المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أنه قبل الوحي لم يتصف بالإيمان، وهو غير مراد لأنّ - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٧

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: أنه قبل الوحي لم يتصف بالإيمان، وهو غير مراد لأنّ

أنه قبل الوحي لم يتصف بالإيمان، وهو غير مراد لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل البعثة مؤمنون لعصمتهم عن الكفر بلا خلاف، وكون المقصود نفي المجموع يأباه إعادة لا فإذا قيل إن الإيمان يكون بمعنى التصديق المجرّد، ويكون اسماً لمجموع التصديق والإقرار والإعمال التي لا سبيل إلى درايتها من غير سمع فهو مركب، والمركب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه، والإيمان مستعمل في لسان الشرع بهذا المعنى كما في قوله:{وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 143] فلذا عبر بتدري دون أن يقال لم تكن مؤمناً، ومعرفة الأعمال المعتد بها إثما تكون بالسمع للشرائع فإذا نفى عنه ذلك لزم نفي كونه متعبدا بشريعة من شرائع غيره من الأنبياء السابقين، وسقط ما قيل إن الآية لا تدلّ على ذلك فإنه إذا لم يدر شرعا كيف يتعبد به، فما قيل عدم الدراية لا يلزمه عدم التعبد بل سقوط الإثم إن لم يكن تقصيرا لا وجه له، وقوله: قبل الوحي أي قبل كونه نبيا بقرينة ما يليه ولا يلزم مخالفة ما أجمعوا عليه من عصمة الأنبياء عن الكفر مطلقا كما توهم. قوله: (وقيل المراد هو الإيمان بما لا طريق إليه إلا السمع (هذا هو ما ارتضاه البغوي حيث فسر الإيمان بشرائع الإيمان، ومعالمه لثلا يلزمه ما مرّ من عدم إيمان النبيّ قبل البعثة، وقد عرفت إنه مندفع بغير هذا الطريق كما مرّ ولا يلزمه نفي الإيمان عمن لا يعمل الطاعات والأعمال كما مرّ، ومن ظن إنه لا بد في دفع ما مرّ من الذهاب إلى هذا القيل قال إن هذا القول هو الحق ولم يتفطن إلى أنه يلزمه إطلاق الإيمان على الأعمال وحدها، وهو خلاف المعروف ومن خلاف الظاهر ما قيل: إن المراد ما كنت تدري في حال الطفولية، وكذا ما قيل إنّ ما الثانية استفهامية. قوله:) أي الروح (بمعنى الوحي ووقع في نسخة عطف الكتاب بالواو على أنه تفسير للروح وله وجه، ورجوعه للإيمان أقرب، وقوله: بالتوفيق الخ كان الظاهر تقديمه ليكون تفسيراً لقوله: نهدي به من نشاء من عبادنا، وقوله: بارتفاع الوسايط يعني يوم القيامة فصيغة المضارع على ظاهرها من الاستقبال، وقيل: إنها للاستمرار والأظهر الأوّل، والحديث المذكور موضوع تمت السورة بحمد الله والاصلاة على نبيه وآله وصحبه.

سورة‌

‌ الزخرف

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله:) مكية (بالإجماع إلا الآية المكذورة فقيل: نزلت بالمدينة، وقيل: نزلت بالسماء

في المعراج وسيأتي الكلام عليه في تفسيرها وآياتها تسع وثمانون، وقيل: ثمان وثمانون والاختلاف في قوله: وهو مهين. قوله:) أقسم بالقرآن الخ) إشارة إلى أتي المراد بالكتاب هنا القرآن إمّا جميعه، أو جنسه الصادق بكله وبعضه فيدخل فيه هذه السورة سواء كانت الواو للقسم أو عاطفة على حم، وهو اسم السورة أو القرآن على الوجوه السالفة فيه لكنه يلزمه حذف حرف الجر وابقاء عمله، و! م يحتج إلى أن المراد به جنس الكتب المنزلة ولا المكتوب في اللوح كما قيل، ولا أنّ المراد به المعنى المصدري، وهو الكتابة والخط وأنه تعالى أقسم بها لما فيها من المنافع لأن بها صيد أو أبد المعاني واقتناص شوارد العلوم كما ذهب إليه الإمام، ومن اقتدى به لأنّ ما ذكر أنسب بالمقام، وأقرب للإفهام. قوله:(لتناسب القسم والمقسم عليه) فإنها من واد واحد وقد عذوا مثله من المحسنات البديعية لما فيه من التنبيه على أنه لا شيء أعلى منه حتى يقسم به عليه وأنه ئابت بنفسه من غير احتياج إلى شيء آخريثبت، وان كان القسم بنفس الكتاب، والمقسم عليه صفته من كونه قرآنا عربيا عبر بالتناسب دون الاتحاد، وهو رد عليهم في قولهم إنه مفتري ومختلق. قوله:) كقول أبي تمام (في قصيدة له أوّلها:

وثناياك إنها اغريض ولآل توم وبرق وبيض

وأقاج منوّر في بطاح هزه في الصباج روض أريض

إلى آخرها. وخطاب ثناياك إنها بكسر الكاف للمحبوبة، وهي مقدم الثنايا والإغريفر والغريض الطلع، ويقال لكل

ص: 430

أبيض طري ويطلق على البرد ويصح إرادة كل منها هنا، وتوم جمع تومة وهي حبة تعمل من الفضة على هيئة الدرة قال التبريزي في شرحه: وهذا أجود من القول بأنها جمع توأم على تخفيف الهمزة لأنه قليل وهو بدل من لآل أو نعت له، وقال منؤر نظراً إلى الجنس فيشبه الثنايا بكل مما ذكر كقوله:

كأنماتبسم عن لؤلؤ منضد أو برد أو أقاح

والأريض من أرضت الأرض إذا زكت فهي أريضة، وما ذكره المصنف تبعاً للزمخشري

في أنّ جواب القسم قوله: إنها إغريض، وقد قيل إن الجواب قوله بعده في القصيدة: لتكأدنني غمار من الأ! رراث لم أدر أيهن أخوض

فيكون ما ذكر استثنافاً لبيان استحقاق الثنايا لأن يقسم بها فلا يكون مما نحن فيه قال التبريزي في شرح ديوان أبي تمام تكاءد بمعنى استعصى وشق، وثقل وتكاءدنني كقول الفرزدق:

ويعصرن السليط أقاربه

والغمار جمع غمرة كخمار وخمرة وما هنا بناء على أنّ ما ذكر جواب لقسم آخر قبله

وهو قوله:

وارتكاض الكرى بعينيك في النوم فنونا وما لعيني غموض

وهو الذي ارتضاه شرّاحه ودلّ عليه سياق كلامه فلا وجه للاعتراض عليه بما ذكر. قوله:

(ولعل إقسام الله بالأشياء الخ) يعني أنّ القسم في كلام العرب لتأكيد المقسم عليه، وإثباته فحيث وقع في كلام رب العزة ببعض مخلوقاته يكون لما في المقسم به مما يدلّ على المقسم عليه فيقع في كل مكان بما يناسبه، وقوله على المقسم عليه تنازعه الاستشهاد والدلالة، وما قيل إنّ الكلية غير صحيحة لا وجه له لمن تأمّل مواقعه. قوله:) والقرآن من حيث إنه معجز الخ) بيان لاندراج ما نحن فيه فيما ذكره من أن القسم من الله استشهاد بما في المقسم عليه من الدلالة على المقسم عليه إذ المقسم به القرآن، وهو بما فيه من الإعجاز يدل على أنه تعالى صيره ذكراً حكيما لاشتماله على منافع العباد وصلاج الدارين، وقوله: مبين طرق الهدى إشارة إلى انّ مبين يجوز أن يكون من إبان المتعدي، وقوله: بين إلى أنه من اللازم والقرآن مبتدأ وما يدلّ الخ خبره وفي نسخة بدون ما وهي أصح وأظهر، وقوله: من حيث الخ علة لقوله يدل، وبيان لوجه دلالته وكذلك بمعنى مبين أو بين. قوله: (لكي تفهموا معانيه (إشارة إلى أن لعل مستعارة من الترجي للتعليل كما مرّ تحقيقه في سورة البقرة وما في تفسيره بالإرادة، ومعانيه إشارة إلى مفعوله المقدر، وقوله: فإنه أصل الكتب إشارة إلى أن أم بمعنى أصل والكتاب بمعنى الكتب وتعريفه للعهد وأصالته لأنها منقولة منه، وقد مز فيه وجه آخر في سورة الرعد

وكسر الهمزة لاتباع الميم أو الكاف فلا تكسر في عدم الوصل، وقوله: محفوظا الخ هو أحد معاني لدى وعند إذا أضيف إلى الله، وقوله: في الكتب أي هو مرفوع عليها، وقوله: ذو حكمة فهو فعيل من الثلاثي، وهو حكم إذا صار ذا حكمة، وإذا كان بمعنى المحكم فهو من المزيد وفيه كلام مرّ بسطه، أو الإسناد مجازي أي حكيم صاحبه أو حاكم على الكتب كما تقدّم أيضاً، وقوله: لا ينسخه غيره بيان للمحكم هنا بحيث يكون صفة للقرآن كله. قوله: (واللام لا تمنعه الأنها حرف ابتداء له الصدر فمن حقه أن لا يعمل ما بعده فيما قبله لكنها كما قال ابن هشام وغيره: لما كانت في الأصل داخلة على أن والأصل لأن زيداً قائم فكرهوا توالي حرفين بمعنى فأخروها ولذا سموها اللام المزحلقة، والمزحلفة فلما تغيرت عن أصلها وعمل ما قبلها فيما بعدها بطلت صدارتها فيجوز تقديم ما في حيزها عليها، وقوله: ولدينا بدل منه أي من قوله في أما لكتاب لا من عليّ كما توهم وقوله: أو حال منه لأنه صفة نكرة تقدمتها فتصير حالاً منه، أو المراد إنها حال من ضميره المستتر فيه وإذا جعل حالاً من الكتاب المضاف إليه فوجه جوازه إن المضاف في حكم الجزء لصحة سقوطه، ويجوز أن تكون حالاً من أمّ الكتاب ويجوز كونها خبر مبتدأ مقدر والجملة لبيان الحكم عليه بأنه عليئ حكيم فهي مستأنفة لا محل لها من الإعراب، ولا يجوز كون الظرف خبراً لدخول اللام على غيره فأعرفه. قوله: (أفنذوده) أي نطرده، ونبعده وهذا تفسير لمنطوق اللفظ باعتبار معناه الحقيقي، وقوله: مجاز من قولهم الخ إشارة إلى أنه استعارة تمثيلية فشبه حال من لم يذكره القرآن، والوحي وأعرض عنه بحال إبل غريبة وردت الماء مع إبل

ص: 431

أصحابه فضربت، وطردت عنه كما في المثل لأضربنه ضرب غرائ! ب الإبل، وقال الحجاج: يهدد أهل العراق في خطبة له والله لأضربنكم ضرب غرائب الإبل، وإليه أشار المصنف، ويجوز أن يكون استعارة تبعية. قوله:) قال طرفة (اسم شاعر معروف وهو بفتح الطاء والراء وبالفاء كما قاله أكثر أهل اللغة وحكموا بأن تسكين رائه خطأمشهور، وقد نقل جوازه عن بعض أهل الأدب أيضاً وليس هذا محله والشاهد فيه استعارة الضرب للمنع كما في النظم الكريم، وأضرب بفتح الباء وأصله اضربن بنون التوكيد الخفيفة فحذفت، والطارق ما يأتي ليلَا وهو بدل اشتمال من الهموم والقونس منبت شعر الناصية، وهو عظم ناتئ بين أذني الفرس والبيت محتمل للمشاكلة أيضا وكون الفاء عاطفة على مقدر أحد المذهبين المشهورين فيه وقال ابن الحاجب: الفاء لبيان أن ما قبلها سبب لما بعدها. قوله: (وصفحاً مصدر (لنضرب من غير لفظه فهو مفعول مطلق على نهج قعدت جلوسا لأنه

يقال ضرب وأضرب عن كذا بمعنى أعرض، والصفح بمعنى لين الجانب العفو في معنى الإعراض، أو هو منصوب على أنه مفعول له أو حال مؤول بصافحين عنه بمعنى معرضين وصفحة العنق نجانبه، وقوله: ويؤيده أي يؤيد نصبه على الظرف والحالية قراءته في الشواذ بضم الصاد وسكون الفاء فإنه جمع صفوج كصبور، وصبر ثم خفف فإن جمعه يدل على أنه ليس بمصدر فيكون حالاً أو ظرفا لأنه بمعنى الجانب ويحتمل أنه تأييد لنصبه على الظرفية فقط، وفي قوله: يحتمل إشارة إلى احتمال كونه مفرداً بمعنى المفتوج كشد وشد كما قاله أبو البقاء رحمه الله وقوله: تخفيف صفح كرسل بضمتين فخفف بالتسكين. قوله:) والمراد (أي بقوله: أفنضرب الخ، وقوله: على خلاف ما ذكر أي في قوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [سورة الزخرف، الآية: 3] قبله وقوله: من إنزال كتاب الخ بيان لما ذكر فالذكر إما بمعنى المذكور والقرآن فيقدر فيه مضاف، أو هو على معناه المصدري. قوله: الأن كنتم الخ (علة للضرب، وجملة وهو في الحقيقة الخ جملة حالية وضمير هو راجع لقوله: إن كنتم قوما مسرفين باعتبار لفظه يعني أنه بحسب الظاهر علة للضرب صفحا أي الإعراض، وهو في الحقيقة علة لتركه لأنهم لإسرافهم لم يعرض عنهم بل أنزل عليهم كلام معجز بلسانهم لينتهوا عنه، ويتركوه. قوله: (مخرجة) بزنة اسم الفاعل من الإخراج، والضمير فيه للجملة الشرطية المصدرة بأن أو لكلمة إن لأنها في حكم المذكور لأن ذلك يستعمل للمشكوك كما قرر في العربية من أنها تدخل على غير المتحقق أو على المتحقق المبهم زمانه، ولما كان إسرافه أمراً محققا وجهه تبعا للزمخشريّ بأنه مبني على جعل المخاطب كأنه متردد في ثبوت الشرط شاك فيه قصداً إلى نسبته إلى الجهل بارتكابه الإسراف لتصويره بصورة ما يفرض لوجوب انتفائه، وعدم صدوره ممن يعقل كما أشار إليه بقوله: استجهالاً أي نسبة إلى الجهل ومثله ما مرّ تقريره في قوله: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ} [سورة البقرة، الآية: 23] وأمّا كون الشرط الإسراف في المستقبل، وهو ليسر بمحقق فلا يحتاج إلى تأويله بما ذكر فقد رد بأن إن الداخلة على كان لا تقلبه للاستقبال عند أكثر النحاة، ولذا قيل إن هنا بمعنى إذ وأيد بأنه قرئ به وأنه يدل على التعليل فيوافق قراءة الفتح معنى، ولو سلم فالظاهر من حال المسرف المصر على إسرافه بقاؤه على ما هو عليه فيكون محققا في المستقبل أيضاً على القول بأنه يقلب كان كغيرها من الأفعال. قوله:) وما

فبلها دليل الجزاء) المقدّر وأمّا كون الجملة في تأويل الحال من غير تقدير جزاء أي مفروضا إسرافكم على أنه من الكلام المنصف، كما قيل: فإنما يتأتى على القول بأن إن الوصلية ترد في كلامهم بدون الواو والذي تقرر في العربية خلافه. قوله تعالى:) {وَكَمْ أَرْسَلْنَا} (الآية كم مفعول، وفي الأوّلين متعلق بأرسلنا أو صفة نبي، وما يأتيهم للاستمرار والبطش شذة الأخذ، ونصبه على التمييز وهو أحسن من كونه حالاً من فاعل أهلكنا بتأويل باطشين، وقوله: تسلية لأنه كما يقال البلية إذا عمت طابت، ولما فيه من الوعد له، والوعيد لهم كما سيأتي. قوله: (من القوم المسرفين الفهمهم من السياق إذ هم المخاطبون فيما مضى، ولذا قال: لأنه صرف الخطاب عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عبارة الصرف إشارة إلى أنّ فيه التفاتا، وقال الفاضل اليمني: أراد أنه خاطبهم بقوله: أفنضرب عنكم الذكر الخ، ثم التفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ولئن سألتهم الخ وما بينهما اعتراض، وليس صرف الخطاب والالتفات في قوله:

ص: 432

فأهلكنا أشد منهم كما ظن الطيبي إذ لا خطاب فيه للرسول صلى الله عليه وسلم فلا التفات انتهى، وأشار الشارح المحقق بقوله، وقيل: هذا ليس من الالتفات في شيء إلى ما فيه من الخلل لأنه بعدما خاطب المشركين صرف الكلام عنهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأتى بهم في جملة من شمله الضمير الغائب ففي قوله: " يأتيهم التفات "، وأما ضمير منهم فلجريه على مقتضى الظاهر لسبق التعبير بالغيبة فيه فلا التفات فيه من وجه، وأمّا قوله: ولئن سألتهم فمن تلوين الخطاب والأدباء يسمونه التفاتا أيضا كما فصل في شرح التلخيص فلا وجه للاعتراض على الطيبي رحمه الله لأن مراده ما ذكرناه، ثم إنّ ما ذكر صريح في أنّ ضمير منهم للمسرفين لا للأوّلين كما قيل ليس المقصود بيان حالهم بأنهم كالأوّلين في حالهم ولو رجع للأوّلين لم يكن بيانا لحالهم فتأمّل. قوله: (قصتهم العجيبة (تفسير للمثل كما مر ووعد الرسول بما تضمنه قصص الأنبياء المذكورة من نصرتهم ووعيدهم لإهلاك المستهزئين بهم كما جرى على الأوّلين. قوله: (لعله (الضمير لما ذكر في هذه الآية إلى آخرها من الأوصاف التي وقعت محكية بالقول، وهو دفع لما أرود عليه من أنهم لم يصفوه بهذه الأوصاف المتضمنة لقدرته الباهرة، وأن منه المبدأ والمعاد ونحوه مما ينكرونه وأيضا هذا لا يتأتى أن يكون مقولهم لقوله: فانشرنا ولا مقول الله لأنهم المسؤولون، ولقوله: ليقولن فدفعه باختيار كل من الشقين أمّا على الأوّل لا على الثاني، كما توهم فإنهم إنما قالوا خلقهن الله كما ورد في آيات أخر لكن الاسم الجليل وهو الله متضمن لهذه الأوصاف ومستلزم لها فكأنهم لما قالوا: الله ذكروا هذه الأوصاف كلها ضمناً فحكاه الله عنهم بما يلزمه ومعناه، وان لم يقصدوه، وأما على الثاني فأشار إليه بقوله: ويجوز أن يكون أي مقولهم بعضه، وهو

