الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو عمرو في بارئكم وهو أحسن هنا لكونها ظرفا وهو كثير في كلام العرب فلا يعبأ بمن قال إنه لحن كما فصله الفارسي في الحجة وهب مروية عن أبي عمرو والكسائيّ، واذا وقف حمزة أبدلها ياء خالصة وكذا هشام إلا أنه يزيد الروم انتهى، ويحيق بمعنى يحيط لكنه إنما ورد فيما يكره. قوله تعالى:( {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} ) هو من إرسال المثل ومن أمثال العرب من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا، وفي التوراة من حفر محواة وقع فيها، وقراءة لا يحيق بالضم من أحاق المتعدي وفاعله الله كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله:(ينتظرون الخ) هو مجاز بجعل ما
يس
تقبل بمنزلة ما ينتظر ويتوقع، وقوله سنة الله فيهم إشارة إلى أنه مضاف للمفعول لأنّ من الأوّلين مصدّقا ومكذبا، وقد جرت عادته بتعذيب المكذب منهم. قوله:(إذ لا يبدلها الخ) إشارة إلى عدم التكرار فيه فتبديلها بجعل غير التعذيب، وهو الرحمة مكان التعذيب هذا مراده وهو على ما في بعض النسخ من سقوط قوله تعذيباً ظاهر وعليها فغير التعذيب مفعول ثان، وتعذيباً مفعول أوّل أي بجعل التعذيب غيره أي رحمة فسقط ما قيل إنّ المعنى على العكس بأن يرحمهم بدل تعذيبه. قوله:(استشهاد) أي طلب للشهادة من كل من يصلح لها والمقصود تشهيرهم، وقوله وما كان الله أي ليس من شانه ذلك والواو حالية أو عاطفة وتفسير ليعجزه مرّ مراراً، وقوله إنه تعليل لنفي الإعجاز. قوله:(ظهر الأرض!) فالضمير واجع لها لسبق ذكرها وليس من الإضمار قبل الذكر كما زعمه الرضى، وقوله من
نسمة بفتحتين أي ذي روح من التنسم وهو التنفس، واستنشاق النسيم ولكنه غلب استعماله في بني آدم كما في حديث من أعتق نسمة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار وليس معناها الروح حتى يكون مجازاً هنا كما توهم، وهلاكهم بمعاصيهم لا بعد فيه ألا ترى قوله:{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [سورة الأنفال، الآية: 25] ولأنه يمتنع المطر ويفسد الهواء فيهلك الدواب. قوله: (لقوله الخ) وجه الدلالة أنّ الضمير للناس لأنه ضمير العقلاء، وفيه ضعف لأنه لجميع من ذكر تغليباً ويوم القيامة هو الأجل المضروب لبقاء جنس المخلوقات فسقط، ما قيل إنّ الناس كلهم لا يؤخرون للقيامة، وقوله فيجازيهم إشارة إلى أن ما ذكر ليس هو الجزاء بل وضع موضعه لأنه مجاز عن الجزاء. قوله: (عن النبتي صلى الله عليه وسلم وحديث موضوع، ودعوة أبواب الجنان عبارة عن دعاء من بها من ملائكة الرضوان جعلنا الله ممن يدعي لتلك الأبواب من غير حساب ولا عقاب بجاه سيدنا ونبينا محمد-تخيرو وعلى جميع الأهل والأصحاب.
سورة يس
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مكية الم يستثن منها قوله وتكتب ما قدموا وآثارهم بناء على أنها نزلت في بني سلمة من الأنصار لما أرادوا الانتقال من دورهم لجوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال أبو حيان ني البحر أنه ليس بقول صحيح ولا يرد عليه أنه أخرجه الترمذفي، والحاكم ولفظه كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأرادوا الثقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال صلى الله عليه وسلم: " إنّ آهساركم ئكتب) فلم ينتقلوا لأنّ الحديث المذكور معارض بما في الصحيحين أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ لهم هذه الآية، ولم يذكر أنها نزلت فيهم وقراءته لا تنافي تقدم النزول وهذا مراد أبي حيان لا أنه أنكر أصل الحديث كما توهم، وكذا ما قيل إنّ قوله واذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله نزلت في المنافقين فتكون مدنية فإنه لا صحة له أيضاً والمعمة بضم الميم، كر العين المهملة، وبعدها ميم مشددة بوزن المهمة لأنها تعمّ صاحبها بخير الدارين وما ذكره ظاهر وقد مرّ أنّ أسماء السور توقيفية، فإن قلت فعله عمّ لا أعمّ فكيف قيل معمة قلت قال ابن سيده: يقال عتم بمعروفه ولمّ المتاع فهو معئم وملمّ بضم الميم وكسرها، ولم يقولوا عامّ ولانم على القياس ولا نظير لهما.
قوله: (وآيها اثنان وثمانون) وفي عدد آثر ثلاث وثمانون كما في كتاب العدد للداني ولا خلاف بينهما، دمانما الخلاف في يس هل يوقف عليها لأنها آية برأسها أم لا. قوله:(كالم في المعنى والإعراب) فتجري فيه الوجوه السابقة في سورة البقرة
مفصلة حتى كونها حروفاً مقتطعة من أسماء الله فما قيل إنه لم يقل به هنا خطأ، وقوله وقيل معناه يا إنسان فبل ما كان مصغراً كما سيصرح به بعده لأنّ تصغيره هنا ليس فيه معنى زائد عليه لأنّ الظاهر أنه للشفقة والمحبة كما يقال يا بني كما سيأتي. قوله:(على أنّ أصله يا أنيسين الني) تبع في هذا ما في الكشاف، وقد اعترض عليه أبو حيان بأن المنقول عن العرب في تصغير إنسان أنيسيان بياء قبل الألف لا نعلمهم قالوا غير. وهو دليل على أن الإنسان من النسيان، وأصله أنسيان فلما صغر ردّه لا صلة التصغير مع أنه لا بد من بنانه على الضمة حيحئذ وأيضا التصغير لا يجوز في أسماء الله والأنبياء بل الأمور المعظمة، ولذا لما قال ابن قتيبة في مهيمن أنه مصغر مؤيمن أبدلت همزته هاء قالوا إنه قريب من الكفر، وهذا كله غير وارد لأن من يقول أنيسيان على خلاف القياس، وهو الأصح لا يلزمه فيما غير منه أن يقدّره على خلاف القياس، وهو لم يلفظ به حتى يقال له نطقت بما لم تنطق به العرب بل هو أمر تقديري فإذا قال المقدّر مفروض عندي على القياس هل يتوجه عليه السؤال، وأما بناؤه على الضم فلا كلام فيه فلعل من فسره به يقرؤه بالضم على الوجوه فيه واما أن التصغير ممنوع فيه فهو إنما يمتنع منا وأما من الله فله أن يطلق على نفسه وخلقه ما أراد ويحمل حينئذ على ما يليق كالتعظيم، والتحبيب ونحوه من معاني التصغير كما قال أبن الفارض رحمه الله:
ماقلت حبيبي من التحقير بل يعذب اسم الشخص بالتصغير
وأما القول بأن المثبت مقدم على النافي فكلمة حق أريد بها باطل لأنّ ابن عباس رضي الله
عنه لم يقل إن أصله ذلك! انما فسره به وهذا من تصرفاته. قوله: (كما قيل الخ) التنظير في مجرّد الاقتصار على بعض الكلمة وأيمن كلمة قسم، وتفصيله في النحو وقوله كأين فإنه حرّك للساكنين وفتح للخفه ومنع الصرف وموجب البناء تقدم في البقرة تفصيله، ويجوز أن يكون الفتح لنصبه بعد حذف حرف القسم، وقوله إن جعل يس مقسماً به لئلا يتوالى قسمان على مقسم عليه وفيه ما مرّ، والحكيم إمّا استعارة أو تجوّز في الإسناد على ما مز فتذكر. قوله:(لمن الذين أرسلوا على صراط سشقيم) يشير إلى ان قوله على صراط ظرف لغو متعلق بالمرسلين ولما كان اسم الفاعل والمفعول يعمل بالحمل على الفعل أبرزه لذلك وللإشارة إلى أنه ليس المراد به ها
الحال أو الاسنقبال مع التصريح بأن أل فيه موصولة. قوله: (وهو التوحيد) فسره به لأنه الجادة المسلوكة للأنبياء والعقلاء، والمراد بالأمور نوع الأحكام الشرعية الفرعية وقوله خبراً ثانيا والأوّل لمن المرسلين وفيه ضمير له صلى الله عليه وسلم فيجوز أن يكون هذا حالاً منه أو من عائد الموصول المستتر في اسم الفاعل، وفيه وجوه أخر ككونه حالاً من نفس المرسلين أو من الكاف على رأي من يجوزه من المبتدأ. قوله:(وفائدته وصف الشرع الخ) أي على الوجوه كلها فإنّ كل مرسل سالك للطريق المستقيم في عقيدته، ونهج شريعته يعني أنه وصف له بأنه من رسل الله ولشريعته التي أرسل بها بأنها طرق الرسل كلهم من قبله، ولذا لم يقل إنك رسول مع أنه أخصر وأدلّ على المقصود لدلى* لته على ما ذكر على أبلغ وجه كما مرّ وهو على الوجوه ولا وجه لتخصيصه بغي الأوّل بناء على أنه من جملة الصلة المعينة للموصول، وهي إنما تتم به فلا حاجة إلى بيان الفائدة فيه، وهو غير مسلم فإن إرسال الرسل إنما يكون بالعقائد والشرائع الحقة فالإرسال يدل على ما ذكر التزاما لا نصا نعم تخصيصه بكونه خبراً لأنه محط الفائدة له وجه لكنه فصل بين العصا ولحائها وذكر في الكشاف وجهاً آخر تتم به الفائدة والدلالة على ما يدل عليه ما قبله بجعل التنكير للتعظيم حيث قال وأيضاً فإن التنكير فيه دال على أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة على صراط المستقيم لا يكتنه وصفه يعني أنه هاد ومرشد إلى أكمل الشرائع وأتمها أصولاً وفروعا كما أشار إليه شراحه وهذا شيء لم يعلم مما قبله فمن زعم أنه من نتائج أفكاره فقد جلب التمر إلى هجر. قوله:(خبر محذوف) أي هو والضمير للقرآن، وقد تجوّز فيه أن يكون خبر يس إن كان اسماً للسورة أو مؤوّلاً بها والجملة القسمية معترضة، والقسم لتأكيد المقسم عليه والمقسم به اهتماما فلا يقال إن الكفار ينكرون القرآن فكيف يقسم به لإلزامهم كما مرّ، وقوله والمصدر بمعنى المفعول أو يجعل عين التنزيل مبالغة وفعله المقدر على النصب نزل، وقوله على أصله أي معناه الأصلي وهو المصدرية لا مؤولاً باسم المفعول والجر
على البدلية من القرآن وكونه وصفا بالمصدر على خلاف الظاهر ولذا لم يذكره. قوله: (أو بمعنى لمن المرسلين) أي أرسلت لتنذر الخ لأنّ كونه بعض المرسلين يدل على أنه أرسل، ولم يجعله متعلقاً بالمرسلين وان جاز صناعة لأنّ المرسلين لم يرسلوا الإنذار هؤلاء بل لإنذار أممهم فلو علق به احتاج إلى تكلف. قوله:(غير منذر) بصيغة المفعول المنوّن وآباؤهم نائب فاعل فما نافية والجملة صفة قوما مسندة تلك الجملة إلى الرسول، والمفعول الثاني محذوف أي عذابا لقوله:{إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} [سورة النبأ، الآية: 40] فما يحتمل أربعة أوجه الثانية والموصولية والموصوفة والمصدرية
والإنذار التخويف أو الإعلام والمراد به الأوّل، ويجوز إرادة الثاني أيضاً ولما كان بين هذا التوجيه والتوجيه الآخر الدالّ على إنذار آبائهم وبين قوله، وان من أمّة إلا خلا فيها نذير منافاة بحسب الظاهر وجهه بأنّ المراد آباؤهم الأقربون دون الأبعدين فإنّ إسماعيل عليه الصلاة والسلام أنذرهم وبلغهم شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقد كان منهم من تمسك بشرعه وان اندرس على تطاول المدد، وأما عيسى صلى الله عليه وسلم فلم يرسل إليهم على المشهور فلا يقال إن هؤلاء لم ينذروا مطلقاً بنا على أحد الأقوال في أهل الفترة وفي التعليل كلام مرّ. قوله:(فيكون صفة مبينة لشدّة حاجتهم إلى إرساله (فإنه بين أظهرهم وهم قوم لم يبلغهم ولا آباءهم الاًدنون الدعوة بخلافه على الوجه الآني فإنه ليس صفة ولا دلالة فيه على ما ذكر وهذا لا ينافي قوله وان من أمّة إلا خلا فيها نذير كما مر لأنّ أمة العرب خلا فيها نذير فالأمة أهل العصر جميعهم، وأما عيسى عليه الصلاة والسلام ورسل أهل الكتاب فكانت بعثتهم مخصوصة ببني إسرائيل إذ عموم الرسالة مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم. قوله: (أو الذي الخ) فما موصولة أو موصوفة، وقوله الأبعدون إشارة إلى التوفيق بين التوجيهين، وقوله أو إنذار الخ فما مصدرية وهو مفعول مطلق والمنذر به العذاب. قوله:(متعلق بالنفي) أي تعلقاً معنوياً لتفرعه عليه وتسببه عنه فالفاء داخلة على المسبب واذا لم تكن ما نافية فهي داخلة على السبب فهي تعليلية، وهو متعلق بقوله لمن المرسلين ويجوز تعلقه به على الأوّل أيضاً ويجوز تعلقه بقوله لتنذر على الوجوه وجعل الفاء تعليلية، والضمير لهم أو لآبائهم وحق بمعنى ثبت ووجب، وقوله لأملأن الخ مجمل والمراد ممن مات على الكفر منهم فإنهم محكوم عليهم بدخول جهنم. قوله:(لأنهم ممن علم الله أنهم لا يؤمنون) قيل عليه إنه على مذهب الأشاعرة من جعل العلم علة ويلزمه الجبر وأما على مذهبنا فذلك لاختيارهم الكفر وإصرارهم عليه، وقد منعوا كون العلم الأزليّ علة وجعلوا علمه تابعا للمعلوم مسببا عنه، ولذا قال في الكشاف يعني تعلق بهما هذا القول وثبت عليهم ووجب لأنهم ممن علم الله أنهم يموتون على الكفر فجعل تعلق هذا القول مسبباً عن موتهم على الكفر، وعكسه المصنف فقال لأنهم ممن علم الخ أي لاختيارهم الكفر وكسبهم والإصرأر عليه فليس العلم علة مستقلة عندهم حتى يلزم الجبر بل لاختيارهم وكسبهم مدخل فيه على ما قرّر في أفعال العباد كما فصل في علم الكلام. قوله:
(تقرير لتصميمهم على الكفر الخ) أي مجموعه استعارة تمثيلية فشبههم في عدم التفاتهم إلى الحق وعدم وصولهم إليه بمغلول بين سدين لا يلتفت، ولا ينظر لما خلفه وما قدامه و! ي التيسير جمع الأيدي إلى الأذقان بالأغلال عبارة عن منع التوفيق حين استكبروا عن الحق لأف المتكبر يوصف برفع العنق والمتواضع بضده كما في قوله:{فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 4] وفي الانتصاف تصميمهم على الكفر مشبه بالوضع في الأغلال واستكبارهم بالأقماح وهي إلى الأذقان تتمة للزوم الأقماح وعدم الاعتبار بالأمم الخالية والتفكر في العواقب الآتية بالسدين من خلف، وقدام فيكون فيه تشبيه متعدد والتمثيل أحسن منه، وإنما اختير هذا لأنّ ما قبله وما بعده في ذكر أحوالهم في الدنيا ويؤيده ما روي في بعض التفاسير، وذكره المصنف من أنّ سبب نزول هذه الآية أنّ أبا جهل لعنه الله حلف لئن رأى محمداً يصلي ليرضخن رأسه فأتى ومعه حجر فلما رفعه لصقت يده بالحجر وشلت يده فلما عاد رجع ف، كان، أو هو رجل من بني مخزوم وقع منه مثله وجعله أبو حيان لبيان أحوالهم في الآخرة على أنه حقيقة لا تمثيل فيه فورد عليه أنه يكون أجنبيا في البين، وتوجيهه بأنه كالبيان لقوله:{حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} لا يلائم ما فسره به المصنف لأنه وعيد قبل الوقوع أيضاً، وقوله بتمثيلهم متعلق بتقرير وفي نسخة بتشبيههم، وقوله في أنهم الخ متعلق بتمثيلهم
ولفت بكسر اللام وسكون الفاء بمعنى جانب لا النظر كما توهم وهو منصوب على نزع الخافض، ويطأطؤ، د بمعنى ينكسون ويخفضون، وقوله له كما في بعض النسخ أي لأجل الحق فمن قال إنه سهر فقدسها. قوله:(وبمن أحاط بهم سدّان الخ) إشارة إلى أن قوله وجعلنا الخ تمثيل آخر لا أله تمثيلات أخر متعدّدة ولا المجموع تمثيل واحد كما يتوهم من التقرير السابق والجاز، والمجرور متعلق بتمثيلهم أيضاً ولا حاجة إلى اعتبار تعلقه به بعد تعلق الأوّل لأنه معطوف وكذا قوله في أنهم الخ وقوله فغطى بالبناء للمجهول أو للمعلوم والضمير لله والمطمورة حب! مظلم تحت الأرض، وأصله حفرة يجعل فيها الطعام وفي مطمورة الجهالة استعارة مكنية وتخييلية ومن بين أيديهم ومن خلفه قدامهم ووراءهم كناية عن جميع الجهات، ووجه الشبه فيهما عقلي في المشبه حسي في المشبه به وهو في الحقيقة عدم القدرة على فعل ما ينبغي لهم فهو مشترك بينهما لكنه تسمح فذكر المقصود من عدم التفاتهم، وممنوعيتهم كما في قوله كلام كالعسل في حلاوته كما قرر في المعاني فلا يتوهم أن ما ذكر لا يصلح وجها للشبه لعدم اشتراكه إذ المغلول قد يكون ملتفتاً للحق فتأمّل. قوله: (وقيل ما كان بفعل الناس الخ (مر
