المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لا يلائمان الآية السابقة لعدم احتمال رجوع ضمير كان للتوحيد - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٧

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: لا يلائمان الآية السابقة لعدم احتمال رجوع ضمير كان للتوحيد

لا يلائمان الآية السابقة لعدم احتمال رجوع ضمير كان للتوحيد أو الله ولذا أخرهما وهما مناسبان للتفسير الثاني، والحصر على الكل تحقيقي إضافي أي لا ما زعموه من تكذيب القرآن أو الرسول أو الشريك أو الشركاء. قوله:(كأنه قيل أو لم تحصل الكفاية به) إشارة إلى أن فيه معنى الحصول فلذا حسنت زيادة الباء فيه، وفيه أنّ هذا التأويل جار في كل فعل فإن أراد أنه مؤوّل به لم تكن داخلة على الفاعل ويكون كقول الزجاج إنها دخلت لتضمن كفى معنى اكتف وهو وجه استحسنه ابن هشام في المغنى، وقيل إنها زائدة في المفعول والفاعل ما بعده وقوله: لا تكاد الخ إشارة إلى أنّ زيادتها مع غير الفاعل كثيرة ومعه نادرة لكنه في كفى مشهور على القول المرضى للنحاة وفي غيره شاذ مختلف فيه فلا يرد عليه أحسن بزيد في التعجب فإنه غير مسلم عند جماعة من النحاة على ما عرف في بابه ولا قولى:

ألم يأتيك والأنباءتنمي بما لاقت لبون بني زياد

فإنه شاذ قبيح، ثم إنه قيل المراد بالفاعل ما هو على صورته فلا يرد أحسن بزيد لخروجه

عن صورته بتغيير لفظه، وقال في المغني: المراد ما هو فاعل صورة ومعنى ولا يرد عليه قول الزجاج وما قيل: من أنّ المراد لا يكاد يدخله بيقين ليخرج أحسن بزيد يرد عليه أنه غير متيقن فيما نحن فيه أيضا لجواز كونه مؤوّلاً باكتف كما ذهب إليه الزجاج وكون الفاعل أن وما معها، ويكون فاعله ضمير الاكتفاء على الأوّل والجار والمجرور متعلق بالضمير بناء على جواز عمله في الظرف كما قرره النحاة في نحو قوله:

وما هو عنها بالحديث المرجم

قوله: (بدل منه) أي بدل اشتمال كما أشار إليه بقوله: والمعنى أولم يكفك الخ وفيه

إشارة إلى أن المبدل منه في نية الطرح كما قرره النحاة وجعل مفعول يكفي ضمير الرسول، والزمخشري جعله ضميرهم فقدّره أولم يكفهم وليس ارتباطه بما قبله من قوله: سنريهم الخ محوجاً إلى التكلف كما توهم لظهور كون الضمائر لهم كما لا يخفى. قول! : (محقق له الخ (تفسير لشهيد على أنه من الشهادة فالمراد به لازمه أو من الشهود، والاطلاع وهو مجاز عما ذكر أيضاً وضمير له لشيء ومناسبته لما قبله ظاهرة إذ المعنى أنه عالم بحالك، وحالهم فهو ناصرك عليهم منجز لك وعده بإعلاء كلمته واعزار ديته كما أشار إليه بقوله: فيحقق الخ. قوله:) أولم يكف الإنسان الخ) إن كان المراد بالإنسان جنس البشر دخل فيه قومه دخولاً أوّليا، وإن أريد به هؤلاء القوم فهو ظاهر وعليهما فمناسبته للمقام وارتباط الكلام ظاهرة إذ المعنى لم يعصونه، ولا يصدقون بما جئت به من الحق وشهيد على هذا من الشهود كما أشار إليه بقوله مطلع، ويجوز أن يكون من الشهادة فالمعنى محقق له أيضا فينجز ما وعده من الثواب والعقاب، وكأنه تركه لأنه يعلم بالمقايسة على ما قبله إذ لا وجه للتخصيص. قوله:(في شك) تفسير للمرية فانها مطلق الشك أو شك مخصوص كما مر تحقيقه، وقوله: بالضم أي ضم الميم وقوله: وخفية إشارة إلى أنه من أوزان المصدر والكسر أشهر لمناسبته الياء، وقوله: بالبعث لاستبعادهم إعادة الموتى بعد تبذد أجزائهم وتفرق أعضائهم. قوله: (عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها) جمل بالجيم جمع جملة وهي خلاف التفصيل، وقوله: مقتدر عليها من معنى الإحاطة بكل شيء فإن المراد إحاطة علمه وقدرته بها وهو دفع لمريتهم وشكهم في البعث واعادة ما تفرّق واختلط مما يتوهمون عدم إمكان تمييز.، وقول القاشاني: إنّ هذه الآية تدل على وحدة الوجود كما نقله الجامي في نفحاته عني به أنه بطريق الإيماء، والإشارة لا إنه معنى

النظم حتى يرد عليه إنه يلزم عدم مناسبته لما قبله كما قيل، وقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع كغيره مما ذكره الشيخان في خواتم السور، تمت السورة والحمد دلّه على جزيل نعمائه والصلاة والسلام على مظهر أسمائه، وعلى آله وأصحابه المبلغين أمانة أنبائه.

سورة‌

‌ الشورى

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (مكية) قد مر تحقيق المكيّ والمدني وكونها بجملتها مكية ارتضاه المصنف رحمه

الله تبعاً للزمخشري

ص: 406

وقال غيرهما: إنّ فيها مدنيا فاستثنى بعضهم أربع آيات من قوله: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [سورة الأنعام، الآية: 90] إلى آخر الآيات الأربع واستثنى في الإتقان، أم يقولون افترى الخ فإنها نزلت في الأنصار، وقوله:{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ} [سورة الشورى، الآية: 27] الخ فإنها نزلت في أصحاب الصفة رضي الله عنهم، واستثنى بعضهم أيضا والذين إذا أصابهم البغى الخ وسيأتي في كلام المصنف ما يدل على أنّ بعض الآيات مدنية كما ستراه في محله فكأنه بني ما هنا على الأغلب فيها، وفي عدد آياتها خلاف أيضا فقيل خمسون وقيل ثلاث وخمسون والخلاف في حم عسق وقوله: كلأعلام كما فصله الداني رحمه الله تعالى. قوله: (لعله اسمان الخ (كان الظاهر أن يقول لعلهما اسمان لكنه أفرده لتأويله بالمذكور، ونحوه وقد أيد كونهما اسما بأنه ورد تسميتها عسق من غير ذكر حم كما وقع في بعض النسخ هنا، وقوله: فصل بينهما أي في الخط، وان كان اسما واحداً فهو آية واحدة وحقه أن يرسم متصلا كما في كهيعص لكنه فصل لرسمه مستقلاً في غير هذه السورة لانفراده عن غيره من الحروف، وقوله: سائر الحواميم قيل عليه إنه قال في القاموس: حم إذا أريد جمعه يقال ذوات حم أو آل حاميم، ولا يقال: حواميم وقد جاء في الشعر اهـ وقد تبع فيه الحريري في الدرة وبعض النحاة، وقد ذكرنا في شرحها أنه لا صحة له وأنه ورد في الحديث الصحيح والآثار الثابتة ذكر " الحواميم " ولا يختص بالشعر فإن أردت تحقيقه فانظره. قوله: (أي مثل ما في هذه السورة من المعاني (يعني أنّ الجار والمجرور أو الكاف التي هي اسم بمعنى مثل في محل نصب على أنه مفعول به، والحروف المقطعة للاتعاظ واسم للسورة كما مر وإليه أشار بقوله هذه السورة، وقوله: أو إيحاء الخ يعني أنها واقعة في موقع المفعول المطلق والمشار إليه هو الإيحاء لا المعاني كما في الوجه السابق وقيل كلاهما تقدير للمفعول به وإنما الاختلاف في تعيين المشار

إليه ولم يجعله في محل رفع بالابتداء لافتقاره، إلى تقدير العائد وفي هذا غنية عنه كما قيل، وأورد عليه أن حذف الضمير الواقع مفعولاً قياسي مع أنّ جعل الإشارة إلى الإيحاء محوج إلى تقدير الموصوف أيضا والظاهر أن قوله كذلك يوحي جملة ابتدائية وقد ذكر في التلويح أن جار الله لا يجوّز الابتداء بالفعل، ويقدر المبتدأ في كل ما وقع فيه الفعل مستأنفاً واحتمال الحالية يمنعه أو يبعده حذف العامل المعنوي، والوقف على عسق ولا يخفى ما فيه فإن الكاف إن كانت اسما لم يحتج إلى تقدير وان كانت حرفا فالتقدير لازم فيها فبتقدير الضمير يكثر الحذف على ذلك التقدير، وما ذكره في التلويح ليس بمسلم وقد ترددوا فيه حتى قيل إنه لم يظهر له وجه فتأمل. قوله:(وإنما ذكر الوحي بلفظ المضارع (مع أن المعنى على المضي كما أشار إليه بقوله: أوحى الله إليك والوحي إلى ما قبله قد مضى والوحي إليه بعضه ماض وبعضه مستقبل، ولذا قيل إنه على التغليب، وأما قوله للدلالة على استمرار الوحي فقد أورد عليه إنه مباين لحكاية الحال الماضية فكأنه أريد بالاستمرار استمراره في الأزمنة الماضية فلا ينافيه، ولما كان الماضي لا دلالة له على الاستمرار عدل عنه للدلالة على ما قصد منه وإليه الإشارة بقوله: وإن إيحاء مثله عادته فما قيل من أن المراد أنه على أسلوب حكاية الحال الماضية، وصورتها وإن المباينة بين الاستمرار والحال التأويلي غير مسلمة وأن قصد الاستمرار مغن عن اعتبار معنى الحال لأنه معنى مستقل سواء كان تحقيقيا أو تأويلياً تخليط لا محصل له، ومصدر معطوف على مبتدأ. قوله: (والله مرتفع بما دل عليه يوحي) ظاهره أن المقدر فعل لا اسم بأن يكون في جوأب سؤال مقدّر تقديره من يوحي فيقدر حينئذ يوحي لا من الموحى فيقدر الموحي الله كما ذهب إليه في الكشاف، والمصنف رحمه الله لم يرتضه تبعاً للسكاكي كما قرره أهل المعاني في قوله:

ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مماتطيح الطوائح

وقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [سورة النور، الآية: 36، رجال في حال القراءة به مجهولاً كما مر في سورة النور وهو بناء على الظاهر من جعل المقدر من جنس المذكور، وقال المدقق في الكشف إن الزمخشري اختار تقديره بالاسم بناء على تقدير السؤال ما الذي أنزله لا أي شيء أنزل كما مر فيما ذا أنزل ربكم لما في الأوّل من الدلالة على أن الفعل مسلم فلذلك قدره هنا من الموحي أي من الذي أوحى أي ذلك المعلوم المحقق وحيه بين لي من هو فالإيحاء مسلم معلوم، والغرض من الأخبار إثبات اتصافه بأنّ من شأنه الوحي لا إثبات أنه موح

ص: 407

والسكاكي لم يفرق بينه وبين يسبح له فيها بالغدوّ والآصال رجال ولا بد من الفرق لأن الفعل هناك على ظاهره لم يؤت به للدلالة على الاستمرار اهـ، وأورد عليه أن قولنا

من يوحي صالح لقصد الاستمرار والغرض من السؤال ليس تعيين الموحي بل بيان اتصافه بما ينبئ عن المدح والتعظيم أي ذلك المعلوم المحقق، وحيه بين لي من هو ولذا قرن بصفات الجلال والكبرياء وعقب بالتنزيه البليغ فلا يصح ما ذكر عذراً للعدول فالظاهر أنّ الزمخشري لم يقصد بهذا التقدير إنه متعين وأن الواقع في السؤأل المقدر الاسم لا الفعل، وقد نوقش فيه بأن جواب من الموحي الله الموحي أو الموحى الله على ختلاف فيه لا يوحي الله ليكون الواقع ما دل عليه يوحي وللبحث فيه مجال فتدبر. قوله:) كما مر في السورة السابقة) في قوله: تنزيل من الرحمن الرحيم، وقيل: ما بعد يوحي إلى آخر السورة قائم مقام فاعل يوحي أي هذه الكلمات فيكون الله مبتدأ، وقوله: وما بعده أي الحكيم له ما في السموات الخ وهذا على تنزيل الوحي منزلة المعلوم الذي لا يحتاج إلى البيان، وعلى هذه القراءة يجوز كون الموحي به قوله الله العزيز الخ. قوله:(خبران له) أي لقوله الله وجعلهما خبرين لا خبراً واحداً لأن المعطوف على الخبر خبر، فلا يرد عليه أنّ الظاهر أن يقول خبر بالإفراد كما قيل. قوله:(وقيل من دعاء الولد له (أي من نسبة الولد له يعني أنّ النظم محتمل لوجهين، أحدهما إنّ معناه أنّ السموات تنشق من عظمته ومهابته تعالى لأنّ الآية مسوقة لبيان عظمته، وعلوه ولذا ترك العاطف في قوله تكاد الخ، وثانيهما: أنّ المعنى تكاد تنشق من دعائهم له ولداً وشريكا كقوله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ} [سورة مريم، الآية: 95] منه الآية وأيد بقوله: بعده والذين اتخذوا من دونه أولياء، فإيراد الغفور الرحيم لأنهم استوجبوا بهذه المقالة صب العذاب عليهم لكنه صرف عنهم لسبق رحمته فالآية واردة للتنزيه بعد إثبات المالكية والعظمة التامّة والأوّل أنسب بالسياق، والسباق وترك العاطف ولذا مرض هذا. قوله: (والأوّل أبلغ) لأنّ المطاوع والمطاوع من التفعيل والتفعل الموضوعين للمبالغة بخلاف الثاني فإنه انفعال مطاوع للثلاثي 0 قوله:) وترئ تتفطرن بالتاء لتثيد التأنيث وهو نادر) عدل عن قوله في الكشاف ووى يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة تتفطرن بتاءين مع النون ونظيرها حرف نادر، روي في نوادر ابن الأعرابي الإبل تتشممن اهـ لأن أبا حيان قال إنه وهم لقول ابن خالويه من الشواذ تتفطرن بالتاء والنون، وهو شاذ لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث فلا تقول النساء تقمن ولا الوالدات ترضعن، وقد كان أبو عمرو الزاهد روي في نوادر ابن الأعرابي الإبل تتشممن فأنكرناه فقد قوّاه الآن هذا فإن كانت نسخ الزمخشري

متفقة على قوله بناءين فهو وهم وإن كان في بعضها بتاء مع النون كما مرّ فموافق لقول ابن خالويه، وكان بتاءين من تحريف النساخ وكذلك كنايتهم تتفطرن، وتتشممن بتاءين اهـ ورده المعرب بأنّ ابن خالويه أورده في معرض الندرة والإنكار له قبل تقويه بهذه القراءة، وإنما يكون نادراً منكرا بتاءين فإنه حينئذ مضارع مسند لضمير الإبل فحقه أن يكون بياء المضارعة التحتية كالنساء يقمن وكذا يتشممن بياء تحتية، ثم تاء فوقية فلما جاء بتاءين فوقيتين ظهر ندوره وإنكاره له ولو كان بفوقية واحدة كان على القياس كالنسوة تبرجن فإنه ماض مسند لضمير الإناث وكذا لو كان بياء تحتية، ثم تاء فوقية فالشذوذ إنما يتاتى إذا كان بفوقيتين فتتفطرن سواء قرئ بفوقيتين أو بفوقية ونون نادر لما ذكره ابن خالويه، وهذه القراءة لم يقرأ بها في نظيرتها في سورة مريم يرجع إلى تصحيح النقل وهو سهل إلا أنّ قوله إنما يتأتى إذا كان بفوقيتين مناقض لآخر كلامه لكن إذا ظهر المراد، سقط الإيراد فتدبر. قوله:(لتثيد التأئيث) بالجمع بين علامتيه التاء والنون وهو مخالف للقياس، والاستعمال وهو أحد أقسام الشاذ الثلاثة المشهورة. قوله:) يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية) نسبة للفوق على خلاف القياس كالتحتاني، والألف والنون كثيرا ما تزاد في النسب حتى يكاد يطرد لكئرته، وضمير فوقهن على هذا للسموات والمراد الطرف الأعلى منهن وهو جهة الأوج المقابلة للحضيض، وقوله: وتخصيصها أي تخصيص الجهة الفوقية بالذكر، وقوله: على الأوّل المراد به الوجه الأول في تفسيره من أنّ انفطارهن من عظمة الله

ص: 408

وجهة الفوق أدل على عظمته تعالى لما فيها من آيات الملكوت كالعرش، والكرسي والملائكة ولذا كانت قبلة الدعاء مع تنزهه تعالى عن المكان والجهة، وعلى الثاني، وهو ما إذا كان انفطارها لنسبة الولد والشريك له تعالى فحينئذ كأنه قيل: هذه الشناعة تؤثر فيما فوقهم فكيف فيما تحت ومما يقضي منه العجب ما قيل المراد بالأوّل والثاني قراءة التفعل والانفعال. قوله:) وقيل الضمير للأرض) أي لجنسها فيشمل السبع ولذا جمع الضمير، وهذا جار على الوجهين ولا يختص بالثاني كما توهم. قوله:) بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم (فهو مجاز مرسل أو استعارة للسعي المذكور والأمور المقربة للطاعة كالمعاونة في بعض أمور المعاس أو دفع العوائق، وشموله للكفرة لأنهم قد يلهمونهم الإيمان المتوقف عليه المغفرة.