المذكور بقوله: خلقهن العزيز العليم، ثم إنه تعالى استأنف وصف ذاته بما بعده وسيق سياقاً واحداً وحذف موصوف الذي من كلامه تعالى فجاء أوّله على الغيبة، وآخره على التكلم في قوله: أنشرنا كما في قوله تعالى حكاية عن موسى: {لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} [سورة طه، الآية: 52] الذي جعل إلى أن قال: فأخرجنا الآية، وهذا ما اختاره في الانتصاف. قوله: الازم مقولهم أو ما دل عليه إجمالاً الأنهم قالوا: الله فإن نظر إليه بعد العلمية فمدلوله الذات، وما ذكر من لوازمه التي يدل عليها بطريق دلالة الالتزام المعروفة عند البلغاء دون أهل الميزان، وإن نظر إليه بقطع النظر عن ذلك فهو موضوع لذات لها الألوهية والاتصاف بجميع صفاتها التي تلاحظ داخلة في الموضوع له كالمشخصات في غيره تعالى فهي دالة على ذلك إجمالاً بطريق التضمن، أو الأوّل مبني على أن مقولهم خلقهن الله فقط، والثاني على أنه وقع فيه ما يدل عليه إجمالاً وإلى هذين الإعتبارين أشار بقوله لازم مقولهم الخ فما قيل: إنّ بينهما عموماً وخصوصا وجهيا لاجتماعهما في اللازم البين، وافتراقهما في لازم غير مدلول ومدلول غير لازم وهذا إذا أريد اللزوم الميزاني والا فلا فرق بينهما لا وجه له، وقوله: أقيم مقامه ناظر للوجهين. قوله: (تقريرا لإلزام الحجة عليهم (في نفي إله غيره وقدرته على البعث، وقوله: قالوا الله أي خلقهق الله وقوله: وهو الذي الخ جملة حالية، والضمير دلّه اسم الذات المجتمع لجميع صفات الكمال فكأنهم قالوا من صفتك كيت وكيت، وقد عرفت معنى قوله: ويجوز أن يكون وأن الضمير فيه راجع للتوصيف كضمير لعله فلا تفكيك فيه بناء على أنه راجع لقوله: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [سورة الزخرف، الآية: 9] وضمير لعله له مع ما بعده إلى آخر الآية مع أنه مع القرينة لا ضير فيه ولا فرق بين ما ذكره المصنف والزمخشري كما توهم ومحصل ما ذكر يرجع إلى الحكاية بالمعنى كما في الشروج. قوله: (فتستقرون فيها) إفا بيان للمعنى المراد منه لأنه ورد في محل آخر قراراً، ويحتمل أنه يريد أنه مجاز مرسل أو تشبيه بليغ وقوله، وقرأ الخ لم يجعل قراءة الأكثر أصلاً لأنه غير مطرد ولا لازم، ولو عذت المواضع الذي خالف ما زعم المعترض إنه دأبه لزادت على غيرها فكيف يزعم أنه دأبه، وقوله: لكي الخ فهو ناظر إلى الفعل الثاني، وعلى ما بعده ناظر له ولما قبله. قوله:(بمقدار ينفع ولا يضر) بأق لا ينقص ولا يزيد وهذا

بحسب الأكثر الأغلب والا فقد يضر ولا ينفع، وقوله: زال عنه النماء هو أحسن مما في بعض النسخ مال عنه النماء، وفي أخرى مال عنه الماء والمراد ظاهر وفي بلدة ميتا استعارة مكنية أو تصريحية وقوله: بمعنى البلد الخ وقد مر له توجيه آخر، وقيل: في نكتة العدول إنه إشارة إلى أنّ ضعفه بلغ الغاية وقوله:

ص: 433

ذلك الإنشار فهو صفة مصدر من لفظ الفعل المذكور، وفي نسخة الانتشار على أنه من غير لفظه ولا وجه له وفيما ذكر دليل على إمكان البعث، وقد مر تقريره. قوله:(أصناف المخلوقات) بيان لأنّ الزوج هنا بمعنى المصنف لا بمعناه المشهور، وما قيل من أنّ ما سواه تعالى زوج لأنه لا يخلو من المقابل كفوق وتحت ويمين وشمال، والفرد المنزه عن الفقابل هو الله سبحانه وتعالى دعوى اطراده في الموجودات بأسرها لا تخلو عن النظر. قوله:(ما تركبونه على تنليب المتعدّى بنفسه الخ) يعني أنّ ما الموصولة عائدها مقدر، ولما كان الركوب في الفلك يتعدى بواسطة الحرف، وهو في قوله تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [سورة العنكبوت، الآية: 65] وفي غيره يتعدى بنفسه كما قال لترجمبوها، وقد اجتمعا هنا فغلب المتعدي بنفسه على المتعدي بالحرف، ولذلك: قدره فيهما ما تركبونه والتغليب من المجاز، وليس التجوّز هنا في الفعل ولا في ما وضميرها في النسبة إلى المتعلق لئلا يلزم كثرة الحذف لو قدّر أو يحتمل ان ينزل تركبون منزلة اللازم أي تفعولن الركوب فيشملهما من غير تغليب والركوب قسمان ركوب في الشيء كالسفينة، والهودج وركوب عليه كالفرس، والحمار فما قيل إنه ليس فيه فعلان متغايران بالذات وهم فتأمّل. قوله:(أو المخلوق للركوب الخ) أي غلب المخلوق للركوب كالدابة على المصنوع له كالسفينة، والمحمل فالتغليب على هذا في ما وضميره الذي تعدّى إليه بنفسه دون النسبة إلى المفعول وقد كان وجهه في الأوّل أنه نظر إلى التعلق فغلب ما هو بغير واسطة على غيره وهنا التغليب في أحد المركوبين لقوّته لكونه مصنوع الخالق القدير، أو لكثرته فالفرق بين الوجوه ظاهر لاختلاف المغلب ووجهه فيها. قوله:(ولذلك) أي لأجل التغليب في الوجوه كلها إذ غلب ما ركب من الحيوان على السفن عبر عن القرار على الجميع بالاستواء على الظهور المخصوص بالدواب، وهو في غاية الظهور وكلمة على أيضاً مؤيدة لما ذكر، وان وردت فيهما في قوله:{وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 22] وان لم يقل إنه مشاكلة، وقيل: الإشارة بذلك إلى الوجه الثالث أو الأخيرين مع تقديره كما قررناه ولا يخفى ما فيه، وقوله: وجمعه أي ظهور مع إضافته لضمير مفرد باعتبار لفظ ما المتعدد معنى فلذا جمع رعاية لمعناه، ولفظه معا. قوله:(تذكروها يقلوبكم) فالذكر هنا بمعنى التذكر وهو ذكر قلبي من أنواع الشكر، وعطف القول عليه ظاهر

فيما ذكر ولما كانت معرفة المنعم وأنعامه تستتبع الاعتراف بذلك، والحمد عليه قال معترفين الخ فالأوّل بيان لمدلوله وهذا بيان لما يلزمه من روادفه، والمذكور في النظم ما هو الأصل المعتبر أو المراد بالذكر ما يعم القلبي واللساني بناء على مذهب المصنف في تجويز استعمال اللفظ في معنييه، ولما ذكر الركوب وصوّره بقوله: لتستووا الخ الدال على انقياد الركوب، وتذلله أشار إلى أنه نعمة من الله وفضل لولاه ما تمكن منه أحد، ولذا قرن بسبحان الدال على التعجب وليس هذا وجهاً آخر كما قيل. قوله: (سبحان الذي سخر لنا هذا (أي ذلطه وجعله منقاداً وليس الإشارة للتحقير بل لتصوير الحال، وقوله: مطيقين يعني أصل معناه جعله قرنا وقرينا له ولما كان قرين الشيء مقاومه فهو مطيق له أريد به لازمه، ثم جعل ذلك معناه حقيقة لما استعمل بهذا المعنى كما قال:

وأقرنت لما حملتن! وقلما يطاق احتمال الصد يا دعد والهجر

فقوله: إذ الاصعب الخ القرين بمعنى الكفء، والمعادل وهو بيان للمناسبة بين معناه الأصلي وما أريد منه وكونه تعليلا لقوله:{وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} في غاية البعد وان ظن قريباً، وقوله: قرئ بالتشديد أي تشديد الراء مع فتحها وكسرها فإنه قرئ بهما وهما بمعنى المخفف. قوله: (وعنه عليه الصلاة والسلام الخ) قال ابن حجر هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي غيرهم واً سنده الثعلبي بلفظه المذكور هنا ولم يثبته غيره، ثم إنه وقع في الكشاف اًن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب السفينة قال:" بسم الله مجراها ومرساها " واعترض عليه ابن حجر بأنه يعرف هذا رواية ولا دراية لأنه لم يعهد أنه صلى الله عليه وسلم ركب السفينة في زمان نبوّته، وذكر مثله الشارح المحقق في شرحه، وأمّا ما وقع في النسخ المشهورة وهو ما صورته، وقالوا: إذا ركب في السفينة قال: " بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لففور رحيم فلا يرد

ص: 434

عليه شيء " لأنه استطراد لبيان حال الراكب للسفينة، وما يتأدب به ومن الناس من نسبه إلى الوهم. قوله:(واتصاله الخ) بمعنى أنه ينبغي للعاقل أن يتذكر بأحواله كلها الآخرة فلذا ذكر قوله: إنا إلى ربنا

الخ، وقوله: أو لأنه مخطر الخ وجه آخر بأنه على خطر فربما أوقع في الهلكة فينبغي له أن لا يغفل في حال المخاطرة عن تذكر الآخرة، ومخطر إمّا بفتح الطاء أو محل خطر أو بكسرها أي موقع في الخطر من أخطره إذا أوقعه في الخطر، وهو الخوف لما فيه من احتمال السقوط المؤذى إلى الهلاك، وقوله: فينبغي ناظر إلى الوجهين، وبه يظهر اتصال قوله: وإنا إلى ربنا لمنقلبون ومناسبته لما قبله.

قوله:) متصل الخ) أو هو مستأنف، وقوله: وقد جعلوا الخ إشارة إلى وجه اتصاله به

على أنّ الجملة حالية من فاعل يقولن بتقدير قد، وقوله: لأنه بضعة بكسر الباء وفتحها أي قطعة منه توجيه لاستعمال الولد كما قيل أولادنا أكبادنا، وقوله: لأنه تنازعه الفعلان، ودلالة تعليل لقوله: سماه أي الولد بعد بيان أن جعل بمعنى سمي بأنه إشارة إلى استحالته لأنّ الجزء يقتضي التركيب وقبول الانقسام، وهو سبحانه وتعالى منزه عن الجسمية وما يتبعها من التركيب لأنه واحد أحد لا يضاف إليه انقسام حقيقة ولا فرضا ولا خارجاً ولا ذهنا، وقوله بعد ذلك: الاعتراف بأنه الخالق المتصف بما مرّ من الصفات المقتضية لبطلان ما قالوه من نسبة الولد، وإنما قيده بما ذكر لأنه هو القبيح لتناقض أقوالهم وعودهم إلى كفرهم القديم إذ لو أريد أنّ ذلك الجعل كان قبل الإقرار كان الإقرار رجوعاً عنه مبطلاً له فلم يكن بذلك المقام من الذم، ولو أريد مقارنته له كما وقع في الكشاف إذ قال مع ذلك الاعتراف لم يناسب التعبير بالماضي، والقول: بأن بعد معنى مع خلاف ما يقتضيه الظاهر والسياق، وكذا القول أنه إلا وفق بالحال فإن قلت فكيف يفيد اللفظ ما ذكر فقد عرفنا أنه أوفق بالمقام قلت: بناء على أنه ليس المقصود ظاهره من المضيّ بل الاستمرار لأنّ الأصل فيما ثبت بقاؤه على ما كان، وهؤلاء مطبوعون على الضلال ثابتون عليه في كل حال، والماضي قد يرد لنحوه نحو كان الله عليما وأمثاله، ثم إنّ هذه الحالة يجوز أن تكون معترضة كما في الكشف فما ذكره المصنف بيان لحاصل المعنى لا للحالية فلا يرد عليه ما ذكر، ولا ينافيه اتصالها لأن المراد به الاتصال المعنوي فتدبر. قوله: (في ذاته (متعلق باستحالته أو هو قيد وبيان للواحد الحق والمآل واحد واستحالته على الواحد لمنافاته التركيب كما مز وعلى الحق بمعنى المتحقق الثابت لأن الوجود الثاني ينافي التركيب لاحتياجه إلى ما تركب منه، وقوله: قرأ أبو بكر في بعض النسخ قرئ والأولى أولى لأن المعتاد التعبير بالمجهول في الشواذ دون السبعة، وقوله: ظاهر الكفر إن يعني به أن مبين من أبان اللازم وكفور صيغة مبالغة من كفران النعمة، ويجوز كونه من المتعدي وكفور اًي مظهر كفره، وقوله: ومن ذلك الخ بيان لما يربطه بما جعل تذييلا له، وفي الكشاف إن الجزء قيل إنه

بمعنى البنت والأنتى وانه يقال لمن تلد الإناث مجزئة وتركه المصنف لقوله: إنه من بدع التفاسير، وانه لم يثبته أهل اللغة، وقد يوجه بأنّ حوّاء خلقت من جزء آدم فاستعير لكل الإناث وهو توجيه لطيف. قوله:(معنى الهمزة في أم الخ) يعني أنّ أم هنا منقطعة مقدّرة ببل والهمزة المقدرة معها للاستفهام الإنكاري على طريق التعجيب والمراد إنكار مقولهم أو قولهم على معنى كيف قالوا هذا، والجملة الشرطية معترضة لتأكيد ما أنكر عليهم أو حالية كما ارتضاه التفتازاني في شرحه، ويجوز عطفه على ما قبله، وقوله: جزأ أخس فالإنكار من جهتين الأخسية وتعدد الأخس وكثرته، وهو أشنع وأقبح وقوله: غمهم به أي بما بشر به فذكر الضمير لتأويله بما ذكر وهو معنى قوله: ظل وجهه مسودّاً فإنه عبارة عن شدة الغمّ كما سيأتي. قوله: (بالجنس الذي جعله له مثلَا) إشارة إلى أنّ ضرب هنا بمعنى جعل المتعذي لمفعولين، وقد حذف مفعوله الأوّل وأنّ المثل هنا بمعنى الثبيه، وليس ضرب بمعنى بين والمثل بمعنى القصة العجيبة وجلع ما عبارة عن جنس الإناث لأنّ البشارة ليست بفرده وخصوصه. قوله:(صار وجهه أسود) يعني أن ظل هنا بمعنى صار مطلقا وأصل معناه دام ذلك في النهار كله، وقد مز تفسيره به في النحل، وقوله: في الغاية إشارة إلى ما في أفعل من الدلالة على المبالغة، والكآبة الغم والحزن وجملة وهو كظيم حال من ضمير ظل أو مسوذا وقد مرّ معنى الكظم ووجه دلالته على ما ذكر، ومعنى أصفاكم خصكم. قوله:(وفي ذلك) أي في جعلهم

ص: 435

له جزأ إلى هنا أنواع من الكفر وأدلة متعددة على فساد ما زعمو. إذ نسبوا له الولد، ولم يرضوا بذلك حتى جعلوه أخس النوعين وأعظم الشين مما لا يرضون نسبته لهم، وقوله: وتعريف البنين الخ إشارة إلى ما مرّ في سورة الشورى في وجه تقديم الإناث، وتنكيره وتعريف البنين وتأخيره والمراد إن التقديم لأنه الأن! سب بالمقصود إذ هو أشد في إنكار ما نسبوه له تعالى، ولما قدم منكراً جر تأخير البنين بالتعريف للإشارة إلى أنهم نصب أعينهم فالتعريف للتنويه بالذكور، وتحقير الإناث فيفيد زيادة في الإنكار، والتعجيب ولا يجري فيه ما ذكر ثمة بتمامه بعينه للفرق بين السياقين، وليس التعريف هنا للفاصلة لأنّ التنكير لا ينافيها، وقوله: قرئ مسوذ أي برفعه ومسواد للمبالغة من اسوأذ كاحمأر، وقوله: وبعت خبراً لأن ظل من النواسخ والمعنى صار المبشر مسود الوجه، وقيل: الضمير المستتر في ظل ضمير الشأن أو الفعل لازم والجملة حالية والوجه