تفصيله في سورة الكهف، وأنّ الخليل قال المضموم اسم والمفتوح مصدر والعشاء بالمهملة ضعف البصر وعلى هذا القول كل من لآيتين في رجل مخزومي واحد والجمع على طريقة قولهم بنو فلان فعلوا كذا والفاعل واحد منهم وعلى القراءة الأولى فيه مضاف مقدر أي أعشينا أبصارهم، كما أشار إليه بقوله يغطي أبصارهم، وقوله الآيتان الخ رواه ابن إسحق في السير وأبو نعيم في الدلائل، وله أصل في البخاري وبنو مخزوم بطن من قريش ومنهم أبو جهل لعته الله، والرضخ بالضاد والخاء المعجمتين الكسر بحجر كبير والدمغ شجة تبلغ الدماغ، وقوله وسواء الخ لم يورده بالفاء مع ترتبه على ما قبله إمّا تفويضا لذهن السامع أو لأنه غير مقصود هناء قوله:(إنذارا يترتب عليه البغية) بكسر الباء وهي المقصود المطلوب قيده به ليصح الحصر ولثلا ينافي قوله لتنذر قوماً الخ، وقوله اتبع الذكر إمّا بمعنى يتبع الذكر أو بمعنى ينفع إنذارك أو المراد إنذار عما يفرط من المؤمنين فلا يلزم تحصيل الحاصل كما توهم، وقوله خاف عقابه ففيه مضاف مقدر، وقوله قبل حلوله الخ تفسير للغيب على أنه حال من المضاف المقدر أو من الرحمن، وقوله أو في سريرته أي في قلبه وما يضمره فيه مما لا يطلع عليه الناس فهو حال من الفاعل لأنه في العلانية رياء وقوله ولا يغتر برحمته إشارة إلى وجه التعبير بالرحمن هنا دون القهار مع أنه قد يتوهم أنه المناسب للمقام. قوله:(1 لأموات بالبعث) فهو على حقيقتة والضمير لإفادة الحصر أو للتقوية وهو اسنئناف، وقوله أو الجهال بالهداية لاسنعارة الموت والحياة لهما كما مر، وهو تعليل لما قبله والضمير للحصر أو التقوية أيضاً فلا وجه للفرق بينهما وحبس بمعنى وقف وتفوه لأنه يحبس على ما وقف له، وقوله اللوح الخ فسر أيضاً بعلمه الأزلي. قوله:(من قولهم هنه الأشياء الخ) قد مر تفصيله في سورة البقرة وأنّ ضرب اعتماله وأنه هل يتعدّى لمفعول أو مفعولين والمثل هنا بمعنى القصة الغريبة، وقوله أي أجعل لهم مثل أصحاب
القرية الخ إشارة إلى أنّ مثلا مفعول ثان، وقوله ويجوز الخ على القول بأنه متعدّ لواحد فمثل أصحاب القرية بدل من مثلا بدل كل من كل أو عطف بيان على لقول بجواز اختلافهما تعريفاً وتنكيراً أو المقدّر مفعول وهذا حال. قوله:(بدل من أصحاب القرية) أي بدل اشتمال أو ظرف للمقدر، وجعله بدل كل على أنّ المراد بأصحاب القرية قصتهم وبالظرف ما فيه تكلف ما لا داعي له وقال جاءها دون جاءهم إشارة إلى أنهم أتوهم في مقرهم. قوله:(والمرسلون رسل عيسى عليه الصلاة والسلام الخ) قيل عليه إنه ينافي كون يحيى ويونس عليهما الصلاة والسلام نبين في نفسهما، وقول المرسل لهم ما أنتم إلا بشر مثلنا إذ البشرية على زعمهم تنافي الرسالة من الله لا من غيره، وأجيب بأنهم إمّا أن يكونوا دعوهم على وجه فهموا منه أنهم مبلغون عن الله دون واسطة أو أنهم جعلوا الرسل بمنزلة مرسلهم فخاطبوهم بما يبطل رسالته، ونزلوه منزلة الحاضر تغليباً فقالوا ما قالوه بناء على ذلك أو معنى كونهم رسل عيسى عليه الصلاة والسلام أنهم على شريعتة، وداعون بدعوته وأمره فتدبر، وقوله يحيى ويونس وقع في نسخة بدله يوحنا وبولص، وهو الذي صححه الشريف في شرح
المفتاح وبه يندفع السؤال الأوّل وهذه النسخة هي التي عليها المعوّل لأنّ يونس عليه الصلاة والسلام لم يدرك زمن عيسى، وإن أدركه يحيى كما فصل في التواريخ، وفي تاريخ ابن الوردي إنّ النصارى تسمى يحيى يوحنا والله أعلم. قوله:(فقوّينا) من قولهم للأرض الصلبة عزاز ومنه العز بمعناه المعروف، وفيه لغتان التخفيف والتشديد وبهما قرئ في السبعة وهما بمعنى كشدّد وشدد، وقوله وحذف المفعول أي لم يقل فعززناهما والمعزز بصيغة المفعول وبه نائب فاعله وليس فيه ضمير، وقو؟ له إنا إليكم مرسلون أي من عيسى أو من الله على الوجهين السابقين، وشمعون من الحواريين. قوله: (فآمن حبيب
الخ) ظاهره أنه كان كافرا ويحتمل أنه كان مؤمناً ولكنه آمن بما جاء به وفي مرآة الزمان قال أبو الحسين بن المنادى حبيب النجار هو نبيّ أصحاب الرس المذكور في القرآن وهو بعيد، وقوله من أوجدك من فيه تحتمل الموصولية والاستفهام ومطموس العينين بمعنى أعمى بلا حدقة، وقوله ليس الخ أي لا أخفي عنك ما في قلبي وضميري وقوله ثم قال أي شمعون أو الملك، وقوله يشفع الخ أي يسأل الله قبول دعائهم لأن شمعون كان يدعو معهم سرّاً والبندقة واحدة البندق بالضم، وهو طين مستدير يرمي به والذي يؤكل معرب فندق وعربيه جلوز وهو محتمل هنا أيضاً. قوله:(ورفع بشر الخ) أي لم ينصب كما في قوله ما هذا بشراً لمشابهتها ليس في الدلالة على النفي لأنّ شرط عملها أن لا ينتقض نفيها بدخول إلا على خبرها كما هنا لأنها تعمل بالحمل على ليس فإذا انتقض نفيها ضعف الشبيه فيها فبطل عملها خلافاً ليونس، وقوله وما أنزل الرحمن الخ يقتضي إقرارهم بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة، ويتوسلون بالأصنام لكنه يخالف قولهم ألنا إله سوى اكهتنا الصابق فينبغي أن يجعل هذا من لاحكاية لا من المحكي، وهم قالوا لا إله ولا رسالة فلا يرد عليه شيء والتعبير بالرحمن لحلمه عليهم ورحمته بعدم تعجيل العذاب حين الإنكار ومنه تعلم ما في كلام المحشي من الغفلة عما سبق. قوله:(وهو يجري مجرى القسم) أي في التأكيد والجواب بما يجاب به، وأما كفر من قال علم الله كاذباً فأمر آخر وقوله وزادوا اللام أي في قولهم هنا دون الأوّل لمرسلون. قوله:(لأنه جواب عن إنكارهم) في الكشاف إنّ الأوّل ابتداء أخبار والثاني جواب عن إنكار وهذا مخالف لما في المفتاح من أنهم أكدوا في المرّة الأولى لأنّ تكذيب الاثنين تكذيب للثالث لاتحاد المقالة فلما بالغوا في تكذيبهم لهم في المرة الأولى فالتأكيد فيها للاعتناء والاهتمام
بالخبر قال الشريف وما ذهب إليه السكاكي أدق قال الفاضل اليمني إنما أكد لتنزيلهم منزلة من أنكر إرسال الثلاثة لأنه قد لاح ذلك من إنكار الاثنين فعلى هذا يكون ابتداء أخبار بالنظر إلى إخراج الكلام على مقتضى الظاهر، وانكاريا بالنظر إلى إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر فظهر بهذا إن نظر صاحب الكشاف أدق، وكلامه بالقبول أحق انتهى وفي الكشف أنه أراد بالابتداء إنه غير مسبوق بإخبار سابق، ولم يرد أنه كلام مع خالي الذهن وهذا يصح إن جعل قوله فقالوا الخ تفصيلاً للمجمل وفيه لف في عدم تمييز قول الثالث ثقة بفهم السامع، وإلا فالظاهر من قوله فكذبوهما سبق إنكاراً وجعل الابتداء باعتبار قول الثالث أو المجموع والأوّل هو الوجه وعليه ظاهر الآية يعني أنّ هذا الأخبار لما كان عن الثلاثة والمتبادر بشهادة الفاء أن القائل هو الثالث، وكلامه لم يقع جواباً لإنكار لكنه علم إنكارهم لمقالته لاتحاد مرسلهما، ومرسله بالكسر والمرسل به والإنكار إذا لم يصرح به ويحتج عليه دون ما يخالفه لاحتمال الرجوع عنه كما وقع لبعضهم فلذا كان تأكيد الأوّل بالاسمية، وان والثاني بهما مع اللام والقسم والحاصل أن الإبتدائي عند أهل المعاني مقابل للإنكاري، وما في حكمه وعند غيرهم ما ليس بجواب والزمخشري لما أوقعه مقابلاً للجواب، والإنكار احتمل كلاً منهما فحمل تارة على هذا وأخرى على هذا لكن في كلامه نظر فانّ الوجه الأوّل الذي ارتضاه لا يخرج عما بعده فتأمل، وما قيل من أن إنكارهم في كلام المصنف رحمه الله المراد به أشدّ الإنكار لأنّ هذا جواب عن إنكار أيضاً، وان مراد الزمخشري بالابتداء ما هو بمنزلته بالنسبة إلى الثاني لا أنه ابتداء حقيقي فليس مما يلتفت إليه بعدما سمعت، وكذا ما ذكره من أنّ
القصة تدل على زوال الإنكار عن جمع منهم فالكلام بالنسبة إلى هؤلاء ابتدائي لأنّ هؤلاء لم يذكر حالهم في النظم، وإنما ذكر المنكرون لأنهم الأكثر ولأنّ المراد ذكر حال من طغى وتجبر وإنما أطلنا الكلام في هذا المقام لما وقع فيه من الأوهام.
قوله: (وهو) أي كون ما بلغ نبينا بأنباء بينة هو المحسن للاستشهاد بعلمها لله الذي هو
في معنى القسم في قولهم ربنا يعلم الخ ولولاه لم يحسن إذ قسم المدعي، ونحوه مما يصدر عن العاجز عن الدليل الذي لا متشبث له خصوصا بعلم الله الذي لا يطلع عليه أما إذا قاله تحقيقاً وتأكيداً لحجته البينة فلا. قوله:(تشاء منا بكم) أصل معناه كان في التفاؤل بالطير البارح والسانح ثم عم، وقوله لاستغرابهم الخ أو لما وقع بينهم من افتراق الكلمة أو الشدائد ومنع المطر وهذا ديدن السفهاء في التبرك بما يوافق أهواءهم والتشاؤم بغيره، وقوله سبب شؤمكم لأنّ الطائر يتشاءم به فهو سبب له فتجوز به عن مطلق السبب، وقوله طيركم معكم الطير يكون جمع طائر ومفرداً بمعناه كما في كتب اللغة، والأوّل أكثر فيحمل عليه ويفسر بأسباب التثاؤم
من الكفر والمعاصي، وتركه المصنف وحمه الله لظهوره مما ذكر لأنّ طائركم وان كان مفرداً لكنه بالإضافة شامل لكل ما يتطير به فهو في معنى الجمع، والقراءتان متوافقتان على كل حال ولا حاجة إلى تفسير الطير بالطائر ليتوافقا كما قيل، ويؤيده أنه لم يقع في القرآن إلا جمعا كقوله:{وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} [سورة النور، الآية: 41] وقال! الزجاج لا أعلم أحداً قرأ طيركم بدون ألف والزمخشري ثقة إذ مثل هذا لا يتجاسر عليه بدون نقل. قوله: (وجواب الشرط محذوف) قال المعرب اختلف سيبويه، ويون! فيما إذا اجتمع استفهام وشرط أيهما يجاب فذهب سيبويه إلى إجابة الاستفهام أي تقدير المستفهم عنه ويونس إلى إجابة الشرط فيقدر. سيبويه تتطيرون، ويونس تتطيروا مجزوما وعلى القولين جواب الشرط محذوف انتهى فجواب الشرط مثل تطيرتم، أو توعدتم بالرجم والتعذيب وقال أبو البقاء قدره كفرتم وردّه الطيبي بأنّ الكلام مع الكفار الموجود كفرهم فلا يعقد الشرط وكلام المصنف رحمه الله محتمل لهما فالقول بأنه على مذهب يونس، وهم ولو قدّر قلتم ما قلتم ونحوه مما يعم حسن. قوله:(وقد رّيدت ألف بين الهمزتين) القراء السبعة على أنها همزة استفهام بعدها إن الشرطية وأصولهم في مثله التحقيق، وادخال ألف بين الهمزتين أو التسهيل أو حذف الألف على ما يعرفه أهل الأداء وهذه قراءة أبي عمرو وقالون وهشام وعبر فيها بالمجهول وما للاختصار فلا اعتراض عليه بناء على أنه يعبر به في الشواذ مع أنه لم ينقل عنه مثله ولم يلتزمه، وقوله بفتح أي قرئ بغتح أن المصدرية فقبلها لام جرّه مقدرة، وهذه القراءة مع همزة الاستفهام وما بعدها بدونها- مع الفتح والكسر فإمّا أن تكون همزة الاستفهام مقدرة قبلها لتوافق القراءة الأخرى أو بدونه فيكون على صورة الخبر كما في الكشاف، وهو مسوق للتعجب والتوبيخ أي تطيرتم إن ذكرتم أو لأن ذكرتم أو طائركم معكم لأن ذكرتم فلم تذكروا ولم تنتهوا على تعلقه بمقدر أو بطائركم على ما فصل في شرحه ولا بعد فيه كما قيل، وقوله وأين الخ أي قرئ بهمزة مفتوحة بعدها ياء ساكنة مع تخفيف الكاف وهي أبلغ لأنّ مجرد ذكرهم إذا أثر الشؤم فكيف بوجودهم المشؤم. قوله:(عادتكم الإسراف) كونه عادة من تبوت الاسمية، والاسم وذكر قوم الدال! على شيوعه فيهم، وقوله في العصيان أو في الضلال الفرق بين الوجهين إنّ الإسراف إمّا في المعاصي أو في الضلال والغي والاضطراب على الأوّل على تقدير تسليم حصول الشؤم وسببه لكونه أضرب عما جعلوه سببا للشؤم إلى إثبات سبب آخر أعظم وأقوى منه وعلى الثاني الإضراب عن ذكر الشؤم وسببه إلى ذكر ضلالهم وغيهم وتماديهم فليس فيه، إثبات للشؤم ولا لسببه فلذا قال في الأوّل فمن ثتم
جاءكم الشؤم، وفي الثاني ولذلك توعدتم الخ هذا ما اختاره بعض شراح الكشاف وهو أحسن ما فيها من الوجوه والإضراب في الأوّل عن قوله طائركم معكم والجملة الشرطية معترضة، وعلى الثاني عن مجموع ما قبله لا عن قوله أئن ذكرتم كما قيل وقيل إنه لف ونشر على تقدير الجزاء فالأولى على تقدير تطيرتم والثاني على تقدير توعدتم فتأمل، وقوله أن يكرم ويتبرك به إشارة إلى أن ما هم فيه تعكيس لما يقتضيه النظر الصحيح. قوله تعالى:( {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} ) قدم الجاو والمجرور على الفاعل الذي حقه التقدم بيانا لفضله إد هداه الله مع بعده عنهم، وانّ بعده لم يمنعه عن ذلك، ولذا عبر بالمدينة هنا بعد
التعبير بالعرية إشارة للسعد وأن الله يهدي من يشاء سواء قرب أم بعد، وقال بعض الأدباء لما سمع قولهم الأطراف منازل الأشراف هذا مأخوذ من قوله تعالى من أقصى المدينة، ولو قيل إنه لو أخرتوهم تعلقه بيسعى فلم يفد أنه من أهل المدينة مسكنه في طرفها وهو المقصود وسيأتي مثله ويسعى بمعنى يسرع حرصاً على نصح قومه أو بمعنى يقصد وجه الله كقوله وسعى لها سعيها وهذا وان كان مجازاً يجوز الحمل عليه لشهرته فلا غبار عليه. قوله:(وكان ينحت) بتثليث الحاء المهملة بمعنى يبري، ويصنع وكونه كان يصنعها لا يوافق ظاهراً إيمانه بنبينا عليه الصلاة والسلام، ولذا قيل الأصنام هنا بمعنى التماثيل التي كان نحتها مباحا في شرعهم وهو خلاف الظاهر، وكذا ما قيل إيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم كان على يد الرسل مع أنه معارض لحديث سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالته طرفة عين (علي، وصاحب يس، ومؤمن آل فرعون (، وتبشير الأمم السالفة والإيمان ينبينا قبل وجوده من خصائصه صلى الله عليه وسلم كإيمان تبع على ما عرف في السير وكتب الحديث، وقوله وقيل الخ وجه مقابلته للأوّل ظاهر لأنه في الأوّل مخالط للناس صنع، وفي هذا متباعد عنهم ووجه تمريضه إنه ينافي قوله تعالى من أقصى المدينة، وقوله وهم مهتدون أي ثابتون على الاهتداء
وقوله تلطف أي الجل المحكي عنه هذا، وقوله بإيراده أي إيراد قوله مالي الخ ووضعه موضع نصحه لنفسه ظاهرا لمامحاض عطف على الإرشاد ويجوز عطفه على المناصحة. قوله:(ولذلك قال الخ) أي لكون المراد تقريعهم وتوبيخهم لم يقل، واليه أرجع مبالغة في تهديدهم بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب مواجهة وصريحاً فإنه لو قال واليه أرجع كان فيه تهديد بطريق التعريض، وقد جوّز كونه من الاحتباك وأصله على ذكرهما في الطرفين فحذف من الأوّل ما ذكر في الثاني وعكسه ومثله لا يرتكب من غير ضرورة فالأولى تركه. قوله:) ثم عاد إلى المساق الأوّل) أي مناصحة نفسه تلطفا لإرشادهم، وقوله لا تنفعني شفاعتهم أمّا على حذ قوله:
ولا ترى الضب بها لمجنحجر
أي لا شفاعة لهم حتى تنفع أو هو على فرض وقوعها لأنها غير واقعة، وفي قوله أءاتخذ
إشارة إلى أنها ليست بلائقة للألوهية وهو تحميق لهم لأنّ ما يتخذ وبصنعه المخلوق كيف يعبد، وقوله ولا ينقذون الإنقاد التخليص ترق من الأدنى للأعلى، وقوله ما لا ينفع يعني الأصنام المعبودة دون الله. قوله:(فاسمعوا إيماتي) ففيه مضاف مقددماذ السماع لا يتعلق بالذوات وتقدير ما ذكر لقوله قبيله آمنت الخ فالمراد بايمانه قوله آمنت أو سمي الإقرار إيمانا للزومه له شطراً أو شرطا فالخطاب على هذا لقومه، ومقصوده دعوتهم إلى الخير الذي اختاره لنفسه لا أن يغضبهم ويشغلهم عن الرسل بنفسه فإنّ تصريح المصنف بأنه من المساق الأوّل ينبو عنه بعض نبوة والأولى أن يفسر باسمعوا جميع ما قلته في هذا المساق، واقبلوه فمانّ السماع يرد بمعنى القبول كسمع الله لمن حمده، وقوله فأسرع الخ أي ليشهدهم على إيمانه واقراره به ليشهدوا له عند الله. قوله:(بشرى بأنه من أهل الجنة) يدخلها إذا دخلها المؤمنون، والقائل له ملائكة الموت فالأمر للتبشير لا للإذن في الدخول حقيقة، وقوله كسائر الشهداء فانهم يدخلونها عقب الموت بأن تطوف أرواحهم فيها وهم أحياء في قبورهم يشاهدون مقاماتهم فيها، ويؤيده قوله جعلني من المكرمين. قوله: (رفعه الله (جواب لما وفي نسخة