وقوله الخلل المتوقع قيده به لأنّ الخلل المقرر كخلود الكفار لا يسعى في دفعه وتخصيصه بالمؤمنين لقوله في آية أخرى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [سورة غافر، الآية: 7، ولا

اً دري ما السبب الداعي لصرف الاستغفار عن ظاهره لا سيما إن خص بالمؤمنين، وقد ذكر مؤيدا في كتاب التوبة. قوله:(إذ ما من مخلوق الخ) إشارة إلى أنّ صيغة المبالغة لشمول رحمته ما لا يحصى من جميع الموجودات وسكت عن بيان ذلك في المغفرة لسعة مغفرته، وعظمتها لأنه يعلم بالقياس على الرحمة وفيه إشارة إلى قبول دعاء الملائكة واستغفارهم كما يشير إليه فيما سيأتي، وقوله والآية أي قوله والملائكة إلى هنا على تفسيره أوّلاً لقوله يتفطرن بأنه بيان لعظمته تعالى فيكون هذا مقرراً لما دلت عليه الآية الأولى، ومؤكدا له لأنّ تسبيح الملائكة وتنزيههم له وهم حافون بالعرس لمداومتهم لعبادته، والخضوع لعظمته والاستغفار لغيرهم للخوف عليهم من سطوة جبروته، والتكميل بقوله إلا أنّ الله الخ على هذا ظاهر وأما على الثاني، وإنّ انفطارهن لنسبة الولد والشريك فتسبيحهم تنزيه له عما يقوله الكفرة، واستغفارهم للمؤمنين الذين تبرؤا عما صدر من هؤلاء فالتذييل بالغفور الرحيم لعدم معاجلة العذاب مع استحقاقهم له كما أشار إليه بقوله: وانّ عدم الخ. قوله: (بموكل بهم الخ (يعني أنّ فعيلا بمعنى مفعول من المزيد أو الثلاثي، وقوله الإشارة إلى مصدر يوحى الخ أي الإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد. على حد ما مرّ في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 43] فنصب قرآنا على أنه مفعول به ثم أنّ المصنف رحمه الله قدم كون الإشارة إلى المصدر هنا وأخره في أوّل السورة فقيل تقديمه هنا على الأصل لتقدم رتبة المفعول المطلق على غيره من المفاعيل، وثمة روعي فيه جانب المعنى يعني أنّ حم عسق لما أريد منه السورة كان الإشارة إليها أقرب وأظهر ولما لم يذكر قبله هنا ما يتبادر الإشارة إليه أجرى على الأصل، والظاهر أنه لما كان المتبادر أن قرآناً مفعول به رجح الإشارة إلى المصدر ليكون مفعولاً مطلقا، ولما لم يذكر ثمة رجح كونه مفعولا به ليستغنى عن التقدير. قوله:) أو إلى معنى الآية المتقدمة (أي الإشارة إلى معنى الآية السابقة من قوله الله حفيظ الخ والمعنى أنه كان حريصا على إيمان المشركين قيل له ليس في قدرتك هدايتهم، وإنما عليك البلاع الكافي والبيان الشافي وقد أورد عليه أنه لا حاجة إلى جعله إشارة إلى المعنى لصحة الإشارة إلى لفظه ومعناه كما يعرف بالتأمل لكن ما اختاره الشيخان أتم فائدة وأشمل عائدة كما لا يخفى، وستراه عن قريب. قوله: (وقرآناً عربيا حالا منه) على التجوّز في قرآنا أو عربيا لأن القرآنية والعربية صفة

اللفظ لا المعنى ولو جعلت الإشارة إلى اللفظ والمعنى جميعا كما مرّ لم يكن فيه تجوّز ويجوز نصبه أيضا على المدح أو البدلية من كذلك (قلت) قد سمعت وجه ما اختاره، وأمر التجوّز فيه سهل لقربه من الحقيقة لما بين اللفظ والمعنى من الملابسة القوية حتى يوصف أحدهما بما يوصف به الآخر مع ما في المجاز من البلاغة. قوله:(أهل أم القرى وهي مكة) على التجوّز في النسبة أو بتقدير مضاف، وقوله من العرب خصه بهم لأن السورة مكية، وهم أقرب إليها وأول من أنذر أو لدفع ما يتوهم من أنّ أهل مكة لهم طمع في شفاعته، وان لم يؤمنوا لحق الجوار والمفاربة فخصهم بالإنذار لإزالة ذلك الطمع الفارغ كما قاله: السمرقندي وقيل المراد جميع أهل الأرض! واختاره البغوي لأن الكعبة سرة الأرض والدنيا محدقة بما هي فيه أعني مكة. قوله: (وحذف ثاني مفعولي الآوّل الخ) الإنذار يتعدى لمفعولين ثانيهما يكون منصوبا ومجروراً بالباء تقول أنذرته كذا، وأنذرته بكذا فاقتصر في الأول على أول مفعوليه، وحذف ثانيهما إذ التقدير

ص: 409

لتنذر أهل أم القرى بعذاب عظيم لا يدرى ولا يحيط به نطاق البيان ولما كان المراد به عذاب يوم الجمع بقرينة ما بعده قال: وايهام التعميم لشموله لكل عذاب عاجل وآجل، وأوّل مفعولي الثاني وهو أهل مكة بقرينة ما قبله لكنه لعدم ذكره يوهم أنّ المراد كل أحد فقوله للتهويل الخ لف ونشر مرتب فالتهويل في الأوّل والإيهام في الثاني، ويحتمل رجوعه لهما معاً والأول أظهر، وقد حذف من الأول ما أثبت في الثاني فهو من الاحتباك وقيل يوم الجمع ظرف فالمفعولان محذوفان وجعل الضمير على الغيبة للقرآن لعدم حسن الالتفات هنا. قوله:(اعتراض) في آخر الكلام يحتمل الحالية من يوم الجمع أو الاستئناف، وقوله يجمعون أوّلاً الخ بيان لتوجيه الجمع بين الجمع والتفريق، وجملة منهم فريق حال أو استئناف في جواب سؤال تقديره كيف كان حالهم ويؤيد الأول قراءة النصب ولا مانع منه ولا ركاكة فيه، واشتراط الواو غير مسلم فيه ومنهم خبر مقدر مقدّم على الوجه الأحسن في خبر النكرة الموصوفة كما مرّ، ولذا لم يقدره فريق منهم على أنه صفته وفي الجنة خبره مع أن جعاى الصفة المقدرة مسوغة لا يخلو عن ضعف، وكذا جعل المرفوع فاعلا للظرف المقدر وأن كان معتمداً ركيك، وحذف العامل في مثله مما منعه بعض النحاة وفي جواز مثله نظر لا يخفى وقد جوّز فيه أن يكون خبر مبتدأ مقدر أي المجموعون، أو مبتدأ خبره ما بعده وساغ الابتداء بالنكرة فيه لأنها في سياق التفصيل والتقسيم كما في قوله:

فثوب لبست وثوب أجر

وأما كونها في تأويل مفرد فلا يصلح للتوجيه كما مرّ فإنه ما من حال إلا ويتأتى فيها هذا

فلا يصح ما ذكره وقد مرّ الكلام فيه، وتقديم منهم هنا كاللازم هنا لأنّ فيه ما في تقديم المقسم على الأقسام كما لا يخفى على من له دراية بأساليب الكلام. قوله:) وتنذر يوم جمعهم متفرقين الخ) قد وجهت هذه القراءة بوجوه فقيل إنها حال من مقدر تقديره افترقوا أي المجموعون فريقاً وفربقاً الخ لئلا يلزم تنافي الجمع، والتفريق وقيل هو منصوب يتنذر المقدر أو المذكور والمعنى تنذر فريقا من أهل الجنة وفريقاً من أهل السعير لأنّ الإنذار ليس في الجنة والسعير، ولا يخفى تكلفه والمصنف رحمه الله جعله حالاً من ضمير جمعهم المقدر لأن الألف واللام قامت مقامه واليه أشار بقوله على الحال منهم أي من المجموع ولما لزمه كون افتراقهم في حال اجتماعهم، أوله بمشارفين على أنه من مجاز المشارفة أو الحال مقدرة أو اجتماعهم في زمان واحد لا ينافي افتراق أمكنتهم كما تقول صلوا الجمعة في وقت واحد في مساجد متفرقة، واليه أشار بقوله متفرقين في داري الثواب الخ وعلى الوجه السابق اعتبر الاجتماع في الزمان والمكان ولا يخفى أنه إذا أريد بالجمع جمع الأرواح بالأشباج، أو الأعمال بالعمال لا يحتاج إلى توفيق أصلاً. قوله:(مهتدين أو ضالين) اقتصر على الأول في النحل، ووجهه ظاهر والترديد من الله أو من المفسر وقوله بالهداية، وهو خلق الاهتداء أوالدلالة الموصلة والمراد بالحمل على الطاعة توفيقه لها وبعث دواعيه عليها، وقوله في عذابه متعلق ببدعهم. قوله:(ولعل تنيير المقابلة الخ (أي كان الظاهر أن يقول ويدخل من يشاء في عذابه، ونقمته فعدل عنه لما ذكر لأنه أبلغ في تخويفهم لإشعاره بأن كونهم في العذاب أمر مفروغ مته، وإنما الكلام في أنه بعد تحتمه هل لهم من يخلصهم بالدفع أو الرفع فإذا نفى ذلك علم أنهم في عذاب لا خلاص مته، وقوله إذ الكلام في الإنذار فيفهم منه أنهم في العذاب مع إسناده إليهم للإشارة إلى أنه نصير للمؤمنين، وانّ الرحمة بفضله والعذاب بكسبهم، وظلمهم فلذا أسند الرحمة إليه دون العذاب فتأمّل. قوله:) بل اتخذوا (إشارة إلى أن أم هنا منقطعة وهي تقدر ببل والهمزة، وقد تقدر ببل فقط أو الهمزة وكلامه محتمل للوجهين الأوّلين فإن قرىء أتخذوا بفتح الهمزة كان معها همزة استفهام، وان كسرت فلا ومن اقتصر على الأوّل فقد قصر. قوله: (جواب شرط محذوف الخ) هذا بمقتضى دلالة الفاء لكنه جوّز فيه كون الفاء عاطفة وكونها تعليلَا للإنكار المأخوذ من الاستفهام كقولك أتضرب زيداً فهو أخوك، أي

لا ينبغي لك ضربه فإنه أخوك والمعروف في مثله استعماله بالواو، وإنما يحسن التعليل في صريح الإنكار ولا يناسب معنى المضي أيضاً، وتقدير الشرط كثير فهو أهون من هذه التكلفات فتأمّله. قوله: (كالتقرير لكوئه حقيقا بالولاية (لم يجعله تقريرا وتأكيداً له لما بينهما من التغاير بحسب صريحه، ومنطوقه فإذا

ص: 410

تأمّلته وجدت بينهما تلازماً يصلح باعتبار للتأكيد. قوله:) وما اختلفتم أنتم والكفار فيه (الاختلاف هنا قيل اختلافهم في القرآن، وقيل في رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل في الدين فعلى الأوّل حكمه إلى الله فيما أقام من الحجج والبراهين حيث عجزوا عن الإتيان بمثله، وإن كان في رسول الله فقد سطع برهان نبوّته ورسالته من مثرق العقل والسمع، وإن كان في الدين فقد أقام عليه ما يعلم كل ذي لب أنه الحق والصواب وأن غيره باطل ليس بحق، وقال السمرقندي: قال بعض أهل التأويل المعنى ما اختلفتم في شيء فحكمه إلى الله أي إلى كتاب الله كقوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [سورة النساء، الآية: 59] أي إلى كتاب الله لكنه لا يصح لأنّ قوله فإن تنازعتم الخ إنما هو في المؤمنين إذا وقع بينهم اختلاف في شيء من الأحكام يردّ ذلك إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله ئيخييه، وقوله وما اختلفتم الخ إنما هو في محاجة الكفرة فهو في غير ذلك المعنى إذ هم لا يعتقدون كونه حجة، وإنما يرجع إلى دليل آخر عقليّ فما هنا كما في الكشاف حكاية قوله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين اًي ما خالفكم فيه الكقار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من أمور الدين فحكم ذلك المختلف فيه مقوّض إلى الله وهو إثابة المحقين فيه من المؤمنين ومعاقبة المبطلين فليس في الآية دليل على منع الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم أو بحضرته فإن الأصح عند الأصوليين وقوعه. قوله:) من أمر من أمور الدنيا أوالدين (لم يذكر الدنيا في الكشاف، وهو الموافق لقوله هنا أنتم والكفار إذ الظاهر أنّ المراد بأمور الدنيا المخاصمات، ولا يلزم أن تكون بينهم وبين الكفرة ولا يقال في مثله التحاكم إلى الله وجعله وجهاً مستقلاً كما قيل بعيد عن الصواب بمراحل. قوله) وقيل الخ) مرضه لأنه مخالف للسياق كما لا يخفى لأن الكلام مسوق للمشركين وهو على هذا مخصوص بالمؤمنين، وقوله فارجعوا فيه إلى المحكم من كتاب الله المراد بالمحكم هنا ما ظهر المراد منه، وبالمتشابه خلافه لا ما اصطلح عليه أهل الأصول، ويجوز حينئذ أن يكون المعنى فوّضوا أمره إلى الله ولا تخوضوا في تأويله على التوقيف والوقف على إلا الله كما مز تحقيقه في سورة آل عمران، وقوله ذلكم الله ربي بتقدير قل أو هو حكاية لقوله! ييه ومجامع الأمور جميعها، وهو إشارة إلى الحصر المستفاد من تقديم الظرف، وقوله أرجع في المعضلات أي

الأمور المشكلة أو من الذنوب أو في المعاد كما مز في سورة هود. قوله:) خبر آخر الخ (أو صفة لربي أو بدل منه أو خبر مبتدأ مقدر، وقوله بالجر أي جرّ فاطر بمعنى خالق وما بينهما جملة معترضة، والضمير المبدل منه ضمير إليه أو عليه، وقوله الوصف لا لى الله تسمح فيه والمراد لله من قوله إلى الله، وإنما أعاد الجار معه وان كان الموصوف المجرور لئلا يتوهم أن الموصوف الله في قوله ذلكم الله، وقوله من جنسكم تقدم تحقيقه مرارا وتفسيره بوجه آخر في سورة الروم. قوله: (أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجاً) ففيه جملة مقدرة إذ لا يصح عطفه على أزواجا لأنّ قوله من أنفسكم يأباه، وقوله أو خلق الخ تفسير الأزواج فإنها قد يراد بها الأصناف وقد يكون جمع زوج بمعنى ذكر وأنثى متزاوجين ويقابله الفرد. قوله:) يكثركم (والبث النشر والإنتشار يلزمه الكثرة، وهو مهموز والذر وفي آخره واو فهو منقوص والذز بالتضعيف فهو مضاعف ومنه الذرية وقد فسر بيخلقكم أيضاً، وقوله في هذا التدبير المراد من التدبير علهم أزواجا، وقيل ضمير فيه للبطن أو الرحم لأنه في حكم المذكور، وجعل التكثير في هذا الجعل لوقوعه في خلاله وإثنائه كما أشار إليه بقوله فإنه كالمنع أو في مستعارة للسببية. قوله: (يكون بينهم توالد الخ) فيه إشارة إلى تغليب العقلاء فيه على غيرهم وتغليب المخاطب على الغائب ففيه تغليبان على ما فصله شراح الكشاف، وفيه أيضاً إشارة إلى ترجيح تفسير الأزواج بغير الأصناف لأنه مناسب له كما قيل نظر لأنه لا مانع من تكثير الأصناف بالتوالد أيضا فالظاهر أنه جار على الوجوه. قوله:(ليس مثله شيء يزاوجه ويناسبه (قيده به بقرينة ما قبله ليرتبط به، ولو أبقي على عمومه في نفي المشابهة من كل وجه كما قالوا الله شيء لا كالأشياء أفاد نفي ما ذكر أيضاً وهو بيان الحاصل المعنى إجمالاً. قوله:) والمراد من مثله ذاته الخ) هذا تفسير على تقدير عدم زيادة الكاف، وحاصله كما أشار إليه المصنف رحمه الله أن ليس كذاته شيء وقولنا ليس كمثله شيء عبارتان عن معنى واحد، وهو نفي المماثلة عن ذاته

ص: 411

لكن الأوّل صريح في ذلك والثاني كناية مشتملة على مبالغة، وهي إن المماثلة منفية عمن يكون مثله وعلى صفته فكيف عن نفسه وهذا لا يستلزم وجود المثل ألا ترى أن مثل الأمير يفعل كذا ليس اعترافا بوجود مثل له إذ الفرض كاف في المبالغة، وقوله في نفيه أي نفي الفعل عن

