الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأنسب تأكيد المجرورين الأولين ليفيد إنه لا بنحو التابع والمتبوع، إذ ليس في تأكيد الضمير الثالث بالاستقلال أو الاشتراك كبير فائدة، وردّ بأنه يفيد أن مجرّد اتباعه موجب للعذاب من غير تفاوت بين ناس وناس. قوله:(أي القرآن) تفسير لضمير عليه وهذا أيضاً بمعونة المقام في حكم المذكور، وقوله على ما عرفتم من حالي أي قبل النبوة فكيف بعدما من الله به عليّ وانتحل بالحاء المهملة من الانتحال وهو ادعاء ما لا أصل له، وأتقول بمعنى أتكلف، وقوله من عند نفسي والمراد أفتر به، وقوله وهو ما فيه من الوعد والوعيد فنبأه ما أنبأ به من ذلك والمراد أنهم يعلمونه علم يقين أو مشاهدة إذا وقع فنبؤه مجاز عن وقوعه والمراد بالنبأ الوعد والوعيد فقط، وقوله أو صدقه أي وصدق ما أنبأتكم به مطلقاً لا
الوعد، والوعيد وحده لكن تحققه بوقوعهما أيضاً وهذا هو الفرق بين الوجهين، وقوله بإتيان ذلك إشارة للوعد والوعيد، وهو متعلق بتعلمن على الوجهين وفي عطف صدقه حزازة والظاهر عطفه على ما فيه والمراد أنّ الذي تعملونه وعده ووعيده إذا وقعا أو صدق ما أخبرتهم به، ودعوتهم له مطلقا بذلك وضمير صدقه للنبأ لا لما وعطفه على الوعد مما لا وجه له، والنبأ محتمل للمجاز كما مرّ ويجوز إبقاؤه على ظاهره. قوله:(أو عند ظهور الاسلام (أي قوّة ظهوره بقهر أعداء الله وهذا مؤيد للثاني، وملائم له إذ بظهوره يظهر صدق القرآن ويجري على الأول إن أريد بالوعد والوعيد ما وقع في الدنيا، وقوله وفيه أي في قوله لتعلمن الخ أو في قوله بعد حين والأول أولى. قوله: (وعن النبني صلى الله عليه وسلم الخ) هو حديث موضوع ولوائح الوضع فيه ظاهرة، وتخصيص ما ذكر لوقوعه في هذه السورة وعدم إصراره تنويه لبركة ما يتلوه قيها من ذكر التوبة، تمت السورة بحمد الله ونعمائه، والصلاة والسلام على أشرف رسله وأنبيائه وعلى آله وصحبه خلص أصفائه.
سورة
الزمر
وتسمى سورة الغرف كما في الكشاف لقوله لهم غرف من فوقها غرف.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مكية الخ) أي إلا ثلاث آيات مدنية نزلت في حق وحشي قاتل حمزة كما نقله الداني عن ابن عباس رضي الله عنهما {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا} [سورة الزمر، الآية: 0 ا] الخ وقيل ورابعة وهي: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا} [سورة الزمر، الآية: 23] الخ قاله ابن الجوزي وأمّا عدد الآيات فقيل خمس، وقيل ثلاث وقيل ثنتان وسبعون والاختلاف في قوله:{مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} {مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي} {فَبَشِّرْ عِبَادِ} {مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} {مِنْ هَادٍ} فتأمّله. قوله: (أو حال عمل فيها الخ) كذا في الكشاف، وقد قيل عليه أنّ العامل المعنوفي لا يعمل في المقدم لضعفه فأولى أن لا يعمل، وهو محذوف وان لم يكن فيه نص فلا نص على خلافه، وله أن يمنع الأولوية وانه إذا جاز الحذف لدليل فلا مانع من العمل لأنه كالموجود انتهى، وهذا كلام مختل من وجوه لأنه قاس عمله محذوفا على عمله مؤخرا، وليس بصحيح لأنّ المحذوف كالموجود فلا يضعف عن العمل إذا قدر مقدما ملاصقاً