ما تقدم. قوله: (أي أو جعلوا له الخ) يعني أنّ من معمولة لفعل مقدر فيقدر بقرينة وجعلوا له من عباده الخ أو جعلوا له من ينشأ في الحلية، ولذا أو اتخذ بقرينة أم اتخذ أي أو اتخذ من ينشأ الخ ولداً ففيه تقدير فعل ومفعول، والهمزة إما مقدّمة من تأخير أو داخلة على معطوف عليه مقدر أي احترؤوا على ما ذكر وجعلوا الخ على المذهبين المشهورين، وليس إشارة إلى عطفه على مفعول جعل، أو اتخذ كما توهم لأنّ الهمزة لصدارتها تمنع منه كما لا يخفى، وقوله: من يتربى من التربية بالباء الموحدة. قوله: (مقرّر لما يدعيه الخ (هو تفسير لمبين على أنه من أبان المتعدى أي المرأة لا تقدر على تقرير مدعاها حين المخاصمة بل ربما تأتي بما يدل على خلافه، وقوله: من نقصان العقل من فيه تعليلية لعدم إبانته وتقريره لما يريده، وقوله: وفي الخصام الخ بيان لما قيل: إن المضاف إليه لا يجوز عمله فيما قبل المضاف كما ذهب إليه بعض النحاة فجعل هذا معمولاً لمقدر أي لا مبين فأشار إلى أنه لا حاجة إلى التقدير لأن غير لكونها في معنى لا يجوز فيها ذلك فليس المنع جارياً فيها على ما ارتضاه أكثر النحاة، وقد مز الكلام فيه في سورة الفاتحة، وإليه أشار بقوله: كما عرفت، وقوله: ويجوز الخ معطوف على قوله أو جعلوا الخ لأنه في معنى يقدر هذا ويجوز، وقوله: أغلاه بالغين المعجمة أو المهملة إشارة إلى أنّ القرا آت من الثلاثي أو التفعيل أو الأفعال أو المفاعلة، والمعنى فيها متحد. قوله: (كفر آخر الخ الما فيه من تنقيص الملائكة، والكذب عليهم مع ما مز من نسبة الولد وجعل الأخس له تعالى وتنزيه أنفسهم عما نسبوه له، وقوله: على تمثيل زلفاهم أي قربهم من الله بحسب الشرف والرتبة لا بحسب المكان عند من يكون عند الملك العظيم فيقبل منه الشفاعة، ويخصه بالكرامة فهو استعارة وأنثا بضمتين ككتب جمع إناث، وهو جمع أنثى فهو جمع الجمع على هذه القراءة. قوله: (فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة الخ (إشارة إلى ما مز تفصيله في الصافات فتذكره، وقوله: وقرأ نافع الخ قراءة نافع بهمزة مفتوحة، ثم بأخرى

مضمومة مسهلة بين الهمزة والواو مع سكون الشين، وقرأ قالون بذلك وبوجه آخر، وهو المد بإدخال ألف للفصل بين الهمزتين والباقون بفتح الشين مع همزة واحدة فنافع أدخل همزة التوبيخ على أشهد الرباعي المجهول فسهل همزته الثانية، وأدخل ألفا كراهة اجتماع همزتين وتارة اكتفى بالتسهيل، وهو أوجه عند القراءة والباقون ادخلوا همزة الإنكار على الثلاثي والشهادة هنا بمعنى الحضور، ويجوز كونه من الإشهاد وما بعده يناسبه ولم ينقل أبو حيان رحمه الله التسهيل عن نافع بل جعله قراءة علي كرم الله وجهه وتفصيله في كتب القرا آت. قوله:(وهو وعيدا لأنّ كتابتها والسؤال عنها يقتضي العقاب، والمجازاة عليها وهو المراد والسين للتأكيد، وقد مرّ فيه كلام في سورة مريم قيل: ويجوز أن تحمل على ظاهرها من الاستقبال، ويكون ذلك إشارة إلى تأخير كتابة السيئات لرجاء التوبة والرجوع كما ورد في الحديث: " إن كاتب الحسنات آمين على كاتب السيئات فإذا أراد أن يكتبها قال له: فيتوقف سبع ساعات فإن استغفر أو تاب لم يكتب " فلما كان ذلك من شأن الكتابة قرنت بالسين وكونهم كفارا مصرين على الكفر لا يأباه كما قيل، وقوله بالياء أي التحتية معلوما ومجهولاً، وقوله: ويساءلون معطوف على معمول قرئ أي قرئ يساءلون من المفاعلة بصيغة المجهول أيضا. قوله:) فاستدلوا

ص: 436

بنفي مشيئة عدم العبادة الكونه في حيز لو الامتناعية، وهذا رد على المعتزلة وعلى الزمخشري في تفسيره للآية وجعلها دليلاً لهم فإنهم تشبثوا بظاهر الآية في أنه تعالى لم يشأ الكفر من الكافرين، وإنما شاء الإيمان فإن الكفار لما أدعوا أنه تعالى شاء منهم الكفر حيث قالوا: لو شاء الرحمن الخ أي لو شاء منا أن نترك عبادة الأصنام تركناها ردا لله تعالى عليهم ذلك، وأبطل اعتقادهم بقوله:{مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} الخ فلزم حقية خلافه، وهو عين ما ذهبوا إليه بناء على أنه معطوف على قوله:{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ} [سورة الزخرف، الآية: 15] جزأ أو على جعلوا الملائكة الخ فيكون كفرا آخر ويلزمه كفر القائلين بأن المقدورات كلها بمشيثة الله تعالى، وهم أهل السنة فرده بما حاصله إنه استدلال منهم بنفي مشيئة الله تعالى عدم العبادة على امتناع النهي عنها أو على حسنها يعنون أن عبادتهم الملائكة بمشيئته تعالى فيكون مأموراً بها، أو حسنة ويمتنع كونها منهيا عنها أو قبيحة فقوله وذلك أي الاستدلال باطل لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض حسناً كان، أه

قبيحاً ولذلك جهلهم في استدلال هذا فليس قوله: ما لهم بذلك الخ بيانا لكفرهم في مقالتهم هذه كما زعمه الزمخشريّ، ومن ضاهاه فهو معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة، والأوّل بيان لكفرهم، وهذا بيان لدليلهم الباطل وتزييف له لا بيان لبعض ما كفروا به فإن قلت نفي مشيئة عدم لعبادة لا يستلزم مشيئة العبادة قلت: هذا مبنيّ على انّ المشيئة تتعلق بأحد طرفي الوجود، والعدم البتة ولو سلم فمثل هذا الكلام يقصد به الاعتذار عما وقع بأنه بمشيئة الله كما وقع في شرح الكشاف للمحقق رحمه الله تعالى وال!! اصل أنّ الإنكار متوجه إلى جعلهم ذلك دليلا على امتناع النهي عن عبادتهم، أو على حسنها لا إلى هذا القول فإنه كلمة حق أريد بها الباطل. قوله:) يتمحلون تمحلَا باطلَا (أصل معنى الخرص كما قال الراغب: مغربة المقدار بطريق التخمين ولتخلفه في كثير منها أطلق على الكذب، وهو المراد هنا لأنّ التمحل والمماحلة المجادلة كما قاله الراغب أيضاً والجدال بالباطل افتراء وكذب مخصوص لا تفسير له بلازمه فما ذكره هو المطابق لما نحن فيه فما قيل: الخرص الحزر والكذب، وكل قول بالظن فينبغي تفسيره بأحد الأخيرين من ضيق العطن وقلة التدبر. قوله: (ويجوز أن تكون الإشارة (بذلك إلى أصل الدعوى وهو جعل الملائكة ولد الله بعدما كانت إلى قولهم لو شاء الرحمن الخ فهو معطوف على قوله، ولذلك جهلهم الخ لأنه في معنى الإشارة إلى استدلالهم بما ذكر وأشار بقوله: يجوز إلى أنه خلاف الظاهر المتبادر فالاعترأض عليه بمثله صيد من المقلاة وهو وجه ثان في الردّ على الزمخشريّ، ومن حذا حذوه فليس المشار إليه تعليق عبادتهم بمشيئة الله حتى يتضمن كونها مقالة عن غير علم باطلة ردّ ما ذهب إليه أهل الحق كما زعموا، وقوله: كأنه الخ إشارة إلى أن ما ذكر بعد أصل الدعوى من تتمتها فليس بأجنبيّ حتى يقال هو فصل طويل، وقوله: حكى شبهتهم المزيفة لأنّ العبادة لها وان كنت بمشيئته تعالى لكن ذلك لا ينافي كونها من أقبح القبائح المنهى عنها لا إنها لا تتعلق به المشيئة كما ظنه هؤلاء ويكون هذا معلوما مما قرّره في الوجه الأوّل أجمله اعتماداً على الفطنة بشهادة الذوق، فما قيل من إنه لا يصلح للجواب وأنّ المصنف رحمه الله تعالى لم يقصد به الجواب عما قاله الزمخشري كله من قلة التدبر، وكذا ما قيل ترك بيان تزييفه لدقته لأنه من مباحث القضاء والقدر. قوله:) نفى ان يكون لهم بها علم) أي بالدعوى المذكورة، وهذا ما اختاره الزجاج ولم يلتفت المصنف رحمه الله تعالى إلى رد الزمخشريّ، وقوله: إنه تحريف ومكابرة لأنه لما ذكر بعد كل مما مز ما يبطله كان الظاهر إنّ هذا رد لما قبله فصرفه عن ظاهره بجعله رد الأول الدعوى بعدما صرح بردها تحريف للكلام عن سننه لأنه كما قال الطيبي طيب الله ثراه على هذا يكون قوله: لو شاء الرحمن الخ جوابا لهم عما تضمنته الآيات من الإنكار والاحتجاج عليهم بعبادة الملائكة وهذا القول منهم إمارة على انقطاعهم، ودلالة على أن الحجة قد بهرتهم ولم يبق لهم متشبث سوى

هذا القول كما هو ديدن المحجوج، وقد مرّ مثله في سورة الأنعام فتدبر. قوله: (ثم أضرب عنه الخ (هو جاً ر على الوجهين وفيه إشارة إلى أن أم منقطعة لا متصلة معادلة لقوله: اشهدوا كما قيل لبعده وقوله: من قبل القرآن لعلمه من السياق، أو الرسول كما في الكشاف وكون الضمير لادعائهم المذكور قبله أقرب

ص: 437

معنى والمراد قولهم إنها بنات الله، وقوله: ينطق صفة كتابا وعداه بعلى لأنه بمعنى يدل وقوله: متمسكون إشارة إلى أن السين للتأكيد لا للطلب، وما قالوه ما ذكروه سابقا من الدعوى أو الاستدلال، وقوله: لا حجة الخ إشارة إلى أنّ بل لإبطال جميع ما قبله، وقوله: وتؤمّ بصيغة المجهول بمعنى تقصد والرحلة بضم الراء الرجل العظيم الذي يقصد في المهمات، وقوله: للمرحول إليه كناية عما ذكر وقرأة الكسر شاذة مروية عن مجاهد وقتادة وقوله: ومنها الدين لأنه حالة يكون عليها الناس القاصدون لما يصلح! أو لما يكونون عليه، وهو المراد هنا وقوله: وكذلك الآية قد سبق تفسيرها تفصيلاً فلذا لم يتعرض له المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (ودلالة الخ) كونه ضلالاً مفهوم من السياق، ومما مرّ وقوله بأن التنعم الخ وفقراؤهم اقتدوا بهم، وقوله: أتتبعون الخ هو على القول بأن الهمزة داخلة على معطوف عليه مقدر وهو معلوم مما قبله هنا، والتفضيل في أهدى بناء على زعمهم لا لأن دين آبائهم هاد إلى الضلال كما قيل. قوله:(وهي حكاية أمر ماض) فالتقدير فقيل: أو قلنا للنذير قل الخ وقوله: قالوا الخ فإنه حكاية عما قاله المترفون للنذير فيقتضي أن ما قبله ما أوحى إليه وينسجم ويتسق النظام، وقوله: فانتقمنا منهم أي من المترفين أو من قومك على الوجهين

ويكترث يمعنى يهتم ويبالي، وقوله: ليروا الخ بيان للمراد من ذكره لمجنن هذا لقومه. قوله:

(برئ) تفسير لبراء بفتح الباء الموحدة كما هو قراءة العامة، وهو مصدر كالطلاق والعتاق أريد

به معنى الوصف ميالغة فلذا أطلق على الواحد وغيره وقوله: من عبادتكم الخ إشارة إلى أن ما مصدرية أو موصولة، وقوله: براء أي قرئ براء بضم الباء وهو اسم مفرد صفة مبالغة كطوال وكرام بضم الكاف لا بكسرها فإنه جمع ولم يقرأ به فقوله: كريم وكرام صفتان بمعنى واحد. قوله: (استمناء منقطع العدم دخوله فيما قبله لأنّ ما مختصة بغير ذوي العلم ولأنه لا يناسب تغليبهم عليه تعالى لأنّ تغليب غير العقلاء غير متجه، أو هذا بناء على أنهم لم يكونوا يعبدون

الله تعالى أو أنّ عبادة الله تعالى مع الشرك في حكم العدم فإن قلنا ما عامة لذوي العلم وغيرهم، وانهم كانوا يعبدون الله والأصنام فهو متصل، أو ما المراد بها هنا المعنى الوصفي

- فيطلق بهذا الاعتيار على العقلاء كما في نحو ما طاب لكم من النساء بمعنى الطيبات، وقد مز -- تحقيقه في تلك الآية وقوله: أو صفة معطوف على قوله استثناء يعني أن إلا بمعنى غير صفة لما وهي نكرة موصوفة لأنّ غير وما بمعناه لا يتعرف بالإضافة في مثله فلا تكون صفة لما إذا كانت موصولة، والحاصل أنّ الاستثناء إما منقطع أو متصل وهو منصوب أو مجرور بدل من ما كما

قاله الزمخشري، وردّه أبو حيان بانه إنما يكون في نفي أو شبهه، وأجيب عنه بأنه في معنى النفي لأنّ التبري بمعناه كما قالوه في نحو ويأبى الله إلا أن يتم نوره وهو لا يختص بالمفرغ ولا يالفاظ مخصوصة كأبي وقلما كما أشار إليه المعرب، فإن قلت: إن الزمخشريّ قال في سورة الن! مل إنه لا يجوز الجمع بين الله وغيره في اسم واحد لما فيه من إيهام التسوية بينه تعالى، وبين غيره وهو مما يجب اجتنابه في ذاته وصفاته قلت إنما يمتنع ذلك، إذا لم يكن في الكلام

ما يدل على خلافه كما في الاشتراك في الضمير وقد سلف ما يحققه في سورة الكهف، وكونها صفة لأنه لا يشترط في موصوفها أن يكون جمعا منكوراً وعلى القول باشتراطه فهو معنى موجود هنا لأنّ ما الموصولة في المعنى جمع، ولذا قدره المصنف رحمه الله تعالى بآلهة. قوله:(سيثبتني على الهداية) إشارة إلى أن السين هنا للتأكيد لا للتسويف والاستقبال لأنه قال

في الشعراء يهدين بدونها، والقصة واحدة والمضارع في الموضعين للاستمرار، وقوله: أو

! سيهديني الخ فالسين على ظاهرها والمراد هداية زائدة على ما كان له أولاً فيتغاير ما في الآيتين

من الحكاية أو المحكي بناء على تكرّر قصته. قوله: (أو الله) تعالى فالضمير المستتر إما لإبراهيم أو لله، والمراد بالكلمة كلمة التوحيد المفهومة من قوله: إنني براء الخ لا هذا القول بعينه لأنه كلمة لغة لأن استمرار هذا بعينه غير لازم وقوله: فيكون فيهم الخ فليس المراد بقاءها في الجميع لأنه غيو واقع، وقوله: قرئ كلمة أي بكسرها الكاف وسكون اللام وهي لغة فيها، وهذه قراءة قيس بن حميد وعاقبه و! ! ثه من خلفه، ومنه تسميته عليه الصلاة والسلام بالعاقب لأنه آخر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قوله. (يرجع من أشرك منهم بدعاء من وحده (الترجي من إبراهيم عليه الصلاة

ص: 438

والسلام فلا حاجة إلى جعلها للتعليل وقوله: يرجع الخ يعني أن الضمير للعقبا فإنه بمعنى الجمع، ولا حاجة إلى جعله من وصف الكل بوصف بعضهم أو تقدير مضاف فيه أي مشركيهم لأنه لا مانع من الترجي من الجميع لكن المصنف رحمه الله تعالى بني ما ذكره على أن الترجي من الله أو من الأنبياء في حكم المتحقق وتأويل الضمير في يرجعون ليس المرادت خصيصه بذلك كما توهم بل اكتفاء به عن ذلك لاتحادهما. قوله:

(بدعاء من وحده) أو ببقاء الكلمة فيهم فإنها سبب رجوعهم، وقوله: هؤلاء تفسير للمشار إليه وضمير آباءهم لهؤلاء وقوله: بالمد متعلق بقوله متعث، وقوله: فاغتروا الخ أي لم يرجعوا فلم يعاجلهم بالعقوبة بل أعطاهم نعما أخر غير الكلمة الباقية لأجل أن يشكروا منعمها ويوحدوه فلم يفعلوا بل زاد طغيانهم لاغترارهم أو التقدير ما اكتفيت في هدايتهم بجعل الكلمة باقية بل متعتهم وأرسلت رسولاً. قوله: (على أنه تعالى اعترض به على ذاته الخ (في نسخة كأنه تعالى ومعنى اعتراضمه على ذاته إنه أخذ معه في كلام يشبه الاعتراض قصدا إلى توبيخ المشركين لا إلى تقبيح فعله تعالى كما إذا قال المحسن على من أساء له مخاطباً لنفسه أنت الداعي لإساءته بالإحسان إليه ورعايته فإذا كان من كلامه تعالى لا من كلام إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما جوّزوه فهو تجريد لا التفات وإن قيل به في مثله أيضا، وقوله: مبالغة في تغييرهم إشارة إلى أن في القراءة الأخرى تعبيرا وتوبيخا أيضا لكن في هذه زيادة توبيخ حيث أبرزه في صورة من