الفاعل أو نفي الشبه عنه ون يناسبه ويسد مسده هو المثل المشبه لأن المشبه به حقه أن يكون أقوى من المشبه، ومثله كاف في حصول المراد. قوله:(ونظيره) في كونه كناية بالأشباه والأمثال عن الذات، ورقيقة بضم الراء المهملة وقافين بينهما ياء تصغير اسم امرأة وهي رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم والدة عبد المطلب، وقول المصنف تبعا للزمخشري بنت صيفي سهو والصواب بنت أبي صيفي كما ذكره ابن حجر وسبب هذا كما رواه المحدثون أنه تتابعت على قريش سنون مجدبة حتى أضر بهم القحط جداً قالت: رقيقة فبينا أنا نائمة إذ سمعت هاتفا يهتف ويقول يا معشر قريش إن هذا النبيّ المبعوث منكم قد أظلتكم أيامه، وهذا إبان نجومه فحيهلا بالحياء والخصب ألا فانظروا رجلاً منكم وسطاً عظاماً جساماً أبيض، وطف الأهداب سهل الخدين أشم العرنين فليخلص هو وولده ألا وفيهم الطيب الطاهر لذاته، وليهبط إليه من كل بطن رجل فليسنوا من الماء، وليمسوا من الطيب، ثم ليرتقوا أبا قبيس فليستق الرجل وليؤمنوا فعشتم ما شئتم فقصصت رؤياي فما بقي أبطحيّ إلا قال هو شيبة الحمد فلما قام ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أيفع قالا اللهمّ سان الخلة كاشف الكربة أنت معلم غير معلم، ومسؤل غير مبخل هذه عبادك وأماؤك يشكون إليك سنتهم فقد أذهبت الخف اللهمّ فأمطر غيثاً مغدقاً فما زالوا عن مكانهم حتى تفجرت السماء بمائها، والمراد بالطيب الطاهر لذاته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطهارة لداته عبارة عن طهارته لداته على نهج الكناية المذكورة، وهي جمع لدة كعدة من الولادة والمراد أترابه وأمثاله في السن ويكون بمعنى الولادة، والمولد فالمعنى أن مولده جميه ومولد من مضى من آبائه موصوف بالطهارة كما ذكره في الفائق لكن الأوّل أشهر وأبلغ لأنه إثبات لطهارته ببرهان لأن من علم طهارة أقرانه بالطهارة كما ذكره في الفائق لكن الأوّل أشهر وأبلغ لأنه إثبات لطهارته ببرهان لأن من علم طهارة أقرانه وأنه من جماعة عرفوا بالطهارة علم طهارته بالطريق البرهاني كما قرّره أهل البيان، والسقيا طلب السقي والدعاء له. قوله:) ومن قال الكاف فيه زائدة الم يرد أنه زائد محض ليس لذكره فائدة أصلا كما قيل إن مثلا زائد أيضاً وقوله، وقيل مثله الخ فيكون مثل كمثل بفتحتين بمعنى القصة العجيبة، وشيء عبارة عن الصفة أيضا، وقوله لكل ما يسمع الخ هو مأخوذ من عدم ذكر متعلق له فإنه يؤذن بالعموم، وقوله له مقاليد الخ مرّ تفسيره في سورة الزمر. قوله:) أي شرع لكم من الدين الخ) يعني أنه اكتفى بالابتداء والاختتام والوسط عن الجميع وعدل عن وصينا إلى أوحينا مع كاف الخطاب للفرق

بين توصيته وتوصيتهم، وابتدأ نوح عليه الصلاة والسلام لأنه أوّل الرسل فالمعنى أنه شرع لكم من الدين ما وصى به جميع الأنبياء من عهد نوج عليه السلام إلى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام، والتعبير بالتوصية فيهم والوحي له للإشارة إلى أنّ شريعتهء! فه هي الشريعة الكاملة، ولذا عبر فيه بالذي التي هي أصل الموصولات وأضافه إليه بضمير العظمة تخصيصا له ولشريعته بالتشريف وعظم الشأن ومن بينهما الثلاثة المذكورون لأنه ليس لغيرهم شريعة كشريعتهم وقوله وهو الأصل أي المشروع لهم الذي اشتركوا فيه. قوله:(وهو (أي الدين المراد به هنا أصل كليّ متفقون عليه وهو التوحيد والعقائد الحقة، والطاعة لله بإمتثال أوامره ونواهيه لا الأمور الفرعية على التفصيل لاختلاف الشرائع فيها كما بينه المصنف، وقوله ومحله النصب أي محل أن أقيموا الخ على أن إن فيه مصدرية وقد تقدّم الكلام في وصلها بالأمر والنهي وتوجيه، أو مخففة من الثقيلة لما في شرع من معنى العلم ولم يجعل أن مفسرة مع أنه الظاهر، وقد تقدمها ما يتضمن معنى القول دون حروفه بناء على أنها لا تفسر ما هو مذكور صريحاً، ولو قيل به جاز هنا وفي قوله المفسر إيماء إليه، وقوله على الاستئناف فهو خبر مبتدأ مقدّر أو مبتدأ خبره مقدر والجملة مستأنفة، وقوله من هاء به ولا يلزمه بقاء الموصول بلا عائد لأنّ المبدل منه ليس في نية الطرح حقيقة ويجوز كونه بدلاً من الدين. قوله: (كأنه جواب وما ذلك المشروع) الشامل للموصى به والموحى، ولذا اختار تقديره عليهما فليس تقدير ما ذلك الموصى به أولى كما قيل، وقوله عظم عليهم

ص: 412

أي شق وصعب لمخالفته الضلال الذي ألفوه. قوله: (من التوحيد) خصه به ولم يعممه ليشمل المشروع بقرينة السياق لأنه هو أعظم ما شق عليهم، وقوله على المشركين مقتض له. قوله: (يجتلب إليه (ويجمع فهو افتعال من الجباية وهي الجمع قال الراغب: يقال جبيت الماء في الحوض جمعته ومنه قوله تعالى: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [سورة القصص، الآية: 57] والاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء قال تعالى قالوا: لولا اجتبيتها واجتباء الله العبد تخصيصه إياه بفيض الهيّ يتحصل له منه أنواع النعم بلا سعي منه كقوله: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} [سورة الورى، الآية: 13، اهـ ومنه يعلم أنّ أصل معناه الجمع وأنّ الاصطفاء والاجتباء فيه معنى الجمع أيضا لما جمع الله لمن اصطفاه من النعم والمعارف، ولذا تعدى بإلى كالأوّل وذكر محي السنة وغيره أنه من الاجتباء بمعنى الاصطفاء وضمير إليه دلّه وهذا أظهر وأملأ بالفائدة، أما الثاني فللدلالة على أنّ

أهل الاجتباء غير أهل الاهتداء وكلتا الطائفتين هم أهل الدين والتوحيد الذين لم يتفرّقوا فيه، وعلى مختار الزمخشري هم طائفة واحدة وأما الأوّل فلأنّ الاجتباء بمعنى الاصطفاء أكثر استعمالاً، ولأنه يدل على أنّ أهل الدين هم صفوة الله اجتباهم إليه واصطفاهم لنفسه وأما الذي آثره جار الله فكلام ظاهري بناء على أنّ الكلام في عدم الثفرّق في الدين فناسب الجمع والانتهاء إليه، وكذا ما قيل إنه بمعنى الاصطفاء لا يتعدى بإلى إلا بتضمين معنى الضم كلام مبني على عدم التدقيق مع مخالفة الثاني لكلام أهل اللغة فكلا التفسيرين، واحد بحسب المال. قوله:(والضمير لما تدعوهم أو للدين) أو لله على أن يجتبى بمعنى يختار أي يختارهم لرضاه وعلى الثاني اقتصر الزمخشري والمصنف زاد الأوّل وقدمه لما فيه من إتساق الضمائر، وإن كان في الثاني مناسبة معنوية لاتحاد المتفرّق فيه والمجتمع عليه. قوله:) يعني الأمم السالفة) جعل الضمير لجميع الأمم السالفة بناء على أنهم بعد الطوفان كانوا أمّة واحدة مؤمنين فبعد موت آبائهم اختلف أبناؤهم حين بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إليهم، وجاءهم العلم فالمراد بالذين أورثوا الكتاب أهل الكتاب في عهدهءشييه فإن أريد بالذين تفزقوا أهل الكتاب من اليهود والنصارى فالذين أورثوا الكتاب المشركون والكتاب القرآن، وأما كون الضمير للمشركين وإن تقدّم ذكرهم قريباً فبعيد معنى لأنّ التفرق فيهم غير ظاهر، ولذا لم يتعرّض له المصنف وان توهم أنه أقرب مما ذكر ولما كان قوله شرع لكم الخ عاما شاملأ للأمم ولم يجيء لأهل الكتاب فيه ذكر أصلاً مرّض المصنف القول الثاني وقدم الأوّل. قوله: (العلم بأنّ التفرّق الخ (الوجه الأوّل والثالث جاريان على تفسير ضمير تفرقوا، والثاني خاص بالثاني فلو أخره كان أولى، وقوله أسباب العلم بإطلاق العلم على سببه مجازاً مرسلا أو بالتجوّز في الإسناد أو تقدير المضاف، وقوله عداوة لأن البغي مصدر بغي يعني طلب، وقوله بالإمهال إشارة إلى أنّ المراد بالكلمة السابقة وعده تعالى بعدم معاجلتهم بالعذاب، ولكونه بهذا المعنى كان أمراً ممتذا يصح أن يكون مغيابا لي ولولاه لم ينتظم بما معه، وقد مرّ في السورة السابقة بفصل الخصومة. قوله: (باستئصال المبطلين الخ (هذا جار على التفسيرين لأنه لما أخر

جزاءهم ليوم القيامة وقدّر لهم آجالاً مسماة لم يستأصلهم أي يهلكهم بأسرهم، وقوله افترقوا بتقديم الفاء على القاف وما بعده على العكس بمعنى اكتسبوا، وقوله يعني أهل الكتاب الخ فالمراد بالكتاب التوراة والإنجيل، وهذا على أنّ المراد باللذين افترقوا الأمم السالفة وما بعده على أنّ المراد بهم أهل الكتاب فالكتاب هنا القرآن، وقد قيل إن كلا منهما يصح على الوجهين أيضا. قوله تعالى:(لفي شك منه) جعل الضمير للكتاب، ونكره ليشمل الكتب وقيل الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم وهو خلاف الظاهر، وقوله لا يعلمونه أي الكتاب كما هو أي كما هو حقه أو لا يؤمنون به حق الإيمان وعلى هذين التفسيرين الشك بمعنى عدم اليقين، وهو على تفسير الموصول بأهل الكتاب، وقوله أو من القرآن على تفسيره به وبالمشركين ويجوز فيه إبقاء الشك على معنا. المشهور وفسر مريب بمقلق لانّ الريب قلق النفس، واضطرابها كما مرّ في سورة البقرة فمريب كشعر شاعر أو بمعنى مدخل في الريبة كأصبح بمعنى دخل في وقت الصباح، وهو أحد معاني الأفعال. قوله تعالى:(فلذلك) الفاء في جواب

ص: 413

شرط مقدر أي إذا كان الأمر كما ذكرت واللام تعليلية كما أشار إليه بقوله فلا جل، وجوّز في الإشارة أن تكون للتفرق المفهوم من تفرقوا أو للكتاب المذكور أو للعلم الذي أوتيه المذكور في قوله جاءهم العلم ولا حاجة إلى جعله مفهوما من مضمون ما تدعوهم إليه، وقد جوّز كون الإشارة للشك وقيل إنه أولى لقربه لأنّ التفرق المذكور تفرق الأمم السالفة وليس علة باعثة لدعاء قومه إلا لجعله سببا لتفرقهم أوالمراد به مطلق التفرق، وفيه نظر فإنه علة باعثة متقدمة وإن أريد لدفعه فهو علة متأخرة والكتاب معطوف على أجل أو على مدخوله والظاهر أن المراد به القرآن. قوله:(إلى الاتفاق) فيه لف، ونشر فهذا على أن تكون الإشارة للتفزق وما بعده على كونها للكتاب، أو لما عنده من علم الشرائع الموحى إليه، وقوله وعلى هذا أي على التقرير والتقدير في التفاسير المذكورة على أن اللام متعلقة بادع المتعذي بإلى يجوز أن تكون اللام في لذلك بمعنى إلى كما يجورّ كونها تعليلية لأنّ الدعاء يتعدى بإلى، وباللام كما في قوله:

دعوت لما نابني مسور

وليس الإشارة بهذا إلى الوجه الأخير وهو ما إذا كان المأمور به الدعاء إلى اتباع ما أوتيه

كما قيل. قوله: (لإفادة الصلة أو التعليل (أي ليدل بها على صلة الدعاء واذا كانت بمعنى لأجل لم يكن في الكلام ما يدل على صلة الدعاء وهو المدعوّ إليه والتعليل إن كان من الفاء

فلا إشكال فيه، وهو الظاهر فان كان من اللام أيضا ففيه جمع بين معنيي المشترك أو الحقيقة، والمجاز وهو وان كان جائزاً عند الشافعية فلا حاجة إلى ارتكابه من غير ضرورة تدعو إليه والفاء الثانية مؤكدة للأولى وتعبيره بالجواز إشارة لمرجوحيته لأنّ الأصل عدم تقدّم ما في حيز الفاء عليها. قوله:(واستقم على الدعوة كما أمرك الله) خصها بالدعوة بقرينة قوله ولو جعلت عاقة في جميع أموره صح كما مرّ في سورة هود، والاستقامة أن تكون على خط مستقيم، وفسرها الراغب هنا بلزوم المنهج المستقيم فلا حاجة إلى تأويلها بالدوام على الاستقامة. قوله:) يعني جميع الكتب (لأنّ ما من أدوات العموم وتنكير الكتاب المبين مؤيد لذلك، وقوله في تبليغ الشرائع مأخوذ من الدعوة والحكومة من العدل لأنه يكون فيها، وقوله الأوّل هو قوله آمنت بما أنزل الله وهذا إشارة إلى قوله أعدل بينكم وقوله خالق الكل فليس المراد به خصوص المتكلم والمخاطب، وقوله مجازي بعمله دون غيره ولا تزروا زرة وزر أخرى كما تدل عليه اللام. قوله: (وأمرت لا عدل الخ) تقديره وأمرت بذلك لا عدل، وقيل اللام مزيدة وفيه نظر لأنه يحتاج بعد زيادتها لتقدير الباء وهو تعسف. قوله:(لا حجاج) أي مصادلة ومخصمة لأن الحجة في الأصل مصدر بمعنى الاحتجاح كما ذكره الراغب، ويكون بمعنى الدليل والمراد هو الأول دون الثاني وقوله إذ الحق الخ تعليل لقوله لا حجاج، وقوله ليس في الآية الخ لأن ترك المحاجة بعد ظهور الحق لا يدل على ترك المقابلة حتى يدعى النسخ من غير حاجة له، وقوله والذين يحاجون في معنى التعليل لقوله لا حجة الخ. قوله: (من بعدما استجاب له الناس (ضمير له في هذا الوجه لله أو لدينه واستجابة الناس له واجابثهم إذ عانهم له لوضوج المحجة، وظهور الحجة بحيث لم يبق للمحاجة مجال ولا لرد المسلمين عن دينهم إمكان، وقوله أو من بعدما استجاب الله لرسوله فضمير له للرسول صلى الله عليه وسلم لكونه في حكم المذكور ولكون الأوّل أظهر قدمه والمراد من إجابة الله دعوة رسوله إظهارها بنصره كما أشار إليه بقوله فأظهر الخ، وقوله يوم بدر وكذا

استجابة أهل الكتاب تقتضي أنّ هذه الآية مدنية لأنّ وقعة بدر بعد الهجرة، وكذا استجابة أهل الكتاب إذ لم يكن بمكة أحد منهم فيعارض! كون السورة مكية من غير استثناء من المصنف كما قيل إلا أن يكون تبشيراً له ووعداً جعل كالماضي لتحققه، وقوله بأن أقرّوا تفسير لمعنى الاستجابة المجازي على هذا الوجه، وقوله استفتحوا بمعنى استنصروا، أو فتحوا عليهم وعرفوهم بأنه نبيّ. قوله:(جنس الكتاب) ويجوز كون التعريف للعهد أو الاستغراق، وقوله ملتبساً به بعيداً من الباطل فالحق هنا خلاف الباطل والباء للملابسة وعلى ما بعده الحق بمعنى الواجب واللازم. قوله:(الشرع) فيكون في الميزان استعارة، وقوله توزن به الحقوق أي تعين، وتسوّى كما تسوى المقادير وكذا إذا أريد به العدل، وقوله بأن أنزل الأمر به بيان للإنزال على الثاني ويعلم الأوّل منه بالمقايسة أو هو عليهما فإنّ الإنزال من صفات الأجسام دون المعاني فمعنى إنزاله

