولا يخفى بعده ولذا مرضه وقيل: الضمير لتخاصم أهل النار أو أمر القيامة أو القرآن وهما مذكوران حكما، وقوله لتمادي غفلتكم من اسم الفاعل الدال على الثبوت، وقوله فإنّ العاقل لا يعرض الخ إشارة إلى أنّ في ذكر إعراضهم عما هو عظيم إيماء إلى أنهم ليسوا من ذوي العقول وقيل وضمع العاقل موضع المتنبه للملازمة بينهما، وقوله ما مرّ هو ما أجرى عليه تعالى من الصفات المقررة للتوحيد كما مرّ والنبوّة مفهومة، من قوله:{إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ} . قوله تعالى: ( {مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى} ) عدى العلم بالباء للنظر إلى معنى الإحاطة، والملأ المجصاعة الإشراف وهو اسم جمع ولذا وصف بالمفرد، وقوله عن تقاول إشارة إلى أن المراد بالتخاصم المقاولة كما مرّ وقوله على ما ورد الخ إشارة إلى وجه قيام الحجة مما ذكر فإنّ تقاول الملائكة لا يطلع عليه فلا يسلمونه له إلا أنه لما ورد مطابقا للكتب قبله كما يعرفه أهل الكتاب، ويسمعه غيرهم منهم دل على ما ذكر ومنه تعلم إنّ ما وقع في بعض التفاسير وشروح الكشاف من أنّ المراد به ما ورد في الحديث الصحيح من اختصامهم في الكفارات والمنجيات كأسباغ الوضوء، وقيام الليل واطعام الطعام لا يتأتى هنا لأنّ المشركين لا يقرون به فمن رجحه

ص: 318

لم يصب والتعبير بيختصمون المضارع لأنه أمر غريب فأتى به لاستحضاره حكاية

للحال. قوله: (وإذ متعلق يعلم) منع هذا في الكشاف لأنّ علمه ليس في ذلك الوقت بل بعده فإن أريد بالنفي أنه لم يعلمه في ذلك الوقت بان يحضره، وهو مما لا يعرف بالعقل فتعين كونه بوحي من الله حتى لا يرد ما ذكر، وأنّ نفي علمه في ذلك الوقت لا يفيد نفيه مطلقاً صح لكن ليس في كلامه ما يدل عليه نعم لو أريد به تعلق المفعولية على أنه بدل من الملأ بدل اشتمال صح، ويرد عليه ما ورد على التوجيه الأوّل فليس كلامه صافيا من الكدر ولا كلام في تعلقه بكلام فلو اقتصر عليه الزمخشريّ كان أولى. قوله:(أي لأنما) توجيه لقراءة الجمهور بالفتح بأنها على تقدير اللام لأنه يطرد حذفها مع أن وإن وقوله كأنه لما جوّز أنّ الوحي يأتيه الخ جوز بالبناء للمجهول أي لما جوّز الكفرة ذلك لإلزامهم بأنه يخبرهم بما لا يعلم إلا بوحي لا أنه مبني للفاعل، والضمير للرّسول حتى يقال إنه لم يصادف محزه فيجعل مجازا عن ذلك كما قيل وعليه فيوحي مسند إلى ضمير المصدر أو إلى الجارّ والمجرور أو إلى ضمير ما يوحي المفهوم من الكلام، وقوله إنما أنا منذر تقدّم توجيهه بأنّ الحصر إضافي بالنسبة إلى ما نسب إليه من السحر والكذب وخص الإنذار بالذكر لأنّ الكلام مع المشركين فلا يرد عليه أنّ الوحي لا ينحصر فيما ذكر من الإنذار كما توهم. قوله:(بإسناد يوحي) فالمعنى لا يوحي إلى إلا الإنذار وعلى الكسر المعنى ما يوحي إليّ إلا هذا القول ويجوز أن يقدر القول فيه وكلامه محتمل له. قوله: (بدل من إذ يختصمون) الظاهر أنه بدل كل ويجوز كونه بدل بعض، وقوله مشتملة على تقاول الملائكة يؤيده سواء أريد بالنبأ العظيم قصة آدم عليه الصلاة والسلام أو غيرها كما مر والأظهر تعلقه باذكر المقدر على ما عهد في مثله ليبقى إذ يختصمون على عمومه ولئلا يفصل بين البدل والمبدل منه، وليشمل ما في الحديث من اختصامهم في الكفارات، والدرجات ولئلا يحتاج إلى توجيه العدول عن ربي إلى ربك، وقوله الملائكة وابليس لم يذكر آدم كما في الكشاف لأن أنباءه لهم تقاول أيضاً اكتفاء أو لأنّ المراد كما أشار إليه التقاول في شأنه، وقوله