يعترض على نفسه ويوبخها حتى كأنه مستحق لذلك فما بالك بهم كما مز في المثال السابق، وليست المبالغة من الأطناب كما قيل. قوله تعالى:) {حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ} (في هذه الغاية خفاء بنه في الكشاف وشروحه، وهو إن ما ذكر ليس غاية التمتيع إذ لا مناسبة بينهما مع أن مخالفة ما بعدها لما قبلها غير مرعى فيها، والجواب أن المراد بالتمتيع ما هو سببه من أشغالهم به عن شكر المنعم فكأنه قيل: اشغلوا به حتى جاءهم ما ذكر وهو غاية له في نفس الأمر لأنه مما ينبههم ويزجرهم لكنهم لطغيانهم عكسوا فهو كقوله: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [سورة البينة، الآية: 4] . قوله: (ظاهر الرسالة الخ) إشارة إلى أنه من أبان اللازم أو المتعدى كما مرّ، وقوله: زادوا شرارة نصبه على التمييز أو المفعولية لأنه جاء متعديا ولازما وهو إشارة إلى ما مرّ في الغاية وما فيها من الإشارة إلى التعكيس إذ لم ينتهوا بل زادوا شراً وفسر زيادة شرهم بقوله: فضموا الخ، وقوله: فسموا القرآن الخ هو تفسير للمعاندة كما أن استحقار الرسول بيان للاستخفاف على اصلف والنشر المرتب، ولم يقل القرآن أو دعوة الحق لأنه فسر الحق الأول بهما ولما أعيد هـ حرفة كان عين الأول كما قيل لأنهم لم يقولوا للدعوة إنها سحر، وإنما قالوه في حق القرآن فعلى تفسيره به هو ظاهر وعلى الوجه الأول فالدعوة لما كانت بالقرآن أيضا اقتصر عليه لما ذثر؟ ، فتأمّل واستحقار الرسول إما من نسبة السحر والكفر لما جاء به أو من وصف رجل القريتين بأنه عظيم فإنه تعريض بحقارة من نزل عليه، وهو الأظهر وهذا بعد تسليم أن الرسول يكون بشراً، وقوله: مكة والطائف إشارة إلى أن التعريف للعهد، وقوله: من إحدى القريتين إشارة إلى أن فيه مضافا مقدراً لأنه لا يكون منهما رجل واحد إلا أن يكون له بكل منهما دار يسكن في هذه تارة وفي الاخرة تارة أخرى كما قيل أو التقدير من رجال القريتين فمن تبعيضية وقد كانت ابتدائية، وقوله: فإن الخ تعليل لقوله: لولا نزل وما يفهم منه. قوله: (ولم يعلموا إنها رتبة روحانية الخ (يعني أنه تعالى خلقه على تلك الصفة لعلمه إنه سيصطفيه لرسالته، وليس هذا من مذهب الحكماء القائلين بتوقفه على تصفية ورياضات في شيء كما توهم حتى يقال إنه مبنيئ على جري العادة فيه، وقد مرّ ثفصيله في سورة الأنعام. قوله: (إنكار الخ) هو معنى الاستفهام وتحكمهم

بنزول القرآن على من أرادوه فيجوز أن يكون المراد بالرحمة ظاهرها لأنه نزل تعيينهم لمن ينزل عليه الوحي منزلة التقسيم لها، وتدخل النبوّة فيها لكن أكثر المفسرين على ما ذكره المصنف لأنه المناسب لما قبله، وقوله: وهم عاجزون الخ لا ينافي أن يكون لكسبهم دخل فيها، وفيما ذكر إشارة إلى ما في تقديم الضمير من إفادة الحصر، وخويصة بتشديد الصاد المهملة تصغير خاصة وهي ما يختص بالإنسان يقال عليك: بخاصة نفسك اًي ما شأنه الاختصاص بك من أمور الدنيا، ولذا صغره لحقارته

ص: 439

عند الله لأنها لا تسوي عنده جناج بعوضة كما ورد في الحديث، وقوله: فمن أين الخ مأخوذ من مفهومه. قوله:) وإطلاق المعيشة) وهي ما يتعيش به الإنسان من القوت وغيره ف! طلاقه يقتضي ما ذكر فلا يختص كونه رزقا من الله بالحلال كما ذهب إليه الزمخشريّ، وغيره من المعتزلة وفيه ردّ على الزمخشري، وان كان كلامهم في تسميته رزقا ولم يصرّح به في الآية والكلام فيه مفصل في الأصول، وقوله: في الرزق الخ إشارة إلى أنه مطلق، وإن كان ما قبله يقتضي تقييده بما ذكر قبله من أمور التعيش وأنّ المعنى جعلنا بعضهم غنيا والآخر فقيرأ، وقوله: ليستعمل بعضهم بعضا أي ليستخدمه لأنّ السخريّ منسوب إلى السخرة وهي التذليل والتكليف على وجه الجبر فالسخري بالضم للنسبة إليها لا بمعنى الهزء ولذا قال السمين: إنّ تفسير بعضهم له باستهزاء الغنيّ بالفقير غير مناسب هنا، وقرأ أبو عمرو بن ميمون وابن محيصن وأبو رجاء وغيرهم بكسر السين والمراد به ما ذكر أيضا انتهى فالقول بأن القراء أجمعوا على ضم السين هنا خطأ إلا أن يريد السبعة أو العشرة وأطلقه لأنه المتبادر. قوله: (فيحصل بينهم (أي بين الناس الأغنياء والفقراء، والمراد بالتضام الاجتماع في الديار لأنّ الفرد لا يقدر على القيام بجميع مصالحه، ولذا ورد لا يزال الناس بخير ما تفاوتت مراتبهم ولو تساووا هلكوا، وقوله: لا لكمال فإنّ التفاوت ليس مبنيا على هذا كما قيل:

ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق

قوله: (ثم إنه لا اعتراض لهم علينا في ذلك) المذكور من الأمرين التوسيع والتقتير، وهو

إشارة لمناسبته لما قبله أو المعنى أنهم لما زعموا لزوم المال، والجاه للنبوّة قال: ذلك تحت

قدرتنا وارادتنا فإعطاؤهما ومنعهما مخصوص بنا فلو كانا لازمين للنبوّة ما أهملا، والمراد بما هو أعلى النبوّة وأمور الآخرة والرحمة. قوله:(والعظيم من رزق منها لا منه (ضمير منها للرحمة ومنه لما يجمعون، وفيه إشارة إلى أنّ التعظيم من عظمة الله برحمته من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن تابعهم لا من عظموه كعظيم القريتين. قوله: الولا أن يرغبوا في الكفر الخ) قدر الزمخشري فيه مضافا فقال: كراهة أن يجتمعوا على الكفر لجعلنا لحقاة زهرة الدنيا للكفار ما ذكر من زخرفها، والغرض من تقديره أنّ كراهة الاجتماع هي المانعة من تمتيع الكفار بها إذ لو لامتناع التالي لوجود المقدّم، وهو مبنيّ على تبيين وجه الحكمة لا على وجوب رعاية المصلحة وارادة الإيمان من الخلق كما قيل ولما كان معنى كونهم أمة واحدة اجتماعهم على أمر واحد أريد به الكفر بقرينة الجواب فليس هذا من مفهوم الكلام ولازمه كما توهم. قوله:(جمع معرج) بفتح الميم وكسرها وهي السلم وكذا المعراج، ويكون مصدراً بمعنى العروج والصعود، وقوله: يعلون السطوح جمع سطح إشارة إلى أنّ يظهرون معناه هنا يكونون على ظهرها وهو أصل معناه، وقوله: لحقارة الدنيا علة متعلقة بجعلنا. قوله: (أو علة الخ (فاللام الأولى صلة لتعديه باللام فهو بمنزلة المفعول به، والثانية تعليلية فهو بمنزلة المفعول وليس المراد أنهما للتعليل، والثانية بدل من الأولى كما قيل لأنّ التقابل يأباه ولا تسامح في عبارة المصنف على النسخ التي عندنا وفي بعضها علة له، والضمير راجع للفعل لفهمه من السياق وقيل: إنه راجع لمن يكفر بالرحمن على التسامح لأنه لما علل الفعل بعد تعلق الأوّل به جعل علة له، وكذا المثال المذكور لأن معنى لقميصه ليكون له قميصاً فلا بعد فيه كما توهم مع أنه مشاحة في المثال، وفي نسخة وقد يقال: الأولى للملك ولاثانية للاختصاص كوهبت الحبل لزيد لدابته فيتعلقان بالفعل لا على أنّ الثاني بدل كما قاله أبو حيان حتى يرد عليه أنه أعيد فيه العامل فلا بد من اتحادهما معنى مع أنه لا مانع من أن يبدل المجموع من المجموع بدون اعتبار إعادة فتأمّل. قوله: (وقرا ابن كثير الخ) من قرأ سقفا بفتح فسكون على الإفراد لأنه اسم جنس يطلق على الواحد، وما فوقه وهو المراد بقرينة البيوت وسقفا بضم فسكون تخفيفا للضمة وهو جمع سقف أو سقيفة كصحف وصحيفة وسقوف جمع كفلس، وفلوس وسقفا نجتحتين لغة في سقف أصلية لا تحريك ساكن لأنه لا وجه له. قوله:) ولبيوتهم (أعاده لأنه

ابتداء آية وسرر جمع سرير بضم الراء وفرئ بفتحها في الشواذ وهو لغة في جمع فعيل المضاعف وفيه كلام للنحاة، وقوله: من فضة إشارة إلى أنّ القيد

ص: 440

ملاحظ في الجميع بناء على أنّ العطف ظاهر في التشريك في القيد، وإن تقدم كما ذهب إليه الزمخشري. قوله:) وزينة (تفسير للزخرف، وكذا قوله أو ذهبا فإنه ورد بكل من المعنيين في اللغة، والظاهر أنه حقيقة فيهما وقيل إنه حقيقة في الزينة ولكون كمالها بالذهب استعمل فيه أيضا كما مز في الإسراء، وذكره الراغب فليس بالعكس كما قيل وإن كان ما ذكره الجوهرفي يخالفه، وقوله: عطفا على محل من فضة يعني أنه إذا كان بمعنى الزينة فهو منصوب بجعل معطوف على مفعوله الصريح وإذا كان بمعنى ذهباً فهو معطوف على محل من فضة كأنه قيل سقفا من فضة وذهب أي بعضها كذا وبعضها كذا، ويجوز عطفه على سقفا أيضا. قوله:) واللام هي الفارقة (بين المخففة وغيرها وهذا على قراءة الشخفيف، وما زائدة أو موصولة بتقدير لما هو متاع الخ وقوله: بخلاف عنه أي الرواية عنه مختلفة، وقوله: وقرئ به أي بالإبدال لما لا بلما كما توهم والأصل توافق القراءتين معنى، وقوله: وما أي في موضع أن فهو يدل على أنها نافية في تلك القراءة والكلام على لما بمعنى إلا مفصل في المغني وغيره. قوله:) عن الكفر والمعاصي (متعلق بالمتقين، وقوله: وفيه أي في قوله ورحمة ربك أو في قوله والآخرة والظاهر الأول، وذلك إشارة إلى الزخرف الماضي وحتى يجتمع علة لعدم الجعل وغاية له وهو راجع لما، وقوله: مخل به أي بما لهم في الآخرة، وقوله: لما فيه أي في التمتع. قوله:) عن ذكر الرحمن (إن أريد به القرآن فالمصدر مضاف لفاعله وإلا فهو مضاف لمفعوله وهذا حال ص تعامي عن الذكر فكيف من تعامي عن المذكور. قوله:) يتعام ويعرض! عنه (العطف للتفسير لأن المراد من التعامي الإعراض قال الأزهريّ في التهذيب: قال الفراء معناه من يعرض عن ذكر الرحمن، ومن قرأ يعش كيرض بفتحتين فمعناه يعم عنه وقال القتيبي: معناه يظلم بصره وهر قول أبي عبيدة ولم أر أحدا يجيز عشوت عنه إذا أعرض! ت، وإنما يقال: تعاشيت وتعاميت ص ص الشيء إذا تغافلت عنه كأني لم أره وعشوت إلى النار إذا استدللت عليها ببصر ضعيف، وقا أغفل موضع الصواب، واعترض فلا يغتر به ناظر فيه والعرب تقول عشوت عن النار أعرضص!

عنها ومضيت عن ضوئها فيفرقون بين إدخال إلى وعن كما ترى وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه يقال: عشى الرجل كعلم إذا صار أعشى لا يبصر ليلاً وعشا عنه كقعد إذا مضى عنه، واليه إذا قصده مهدياً بضوء ناره قال:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خيرنارعندها خيرموقد

وهو الصحيح وإنما غفل عنه ابن قتيبة وهكذا فسر الزجاج يعيش بيعرض انتهى، فليس

فيه تسامح وتفسير له بما هو قريب منه كما قيل. قوله: (يقال عشى الخ) عرج الأوّل بكسر الراء والثاني بفتحها وهذا معنى ما في الكشاف، وفي القاموس يقال: عرج إذا أصابه شيء في رجله وليس بخلقة فإذا كان بخلقة فعرج كفرح أو يثلث في غير الخلقة فقد علمت أنّ فيه خلافا لأهل اللغة، ولا فرق بينهما على القول الأوّل كما توهم. قوله: (على انّ من موصولة (لا شرطية جازمة وهذا بناء على الفصيح المطرد فلا يرد أنه يجوز أن تكون شرطية جازمة بدليل أنه لم يقرأ نقيض مرفوعا واتفقوا على زمه فالمدة إمّا للإشباع أو هو على لغة من يجزم المعتل الآخر بحذف الحركة، أو هو جمع رعاية لمعنى من بقرينة ما بعده وهو بعيد جداً أو هو مرفوع سكن تخفيفا كما في تفسير الكواشي، وقيل: إنه جزم نقيض تشبيهاً إلى الموصولة بالشرطية في جزم خبرها كما أدخلوا عليه الفاء لذلك واذا ورد مثله في الذي وهي ليست مشتركة بين الموصولية والشرطية في نحو قوله:

كذأك الذي يبغي على الناس ظالما تصبه على رغم عواقرما صنع

ففي من المشتركة أولى إلا أنه مقيس عند البصريين كما قاله أبو حيان فتأمل. قوله تعالى: ( {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} ) التقييض التقدير، وقيل: التهيئة وقوله: يوسوسه ويغويه بيان لمقارنته بذلك وانها لذلك، وقوله: دائماً من الجملة الدالة على الدوام والثبات، وقوله: من رفع الخ تقدّم الكلام عليه وكأنه يشير إلى أنّ هذه القراءة شاذة يحتمل أنّ من قرأ بها يرفع نقيض فلا يحتاج إلى توجيه. قوله: (عن الطريق الذي من حقه أن يسيل (أي يدخل ويسلك، وهو إشارة إلى أنّ تعريفه للعهد، وقوله: وجمع الخ واستدل به صاحب

ص: 441

الانتصاف على قول إمام الحرمين إنّ النكرة في سياق الشرط تعم، وأنه يجوز رعاية اللفظ بعد رعاية المعنى لقوله: جاءنا بعده، وله نظائر وفيه خلاف فقيل لا يجوز، وقيل: يجوز وقيل: إنه يجوز مع تعدد الجمل ويمتنع بدونه فأعرفه، والعاشي بالعين المهملة معنى قوله: من يعش والمقيض بزنة المفعول، وأراد بالضميرين نوعيهما أي ضمير الشيطان والعاشي والا فهي ثلاثة. قوله:

(الضمائر الثلالة الأول (بتشديد الواو مفرد لا بتخفيفها جمع، وهو بدل مع ما عطف علجه من الضمائر أو الملاثمة والمراد بالأوّل ضمير يحسبون، وقوله: له أي للعاشي باعتبار معناه والباقيان ضمير أنهم والمستتر في مهتدون أي يحسب المعني إنّ الشياطين مهتدون لسبيل الحق فيتبعونهم، ولو أرجعت الثلاثة من غير تفكيك للعاشين أي العمي يظنون أنهم مهتدون للحق مع أنّ شياطينهم صدّوهم عنه جاز من غير تكلف كما ارتضإه السمرقندي، وما قيل من أن الأوّل بضم الهمزة وتخفيف الواو جمع أولى وأنّ الضمائر خمسة فأحدها المذكور قبل قوله: يصدون وثانيها: المذكور بعده وكونه أوّل باعتبار قحاده مع الأوّل وثالثها ضمير لجسبون، والباقيان ضمير يصدّون والمذكور بعد يحسبون للشيطان تحريف بعيد عن الصواب، والأوّل ما عليه أرباب الحواشي الموثوق بهم. قوله: (أي العاشي) إشارة إلى أنّ الضمير عائد لم مراعى فيه لفظه بالإفراد بعدما روعي معناه-- كما " مرّ، وكذا هو فيما بعده وقوله: بعد المشرق من المغرق أي والمغرب من المشرق لاستلزام بعد أحدهما عن الآخر بعد الآخر عنه ولذا فسر الزمخشريّ البعد بالتباعد، إذ لا خفاء في أنه ليس المراد بعدهما عن شيء آخر فاختصر لعدم الإلباس، وقد صار مثلاً في غاة البعد، وقوله: فغلب المشرق أي على المغرب حتى سمي مثرقا ثم ثني، وقوله: وأضيف البعد إليهما أي وكان حقه أن يضاف لأحدهما لأنه من الأمور النسبية التي تقوم بأحد شيئين وتتعلق بالآخر فغلب القيام على التعلق في النسبة الإضافية أيضا ففيه تغليبان، وقيل المراد بالمشرقين مشرقا الصيف والشتاء والتقدير من المغربين فاختصر، وقوله: أنت بناء على أنه من كلامه، ويجوز أن يكون من كلام الله. قوله: (ما أنتا عليه (أي فاعل ينفعكم ضمير مستتر يعود إلى ما يفهم مما قبله أي التمني أو الندم أو القول المذكور، وقوله: إذ صح أنكم ظلمتم أي تحقق وتبين أو هو لدفع السؤال بأنّ إذ ظرف لما مضى في الدنيا إذ ظلمهم فيها فما معنى إبداله من اليوم وهو يوم القيامة، وتعلقه بينفعكم المستقبل ولتأويله بما ذكر صح ذلك، وقد أورد عليه أنّ السؤال عائد لإذ صح واذ لتحقق الوقوع في الماضي، وقال ابن جنى: إنه أفاده أبو عليّ بعد المراجعة أنّ الدنيا والآخرة متصلتان مستويتان في علمه تعالى، وحكمه فكان إذ مستقبلاً واليوم ماض فصح ذلك وقدره أبو البقاء بعد إد ظلمتم ودفعه أنّ الخبر ليس على حقيقته بل هو لتحققه نزل منزلة الماضي، ومثله: شائع ولذا لم يتعرّضوا له وأمّا ادّعاء أنها تكون بمعنى إذا للاستقبال وتعليلية مجرّدة عن الزمان فعدم قوته عند أهل العربية تغني عن الاعتراض عليه، وأمّا ما نقله ابن جنى عن أستاذه من أنه تعالى لا