ص: 414

القاؤه إلى الرسول وإيحاؤه أو إنزال من بلغه فالتجوّز في النسبة، ولا يخفى أن نسبة الإنزال إلى الأمر كذلك محتاجة إلى التأويل فكلامه لا يخلو عن المسامحة (أقول (لما كانت نسبة الإنزال والنزول مشهورة التحقت بالحقيقة فإنه يقال نزل إلينا أمر السلطان من قصره. قوله:(أو ا-لة الوزن) فهو بمعناه الحفيقي، وقوله بالوحي بإعدادها أي اتخاذها فإنزاله

مجاز عن الإيحاء باستعماله، وقيل إنه أنزل عليه من السماء حقيقة وكون المراد به ميزان الأعمال بعيد هنا. قوله:) إتيانها) توجيه لتذكير قريب مع أنّ الساعة مؤنثة بأن فيه مضافا مقدر أو أصله لعل إتيان الساعة، والخبر عنه في الحقيقة لأنّ المحذوف لقرينة كالملفوظ فيجوز نصبه على الحكاية، ورفعه والمراد تقديره إتيانها وهو إشارة لما قلناه من تقديره بعد لعل لا بعد قريب على أنه فاعل الوصف لا لأنه يلزمه حذف الفاعل لأنه لا يمتنع إذا سد المضاف إليه مسده بل لأنه إذا حذف وارتفع الضمير واستتر كان يجب أن يقال قريبة أيضا كما لا يخفى، وقوله بمعنى ذات قرب أي على النسب أو تأويل الساعة بالبعث، وقد تقدم في تذكيره وجوه أخر فتذكر، وقوله اعمل بالشرع الخ فيه لف ونشر ينظر إلى الوجوه السابقة في تفسير الميزان وفيه إشارة إلى المناسبة التي اقتضت الجمع بينها. قوله:) اعتناء بها (اعتناء افتعال من العناية وقع هنا مفعولاً له وبها جار ومجرور متعلق به والضمير للساعة، وهو إشارة إلى ما مز من قول الراغب وغيره إنّ الإشفاق عناية مختلطة بخوف، واذ عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإذا

عدّي بعلى فمعنى العناية أظهر، فما قيل إنّ الضمير للذين آمنوا أنث لتأويله بنحو الفرقة والج! اعة، وإنه لم يوجد في بعض النسخ المصححة وتحريف وتقدير من غير داع له سوى تكثير لسواد، وليس الاعتناء مضافاً للضمير كما توهمه مع أنه لو سلم يجوز أن يكون مضافاً للمفعول بواسطة على الحذف، والإيصال والضمير للساعة كما قاله شراح: المفتاج في قوله بمواظبتها من غير احتياج لما تكلفه وأما سقوطها من بعض النسخ فبناء على تجريده لمعنى الخوف مطلقا فذكر هذه الزيادة غير متعين كما توهم. قوله: (الكائن لا محالة) إشارة إلى اًن الحق هنا بمعنى المتحقق الواجب كما مرّ والمرية بكسر الميم وضمها الجدال، وقوله أو من مريت كان الظاهر إسقاط أو لأن المرية بمعنى الجدال مأخوذة من هذا كما صرّج به الراغب في مفرداته، وقد صرّح به أيضاً المصنف في سورة النجم ولذا قيل إنه أراد أنه حقيقة فيه أو مجازاً واستعارة مأخوذ مما ذكر، ثم إنّ ما ذكره من معنى الشدة فيه غير لازم فيه والظاهر أنه إشارة إلى أنه على الأوّل ليس معنى المفاعلة مقصود فيه هنا، وعلى الثاني هو مقصود فيه وما قيل إنه معنى مستقل عند المصنف، وقد خالف فيه من قال الأوّل مأخوذ من الثاني فمكابرة في النقليات مع أنه كيف يتأتى هذا والمصنف معترف به، وأما الشدة المذكورة فتؤخذ من المفاعلة فلا يتوهم مخالفته لأهل اللغة فتدبر. قوله:) أشبه الغائبات إلى المحسوسات (أي أقرب من كل شيء إليها، ولذا عداه بإلى لتضمينه معنى القرب فلا يقابل الظاهر بالمحسوسات وقربه إليها لأنه يعلم من بدء الخلقة المشاهد إعادتها، ومما يتكوّن في الفصول من النباتات، ثم عودها مورقة مزهرة مثمرة بعدما تعزت من ذلك على ما مز مراراً، وقوله. فمن لم يهتد لتجويزها الخ إشارة إلى المبالغة في ضلاله إذ وصف بالبعد، وجعل بعيداً والبعيد صاحبه، والمراد بما وراءه ما وراء البعث من سائر المغيبات أو ما وراء تجويز من تيقن وقوعه والإيمان به أوالمراد الثواب والعقاب. قوله:) برّ بهم بصنوف من البر لا تبلنها الإفهام) وفي نسخة الأوهام، وهذ مأخوذ من مادة اللطف وصيغة المبالغة وتنكيرها الدال على أنه بحسب الكمية، والكيفية قال الغزالي: إنما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق الأمور والمصالح، وغوامضها وما دق منها ولطف، ثم تسلك في إيصالها سبيل الرفق دون العنف وليس هو غيره تعالى فصنوف البر من المبالغة في الكمّ وكونها لا تبلغها الإفهام من المادة، والمبالغة من الكيفية لأنه إذا دق جدا كان أخفى وأخفى. قوله: (يرزقه لمن يشاء (وفي نسخة لما يشاء، وفي أخرى كما يشاء ومعنى يرزقه

يعينه ويقدره، وهو دفع لما قيل إنّ تخصيصه مع تعميم اللطف للعباد كلامتنافيين بأنه لا تخصيص بل بيان لتوزيع ما ذكر من العموم أي يخص هذا بقدر وذاك بآخر، ولذا قيل العموم لجنس

ص: 415

البر والخصوص لنوعه، وهو معنى قوله فيخص الخ والباهر القدرة أي الذي غلب، وغلبت قدرته جميع القدر وهذا ناظر لقوله لطيف بعباده ولعموم إحسانه والعزيز بمعنى الذي لا يغلب على ما يريده ناظر لقوله:{يَرْزُقُ مَن يَشَاء} ففيه لطف على لطف فإن فهمت فهو نور على نور:

فكم لله من لطف! ب يدق شذاه عن فهم الذكيّ

قوله: (ثوابها الخ) إشارة إلى أنه استعارة والمراد بالحرث الزرع الحاصل من القاء البذر المشبه به العمل ففيه استعارة وتصريحية، ويلزمها استعارة أخرى غير مصرّح بها، وقوله شيئاً منها إشارة إلى أنّ من تبعيضية وأنها صفة للمفعول المقدر، وقوله على ما قسمنا الخ مقدرين ذلك له بطلبه وارادته فلا يرد أنّ المقوم وأصل له على كل حال فما معنى تعليقة بإرادته. قوله:(إذ الآعمال بالنيات الخ) أي صحتها بالنيات فإذا لم ينو عمل الآخرة لم يصح فلا يحصل له، ولا يكون له فيها نصيب على ما ذكره الشافعية في تاويل الحديث وأمّا على تقدير ثواب الأعمال كما ذهب إليه الحنفية فدلالته أظهر، فما قيل لا دلالة للحديث على ما ذكر إلا على مذهب الحنفية دون مذهب المصنف فكان عليه أن يقتصر على شقه الثاني لا وجه له، وهو ناشىء من قلة التدبر. قوله:(بل ألهم شركاء الخ) يعني أن أم هنا منقطعة فيها معنى بل، والهمزة ولا بد من سبق كلام خبراً أو إنشاء يضرب عنه ويقرّر ما بعده، وما سبق قوله:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [سورة الشورى، الآية: 13] الخ فهو معطوف عليه وما بينهما من تتمة الأوّل، وهو المناسب لجعل الشركاء شرعوا لهم كما سيأتي تقريره فلا بعد فيه كما قيل وقيل إنه متصل بقوله:{كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [سورة الشورى، الآية: 13] وفي كلامهم ما يوهم أنه معطوف على قوله من كان يريد حرث الدنيا الخ لقوله والعمل للدنيا، وقوله والهمزة للتقرير أي التحقيق والتثبيت. قوله: (وشركاؤهم شياطينهم الأنهم شاركوهم في

الكفر وحملوهم عليه فالإضافة على حقيقتها، وقوله بالتزيين فمعنى شرعوا لهم زينوا لهم كما ستراه قريبا، وقوله واضافتها إليهم الخ فالإضافة على زعمهم بناء على اتخاذهم لها شركاء، وإن لم يكن كذلك في الحقيقة قوله:(وإسناد الشرع إليها (يعني إذا أريد الأوثان التي لا نطق لها ولا عقل حتى يصدر منها التشريع فالإسناد مجازقي إلى السبب أو إلى ما هو على صورة المشرع، ويجوز كون الاستفهام المقدر حينئذ للإنكار أي ليس لهم شرع ولا شارع كما في قوله أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا فصور ككبر جمع صورة والثاني بناء على أنّ الأوثان صور كبرائهم، وأنبيائهم السالفة فلا يرد عليه ما قيل إنهم لم يعبدوا صورة من سنه لهم كما يعلم من السير والتواريخ، وان كان منهم من يزعم أنها صور الملائكة لكنهم لم يقولوا إن الملائكة سنود لهم فتدبر. قوله: (أي القضاء السابق) تفسير للفصل بأنه ما سبق من قضائه بأق الجزاء يوم القيامة لا في الدنيا ولولا ما وعدهم الله به من أنه يفصل بينهم، ويبين في الآخرة كما في قوله:{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [سورة المرسلات، الآية: 38، فالفصل بمعنى البيان، وقال السمرقندي: إنه بمعنى الحكم أي لولا حكمه تعالى في هذه الأمّة بتأخير العذاب إلى يوم القيامة لأنّ إرسال محمديشح! رحمة للناس، وهو قريب من الأوّل. قوله:(بتأجيل الجزاء (أي إلى يوم القيامة أو إلى آخر أعمارهم، وقوله بين الكافرين والمؤمنين أي في الدنيا أو حين افترقوا بالثواب والعقاب، وقوله أو المشركين وشركائهم سواء أريد الشياطين أو الأوثان فإن لكل منها خصومة مع الكفرة كما مز. قوله: (وقرىء أن بالفتح الخ) قراءة العامّة بالكسر على الاستئناف وقرأ مسلم بن جندب والأعرج بفتحها عطفا على كلمة وفصل بينهما بجواب لولا وكلمة الفصل بتفسيريها السابقين، وقوله وتقدير الخ إنما ذكر التقدير لأنّ العذاب غير واقع في الدنيا، وإنما الواقع كلمة الفصل وتقدير العذاب، وقوله: فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة بيان لوجه التخصيص للعذاب، وعدم شموله لما في الدنيا كالقتل والأسر ولتخصيص القضاء بالدنيا فيظهر ترتب الجزاء على كلمة الفصل والعذاب. قوله ثعالى:(ترى الظالمين الخ (جملة مستأنفة لبيان ما قبله، واشفاق المؤمنين وخوفهم في الدنيا فمن خاف عقوبته في الدنيا أمنه الله، وقد قيل لا يجمع الله على أحد خوفي الدنيا والآخرة، ولذا عقبه بذكر ما للمؤمنين. قوله:) من السيآت) بيان لما كسبوا، ومن في النظم يحتمل أن تكون صلة مشفقين

ص: 416

أو تعليلية

على أنه على الأوّل بتقدير مضاف أي من جزائه أو وباله وليس في كلامه هنا إشارة إلى أحد الوجهين كما قيل بل قوله بعده وباله يشير إلى الأوّل. قوله: (وباله لاحق بهم أشفقوا أو لم يشفقوا) قال في الكشف إنه يشير إلى أنّ السيآت قد كسبوها في الدنيا فالواقع بهم، وبالها وايثار واقع على يقع مع أنّ المعنى على الاستقبال لأنّ الخوف إنما يكون على المتوقع بخلاف الحزن للدلالة على تحققه، وأنه لا بد منه وعلى هذا من في قوله مما كسبوا ليس صلة مشفقين إذ المعنى إن الإشفاق نشأ من ذلك، وإنما أتوا من قبله ولا عليك إن تقدر مشفقين من وبال ما كسبوا ليكون صلته، وإنما آثر الأوّل لأنه أدخل في الوعيد، وقوله أشفقوا أو لم يشفقوا إشارة إلى أنّ إشفاقهم لا ينفعهم كما في الدنيا. قوله:(وفيه بحث) لأنّ كلامه لا دلالة له على ما ذكر بل على خلافه كما عرفت فلا تكن من الغافلين. قوله: (في أطيب بقاعها وأنزهها) فإن رياض! الأرض منتزهاتها فما بالك برياض الجنان. قوله: (أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم (يعني أن عند منصوب، ومتعلق بالظرف وهولهم أو بعامله لا بيشاؤون وإن كان أحق بالعمل بحسب النحو لا بحسب المعنى هنا إذ الغرض! المبالغة فيما لأهل الجنة من النعيم فلما ذكر أنهم في أنزه مكان، وأطيب مقعد عقبه بأنّ لهم ما يشتهون من ربهم فإنك إذا قلت لي عند فلان ما شئت كان أبلغ في حصول كل مطالبك منه من قولك لي ما شئت عند فلان بالنسبة إلى الطالب، والمطلوب منه لأن الأوّل يفيد أنّ جميع ما تشاؤوه موجود مبذول لك منه، والثاني يفيد إن ما شئت عنده مبذول لك سواء كان منه، أو من غيره لا جميع ما تشاؤوه مع ما في الأوّل من المبالغة في تحقيقه وثبوته بجعله كالحق اللازم في دفع فضله قيل والأوجه أن يجعل عند ربهم خبراً أي جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في روضات الجنات لهم فيها ما يشاؤون، وإنما أخر ليكون ترقيا من الأدنى إلى الأعلى على وفق الترتيب الوجودي فإنّ القادم ينزل في أنزه مكان، ثم يحضر له ما يشتهي وملاك ذلك أن يخصه رب المنزل بكرامة القرب، ولو جعل حالاً من فاعل يشاء أو ضمير لهم أفاد ما ذكر لكنه فيه جعلى ما هو العمدة فضلة، وهو خلاف مقتضى النظم. قوله:) ذلك هو الفضل الخ (إشارة إلى أن الجزاء المترتب على الإيمان والعمل محض فضل منه كغيره، وقوله الذي يصغر دونه الخ إشارة إلى ما يفيده تعريف الطرفين وتوسط الضمير من الحصر، وقوله ذلك الثواب لفهمه من السياق ولو جعلت الإشارة إلى الفضل جاز والمال واحد، وقوله فحذف الجار الخ على عادتهم في التدرلم! ول

الحذف ولا مانع من حذفهما دفعة واحدة. قوله: (أو ذلك التبشير الذي يبثره الله) فلا يكون معه حرف جرّ مقدر لأنه ضمير المصدر فيتعدى إليه الفعل بغير واسطة ويكفي في الدلالة على المصدر ذكر فعله بعده فإنّ الإشارة قد تكون لما بعده كما مرّ في {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 143] ونحوه فلا وجه لقول أبي حيان إنه لم يتقدم في هذه السورة لفظ البشرى ولا ما يدلّ عليها حتى تكون الإشارة له ومن لم يتنبه له قال كون ما تقدّمه تبشير للمؤمنين كاف في صحته، وقوله وقرىء يبشر من أبشر. وهي قراءة شاذة، ولذا أخرها فلا وجه للاعتراض عليه بأنها ليست من السبعة فإنه ليس في كلامه ما يدل على ما اذعاه حتى يغبر في وجوه الحسان وقوله ما أتعاطاه أي أباشره فالضمير لكل ما ذكر قبله، وقوله نفعا فسر الأجر به لأنه يختص في العرف بالمال والمراد المعنى الأعمّ هنا ليتصل به المودّة ويكون الاستثناء على أصله فيها ولا حاجة إلى أن يقال كونها من إفراد الأجر اذعاء كاف لذلك. قوله:) أن توذوني لقرابتي (فالمودّة مصدر مقدر بأن والفعل والقربى مصدر كالقرابة، وفي للسببية وهي بمعنى اللام لتقارب السبب والعلة، والخطاب إمّا لقريش أو لهم وللأنصار لأنهم أخواله! هـ على ما بينه أهل الحديث أو لجميع العرب لأنهم أقرباء في الجملة والمعنى إن لم تعرفوا حقي لنبؤتي وكوني رحمة عامّة ونعمة تامّة فلا أقل من مودّتي لأجل حق القرابة، وصلة الرحم التي تعتنون بحفظها ورعايتها وحاصله على هذا لا أطلب منكم إلا مودّتي لقرابتي منكم، وهو أمر لازم عليكم. قوله:) أو توذوا قرابتي) فالمراد لا أطلب منكم إلا محبة أهل بيتي، ومن ينتمي إليّ ففي للظرفية المجازية أي إلا موذة واقعة في قرابتي وأهل بيتي فان خص بالمؤمنين منهم فهو ظاهر والا فقيل إنه منسوخ، وفيه نظر ولا حاجة إلى تقدير مضاف في عبارة المصنف أي أهل قرابتي كما توهم فإنه لتوهم إن القرابة مصدر، وإنه لا يقال هم قرابته

ص: 417

بل ذو قرابته كما قال الشاعر:

وذو قرابته في الحي مسرور

وليس بصحيح لأنّ القرابة كما تكون مصدراً تكون اسم جمع لقريب كالصحابة كما ذكره

أبن مالك في التسهيل. قوله: (وقيل الاستثناء منقطع الخ) إفا بناء على أن المودّة سواء كان له -شييه، أو لأقربائه ليست أجراً أصلاً بالنسبة إليه، أو لأنها لازمة لهم لتمدحهم بصلة الرحم فنفعها عاثد عليهم، وقوله وفي القربى حال منها أي من الموذة، وهي على وجهي الاتصال والانقطاع وعلى تفسيري الموذة بأنها موذتهم له أو لآله كما أشار إليهما بطريق اللف والنشر المشوّش بقوله أي إلا الموذة الخ، ويحتمل أنه إشارة إلى أنّ القربى بمعنى الأقرباء أو بمعنى

القرابة. قوله: (ومن أجلها جاء في الحديث (وفي نسخة كما جاء في الحديث يعني أنّ المراد به أنّ المودّة ثابتة في حق القربى ولأجلها ففي للظرفية المجازية، ومآلها إلى السببية كما في الحديث فإنّ معناه الحب والبغض إنما يكون لأجل الله ورعاية حقوقه، وقوله روي الخ هذا يقتضي أنّ هذه الآية مدنية فإنّ الحسن والحسين رضي الله عنهما إنما ولدا بالمدينة، ولم يذكر المصنف أنّ في هذه السورة مدنيا، وقيل إنه ليس بمرضيّ له لضعف الحديث المذكور كما في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر. قوله: (وقيل القربى التقرّب إلى الله (فالقربى بمعنى القربة، وليس المراد قرابة النسب قيل: ويجري فيه الاتصال والانقطاع على إرادة النفع مطلقا أوالمعهود بالأجر والظاهر أنه منقطع وأنه على نهج قوله:

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

البيت وقوله نزلت في أبي بكر رضي الله عنه لشدة محبته لأهل البيت وعلى الأوّل هي عامة، وهي تتميم على هذا وتذييل على الأوّل وهو الأولى وحسنا تمييز أو مفعول به وحسني مصدر كبشرى أو صفة لموصوف مقدر كغصلة ونحوه، وقوله بتوفية الثواب الخ تفسير لشكور إذا وقع صفة لله فإنّ معنا. الحقيقيّ غير مناسب فالمراد به ما ذكر مجازا. قوله:) بل أيقولون افترى على الله الخ) إشارة إلى أن أم منقطعة أيضا وأنه إضراب آخر إلى ما هو أعظم من الأوّل، وهو أنه لما ذكر ما شرعه وأضرب عنه أضرب عنه ثانيا مرخيا للعنان قائلاً بل أتقولون في شأن ما بلغكم أكرم خلق الله عن الله إنه افتراء من تلقاء نفسه. قوله:) استبعاد للافتراء عن مثله الخ الا يخفى عليك أنّ تفريع هذا على ما قبله وارتباطه في غاية الخفاء الذي يحتاج إلى كشف الغطاء عنه، وقد ذكر السلف فيه وجوها وقال العلامة: وهو فارس هذا الميدان إنه أسلوب مؤذاه استبعاد الافتراء من مثله، وإنه في البعد مثل الشرك بالته والدخول في جملة المختوم على قلوبهم ومثل بقول أمين نسب إلى الخيانة لعل الله خذلني لعل الله أعمى قلبي استبعاداً لما نسب إليه، وأنه أمر عظيم ومعناه ما قيل إن يشأ الله يختم على قلبك كما فعل

بهم فهو تسلية له وتذكير لإحسانه إليه واكرامه ليشكر ربه ويترحم على من ختم على قلبه فاستحق غضب ربه، ولولا ذلك ما اجترأ على نسبته لما ذكر ولذا أتى بأن في موضع لو إرخاء للعنان، وتلميحاً للبرهان على أنه لا يتصوّر، وصفه بما ذكروه فالتفريع بالنظر إلى المعنى المكني عنه، وحاصله أنهم اجترؤوا على هذا المحال لأنهم مطبوعون على الضلال فعليك بإمعان النظر فإن هذه الآية من أصعب ما مر بي في كلامه العظيم وفقنا الله لفهم معانيه، وعدى الإشعار بعلى لتضمنه معنى البينة أو الدلالة. قوله:) وكأنه قال الخ) حاصله أنّ الافتراء خذلان، ولو أراد خذلانك لم يجعلك ذا معرفة وبصيرة حتى تفتري على الله وأتى بأن مع أنّ عدم مشيئته مقطوع به إشعاراً بعظمنه، وإنه غنيّ عن العالمين. قوله:) وقيل يختم على قلبك يمسك الخ) هو مضارع لأمسكه إذا حبسه وفي نسخه بمسك بباء الجرّ وهي متعلقة بيختم، وفي بعضها ننسك من النسيان وهو الموافق لما فسر به قتادة بننسك القرآن، ونقطع عنك الوحي فتعديته بعن لتضمينه معنى القطع، وما قيل من أنه غلط لا وجه له فإنه يجوز جعل ضمير عنه للقلب بدليل قوله بعده يربط عليه، وأمّا الالتفات فلا التفات إليه هنا لركاكته، وكذا ما قيل إن الإمساك لا يفيد فيما أوحى به قبل فإن المراد بإمساكه عنه أن لا ينزل عليه، ولا يذكر ما نزل منه. قوله:(بالصبر (هو معنى الربط على القلب كما بين في محله والمراد به أن لا يشق عليه ذلك، وقد شق عليه وتأذى به غاية التأذي حتى قيل له لعلك باخع نفسك لغيرته لله، وتكثير ثوابه بأنواع المجاهدة. قوله: (استئناف لنفي الافتراء الخ) يعني أنه ليس محزوماً معطوفا على ما في خبر الشرط بل معطوف على مجموع الجملة، والكلام السابق وكونه

ص: 418

حالاً يحتاج إلى تقدير مبتدأ أو لا حاجة إليه، وقوله إذ من عادته تعالى الخ يريد أنّ المضارع للاستمرار وأنه كلام ابتدائي غير معطوف على الجزاء ولذا أعاد اسم الله ورفع يحق، وقوله بوحيه الخ تفسير لقوله بكلماته بأن المراد بها الوحي أو القضاء أو الوعد، وقوله بمحق باطلهم متعلق بوعده، وقوله بالقرآن متعلق بإثبات وعمم الوحي أوّلاً لأن مراده عادته الجارية مع جميع رسله وخص الوعد بالقرآن لأنّ الوعد لنبينا! ير، وقوله بقضائه ليس مكرّراً فيه لأن الأوّل تفسير كلماته وهذا هو الموعود به، وقوله أو بوعده معطوف على قوله بوحيه، وقيل إنه معطوف على قوله لنفي الافتراء أو على قوله بأنه لو كان مفترى الخ فالصيغة على هذا للاستقبال، واللام للعهد والمعنى على الثاني باطلهم فيظهر عدم الافتراء، ويجوز كونها للجنس فيكون إثباتا لعدم افترائه بالبرهان

والوعد ضمنيّ وفيه نظر. قوله: (لاتباع اللفظ) فإنه سقط فيه لالتقاء الساكنين ثم تبعه الرسم وكان القياس إثباتها لكن خط المصحف لا يلزم جريه على القياس، وقد قيل إنه لا مانع من عطفه على جواب الشرط فيجزم ويحق حينئذ مستأنف والمعنى إن يشاء الله يمح افتراءك لو افتريت أو يمح باطلهم عاجلا لكنه لم يفعل لحكمة أو مطلقاً، وقد فعل بالآخرة وأظهر دينه. قوله:(بالتجاوز عما تابوا عنه) بيان لحاصل المعنى، وفيه إيماء إلى أنه يجوز أن يضمن معنى التجاوز لكن مدخول عن معه الفعل الذي تاب عنه لا العباد فحينئذ يحتاج إلى تقدير مضاف فيه أي عن ذنوب عباده، وهو تكلف ولذا لم يلتفت إليه المصنف وقوله لتضمنه الخ فيه لف ونشر مرتب فتعديه بمن لمعنى الأخذ وبعن للإبانة، وقوله وقد عرفت الخ إشارة إلى ما فصله في سورة البقرة وقد مرّ الكلام فيه، وما رواه عن عليئ كرم الله وجهه سيأتي في سورة التحريم مع تخالف يسير في العبارة، وهو محتمل لأن تكون التوبة مجموع هذه الأمور فالمراد أكمل أفردها، ويحتمل أنها اسم لكل واحد منها والأوّل أظهر. قوله:(إذابة النفس) أراد به الجسد فالمراد أنه يضعفه ويصيره مهزولاً بعدما قواها بالمعاصي وسمنها، ومرارة الطاعة كونها صعبة شاقة كما يشق تناول المرّ الكريه الطعم. قوله:(لمن يشاء) من غير اشتراط شيء كاجتناب الكبائر للصغائر أو التوبة كما ذهب إليه المعتزلة فهو للودّ عليهم، والمراد غير الشرك بالإجماع، وقوله فيجازي أراد بالجزاء الثواب والعقاب أو يتجاوز بالعفو فعلمه كناية عما ذكر كما مرّ تحقيقه، وكل من ذلك عن اتقان صنع وحكمة ربانية وفي شرح الكشاف، إنّ المجازاة للتائب، والتجاوز عن غيره فهو على التوزيع واللف والنشر والأوّل أظهر، وقوله قرأ الكوفيون الخ بالتاء الفوقية وغيرهم بالتحتية وعلى الأوّل فهو التفات وقوله عن إيقان بالياء التحتية فعال من اليقين كما صحح في النسخ أي علم جازم وفي بعضها بالتاء الفوقية والأوّل أنسب بالعلم لكن الثاني هو الأصح هنا فالمراد باتقانه كونه على مقتضى الحكمة والله لا يوصف علمه بالإيقان فثأمّل. قوله: (أي يستجيب الله لهم الخ (ففاعله ضميره تعالى وهذا بناء على أز " غير

متعد بنفسه، وكلام المصنف مضطرب فيه فتارة ذكر أنه يتعدى بنفسه وباللام كشكرته، وشكرت له وتارة قال إنه يتعدى للدعاء بنفسه وللداعي باللام ففيه مذاهب مشى على كل منها في محل تكثيرا للفائدة، وليس غفلة منه مع أنه قد وفق بين كلامه بأنه يتعدّى بنفسه للدعاء وباللام للداعي وقوله يتعدى بنفسه، وباللام المراد منه هذا أو هو على الحذف والإيصال. قوله:(والمراد إجابة الدعاء الخ) فيصح حينئذ أن يكون بتقدير مضاف أي دعاء الذين الخ بناء على أنه يتعدّ! إليه بنفسه كما مرّ، وقوله لما يترتب عليه متعلق بطلب، وهو مرفوع أي الطاعة طلب مايترتب عليه فإنها التحصيل الثواب فثابه الدعاء وشابه إثابته الإجابة فاستعير له فليس مقتضى الظاهر عليها كما قيل. قوله:(ومنه قول صلى الله عليه وسلم أفضل الدعاء الحمد دلّه) ولذلك سميت الفاتحة سورة الدعاء، والمسالة يعني سمي الثناء دعاء لأنه يترتب عليه ما يترتب على الدعاء، وسأل سفيان عن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:(كثر دعائي ودعاء الآنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) فقال هذا كقوله تعالى في الحديث القدسي: (من شفله ذكوى عن مسئلتي أعطيتة أفضل ما أعطي السائلين) ألا ترى قول أمية بن الصلت لابن جدعان حين

ص: 419

أتاه بنعي نائلة:

" ذكرحاجتي أم قدكفاني ثناؤك أنّ شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرءيوما كفاه عن تعرّضك الثناء

فالحمد يدلّ على الدعاء والسؤال بطريق الكناية، والتعريض لا أنه أطلق الدعاء على الحمد لتشبيهه به في طلب ما يترتب عليه كما قيل وللإمام السبكي فيه كلام محصله ما أشرنا

إليه. قوله: (أو يستجيبون دلّه بالطاعة الخ) فالاستجابة فعلهم والذين فاعل في موضع رفع أي ينقادون له وعلى الوجه الأوّل يستجيب معطوف على يقبل التوبة، وعلى هذا هو معطوف على مجموع قوله: وهو الذي يقبل التوبة الخ ولا حاجة إلى جعله من عطف القصة إلا أن يريد به ما ذكر، وقوله: ويزيدهم من فضله معطوف على مقدر وهو مسبب عن قوله ويستجيب أي ويستجيب الذين آمنوا بالطاعة ليستجيب بذلك دعاءهم، وييمافيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ويجوز عطفه على قوله ويستجيب، وقوله: لله إشارة إلى المفعول لا إلى حذف ضمير الموصول بإقامة الظاهر مقامه في التفسير ليصح عطفه على الصلة كما قيل. قوله تعالى: {مِن فَضْلِهِ} متعلق بيزيدهم، ويجوز تعليقه بالفعلين على التنازع فإن الثواب فضل منه تعالى، وقوله على ما سألوا هو وما عطف عليه بأو الفاصلة ناظر للوجوه السابقة على الترتيب، وفي بعض النسخ واستوجبوا بالواو وهو تفسير لقوله: استحقوا ناظر للثاني، والثالث أو للثالث فقط، وقوله: على ما سألوا ناظر للأوّلين والسؤال شاملى للتحقيقي والتنزيلي، وهذا أولى على عطف والإثابة بالواو وفي بعضها واستحقوا واستوجبوا وعليه يكون إلاً ولأن نظر الوجهي قوله، ويستجيب وقوله: أو استجابوا إلى الوجه الآخر، ثم وجه قوله: ويزيدهم على معنى الإثابة ظاهر فإنها الأصل المذكور فتصح الزيادة أمّا على الوجه الآخر فيحتاج إلى القول بانفهامه من قوله ويزيدهم أو تقدير فيوفيهم أجورهم فتأمل. قوله: (بدل ما للمؤمنين الخ) يعني العذاب في مقابلة الثواب، والشدّة في مقابلة التفضل. قوله: التكبروا وأفسدوا فيها بطرا) أصل معنى البغي طلب أكثر مما يجب بأن يتجاوز في القدر، والكمية أو في الوصف والكيفية، واليه أشار بقوله: تجاوز الاقتصاد أي الوسط فيما يتحرّى أي أن يتعدى الاعتدال فيما يقصده، ولذا ورد بمعنى التكبر لما فيه من تجاوز المرء لحذه فإن الكبرياء رداء العظمة الإلهية، وقوله: وأفسدوا كالعطف التفسيري للتكبر لأنه لازم له، ويجوز أن يكون جعل التكبر في الأرض! كناية عن الإفساد أو هو مضمن معناه وقوله: بطراً من ترتب البغي على بسط الرزق لأن البطر الطغماد بسبب الغنى كما هو دأب أكثر الناس. قوله: (أو لبغي بعضهم على بعض استيلاء الخ (فالى س اد بالبغي الظلم لأنه شاع استعماله فيه حتى صار حقيقة فيه وليس بين هذا وما قبله كبير فرقا إذ الاستعلاء طلب العلو بالتكبر فلو تركه المصنف كان أولى، وقوله وهذا أي ترتب البغي على بسط الرزق وسعته بناء على الغالب إذ من الناس من يصلحه الغنى ومنهم من يطغيه الفقر، وقم من عائل متكبر وغني متواضع ويكفي في فهم الحكمة الإلهية قضية الأغلبية وإنه لو عمّ البسط

شاع الفساد والبغي، وقوله: طلب الخ إشارة إلى أنه لا يلزم فيه وقوع التجاوز بالفعل وقوله: كمية أو كيفية منصوب على أنه تميز إمّا من النسبة الإضافية في تجاوز الاقتصاد، أو في يتحرّى أو منهما على التنازع وانه يكون في التمييز. قوله:(ما اقتضتة مشيئته) فما موصولة وهي مفعول لينزل وأمّا كونه مفعولاً لمقدر بمعنى يقدر أو ما إبهامية زائدة، ويشاء صفة قدر والعائد محذوف فتكلف من غير داع له سوى تكثير السواد، وتضييع المداد وقوله يعلم خفايا أمرهم تفسير لخبير لأنّ الخبرة تختص بها في عرف اللغة وجلايا حالهم تفسير لبصير لأنه في الأصل ما يدرك بالبصر، وهو يختص بالظواهر ففيه لف ونشر مرتب، وقوله: فيقدر الخ إشارة إلى أنه تذييل لما قبله. قوله: (روي أنّ أهل الصفة) هه قوم من فقراء الصحابة رضي الله عنهم كانوا على صفة في مسجد المدينة فالآية على هذا مدنية، وهو مخالف لما ذكره المصنف في فاتحة هذه السورة، وقوله: إذا أخصبوا تحاربوا لعدم ما يشغلهم عن الحرب وأجدبوا حل بهم الجدب، والقحط وانتجعوا بمعنى ارتحلوا للنجعة، وهي طلب الكلا في غير بلادهم لعدم ما تتعيش به دوابهم فإذا تفرّقوا