فرفعه الله بالفاء فإنّ جوابها قد يقترن بها، وان منعه بعض النحاة فعلى هذا يكون رفع حياً إلى الجنة كعيسى صلوات الله وسلامه عليه فإذا فنيت الجنة بفناء السماء، ثم أعيدت أعيد له دخولها وهذا مرويّ عن الحسن. قوله:(وإنما لم يقل له) لأنّ الغرض ذكر المقول لا الاقائل ولا المقول له، وتقدير السؤال ما حاله بعدما استشهد، وقوله وكذلك الخ بكاف التشبيه أي هذه الجملة أيضاً مستأنفة استئنافا بيانيا كالتي قبلها في جواب فما قال إذ قيل له ذلك ووقع في نسخة لذلك باللام أي للاستئناف هذا الكلام أيضا ولا يخفى إنه تكلف لحسن الظن بالكاتب دون المصنف. توله:(على دأب الأولياء الخ) فإنهم مع ما فعلوه به لم يظهر غيظاً بل ترحما وشفقة، وقوله وليعلموا بالعطف بالواو وهو الظاهر إذ لا منافاة بينهما وما وقع من عطفه بأو في بعض النسخ لتباين الغرض فيهما. قوله:(وما خبرية) أي موصولة والعائد مقدر أي به أي بسببه، أو الذي غفره لي على أنّ غفر بمعنى الغفران
الذي غفره لي والمقصود تعظيم مغفرته له فتؤول إلى المصدرية، وهذا هو المناسب لقوله وجعلني من المكرمين لا ما قدره الزمخشري بالذي غفره من الذنوب فإن تمنى علم ذنوبه، وإن كانت مغفورة لا يحسن وكذا عطف قوله وجعلني من المكرمين عليه لا ينتظم، وما قيل من أنّ الغرض! منه الإعلام بعظم مغفرة الله ووفور كرمه وسعة رحمته فلا يبعد حينئذ إرادة معنى الاطلاع عليها لذلك بل هو أوقع في النفس من ذكر المغفرة مجرّدة عن ذكر المغفور لاحتمال حقارته تكلف. قوله:(أو استفهامية جاءت على الآصل) من عدم حذف ألفها إذا جرت فإنّ اللغة الفصيحة حذفها فرقا بينها، وبين الموصولة واثباتها شاذ، ولذا اعترض ابن هشام على من خرج الآية عليه بأنه غير لائق بفصاحة القرآن الحمل عليه هذا ما قالوه برمتهم، وتحقيقه ما في شرح أدب الكاتب أنها تسقط لما ذكر من الفرق إلا في قولهم بم شئت فإنها لم تثبت عند جميع العرب سواء كانت ما موصولة، أو استفهامية فإن جرت باسم مضاف لم تحذف وخص الاستفهام لأنه اسم تامّ فهي معه كاسم واحد إلى آخر ما فصله اللبلى في شرحه، وقد علم منه أنها قد تثبت في الاستفهام كما ذكره العلامة، وتبعه المصنف فسقط ما اعترض به عليه. قوله:(من بعد إهلاكه أو رفعه) على
القولين السابقين من قتله ورفعه إلى السماء حيا ففيه مضاف مقدر هو أحد هذين، وقوله كما أرسلنا الخ تمثيل لإرسال الملائكة فلا حاجة إلى جعل الماضي بمعنى المستقبل لأنّ السورة مكية كما قيل نعم قوله لإهلاكهم إمّا تغليب لبدر أو المراد لقصد إهلاكهم، وان لم يقع لأنّ الخندق لم يكن فيه قتال واستحقاو هلاكهم بعدم إنزال جنده وكونه بصيحة واحدة، وقوله إيماء بتعظيم الرسول لتخصيصه بقتال الملائكة معه وحمل الإيماء على الإشعار فعداه بالباء إذ الظاهر اللام أوالي. قوله:(وما صح) هو أحد معاني ما كان الواردة في القرآن كما مرّ، وقوله وجعلنا ذلك أي إنزال الجند السماوية، وقوله ما موصولة قيل إنها لو جعلت موصوفة كان أحسن لأنّ من قزاد بعد النفي إذا كان مجرورها نكرة، وان كان يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ولعله وجه تمريضه مع كونه خلاف الظاهر. قوله:(ما كانت الأخذة) بصيغة المصدر أو اسم الفأعل وعطف المصدر عليه يرجح الأوّل وقدره لقوله أخذتهم الصيحة، وقوله وقرئت أي صيحة بالرفع وكان ينبغي أن لا تلحقه تاء التأنيث لأنه لا يؤنث الفعل إذا كان فاعله مؤنثاً بعداً لا إلا نادراً فلا يقال ما قامت إلا هند بل، ما قام لأنّ تقديره ما قام أحد لكنه قصد به مطابقة ما بعدا لا لأنه الفاعل في الحقيقة كما قرأ الحسن وغيره لا ترى إلا مساكنهم، وقال لبيد:
وما بقيت إلا الضلوع الجراشع
ولذا أنكر أبو حاتم هذه القراءة ولا عبرة بإنكاره على أنّ تقدير المستثنى منه عامّا مؤنثاً ليطابق قراءة النصب لا مانع منه. قوله: (شبهوا بالنار الخ) ظاهره أنه استعارة بالكناية والخمود تخييلية، ويجوز أن تكون تصريحية تبعية في الخمود بمعنى البرودة والسكون لأنّ الروج لفزعها من الصيحة تندفع إلى الباطن دفعة واحدة، ثم تنحصر فتنطفئ الحرارة الغريزية لانحصارها وقد مرّ كلام الثريف فيه في شرح المفتاح وما عليه وله فتذكره، وقوله كالنار المراد بها الجمر لأنها تطلق عليه والساطع صفتها لتأويلها بالجمر ولذا ذكره لا أنها صفة جرت على غير من هي له أي الساطع لهبها، والساطع بمعنى المشرق وبيت لبيد من قصيدته العينية المشهورة، ويحور
بالحاء والراء المهملتين بمعنى يعود ويرجع ومنه اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور، والشهاب هنا شعلة النار. قوله: (تعالى (بفتح اللام وسكون الياء ويجوز كسر اللام في لغة ضعيفة كما مرّ وهي في الأصل أمر بالصعود لمكان عال، ثم شاع في الأمر بالحضور مطلقاً كما قال بعض المتأخرين:
أيها المعرض عني حسبك الله تعالى
وقوله فهذه الخ إشارة إلى أنّ نداء الحسرة مجاز بتنزيلها منزلة العقلاء، وقوله وهي أي الأحوال التي تورث الحسرة ما دلت عليه الآية وهو استهزاؤهم بالرسل على أنّ المراد بالعباد مطلق المجرمين أو أهل القرية فالجملة مستأنفة لبيان ما تحسر منه. قوله: (ولقد تلهف الخ (يعني أنّ التحسر هنا، وقع من هؤلاء والمراد شدة خسرانهم حتى استحقوا أن يتحسر عليهم أهل الثقلين، وقوله ويجوز الخ على أنّ التحسر من
الله، ولما كانت الحسوة ما يلحق المتحسر من الندم حتى يبقى حسيرا وهو لا يليق به تعالى جعلوه استعارة بأن شبه حال العباد بحال من يتحسر عليه الله فرضاً فيقول يا حسرة على عبادي قيل، وهو نظير قوله بل عجبت، ويسخرون على القراءة بضنم التاء كما سيجيء في الصافات فالنداء للحسرة تعجب منه، والمقصود تعظيم جنايتهم أي عدها أمرا عظيما يتعجب منه وتخسر بمعنى تفجع، وقوله لتعظيم متعلق به أو باستعارة على أنّ المراد بها الاستعارة الاصطلاحية أو اللغوية، وتأييد يا حسرتا لأنّ أصله يا حسرتي فقلبت الياء ألفا فتأمل. قوله:(بإضماو فعلها) أي يا قوم تحسروا حسرة فهو مفعول مطلق، ويجوز تقدير انظروا أو اسمعوا وقوله أو المفعول أي بواسطة الحرف لأنه لا يتعدى بنفسه، وأما الوقف على الحسرة بالهاء فلكونها حرف تأوّه وتأسف إلا أنه ينبغي حينئذ أن لا يتعلق به قرله على العباد لأنّ الوقف بين العامل ومعموله لا يحسن فيكون متعلقاً بمقدر أو خبر مبتدأ لبيان المتحسر عليه وتقديره الحسرة على العباد، وقوله ألم يعلموا جعلها علمية لا بصرية لأنها لا تعلق على المشهور، وفوله لأنّ أصلها الخ لأن الاشتراك خلاف الأصل لكن الظاهر أنّ كلاً منهما أصل برأسه بدليل اختلاف أحكام التمييز فيهما. قوله:(بدل من كم على المعنى الخ) فيه تسمح والمراد أنه بدل من جملة كم أهلكنا وقد أعربه سيبويه هكذا وتبعه الزجاج وقال
السيرافي في شرحه المعنى ألم يروا أنّ القرون التي أهلكناها لا يرجعون إليهم فأنهم الخ بدل من جملة كم أهلكنا لأنّ كم منصوب بأهلكنا إذ لا يعمل فيها ما قبلها فلو أبدل منه كان تقديره أهلكناها أنهم إليهم لا يرجعون، ولا معنى له ولكن كم وما بعدها في تقدير ألم يروا الذين أهلكناهم من القرون فالمعنى ألم يعلموا أنّ القرون التي أهلكناهم من قبلهم لا يرجعون، وفيه وجه آخر وهو أن يجعل صلة أهلكناهم أي أهلكناهم بأنهم إليهم لا يرجعون أي بهذا الرب من الهلاك انتهى، وقوله على المعنى لأنّ كثرة المهلكين وعدم الرجوع ليس بينهما اتحاد بجزئية ولا كلية، ولا ملابسة كما هو مقتض البدلية لكنه لما كان في معنى الذين أهلكناهم دمانهم لا يرجعون بمعنى غير راجعين اتضح فيه البدلية على أنه بدل اشتمال، أو بدل كل من كل وبهذا سقط ما قيل إنه لا يصح فيه البدلية بوجه من الوجوه وانّ بدل المفرد من الجملة غير متعارف بل عكسه مع أنّ سيبوبه إذا ذكره فقد قالت حذام، والقول بأنه بدل من كم وجعله على المعنى لعدم صحة تسليط عامله عليه لكنه لما كان معمولاً ليروا معنى صحت البدلية ولا يخفى ما فيه من التعسف الذي لا تساعده قواعد النحو (بقي فيه وجوه أخر) منها أنه معمول لمقدّر أي قد قضينا، وحكمنا أنهم الخ والجملة حال من فاعل أهلكنا ومنها أنه معمول يروا وجملة كم أهلكنا معترضة، ومنها أنّ كم أهلكنا معمول يروا ولام التعليل مقدرة قبل إنهم والمعلل يروا كما في شرح المغني، وقد أورد عليه أنه لا فائدة فيه يعتذ بها وأنّ المراد باهلاكهم استثصالهم انتقاماً، وعدم رجوعهم لا يدلّ إلا على إماتتهم ولا يخفى أنّ ما ذكره وارد على البدلية أيضا، والظاهر أنّ المقصود من ذكره إمّا التهكم بهم وتحميقهم أو تقديم إليهم للحصر أي أنهم لا يرجعون إليهم بل إلينا فيكون ما بعده مؤكداً له، وأمّا كونه تعليلاً لأهنكنا وضمير أنهم للقرون واليهم للرسل أي أهلكناهم لعدم رجوعهم للرسل أي متابعة دينهم الحق، وقيل لا يرجعون دون لم يرجعوا للدلالة على الاستمرار وليس إليهم زائداً على هذا كما توهم أو هو على ما يتبادر منه من رجوع الأوّل للقرون، والثاني لمن يرون والمعنى أنهم لا يرجعون لهم فيخبروهم بما حل بهم من العذاب، وجزاء الاستهزاء حتى ينزجر هؤلاء فلذا أهلكناهم فتعسف ركيك المعنى دعاهم إليه عدم فهم ما قرّرناه، وههنا كلمات أخر نثأت من قلة التدبر تركناها خوف الملل. قوله: (للجزاء (وفي الكشاف للحساب وليس ببعيد من الأوّل وقيل محضرون معذبون، وقوله فعيل بمعنى مفعول أوّله به ليفيد ذكره بعد كل لأنها لإحاطة الإفراد، وهذه تفيد اجتماعهم في المحشر ولذا جاء أجمع بعد كل في التأكيد ومحضرون خبر ثان أو نعت، وقوله
خبر آية ولكونها عين المبتدأ كخبر ضمير الشأن لم يحتج لرابط، وهذا حسن جدّاً إلا أنّ النحاة لم يصرّحوا به في غيره، وقيل إنها مؤوّلة بمدلول هذا القول، وأمّا كونها صفة لآية فلا وجه له، وقوله أو صفة لها أي جملة أحييناها صفة للأرض لأ نه لم يرد بها أرض! معينة بل الجنس فهو كقوله:
ولقد أمرّ على اللئيم يسبني
وإليه أشار بقوله إذ لم الخ ولذا وقعت خبراً عن النكرة، وأن كان الظاهر العكس حتى اعترض عليه المعرب بأنه مخالف للقواعد وقوله وهي أي الأرض! ، وكونها حالاً عاملها آية لما فيها من معنى الإعلام تكلف ركيك والاستئناف أرجحها. قوله:(قدم الصلة) وهي منه سواء كانت من ابتدائية أو تبعيضية ووجه الدلالة ما فيه من إيهام الحصر للاهتمام به حتى كأنه لا مأكول غيره، والأعناب قيل هنا بص منى الكروم ولعله بتقدير مضاف أو مجاز بقرينة عطفه على النخيل، وإلا فكلام المصنف مشعر بخلافه وهو جمع نخل كعبيد كما أشار إليه المصنف؟ وقيل إنه اسم جمع لأنه لم يطرد له مفرد معين كأكثر الجموع وقوله، ولذلك جمعهما لتدل الجمعية على تعداد أنواعهما والدال على الجنس الحبّ، واشعاره لأنه مقول على كثرة مختلفة الحقائق بخلاف النوع، وفي نسخة فانه الدال بضمير وفي أخرى بدونه قيل والأولى أولى لدلالتها على الحصر الدال على الجنس في الحب دون النخيل، والأعناب فيدلّ على أن دلالة لهما على الاختلاف بوجه ما لم يجمعا، والحاصل أن حباً نكرة دالة على الجنس تعتم الأنواع، وإن كانت في الإثبات لأنها في سياق الامتنان كما صرّح به في الأصول والنخيل والأعناب معرفان بأداة الاستغراق، هو اسم نوع فيعنم الإفراد لأنه لا يلزم أن يكون تحته أصناف، وأما قولهم جمع العالمين وهو اسم جنس ليشمل ما تحته من الأجناس فلا ينافيه كما قيل لأنّ المراد شمولاً ظاهرا متعينا وان حصل الإشعار بدونه، وقيل إنما جمع للدلالة على مزيد النعمة أما الحب فبه قوام البدم وهو حاصل بالجنس، وقوله ولا كذلك الدال على الأنواع يعني النخل والعنب ولذا لم يقل النوع. قوله:(وذكر النخيل الخ) التمور بالتاء المثناة يعني أنّ النخل ينتفع بخشبه وجريده وسعفه وطلعه فالنعمة ليست بتمره فقط، وقد يقال في وجهه أنّ التمر لا يكون على النخل بل بعد جفافه وما عليه هو البلح وليس به تفكه، وقوله ليطابق علة للمنفي لا للنفي والمطابقة بذكر المأكول، وقوله شجرها أي النخل فهو كشجر الأراك أو التمور، وآثار الصنع فيها ما للنخلة من الخواص لمشابهة الإنسان في موتها بقطع رأسها ورائحة طلعها ولقوحها
بالذكر وغير ذلك من خواصها المذكورة في الفلاحة. قوله: (لفظاً) أي بحسب الوزن ومعنى لأنّ معنى التفجير هو التفتيح، والمخفف دال على معنى الفتح والمشدد دال على المبالغة والتكثير وقوله شيئاً من العيون فهو صفة موصوف مقدر ومن بيانية أو تبعيضية أو ابتدائية إن أريد بها المنابع لا زائد ة لأنها لا تزاد إلا في النفي، ومجرورها نكرة عند الجمهور خلافاً للأخفش، وقيل المفعول محذوف وهو ما ينتفع به. قوله:(ثمر ما ذكر الخ) يعني أنه كان الظاهر ثمرهما أي النخيل والأعناب فالضمير إمّا لما ذكر ليشملهما فإنّ الضمير قد يجري مجرى اسم الإشارة كما مرّ أو هو لله وإضافته له لأنه خالقه فالمعنى ليأكلوا مما خلقه الله ومما عملوه بأيديهم ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة، واعترض عليه بأنه ليس من مظانّ الالتفات لأنّ المقصود من الجنات وتفجير مياهها ثمرها فالتمكين من الانتفاع بأكله أولى بالتفخيم الدال على الامتنان فالظاهر إضافته لضمير العظيم بأن يقال ثمرنا، ورد بأنه ذهب عليه أنّ ما سبق أفخم لأنها أفعال عامّة النفع ظاهرة في كمال القدرة والتمر أحط مرتبة من الحب فلا يستحق ذلك التفخيم، ولذا لم يورد على أسلوب الاختصاص وجعل من خلق الله، وقيل التمر لكون كماله بفعل العبد لا يستحق ذلك التعظيم، وليس المقصود مما ذكر أوّلاً التمر حتى ينبو عنه كما توهم بل الاستدلال على الصانع القدير ومنع دلالته على كمال القدرة مكابرة وفهم انحطا! مرتبته من التأخير لا ينافي الدلالة بوجه آخر، والأحسن أن الأكل والتعيش مما يشغل عن الله فيناسب الغيبة كما نبه على غفلتهم عن المنعم بقوله أفلا يشكرون، فالالتفات واقع في موقعه وقيل الضمير للنخيل وتركت الأعناب غير مرجوع إليها لأنها في حكمه، وقيل للماء وقيل للتفجير والإضافة لأدنى ملابسة ولا يخفى بعده. قوله:(عطف على الثمر) أو على محل من ثمره لا على الضمير المضاف إليه، وقوله والمراد ما يتخذ الخ لم يرتض ما في الكشاف من تفسيره ما عملته أيديهم بالغرس، والسقي والآبار لأنه مخالف للظاهر والدبس بكسر الدال المهملة وسكون الباء الموحدة والسين المهملة ما يعصر من التمر والزبيب، وقد ورد بمعنى العسل وليس بمراد هنا. قوله:(ويؤيد الأول الخ) وكذا كتب في بعض المصاحف العثمانية، ووجه التأييد أنّ
الموصول مع الصلة كاسم واحد فيحسن معه الحذف لاستطالته لاقتضائه العائد، ودلالته عليه بجعله كالمذكور وتقدير اسم ظاهر غير ظاهر.