يجري عليه زمان فالمضي، والاستقبال عنده بمنزلة الحال فيردّه أن المعتبر حال الحكاية والكلام فيها وارد على ما تعارفه العرب ولولاه لسد باب النكات، ولغت الاعتبارات في العبارات، ومثله: غنيّ عن البيان وأمّا استشكاله أعمال الفعل المقارن للن الاستقبالية في اليوم وهو الزمان الحاضر، وإذ وهو الماضي فيدفع الثاني ما قدروه لأنّ تبين الحال يكون في الاستقبال والأوّل بأنّ اليوم تعريفه للعهد وهو يوم القيامة لا للحضور كتعريف الآن، وإن كان نوعا منه أو ينزل منزلة الحاضر وأمّا كون الاستقبال إلى وقت الخطاب وهو بعض أوقات اليوم فمع ما فيه من التكلف غير خفيئ ما فيه من الخلل فتدبر. قوله: الآنّ حقكم الخ (يعني أن قبله حرف جرّ مقدر على تقدير الفاعل ضميراً كما مرّ، وقوله: كما كنتم الخ المراد نسبة الظلم لأنفسهم وذكره بيانا للواقع لا لأنّ له دخلا في التعليل حتى يقال لا وجه له، وقوله: إذ لكل الخ تعليل لعدم النفع وأنه اشتراك على وجه لا يمكن فيه المعاونة أو التأسي، وقوله: وهو يقوي الأوّل معنى ولفظا لأنه لا يمكن أن يكون فاعلا فيتعين الإضمار، ولأنّ المكسورة في جملة تعليلية فيناسب تقدير اللام وهي قراءة ابن عامر فلا يناسب سياقه مساق المجههول. قوله: (من أنّ يكون هو الذي الخ) إشارة إلى أنّ تقديم أنت

ص: 442

للحسر أي إذا لم يهد الله لم تهدهم أنت والتمزن على الكفر عتياده، وقوله: بحيث صار الخ إشارة إلى ما فيه من الترقي بعد قوله ومن يعش، وقوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ فشبه إتعابه نفسه حيث لا فائدة فيه بمن ينادي أصم أو يدل أعمى على الطريق بقوله، وقوله: تغاير الوصفين يعني العمي والضلال بحسب المفهوم وان اتحدا مآلاً، وقوله: وفيه إشعار نكتة العطف، وقوله: لذلك أي العمي أو الإنكار وقوله لا يخفى تفسير مبين، ولذا لم يقدر على هدايتهم كغيرهم. قوله:) في استجلاب النون المؤكدة (يعني هي مئله حكما لأنها لازمة أو كاللازمة فيها ومعنى لأنها لا تدخل المستقبل إذا كان خبرا لا بعد ما يدل على التأكيد، وقوله: بعذاب وفي نسخة بعدك وذكر عذاب الدارين مخالفا للزمخشريّ في اقتصاره على عذاب الآخرة لقوله في آية أخرى: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}

[سورة غافر، الآية: 77] والقرآن يفسر بعضه بعضاً لأنه أتم فائدة ولإطلاق الانتقام المذكور هنا وأمّا في تلك الآية فليس فيها ذكره فلا يلزم حمل ما هنا عليه. قوله:) أو إن أردنا الخ) إنما ذكر الإرادة لأنها أنسب بذكر الاقتدار بعده وفي تعبيره بالوعد، وهو لا يخلف الميعاد إشارة إلى أنه هو الواقع وهكذا كان إذ لم يفلت أحد من صناديدهم إلا من تحصن بالإيمان، وقوله: فاستمسك الخ تسلية له صلى الله عليه وسلم وأمر لأفته أو له بالدوام على التمسك، والفاء في جواب شرط مقدر أي إذا كان أحد هذين واقعاً لا محالة فاستمسك، وقوله: إنه أي ما أوحى والمراد به القرآن، وقوله: لشرف وتنويه بقدرك وبقدر أقتك لما أعطاهه لهم بسببه ولما خصهم به لنزوله بلسانهم، ويجوز أن يراد بالذكر الموعظة. قوله:) واسأل أممهم الخ (فهو بتقدير مضاف أو بجعل سؤالهم بمنزلة سؤال أنبيائهم، وهذا الوجه أخره الزمخشري رحمه الله والمصنف رحمه الله اقتصر عليه لتبادره، والأصل الحقيقة والتقدير مع القرينة أسهل من التجوّز بجعل السؤال عبارة عن النظر والفحص عن مللهم، وشرائعهم كما في سؤال الديار ونحوه، من قولهم: سل الأرض! من شق أنهارك، وهذا إنما يكون مرجحاً على تقرير التقدير لا على ما بعده كما قيل، وقيل إنه على ظاهره وقد جمع له صلى الله عليه وسلم الأنبياء في بيت المقدس لما أسرى به فأضهم، وقيل له: سلهم فلم يشكل عليه ما يسأل عنه مما ذكر وترك هذا لأن المراد إلزام المشركين، وتقرير ابهذا السؤال وهم منكرون الاسراء قوله: (هل حكمنا) تفسير لجعلنا هنا وقوله فإنه أي التوحيد والطعن في الأوثان أقوى ما حملهم على مخالفته، وقيل إنه راجع لكونه بدعا أي مخترعا على زعمهم لقولهم:{مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} [سورة المؤمنون، الآية: 24] وقوله: ومناقضة قولهم الخ أي إبطاله لأنّ موسى عليه الصلاة والسلام مع عدم زخارف الدنيا لديه كان له مع

فرعون وهو ملك جبار ما كان وقد أيده الله بوحيه وما أنزل عليه، وقوله: إلى التوحيد المراد به عبادة الله وحده دون غيره ولو منفرداً أو مشركا فلا يرد عليه أن فرعون وقومه غير مشركين لقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [سورة القصص، الآية: 38] كما قيل مع أنه فيه بحث. قوله: (فاجؤوا وقت ضحكهم (إشارة إلى أنّ ناصبها مقدر بما ذكر وهو العامل في لما وتقديره كذلك ليكون جوابها فعلاً ماضياً كما هو المعروف فيها، وأنّ إذا مفعول به له لا ظرف كما ارتضاه الزمخشري، فما قيل إن نصبها بفعل المفاجأة المقدر هكذا لم يقله أحد من النحاة لا يلتفت إليه وتفصيله في شرح المغني. قوله: (إلا وهي بالغة الخ (إشارة إلى ما يرد عليه من لزوم كون كل واحدة فاضلة، ومفضولة معاً وهي تؤدّي إلى التناقض وتفضيل الشيء على نفسه لعموم آية في النفي ودفعه بأنه كناية أو تمثيل وليس المراد به إثبات الزيادة لكل واحد على كل واحد حقيقة بل لبيان اتصاف الكل بالكمال بحيث لا يظهر التفاوت، ويظن كل ناظر إلى كل منها أنها أفضل من البواقي أو الاختلاف عند المفضلين والمراد بأختها مثلها في أنها آية دالة على النبوّة. قوله: (من تلق الخ (هو من قصيدة لعبيد بن العرندس الحماسي منها:

أني سألوا الخيريعطوه وقد جهدوا فالحمد يخرج منهم طيب أخبار

هينون لينون أيسار ذوو كرم سوّاس مكرمة أبناء أيسار

من تلق منهم الخ. قوله: (أو إلا وهي مختصة بنوع اليئ) فالمراد بأفعل الزيادة من وجه

فلا يلزم شيء مما ذكر

ص: 443

والظاهر أنه حقيقة، وقيل إنها مجاز لأن المصادر التي تتضمنها الأفعال، والأسماء المشتقة منها تدل على الماهية لا الفرد المنتشر وفيه نظر. قوله:) على وجه يرجى الخ) إشارة إلى الجواب عما يقال إنّ الرجاء منه تعالى محال، وقد مرّ تفسيرها بكى وما فيه فالمراد أنّ الترجي فيه وفي أمثاله من العباد، ولما كان الترجي فيه غير معين فسره بما ذكر وفيه إشارة إلى الردّ على الزمخشري حيث فسره بالإرادة هنا بناء على مذهبه، والكلام فيه مفصل في شروحه. قوله: (نادوه بذلك (أي بقولهم: يا أيها الساحر الصريح في نسبته إلى الباطل وهو مناف لما بعده من طلب الدعاء منه ومنه قولهم: إنا لمهتدون كما في الكشاف فكان ينبغي أن يقولوا: يا موسى ونحوه كما في آية أخرى يا موسى ادع الخ مما ينتظم مع ما بعده، ولذا أشار إلى التوفيق بأنّ ما وقع من النداء به جار على مقتضى ما جبلوا عليه من الشذة والحدة وعلى

نهج ما ألفوه من تحقيره، ولذا سبق لسانهم له، وأما كونهم قالوا يا موسى فحكاه الله عنهم بغير عبارتهم على وفق ما في قلوبهم من اعتقاد أنه ساحر كما سموا النبيّ صلى الله عليه وسلم ساحراً ليكون تسلية كما مرّ فغير مناسب لما بعده، وكونه مناسباً للحال لا يفيد هنا. قوله:(لشدّة شكيمتهم (هو مجاز أوكناية عن العناد وعدم الانقياد كما مرّ وترك ما في الكشاف من التوفيق بأن قولهم: إننا لمهتدون وعد منهم باتباعه وقد عرفوا بأخلافه لأنه لا يدفع السؤال كما قاله الشارح المحقق لأن إظهاوه لا يناسب مقام التضرّع ففيه رد ضمني على ما في الكشاف، وقوله: قرأ ابن عامر بضم الهاء أي من آيه وهو في بعض النسخ، وقد سقط من بعضها لأنه قدم تفصيله في سورة النور وانه لما سقطت ألفه اتبعت الهاء الياء فبنيت على الضم كما في يا زيد العاقل فتذكره. قوله:) أي تدعو لنا الخ (هو تفسير لحاصل المعنى وقد سقط من بعض ا! لنسخ هنا وذكر عند قوله: إنا لمهتدون بشرط أن تدعو الخ، وهو إشارة إلى أنّ الأمر في معنى الخبر والمراد إن تدع لنا فيكشف عنا نتبعك ونهتد. قوله: (بعهده عندك من النبوّة الخ) ما تحتمل الموصولية والمصدرية وإليه أشار بقوله بعهده، واختاره لعدم احتياجه للتقدير وفيه إشارة إلى أن فيه أربعة أوجه منها أنّ العهد النبوّة وهو الأظهر، ولذا قدمه المصنف رحمه الله، وقد مرّ في الأعراف وجه تسميتها عهداً ووجه تعلق الباء، ومنها أنّ العهد استجابة الدعوة كأنه قيل بما عاهدك عليه مكرماً لك من استجابة دعائك، ومنها أنّ العهد كشف العذاب ومنها أنّ العهد الإيمان- والطاعة وهو من عهد عليه أن يفعل كذا أي أخذ منه العهد على فعله ومته عهد الولاة، والأولى على هذا 1 أن تكون ما موصولة، واليه أشار بقوله: بما عهد الخ أخذ منه العهد على فعله ومنه عهد الولاة، والأولى على هذا أن تكون ما موصولة، وإليه أشار بقوله: بما عهد الخ لكن السياق ينبو عنه لفظا ومعنى، ولذا أنجره المصنف والأظهر أن الباء للوسيلة والسببية وقد قيل إنها على الثاني والثالث للقسم، وقد اقتصر في الأعراف على الوجه الثاني لأنه أظهرها. قوله:(فاجؤوا نكث عهدهم بالاهتداء (متعلق بعهدهم ولا حاجة إلى تقدير وقت نكثهم لأنّ المفاجأ في الحقيقة النكث لا وقته، وإن كان مفعول فاجأ اسم الزمان كما مز وقد تقدم وجهه. قوله: (بنفسه أو بمناديه (يعني أنّ إسناد النداء إلى فرعون إمّا على حقيقته وظاهره، والمراد بندائه رفع صوته به في مجلسه فإنه معنى النداء أو هو إسناد مجازي والمعنى أمر بالنداء كما يقال بنى الأمير المدينة، وقوله: نادى معطوف على فاجؤوا المقدر. قوله: (في مجمعهم أو فيما بينهم الخ) يعني إنه نادى بنفسه

فكان الظاهر نادى قومه فنزل منزلة اللازم وعدى بفي كقوله:

يجرح في عراقيبها نصلي

للدلالة على تمكين النداء فيهم لأنه في مجامع الناس وعلى رؤوس الإشهاد وفيه أيضاً توجيه للظرفية وقوله: مخافة الخ علة لقوله نادى، وقوله: ومعظمها الخ أي أكبرها فالمراد بالنهر ما يعرف الآن بالخليج وقد فتح منه خلجان متشعبة إلى أطرافها لتسقي العباد، والبلاد كما هو معروف فيها ولكل منها اسم يخصه فنهر الملك سمي به قديما ووجهه مذكور في كتاب الخطط، وطولون اسم سلطان مشهور، وهو ممنوع من الصرف ودمياط بالدال المهملة مدينة معروفة قال ابن خلكان: وأصلها بالسريانية ذمياط بذال معجمة ومعناها القدرة الربانية لما فيها من مجمع البحرين الملح والعذب، وقيل: هو اسم بانيها وتنيس كسكين بلدة بقربها يعمل فيها ثياب فاخرة مشهورة، فإن قلت نهر طولون إسلامي حفرة أحمد بن طولون ملك مصر فلا يصح تفسير قول فرعون به، قلت كذاك أورده بعضهم وخطأ المصنف فيه فإقا أن

ص: 444

يكون بيانا للمراد بالأنهار في الآية وأنها الخلجان مع قطع النظر عن خصوصها، أو يكون ذلك قديما اندرس فجدده ابن طولون.

قوله: (تحت قصري الخ) فالتحتية إمّا مكانية أو معنوية وليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز كما توهم لأنّ العطف بأو لا بالواو في النسخ، وإن كان مثله يجوز عند المصنف وإذا جرى من تحت قصره حقيقة فقد جرى من مكان تحته، وعلى أن المراد تحت أمري فاستعلاؤه عليه معنوي واذا كان قدامه وبين يديه في جنانه فالتحتية باعتبار أنه في مكان منخفض عن مكانه ففيه تجوّز آخر، وعلى الحالية فهو حال من ضمير المتكلم ويجوز على الابتداء أيضا والخبرية العطف أيضا على اسم ليس وخبرها. قوله:(ذلك) إشارة إلى مفعوله المقدر والإشارة إلى ما ذكر ويجوز أن يكون معناه أليس لكم بصرا وبصيرة، وقوله: مع هذه المملكة والبسطة أي السعة في الملك والمال وهو بيان لجهة الخيرية فيه، وقوله: وهي القلة وتكون بمعنى الابتذال والذلة وهو مناسب هنا أيضا وضمير لما به لموسى عليه السلام، والرتة بضم الراء المهملة وتشديد التاء الفوقية اللثغة واللكنة، والعقلة في اللسان وقد زالت منه بدعائه وهل بقي أثر شيء منها أو لا مرّ الكلام فيه، وقوله: فكيف الخ كله كلام فرعون. قوله:) وأم إما منقطعة (اختاره

لما فيه من عدم التعادل اللازم أو الأحسن في المتصلة، وقوله: للتقرير أي الحمل على الإقرار بفضله وخيريته، وقوله: إذ قدم إذ فيه للتعليل أي لأنّ فرعون قدم بعض أسباب فضله الداعية للإقرار إذا حملهم عليه. قوله:) على إقامة المسبب مقام السبب الخ (أي هو على الاتصال المنقول عن سيبويه، والخليل في هذه الآية تكون الاسمية مؤوّلة بفعلية معادلة لفظا ومعنى على أنه أقيم المسبب عنها مقامها والأصل ما ذكره فأقيم خبريته باعتبار العلم بها مقام أبصارهم لأن المسبب هو علمهم بخيريته لا الخيرية نفسها فالمراد أم أنا خير عندكم، وفي علمكم وجعله الزمخشري من تنزيل السبب منزلة المسبب عكس ما قاله المصنف وقرّره الشارح المحقق بأن قوله: أنا خير سبب لقولهم من جهة بعثه على النظر في أحواله واستعداده لما ادّعاه، وقولهم: أنت خير سبب لكونهم بصراء عنده فأنا خير سبب له بالواسطة لكن لا يخفى أنه سبب للعلم بذلك والحكم، وأما بحسب الوجود فالأمر بالعكس لأنّ أبصارهم سبب لقولهيم أنت خير، ولذا قال المصنف إنه من إقامة المسبب الخ وهو اعتراضى على المدقق إذ قرره بأن فرعون لما قدم أسباب البسطة عقبه بقوله: أفلا تبصرون الخ استبصارا لهم وتنبيها على أنه لا يخفى على ذي عينين فقال: أم أنا خير أي أتبصرون أني مقدم متبوع والعدول للتنبيه على أنّ هذا الشق هو المسلم لا محالة فكأنه محكي عن لسانهم بعدما أبصروا، وهو أسلوب عجيب وفق غريب وجعله الزمخشري من إنزال السبب مكان المسبب لأنّ كونه خيراً في نفسه بحصول أسباب التقدم والملك سبب، لأن يقال فيه أنت خير، وقوله: أنا خير سبب لكونهم بصراء عنده وسبب السبب سبب فلا يرد أنّ السبب قولهم: أنت خير لا قوله: أنا خير، وعكس القاضي على زعمه إبطال مدعي موسى عليه الصلاة والسلام، وهو بحسب العلم به مسبب عن أبصارهم لكونه باعثا عليه أمّا بحسب الخارج فبالعكس لأنه لما قال: أنا خير بعد بيان ما يقتضيه استبصروا وتفكروا فأقرّوا بذلك، وقالوا: أنت خير فنظر كل من الشيخين غير نظر الآخر فما قيل من إنه تطويل للمسافة أو فيه طيّ على نهج الاحتباك ناشئ من عدم التدبر فافهم. قوله:) والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون) فهي بهذا الاعتبار المعلوم مما قرره متصلة لظهور التعادل، وإن كانت بحسب الظاهر ليست كذلك، ولذا قال أبو البقاء رحمه الله: إنها منقطعة لفظا متصلة معنى فمن اعترض عليه لم يصب إذ ظن مخالفته لما أجمع عليه النحاة وأبصارهم سبب لحكمهم بخيريته فتدبر. قوله تعالى: ( {وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (معطوف على الصلة أو مستأنف أو حال ويبين قرئ بضم الياء وفتحها من أبان وبان. قوله: (فهلا ألقى عليه مقاليد الملك (هو كناية عن تمليكه كما أنّ ما في النظم كذلك، وقوله: إذ كانوا الخ تعليل لجعله كناية عما ذكر وهو من تتمة كلام فرعون لزعمه أنّ الرياسة من لوازم الرسالة كما قاله: كفار قريش في عظيم القريتين. قوله:

(وأساورة جمع أسواو (بضم الهمزة

ص: 445

بمعنى السوار بكسر السين وضمها وهو معروف، وقوله: على تعويض التاء فإنها تكون في الجمع المحذوف مدته للعوض عنها كما في زنادقة جمع زنديق، وقوله: جمع [سورة يعني أنه جمع الجمع. قوله: (مقرونين (أي به ويعينونه بيان للمراد من كونهم مقرونين به وأنه كناية أو مجاز عن الإعانة أو التصديق، ولولاه لم يكن لذكره بعد قوله: معه فائدة وهو لازم لأنه مطاوع قرنته فلذا دل على كونهم مقرونين به لأنه لازم معناه، أو لأنه بمعنى متقارنين لأن الافتعال يكون بمعنى التفاعل أيضا والمعنى فيهما متحد ولا حاجة إلى جعل متقارنين بمعنى مجتمعين كثيرين، والاقتران في الإعانة حسي وفي التصديق معنوي. قوله: (فطلب منهم الخفة) فالسين للطلب على حقيقتها، ومعنى الخفة السرعة لإجابته ومتابعته كما يقال هم خفوف إذا دعوا وهو مجاز مشهور أو المقصود وجدهم خفيفة أحلامهم أي قليلة عقولهم فصيغة الاستفعال للوجدان كالأفعال كما يقال: أحمدته وجدته محمودا وفي نسبته إلى القوم تجوّز في النسبة، وقوله: فيما أمرهم به لأن محصل ما قبله أمر باتباعه دون موسى عليه الصلاة والسلام، وقوله: فلذلك الخ إشارة إلى أنّ هذه الجملة تفيد التعليل كما في أمثاله. قوله:) أسف إذا اشتدّ غضبه (ولما كان الأسف انفعالاً نفسانيا لا ينسب له تعالى فسر بوجهين عملوا أعمالاً توجب الغضب، والانتقام أو المراد أغضبونا. قوله:) يقتدون بهم الخ (فهو استعارة لأنّ الخلف يقتدي بالسلف فلما أقتدوا بهم في الكفر جعلوا كأنهم اقتدوا بهم في حلول الغضب بهم كما نزل بسلفهم، ومن لم يقف على المراد فسره بسالفين بمعنى هالكين لأنه لا يناسب الاقتداء بهم في الغضب، والغرق وإذا كان مصدراً كالغضب صح إطلاقه على القليل والكثير، والمراد بالجمع ظاهره أو أنه اسم جمع لأن فعلاً ليس من أبنية الجموع لغلبته في المفردات، والسليف كالفريق لفظاً ومعنى والثلة جماعة من الناس، وقوله: بإبدال ضمة اللام الخ بناء على أنه قد يقال في فعل بالضم كجدد جدد بفتح الدال تخفيفا وما بعده على أنه

صيغة أصلية. قوله: (وعظة لهم) لأنّ السعيد من اتعظ بغيره فذكر ما حل بهم عظة لمن بعدهم أو المراد قصة عجيبة مشهورة فإن المثل يرد بهذا المعنى كما مر، وقوله: فيقال مثلكم الخ هذا بناء على أنّ المراد بالآخرين الكفار لتعلقه على التنازع بالسلف والمثل، وضرب المثل بأولئك لا يختص بالكفار فلذا جعل كونه مثلا لهم بمني أنه مثلهم في مضمونه، وفسره بما ذكر ولو تعلق بالثاني، وعمم الآخرين بما يشمل المؤمنين لم يحتج إلى تأويله بما ذكر. قوله:) ضربه ابن الزبعري (هو عبد القه الصحابيّ المشهور والزبعري بكسر الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون العين والراء المهملة والألف المقصورة معناه سيء الخلق، وهذه القصة على تقدير صحتها كانت قبل إسلامه لتأخر إسلامه وقد مزت مفصلة في سورة الأنبياء، ومز الكلام عليها فلا حاجة لإعادته هنا، وقوله: أو غيره معطوف على ابن الزبعري لا مجرور معطوف على لفظ قوله: إنكم الخ كما توهم والظاهر أن المراد بغيره من عبد الملائكة من العرب كبني مليح لتقدم ذكرهم في أول السورة، وقوله: النصارى أهل كتاب مبتدأ وخبر، والمقصود بالإفادة الجملة الحالية بعده فالمراد من ضرب المثل بعيسى عليه الصلاة والسلام أن بعض المشركين الذين عبدوا الملائكة احتجوا في جدالهم له صلى الله عليه وسلم بأن النصارى أهل كتاب، وقد عبدوا عيسى عليه الصلاة والسلام والملائكة أحق بالعبادة، وقوله: أولي بذلك أي بالعبادة والولدية وقوله: على قوله الخ معطوف على ما قبله بحسب المعنى لأنه في قوّة قوله: طاعنين على قوله إنكم الخ أو على المنع من عبادة الملائكة أو على قوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} [سورة الزخرف، الآية: 45] الآية التي مرّت في هذه السورة لأنه أبطل فيها عبادة غير الله فقالوا لحماقتهم بالقول في ابن مريم فإنّ النصارى عبدوه وهم أهل كتاب فلو سألت عنه أمّته وعلماء ملته قالوا ذلك: وقوله أو أنّ محمدا الخ عطف على النصارى، وإن فيه مكسورة فالمثل بمعنى المثال والقياس والمعنى إنهم قالوا: نريد أن نعبدك كما عبد المسيح ولا يخفى ما في عبارته من الخفاء والركالة، ولذا سقط قوله: وعلى قوله الخ من بعض نسخة المعتمدة، وقيل: هو من تحريف

الناسخ والمثل في الوجه الأوّل بمعنى المشابه في دخوله النار فهو بمعناه اللغوي أو بمعنى المثال والقياس لإبطال ما ردّوه أو بمعنى الحجة السائرة سير المثل، وكذا هو في الوجه الذي يليه، وما يليه وهذه الحجج باطلة غنية عن الجوأب وقد مرّ تفسير الآلهة ثمة بالأصنام، وبه سقط

ص: 446

كثير من أوهام هؤلاء الهوام، وإنما عطف قوله وعلى الخ بالواو دون أو لأنه مع ما قبله كما قيل كالوجه الواحد ولذا سقطت منه الواو في بعض النسخ وفيه نظر لا يخفى، ولبعضهم هنا كلام مع تكلفه بلا طائل كسراب بقيعة لا يساوي متاعه كراء الناقل. قوله:) من هذا المثل (من تعليلية أي من أجله إذ ظنوه ألزم وأفحم به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إنما سكت ارتقاباً للوحي ويضجون من الضجة وهي ارتفاع الأصوات، وهذا على غير الوجه الأخير أو الإعراض عن الحق بالجدل لحجج ذا حضة واهية، وقوله: هما لغتان أي بمعنى وهما الضجة والصياج كما يفعله السفهاء عند توهم الغلبة، ويحتمل أنهما بمعنى الإعراض على اللغتين. قوله:) 7الهتنا خير عندك) إنما قال عندك لأن كونها خير عندهم غنيّ عن السؤال، وإنما المقصود التنزل للإلزام على زعمهم بلزوم دخول عيسى النار، وهذا ناظر للوجه الأوّل من أن ما قبله لبيان مجادلة ابن الزبعري، وقوله: أو آلهتنا أولى وكانت في حكم المذكورة في الأمم السالفة بطل قوله: واسأل من أرسلنا الخ سواء جعل وجهاً مستقلاً أولاً وإن كان الأوّل مقتضى السياق، وقوله: أو آلهتنا خير أم محمد صلى الله عليه وسلم راجع للوجه الأخير وهو قوله أو إن محمداً يريد أن نعبده كما عبد المسيح. قوله: (بتحقيق الهمزتين) همزة الاستفهام والهمزة الأصلية، والقراءة بهمزة واحدة شاذة عند الأكثر إلا في رواية عن ورس، وغير هؤلاء قرأ بتسهيل الثانية بين بين ولم يقرأ بإدخال ألف بين الهمزتين لثقله بكثرة الألفات كما في النشر فتخصيص الكوفيين إما في مقابلة التسهيل لأنه يقابل التحقيق أو في مقابلة قراءة ورش كما قيل، والأوّل أولى وقوله: ألف بعدهما وهي مبدلة من همزة هي فاء الكلمة وأصله أآلهة فأعل إعلال آمن والهمزة الأولى زائدة في الجمع. قوله: (إلا لأجل الجدل) فهو مفعول له، وقيل إنه حال بمعنى مجادلين أي جدالهم على الوجوه السابقة ليس ناشئاً عن اعتقاد لظهور بطلانه، وقوله: شداد جمع شديد وهو من

صيغة فعل فإنها للمبالغة كحذر، وقوله: أمرا عجيبا تفسير للمثل كما مرّ، وقيل هو بمعنى حجة لهدايتهم. قوله:(وهو) أي قوله: إنّ هو إلا عبد الخ كالجواب المزيح بالزاي المعجمة والحاء المهملة بمعنى المزيل، والمراد بالشبهة ما سلف على الوجوه كلها، أما على الأوّل فلأنه يدل على أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام خارج عن عموم ما تعبدون فتخصيصه بقوله: إنّ الذين سبقت الخ وأما على لثاني فلدلالته على عبوديته المبطلة لبنوّته، وألوهيته وأكل اعلى الثالث فلأنه أبطل بعبوديته صحة دعوى عبادته فلا يرد نقضا على قوله واسأل الخ وأما على الرابع فلأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما قصره على العبودية، أبطل كونه معبودا فكيف يريد أن يعبد هو كعيسى عليه السلام، وقال: كالجواب المزيح لأنه غير صريح فيه. قوله: (لولدنا) بتشديد اللام يعني إنه تعالى بقدرته الباهرة يجوز أن يولد الملائكة من البشر كما ولد عيسى عليه السلام من غير أب فمن على هذا تبعيضية أو ابتدائية، أو المعنى لحوّلنا بعضكم ملائكة فملائكة مفعول ثان أو حال، والمراد أنّ الملائكة مخلوقون مثلكم لا يصلحون للعبادة، والذي خيل لكم اعتقادكم كونهم من غير توليد ولو شاء أوجدهم بالتوليد كما أوجدهم بالإبداع، وقوله: يا رجال تفسير للضمير المخاطب في منكم وإشارة إلى أنه للذكور من غير تغليب، وأن المعنى أنّ في عظيم قدرته أن يخلق توليداً من الذكور بدون الإناث كما خلق من أنثى بلا ذكر عيسى عليه السلام، ومن غير ذكر وأنثى آدم عليه الصلاة والسلام وما قيل إنه للإشارة إلى تقبيح جعلهم الملائكة إناثاً لا وجه له فإنه ليس فيه تعرّض لحال الملائكة أصلاً والتشبيه على كل حال في اتخاذ ما هو خارق للعادة. قوله:(أو لجعلنا بدلكم) إشارة إلى أنّ من للبدلية كما في قوله: {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} [سورة التوبة، الآية: 38] أي بدلها وكما في قوله:

ولم تذق من البقول الفستقا

ومعنى يخلفون على الأوّل يكونون خلفا ونسلاً لكم، وعلى هذا يكونون مكانكم بعد إذهابكم وإهلاككم، ولذا قيل إنه يكون حينئذ توعداً بالاستئصال وهو غير ملائم للمقام، ولذا قدم المصنف الأوّل وفصله بدون هذا وقيل: المراد بيان كمال قدرته لا التوعد بالهلاك وإن تضمنه ولا مانع من قصدهما معأ. قوله: (فإنه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك (وهو التوليد من الرجال، أو من غير الجنس بخلاف عيسى عليه السلام فإنه من أنثى من

ص: 447

جنسه وقوله: ذوات ممكنة لم يقل أجسام ممكنة أو متماثلة كما توهم أنه الأظهر والأولى لينطبق على

مذهب الحكماء القائلين بأنها ذوات مجرّدة ويسمونها عقولاً كما لا يخفى. قوله:) يحتمل خلقها توليداً الخ (ولا حاجة في إثباته إلى أن يقال إنها أجسام والأجسام متماثلة فيجوز على كل منها ما يجوز على لآخر ولا إلى أن يقال معنى خلقها توليدا أن يكون لها نوع تعلق بالجسم من حيث التبعية، فإذا كنت ممكنة فلا بد أن يجوز ذلك كالإبداع لعدم ما يدل على امتناعه فإن الحوالة على القدرة أظهر وهي كافية في إثباته، والانتساب قولهم لها بنات الله. قوله: الأنّ حدوثه) أي خلقه أو ظهور إرساله، وأشراط الساعة جمع شرط بفتحتين بمعنى العلامة فيكون علم الساعة مجازاً عما تعلم به والتعبير به للمبالغة كإطلاق الذكر عليه وعلى القرآن المعلوم به قربها، وقوله: أو لأنّ إحياءه الموتى الخ ضمير عليه للبعث المفهوم من السياق يعني إحياء عيسى عليه الصلاة والسلام للأموات بإذن الله يدل على صحة وقوع البعث، والساعة وقته فيدل ذلك عليها وعلى تحققها في نفسها. قوله: (وفي الحديث الخ (هذا الحديث مع مخالفة في بعضه مذكور في الكشاف وأفاد ابن حجر أنه من أحاديث متفرّقة بعضها في الصحيح وبعضها في غيره، وثنية أفيق بوزن أمير بفاء وقاف وهكذا رواه الحاكم وظاهره أنّ تلك الثنية والعقبة بالقدس الشريف نفسه، وهو غير ما وقع في القاموس من أنه قرية بين حوران، والغور فلا يناسب ذكره هنا وتفسيره به، وهو مخالف للمشهور من نزوله بدمشق واقتداء عيسى عليه الصلاة والسلام فيه خلاف أيضا، وفيل إنه يؤمهم وتفصيله في كتب الحديث وليس هذا محله وقتله للنصارى ورفع الجزية ليس نسخا لشريعتنا كما يتوهم لأنها في شرعنا مؤقتة بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام كما ذكره المحققون وإلا كان ذلك مخالفاً لكونه! بر خاتم الأنبياء

وشريعته ختام الشرائع، وقوله: آمن به أي بعيسى عليه الصلاة والسلام والمراد الأمر بما يأمرهم به ومنه الإسلام والإيمان بنبينا صلى الله عليه وسلم والظاهر أنّ الحديث تأييد للأوّل لا للثاني كما قيل. قوله: (فإنّ فيه الإعلام الخ) فجعله عين العلم مبالغة أيضا وتمريضه لأنه لم يجر له ذكر هنا ولا يناسب السياق وكونه ضمير النبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله: " بعثت أنا والشاعة كهاتين " أ1 (بعيد، وقوله: وقيل هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم فهو بتقدير وقل اتبعوني، ولذا مرضه لأنه تقدير ما لم تقم عليه قرينة من غير حاجة. قوله:) ثابت عداوته) بالمثلثة اسم من الثبوت في نسخة وفي أخرى بانت فقيل بالموحدة والنون بمعنى ظهرت ورجحت هذه على أنها إشارة إلى أنه لازم من أبان بمعنى بأن ففيه مضاف مقدر أو هو بيان لما يراد منه لأنه معلوم من وصفه به، وهو محتمل للتعذي بتقديره مظهر عداوته. قوله:(بالمعجزات الخ الا مانع من إرادة الجميع، وقوله: الواضحات صفة للجميع إن لم يكن هذا العطف مانعا منه والا فهو نعت للأوّل أو الأخير ويقدر لغيره مثله وليس من التنازع في شيء كما توهم إذ لا وجه للتنازع في النعت، وقوله: بالإنجيل الخ لم يقل أو المعجزة على قياس ما قبله لأنه لا يناسب تسميته حكمة، وفي الكشاف والشرائع بالواو والجمع وهو أشمل وأفيد والمصنف نظر إلى أفراد الحكمة وصحة التفسير لكل بها. قوله تعالى: ( {وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ} الخ) متعلق بمقدر أي وجئتكم الخ وقد تقدّم تفصيله، وأنه لم يترك العاطف ليتعلق يما قبله ليؤذن بالاهتمام بالعلة حتى جعلت كأنها كلام برأسه، وقوله: وهو ما يكون الخ إشارة إلى وجه ذكر البعض فيه، وقوله:" أنتم أعلم " الخ حديث صحيح قاله لبعض الصحابة رضي الله عنهم وقد استشاره في تأبير نخله ويجوز أن يراد بالبعض بعض أمور الدين لأنه لا يمكن بيان جميعها تفصيلاً وبعضها مفوّض للاجتهاد. قوله:) بيان لما أمرهم الخ)