ص: 420

اشتغلوا عن القتال، وقوله: خص بالنافع فلا يقال: غيث لكل مطر. قوله: (وقرئ بكسر النون) كذا في النسخ ووقع في بعضها بفتح النون فيكون إشارة إلى قراءة السبعة لا إلى القراءة الشاذة، وان كان مخالفا لما هو المعتاد من التعبير بمثله في الشواذ فلا حاجة إلى القول بأنه سهو. قوله:(في كل شيء) هو من النشر وعدم ذكر المنشور فيه، والمراد بالرحمة منافع الغيث وآثاره والضمير لله وقيل: للغيث، والسهل من الأرض ما عدا الجبل، وقوله: الذقي يتولى الخ إشارة إلى أنه تذييل للقرينتين على طريق الجمع، وقوله: على ذلك إشارة إلى أنّ الحمد في مقابلة النعمة هنا. قوله: (فإنها) أي السموات والأرض بذاتها وصفاتها تفسير لكونها من آياته أي دلائل وجوده، واتصفاه بصفات الجلال والإكرام، وهو إشارة إلى أحد البراهين الكلامية المقرّرة لرد قدم العالم والتعطيل بأنّ وجود الجواهر والإعراض وحدوثها يدل على وجود الصانع القادر على خلق هذه الأجوام العظيمة الحكيم لإيجادها متقنة على وفق ما تقتضيه الحكمة، وحمله على الاستدلال بإمكانها تعسف لاحتياجه إلى حمل السموات على المخلوقة بعد خلقها، وجعل الآية خلقها يأباه وان كان من إضافة الصفة إلى الموصوف أي السموات المخلوقة أو النظر للقيد فالمراد أنها من حيث خلقها ولو قيل إن ما بث معطوف على

خلق فيكون استدلالاً بالإمكان بعد الاستدلال بالحدوث صح لكن بالاحتمال يسقط الاستدلال. قوله: (عطف الخ) ولا حاجة إلى تقدير مضاف فيه أي خلق ما بث كما قاله أبو حيان: وما تحتمل الموصولية والمصدرية أي ومن آياته بثه فيهما. قوله:) من حي على إطلاق اسم السبب على المسبب (دفع لما يقال: إن الدواب في الأرض دون السماء فكيف قيل فيهما: وقد دفع بوجوه منها أنه مجاز مرسل فالمراد بالدابة الحيئ إما من استعمال المقيد في المطلق أو إطلاق الشيء على لازمه أو السبب على مسببه لأن الحياة سبب للدبيب، وان لم تكن الدابة سبباً للحيّ فهو مجاز مرسل تبعي لاعتبار العلاقة في مأخذ الاشتقاق دون المشتق نفسه ومنه يعلم أنّ التبعية تجري في الاستعارة والمجاز المرسل وان خصها أهل المعاني بالأوّل فتدبر. قوله: (أو مما يدب على الأرض) بإبقاء الدابة على حقيقتها وظاهرها، والتجوّز في النسبة أو في أداة الظرفية بجعل ما في أحد الشيئين فيهما كقوله:{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [سورة الرحمن، الآية: 22] وبنو تميم قتلوا قتيلا والقاتل بعضهم، ويؤيده قوله في البقرة:{وَمَا بَثَّ فِيهِمَا} [سورة الشورى، الآية: 129 فأفراد الضمير للأرض، ويحتمل تغليب الدواب في مقام العظمة على غيرهم كما قيل: إنّ الملائكة يمشون كما يطيرون، وهو مشهور فلا يصح أن يقال إنه إنما يستدل بما هو مكشوف معلوم، نعم هو وارد على ما قيل إنّ فيها ما يدب كير الملائكة أو ملائكة على غير صورها المشهورة، وأمّا القول بأنه استعارة بتشبيه الملك بالدابة في الحركة فلا يناسب البلاغة لركاكته. قوله تعالى:( {عَلَى جَمْعِهِمْ} ) الضمير للسموات والأرض! وما فيهما على التغليب أو للناس المعلوم من ذلك لأنهم في ضمنه وإذا طرف للجمع لا لقدير لأنه خلاف الظاهر، ولأنه يلزمه تعليق القدرة بالمشيثة، ولا يخفى ما فيه وليس هذا مبنيا على الاعتزال كما توهمه المعرب، وقوله واذا الخ أي سواء كانت ظرفية أو شرطية وإذا دخلت على الماضي قلبته مستقبلا كالماضي بعد أن الشرطية لكنه يختار المضي لدلالته على التحقق المناسب لإذا ولئلا يلغو الاستقبال، ولذا امتنع إذ زيد قام ولم يمتنع إذ زيد يقوم على ما فصله النحاة، ولا فرق بين إذا مع ما وبدونها كما توهم. قوله: (فبسبب الخ (إشارة إلى أن الباء سببية، وقوله: أو متضمنة لأن المبتدأ إذا كان اسما موصولاً صلته فعلية تدخل على خبره الفاء كثيراً لما فيه من معنى الشرط لإشعاره بابتناء الخبر عليه، ونافع وابن عامر لم يقرآبها لأنه ليس بلازم وإيقاع المبتدأ موصولاً يكفي في الإشعار المذكور كما ذكره أهل المعاني والفاء يحسن حذفها في الشرط إذا وليه الماضي فما هنا أحسن، وأمّا توجيه المصنف له باً نه استغناء بما في

الباء من معنى السببية فقد قيل عليه: إنّ مدخول الباء التحتية سبب للمقدم والفاء بعكسه نحو من يأتيني فله درهم فإنه قد يرد على العكس نحو أن يقض فالله كريم، واقترانه بالباء دليل على ذلك لئلا يلزم كونه سببا ومسببا وإن قيل مثله مؤوّل، وما في قوله: لم يذكرها من إيهام أن القراءة تكون بالرأي دون نقل فليس بمراد قطعاً، وقد تقدم له تفصيل فتذكره، قوله:) من الذنوب) أو من الناس، وقوله: فلا يعاقب عليها أي عاجلاً في الدنيا

ص: 421

أو آجلا، وقوله: والآية مخصوصة بالمجرمين أي بأصحاب الذنوب من المسلمين، وغيرهم فإنّ من لا ذنب له كالأطفال والمجانين والمعصومين من الأنبياء والمرسلين قد تصيبهم مصائب إذ أشد الناس بلاء الأمثل فالأمثل، وقد يبتلى الله عباده لرفع درجاتهم، وقوله: أخر أي غير ما كسبته أيديهم ولا وجه لكون الخطاب لقوم مخصوصين. قوله تعالى: ( {بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} (تقدم تفسيره، وأنّ المراد إنهم لا يعجزون من في الأرض من جنوده تعالى فكيف من في السماء، أو لا يعجزون بالبراري ودخول مهاوي الأرض، أو معجزين الله في دفع مصائبكم إن أراد فقوله: فائتين الخ تفسير له بلازم معناه أي فلا يغرّنكم إمهاله وهذا وما بعده كالتقرير لقوله: {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} لأنهم إذا لم يفتهم ما قضى ولم يكن لهم ولي ولا نصير سواء كانوا إما معاقبين في الدنيا بكسبهم، أو معفوّاً عنهم لقدرته على أن يفعل بهم ما أراد، وقوله: يحرسكم عنها أي عن المصائب، وقوله: السفن الجارية فهو صفة لموصوف محذوف لقرينة قوله في البحر، وإن لم يكن صفة مخصوصة. قوله: (قالت الخنساء) هي امرأة من شعراء العرب وهذا البيت من قصيدة لها ترثي بها أخاها صخراً وقد قتل وقبله:

وما عجول على بوّتحن له لها حنينان إعلان وأسرار

ترتع ما غفلت حتى إذا ادّكرت فإنما هي إقبال رأدبار

يوماً بأوجع مني حين فارقني صخر وللعيش إحلاء وإمرار

وتأثم بمعنى تقتدي والهداة جمع هاد وهو الدليل الذي يهدي المسافرين في طرقهم،

ومن يقتدي به الناس ليهديهم لما يريدون واذا اقتدى لهداة به فغيرهم أولى بالاقتداء كالجبل فإنه يعلم به جهة السالك في مفازة فاذا أوقد في رأسه نار كان أقوى في الدلالة، وقراءة الرياج لأنها الأكثر في الخير والقراءة الأخرى تدل على أنه أمر أغلبيّ. قوله: (فيبقين ثوابت على ظهر

البحر) فسر يظللن وأصل معناه يفعلن نهاراً بيبقين لأنه لم يرد ذلك ولو فسر بيصرن كان أولى فروا كد مفعوله، وهي حال على ما ذكره المصنف، وقوله: وكل همته الخ معنى صبار فالصبر بمعنا. الأصلي، وهو الحبس وأريد به هنا حبس مخصوص، وفسره بما ذكر لأنه بمعناه المشهور لا يناسب تخصيصه بالآيات والتفكر في آلائه أي نعمه معنى الشكور لأن معرفة النعم والتفكر فيها شكر، وفي حديث أبي داود القدسي تصريح به وفي بعض النسخ الشكر بدل التفكر. قوله:(أو لكل مؤمن كامل) فكني ذلك عن مؤمن كامل وفي الوجه السابق وهو صريح لا كناية فيه، وقوله: فإنّ الإيمان الخ أي هما عنوان المؤمن وإيمانه ومآل كل ما يلزم فيه راجع إليهما فالصبر المراد به الصبر عن المعاصي، وتركها جملة ويدخل فيها دخولاً أولياء الكفر، والشكر الإتيان بالواجبات، وجلها وهو أجلها التصديق بالله وما يليق به. قوله:) والمراد إهلاك أهلها) بتقدير مضاف فيه أو بالتجوّز بإطلاق المحل على حاله أو بطريق الكناية لأنه يلزم من إهلاكها إهلاك من فيها ولو أبقى على ظاهره جاز لأنها من جملة أموالهم التي هلاكها والخسارة فيها بذنوبهم أيضا. قوله: (فاقتصر فيه على المقصود (من إرسالها عاصفة وهو إما إهلاكهم أو إنجاؤهم فعبر عن كونها عاصفة بالإهلاك والنجاة لمن هو بصدده، وبه ظهر وجه جزم يعف لأنه بمعنى ينج معطوف على يويق ويعلم وجه عطفه بالواو لأنه مندرج في القسيم وهو هبوبها عاصفة، فإن قلت فهذه القسمة غير حاصرة لأنه ذكر هبوبها عاصفة مع الإهلاك والإنجاء وسكونها، ولم يذكر هبوبها باعتدال قلت: لم يذكره لعلمه مما قدمه، وهو قوله: الجوار فإنه المطلوب الأصل منها، وما قيل من أن التحقيق أن يعف عطف على قوله: يسكن الريح إلى قوله: بما كسبوا ولذا عطف بالواو لا بأو والمعنى أن يشأ يعاقبهم بالإسكان أو الإعصاف، وإن يشأ يعف عن كثير فليس موافقا لما فسره به المصنف، وتكرير ناس للنص على كونه قسما من القسيم يأباه. قوله:) ويعفو) بالرفع على الاستئناف أي على عطفه على مجموع الشرط والجواب دون الجواب وحده وسماه استثنافا لعطفه على جملة مستأنفة والمعطوف له حكم المعطوف عليه. قوله: (عطف على علة مقدّرة (وتقدير المعطوف عليه غير عزيز في أمثاله، وإنما الكلام فيما قدره وهو قوله: لينتقم الخ فإن أبا حيان اعترض عليه بأنه ترتب على الشرط الهلاك، والنجاة فذكر علة لأحدهما

ص: 422

دون الآخر لأحسن له ولو قدر لتخلص المؤمنين لم يرد

عليه شيء، وهذا غير وارد فإنّ المصنف صرّح بأن الآية مخصوصة بالمجرمين فالمقصود الهلاك فلذا لم يتعرض له مع أنه قال: مثل لينتقم ولم يقل هو المقدر، فيجوز أن يقدر ما يليق بالمقام، وما ذكر إنما هو تصحيح إعراب والمنع المجرّد في مثل هذه المقاصد غير مسموع. قوله:(أو على الجزأء (تفدير. عطف على الجزاء وفي كلامه تسامح لأنّ الجزإء مجزوم فكيف يعطف عليه وهذا ليس بمذهب لأحد من متقدمي أهل العربية ولا متأخريهم فإن للنحاة فيه ثلاثة مذاهب، الأوّل مذهب الكوفيين، وهو أنّ الواو في مثله بمعنى أن المصدرية ناصبة للمضارع بنفسها، الثاني مذهب البصريين إن الفعل منصوب بأن مضمرة وجوباً بعدها والواو عاطفة للمصدر المسبوك على مصدر مقدر مأخوذ من معنى الكلام قبله، وهو من العطف على المعنى وتسمى هذه الواو واو الصرف لصرفها عن عطفه على المجزوم قبلها إلى عطف مصدر على مصدر، والثالث ما اختاره الرضى من أنها إما واو الحال، والمصدر بعدها مبتدأ خبره مقدر والجملة حالية أو واو المعية، وينصب بعدها الفعل لقصد الدلالة على مصاحبة معاني الأفعال كما أنّ الواو في المفعول معه دالة على مصاحبة الأسماء فعدل به عن الظاهر ليكون نصا في معنى الجمعية، وليس هذا بأسهل مما ذكره النحاة من العطف على المصدر المتصيد وهذا رد على الزمخشري حيث لم يجوّز هذا، وجزم بالوجه الأوّل. قوله:) نصب الواقع جوابا للأشياء الستة) الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض أي نصب بعد الشرط مثل ما نصب بعدها لمشابهته لها لأنها تدل على أنّ ما بعدها لم يقع فهو غير محقق، وإن كان مطلوبا وهو معنى قوله: غير واجب لأنّ الجزاء موقوف على الشرط، وهو أمر مفروض! لأن الشرطية لا تدل على الوقوع بل على تقديره والزمخشري وسيبويه ومن تبعهما لم ينكروا النصب بعد الشرط حتى يرد عليهم بما ذكر، وإنما قالوا إنه لم يستفض في كلامهم فهو ضعيف لا ينبغي تخريج القراءة المتواترة عليه مع أنّ التقدير شائع، وله نظائر في القرآن فيما قيل: إن تضعيف سيبويه لا يحتج به مع اختيار جماعة من عظماء العلماء له لم يصادف محزه لأنهم لم ينكروه رأسا وإنما ضعفوه وأبوا تخريج الآية عليه، وما ذكر لا يدفعه. قوله:) بالرفع على الاستئناف (فهو معطوف على الكلام السابق كما مرّ تقريره، وقال السعد في شرحه كلام الزمخشري: كثير من المواضع يشعر بأنّ مثله على تقدير المبتدأ لكنه لا يحسن هنا لكون الفاعل اسماً مظهراً، وفيه نظر قال في الدر المصون في الاستئناف يحتمل الفعلية والاسمية بتقدير مبتدأ أي هو يعلم الذين فالذين على الأوّل فاعل وعلى الثاني مفعول فتأمل. قوله: (فيكون المعنى أو يجمع بين إهلاك قوم الخ (أولوه بما ذكر لما يتراءى في بادئ النظر من عدم استقامة المعنى إذ ليس علم المجادلين معلقا بالشرط المذكور، وأيضاً المعطوف عليه مسبب عن الإرسال فكذا يكون هذا فالمعنى أن يشأ يرسل العواصف فيجمع بين هذه الثلاثة ويكون علمه بهؤلاء أو علمهم كناية عن التحذير

والوعيد، وخص المجادلين لأنهم أولى بذلك وكثيراً ما يذكر العلم لمثل ذلك سواء كان العالم هو الله أوهم على أنّ الذين مفعول أو فاعل لأنّ علم الله بالمجرمين يكون كناية عن مجازاتهم وكذا الإخبار عن علم المجرمين في المستقبل بما يحل بهم كما قيل:

سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار

فما قيل: إن يعلم على هذه القراءة مسند إلى ما أسند إليه ما عطف عليه، وهو ضميره تعالى والا خرج الكلام عن الانتظام فالموصول حينئذ مفعول أوّل لا وجه له وليس في كلامه ما يدل عليه نعم هو المثبادر من السياق. قوله:(محيد) أي مهرب ومخلص من حاد عنه إذا مال، وعدل فكني به عما ذكر، وقوله: والجملة معلق الخ إذا كان الذين فاعلا لأنها ساذة مسذ المفعولين لا إذا كان مفعولاً أوّل لأنها مفعول ثان حينئذ، وهو يكون مفرداً وجملة ومثله لا يسمى تعليقا عنه، وقوله: من شيء أي من أسباب الدنيا وتنكيره للتحقير، وقوله: مدة حياتكم إشارة إلى أنّ الإضافة على معنى في وتعبيره عن ثواب الآخرة بعند الله بيان وتمهيد لخيريته، وقوله: لخلوص نفعه ودوامه لف ونشر مرتب كقوله: خير وأبقى. قوله: (وما الأولى موصولة! فالعائد محذوف، ويجوز كونها