قوله: (أمر بالشكر لأنّ إنكار ترك شيء يستلزم الأمر به، وقوله الأنواع والأصناف هو كقول الزمخشريّ الأجناس والأصناف لأنّ المراد بهما المعنى اللغوي لا الاصطلاحي كما توهم مع أنّ النبت والشجر جنس لا نوع، وقوله لا يطلعهم الله قعالى عليه أي بوجه مّا مما لا عين رأت ولا أذن سمعت إلا بالكنه لأنّ أكثر الأشياء لا قعلم بالكته. قوله: (وآية لهم الليل الخ) بيان لقدرته الباهرة في الزمان بعدما بينها في المكان، وقوله نزيله ونكشفه الخ يعني أنه استعير لإزالة الضوء السلخ استعارة تبعية مصرحة والجامع ما يعقل من ترتب أحدهما على الآخر، وقوله عن مكانه يشير إلى أنّ النهار طارى على الليل كما أن المسلوخ منه قبلى المسلوخ الذي هو كالغطاء الطارئ على المغطي لأنّ الليل سابق عرفا وشرعا وهذا هو تفسير الفراء ومن فيه ابتدائية أو تبعيضية وقيل سببية وما في المفتاح من أنّ المستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل، والمستعار منه ظهور المسلوخ من جلده وهو مأخوذ كما قال الفاضل اليمني من قول الزجاج معنى نسلخ نخرج منه النهار إخراجا لا يبقى معه شيء من ضوئه فالظهور في عبارة السكاكي بمعنى الخروج كما في قول عمر رضي الله عنه أظهر بمن معك من المسلمين، ويؤل معناه إلى الزوال الذي في عبارة الكشاف كما في قول أبي ذؤيب:
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
أي زائل ومتميز عنه فسقط ما أورده عليه الخطيب من أنه لو أريد هذا قيل فإذا هم مبصرون بناء على أنّ المراد بالظهور ظاهر من غير احتياج إلى حمله على القلب أي ظهور الليل من ظلمة النهار، ولا حاجة إلى جعل من بمعنى عن لأنّ الخروج يتعدى بعن والسلخ يكون بمعنى الكشط كما ذكره المصنف رحمه الله وبمعنى الإخراج كما ذكره السكاكي إلا أنّ التعقيب والمفاجأة فيه عرفي، ولذا كان أتم فائدة على ما فصل في شرح التلخيص وحواشيه فإذا أردت تفصيله فانظره، وقد قيل إنّ كلام الزمخشري والسكاكي شيء واحد من غير اختلاف بينهما يعني أن ظهور النهار بمعنى خروجه والخروج لما فيه من المفارقة كناية عن زواله فهو بمعناه بن غير تكلف لما ذكروه، قال الراغب نسلخ منه النهار وننتزع وحقيقته نزع جلد الحيوان، وهو متعد بمن لا بعن كما توهم. قوله:(مستعار من سلخ الجلد) قيل المستعار لفظ السلخ والمستعار منه معنى الكشط، والمستعار له الإزالة وليس بشيء لأنه لم يرد المستعار منه اصطلاحا بل المراد أنه منقول منه بهذا المعنى إلى المعنى المجازي المراد فهذا من التغيير في
الوجوه الحسان، والشراح على أنّ الاستعارة تصريحية وقد جوّز فيها أن تكون مكنية وتخييلية وقوله داخلون في الظلام يشير إلى أنّ التعقيب والفجائية في محلها، وقد علمت أنها على الوجه الآخر كذلك فتدبر، والدخول مستفاد من الهمزة لأنه كأصبح إذا دخل في وقت الصباج، والإعراب ما مرّ في قوله وآية لهم الأرض فتذكره. قوله: الحدّ معين الخ) فقوله الشمس تجري الخ معطوف على جملة الليل نسلخ الخ لأنه من آيات قدرته، وإنما جعله مجازا عما ذكر لدوام حركتها فلا قرار لها فالمستقر على هدّا اسم مكان تقطعه في حركتها الدائمة، ثم تعود ووجه الشبه على هذا الانتهاء إلى محل معين وان كان للمسافر قرار دونها وهذا ما تقطعه في السنة واللام تعليلية أو بمعنى إلى. قوله:(أو لكبد السماء) أي وسطها فالمستقرّ اسم مكان أيضا وجوّز فيه المصدرية، وكلام المصنف رحمه الله يأباه واللام فيه كالأوّل وكونه محل قرار إمّا مجاز عن الحركة البطيئة أو هو باعتبار ما يتراءى، وهذا هو الوجه الثاني. قوله:(والشمس حيرى لها في الجوّ تدويم) هو من قصيدة لذي الرمة وأوّلها:
أعن ترسمت من خرقاءمنزلة ماءالصبابة من عينيك مسجوم
وصدر.:
معرورياً رمض الرضراض تركضه
يصف سير فرسه وجربه في الظهيرة وشذة الحر، ومعروريا بمهملات بمعنى سائر وحده، والرمض حرّ الشمس على وجه الأرض والرضراض! الحصى والركض الجري والجوّ ما بين السماء والأرض والمراد به هنا وسط السماء والتدويم وقوف الطائر في الهواء، وهو مجاز أو استعارة لوقوفها وسكونها وهو محل الشاهد، وحيرى مؤنثة حيران استعارة أو تشبيه لها أيضا لأنّ المتحير يقف فيقدم رجلاً ويؤخر أخرى. قوله:(أو لاستقرار لها الخ) فهو مصدر ميمي، واللام داخلة على الغاية أو
الحامل ولم يبين المراد بالاستقرار فيه فيحتمل أن يكون جارياً فيه ما قبله، ويحتمل أن يكون راجعا لما بعده وقوله أو لمنتهى مقدر الخ فالاستقرار بمعنى الانتهاء والمستقرّ اسم مكان، وهذا هو الوجه الأوّل إلا أنه ثمة ما ينتهي إليه باعتبار السنين وهذا باعتبار الأيام وهو باعتبار أجزاء قسيّ المقنطرات ارتفاعا وانخفاضاً وقوله ثم لا تعود الخ أورد عليه بعضهم اتحاد مشرقها في آخر القوس وأوّل الجدي وأيضا دورها في السنة الشمسية وهي تزيد
على ما ذكر باكثر من خمسة أيام فلا يتم أنّ لها في كل يوم ذلك، ولذا قيل إنه تقريبي أكثري لا تحقيقي كلي فتدبر. قوله:(أو لمنقطع جريها الخ) فاستقرارها انقطاع حركتها إذا قامت القيامة ومستقرّ على هذا اسم زمان وفي الكشف تفسير آخر نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث صحيح عن أبي ذرّ قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غووب الشمس فقال: " يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه الشمس " قلت: الله ورسوله أعلم قال: " تذهب لتسجد تحت العرس فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي حيث جئت فتطلع من منربها) وقرأ والشمس تجري لمستقرّ فهو قرارها أو محله في سجودها، وقوله بمعنى ليس فترفع مستقرّاً وهو مبني على الفتح في القراءة التي قبلها وعموم كل مقدور معلوم من حذف معموله. قوله:(ذلك الجري (فالإشارة للمصدر المفهوم من الفعل، وجعله كلال الفطن عن إحصاء الحكم أحسن مما في الكشاف من جعله عن إحصاء الحساب لوقوعه في الزيجات، وقوله قدّرنا مسيره ففيه مضاف مقدر لأنه لا معنى لتقديره في نفسه منازل فقدرنا متعد لمفعولين لأنه بمعنى صيرنا ومسير اسم مكان، واذا قدّر سيره المصدر فهو متعد لواحد ومنازل منصوب على الظرفية ويجوز كونه مفعولاً ثانيا بتقدير ذا منازل، ويجوز أن يكون أصله قدرنا له على الحذف والإيصال وهو متعد لواحد. قوله:) الشرطين) بفتح الشين والراء مثنى شرط بفتحتين، وهو العلامة وهما نجمان قيل ثلاثة عند قرن الحمل سميا به لأنهما علامة للمطر والريح، والبطين تصغير البطن وهو بطن الحمل والثريا مصغر أيضا، وفي الكشف هو ألية الحمل والدبران بفتحتين سمي به لأنه خلفها، والهقعة بفتح الهاء وسكون القاف وفتح العين المهملة ثلاثة أنجم برأس الجوزاء شبهت بهقعة الفرس، وهي كز وعلامة تجعل في أعلى عنقه والهنعة مثله إلا أن ثانيه نون وهي اسم سمة كر في منخفض! عتقه، وهي خمسة أنجم على هيئتها
بمنكب الجوزاء والذراع نجمان سميا ذراعي الأسد والنثرة الفرجة بين الشاربين كوكبان بينهما مقدار شبر بأنف الأسد وهي أربعة أنجم والزبرة كوكبان نيران هما كاهلا الأسد والزبرة بضم الزاي معناها الكاهل والصرفة نجم نير بقلب الأسد سمي به لأنه عنده انصراف البرد، والعوّاء ممدود ومقصور خمسة أنجم يقال لها ورك الأسد والسماك المراد به الأعزل لأنّ الرامح ليس من المنازل، والغفر ثلاثة أنجم صغار من الميزان سميت بها لأن ضوءها مستتر لقلته، والزبانا بالضم وآخره ألف زبانا العقرب قرناها وهما نجمان برأس العقرب والإكليل أربعة أنجم برأس العقرب ولذا سميت به وأصل معناه التاج، والقلب قلب العقرب أيضا والشولة بفتح الشين المعجمة واللام ما ارتفع من ذنب العقرب وهما كوكبان عند ذنب العقرب، والنعائم أصلها الخشبات الموضوعة على البئر وهي ثمانية أنجم بقرب المجردة والبلدة الفرجة بين الحاجبين ستة أنجم بالقوس في فرجه وسعد الذابح كوكب بين يديه آخر يزعمون أنه شاة يذبحها وسعد بلع ليس له مثله كأنه بلع شاته وسعد السعود لأنه في ابتدائه يبدو ما تتعيش به المواشي، وسعد الأخبية لأنّ عند. كواكب تشبه بالخباء، وقيل لأنه تخرج فيه الهوام وهذه الأربعة بالجدي والدلو والفرغ بفتح الفاء وسكون الراء المهملة وغين معجمة وهو مجرى الماء من الدلو وهماك وكبان متقاربان سميا به لكثرة الأمطار فيهما، والرشاء بكسر الراء ومعناه واضح وقوله لا يتخطاه أي يتجاوزه قيل إنه أمر أغلبي إذ قد يتخطى ويتقاصر، وقوله الاجتماع أي اجتماعه مع الشمس الذي يذهب به ضوءه الحاصل بالمقابلة ودق أي صار دقيقاً لعدم امتلاء نوره واستقواسه كونه كالقوس انحناء، ونصب القمر بمقدّر على شريطة التفسير. قوله:(وهو الذي يكون فيه قبيل الاجتماع) مع الشمس وهو بعده ومعه لا يخرج عن منازله أيضاً لكنه لا يسمى قمراً على المشهور إلا من ثلاثة إلى ستة وعشرين
وبعدها يسمى هلالاً والناس يسمونه قمراً مطلقا وعلى العرف العام مشي المصنف، والشمراخ بكسر الشين المعجمة وميم ساكنة بعدها راء مهملة وألف وخاء معجمة وهو كالشمروخ بالضم عيدان العنقود الذي عليه الرطب، وما يجمعه مما فوقه يسمى العذق بكسر العين والكباسة كذا في المصباح وليس هو العنقود نفسه حتى يقال فيه تسامح لأنّ المشبه به عيدانه لا هو نفسه، والمعوج بتشديد الجيم أو الواو كما في قوله:
فمن رام تقويمي فإني مقوّم ومن رام تعويجي فاني معوّج
قوله: (فعلون) فنونه زائدة كما في المصباح وذهب قوم ورجحه في القاموس واعراب السمين والراغب إلى أنها أصلية فوزنه فعلول وما ذكره المصنف أظهر، وقوله كالعرجون أي بكسر العين وسكون الراء وفتح الجيم وبزيون بباء موحدة وزاي معجمة وياء مثناة تحتية ثم واو ونون بساط رومي، وقيل هو السندس، وقوله العتيق الذي مرّ عليه زمان ييبس فيه ويعوج،
ولذا مرض القول بأنه ما مرّ عليه حول فصاعدا، وقد يحصل له اليبس الذي يتم به الشبه فيما دونه ووجه الشبه فيه مركب وهو الاصفرار والدقة والإعوجاج. قوله:(يصح لها وبتسهل الأنه مطاوع بغي بمعنى طلب فيكون في الاستعمال بمعنى تسخر وتسهل وقد يكون بمعنى حق ولاق، وقوله في سرعة سير. فإنه يقطع البروج في شهر وهي في سنة ولولاه لم تنتظم الفصول والمنافع في التكوّن والتعيش وآثاره إعطاء الألوان، ونحوها والشمس الإنضاج واو مكانه لأنه كلا في ذلك مخصوص، وسلطانه قوّة نوره ليلا فلو أدركته الشمس محت نوره وطفأته وهذا قريب من الأوّل والفرق بينهما اعتباري. قوله: (ولىللاء حرف النفي الشمس للدلالة على أنها مسخرة) قد خفي وجه الدلالة على بعضهم حتى ذكر ما لا طائل تحته وتوقف في فهمه، وقد قيل إنه يقتضي نفيها وإنها هالكة لا قدرة لها في نفسها على شيء، وقيل إنه يريد أنه كان الظاهر أن يقال لا ينبغي للشمس وانه كالنتيجة لماقبله لكن تركت فاؤه تعويلاً على فهم السامع، والفرق بين لا ينبغي للشمس ولا الشمس الخ أنّ الأوّل أبلغ وآكد لتقديم المسند إليه فيفيد أنها مسخرة ولا محصل لذلك كله، والذي دار في خلدي أنه أراد أنّ دخول النفي على الموضوع ذاتا أو ما هو في حكمها يحتمل نفيها احتمالاً ظاهرا لا سيما إذا كان في حيزه قيل حقه أن يدخل عليه وهو قريب من قول المنطقيين السالبة تصدق بنفي الموضوع فإن كان كذلك كان عدما لا يصلح لصدور شيء عنه دالا يدل على نفي صفات له تقرّبه من العدم، وهذا ما ذهب إليه الشافعية في قوله صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات " حيث قدروا له صحة الأعمال واستدلوا به على وجوبها في الوضوء ورجحوه على تقدير الكمال بأنه أقرب إلى نفي الوجود المتبادر منه كما قرّروه في محله فبالقياس عليه يدل هذا على نفي صدور شيء عنها بالاختيار كما ذهب إليه بعض عبدة الكواكب، والحكماء فلزم كونها مسخرة لله. قوله:(لا يتيسر لها إلا ما أريد بها) الحصر مأخوذ من فحوى الكلام وكونها مسخرة لا من تقديم المسند إليه، وكان ينبغي أن يقول لا يصح ولا يتيسر بناء على تفسيره السابق فتأمّل. قوله:(يسبقه فيفوته) أي
يتقدّم على وقتة فيدخل قبل مضيه، وقوله وقيل المراد بهما أي الليل والنهار آيتاهما أي الشمس والقمر لأنهما آية الليل والنهار قال تعالى:{فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [سورة الإسراء، الآية: 12] وهذا مختار الزمخشريّ، وقوله فيكون عكساً للأوّل هو من تتمة القيل وأراد بالأوّل قوله لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر لأنّ محصله على هذا ولا القمر ينبغي له أن يدرك الشمس، وليس المراد بالأوّل التفسير الأوّل لما قبله لأنه مناسب للآخر إذ المعنى لا يسبق القمر الشمس في سلطانها لأنّ الحكمة اقتضت لكل سلطاناً على حياله، والتعبير بالليل والنهار للإشارة إلى اختلافهما أيضاً. قوله:(وت! بديل الإدراك) وهو اللحوق بالسبق على هذا القيل لأنه مناسب لسرعة سير القمر إذ السبق يشعر بالسرعة والإدراك بالبطء كما لا يخفى. قوله: (وكلهم) قدّر ضمير العقلاء لمشاكلة قوله يسبحون إذ عبر به فيه لتثبت فعل العقلاء لهم، وقوله والضمير الخ توجيه لجمعه معه إنهما اثنان بأن اختلاف أحوالهما في المطالع، وغيرها نزل منزلة تعداد إفرادهما ولذا يقال الشموس والأقمار، وقوله مشعر بها أي بالكواكب لفهمها وخطورها بالبال إذا ذكرا فكانت مذكورة حكماً، وقيل التقدير كل ذلك
والمراد بالفلك الفلك الأعلى لأنها تتحرّك بحركتة. قوله: (يسيرون فبه بانبساط) أي بسعة لأنّ السبح الأبعاد في السير وقد مرّ في سورة الأنبياء أنه من السباحة على التشبيه فتذكره، وفي شرح أدب الكاتب لابن السيد معنى يسبحون يسيرون فيه بانبساط وكل من بسط في شيء فهو يسبح فيه، ومنه السباحة في الماء اهـ. قوله:(أولادهم) المراد الكبار منهم لأنهم المبعوثون للتجارة ولمقابلتهم بالصبيان، وقوله أو صبيانكم الخ فالمراد بالذزبة أهل البيت، والاتباع مجازاً فلا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز كما قيل وإن كان ذلك جائزا عند الشافعية أو هو تغليب ولم يخصصه بالنساء كما في الكشاف، وان ورد في الحديث إطلاقه عليهن مجازاً إطلاق السماء على المطر أو لعلاقة الحالية، والمحلية كما أشار إليه بقوله لأنهن مزارعها أي لأنّ النساء منشأ الذرية تنشأ كما ينشأ الزرع من منابته لأنّ حمل النساء وحدها غير معتاد، وقوله لأنهن أي النساء فهو تعليل لإطلاق الذرّية عليهن فقط، وترك تعليل إطلاقه على الصبيان لظهوره وفي ضمير مزارعها استخدام لعوده على الذرّية بمعنى الأولاد، وقوله وتخصيصهم توجيه لذكرهم فقط مع عدم الاختصاص بهم، والتماسك الثبات والاستقرار فيها. قوله تعالى: ( {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} الا
يخفى مناسبته لقوله قبله في ذلك يسبحون وذكر المشحون أقوى في الامتنان بسلامتهم فيه أو لأنه أبعد من الخطر، وقوله المراد ذلك نوح فهو مفرد وتعريفه للعهد والمراد في الأوّل الجنس ومرضه لأنه محتاج للتأويل بخلاف الظاهر كما أشار إليه بقوله وحمل الله الخ أي معنى حمل الله حينثذ، وأنث ضمير فيها الراجع للفلك لأنه يجوز تأنيثه لكونه بمعنى السفينة. قوله:(وتخصيص الذرية الخ) أي على هذا الوجه حمل ذريتهم خص بالذكر لأنه أبلغ في الامتنان لأنّ استقرارهم فيها وتماسكهم أصعب ولتضمنه بقاء عقبهم، والتعجب من الآية لأنها أمر يتعجب منه وبقاء نسلهم ونجاتهم بسفينة واحدة أعجب، والإيجاز لأنه كان الظاهر أن يقال حملناهم ومن معهم ليبقى نسلهم وعقبهم فذكر الذرية يدل على بقاء النسل، وهو يستلزم سلامة أصولهم فدل بلفظه القليل على معنى كثير. قوله:(من الإبل) هو على التفسيرين السابقين لا على أن المراد بالفلك الجنس كما توهم إذ لا وجه لتخصيصه به، وقوله فإنها سفائن البر لكثرة ما تحمل لا لتبليغها للمقصود فإنه لا يختص بها، وقد شاع إطلاق السفينة عليها كما قيل: سفائن برّ والسراب بحارها
قوله: (أو من السفن والزوارق) جمع زورق وهو السفينة الصغيرة وهذا على الثاني وهو
أن يراد بالفلك سفينة نوج عليه الصلاة والسلام ولا يبعده قوله خلقنا لأنّ أفعال العباد مخلوقة لله وتبادر الإنشائية ممنوع. قوله:) فلا مغيث لهم) إشارة إلى أن الصريح يكون بمعنى المغيث وبمعنى الصارخ، وهو المستغيث فهو من الأضداد كما صرح به أهل اللغة ويكون مصدرا بمعنى الإغاثة لأنه في الأصل بمعنى الصراخ وهو صوت مخصوص وكل منهما صحيح هنا، واعتراض أبي حيان على الثاني بأنه يحتاج إلى نقل أنّ الصريح يكون مصدراً بمعنى الصراخ لا يدفعه أنّ الزمخشريّ ثقة يعتمد عليه فإنه لا يستدلط بمحل النزاع، ولا يلزم من كون الصريح بمعنى المغيث أن يكون بمعنى الإغاثة إذا كان مصدراً لأنه مصدر الثلاثي فالذي يدفعه أنّ الصريخ كالصراخ مصدر للثلاثي وتجوّز به عن الإغاثة لأنّ المغيث ينادي من يستغيث به، ويصرخ له ويقول جاءك العون والنصر وقد ورد بهذا المعنى قال المبرد رحمه الله في أوّل الكامل قال سلامة بن جندل:
كنا إذا ما أتانا صارخ قرع كان الصراخ له فزع الطنابيب
يقول إذا أتانا مستغيث كانت إغاثته الجد في نصرته، اهـ ولا عطر بعد عروس. قوله:
(كقولهم أتاهم الصريخ) قيل عليه أنه لا يصلح دليلا للمدعي لجواز كون الصريح فيه بمعنى
المغيث بل أتاهم أظهر فيه من معنى المصدرية، وليس بشيء لأنّ وروده مصدراً بمعنى الصراخ صرّحوا به، والمناقشة في المثال ليست بمرضية عند أرباب التحصيل فإنه لم يستدل به، وقوله ينجون بالتخفيف والتشديد والثاني أنسب. قوله:(إلا لرحمة ولتمتيع) وفي نسخة وتمتيع بدون إعادة الجار يعني أنه منصوب على أنه مفعول له وهو استثناء مفرع من أعمّ المفاعيل والظاهر أنه استثناء متصل، وقيل إنه منقطع أي ولكن رحمة من ربي هي التي تنجيهم كما مرّ في الأنعام وجوّز فيه كونه بتقدير الباء على الحذف والإيصال، وقيل إنه منصوب على المصدرية لفعل مقدّر.