التوحيد من توسط ضمير الفصل، وتعريف الطرفين وكونه بيانا للحكمة مآله هذا أيضاً والتعبد من قوله: فاعبدوه، وقوله: المتحزبة بمعنى المختلفة إلى جماعة جماعة وحزب حزب وهم النصارى الذين هم أمّة إجابته فإنهم اختلفوا فرقا ملكانية ونسطورية ويعقوبية كما مرّ. قوله:) أو اليهود والنصارى) الذين هم أمّة دعوته عليه الصلاة والسلام، واليه أشار بقوله المبعوث إليهم، وقوله: من المتحزبين على التفسيرين وهم الذين لم يقولوا إنه عبد الله ورسوله من النصارى أو اليهود، وقوله: أليم صفة عذاب أو يوم على الإسناد المجازي، وقوله: الضمير

ص: 448

لقريش فيكون حينئذ ابتداء كلام، وينظرون بمعنى ينتظرون وهو مجاز بجعله كالمنتظر الذي لا بد من وقوعه تهكما بهم، ويجوز جعل إلا بمعنى غير وبه فسر في سورة القتال، وفجاءة بالضم والمذ. قوله:(كافلون عنها الخ (بيان لأنّ قوله: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ليس مستدركاً مع قوله: بغتة فإن من يبغت قد يكون لمن له فطنة وشعور، وقد لا يكون كذلك ومع أخذ الإنكار فيه يتضح ذلك أتم اتضاج. قوله: (أي يتعادونا يومئذ الخ) إشارة إلى تعلق الظرف بعدوّ، وان تقدمه والفصل لا يضره، والعلق جمع علقة يمعنى العلاقة وهي ما يقتضي المحبة، ويجوز تعلقه بالإخلاء ومتعلق عدوّ مقدر أي في الآخرة على أن يومئذ المراد به في الدنيا، وقوله: لظهور علة للانقطاع لبيان أنّ المراد به انقطاع مستلزم للعداوة وسبباً حال من الموصول. قوله:) حكاية الخ) إشارة إلى أنه بتقدير قول أي فيقال لهم: يا عبادي أو بأقوال لهم بناء على أن المنادي هو الله تعالى تشريفاً لهم، وقوله: يومئذ أي في الآخرة لأنه لا يظهر كونه في الدنيا إلا بتكلف كما قيل، وقوله: صفة المنادي وفي نسخة للمنادي، ويجوز كونه بدلاً ونصبه بمقدر كامدح ونحوه، وقوله: حال من الواو بتقدير قد وإنما جعله حالاً ولم يعطفه على الصلة مع تبادره إلى الذهن واستغنائه عن التقدير لما أشار إليه بأنه أبلغ كما في الكشاف لأنّ المراد بالإسلام هنا الانقياد والإخلاص ليفيد ذكره بعد الإيمان فإذا جعل حالاً أفاد مع تلبسهم به في الماضي اتصاله

بزمان الإيمان، وكان تدل على الاستمرار أيضا ومن هنا جاء حالاً أفاد مع تلبسهم به في الماضي اتصاله بزمان الإيمان، وكان تدل على الاستمرار أيضاً ومن هنا جاء التأكيد والأبلغية بخلاف العطف والحال المفردة. قوله:) نساؤكم المؤمنات (إشارة إلى إفادة لإضافة! للاختصاص التام ليخرج من لم يؤمن منهن، وليس احترازا عن الحور العين كما توقم، وقوله: يظهر حبارة بفتح الحاء وكسرها أي نضرة وحسنا في الوجوه كما ترى فيمن يسر سرورا عظيما وهو إشارة إلى مأخذه وهو مع ما بعده متحد معنى وإنما الفرق في المشتق منه هل هو الحبارة بمعنى نضارة الوجه، أو الحبر بكسر الحاء وفتحها بمعنى الزينة. قوله:) أو تكرمون الخ (هذا منقول عن الزجاج، وقوله: الحبرة بالفتح المبالغة في الفعل الموصوف بأنه جميل ومنه الإكرام فهو في الأصل عام أريد به بعض أفراده هنا، والصحفة آنية الأكل والكوب والكوز ما يشرب منه إلا أنّ الأوّل ما لا عروة له، ولما كانت أواني المأكول أكثر بالنسبة لأواني المشروب عادة جمع الأوّل جمع كثرة والثاني جمع قلة. قوله: الا عروة له (العروة ما يمسك منه، ويسمى أذنا ولذا قال الشاعر ملغزا فيه:

وذي أذن بلا سع له قلب بلاقلب

إذا استولى على صب فقل ماشئت في الصب

وقوله: على الأصل أي ذكر عائد ما الموصولة، ويجوز كونها مصدرية لكن الأوّل

أظهر. قوله:) وذلك) أي ذكر ما تشتهيه النفوس وتلذ به العيون الشامل لكل لذة ونعيم بقوله: وفيها الخ بعد ذكر الطواف عليهم بأواني الذهب الذي هو بعض من التنعم، والترفه تعميم بعد تخصيص كما أنّ ذكر لذة العين التي هي جاسوس ألنفس بعدها تخصيص بعد تعميم، وإن أدخل فيه النظر إلى وجهه الكريم. قوله: (فإنّ كل نعيم زائل (أي غير نعيم أهل الجنة وليسر المراد ما يشمله وزواله بمعنى ذهاب بعض أفراده بتجدد الأمثال كما يوجه به قوله:

وكل نعيم لا محالة زائل

إن لم يخصص وهذا بيان لخطابهم بقوله: وأنتم الخ فإنه تأكيد لقوله: {لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ}

[سورة الزخرف، الآية: 68] وثاني الحال ما يعقبه ولله در القائل:

وإذا نظرت فإنّ بؤساً زائلا للمرء خيرمن نعيم زائل

قوله: (شبه جزاء العمل بالميراث (ففيه استعارة إذ شبه ما استحقوه بأعمالهم الحسنة من

الجنة ونعيمها الباقي لهم بما يخلفه المرء لوارثه من الأملاك والأرزاق ويلزمه تشبيه العمل نفسه بالمورث بصيغة اسم الفاعل فهو استعارة تبعية أو تمثيلية، ويجوز أن تكون مكنية ويجوز كونه مجازاً مرسلا لنيله وأخذه فقوله: لأنه الخ بيان لوجه الشبه وضمير أنه للشأن، ويخلفه مضارع خلفه إذا صار خليفة له والعامل فاعله وضمير يخلفه للعمل وضمير عليه للجزاء، أي يخلفه ثابتا ومستولياً على ما ناله من جزائه بفضل الله تعالى، وتوفيقه وقد مز فيه وجه آخر في سورة مريم، وقدمنا ما فيه ثمة. قوله:) إشارة إلى الجنة المذكورة (الظاهر أن المراد به المذكورة في قوله: ادخلوا الجنة، وقد أورد عليه أنه إذا كانت الجنة صفته تكون الإشارة إلى الواقعة

ص: 449

صفة لا إلى السابقة وقد جعلها صفة على تقدير أن يكون المشار إليه الجنة المذكورة في قوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} [سورة الأعراف، الآية: 49] كما مرّ في البقرة وهو على تسليمه قد يدفع بأن المذكورة شامل لما ذكر قبله بعده، وقوله: وعليه أي على كونه جزاء، وهذا في غاية الظهور غني عن البيان والباء للمقابلة أو السببية كما مرّ.

قوله: (بعضها تثلون (فمن تبعيضية ويجوز كونها ابتدائية، وأشار بقوله: لكثرتها إلى ترجيح التبعيض بدلالته على كثرة النعم وأنها غير مقطوعة ولا ممنوعة، وقوله: لما كان أقي في الدنيا فهو تسلية لهم، وأما كون أكثر المخاطبين عوام نظرهم مقصور على الأكل والشرب كما قيل: فغير تام وقصر أكلهم على الفاكهة إشارة إلى أنهم لا يلحقهم الجوع وإنما يأكلون تفكها فتقديم منها إما للحصر الإضافي أو للفاصلة. قوله: الأنه جعل قسيم المؤمنيق (بآياتنا السابق في قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا} فلا يدل على خلود العصاة كما ذهب إليه المعتزلة والخوارج ولا يضر خروجهم لأن المراد بالذين آمنوا المتقون لقوله: {لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} [سورة الزخرف، الآية: 68] فإنه مختص بهم ولا ضير فيه كما توهم، والقول بأن الذين آمنوا شامل لهم لأنّ العلة إيمانهم وإسلامهم لا يخفى ما فيه، وقوله: الكاملين لانصراف المطلق له بيان لوجه التخصيصر، ويجوز أن يكون تعريفه للعهد وما يخص بالكفار ما بعده.

قوله:) خبر أنّ (أي الظرف خبر وخالدون فاعله لاعتماده أو خالدون هو الخبر والجار متعلق به، وقوله: والتركيب أي مادّته بأقي صيغة كانت تدل على لضعف مطلقا ففترة الحمى ضعف في ألمها وكذا العذاب، وفتور القوى وغيره وفترة الرسل الزمان الخالي منهم، وفيه ضعف الشرائع والإيمان، وفسر الإبلاس باليأس وأصله السكوت وانقطاع الحجة وهو قريب من هذا وقوله: وهم فصل أي ضمير فصل لا مبتدأ فيفيد التخصيص. قوله: (ولعله (أي الترخيم على لغة الانتظار وغيرها كما نبينه لأنهم قد يضعفون عن إتمامه كما يشاهد في بعضى المكرويين لا لقصد التصرف في الكلام وهو إشارة إلى الجواب عن قول ابن مسعود رضي الله عنه، وقد حكيت له هذه القراءة فقال ما أشغل أهل النار عن الترخيم، وقوله: اختصروا أي بطلب الموت واضمار قولهم: سل ربك وقل ليقض الخ كما أشار إليه بقوله: والمعنى الخ وقوله: ربك لحثه لا للإنكار. قوله: (وهو لا ينافي إبلاسهم الخ (قد أورد عليه أنه جواب سؤال مقدر كما في الكشاف لكنه إنما أورده لأنه اعتبر في معنى الإبلاس السكوت لليأس والدهشة فلذا ورد عليه أنّ قولهم لمالك ما ذكر ينافيه فدفعه بقوله: إن أوقات العذاب متطاولة فيأسهم يخرسهم في بعضها، وذهولهم في بعض أوقات الشدة يحملهم على الاستغاثة:

وكذا الغريق بكل حبل يعلق

وأمّا المصنف كغيره فلم يعتبره فلا يرد عليه السؤال حتى يحتاج للجواب فهو تبرع على

من لا يقبل اللهمّ إلا أن يريد بيأسه من الخلاص من العذاب، ولو بالموت فإن الحال التي يتمنى فيها الموت شر من الموت لكن مثله لا يسمى خلاصا، ونجاة إلا مع القرينة والقرينة هنا قوله: بعد هذا بموت ولا بغيره فإنه صريح فيه، وما قيل غليه من أن قوله ونادوا الخ معطوف بالواو وهي لا تقتضي ترتيبا فلا يرد السؤال رأساً وكذا ما قيل إنه أراد باليأس اليأس مع السكوت لتصريحه به في سورة الروم وإنما تعرّض له ثمة ولم يتعرض له هنا إشارة إلى أنه مجرّد عن قيده هنا، وما في الكشاف لا يناسب دوام الجملة الاسمية والسؤال إنما يرد في بادئ الرأي فأحب إزالة قذي الشبه عن ناظره ظاهر السقوط مع التدبر إذ جملة، وهم فيه مبلسون حالية لا تنفك عن الخلود وما ذكر في محل آخر لا يفيد هنا وهكذا يعرف باقيه. قوله:) فإنه

جؤار) بضم الجيم، وبعده همزة كالصراخ لفظا ومعنى والصياح في الشدة لا ينافي اليأس منها، وكذا التمني فإنه يجري؟ في المحالات فقوله: من فرط الشدة راجع لهما، وقول مالك في جوابهم إنكم ماكثون لا ينافيه فإن الملك لا يلزمه العلم بخفي أحوالهم مع أنه قد يقوله صلى الله عليه وسلم لهم وتقنيطاً مع أنه مبني على أنه جواب وشيأتي ما فيه.! قوله:(جمالإزسالى الخ (الظاهر أنه تفسير لقوله: بالحق فيكورن بدلاً منه فلا يلزم تعلق حرفي جرّ بخمعنى بمتعلق واحد حتى يقال الباء الأولى للتعدية والثانية للسببية. قوله:) وهو) أي قوله: لقد جئناكم الخ بناء على احتمال كؤن فاعل قال ضمير الله: المستتر أو ضمير ما لك فعلى الأوّل كله حمقو! ل الله في جوابهنم، وكتمته بهذا فإنه الجواب في الحقيقة وعلى الثاني يكون هذا ابتداء كلام من ألله فهو جواب تولاه بنفسه يعد ما صدر

ص: 450

من مالك في سورة الجواب، وعلى كل ليس هذا من قول مالك لا لأنّ ضمير الجمع / ينافيه بل لأنّ مالكا لا يصح امنه أن يقوله لأنه لا خدمة له غير خزنه للنار، وليس هذا من إسناد ما للبعض إلى الكل مع ركاكته، ولزوم! تفكيك الضمائر إلى غير ذلك من التكلفات، وقيل إنّ قوله إنكم ماكثون خاتمة حال الفريقين في القيامة، وقوله: لقد الخ كلام آخر. مع قريش والمراد جئناكم في هذه المسورة أو القرآن. قوله: (ولكن كثركم) - خطاب للكضار على الوجهين، وعبر بالأكثر لأنّ من الاتباع من يكفر تقليدا، والأدآب بالمد ؤكسر! همزته الأولى بمعنى الأتعاب وقوله: في تكذيب الحق متعلق بأبرموا وأصل الأبرام فثل الحبل ويراد به التدبير والأحكام وفد يتجوّز به عن الإلحاح والمراد هنا المعنى الثاني، وقوله: ولم يقتصروا على كراهته إشارة إلى أنّ أم للإضراب عما قبلها وقوله: في جازاتهم، واظهار أمرك وهو إشارة إلى أنّ إبرأ مهم لا- يفيدهم ولا يغني عنهم شيئاً. قوله:(والعدول عن الخطاب) في أكثركم إلى الغيبة في أبرموا إعر، ضاً عنهم لسوء فعالهم، وقوله: بأنّ ذلك أي إبرامهم تكذيب الحق أسوأ حالاً من كراهته لأنه تصميم على إظهار ما في أنفسهم. قوله: (أو أم أحكم المشركون الخ) من كيدهم بيان للأمر الذي أحكموا تدبيره في دار الندوة من كاقتله صلى الله عليه وسلم فكان ذلك راجعا عليهم وقوله: ويؤيده الخ لأنه يدل على أنّ ما أبرموه أمر أخمروه فيناسب الكيد دون تكذيب الحق فإنهم مجاهرون به إلا أن يكون باعتبار أنهم يعلمون حقيقته، ويسرونها في أنفسهم، وهو خلاف الظاهر. قوله:(حديث نفسهم) السر يكون بمعنى حديث النفس، وحديث الغير خفية، وحمله

على لأوّل لأنه المقابل للنجوى وهي مناجاته الغير خفية لأنّ أصل معنى المناجاة المسارة كما ذكره الراغب قال تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [سورة طه، الآية: 62] وقوله بذلك إشارة إلى كيدهم لرسوله صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي أخفوه دون التكذيب فهو ترجيح للوجه الثاني، وقوله: تناجيهم أي تحادثهم سراً وأصله الحديث على نجوة من الأرض ويكون بمعنى التحادث مطلقا، وفيه إشارة إلى أنه مصدر في الأصل وقد يتجوّز به عن الحديث، وقوله: مع ذلك أي السمع وقوله: يكتبون ذلك أي سرهم ونجواهم والمضارع للاستمرار وهو حال أو خبر أيضاً فقوله ة ملازمة يجوز نصبه ورفعه. قوله: (منكم (بيان للمفضل عليه، وأنّ أوّليته بالنسبة لهؤلاء الكفرة لا لمن تقدمهم فمانه لا يتأتى ولو أبقى على إطلاقه على أنّ المراد إظهار الرغبة والمسارعة جاز، وقوله: فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ تعليل للملازمة ونفي لأن يكون عدم عبادته له لعدم علمه به، وقوله: يصح إشارة إلى إن كان في النظم بمعنى صح كما يقال: ما كان لك أن تفعل كذا وهو أحد استعمالاتها. قوله: (وأولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه) أي ما يوجبه حق الله عليه من تعظيمه وعبادته، أو ما يوجبه الله عليه كما أشار إليه بقوله: ومن حق الخ ومن غفل عن هذا قال: الأوفق بما بعده أن يقول ما يجب، واختار هذا للإشارة إلى أنه لا يفعل شيئا من تلقاء نفسه بغير موجب ومقتض. قوله:(ولا يلزم من ذلك الخ) والإشارة إلى ما ذكر من قوله: وان كان الخ حيث علق فيه عبادة الولد على صحة وجوده بكلمة، إنّ دون لو المستعملة في المفروضات ولو محالاً فإنها وان لم تقتض وقوع ما بعدها لا تنافي جوازه وصحته، وقوله: إذ المحال قد يستلزم المحال فكينونة الولد المحالة مستلزمة لمحال آخر وهو عبادته يعني أنها شرطية والشرط إنما يدل على استلزام أحد الطرفين للآخر، ولو محالاً فإنّ المحال قد يستلزم المحال وان قد تستعمل في مثله كلو لنكتة كما بينه أهل المعاني فالتعليق بها لا يستلزم صحة الكينونة، فما قيل: إنّ هذا لا يصلح لتعليل ما قبله وتقريره مما لا يلتفت إليه. قوله: (بل المراد نفيها) أي نفي صحة الكينونة وهو أولى من رجوعه للكينونة، وفي نسخة نفيهما بضمير التثنية العائد على صحة الكينونة والعبادة، وقوله على أبلغ الوجوه وهو الطريق البرهاني والمذهب الكلامي فإنه في الحقيقة قياس استثنائي استدل فيه بنفي اللازم البين انتفاؤه على نفي الملزوم كما في قوله:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ} الخ فإنه استدل فيه بانتفاء الفساد على انتفاء تعدد الآلهة ولا تفاوت بينهما إلا باختصاص لو غالباً بالمقطوع الانتفاء فتشعر بانتفاء الطرفين، وان بخلافه لأنها لمجرّد التعليق فالانتفاء هنا معلول اللازم أعني عبادته صلى الله عليه وسلم للولد فإن هذا اللازم يقتضي عدم نفسه