اكتفاء بذلك أي بما مرّ في البقرة توجيه لكونه مبينا له، وليس فيما ذكر بيان تخاصمهم وتقاولهم بأنه إشارة إلى قصة معلومة ذكر فيها ذلك وأورد عليه أنّ نزول البقرة متأخر عن نزول هذه السووة لأنها مدنية وهذه مكية فلا يصح الاكتفاء إحالة عليها قبل نزولها ووجه بأنّ المراد اكتفاء السامعين للقرآن بعد ذلك، وفيه نظر. قوله:(ومن الجائز الخ) دفع لما يقال من أنّ التقاول لم يكن بين الملأ الأعلى فقد بل بين الله وبينهم ولا يصح جعل الله من الملأ الأعلى بأنّ تكليم الله لهم كان بواسطة من الملائكة فالتقاول، إنما وقع بينهم أو يقال المراد بالملأ الأعلى ما عدا البشر فيشمله تعالى بطريق التغليب بقرينة قوله:{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} ولا يلزم إثبات جهة له تعالى. قوله: (وأحييته بنفخ الروح فيه) إشارة إلى أنه مجاز أو كناية عن إحيائه وقد مرّ في سورة الحجر معنى النفخ وتفصيله، وقوله لشرفه أي إضافته له تعالى لتشريفه، والمراد بطهارته سلامته من الأمور الجسمانية ونزاهته عن دنس العناصر لأنه من عالم الأمر، وقوله فخروا بكسر الخاء أمر أي على الفور مبادرة لامتثال أمر من له الأمر، وقوله تكرمة أي لا عبادة حتى يمتنع للمخلوق كما مرّ وقوله كلهم أجمعون في دلالة أجمعين على المعية الزمانية كلام في شرح الكشاف فانظره. توله:(باستكباره الخ) ولا ينافيه عدم ذكره بالفاء كما توهم لأنه قد يترك مثله إحالة على فطنة السامع، أو ظهوره وأمّا كون ما ذكر غير مقتض للكفر فليس بشيء لأنّ التعاظم على أوامر الله كفر مع ما تضمنه من استقباحه ونسبة الجور له وفي بعض النسخ باستنكاره بالنون أي عده منكراً، وقوله صار إشارة إلى أنه لم يكن كافرا قبل ذلك فإن أبقى كان على ظاهره فهو باعتبار علمه كما أشار إليه بقوله أو كان منهم في علم الله لعلمه بانه سيعصيه باختياره وخبث طويته لا أنه كان مضمراً للكفر حتى لا يلزم الجبر كما توهم. قوله:(خلقتة بنفسي) أطلق النفس عليه لأنّ المراد به الذات أي من غير واسطة، وفوله والتثنية في يدي إشارة إلى ما قيل إنه تعالى منزه عن الجارحة، واليد المضافة بمعنى القدرة أو النعمة لكنه لا يتاتى حمله على القدرة هنا فإنّ قدرته واحدة ومقدوراته غير متناهية ولا على النعمة فلا تنحصر بالتثنية فلذا قال إمام الحرمين يجوز الحمل على القدرة

ص: 319

والنعمة أو على نعمة الدنيا والآخرة فدفعه بأنّ المراد القدرة والتثنية للتاكيد الدال على مزيد قدرته لأنها ترد لمجرد