ص: 423

شرطية مفعولا مقدما لأوتيتم، وقوله: للتمتع بها أنثه رعاية لمعنى ما ولو قال به كان أظهر، وقوله: فجاءت الفاء في جوابها أي في خبرها الذي هو في معنى الجواب وعبر به ليفيد علة الدخول على أحسن وجه، وقيل إنّ فيه إيماء إلى تقدير مبتدأ فيه أي فهو متاع لأنّ الجواب لا يكون إلا جملة، وفيه نظر لأن تقدير المبتدأ غير متعين كما أشار إليه السعد رحمه الله، وقوله: من حيث الخ بيان لوجه تضمينه ذلك، وان مداره السببية. قوله:(بخلاف الثانية) قيل عليه منع فإنه لاحظ في مسببيته كونه عند الله في خيريته كيف والموصول المبتدأ إذا وصل بالظرف يتضمن معنى الشرط، وهو هنا كذلك، وقد أشار إلى دفع هذا الثارج المحقق بأن المراد إن مسببيته كون الشيء عند الله لخيريته أمر معلوم مقرر غني عن الدلالة عليه بحرف موضوع له بخلاف ما عند غيره، والتعبير عنه بأنه عند الله دون ما ادخر لكم لذلك ومنعه وادعاء أنه غير ظاهر غير ظاهر نعم عبارة المصنف لا تلائمه بخلاف عبارة الزمخشري، ولزوم تضمن معنى الشرطية غير مسلم ولو سلم لا ينافي المدّعي. قوله تعالى {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} إمّا متعلق بأبقى أو اللام لبيان من له هذه النعمة فهو خبر مبتدأ محذوف وكافي الإثم ما يترتب عليه الوعيد، أو ما يوجب الحد كما سيأتي في سورة النجم أو كل ما نهى الله

عنه، والفواحش ما فحش منها واذا نصب الذين على المدح بمقدر فالواو اعتراضية كما ذكره الرضى وإعرابه بدلاً سهو لمنع الواو عته، وقوله: على ضميرهم بكسر الهاء وضمها على قصد لفظه على أنه من إضافة العام للخاص. قوله: (للدلالة على أنهم الأحقاء الخ) جمع حقيق وفي نسخة أخصاء جمع خصيص كأطباء والباء داخلة على المقصور يعني إنه ليس تأكيد الضمير غضبوا وتقديمه لإفادة الاختصاص لأنه فاعل معنوي، واختصاصهم باعتبار أنهم أحقاء بذلك دون غيرهم، وإذا ظرفية متعلقة بيغفرون لا شرطية لعدم الفاء واليه أشار بقوله: حال الغضب وفيه إيماء إلى أنهم يغفرون قبل الاستغفار وقراءة كبير الإثم بالإفراد لإرادة الجنس أو الفرد الكامل منه، وهو الشرك ولا يلزم تكراره لأنّ المراد الاستمرار والدوام. قوله:) نزلت في الأنصار) فهو من ذكر الخاص بعد العام لبيان شرفه لإيمانهم دون تردّد وتلعثم والآية إن كانت مدنية فظاهر والا كما هو المناسب لما قدمه المصنف رحمه الله فلا إشكال فيه لأنهم آمنوا بالمدينة قبل الهجرة، أو المراد أصحاب العقبة فلا يرد الاعتراض به على المصنف رحمه الله، وقوله: دعاهم مستأنفة لبيان وجه نزولها فيهم، وقوله: فاستجابوا له أي للرسول ع! هـ لأن الاستجابة له استجابة لربهم. قوله: (ذو شورى) قدره بيانا لوجه حمله على أمرهم لأن الشورى مصدر كالبشرى، والأمر متشاور فيه لا مشاورة إلا إذا قصد المبالغة وأورد عليه أن يقال من غير تأويل شأن الكرم فكأنه حمل الأمر على القضايا المتشاور فيها فاحتاج للتأويل، وما قيل: إن إضافة المصدر للعموم فلا يصح إلا بذلك رد بأن المراد أمرهم فيما يتشاور فيه لا جميع أمورهم وفيه نظر، وقوله: في سبيل الخير قدّره لأنه مسوق للمدح ولا يمدح بمجرد الإنفاق. قوله: (على ما جعل الله) أي انتصارهم كائن على لوجه الذي جعله الله مشروعا لهم فيغضبون لله لا للحمية الجاهلية لعزة أنفسهم وكراهتهم للتذلل، وقوله: هو أي وصفهم بالإنتصار في هذه الآية وصف لهم بالشجاعة، وأمّهات الفضائل أي أصولها التي تدور عليها الفضائل، وهي ما ذكر في قوله: للذين آمنوا وفيه إشارة إلى أنّ القصر إضافيّ وبه يوفق بين تخالفهما أيضاً وكراهة التذلل متعلق بينتصرون. قوله: (وهو) أي الانتصار بغي لا يخالف وصفهم بالعفو عمن أساء إليهم في قوله: {إِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [سورة الشورى، الآية: 37] وهو دفع لما

يتوهم من المخالفة بين مفهوم الآيتين سواء اتحد الموصوفان فيهما أو لا فإن الأوّل يدل على مدح العفو وترك الانتصار، وهذا على خلافه وحاصله إنهما في محلين مختلفين فلا تعارض! بينهما فالعفو عن العاجز المعترف بجرمه محمود ولفظ المغفرة مشعر به، والانتصار من المخاصم المصر محمود ولفظ الانتصار مشعر به فليس كل منهما على وجه كقي مطرد حتى يرد ما ذكر قال الشارح المحقق والأوجه أن لا يحمل الكلام على التخصيص بل على التقوى أن يفعلون المغفرة تارة والانتصار أخر! لا دائما للتناقض فتأمّل. قوله:(إجراء) أي موافقة، ومساعدة من قولهم أجراه إذا جاراه والإغراء الحث كما قال:

ص: 424

إنّ السفيه إذا لم ينه مأمور

وقوله: ثم عقب وصفهم مفعول عقب قوله: وجزاء سيئة الخ لأنّ المراد به لفظه، وقوله: بالانتصار متعلق بوصفهم وللمنع الخ متعلق بعقب فإنّ المنتصر ربما تجاوزا لحذ فبين بقوله: وجزاء سيئة الخ إنّ الانتصار المحمود ما لا يتعدى الحدود. قوله:) وسمي الثانية سيئة للازدواج (أي المشاكلة بيان لوجه تسمية كل من الإصابة للبغي، وجزائها وهو الانتصار سيئة مع أن الجزاء ليس بسيئة في نفسها فإما أن يكون تسمية الجزاء سيئة للمشاكلة أو هما على حقيقتهما لغة لأن كلا منهم يسوء من نزلت به وكون المراد بالأولى ما يقابل الحسنة لا ينافي الوجه الثاني كما قيل. قوله: (بينه وبين عدوّه) إشارة إلا أن المراد هنا بالإصلاج إصلاح ما بينه وبين عدوّه بالأغضاء عما صدر منه فيكون من تتمة العفو ويكون كقوله: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [سورة فصلت، الآية: 34] والمقصود من الآية التحريض على العفو وقد عرفت التوفيق بينه وبين الانتصار، ثم الفاء لتفصيل المحمل السابق، وتعليل ما فهم من حسن تعليل الانتقام بأن تركه أحسن ولمن انتصر بيان لقوله: هم ينتصرون بدل على عظم الموعود حيث جعله حقاً على العظيم الكريم. قوله:) المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام (إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنه كان الظاهر أن يقال: إن الله يحب المحسنين، أو المقسطين بأن هذا أنسب إذ المقصود منه الحث على العفو لأنّ المجازي إذا زاد وتجاوز حقه كان ظالما والمساواة من كل الوجوه متعذرة أو متعسرة، ولما فيه من الإيماء إلى أن مشاتمة القبيح قبح، وما هو على صورته لا يحب، ولذا قال: سيئة مثلها فهو متعلق بقوله: وجزاء سيئة الخ، وقوله: فمن عفى لخ اعتراض ولا يأباه الفاء كما صرح به النحاة فلا أعتراض عليه:

فاعلم فعلم المرء ينفعه

فتدبر. قوله: (بعدما ظلم (بالبناء للمجهول إشارة إلى أنّ المصدر مضاف لمفعوله أو مصدر المبني للصفعول، ومن انتصر معطوف على من عفى وصدر باللام لأنه محل ومظنة للإثم، وقوله: يبتدؤونهم الخ فهو ظلم خاص بما تقدم فلو قال: أو يزيدون في الانتقام كان أولى وقوله: أو يطلبون الخ تفسير له با! ة مر العام الشامل لما يقتضيه المقام والبغي في قوله: يبغون التكبر أو الفساد أو التسلط والقهر كما مر، وقوله: على ظلمهم وبغيهم مأخوذ من تعليقه على اسم الإشارة. قوله تعالى:){وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ} (كرره اهتماماً بالعفو وترغيباً فيه والصبر هنا هو الإصلاح المتقدم فقدم هنا، وعبر عنه بالصبر لأنه من شأن أولي العزم وإشارة إلى أن العفو المحمود ما نشأ عن التحمل لا عن العجز ومن موصولة، أو شرطية واللام للقسم، واكتفى بجوابه عن جواب الشرط وعزم الأمور الأمور المعزومة المقطوعة أو العازمة الصادقة وقد مر بيانه في سورة لقمان. قوله: (أي أنّ ذلك منه الخ (لأن الجملة خبر فلا بد من تقدير العائد وذلك إشارة إلى الصبر والمغفرة وكونه مغنيا عن العائد لأن المراد صبره أو ذلك رابط والإشارة لمن بتقدير من ذوي عزم الأمور تكلف، وقوله: من بعد خذلان الله إياه يعني الضمير في بعده لله بتقدير مضاف فيه أي خذلانه، وقيل: إنه إشارة إلى الخذلان المفهوم من يضلل لأنه بمعنى يخذل والأوّل أوفق بمذهب أهل الحق. قوله: (أي إلى رجعة إلى الدنيا (إشارة إلى أنّ مرد مصدر ميمي وتنكيره وتنكير السبيل للمبالغة، ويجوز أن يكون المعنى إلى رد العذاب، ومنعه والجملة مفعول ثان لترى أو حال. قوله:) متذللين (بيان للمراد وقوله: منقادين الخ إشارة إلى أن من سببية متعلقة بخاشعين، وهو وما قبله بعده أحوال مترادفة أو متداخلة أو أحدها مفعول ترى، وقوله: يبتدئ يشير إلى أنّ من ابتدائية ويجوز أن تكون بمعنى الباء وطرف مصدر طرف إذا حرك عينه ومنه طرفة العين، ولذا فسره بتحريك الأجفان وضعمف تفسير لخفي، وقوله: كالمصبور هو المقتول صبراً وهو من يقتل في غير حرب فيقدم للقتل موثقا فهو ينظر لسيف من يضرب عنقه نظراً يسارقه، وهكذا نظر ما لا يجب، وهو من الصبر بمعنى

الحبس لحبسه واقفا للقتل. قوله: (إنّ الخاسرين (أي الكامل خسرانهم فيفيد الحمل، وقوله: بالتعريض الخ بيان لخسران الأنفس والأهل، وقد مر فيه في الزمر وجه آخر، وقوله: أو لقال فيكون بمعنى المستقبل واليه أشار بقوله: أي يقولون الخ ولألبس فيه فتأمل، وقوله: إلى الهدي الخ وقيل: المراد ما له من حجة. قوله: (ومن صلة لمرد (قد مر تحقيقه، وإنه مبنيئ على لغة ذكرها النحاة قال ابن مالك في التسهيل وقد يعامل الشبيه بالمضاف معاملته فيترك تنوينه هل هو معرب أم لا

ص: 425

فيه كلام في المطوّلات لا نطيل به هنا، وعلى هذه اللغة ورد في الحديث:" لا مانع لما أعطيت " فلا يرد عليه أنّ هذا لا وجه لبنائه حينئذ حتى يقال المراد التعلق المعنوي، وهو استئناف في جواب سؤال تقديره ممن ذلك أو حال من الضمير في الظرف الواقع خبراً لما أو متعلق بالنفي إن قيل به أو بما دل عليه مع أن تصويره للمعنى لا يلائمه. توله:) وقيل الخ (مرضه لأنه خلاف المتبادر من اللفظ، والمعنى وهو مع ذلك قليل الفاثدة، ومن قال: للفصل أراد للفصل الملبس فلا يرد عليه أن رتبة المتعلق بالعامل بعد الفاعل ووصفه فلا يعد مثله مما هو في محله فصلا مضراً بحسب العربية، وقد جوّز أن يكون صفة يوم وهو ركيك معنى، وقوله: لا يمكن رده إشارة إلى أنّ لا مرد له حينئذ المراد استحالة رده لمخالفته لما أراده الله. قوله:) ملجأ (مصدر ميمي أو اسم مكان فمفرّ بفتح الفاء وكسرها، والمراد بالمفرّ المهرب أو الملاذ من قولهم: فز إليه إذا ذهب فمن قال: الأولى تفسيره بالملاذ لم يأت بشيء، وقوله: إنكار فهو مصدر من الأفعال على غير القياس، وقوله: لأنه الخ إشارة إلى أنّ نفي الإنكار المراد منه إنه وان وقع بمنزلة العدم لظهوره، وشهادة أعضائه فلا ينافي قوله حكاية عنهم {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 23] أو هو باعتبار تعدد الأحوال والمواقف. قوله:) رقيباً أو محاسباً) جمع في سورة النساء بينهما، وقوله: إن عليك إلا البلاغ أي لا الحفظ فالحصر إضافي فلا حاجة إلى أن يقال إنه منسوخ باية السيف. قوله:) أراد

بالإنسان الجنس) الشامل للجميع وهو حينئذ بمعنى الأناسي، والناس ولذا جمع ضميره في قوله: وان تصبهم بعدما أفرده رعاية للفظه في قوله: فرح بها وإلى هذا أشار بقوله: لقوله وإن تصبهم الخ وليس المراد بالجنس هنا الاستغراق كما توهم، وإن كانوا يطلقون الجنس ويريدون به ذلك لأنّ ما ذكر ليس حال الجميع والجنسية فقط كافية في المراد هنا، والجمعية لا تتوقف على الاستغراق لا العهد كما قيل: إنّ التعريف في الإنسان الأوّل للعهد وفي الثاني للجنس 4 وتفصيله في شروح الكشاف وأراد بالسيئة الشدة التي تسوءهم، وقوله: بليغ الكفران أي مبالغ فيه والمبالغة من صيغة فعول وهو من كفران النعمة لا من الكفر نقيض الإيمان، وقوله: رأسا أي من أصلها، وقوله: ولم يتأمّل فليس أظهر منه هنا كما قيل. قوله: (وهذا وإن اختص بالمجرمين الخ) إشارة إلى الفرح، والإصابة بما قدموه كما مر أنه مختص بالمجرمين لأن إصابة غيرهم قد تكون لرفع الدرجات، ونحوه وقيل: الإشارة إلى الكفران البليغ، وقيل: إن فسر فرح ببطر كما مر في سورة الروم فالإشارة إلى المذكور من الفرح والكفر وإن فسر بمعناه المعروف فالإشارة إلى الكفران إذ الفرح ليس حال المجرمين إذ قد يكون شكرا أو اضطرارا والأنسب بكلامه السابق ما قلناه. قوله: (وجارّ إسناده إلى الجنس لغلبتهم (يعني أن إصابة السيئة بما قدمت أيديهم إنما تستقيم في المجرمين فالمراد بالإنسان الجنس الصالح للكل، والبعض فإذا قام الدليل على إرادة البعض تعين، وقد قال السلف: إنّ الإضافة في غيرهم للعوض المرقي ولم يذهب الزمخشري إلى أن اللام للعهد، وجعل قوله: فإن الإنسان كفور للجنس المطلق ليكون تعليلاً للمقيد بطريق الأولى ومطابقا لما جاء في مواضع عديدة من القرآن، ولا بأي بأن تجعل الإشارة إلى السالف فإنه للجنس أيضاً ويكون من وضع المظهر موضع المضمر، وهو أولى لموافقته للقاعدة الممهدة في الأصول كما ارتضاه في الكشف، وقيل: إنه من وضع المضمر موضحع المظهر فهو للعهد فيهما، والطيبي إنما وهم من قوله: إن هذا الجنس موسوم الخ، وهو إنما أراد أنه لما أتى باسم الجنس في موضع الضمير، وإن كان للعهد دل على ذلك فليتأمّل وقيل الإنسان الثاني معهود والأوّل المراد به الجنس موضوع موضع الضمير، وليس هنا قرينة على أنّ المراد به المجرمون خاصة كما في الأوّل لا يقال كفور أدل دليل عليه لأنا نقول: هو حكم والقرينة يجب أن تكون شيئاً آخر يخص به، وهو معنى قولهم: قيود المحمول لا تكون قيداً للموضوع نعم قيود الحكم قد تكون قرينة والكلام بعد محل نظر فقد علمت أن فيه احتمالات فقيل: إنّ اللام فيهما للجنس، وقيل: فيهما للعهد أو على العكس، وحديث الغلبة المذكور إشارة إلى أن فيه مجازاً عقليا بأن أسند إلى الجنس حال أغلب إفراده لملابسة الأغلبية أو لغويا بأن جعل أغلب الأفراد عين الجنس

ص: 426

لغلبتهم على غيرهم فالظاهر أن اللام فيهما للجنس، وقيل: إنّ المراد أن الأولى للجنس، والثانية للعهد والمعهود الجنس فلا تنافى بينهما وفى الكشاف إن الأولى للعهد وهم المجرمون بقرينة قوله: بما قدمت