كفردية الأربعة المقتضية لعدمها، وهذا الانتفاء الذي تقتضيه ذات اللازم المنتفي دال على انتفاء

ص: 451

الملزوم أي كينونة الولد، وايرادان في مقام لو كما يشير إليه تمثيله لجعل ما في حيزها بمنزلة ما لا قطع بعدمه على طريق المساهلة، وارخاء العنان للتبكيت والإفحام كما في شرح المفتاح الشريفي. قوله:(غير أن لو الخ (إشارة إلى الفرق بين الآيتين في طريق الاستدلال بتغاير كلمتي الشرط فيهما، وانه أسلوب واحد عدل عن تعبيره لنكتة كما قدمناه، وقوله: مشعرة بانتفاء الطرفين فإنها للاستدلال بانتفاء الجزاء على انتفاء الشرط من غير دلالة على تعيين زمان كالماضي وقوله: فإنها لمجرّد الشرط وفي نسخة الشرطية وهما بمعنى يعني أنها لا تشعر بالانتفاء على التعيين فلا ينافي إشعارها بالشك فتدبر. قوله: (بل الانتفاء معلول لانتفاء اللازم الخ) إشارة إلى طريقه البرهاني كما قرّرناه لك، والمراد باللازم عبادته للولد وهو مقتض لنفي نفسه كفرد من الأربعة وهذا الانتفاء الذي يقتضيه ذات اللازم المنفي كما يشير إليه قوله معلول لانتفاء اللازم الدال على انتفاء ملزومه، وهو كينونة الولد هكذا ينبغي أن يقرر كلامه على ما و! ع اللازم أي عبادته صلى الله عليه وسلم في نفسه، وان لم تشعر به كلمة إن وهوكاف في الاستدلال فما ذكر من الكلام المصدر بأن لا يدل على صحة الكينونة. قوله:) والدلالة على إنكاره الخ) هو مرفوع معطوف على قوله نفيهما أي المراد إفهامه الكفار أنّ مقصوده النظر، والاستدلال لا المراء والجدال فلذا سيق على هذه الطريقة مصدر إبان دون لو المشعرة بالانتفاء الموهم للعناد والمراء، وبهذا التقرير يظهر أنه يجوز جره وعطفه على قوله: لمجرد الشرط كما ارتضاه بعض أرباب الحواشي. قوله: (إن كان له ولد في رّعمكم الخ (قال الإمام هذ الوجه لا صحة له لأنه لا تأثير لزعمهم الولد الواقع شرطا ولما رتب عليه من الجزاء وهو غير وارد لأنّ المراد أن أكون أوّل العابدين الموحدين كناية عن إنكار شركهم كما قرره الزمخشري بقوله: {إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} في زعمكم [سورة الزخرف، الآية: 81] فأنا أوّل العابدين الموحدين لله المكذبين قولكم ب! ضافة الولد إليه انتهى، فإنّ نسبتهم الولد لله تقتضي أن يكذبهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأن يكون أوّل من ينكره لأنه صاحب الدعوة إلى التوحيد، فلا حاجة إلى تكلف أن تسببه عن الشرط باعتبار الأوّلية في العبادة والتوحيد من بينهم إذا أطبقوا على ذلك الزعم يكون لمجلى أوّلهم لا محالة، وكذا ما قيل في جوابه أن السببية بح! سب الذكر كقولك إن تضربني فأنا لا أضربك، ولكونه غير ظاهر في الارتباط مرضه المصسنف رحمه الله. قوله:) أو الآنفين منه) يعني أنه من

عبد يعبد كفرح يفرح إذا أنف أنفة أي جحد بفتحتين كعظمة والأنفة معناها الإباء من الشيء والإنكار لما فيه كراهة منفرة عنه، وهي إمّا من الولد أو من كونه لله ونسبته كما فصله المصنف، ويؤيده أنه قرئ، من العبدين جمع عبد كحذر لأنه المعروف في معنى أنف، وقلما استعمل عابد بمعناه، ولذا ضعف أبو حيان هذا التأويل لمخالفته لما عرف في الاستعمال، ومن أن يكون معطوفا على ضمير منه بإعادة الجار. قوله:(أو ما كان له الخ) فإن نافية وكان للاستمرار والمقصود استمرار النفي لا نفي الاستمرار، والفاء للسببية ولكونه خلاف الظاهر مع خفاء وجه السببية أو حسنها مرضه المصنف رحمه الله، وقراءة حمزة على أنه جمع ولد. قوله:(عن كونه ذا ولد) تفسير لما وهي تحتمل الموصولية بتقدير يصفونه به، والمصدرية والثاني ظاهر من عبارة المصنف رحمه الله لا متعين، وقوله: أصولاً ليكون أكثر الموجودات منها وبها وهو إشارة إلى وجه تخصيص المذكورة بالذكر والأولى إنها كناية عن جميع العوالم فيفيد أنه خالق لها كل! ها فكيف يكون بعض مخلوقاته، ولداله فإن تبرؤها من التوليد لا معنى له إلا بتكليف بعيد قوله:(أي يوم القيامة (فسره به لأنه هو اليوم الموعود وبه سمى في لسان الشرع، وقد ذكره القرطبي رحمه الله في أسماء يوم القيامة، وإن كان المصمنف رحمه الله فسره به في الطور، وأما كون الغاية للخوض واللعب إنما هو يوم الموت فينبغي التفسير به كما قيل فمخالف للمعروف، ولما بعده من ذكر الساعة، والذي دعاه لذلك أنقطاع ما ذكر بالموت وهو مدفوع بأنّ الموت وما بعده في حكم القيامة، ولذا ورد من مات فقد قامت قيامته، ومثله قد يراد به الدلالة على طول المدّة مع قطع النظر عن الانتهاء فيقال لا يزال في ضلاله إلى أن تقوم فتدبر. قوله: (وهو دلالة الخ) كونه جهلاً مأخوذ من الخوض لأنه

ص: 452

في الأكثر يستعمل في الكلام بما لا يعلم لأنّ الحائض يضع قدمه فيما لا يراه، وربما صادف ما يغرقه لعمقه واتباع الهوى من اللعب، والطبع على قلوبهم في باطلهم إلى يوم القيامة وأمره بتركهم والعذاب من كونهم موعودين به. قوله:(مستحق الخ) إنما ذكر الاستحقاق لأنه على الوجهين لا تلزم العبادة بالفعل وضمير به لا له، وهو إمّا صفة من إله بمعنى عبد فتعلق الظرف، وهو في السماء وفي الأرض به ظاهر، أو هو يفهم منه لأنه لازم له كما يفهم من حاتم معنى جواد فيتعلق به الجار

بهذا الاعتبار، وكذا لفظة الله لأنّ أصلها الإله فيجري فيها ما يجري فيه. قوله:(والراجع) أي عائد الموصول والتقدير هو إله في السماء، وقوله: لطول الصلة تعليل لقوله: محذوف متعلق به، وقوله: بمتعلق الخ متعلق بطول، وقوله: والعطف عله أي على الخبر لا على متعلقه كما قيل لأنه يصير إله الثاني تكريراً محضا والتأسيس أولى. قوله: (ولا يجوز جعله) أي قوله في السماء خبراً له أي لقوله: إله وهو معطوف على قوله، والظرف الخ لعدم العائد وفساد المعنى أيضاً وقوله: لكن لو جعل أي الظرف صلة للذي، وجواب لو محذوف تقديره جاز أو صح، وقوله: قدّر لإله مبتدأ الخ إنما اختاره على كونه خبراً آخرا وبدلا من الموصول، أو من ضميره بناء على تجويزه لأنّ إبدال النكرة غير الموصوفة من المعرفة إذا أفادت ما لا يستفاد أو لا جائز حسن كما هنا كما مرّ تقريره في الوادي المقدس طوى لأنّ البيان أتم وأهمّ هنا فلذا رجحه مع ما فيه من التقدير، وحينئذ فلا فاصل أجنبي بين المتعاطفين. قوله:) وفيه) أي في هذه الآية نفي الإلهية عن غيره تعالى، وهو من تعريف الطرفين المفيد للحصر، وكذا الاختصاص المذكور مستفاد منه ومن التقديم، وقوله: كالدليل عليه أي على ما ذكره من النفي والاختصاص فإن من لا يتصف بذلك لا يستحق الألوهية، وقوله: العلم بالساعة إشارة إلى أنه من إضافة المصدر لمفعوله، وقوله: التي تقوم القيامة فيها الخ فالمراد بالساعة معناها اللغوي، وهو مقدار قليل من الزمان لكنه في عرف الشرع جعل اسماً ليوم القيامة كما في شرح البخاري. قوله:(وقرأ نافع الخ) قد علمت أن المصنف رحمه الله لا يلتزم في تفسيره البدء بما عليه أكثر القراء فقول المحشي إنه مخالف معتاده لموافقته ما قبله وكونه على مقتضى ظاهر لا وجه له وإفادة الالتفات للتهديد لأنّ توجيه الخطاب للمذنب أشد في عتابه، وقوله: الذين يدعون ضمير الفاعل للكفار، والعائد مقدر أي يدعونه. قوله:) بالتوحيد (تفسير لقوله: بالحق وأمّا كونه إبراز المفعول يعلمون كما قيل فإن أراد إبرازه بالمعنى، والتقدير يعلمونه لأنه ضمير الحق فتفسيره تفسيره فظاهر وإن أراد ما هو المتبادر منه فهو بناء على أنه لكونه بمعنى عارف فيتعدى بالباء كما يقال هو عالم بالله وهو صحيح لكنه خلاف المعروف فيه، واستدل الفقهاء

بهذه الآية على أنّ الشهادة لا تكون إلا عن علم وأنها تجوز وإن لم يشهد. قوله: (والاستثناء متصل الخ) الاتصال والانفصال على ما ذكره ظاهر والقصر قيل إنه على الأوّل إضافي فلا ينافي شفاعة غير من يدعونه، أو حقيقي لأن الكلام في شفاعة الآلهة لا في مطلق الشفيع فلا ينافي شفاعة غيرهم، وعلى الثاني حقيقي وفي كلام المصنف بحث لأن المعنى على التعميم والتخصيص بالأصنام لأنّ غيرهم لا يملك لاشفاعة للكفرة فالظاهر أنّ الاستثناء منفصل على كل حال فتأمل. قوله:(أو المعبودين الخ) فضمير خلقهم لهم، وقوله: لتعذر المكابرة تعليل للتفسير الأوّل، وعلى الثاني فتعليله لإقرار آلهتهم للتبرؤ منهم، وتكذيبهم وفاء فأنى جزائية أي إذا كان كذلك فأنى الخ، والمراد التعجب من إشراكهم مع إقرارهم وهذا على تفسيره الأوّل أيضاً، وعلى الثاني وجه الترتيب علمهم بإقرار المعبودين بهذا وقوله: يصرفون عبادته تفسير ليؤفكون كما مرّ، وقيل: المعنى فكيف يكذبون بعد علمهم بذلك فهو تعجيب من عبادة غيره تعالى وانكارهم للتوحيد مع أنه مركوز في فطرتهم فهو متعلق بما قبله من التوحيد، وإقرارهم بأنه هو الخالق وأما كون المعنى كيف أو أين يصرفون عن التصديق بالبعث مع أنّ الإعادة أهو من الإبداء على أنه متلعق بأمر الساعة، كما قيل: فيأباه السياق، ولذا لم يحتجوا له. قوله: (وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (المذكور في قوله: {لَئِن سَأَلْتَهُم} والقيل والقال والقول مصادر جاءت بمعنى واحد وقوله: ونصبه للعطف على سرهم السابق في قوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم} [سورة الزخرف، الآية: 81] وهو قول الأخفش

ص: 453

كما في الكشاف ورده بأنه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف، والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر النظم وما ذكره من الفصل ظاهر، وامّا ضعف المعنى وتنافر النظم فغير مسلم لأن النظم تقديره حينئذ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم، ونجواهم ولا نسمع قيله الخ وهو منتظم أتم انتظام، ولذا لم يلتفت إليه. قوله: (أو على محل الساعة (لأنه في محل نصب لأنه مصدر مضاف لمفعوله كما بيناه، وقد أورد عليه الزمخشري ما قدمناه، وهو غير وارد كما عرفته لأن المعنى عنده علم الساعة، وعلم قول الرسول المذكور ولا ركاكة فيه والفصل هنا أقل من الأول فيقل الاعتراض. قوله: (أو لإضمار فعله (أي يقدر فعل ناصب له على المصدرية والتقدير، وقال: قيله يا رب الخ والجملة معطوفة على ما قبلها، وقال الشارح المحقق: إنه لا يظهر فيه ما يحسن عطف الجملة عليه، وليس التأكيد بالمصدر في موقعه ولا ارتباط لقوله: فاصفح به، ولذا قيل إنه التفات والمراد قلت قيلك فينتظم الكلام بعض انتظام، وقال الطيبي موجها له

تقديره وقلنا لك: ولئن سألتهم الخ فقلت يا رب يأسا من إيمانهم وجعل غائبا التفاتا كأنه فاقد نفسه للتحزن عليهم حيث لم ينفع فيهم سعيه، وقد قيل أيضا أنه يجوز فيه كما في الرفع أيضا أن تكون الواو حالية أي فأنئ يؤفكون، وقد قال الخ أي حال كون الرسول شاكيا من إصرارهم على الكفر، ولا يخفى أنه كله خلاف الظاهر. قوله:(عطفاً على الساعة) هذا لم يرتضه الزمخشريّ ويعلم حاله مما قبله، وقراءة الرفع شاذة وفي الإشارة إليهم بهؤلاء دون قوله: قومي ونحوه تحقير لهم، وتبرؤ منهم لسوء حالهم وقرئ: يا رب بفتح الباء اجتزاء بالفتحة، وقوله: بتقدير مضاف أي علم قيلة فحذف وأقيم المضاف إليه مقامه، ويجوز عطفه عليه من غير تقدير أي ذلك معلوم له فيجازيهم عليه. قوله:(وقيل هو قسم الخ) هذا بوجهيه مختار الزمخشري لبعد العطف وضعفه، ولذا قال ابن هشام رحمه الله إنه خلاف الظاهر إذ الظاهر هو انّ قوله: يا رب الخ متعلق بقيله، واذا كان إنّ هؤلاء جواب القسم كان إخبار الله تعالى عنهم وكلامه، والضمير في قيله للرسول وهو المخاطب بقوله: فاصفح والمصنف رحمه الله تعالى لم يرتضه ومرضه لما فيه من الحذف من غير قرينة، وهو إنما عهد في كلام العرب فيما اشتهر استعماله في القسم نحو لعمرك أو ما هو صريح فيه، وإن كان سبق القسم قبله في قوله: ولئن سألتهم لأنّ اللام فيه موطئة للقسم بما يؤنسه، ويقربه وهو الذي رجحه الزمخشري واقسام الله بقيله رفعاً له وتعظيما لدعائه، والتجائه وقابل الحذف بالإضمار لما مرج من اصطلاحهم في الأكئر على تسمية المقدر إن لم يبق له أثر محذوفا فإن بقي فهو مضمر ووجهه ظاهر كما مرّ، ولو جعلت الواو على قراءة الجرّ قسمية، كان ظاهراً لكهم لم يتعرضوا له ليكون بمعنى في القرا آت. قوله:(وقيله يا رب قسمي الخ) يا رب مقول القول وانّ هؤلاء الخ جواب القسم على الوجوه، وأمّا تقدير قسمي فمخصوص بالرفع والجواب إخبار من الله بأنهم لا يؤمنون لا من كلام الرسول. قوله:(فأعرض الخ) مرّ أنّ الصفح لي صفحة العنق فكني به عن الإعراض! ، والأعراضر عن الدعوة ظاهر في عدم القتال والسورة مكية فيكون هذا منسوخا، وقوله: تسلم منكم ومتاركة يعني أن سلام خبر مبتدأ تقديره أمري سلام، وتسلم تفسير له فهو عطف بيان أو بدل منه وقوله: متاركة بيان للمراد منه، وانه سلام متاركة لا سلام تحية فإن أريد الكف عن القتال فهي منسوخة، وإن أريد عن مقابلتهم بالكلام فلا، وقوله: على أنه أي هذا الكلام من المأمور بقوله: فيكون من مقول قل، وما يكون لهم يكون بصيغة الخطاب فلذا حكى بها، ولا حاجة إلى تقدير على أنه كلام صادر من الماً مور بقوله، وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم كما قيل. قوله: (عن

-416

صورة الزخرف / الآية: 89

القيامة يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا ألتم تحزنون) .

النبي صلى الله عليه وسلم الخ) حديث موضوع ورائحة الوضع منه فاتحة، ومناسبته تقدم ما ذكر في نظمها (تمت السورة) اللهمّ اجعلنا ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون بجاه أكرم الرسل لمجيه وعلى آله وصحبه أجمعين.

سامح بفضلك من أتى ذنبا ولقنه المعاذر

وبزخرف من قوله:

كن أنت للزلات غافر

ص: 454