قوله: (الوقائع التي خلت) في الأمم الخالية المكذبة للرسل، وهو تفسير لما بين الأيدي وهو بتقدير مضاف أي مثل الوقائع وكونه بدون تقدير مضاف للعبرة سيأتي بيانه، وعذاب الآخرة تفسير لما خلفهم وكونه على العكس بأن يكون ما بين أيديهم في الآخرة وما خلفهم ما مضى في الدنيا لهم، وقوله أو نوازل السماء تفسير آخر لما بين أيديهم وما خلفهم على اللف والنشر المرتب كما في الآية المذكورة المفسر ما فيها بما بعدها من قوله:{إِن نشأ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء} [سورة سبأ، الآية: 9] والمراد إحاطة العذاب بهم من جميع الجوانب إلا أنّ التلاوة في سبأ أفلم بالفاء دون الواو فهو سهو. قوله: (أو عذاب الدنيا الخ) على اللف والنشر المرتب أو عكسه على المشوّس وجعل الدنيا خلفاً لمضيها والآخرة بين الأيدي لاستقبالها فلا بعد فيه كما توهم وهذا يرجع للوجه الأوّل إلا أنه فرق بينهما بأنّ الأوّل مقيد بالمثلية دون هذا أو الأوّل ملاحظ فيه معنى التقدّم دونه، وهذا إنما يتأتى على تقدير المضاف فيه أما إذا لم يقدّر فلا لكنه لا يناسب ما قبله ولا ما بعده فتدبر وقوله أو ما تقدم الخ على اللف والنشر والعكس لكنه اكتفى عنه بما مرّ. قوله:(لتكونوا راجين الخ) يعني أنّ الرجاء من جهة العباد لاستحالته على الله، أو لتكونوا بحال يصح فيها رجاء الرحمة ويستقيم ولا فرق بينهما لأنه على فرض التقوى فتأمّل. قوله:(أعرضوا) هو الجواب المحذوف، وقوله لأنهم الخ إشارة إلى ما في الكشاف كما أطبق عليه شراحه من أنّ هذه الجملة تذييل لما قبله فتكون معترضة أو حالاً مسوقة لتأكيد ما قبلها لشمولها لما تضمنته مع زيادة إفادة التعليل الدال على الجواب المقدر المعلل به فليس من حقها الفصل لأنها مستأنفة كما توهم، والتمرن على العمل مداومته وتكراره. قوله:(على محاويجكم) يعني المحتاجين منكم جمع محوج اسم فاعل من
أحوج صار ذا حاجة قال في المصباح أحوج وزان أكرم من الحاجة فهو محوج وقياس جمعه بالواو والنون لأنه صفة عاقل والناس يقولون في الجمع محويج مثل سقاطير اص. ئوله: (كفروا بمالصانع) يعني أنكروا وجوده وهم المعطلة المنكرون لوجود الباري وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولذا أظهر في مقام الإضمار، وقوله بعد. لو يشاء الله لا ينافي ذلك لأنه تهكم أو مبنيّ على اعتقاد المخاطبين كما أشار إليه المصنف بقوله تهكما الخ. قوله: (أنطعم (لم يقل أننفق إمّا لأنه المراد من الإنفاق أو تطعم بمعنى نعطي أو لأنه يدل على منع غيره بالطريق الأولى، وقوله على زعمكم إشارة إلى ما مرّ لأنهم معطلة، وقول الزمخشري أنطعم المقول فيه هذا القول بينكم تصحيح لوقوع الشرطية لامتناعية صلة مع أنّ شأن الصلة أن تكون أمراً معهودا على ما صرح به في قوله:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً} [سورة النساء، الآية: 9] لكنه اكتفى بما ذكر لكون الصلة والموصول كشيء واحد كما حققه الطيبي رحمه الله فما قيل إنه لا ملجئ إليه لكفاية البناء على الزعم في صحة المعنى غفلة عن مراده، وقوله في الكشف أوّله به لأنهم كانوا معتقدين قدرة الله وارادته قيل إنه سهو أو سقط منه حرف النفي اللهمّ إلا أن يجعل الضمير للمخاطبين فيكون كقول المصنف على زعمكم. قوله: (استطعمهم الخ الأنهم جعلوا الله نصيباً في حرثهم وأنعامهم كما مرّ، وقوله أحق بذلك أي بعدم الإطعام وإنما قال إيهاماً وان كان الاستفهام الإنكاري صريحا فيه لأن مرادهم المنع مطلقا، وقوله من فرط جهالتهم أي عنادهم ولو لم يشأ الله ذلك لم يأمر به ويحث عليه، وقوله حيث أمرتمونا الخ فهو من مقول الكفلة وعداه بنفسه كقوله:
أمرتك الخير فافعل مط أمرت! هـ
وهذا على الوجوه كلها فهو إمّا تهكم أو عن اعتقاد ويحتمل أن يكون على الأخير. قوله: (وهي النفخة الأولى) أي التي يموت بها من بقي على وجه الأرض، وقوله وأصله
يختصمون الخ فيه قرا آت كما ذكرها المصنف وتفصيلها على اختلاف الرواية فيها في النشر والدرّ المصون، فأولاها بفتح الياء وكسر الخاء لالتقاء الساكنين والصاد على الأصل وأصله يختصمون ففعل فيه ما ذكره المصنف، والثانية بكسر الياء اتباعاً للخاء المكسورة والثالثة بفتح الياء والخاء بنقل حركة التاء لها وأبو عمرو اختل! س حركتها أي خففها مع سرعة، واستشكلت قراءة نافع بأنّ فيها الجمع بين ساكنين على غير حده فكأنه جائز عنده إذا كان الثاني مدغماً وفي عزوها على ما ذكره المصنف ما يخالف ما نقله القرّاء وليس هذا محله. قوله:(وقرأ حمزة يخصمون) أي بفتح الياء وسكون الخاء، وتخفيف
الصاد من خصم الثلاثي وهذه مروية أيضاً عن أبي عمرو وقالون كما في البحر، والمفعول محذوف أي يخصم بعضهم بعضاً وحذف المضاف إلى الفاعل فارتفع الضمير المجرور واستقرّ، وتفصيله كما في الحجة أنّ ابن كثير وأبا عمرو قرآبفتح الياء الخاء غير أنّ أبا عمرو يختلس حركة الخاء قريبا من قول نافع، وقرأ عاصم والكسائي وابن عامر بفتح الياء وكسر الخاء وهذه رواية خلف وغيره عن يحيى عن أبي بكر وقرأها نافع ساكنة الخاء مشذدة الصاد وورس بفتح الياء والخاء مشذدة الصاد وحمزة ساكنة الخاء خفيفة الصاد، وعن عاصم أنه قرأ بكسر الياء والخاء ويهدي بكسر الياء والهاء وقال أبو عليّ: من قال يخصمون حذف الحركة من الحرف المدغم وألقاها على الساكن، وهذا أحسن الوجوه بدليل قولهم ردّ وعض فألقوا حركة العين على الساكن، ومن قال يخصمون حذف الحركة إلا أنه لم يلقها على الساكن كما ألقاها الأوّل ولو جعله بمنزلة قولهم مسنا السماء حذف الكسرة من العين، ولم يلقها على الحرف الذي قبلها فلما لم يلقها التقى ساكنان فحرك ما قبل الحرف المدغم، ومن قال: يخصمون جمع بين الساكنين الخاء والحرف المدغم، ومن زعم أنّ ذلك ليس في طاقة ادّعى ما يعلم فساده بغير استدلال فأما من تال: يخصمون فتقدير. يخصم بعضهم بعضاً فحذف المضاف والمفعول به وهو كثير، ويجوز أن يكون المعنى يخصمون مجادلهم عن أنفسهم فحذف المفعول ومعنى يخصمون يغلبون في الخصام خصومهم، فأما يخصمون فعلى قول من قال أنت تخصم يريد تختصم فحذف الحركة وحركت الخاء لالتقاء الساكنين لأنه لم يلق الحركة المفتوحة على الفاء، وكسر الياء التي للمضارعة لسبقها كسرة الخاء وهذه لغة حكاها سيبويه عن الخليل وهذه الياء كسرت في مواضع حكاها سيبويه في يسبأ وينحل ويخصمون اهـ، وتوصية مفعول به ليستطيعون أو مفعول مطلق لفعل مقدّر وتبغتهم بالغين المعجمة أي تفجؤهم.