التكرار كارجع البصر كرتين فأريد به لازمه، وهو التأكيد ولم يحمله على النعمة لأن هذا أنسب بالمقام، وأمّا ما قيل من أنّ مراده أنّ اليد هنا مجاز عن الذات وروّج بتكلفات لا حاجة لذكرها فخطأ فاضح وسهو واضح، وقوله من غير توسط أصله توسط شيء ليتضح قوله كأب الخ ولا حاجة لجعل التنوين عوضا من المضاف فإنه غير صحيح أو يقدر فيه مضاف أي لتوسط أب أو توسط بمعنى متوسط.

قوله: (واختلاف الفعل) هو معطوف على مزيد القدرة أي في إيجاده له تعالى أفعال مختلفة من كونه طينا مختمرا، ثم جسما ذا لحم وعظم ثم نفخ الروج فيه وإعطاؤه قوّة العلم والعمل بما هو دال على مزيد قدرة خالق القوي، والقدرة فهو كالتفسير لمزيد القدرة والمراد بالفعل فعل الله فيه فإن أريد اختلاف فعل الله فيه وفي غيره، إمّا من جنسه حيث خلقه بغير أب وأم ونطفة ببديع صنعه فلذا جعل خلقه بكلتا يديه دون غيره أو من أنواع المخلوقات لما فيه من العقل، والكمالات التي لا تحصى فهو على هذا ليس كالتفسير له، وما قيل المراد اختلاف فعل آدم من أفعال ملكية كأنها آثار اليمين، وحيوانية كأنها آثار الشمال وكلتا يديه يمين فتعسف. قوله:(وترتيب الإنكار) بالاستفهام الإنكاري فيما منعك عليه أي على خلقه بيديه يعني أنه أمر مستدع لتعظيمه للعناية الربانية التي حفت إيجاده أو هو لبيان شبهته في ترك السجود لأنه مخلوق مثله لا يليق السجود له، والترتيب من إيقاعه صلة له لأنه كالتعليق بالمشتق المشعر بالعلية ومزيد الاختصاص من قوله بيدي كما مرّ، وقد أورد عليه أنه إنما يظهر لو كان إبليس متولدا من جنسه، وانّ استعماله سيما لا يوافق كلام أهل العربية قالوا وبعدها عاطفة أي له عظم شأن ومزيد اختصاص، وليس هذا بشيء إمّا الأوّل فلأنّ مبناه على أن يراد بمزيد الاختصاص ما ذكره، وليس بلازم لجوأز أن يراد ما خصه به من فضائل النبوّة فيه وفي نسله ونحوه، مما اختص به النوع البشري ولو سل فخلقه بيديه أي مزيد قدرته واختلاف أطوار خلقه الموح فيه كمال العقل، والعلم كما مرّ لا مجرّد كونه بغير واسطة، وأمّا ما ذكره في سيما من حذف لا ووقوع جملة بعدها مقترنة بالواو سواء كانت حالية كما هو ظاهر كلام النحاة أو عاطفة كما ذكره في سيما من حذف لا ووقوع جملة بعدها مقترنة بالواو سواء كانت حالية كما هو ظاهر كلام النحاة أو عاطفة كما ذكره فهو مناقشة في العبارة تبعاً ذكره بعض النحاة، وقد صرّح الدماميني في شرح التسهيل بصحته فلا عبرة بما ذكره. قوله:(تكبرت من غير استحقاق) كما يدل عليه سين الطلب ولذا قال في البقرة الاستكبار طلب التبهبر بالتتبع أو هو من مقابلته بقوله كنت من العالمين لأنه لا يقابله إلا إذا أوّل بما ذكر أو بما بعده من جعل

استكبرت بمعنى أحدثت الكبر والعلو أم أنت قديما كذلك. قوله: (أو كنت ممن علا) عدل فيه عن تعبيره في الكشاف بقوله من علوت فإنها أشكلت عليهم، وحاولوا توجيهها فلم يأتوا بما يشفي الغليل قال المحقق تغليب جانب المتكلم أو الخطاب على الغيبة في صلة الموصول الجاري على المتكلم أو المخاطب فوقوعه خبرا عنه شائع، ولا كلام في صحته وكثرة وروده مثل:

أنا الذي سمتني أمي حيدره

وأمّا في غير الجاري عليه نحو أنا من شغفت بكذا وأنت ممن عرفت بكذا فلا تعرف له استعمالاً في كلام العرب ولا وجه قياس في مذاهب النحو فالصواب ممن علا أو علوا، وحمله على أنّ المراد ممن علوت منهم أي صرت فوقهم ليس معنى من العالين، انتهى أقول الحق ما في الكشاف ولا تغليب فيه لأنّ منهم المقدّر يعود ضميره الغائب لمن، وعلوت ضميره لا تغليب فيه وإنما ذكر لإبراز المعنى المراد من وصفه بزيادة العلو وتميز. على من عداه من جنسه، وأمّا قوله إنه ليس معنى من العالين فهو غريب منه فإنهم قرّروا أنّ قولهم فلان من العلماء أبلغ من عالم فيدل على زيادة علمه، واذا سلم فهو متميز على من سواه منهم والذي قصده الزمخشري إبراز معنى المبالغة فيه وكونه تركيبا لا يجري على قياس كلامهم أغرب فإنه ليس فيه إلا حذف عائد الموصوف من غير تجوّز، ولا تكلف وإنما أطلت الكلام فيه لأنّ هذه العبارة وقعت في شرح العضد لابن الحاجب فتكلم شراحه فيها وأسهبوا بما يقضي منه العجب، نعم ما ذكره يرد على الطيبي إذ صرح به بأنه من قبيل أنت الذي فعلت كذا. قوله:(وقيل الخ) فالعلو الاستكبار والتقابل بينهما بالحدوث والتقدم، ولذا قيل كنت من العالمين دون أنت من العالين، وقوله وقرئ بحذف الهمزة أي همزة الاستفهام

ص: 320

على أنها مقدّرة كما في قوله ة بسبع رمين الجمر أم بثمان

وأم متصلة وما نقله ابن عطية عن بعض النحاة من أنه لا يكون ذلك إلا مع إيجاد المتعادلين نحو أضربت أم لم تضرب صرح سيبويه بخلافه، وتبعه فيكون على هذا بمعنى القراءة المشهورة بإثباتها مفتوحة وحذف همزة الوصل، والاستفهام للتوبيخ فلا ينافي إثبات التكبر له في آية أخرى واذا كان ما قبله خبرا فهي منقطعة بمعنى بل، وهذه القراءة منقولة عن ابن كثير. قوله:(دليل عليه) أي على المانع، وأنه من العالين لعلو عنصره وأنه لا يليق به

السجود لمخلوق مثله فكيف من هو دونه وفيه ميل إلى الوجه الثاني وما سبق هو إبطال دليله، وقوله من الجنة أو من زمرة الملائكة كما مرّ، وقوله مطرود إشارة إلى أنّ الرجم كناية عن الطرد لأن المطرود يرجم بالحجارة كما يرجم هو بالشهب، والمراد بقوله إلى يوم الدين والغاية إنه ينقل إلى ما هو أشد منه لا أنه تنتهي لعنته به والوقت المعلوم فسره في الكشاف بالنفخة الأولى ويوم الدين يوم القيامة، وقوله بعزتك قسم بصفة من صفاته فإنه يكون بالصفة كما يكون بالذات. قوله:(على اختلاف القراءتين) أي بكسر اللام وفتحها كما مرّ وقوله فأحق الحق توجيه لقراءة النصب بأنّ الحق فيها مقابل الباطل، وهو منصوب بفعل مقدّر من لفظه على أنه مفعول مطلق أو مفعول به وجوّز نصبه على الإغراء أيضا. قوله:) وقيل الحق الأوّل اس! الله (فإنه ورد إطلاقه عليه تعالى فلما حذف حرف القسم وهو الباء انتصب بأقسم المقدر كما في البيت، ومرضه لأنّ الظاهر من إعادة الاسم معرفة أن يكون الثاني عين الأوّل وحذف حرف القسم في مثله غير مطرد لا سيما فيما فيه لبس كماهنا. قوله:

(إن عليك الله إن تبايعا) تؤخذ كرها أو تجيء طائعا

هو رجز لا يعلم قائله وفي شرح الشواهد قيل إنه لرجل امتنع عن مبايعة بعض الخلفاء، ورووه على مكان عليك وان تبايع بمعنى مبايعتك وهو اسم إنّ وعليّ خبرها أي إنّ مبايعتك والله لازمة عليّ وتؤخذ بالنصب بدل من أن تبائع وتجيء معطوف عليه وطائعا حال. قوله:(وهو على الأوّل) أي كون الحق منصوباً باحق، وقوله لأملأنّ جواب قسم محذوف لأنّ اللام تقتضيه والمراد بالجملة القسم مع جوابه والمعتبر في الحقيقة قوله لأملأنّ الخ، والحق بمعنى قسم أيضاً لأنّ المقسم به يكون مبتدأ كما في لعمرك والحق على هذا اسم الله، أو خلاف الباطل لأنه تعالى له أن يقسم بما أراد، وقوله أو قسمي تخيير في التقدير لأنهما بمعنى، وقوله وقرئا مرفوعين فالأوّل مبتدأ أو خبر كما هنا والثاني مبتدأ خبره أقول بتقدير العائد. قوله:(كقوله) أي قول أبي النجم في رجزه المشهور:

قدأصبحت أم الخيارتدعي عليّ ذنبا كله لم أصنع

كذا في الكشاف جعله نظيراً له ولم يتعرضوا للمراد منه والذي عناه إنه كان حقه النصب باقول فعدل عنه إلى الرفع المحتاج إلى تقدير العائد كما في الشعر، وان كانت لها شأن خاص بها على ما فصل في المعاني لأنّ هذا أبلغ لدلالته على أنّ قول الحق ثابت له لا يتغير ولذا فسره على هذا بلا أقول إلا الحق، وليس هذا من تكرير الإسناد لأنه محوّل عن المفعول، ويجوز جعله نظير الحذف العائد من الخبر كما سيأتي في سورة الحديد فتدبر. قوله:(ومجرورين الخ) أي قرئ الحق فيهما بالجرّ على أنّ الأول مقسم به حذف منه حرف القسم، وأبقى عمله والمراد بالثاني هو الأوّل بعيته فلذا حكى مجروراً وان كان مرفوعاً أو منصوبا على الوجهين السابقين لكنه حكى بإعراب الأوّل وهذه الحكاية تكون في المرفوع، والمنصوب كما ذكره الزمخشري وجوّز على هذا كون الثاني قسماً مؤكدا للأوّل دون حكاية، وجملة أقول معترضة، وقوله إذا شارك الأوّل أي إذا كان مثله لفظا ومعنى ساغت الحكاية فيه كما هنا، وهو حسن لأنه تأكيد على تاكيد إذ القسم في نفسه مؤكد. قوله:(وبرفع الأوّل (على ما مز وجره على أنه قسم ونصب الثاني بأقول والنصب ناظر إلى لفظ جره لا إلى رفع الأوّل فإنه قراءة عاصم وحمزة فلا وجه لذكره في سلك الشواذ كما قيل فقوله وبرفع الأوّل أي وجر الثاني ولذا لم يذكره فتدبر. قوله: (إذ الكلام فيهم) أي هو معلوم من السياق فهو في حكم المذكور، وقوله من جنسك فهو بتقدير مضاف أو يتجوّز في ضميره بأن يراد به هو من كان مثله، وقوله وقيل للثقلين معطوف على قوله للناس، وقوله تأكيد له أي لضمير منهم والضميرين ضمير منك ومنهم لا المستتر في تبعك، وقيل

ص: 321