أيديهم فلا تجوز فيه وهو أحسن إلا أن في القرينة ضعفا إذ لو أريد بالمجرم حينئذ العاصي لا يصح إنّ الإنسان كفوراً لا بالتجوّز وإن أريد الكافر فالقرينة لا تدل عليه لوقوع السيئة في المؤمن فتدبر. قوله:) وتصدير الشرطية الخ) معنى كونه مقضيا بالذات إنه ليس بالتبعية والعرض، وليس المراد إنه هو الأصل بل إنّ بعض ما يتضمن الخير الكثير قد يستتغ شرا قليلا فترك خير كثير لشرّ قليل شرّ كثير فالمقصود منه الخير مع أنه من حيث هو صادر عنه خير فهو المنزه عن الفحشاء، ولا يجري في ملكه إلا ما يشاء، ولذا كان فعل الأولى ماضياً مسنداً إليه مؤكدا بمنا، والثانية مضارعا بما قدمت أيديهم وأمّا قوله:{إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ} [سورة الإسراء، الآية: 83] فقد مر توجيهه. قوله:) وإقامة علة الجزاء مقامه) أي مقام الجزاء وهو ما أشار إليه بقوله: نسي النعمة، وتذكر البلية وعظمها وقوله: وضمع الظاهر الخ إشارة إلى أنهما بمعنى واحد ليرتبط الشرط بالجزاء لكنه لا ينافي العموم، وليست عبارته صريحة في عدم تغاير تعريفهما كما توهم، فلو قيل: إنه لم يدل صريحا وابتداء على انّ الكفران صفة جنس الإنسان صح. قوله: (فله أن يقسم الخ (إشارة لوجه تعقيبه لما قبله بأنه لما ذكر إذاقته الرحمة، وإصابشه بضدها أتبعه بأنه المالك للموجودات كلها فله أن يقسم النعمة، والبلاء كما يشاء بحكمته لا كما شاءه سواه بهواه وفيه إشارة إلى أنّ إذاقة الرحمة ليست للفرج بل لشكر موليها، واصابة المحنة ليست للجزع بل للرجوع إلى مجليها وبني عليه ما بعده. قوله: (من غير لزوم) أي وجوب عليه وهو تفسير لقوله: يشاء إذ ما هو بالمشيئة لا يكون كذلك كما أن المشيئة مرجحة له فلا يصل إليه اعتراض فإنه لا يسأل عما يفعل، وقوله: أو يزؤجهم الضمير للأولاد وما بعده حال منه أو مفعول ثان إن ضمن معنى التصيير يعني يجعل أولاد من يشاء ذكورا وإناثا مزدوجين كما يفرد بعضهم بالذكور وبعضهم بالإناث ويجعل بعضهم لا أولاد له أصلا. قوله:) بدل من يخلق (يعني يهب الخ بدل من يخلق، ويجوز كونه استئنافاً أو بياناً وفي بعض النسخ هنا تقديم وتأخير والمعنى ظاهر وقوله: لأنها أكثر وبين حكمة أكثريتها بقوله: لتكثير النسل، فلذا جاز تعدد الزوجات والتسري بما يراد منها، ولو لم تكن أكثر لم يتأت ذلك فهي من هذا الوجه أنسب بالخلق فلذا قدمت لما أريد بيانه، وقيل المراد إنها أظهر فاستحقت التقديم كما يقدم

الأعم على الأخص ولولا ما ذكر من النكتة كان المناسب تقديم الذكور لشرفهم وتقديمهم في الوجود، وهذا شروع في بيان ما في النظم من التقديم والتأخير والتعريف والتنكير. قوله:(والإناث كذلك) أي تعلقت بها مشيئته تعالى لأنه خلقها كما يشاء دون مشيئتهم إذ هم إذا خلوا وطباعهم لا يشاؤون إلا الذكور فكانت أنسب بالمقام، ومنبه للاهتمام والاهتمام قد يكون مما يقتضيه الذات، وقد يكون مما يقتضيه المقام والسياق كما هنا وهذا أيضا محصل قوله أو لأن الكلام في البلاء الخ لكن محط النظر مختلف فيه، ولم يرد بهذا مناسبة القرب فقط بل مناسبة السياق لأن المقصود إنكار كفرهم، وذكر حديث الملك لتأكيده كما مر وهو في حال البلاء دون الرخاء فلا يرد أن الرحمة المذكورة أيضا نعمة تناسب تقديم الذكور. قوله:(أو لتطييب قلوب آبائهن الما في تقديمهن من التشريف بأنهن سبب لتكثير مخلوقاته فلا يجوز الحزن من ولادتهن، وكراهتهن كما نشاهد من بعض الجهلة، وقال الثعالبي إنه إشارة إلى ما في تقدم ولادتهن من اليمن حتى أنّ أوّل مولود ذكر يكون مشؤوماً فيقولون له بكر بكرين، وقوله: ولذلك أي لرعاية الفواصل ولو نكر لنصب فلم يوافق قوله: كفور. قوله:) أو لجبر التأخير (بالتعريف لما في التنكير من إيهام التحقير وفي التعريف من التنويه بذكرهم لإشعاره إنهم لشدة محبتهم لهم هم نصب خواطرهم فكأنه قيل: يهب لكم أولئك الفرسان الإعلام المعهودين في الأذهان وقوله: وتغيير العاطف الخ إذ عطف بأو دون غيره والمشترك بين القسمين الأوّلين، وهو الانفراد بأحد الصنفين سواء تعدد أو لا وهذا مقابله لأنه الجمع بينهما فلو عطف بالواو توهم أنه قسم لكل من القسمين دون المشترك بينهما، وفي بعض النسخ الثاني بدل الثالث والمرأد العطف الثاني، أو القسم الثاني والأولى أولى وقوله:

ص: 427

ولم يحتج الخ جواب عن سؤال مقدر وهو أنّ الرابع قسيم أيضا للمشترك بين ما قبله، وهو هبة النسل مطلقا فترك فيه ذلك لظهوره إذ هو عدم ذلك فهو غير محتاج للتنبيه. قوله: (بحكمة واختيار (لف ونشر مرتب فالحكمة لعلمه بالأشياء، وما فيها من المصالح والاختيار لقدرته على إيجاد ما يريد، وقوله: وما صح له أي للبشر وهو مما يقع على الواحد وغيره، ولذا لم يقل الواحد من البشر كما في الكشاف، وكان تامّه ما كان كذا له استعمالات فيكون بمعنى ما لاق، وحسن وبمعنى ما صح وأمكن 0 قوله: (كلاماً خفياً يدرك بسرعة الخ (أصل معنى الوحي كما فصله الراغب في مفرداته الإشارة السريعة يقال: أمر وحي أي سريع فيكون ذلك بالكلام على سبيل الرمز، والتعريض

ونحوه، ثم اختص في عرف اللغة بالأمر الإلهيئ الملقى إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذي يكون على وجوه مختلفة كما أشير إليه في هذه الآية فقوله: كلاما خفيا تفسير لقوله وحياً، واشارة إلى أنّ المراد به هنا الكلام الخفي المدرك بسرعة فالاستثناء متصل، وقد قيل: إنه منقطع وقوله: لأنه أي الوحي تمثيل المراد به تصوير المعنى ونقشه في ذهن السامع، وليس مثل كلامنا حتى يحتاج إلى صوت وترتيب حوف فيكون خفياً سريعا ولا بعد فيه كما نشاهده في كلامنا النفسي فهو تعليل للخفاء مع السرعة لا للأوّل فقط، وقوله: في ذاته أي في نفسه، وحقيقته إشارة إلى أنه ليس بآلة اللسان حتى يحتاج لما ذكر. قوله: (وهو (أي الوحي أو التمثيل أمر يعمّ ذلك فليست ما فيه زائدة الأولى تركها، والمراد بالمشافه به بزنة المفعول المخاطب به من الله بدون واسطة كما ورد في حديث المعراج، وفرض! الصلاة فيه إذ خاطبه الله بكلام سمع منه على وجه لا يعلم كنهه إلا الله، وما وعد به من أنه يكلم أهل الجنة شفاها إذا تجلى لهم على ما ورد في الآيات وأحاديث الرؤية، وهذا توطئة لما سيأتي من أن الآية تدل على جواز الرؤية. قوله: (والمهتف به كما اتفق لموسى الخ (هو من قولهم: هتف به هاتف، وهو من يسمع صوته ولا يرى شخصه كما وقع لموسى عليه الصلاة والسلام، إذ سمع نداء الله له من جميع الجهات كما مرّ في سورة طه وكان الظاهر المهتوف به لأنه لا يعرف مثله في اللغة. قوله: الكن عطف قوله أو من وراء حجاب عليه يخصه (وفي نسخة يخصصه وجعل الزمخشري التكليم ثلاثة أقسام الوحي، وفسره بالإلقاء، والقذف في القلب سواء كان يقظة أو مناما وهو أعمّ من الإلهام واستشهد على أنه ورد بهذا المعنى ببيت عبيد، وأراد الوحي من الله بلا واسطة، وقال في الكشف: بعدما ساق كلام المصنف أن قوله وما كان لبشر على التعميم يقتضي الحصر بوجه لا يخص التكليم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويدخل فيه خطاب مريم وما كان من أثم موسى وما يقع للملهمين من هذه الأقة وغيرهم فحمل الوحي على ما ذهب إليه الزمخشري أولى، ثم فال: إنه يلزم المصنف أن لا يكون ما وقع من وراء الحجاب، وحيا لا أنه يخصصه لأنه نظير قولك ما كان لك أن تنعم إلا على المساكين وزيد نعم يحتمل أن يكون زيد داخلاً فيهم على نحو ملائكته، وجبريل وهذا يضر المصنف لاقتضائه أن ما وقع من وراء حجاب أعلى المراتب فلا يكون الباقي هو المشافهة، وردّ بأنه ليس نظير ما ذكر بل نظير فاكهة، ونخل ورمّان على مذهب أبي حنيفة يعني أن عطف بعض أفراد الجنس عليه إما لعلؤ

رتبته أو لنزول درجته حتى كأنه لا يستحق ذلك الاسم وما نحن فيه من القبيل الثاني انتهى (أقول) الذي ذهب إليه الزمخشري أن المراد بالوحي ما يلقى في القلب يقظة، أو مناما بدون كلام وما يقابله الكلام بدون واسطة أو بها فيصح الحصر بناء على مذهبه في إنكار الرؤية والذي ذهب إليه المصنف أنّ المراد بالوحي الكلام الخفي السريع، وبقرينة مقابلته بما بعده اختص بالمشافهة، وهو أعلى أقسام الوحي ولا يرد عليه ما أورده في الكشف لأنه بالتخصيص المذكور والتقييد المأخوذ من التقابل صار مغايرا لما بعده، وليس من شيء من القبيلين حتى يذهب إلى الترقي أو التدلي لأنه لا يعطف بأو بل بالواو كما لا يخفى، ولزوم أن لايكون الواقع من وراء الحجاب وحيا غير مسلم لأنه إن أراد أنه لا يكون وحيا مطلقا فغير صحيح لأن قوله: بعده فيوحي بإذنه قرينة على أنّ المراد بالوحي السابق وحي مخصوص كالذي بعده، وإن أراد أنه لا يكون من الوحي المخصوص السابق فلا يضره لأنه عين ما عناه نعم الحصر على ما ذهب إليه المصنف غير ظاهر إلا بعد ملاحظة أنه مخصوص

ص: 428

بما كان بالكلام، ولذا فسره به فتدبر. قوله:(فالآية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها (كما ذهب إليه الزمخشري كغيره ممن أنكر الرؤية واستدلّ بهذه الآية لحصر تكليمه تعالى للبشر في الثلاثة فإذا لم يره من يكلمه في وقت الكلام لم يره في غيره بالطريق الأولى، وإذا لم يره هو أصلا لم يره غيره، إذ لا قائل بالفصل وقد أجيب عنه في الأصول بأنه يحتمل أن يكون المراد حصر التكليم في الدنيا في هذه الثلاثة، أو نقول: يجوز أن تقع الرؤية حال التكلم، وحيا إذ الوحي كلام بسرعة، وهو لا ينافي الرؤية فلا دليل فيه على ما ذكر وهو تفريع على جعله يعثم المشافه به فيكون صادقاً على ما معه رؤية كما هو حال المشافة غالبا، وعلى غيره والذي ارتضاه في الكشف إنه لا ينفع منكر الرؤية ولا مثبتها وهو الظاهر، ولذا جعلها المصنف دليل الجواز دون الوقوع رداً على الزمخشري. قوله:) وقيل المراد به الإلهام والإلقاء في الروع) بضم الراء وهو القلب والضمير أي المراد بالوحي هنا الإلهام، وهو ما ارتضاه الزمخشري كما قرّرناه سابقا لأنه يطلة! عليه الوحي في كلام العرب ومرضه المصنف رحمه الله لأنه خلاف الظاهر إذ لا يقال لمن ألهمه الله إنه كلمه إلا مجازاً فلا يكون الاستثناء متصلاً ولا دليل فيه على جواز الرؤية حينئذ وفي دلالته على امتناعها ما مز، وقوله: أو الوحي الخ أي المراد بالوحي معناه المتعارف، وهو ما أنزل الله به الملائكة على رسله وهذا، وإن كان متبادراً من الوحي لكنه يأباه قوله: أو يرسل رسولاً، ولذا أوّله على هذا بأن المراد بالرسول النبيّ المرسل لأقته والرسول وإن شاع فيه لكنه بعيد جذاً. قوله:) ووحيا بما عطف عليه منتصب بالمصدر) أي وأن يكلمه اسم كان ولبشر خبرها ووحياً مصدر لأنه نوع

من الكلام أو بتقدير إلا كلام وحي، والاستثناء مفرغ من أعمّ المصادر، وقوله: لأنّ من وراء الخ، وصفة المصدر سادّة مسده وهذا أولى من تقدير إسماع كما في الكشاف، وقوله: والإرسال نوع من الكلام بحسب المآل لأنه قوله للمرسل أرسلتك إلى كذا بكذا وهو توجيه لعطفه على مصدر يكلمه، وعلى ما استثنى منه. قوله:(ويجوز أن يكون وحياً الخ (يعني إن هذه الثلائة من المصدرين والظرف أحوال على وضع المصدر موضع اسم الفاعل أي موحيا ومرسلا ومسمعاً أو مكلما من وراء حجاب، وقيل: إنه بتقدير فعل هو الحال في الحقيقة واعترض بأن وقوع المصدر حالاً غير مقيس، وبأنهم صرّحوا بأن الفعل مع أن معرفة لأنه بتأويل مصدر مضاف دائما وشرط الحال التنكير وقد منع سيبويه من وقوع أن مع الفعل حالاً، ولا يخفى أنه وان كان خلاف القياس فالقرآن يقاس عليه ولا يلزم أن يقاص على غيره مع أن المبرد رحمه الله قاسه وكفى به حجة، وأمّا حديث التعريف وان اشتهر ففيه كلام لأنه غير مطرد وفي شرح التسهيل إنه قد يكون نكرة أيضاً ألا تراهم فسروا أن يفتري بمفترى، وقال ابن جنى في الخاطريات إنه عرضمه على أبي علي فاستحسنه وعلى تسليمه فالمعرفة قد تكون حالاً لكونها في معنى النكرة كما يؤوّل وحده بمنفرداً لكنه قياس مع الفارق لما فيه من التعسف لتأويل أن مع الفعل بمصدر مضاف، ثم تأويل المضاف بنكرة وفيما ذكرناه أوّلاً قصر للمسافة. قوله: (وقرأ نافع الخ (فالفعلان مرفوعان، ولذا سكن ياء يوحي لثقل الضمة على حرف العلة ووجهوا قراءته بأنه على إضمار مبتدأ أي هو يرسل أو هو معطوف على وحيا أو على ما يتعلق به من ورأء أي يستمع من وراء حجاب، وقال السعد رحمه الله: إنّ التوجيه الثاني وما بعده ظاهر وهو عطف الجملة الفعلية الحالية على الحال المفردة، وأمّ إضمار المبتدأ فإن حمل على هذا فتقدير المبتدأ لغو وإن أريد أنها مستأنفة، فلا يظهر ما يعطف عليه سوى ما كان لبشر الخ وليس يحسن الانتظام وفيه نظر. قوله:) يفعل ما تقتضيه حكمته الخ) بيان لارتباطه بما ذيل به ومعنى قوله، وكذلك مثل الوحي المشهور للغير أو مثل ما في هذه السورة أو الإشارة لما بعده كما مرّ، وقوله: يعني أي بالروج فهي استعارة أو مجاز مرسل لما فيه من الهداية، والعلم الذي هو كالحياة ففي قول المصنف تحيا استعارة أيضا، وقوله: والمعنى أرسلناه إليك بالوحي يعني إذا أريد بالروج جبريل فأوحينا مضمن معنى أرسلنا أي أرسلناه بالوحي لأنه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله وجملة ما كنت تدري حالية، من ضمير أوحينا أو هي مستأنفة. قوله:) أي قبل

الوحي) يعني إنّ المضيّ بالنسبة إلى زمان الوحي، ولما كان ظاهره

ص: 429