قوله: (إلى ربهم ينسلون) لا منافاة بين هذا وبين ما وقع في آية أخرى فإذا هم قيام ينظرون لأنهما في زمان واحد متقارب قيل، وذكر الرب في موقعه للإشارة إلى إسراعهم بعد الإساءة لمن أحسن إليهم حين اضطرّوا له وقوله بالضم أي ضم السين، ومرقدنا قال المعرب يجوز أن يكون مصدرا بمعنى رقادنا وأن يكون مكاناً فهو مفرد أقيم مقام الجمع والأوّل أحسن لأنّ المصدر يفرد مطلقاً. قوله:(يمعنى أهبنا) ظاهره أنه يكون متعدّيا كالمزيد، وقد قال ابن جنى أني لم أر له أصلاً ولا مر بنا في اللغة مهبوب إلا أن يكون على الحذف والإيصال وأصله هب بنا أي أيقظنا. قوله:(وفيه ترشيح ورمز الخ) أي فيما ذكر على قراءة هبنا وأهبنا أو على القراآت إشارة إلى أنّ في المرقد اسنعارة أصلية إن كان مصدوا وتبعية، إن كان اسم مكان شبه الموت بالرقاد ثم استعير له اسمه ووجه الشبه الاستراحة من الأفعال الاختيارية وهي في المشبه به أقوى، وإن توهم بعضهم أنه ليس بأقوى لظن إنه عدم ظهور الأفعال وهي في الموت أقوى، وأما كونه البعث وهو في النوم أقوى وأشهر إذ لا شبهة فيه لأحد والقرينة صدوره من الموتى فمع أنه غير موافق لكلام المصنف لأحسن فيه لأنّ البعث القيام من النوم والقبر وهي حالة مضادّة له فلا يحسن جعلها وجهاً في غير الاستعارة التهكمية، وليس هذا منها مع أنه لا يشترط فيه كونه أقوى فقط بل أو أشهر وأعرف، ولا شك أنه أعرف في النوم لتكرّره على الحس، وأما كون البعث ترشيحاً على التوجيه الثاني ففيه نظر لأنه لا اختصاص له بالنوم ولا بالموت فكما لا يصلح أن يكون قرينة لا يصلح أن يكون ترشيحاً فمن جعله ترشيحا فلعله لكونه أعرف في النوم من غير منكر له أو لأنه مشترك فيهما فلا يدل على أحد معنييه بدون قرينة، وذكره مع الرقاد يتبادر منه معنى الهبوب من النوم فيكون ترشيحا، أو هو حقيقة وهذا مجاز ألحق بالحقيقة في لسان الشرع، وما قيل من أنّ المراد بالترشيح معناه اللغوي إذ لا تشبيه هنا ولا استعارة فلا معنى له أص! لأ. قوله:(أو إشعار) هذا وجه آخر بناء على أنهم قالوه لظنهم لاختلاط عقولهم أنهم كانوا نياما فهو على حقيقته، وأما على النسخة الأخرى وهي عطفه بالواو لا بأو فإمّا أن يقال الواو بمعنى أو ويقال هذا إشعار بأنهم على حال من شأنها ذلك لا أنه وقع منهم ذلك الظن الذي ألحقه بالحقيقة في الواقع، والظاهر أنّ النسخة الأولى هي الصحيحة لسلامتها من التكلف، وتوهم النوم لأنه كالراحة بالنسبة لما بعده، وما روي من أنّ البشر لهم نومة قبل الحشر غير صحيح كما في البحر، وما قيل من أنه
لو استمرّ عذاب القبور لم يتأت منهم هذا المقال يعلم جوابه من قول المصنف لاختلاط عقولهم لأنهم ليس لهم فيها إدراك تام، وقوله
ومن بعثنا الخ أي قرئ بمن الجازة والمصدر المجرور، وقوله محذوفة الراجع أي العائد وتقديره وعده وصدقه أو فيه وعلى المصدرية المصدر فيه بمعنى المفعول. قواله:(أو هذا صفة لمرقدنا التأويله بمشتق فيصح الوقف عليه، وقد روي عن حفص أنه وقف عليه وسكت سكتة خفيفة، كما وقع في بعض النسخ فمن قال إن الوقف على مرقدنا عند الكل لثلا يتوهم أنّ هذا صفة لمرقدنا فقد أخطأ من وجهين، وقوله خبر محذوف تقديره هو أو هذا وفيه من البديع صفة تسمى التجاذب، وهو أن تكون كلمة تحتمل أن تكون من السابق أو اللاحق كما في شرح المفتاح للسيد ولم أر له مثالاً غير هذا، وقوله من كلامهم أي الكفرة على أنهم أجابوا أنفسهم أو أجاب بعضهم بعضاً. قوله: (معدول الخ الأنهم سالوا عن الفاعل فحقهم أن يجابوا به فعدل عنه لما ذكر فهو من الأسلوب الحكيم، وهذا على الاحتمالين الأخيرين أو الكل، وقوله الفعلة قدّره عامّاً مؤنثاً على قاعدة الاستثناء المفرّغ وقراءة الرفع يجري فيها ما مرّ، وقوله بمجرّد تلك الصيحة من الفاء وإذا الفجائية والتهوين لكونه بمجرد الصيحة، وقوله هي النفخة الخ النفخة صوت فيصح تفسيرها بها ولا تجوّز فيه لأنّ الصيحة مسببة عنها، وقوله التي الخ فيه تسمح في التعبير. قوله: (. قوله: (حكاية لما يقال لهم) فضمير تجزون وتعملون والخطاب للكفرة، وتصوير الموعود وهو جزاؤهم على ما عملو. من غير ظلم والسكين من جعله حاضراً عندهم، وشيئاً منصوب على المصدرية أو مفعول به على الحذف والإيصال، ويجوز أن يكون إخباراً من الله عما لأهل المحشر على العموم بدليل تنكير نفس وتعريف اليوم للعهد لأنه في حكم المذكور والمراد به يوم القيامة لدلالة نفخ الصور عليه دلالة ركب السلطان على سلطان البلد قيعمّ الخطاب المؤمنين كما اختاره السكاكي، وما قيل عليه من أنه يأباه الحصر لأنه تعالى يوفي
المؤمنين أجورهم ويزيدهم من فضله أضعافا مضاعفة فيرده أنّ المعنى أنّ الصالح لا ينقص ثوابه والطالح لا يزاد عقابه لأنّ الحكمة تأبى ما هو على صورة الطلم أما زيادة الثواب ونقص العقاب فليس كذلك، أو المراد بقوله لا تجزون إلا ما كنتم تعملون أنكم لا تجزون إلا من جنس عملكم إن خيرا فخير وان شرا فشر فلا وجه لما ذكره. قوله:(من الفكاهة بالضم) وهي التمتع والتلذذ ماخوذ من الفاكهة وقد يكون بمعنى التحدث بما يسر وتنكير شغل للتعظيم كأنه شغل لا يدرك كنهه، وقوله أعلى ما يحيط به بالإضافة إلى ما الموصولة أو الموصوفة، وكونه على حذف من التفضيلية وان كان بحسب المعنى أحسن إلا أنّ حذف من وابقاء مجرورها ركيك وكونها نافية والجملة مستأنفة لبيان كونه أعلى خلاف الظاهر، ويعرب بمهملتين من الإعراب وهو البيان وجوّز فيه كونه بالزاي المعجمة المضمومة أو المكسورة وفتح حرف المضارعة بمعنى يغيب، ويبعد بعطفه على الجملة المنفية وهو تكلف. قوله:(وقرأ الخ (حاصله أنّ قراءة الكوفيين وابن عامر بضمتين والباقون بضم فسكون وهما لغتان للحجازيين كما قاله الفراء: وأبو السماك بفتحتين ويزيد النحوي وابن هبيرة بفتح فسكون، والكل لغات فيه وقوله وشغل بفتحتين الخ معطوف على قوله شغل بالسكون بحسب المعنى، والتقدير قرئ في شغل وفصل بينهما لأنّ هذه من الشواذ وفكهون جمع فكه كحذر وهي صفة مشبهة تدل على المبالغة والثبوت، وقوله صلة أي متعلق به وبجوز كونه حالاً من ضمميره. قوله: (وقرئ فكهون بالضم) أي بضم الكاف وفتح الفاء وفعل من أوزان الصفة المشبهة كنطس بنون وطاء وسين مهملتين، وهو لغة في نطس بوزن حذر وهو الحاذق الدقيق النظر الصادق الفراسة والعرب تسمى الطبيب لذلك نطاسياً من التنطس وهو استقصاء النظر ويكون بمعنى التطهر والتنزه. قوله: (ويؤيده (لأن ظلل بضم وفتح جمع ظلة، وهي ما أظل لأظل بالكسر ولا منافاة بين هذا وبين ما مرّ في لقمان كما توهم ومتكئون خبر مبتدأ مقدر أي هم وعلى الأرائك متعلق به والجملة مستأنفة، وهو معنى قول المصنف على الأرائك جملة مستأنفة لكن فيه تسمح أو خبر آخر لأنّ قوله وهم مبتدأ أو مؤكد للمستكن في فاكهون، أو في قوله في شغل كما ذكره المصنف لكن فيه الفصل بين المؤكد وبينه بأجنبيّ، وهو فاكهون قاله المعرب والأحكام الثلاثة التفكه والقعود على السرر والاتكاء
والمعطوف عليه هم أو المستتر وهذا على الوجوه على القول بمجيء الحال من المبتدأ ولا مانع من كون في ظلال خبرا آخر فسر الأرائك بالسرر المزينة، وقيد. في المطففين بكونها
في الحجال ولك أن تقول إنه معنى مزينة وقد ذكرهما أهل اللغة معا. قوله: (ما يدّعون) يعني
أنه افتعال من الدعاء بمعنى الطلب، وهو بمعنى الثلاثي أي كل ما طلبوه لأنفسهم يصل إليهم، وقوله لأنفسهم إشارة إلى قول الإمام إنه ليس المراد أنهم يعطون بعد الطلب بل إنه حاصل لهم بدلي ن طلب كالمملوك إذا طلب من المالك فقال له لك، ولك احتمل أنك مجاب لمطلوبك وأن ذلك حاصل لك فلم يفد ولا مانع من حمله على الأوّل فإنه للحصول بعد طلب لا سيما والمطلوب عظيم والمطلوب منه ملك كريم، وأصله يد تعيون فقلبت التاء دالاً أو أدغصت وحذفت ياؤه على ما بين في اقصريف، واشتوى من الشي وهو معروف واجتمل بالجيم بمعنى جمل أي أذاب الشحم، وهما مثال للافتعال بمعنى الثلاثي، وقوله أو ما يتداعونه يعني أنه افتعال بمعنى التفاعل والتداعي طلب بعضهم من بعض بالفعل لما فيه من التحاب أو المراد صحة الطلب كما مز، وقوله أو ما يدعونه في الدنيا أي ما كانوا يدعون به ويطلبونه من الله فهو من الدعاء بمعناه المشهور، وقوله وما الخ جوّز أبو حيان مصدريتها فالمصدر بمعنى المفعول وهو تكلف. قوله:(بدل منها) أي من ما على الوجهين وهو إمّا بدل كل من كل على أنّ ما أريد بها خاص أو على ادّعاء ألاتحاد تعظيماً أو بعض على أنها عامّة حلى الموصولية يلزم إبدال النكرة كير الموصوفة من المعرفة فإمّا أن يلتزم جوازه من غير قبح، أو يقال هو في معنى الموصوف ومثله يكفي له، وقوله أو صفة يعني على كونها نحرة موصوفة، ولذا قال أخرى لأنه
لا توصف المعرفة بالنكرة فهو مؤوّل بسالم أو بتقدير ذي سلام واذا كان خبرا بمعنى سالم خالص لا شوب فيه فلهم متعلق به وقدّر الخبر مقدماً ليسوغ الابتداء بالنكرة، وقوله على المصدر أي يسلمون سلاما بمعنى التحية أو السلامة وعلى الحالية فهو من الثاني كما أشار إليه، وقوله والمعنى وفي نسخة بمعنى وهو على الوجوه إذا كان السلام بمعنى التحية، وقوله على الاضصاص المراد به النص! على المدح بتقدير أعني وهذا أنسب بقوله من رب رحيم فإنه لا شيء أمدح من تسليمه عليهم وهو حينئذ جملة مستقلة. قوله: (وذلك حين يسار بهم إلى الجنة
الخ الم يتعرض! كصاحب الكشاف لتوجيه عطفه لأنه بحسب الظاهر من عطف الإنشاء على الخبر فهو إمّا بتقدير ويقال امتازوا على أنه معطوف على يقال المقدّر العامل في قولاً، وهو أقرب وأقل تكلفاً لأنّ حذف القول وقيام معموله مقامه كثير حتى قيل فيه هو البحر حدّث عنه ولا حرج، أو يقال إنه من عطف القصة على القصة كما مرّ تفصيله في سورة البقرة أو يقال المعطوف مؤوّل بخبر لأنّ المراد أنّ المجرمين ممتازون متفرقون ليسوا كأهل الجنة مع أهلهم وأزواجهم وعدل عنه إلى الأمر لما فيه من التهويل والتعنيف، وهذا أحسن مما اختاره السكاكي من تأويل الأوّل لأنّ محصله فليمتازوا عنكم يا أهل المحشر وامتازوا عنهم لما فيه من التكرار إذ يعلم من امتياز أحدهما امتياز الآخر كما في الكشف وان كان لكونه أمراً تقديريا لا محذور فيه مع أنّ الامتياز الأوّل امتياز على وجه الإكرام وتحقيق الوعد والآخر على وجه الإهانة وتعجيل الوعيد فيفيد كل منهما ما لا يفيده الآخر، وأما كون امتازوا فعلا ماضياً والضمير المتصل لا المستتر للمؤمنين أي امتاز المؤمنون عنكم يا أيها المجرمون كما قيل فمع مخالفته للأسلوب المعروف من وقوع النداء مع الأمر نحو يوسف أعرض عن هذا قليل الجدوى، وما ذكره من التحسير فيه ما قبله من ذكر ما هم عليه من التنعم. قوله:(كقوله ويوم تقوم الخ) أي في الدلالة على أنّ كلاً منهما متمس ش منفرد عن الآخر، وقوله فإنّ لكل كافر الخ وهذا لا ينافي عتاب بعضهم بعضاً الوارد في آيآت أخر كقوله:{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} [سورة غافر، الآية: 47] كما قيل إن أراد لكل شخص لأنه باعتبار الأزمنة والأمكنة أو الإشراف عليهم فإن أراد لكل صنف كافر كاليهود والنصارى فلا يحتاج إلى الدفع. قوله: (وعهده إليهم ما نصب لهم من الحجج العقلية) فيكون العهد استعارة لإقامة البراهين، وقيل إنه حقيقة لأنه عبارة عما عهده في عالم الذو إذ قال لهم ألست بربكم، ولذا قال يا بني آدم فتأمّل. قوله:(وجعلها) أي العبادة عبادة الشيطان فالتجوّز في الشبة إلى السبب، ويجوز أن يكون استعارة بتشبيه طاعته بعبادته، وقوله وقرئ الخ أي بكسر
حرف المضارعة، وهو لغة في فعل بالكسر مطلقا وبعضهم لا يكسر ألياء كما في الكشاف وقوله وأجهد أي قرئ بابدال العين حاء مهملة وحدها أو بإبدالها مع إبدال الهاء وادغامها وهي لغة تميم، وقيل إنّ الأوّل لغة هذيلى والثاني لغة تميص، وقوله بالطاعة متعلق بعبادته أي الشيطان وهو إشارة إلى ما أسلفه
بقوله جعلها الخ. قوله: (لبيان المقتضى للعهد بشقيه) وهما عدم عبادة الشيطان وعبادة الله على أنّ الإشارة إلى ما عهد إليهم مطلقا أو بالشق الأخير وهو عبادة الله على أنّ الإشارة لعبادته لأنه المعروف في الصراط المستقيم ففيه لف، ونشر مرتب وقيل الأول أولى لأن عبادته تعالى إذا لم تنفرد عن عبادة غيره لا تسمى صراطاً مستقيما وليس المراد بالثاني عبادته خاصة لذكره بعد النهي لأنه يعود إلى الأوّل لكن عبادته ما لم تكن كذلك لا يعتد بها فتأمل. قوله:) والتنكير للمبالغة والتعظيم) توجيه لتنكيره مع أنّ حقه أن يعرّف، ويحصر الصراط المستقيم فيه ليتم التعليل بأنه عدل عنه لأن المراد أنه صراط بليغ في استقامته جامع لكل ما يجب أن يكون عليه، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف فالتنوين للتعظيم. قوله:
(أو للتبعيض! توجيه آخر بأنّ تنوينه للتبعيض كما في قوله: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} ، [سورة الإسرأء، الآية: \، وهو وان لم يكن صراط مستقيم غيره إلا أن المراد كما في الكشاف الهضم من حقه على نهج الكلام المنصف توبيخاً أي لو كان بعض الطرق الموصوفة بالاستقامة كفى ذلك فكيف وهو الأصل والعمدة كما قيل:
وأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة وأنت كل الناس
وفيه إدماج لأنّ المطلوب الاستقامة والأمر دائر معها وقليلها كثير، وأما قوله فإن التوحيد
الخ فتوجيه آخر بحمله على ظاهره فإنّ الإشارة إلى توحيده بالعبادة، وهو وان كان أجل الطرق المستقيمة إلا أنها لا تنحصر فيه لأنّ كل ما يجب اعتقاده طريق مستقيم فهو متعدّد وهذا وجه واحد منها لكنه رأسها ورئيسها، وما قيل عليه من أنّ البعض يطلق على جزء الشيء وجزئيه والأوّل مدلولط من والثاني مدلول التنكير الدال على الفرد المنتشر أو الماهية مع وحدة ما وأنه لا نظر في كلام الزمخشري لاستعماله في مدلوله الحقيقي، وأما المصنف رحمه الله فارتكب المجاز لأنه دائر بين أمرين جعل الكل بعضاً ادعاء للمبالغة، واستعمال التنكير في معنى من التبعيضية فيميل إلى أيهما شاء وباب المجاز لا يغلق مبني على الفرق المذكور تبعا للشريف في حواشي المطول وهو مردود كما اعترف به القائل في رسالته التي صنفها في من التبعيضية لأن الزمخشريّ صرح بخلافه في مواضمع من الكشاف، وقد سبقه الإمام المرزوقي به في قوله ليلا وعبد القاهر في قوله:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} فكأنه نسي ما قدمته يداه وافتخر به ثمة وهو الحق، وما ذكره من أن كلام المصنف رحمه الله دائر بين أمرين لا أصل له أمّا الأول فمسلك الزمخشريّ كما سمعته وهو مصرح بخلافه، وأمّا الثاني فمع تكلفه ليس في كلامه نفحة ورائحة منه. قوله: (رجوع إلى بيان معاداة الشيطان (بعدما بينها أولاً بقوله إنه لكم عدوّ مبين لأنها وان
كانت ظاهرة غنية عن البيان إلا أنهم لعدم جريهم على مقتضى علمهم جعلوا كالمنكرين فلذا كد فيما مضى، وقوله أفلم تكونوا تعقلون هو لإنكار أن يكونوا يعقلون شيئاً مّا أو أن يكونوا من أولي العقل، أو للتقرير أي لسمّ كذلك ادعاء لأنّ العائد له بعد ظهور. ليس بعاقل، والجبل الخلق أي الخلائق أو الطبع المخلوق عليه والأوّل أظهر هنا قال الراغب قولهم جبله الله على كذا إشارة إلى ما ركب فيه من الطبع الذي لا يتنقل كأنه جبل ومنه الجبلة، ولما فيه من معنى العظم في الأصل أطلق على الجماعة وقد فسر بالأمّة والجماعة هنا والقراآت ظاهرة والمعنى فيها واحد والقراءة الأخيرة بكسر الجيم والياء المثناة التحتية قراءة عليّ وهي شاذة ومعناها الطائفة من الناس وقدّم بيان كونها لغات على ما بعده لأنها في الأول مفرد وفي الباقية جمع فلذا فصل بينهما، والأمر في أصلوها للتحقير والإهانة، وقوله بكفركم إشارة إلى أنّ ما مصدرية ويجوز موصوليتها. قوله تعالى:( {الْيَوْمَ نَخْتِمُ} الخ) قد وفق بينه وبين قوله يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بأنّ منهم من يعترف فتشهد عليهم الألسنة، ومنهم من ينكر لقوله:{وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 23] أو مبهوت فيختم على أفواههم وهذا بحسب تفاوت كفرهم، وعتوهم واسناد الختم إليه تعالى
دون الكلام والشهادة قيل لأنه لئلا يحتمل الجبر عليه فدل على أنه باختيارهم بعد إقدار الله فإنه أدل على تفضيحهم! قوله: (بظهور آثار المعاصي عليها) بأن تبدل هيآتها بأخرى يلهم الله أهل المحشر أنها علامة دالة على ما صدر منهم فجعلت الدلالة الحالية بمنزلة المقالية مجازاً، ولا يمنع منه قوله:{أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [سورة فصلت، الآية: 21، ولا قوله كل شيء كما توهم فإنه فسره المصنف ثمة بدلالة الحال وكل شيء بكل حيّ لكنه مع قوله قالوا ظاهر فيه جدّا، وكأنّ المعترف أراد هذا. قوله:(لمسحنا) بالحاء المهملة أي أذهبنا أحداقهم وأبصارهم حتى لو
أرادوا سلوك الطريق الواضح المألوف لهم لا يقدوون عليه، ولما كان الصراط كالطريق مكاناً مختصاً ومثله لا ينصب على الظرفية أوّلوه بأنّ أصله إلى الصراط فنصبه بنزع الخافض، أو هو مفعول به لتضمينه معنى ابتدروا وليس حقيقة كما توهم، ونقل عن الأساس أو بجعله مفعولاً به لأنّ استبقوا يجيء بمعنى سبقوا فجعل مسبوقاً على التحوز في النسبة أو الاستعارة المكينة أو على أنه بمعنى جاوزوه كما ستعرفه، أو هو منصوب على الظرفية على خلاف القياس أو على قول بعض النحاة كابن الطراوة أنه غير مختص د! ان صرح سيبويه بخلافه، واستبقوا قيل المراد أرادوا الاستباق، وقيل لا حاجة لتأويله فإنّ الأعمى يجوز شروعه في السباق. قوله:) أو جعل المسبوق إليه مسبوقاً على الاتساع) إن أراد بالاتساع التوسع في الظرف حتى ينصب على أنه مفعول به كما مرّ في الفاتحة في نحو، ويوماً شهدناه فهو فرع صحة نصمبه على الظرفية والتأويل للفرار منه فلذا ردّ على اليمني إذ جعله منه وهو مراد صاحب الكشف، ومن لم يفهم مراده خبط وخلط فيه وان أراد به إسقاط الخافض تسمحأ فهو الوجه الأوّل فالظاهر أنه أراد به التجوّز باستعماله في معنى جاوزه مجازا لأنه لازم له إذ المقصود من المبادرة مجاوزته، ولا بد من هذا لأنه لو كان حقيقة كما هو ظاهر قوله في القاموس استبق الصراط جاوزه لم يكن اتساعاً ولو كان لازماً كما عليه اكثر أهل اللغة لم يكن له مفعول ولا يكون ثمة مسبوق فكيف يصح جعله استعارة مكنية، وتخييلية وهل هو إلا تخيل فاسد فما ذكره المصنف رحمه الله هو بعينه ما في الكشاف لا فرق بينهما إلا أن ما في الكشاف يحتمل أنه حقيقة وبهذا سقط الاعتراض عن شراح الكشاف واطلاق الاتساع على المجاز كثير. قوله:) فأنى يبصرون) أنى بمعنى كيف والمقصود إنكار رؤيتهم وقوله بتغيير صورهم هو حقيقة المسخ، دمانما ذكر إبطال القوى لقوله فما استطاعوا الخ والمكانة بمعنى المكان هنا وقد تكون في المرتبة والمنزلة، ويجمدون بالجيم والدال المهملة مبنياً للفاعل (والمفعول من الأفعال والخاء المعجمة تحريف والمراد أنهم لا يقدرون على مفارقة مكانهم، والقراءة بالجمع لتعددهم. قوله:) فوضع الفعل الخ (لأنّ المعنى
والصناعة تقتضيه أو لمعنى ولا رجوعا وهو معطوف على المفعول ومفعول اسنطاع لا يكون جملة فهو من قبيل تسمع بالمعيدي فلا يدل على الاستمرار حتى يجعل وجهاً للعدول كما قيل، وإذا كان بمعنى لا يرجعون عن تكذيبهم فهو معطوف على جملة ما استطاعوا، وقوله لقلب الواو ياء تعليل لكسرها ووزنه فعول بالضم وأصله مضوي فلما قلبت الواو ياء لاجتماعها معها ساكنة قلبت الضمة قبلها كسرة لتخف وتناسبها، وقوله كصثيّ بفتح الصاد المهملة بعدها همزة مكسورة ثم ياء مشددة مصدر صأي الديك أو الفرخ إذا صاح فهو مثال لمجيء فعيل مصدرا للمعتل كما في كتب اللغة والكشف، فمن قال إنّ المراد أنه بوزنه لأنه ليس بمصدر فقدسها لظنه إنه بالباء الموحدة، وقوله أحقاء لأنّ لو تقتضي أنه فرض ولم يقع، وقوله لم نفعل إشارة إلى أنّ لو للمضيّ على أنه بالباء الموحدة، وقوله أحقاء لأنّ لو تقتضي أنه فرض ولم يقع، وقوله لم نفعل إشارة إلى أنّ لو للمضيّ على أصلها لا بمعنى إن ودخولها على المضارع لاستحضار الصورة والدلالة على استمرار الامتناع، وقوله فلا يزال يتزايد ضعفه الخ تفسير لتقلبه وإشارة إلى أنه مستعار من التنكيس الحسي إلى المعنوي وبدء أمره مرفوع بكان أو منصوب على الظرفية وقوله فإنه أي تنكيس خلقه وإيجاده على تدرج لا ينافي المقدورية. قوله:(اي ما علمناه الشعر بتعليم القرآن الخ) يعني أنّ تعليمه المنفي ما كان بالقرآن الذي زعموه شعراً حين أتى به فإنه لا يشابه الشعر لفظاً لعدم وزنه وتقفيته ولا معنى لأنّ الشعر تخيلات، وهذا حكم وعقائد وشرائع فلو كانت الشاعرية المسندة له لذلك لم يصح بوجه من الوجوه فإنهم قاسوه على من يشعر بقراءة الدواوين، وكثرة حفظها فالباء في قوله
بتعليم الخ للاسنعانة وجملة ما ينبغي معترضة، وفيه إدماج لا كناية تلويحية وقياس مضمر لردّ قولهم بمعنى أنكم لم تعرفوا منه ذلك ولا سمعتموه منه، وما يأتي به ليس على نهجه ويتوخى بمعنى يقصد، ومبني الشعر ما ذكره ولذا قيل أعذبه أكذبه، ومرادهم من إسناد الشاعرية أنه افترأء وتخيل والشعر يطلق في اللغة على قريب من مصطلح المنطق كما صرح به الراغب فلا يتوهم أنّ ما ذكر اصطلاح المنطقيين كما صرح به بعضهم. قوله:(وما يصح له الشعر الخ) يعني أن ينبغي مطاوع يبغي بمعنى يطلب، والمراد كما قال ابن الحاجب لا يستقيم عقلا كقوله:{وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} [سورة مريم، الآية: 92] لأنه لو كان ممن يقول الشعر والمشاهد خلافه لتطرقت التهمة عقلَا في أنّ ما جاء به من عند نفسه، ولذا قال ويحق القول الخ لأنه لم يبق إلا العناد الموجب للهلاك فظهر ارتباطه بما قبله وما بعده. قوله:(أنا الن! ئ لا كذب) إشارة
إلى أنّ صفة النبوّة يستحيل معها الكذب فكأنه قال أنا النبيّ، والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم وأنا متيقن أنّ الذي وعدني الله من النصر حق فلا يجوز عليّ الفرار والذي صححه أهل السير أنه قاله يوم حنين، وهو على بغلته الشهباء وأبو سفيان بن الحرث آخذ بزمامها، وقول شراح الكشاف إنه قاله بحنين حين نزل ودعا واستنصر مخالف للرواية وقوله هل أنت الخ قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين أصاب إصبعه حجر فدميت في بعض غزواته متمثلَا به فلا ينافي ما قاله ابن هشام في السيرة من أنّ قائله الوليد بن المغيرة في قصة ذكرها، وقيل لابن رواحة رضي الله عنه وأوّله:
يانفس إن لم تقتل قموشي هذاحمام الموت قد صليتي وماتمنيتيه قدأ! يتي أن تفعلي فعلهماهديتي
وهذا هو الذي صححه ابن الجوزي ولم يعزه لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يقال إنه تمثل به ولم
يثبت أيضاً. قوله: (اتفاقي من غير تكلف وقصد منه) خبر لقوله قوله أي النبيّ صلى الله عليه وسلم، ودفع لما يرد على قولهم إنه لم يقل الشعر ولا يصح ذلك منه، وقد روي هذا* ونحوه عنه بأن تعريف الشعر لكلام المقفي الموزون على سبيل القصد، وهذا مما اتفق له من غير قصد لوزنه ومثله يقع كثيرا في الكلام المنثور ولا يسمى شعراً ولا قائله شاعرا ولا يتوهم أنّ انتسابه إلى جذه دون أبيه يعلم منه قصده لأنّ النسبة للجذ شائعة، ولأنه كان مشهوراً بينهم بالصدق والشرف والعزة فلذا خصه بالذكر ليكون كالدليل على ما قبله. قوله:(على أنّ الخليل) ابن أحمد واضع علم العروض ما عد الخ بحور الشعر معروفة، والرجز منها وسمي به لتقارب أجزائه وكثرة تغييراته من ارتجزت الإبل إذا أصابها الرجز وهو داء ترتعش منه، ووزنه مستفعلن ست مرات فإذا حذف من كل مصراع منه جزء مسمى مجزواً فيصير مستفعلن أربع مرات كقوله: ياليتني فيهاجذع أخبّ فيها وأضع
إذا كانا مصراعي بيت وان حذف نصفه سمي مشطورا وإن حذف ثلثاه حتى بقي على
جزأين سمي منهوكا كقوله:
موسى المطر غيث بكر
فقوله: " أنا النبي لا كذب " إن كان نصف بيت فهو مجزوّ وان كان بيتا تامّا فهو منهوك، وقوله:" هل أنت إلا إصبع دميت " الخ إن كان كل منهما بيتا فهو مشطور إلا فهو تام وفيه روايات فقيل الرجز كله ليس بشعر، ولذا يسمى قائله راجزا لا شاعراً، وعن الخليل إنّ المشطور منه والمنهوك ليس بشعر فمراد المصنف بالمشطور ما حذف منه شطر فأكثر فيدخل فيه المنهوك لكنه تسمح فيه وفي كون ما ذكر مشطوراً أو منهوكاً ما عرفت فهو غير متعين. قوله:(حرك الباءين) أي من كذب والمطلب وأعربهما فلا يكون موزونا، وكذا غير قوله هل أنت الخ فيخرج عن نمط الشعر، وعود الضمير على القرآن لأنه معلوم من السياق، وهو المناسب لما بعده قيل وعليه فيجوز صدور الشعر عنه وتئ ولا يحتاج إلى توجيه وفيه نظر. قوله:(عظة) فالذكر من التذكير وهو الوعظ، وكتاب سماوي تفسير لقرآن وظاهر الخ تفسير لمبين، وقوله يؤيده الخ لتعين الخطاب للرّسول، وقوله لما فيه من الإعجاز إشارة إلى جواز كون مبين من الإبانة لإظهار إعجازه أنه كلام لله تعالى فتأمّل. قوله:(عاقلَا فهما) ففيه استعارة مصرحة بتشبيه العقل بالحياة، والغافل الثاني بالغين المعجمة، وكذا قوله أو مؤمنا لتشبيه الإيمان بالحياة بقرينة
مقابلته بالكافرين ويجوز كونه على هذا مجازاً مرسلا لأنه سبب للحياة الحقيقية الأبدية وفي كلامه إيماء له، وقوله في علم الله توجيه للمضي في كل على الثاني بأنه باعتبار ما في علمه لتحققه، وقيل إنه من مجاز الأول أو المشارفة فأطلق مؤمنا على من سيؤمن، وقيل إن كان فيه بمعنى يكون وقوله وتخصيص أي على الوجهين أو على الثاني، ويحق القول مرّ تحقيقه. فوله:(المصرين على الكفر (فسره به لأنهم هم الذين يجب تعذيبهم بمقتضى الوعيد ويؤخذ من المقابلة على الثاني، وأما الصيغة فلا دلالة لها عليه كما قيل، وقوله إشعار الخ الإشعار من التقابل ويجوز أن يجعل استعارة مكنية قرينتها استعارة أخرى. قوله: (أولم الخ) معطوف على مقدر أي ألم يعلموا بدائع صنعنا لأنه معلوم مما مرّ، وقيل إنه
معطوف على قوله: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا} الخ والأوّل للحث على التوحيد بالتحذير من النقم وهذا بالتذكير بالنعم، وقوله تولينا إحداثه الخ إشارة أنّ عمل الأيدي مجاز عما ذكر كما سنبينه، والحصر المذكور من إقحام الأيدي ودلالة المقام والظاهر إنه استعارة تمثيلية لكن كون ذكر الأيدي والإسناد استعارة تسمح إذ مجموع عملت أيدينا على هذا استعارة وليست الاستعارة من قبيل:{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} كما قيل، ويجوز أن يكون من المجاز المتفرع على الكناية بأن يكنى عن الإيجاد بعمل الأيدي فيمن له ذلك ثم بعد الشيوع يستعمل لغيره، وأمّا التجوّز في الأيدي وحدها فلا وجه له. قوله:(مبالغة في الاختصاص الخ (لأنّ المجاز أبلغ من الحقيقة، وقوله هذا شيء عملته بيدي يدل على التفرد كما هو معروف في الاستعمال أي لا مدخل لغيري فيه لا خلقاً ولا كسبا، والمراد بالأنعام الأزواج الثمانية، وبديع خلقها مشاهد وكذا كثرة نفعها فلذا خصت دون غيرها وهذا كقوله أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. قوله: (متملكون الخ) فهو بمعناه المعروف، وإنما قال: بتمليكنا بيانا للواقع ولما به الامتنان أو هو بمعنى التمكن من التصرف فالملك بمعنى القدرة والقهر من ملكت العجين إذا أجدت عجنه ومنه قوله أملك رأس البعير أي أمسكه وأضبطه، وأخره لأنّ قوله وذللناها الخ على هذا يكون تأكيدا. قوله:(أصبحت الخ) هو من قصيدة للربيع بن منيع الفزاري يصف كبره وعلوّ سنه، وقد سئل عن حاله وكان من المعمرين لا لابن هرمة كما في شرح الكتاب وأوّله:
أصبح مني الشباب مبتكرا إن يناعني فقدثوى عصرا
فارقنا قبل أن نفارقه لمامضى من جماعناوطرا
أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا
قوله: (مركويهم) فهي فعول وفعولة بمعنى مفعول وليس الثاني جمعاً للأوّل لأنه لم يسمع فعوله في الجمع ولا في أسماء الجموع، وعلى القراءة بالضم فهو مصدرك القعود فيه مضاف مقدر أو مؤوّل بالمفعول أو في قوله فمنها مضاف مقدر وهو منافع، ومن ابتدائية أو تبعيضية لكن المصنف رحمه الله جعلها تبعيضية فتأمّل. قوله: (أي ما يثلون لحمه أليس مراده
أنّ الموصوف حذف، وبقيت صلته لأنه ممنوع عند بعض النحاة بل هو بيان للمعنى وأنّ التبعيض قبله باعتبار الجزئيات، وهنا باعتبار الأجزاء، وليس للإشارة إلى أنّ الفعل موضوع موضع المصدر، وهو بمعنى المفعول للفاصلة إذ لا داعي له فإنّ الجملة معطوفة على الجملة قبلها من غير تأويل وإنما غير الأسلوب لأنه عام فيها جميعها، وكثير مستمر بخلاف الركوب وغير.. قوله:(من اللبن) خص مع دخوله في المنافع لشرفه واعتناء العرب به وجمع لتعدد ألبانها وللإشارة إلى أنها جميعها مشروبة، وهو تفسير لحاصل المعنى لأنه إذا كان موضعا فالمشارب هي نفسها لقوله فيها فإنها مقره، واذا كان مصدراً فهو بمعنى المفعول وتعميم المشارب للزبد والجبن لا يصح إلا بالتغليب أو التجوّز لأنها غير مشروبة، ولا حاجة إليه مع دخولها في المنإفع، وقوله نعم الله مفعوله المقدّر وذلك ما مرّ من التذليل والخلق ونعمة سائر المنافع كما يدل عليه ما بعد.، وقوله بعدما رأوا الخ إشارة إلى أرتباطه بقوله أولم يروا وانّ الاستفهام فيه إنكاريّ فهو في المعنى إثبات للرؤية وعلمهم تفرده بها أي يخلقها لقوله تعالى:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة لقمان، الآية: 25] وقوله
حزبهم بحاء مهملة وزاي معجمة وباء موحدة بمعنى أصابهم ونزل عليهم من الشدائد، وقوله بالعكس أي لا قدرة لهم على النصرة والذت عنهم بل الذالث هم الكفرة، والذلت الدفع وهذا في الدنيا. قوله:(أو محضرون أثرهم في النار) فيكون في الآخرة والواو عاطفة أو حالية وكذا على هذا الوجه إلا أنها تكون حالاً مقدرة وعلى هذا فجعلهم جندا تهكم واستهزاء وكذا لام لهم الدالة على النفع فلا يرد ما ذكر عليه، وفي الكشاف وجه آخر وهو أنهم معدّون محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقوداً للنار، ولا تفكيك فيه للضمائر كما توهم لأنه على كل حال أحد الضميرين للأصنام والآخر للكفرة، وإنما يختلف الترتيب فيها ومثله ليس بتفكيك ولا بأس به، وأمّ كون جند على ما ذكره المصنف باقياً على معناه وتفسيره مختص بمحضرون والمعنى أنهم جند لهم في الدنيا محضرون للنار أثرهم في الآخرة لاختصاص الإحضار بالشرّ فتعسف بعيد. قوله:(فلا يحزنك الخ) الفاء فصيحة أي إذا كان هذا حالهم فلا تحزن بسبب ما قالوه، وبهذا
علمت معنى النهي هنا، والتهجين نسبة الهجنة والقباحة، وعلى الوجه الثاني يكون هذا راجعاً إلى قوله وما علمناه الشعر وعلى الأوّل متصل بما قبله ولهذا قدّمه لقربه، وقوله فنجازيهم عليه فعلم الله بسرّهم وعلانيتهم مجاز عن مجازاتهم أو كناية عنه للزومه إذ علم الملك القادر بما جرى من عدوّ. الكافر مقتض لمجازاته، وانتقامه وتقديم السرّ كما مرّ لبيان إحاطة علمه بحيث يستوي السرّ عنده والعلانية، وقيل للإشارة إلى الاهتمام باصلاح الباطن فإنه ملاك الأمر أو لأنه محل الاشتباه المحتاج للبيان، وما قدمناه هو المهئم المقدم، وقوله ولذلك أي ولكونه تعليلا للنهي، وقوله لو قرئ إشارة إلى أنه لم يقرأ به ولكنه جواب لمن قال إنه لا تصح القراءة به مع أنه لا فرق بينهما، وقد جوّز فيه كونه مقول القول على الكسر وبدلاً منه على الفتح على أنه من باب الإلهاب والتعريض كقوله:{وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} [سورة يونس، الآية: 105] ولا يخفى بعده فالوقف على قولهم ليس بمتعين كما يقال، ثم إنه فسر يحزنك بيهمنك مؤكداً بالنون كما في أكثر النسخ وفي بعضها بدونها وهي ظاهرة فأما الأولى فوجه تأكيدها مع أنّ المفسر غير مؤكد إمّا الإشارة إلى ما يفيده من المبالغة في الحزن لأنه كناية كما في لا أرينك هنا أو مجاز في الإسناد، وكلاهما مقتض للمبالغة فيه هذا إن قلنا إنّ الهمّ هنا بمعنى الحزن كما في القاموس فإن قلنا الحزن همّ في القلب يظهر أثره على صاحبه يكون أخص منه، وأشد نوعية فتأكيده للإشارة إلى ذلك. قوله:(تسلية ثانية الخ) وأولاهما فلا يحزنك الخ، وما قيل إنّ فيه إشارة إلى أنّ قوله أولم ير الخ معطوف على أولم يروا قبله والجمع ابتناء كل منهما على التعكيس فإنه خلق له ما خلق ليشكر فكفر وجحد النعم والمنعم، وخلقه من نطفة قدرة ليكون منقاداً متذللا فطغى وتكبر وخاصم كما قاله الطيبي وافادة السياق للتهوين ظاهرة فإنك إذا قلت لأحد لا تحزن لقول فلان كذا فإنه يقول كذا أفاد أن مقالتة الثانية أعظم من الأولى، والكلام في كونه أهون لأنه على الوجه الثاني، وهو قوله أوفيك الخ مسلم، وأمّا على الأوّل فلا وكونه ادّعاء لا يفيد هنا فلعله لأنه نسبة للعجز إليه تعالى وتحميق للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو أشدّ كما أشأر إليه بقوله وفيه تقبيح الخ (بقي) أنه محل بحث لأنّ عطفه على ذلك لا يؤدّي ما ذكر فتأمّل. قوله:
(وفيه تقبيح بليغ لإنكاره) أي الحشر حيث عد منكره مخاصماً لربه، وقوله حيث عجب منه التعجب مأخوذ من الاستفهام فإنه يكون له كما في قوله:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ} بالآية} [سورة البقرة، الآية: 28] وتعقيب إنكاره بالفاء دماذا الفجائية على ما يقتضي خلافه مقوّ للتعجب فلا وجه لجعله إشارة إلى أنّ الفاء للاستبعاد كثم والتعجب لازم له فإنّ الفاء تدلّ على التعقيب فلا تصلح للاستبعاد، وإنما جاء من ثم لكونها موضوعة للتراخي فتدبر. قوله: إ وجعله إفراطاً في الخصومة) هو من صيغة خصيم الدالة على المبالغة وبينا هو معنى مبين على أنه من أبان بمعنى
بان، وقوله ومنافاة الخ هو إمّا مرفوع معطوف على تقبيح كما ذهب إليه بعضهم فالمعنى في بيان ما ذكر منافاة كلام الكافر لأجل جحوده القدرة على أهون الأمرين فإنّ تسليم القدرة الإلهية مناف للخصومة المذكورة، وامّا منصوب بالعطف على إفراطا كما قيل فما بعده تعليل له أو للتعجيب والجعل، والأول أحسن لأنه تعالى لم يذكر تلك المنافاة لا صريحاً ولا ضمنا حتى يقال جعله منافاة وانّ كان ما فيه بمنزلة الجعل، وقوله مما علمه أي الإنسان إشارة إلى أنّ رأي علمية وفي نسخة عمله
بتقديم الميم والأولى أولى، وقوله ومقابلة النعمة يجوز رفعه ونصبه كما في قوله منافاة، وقوله شريفا مكرماً حال من مفعول خلق أو مفعول ثان إن كان بمعنى صير، وبالعقوق متعلق بمقابلة والحديث المذكور رواه البيهقي وبال بمعنى فإن ويفتته بمعنى يكسره. قوله:(نعم ويبعثك ويدخلك النار)، جعل جوابهءسؤ كقوله تعالى:{قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ} [سورة الصافات، الآية: 18] في جواب أئذا متنا وكنا تراباً الآية وهو من الأسلوب الحكيم لأنه تضمن الزيادة كانه قيل له لا كلام في ذلك بل انظر في هذا، وهو على أسلوب قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين كذا قرّره شزاج الكشاف قاطبة وتبعهم أرباب الحواشي هنا، وقصدوا به الرد على قول بعض شرّاح الكشاف كما نقله الطيبي إنه ليس من الأسلوب الحكيم في شيء فإنه أجابه عما سأل مع زيادة والسؤال إمّا جدليّ فلا ينبغي أن يزاد عليه ولا يتقص أو للتعلم فالمسؤول منه كالطبيب يتحرّى ما هو المناسب كما إذا سأل مريض عن أكل الجبن فقال له إشرب ماءه أو من به مرّة صفراء عن شرب العسل فقال له مع النمل وما نحن فيه من قبيل الأخير، وفيه إنه لا يوافق ما قرّر في المعاني فإنهم قالوا إنه العدول عن موجب الخطاب وتلقي السائل بغير ما يترقب سواء كان بالصرف إلى معنى آخر كما في جواب القبعثري، أو بدونه كما في جواب السؤال عن حال الهلال، وهو قريب مما سموه القول بالموجب وعلى كل حال فالزيادة ليست في شيء منه فإن كان اصطلاحا جديداً، فقد ظلم القائل ظلماً شديدا. قوله:(وقيل الخ) الفرق بينه وبين ما مرّ أن خصيم بمعنى مميز قادر على الخصام وإن لم يخاصم ومبين فيه متعد والتعقيب، والمفاجأة ناظر إلى خلقه لا إلى علمه ولا تسلية فيه ولذا مرضه، وان كانت التسلية بما بعده من قوله وضرب الخ، وهذا توطئة له ولذا لم
يتعين الأوّل كما قيل. قوله: (أمرا عجيباً الخ) ذكر فيه الزمخشريّ وجهين أحدهما هذا وهو إنّ المراد بالمثل الأمر العجيب وهو إنكار قدرته تعالى على إحياء الموتى فضرب المثل عليه هو قوله من يحيي العظام الخ، وهو مجاز لمشابهته له في الدلالة على أمر بديع، والثاني قوله وتشبيهه الخ أي جعله ضرب مثل لتضمنه التشبيه لأنه إذا وصفه بالعجز فقد جعله مثلا مشابها للخلق في العجز، والمثل لكونه ما شبه مضربه بمورده يتضمن التشبيه فجعل هذا مثلا للمشابهة له إمّا في الدلالة على أمر غريب أو في تضمته تشبيه شيء بشيء، ولما كان تشبيهه بخلقه هو الأمر العجيب جعلهما المصنف وجهاً واحداً فمن ظته اقتصر على أحد الوجهين لأنه المناسب للمقام فقد أخطأ. قوله:(خلقنا إياه) فالمصدر مضاف للمفعول، ونسيانه إمّا حقيقة بأن لم يتذكره أو ترك تذكره لكفره وعناده أو هو كالناسي لعدم جريه على مقتضى التذكر، وقوله منكراً معنى الاستفهام المراد منه، وقوله ولعله فعيل الخ خالف الزمخشريّ في جعله اسماً جامداً كالرمّة والرفات فلذا لم يؤنث وهو جار على الجمع لأنّ له فعلا وهو رمّ بمعنى بلي كما ذكره أهل اللغة، وهو وزن من أوزان الصفة فكونه جامداً غير ظاهر لكنه غلب استعماله غير جار على موصوف فالحق بالأسماء فلم يؤنث كما ذكره المصنف لأنّ فعيلاً بمعنى فاعل لا يستوي فيه المذكر والمؤنث إلا أن يكون بالحمل عليه بمعنى مفعول كما قاله ابن مالك هذا إن كان رمّ لازماً فإن كان متعذيا فهو بمعنى مفعول وتذكيره ظاهر، ورمّه بمعنى أبلاه وأصل معناه ا! ل، كما ذكره الأزهرقي من رمّت الإبل الحشيش فكأنّ ما بلي أكلته الأوض فمن قال الذي في القاموس رمّه بمعنى أصلحه وأحكمه وهو غير مناسب للمقام لم يصب، والحاصل أنهم اختلفوا في وجه تذكيره بأن كان بمعنى مفعول والا فنقول إنه حمل عليه وقال الأزهرفي إنّ عظاماً لكونه بوزن المفرد ككتاب، وقراب عومل معاملته وذكر له شواهد وهو غريب. قوله:(وفيه دليل على أنّ العظم ذو حياة الخ) هذه المسألة مما اختلف فيه الحكماء والفقهاء بناء على أنّ الحياة تستلزم الحس واعظام لا إحساس لها فلا يتألم بقطعها كما يشاهد في القرن، وتألم العظام إنما هو لما يجاورها، وقال ابن زهر في كتاب التيسير اضطرب كلام جالينوس في العظام هل لها إحساس أم لا والذي ظهر لي أنّ لها حساً بطيئا وليت شعري ما يمنعها من التعفن، والتفت في الحياة غير حلول الروح الحيوأني فيها اهـ، ووينبني على هذا اختلاف الفقهاء في نجاستها وعدمه لكن فيه طريقان لنا أحدهما إنه لا حياة فيها حتى لا تتألم بقطعها والموت زوال الحياة فإذا لم يحلها الموت لم تكن نجسة وهو ما في الهداية فلما ودت عليهما
هذه الآية بحسب الظاهر قيل المراد بالعظام هنا صاحبها بتقدير، أو تجوّز أو المراد بإحيائها ردّها لما كانت عليه غضة وطبة في بدن حيّ حساس، والثاني أنّ نجاسة الميتة ليست لعينها بل لما فيها من الرطوبة
والدم السائل والعظم ليس فيه ذلك فلذا لم يكن نجسا وهذا لا يرد عليه شيء إلا أنه غير مسلم عند الشافعيّ، وتمام تفصيله في الفروع، ومن هذا علمت جوابه فيما استدلّ به لكن قيل الدليل في الحقيقة قل يحييها فلو أخره كان أولى، وفيه نظر وفي قوله قل يحييها قياس جليّ.
تنبيه: ذكروا أن الشافعيّ قال العظم والشعر تحله الحياة وقال الحنفية لا حياة فيهما واستدل الشافعي بهذه الآية وأجابوا بأنّ معناها يحيى صاحبها أو المراد بإحيائها إعادتها لحالها الأولى وفيها دليل على المعاد، وكان الفارابي يقول وددت لو أنّ أرسطوا وقف على القياس الجليّ في الآية، وهو الله أنشأ العظام وأحياها أوّل مرّة وكل من أنشأ شيئا أوّلاً قادر على إنشائه وإحيائه ثانياً فينتج اًنّ الله قادر على إنشائها واحيائها بقواها، وهذا مما اختصت به هذه السورة وإن قلنا سبب النزول الوارد لا بد من دخوله فكيف يتأتى ما قاله الحنفية قلت لا مانع من دخوله بتأويل إحيائها بإعادتها لحالها الأولى فتدبر. قوله:(فإنّ قدرته الخ كما كانت) خبر أن وتذكير ضمير القدرة في قوله لامتناع التغير فيه لتأويله بالمذكور، وامتناعه لأنها صفة ذاتية قديمة، وقبول المادّة لتاثير القدرة فيها لازم لها لأنه لإمكانها وهو لا ينفك عنها أيضا، وقوله بعلمه ردّ على المعتزلة في قولهم إنه عالم بذاته لا بصفة زائدد عليها، وقوله أصولها وفصولها ضبطه بعضهم بالضاد المعجمة، وهو معنى زوائدها والظاهر أنه بالمهملة والمعنى هو ما ذكره أيضاً قال في المصباح يقال للنسب أصول وفصول فالفصول هي الفروع المتفرّعة عليها، وأمّا قولهم ما له أصل ولا فصل فهو بمعنى حسب ونسب كما في المجمل، ومواقعها محال وقوعها وطريق تمييزها إذا اختلطت بغيرها وقوله أو إحداث مثلها بناء على أنّ المعدوم لا يمكن إعادته بعينه، والإعراض والقوى هي ما به تشخصه وتنوّعه. قوله:(كالمرخ والعفار) المرخ بالراء المهملة والخاء المعجمة، والعفار بالعين والراء المهملتين يتخذ منها الزند الأعلى والزندة السفلى بمنزلة الذكر والأنثى على ما ذكره المصنف تبعاً للزمخشري المرخ ذكر والعفار أنثى واللفظ مساعد له وقد عكسه الجوهري لكنه يقبل ما تفرّد به إلا أنّ قوله:
إذ المرخ لم يور تحت العفاز
البيت يؤيده وفي المثل في كل شجر نار واستمجد المرخ، والعفار ضرب للفاضل يفضل
على غيره وعن ابن عباس في كل شجر نار إلا العناب ولذا يتخذ منه مدق القصارين وفيه أقول:
أيا شجر العناب نارك أو قدت بقلبي وما العناب من شجر النار
ومن إرسال المثل المرخ والعفار لا يلدان غير النار والكاف إشارة إلى عدم انحصاره
فيهما لكنهما أسرع وريا ولذا خصا بالتمثيل. قوله: (لا تشكون في أنها نار تخرج منه (يشير به إلى أنه محقق لما قبله مؤكد له ولولاه لم يكن لذكره فائدة فاندفع ما قيل ليس في ذكره كثير نفع مع عدم دلالة اللفظ عليه، ومضاذة الكيفية لأنّ الماء بارد رطب والنار حارة يابسة. قوله: (على المعنى (يعني أنه أنث رعاية لمعناه لأنه في معنى الأشجار والجمع يؤنث صفته، وهو اسم جنس جمعيّ في معناه فيجوز تأنيثه كنخل خاوية، وقيل لأنه في معنهى الشجرة كما أنث ضميره في قوله:{مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [سورة الواقعة، الآية: 53] الخ. قوله: (في الصغر والحقارة (لما كان المعنى قادر على إعادتهم كما هو قادر على خلقهم والمثلية ليست دالة على ذلك أوّلوه بوجهين الأوّل أنّ المراد بها هؤلاء الأجسام الصغيرة الحقيرة إمّا على أنّ المراد بمثلهم هم، وأمثالهم أو هم على طريق الكناية في نحو مثلك يفعل كذا وهذا هو الوجه، ولذا قدمه والثاني ما أشار إليه في قوله أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها وفي الكشاف، أو أن يعيدهم لأنّ المعاد مثل المبتدأ وليس به وأورد عليه أنه خلاف المذهب الحق ورد بأنه لا خلاف بين المسلمين في إعادة الأجساد وأق المعاد عين المبتدأ ولولاه لم يكن الثواب والعقاب لمستحقه سواء كان معدوما أعيد بعينه، أو متفزقا جمع بعينه على المذهبين وهؤلاء أجل من أن يخفى عليهم مثله فمراده أن إيجاد المعاد وخلقه ثانيا مثل الجاده، وخلقه أوّلاً وليس إيجاده في الآخرة عبن إيجاده في الدنيا، وهذا ما عناه المصنف أو هو متحد معه ويكفي في الاتحاد اتحاد الأصول
والصفات دون بعض العوارض الذي باعتباره كانت المماثلة المقتضية للمغايرة في الجملة، ولذا (ورد أهل الجنة جرد مرد () وضرس الكافر كاحد (وفيه نظر وأمّا عود ضمير مثلهم للسموات والأرض لشمولهما لمن فيهما من
العقلاء فلذا كان بضمير العقلاء تغليبا والمقصود به دفع قدم العالم المقتضى لعدم إمكان إعادته فمع تكلفه ومخالفته للظاهر يأباه أنّ الكلام مع المشركين، وهم لا يعرفون مثله حتى يوردوه ويحتاج إلى دفعه لقولهم بحدوثه:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة لقمان، الآية: 25] وما صح عدمه في وقت صح دائما وقوله وعن يعقوب أي في رواية عنه أنه قرأ بدل قوله بقادر يقدر فعلا مضارعا مرفوعاً بفتح الياء وسكون القاف كما ذكره في النشر.
قوله: (لتقرير ما بعد النفي) وهو خلقه وقدرته، وقوله مشعر بأنه لا جوأب سواه لأنّ الجواب هنا منحصر في الإثبات والنفي وبلى لنقض النفي المقرون بالاستفهام وابطاله فتعين الآخر، وقوله كثير المخلوقات الخ من صيغتي المبالغة واذا كان كذلك فلا شبهة في قدرته على الإعادة، وقوله شأنه إشارة إلى أنّ الأمر واحد الأمور، والمراد به شأنه الخاص في الإيجاد، وقد جوّز فيه إرادة الأمر القولي فيوافق قوله إنما قولنا لشيء فيراد به القول النافذ، وقوله تكوّن فهو من كان التامّة وهذا على ما ستسمعه وقوله فهو يكون إشارة إلى أنه مرفوع لا منصوب في جواب الأمر ولا بالعطف. قوله:(وهو تمثيل لتأثير قدرته الخ) يعني قوله كن فيكون استعارة تمثيلية والممثل الشيء المكوّن بسرعة من غير عمل واكة والممثل به أمر الآمر المطاع لمأمور مطيع على الفور، وهذا اللفظ مستعار لذلك منه فقوله في حصول متعلق بتمثيل وقطعا علة له، وقوله من غير امتناع أي من جانب المأمور، وافتقار أي من جانب الآمر وضمير هو للشبهة وهو في الحقيقة مادّتها وأصلها وذكره رعاية للخبر وقد جوّز فيه أن يكون حقيقة بأن يراد تعلق الكلام النفسيّ بالشيء الحادث على أنّ كيفية الخلق على هذا الوجه، واذا أريد بالأمر القول يكون هذا أظهر فيه وان احتمل التمثيل أيضاً. قوله:(عطفاً على يقول) وقد جوّز في سورة النحل كونه جوإبا للأمر، وقد فصلناه ثمة وذكرنا ما له وما عليه والفاء في قوله فسبحان جزائية أو سببية لأنّ ما قبله سبب لتنزيه الله سبحانه. قوله:(مالك الملك) فسر الملكوت بالملك لأنه صيغة مبالغة منه فهو الملك التامّ، وقد فسر في محل آخر بعالم الأمر والغيب فتخصيصه بالذكر لاختصاص التصرف فيه به من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة، والتصرّف معنى قوله بيده وما
ضربوا له الخ إشارة إلى قوله وضرب لنا مثلا، وقوله وتعجيب إما معنى آخر أو هما مرادان بناء على مذهبه في الجمع بين الحقيقة والمجاز والتعليل من التعليق به وجعله صلة، والقدرة من تصرّفه في كل شيء. قوله:(للمقرّين والمنكرين الف ونشر مرتب وقد قيل إنه وعيد بناء على أن الخطاب للمشركين كما مرّ توبيخاً لهم، ولذا عدل عن مقتضى الظاهر وقد ذكرها صاحب النشر، وقوله بهذه الآية أي قوله فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء الخ لأنها فذلكة شاملة لأمور المبدأ والمعاد، ولذا سن قراءتها عند المحتضر وعلى الموتى. قوله: (1 نّ لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس الخ) هذا الحديث رواه الترمذفي عن أنس رضي الله عنه، وفيه كتبت له قراءة القرآن عشر مزات، وعن الغزاليّ أنّ المدار على الإيمان وصحته بالاعتراف بالحشر والنشر وهو مقرّر فيها على أبلغ وجه وأحسنه فلذا شبهت بالقلب الذي به صحة البدن وقوامه، وقيل المراد بالقلب اللب المقصود لمن له لب فإنّ ما سواه مقدمات أو متممات والمقصود من إرسال الرسل! انزال الكتب إرشاد العباد إلى غايتهم الكمالية في المعاد وذلك بالتحقق والتخلق بما عبر عنه بالصراط المستقيم كما مرّ في الفاتحة وقد استحسن ما قاله حجة الإسلام الإمام الرازي: ولا يرد عليه سواء أريد بالصحة الثبوت أو ما يقابل البطلان والفساد أو ما يقابل المرض والسقم إنّ كل ما يجب الإيمان به لا يصح الإيمان بدونه فلا وجه لاختصاص الحشر، والنشر بذلك كما قيل لما أفاده ذلك القيل من تميزه على ما سواه الموجب لفضله والمقتضى لتخصيصه من غير تكلف أنه ما يقابل السقم ومن صح إيمانه بالشحر خاف العقاب فارتدع عن المعاصي التي بها يضعف الإيمان فيكون كالمريض، وكذا كون وجه الشبه أنّ به صلاح البدن وهو غير مشاهد في الحس وله تكشف