ألا ترى المصدر يعمل مقدراً، ولا يتقدم معموله عليه وكذا المضاف ولو تتبعت أمثاله وجدتها كثيرة وقوله لا نص فيه أيضا ممنوع بل فيه نص صريح في أماكن متعددة منها ما ذكره في البحر هنا من أنّ النحاة ردّوا على المبرد لما خرّج قول الفرزدق، واذ ما مثلهم بشر من أن مثلهم منصوب على الحالية، وعامله الظرف المقدر أي ما في الوجود بشر مماثلا لهم بأنّ الظرف عامل معنويّ لا يعمل محذوفا لأن المراد به ما تضمن معنى الفعل لتضمن اسم الإشارة معنى أشير والظرف معنى استقر، وما قيل من أن امتناع تقديم الحال الظرفي على العامل المعنوي ليس بثبت مع أنه لا حاجة إليه مخالف لما صرّح به النحاة فإنهم نقلوا الخلاف فيه من غير فرق بين الظرف وغيره. قوله: (أو التنزيل (إذا كان حالاً من تنزيل فالعامل فيه معنوي، وهو اسم الإشارة واذا كان حالاً من الكتاب فالعامل فيه تنزيل وجاز الحال من المضاف إليه لأنّ المضاف مما يعمل عمل الفعل، وهو أحد الصور التي يجوز فيها ذلك، وقيل إنه إذا كان
التنزيل بمعنى المنزل فالحال من الضمير
المستتر فيه وإنما ظهر إرادة السورة إذا قدر هذا لأنها حاضرة حين التلفظ به، واسم الإشارة للحاضرين بخلاف ما إذا كان مبتدأ فإنّ القرآن كله منزل من الله فتخصيصه خلاف الظاهر، واذا كان تنزيل خبرا فهو بمعنى منزل أو قصد به المبالغة بخلاف، ما إذا كان مبتدأ فلا يحتاج إلى تأويل كما قيل، وقوله تنزيل الكتاب كالعنوان لما في السورة فلا يتكرّر مع ذلك قوله إنا أنزلناه الخ لأنه لبيان ما فيه، وبيان لكونه نازلاً عليه بالحق وتوطئة لقوله فاعبد الله الخ والتحقيق أن معنى تنزيل الكتاب على وجه مرتبط به، بما قبله أن الكتاب الذي يتلوه عليكم هذا النبي صلى الله عليه وسلم تنزيل من عزيز حكيم عليه فدعوته ليس لذل به حتى يطلب إطاعتكم ليعزبكم أو ليسلم من ضرركم، ثم خاطبه وأعرض عنه بأنه أنزله عليه بأوامر وزواجر تحق الحق وتبطل الباطل كما ذكره السمرقندي فتأمّل. قوله:) ملتبساً بالحق الخ (إشارة إلى أنّ الباء تحتمل الملابسة والسببية وكونها متعلقة بأنزلنا وظرفاً مستقرّا وقع موقع الحال من المفعول وكونه من الفاعل أي ملتبسين بالحق غير وجيه، وقوله إثبات الحق واظهاره يحتمل أنه إشارة لتقدير مضاف أو المراد من إنزاله بسبب الحق ذلك أو على أنّ الحق مجاز عن الإثبات والإظهار كما قيل. قوله: (وقرئ برفع الدين) في الشواذ وهي قراءة ابن أبي عبلة كما نقله الثقات فلا عبرة بإنكار الزجاج لها وفيه أيضاً ردّ على الزمخشريّ حيث قال إنه على هذه القراءة كان ينبغي أن يقرأ مخلصا بفتح اللام، وامّا على لكسرة فلا وجه له إلا الإسناد المجازي فيكون فاعل مخلصا، وأمّا كون له الدين مبتدأ وخبراً فغير مستقيم لأنه مكرر مع ما بعده فأشار المصنف إلى رده بقوله لتعليل الأمر، وقوله لتأكيد الاختصاص بناء على أنّ الاختصاص الذي وضعت له اللام يفيد الحصر كالتقديم، وقد توقف فيه بعض المتأخرين، وقال إنما معناه تعلق خاص ولو بدون الحصر كما فصله الفاضل الليثي وقد مر طرف منه وهذا جار في القراءة المشهورة أيضا وكما تفيده اللام، وتقديم الخبر يفيده صريح قوله مخلصا فإن قلت كيف ما ذكر مع قوله في المغني إنّ اللام إذا وقعت بين ذات ومعنى فهي للاستحقاق كالعزة لله، والحمد لله وهو المناسب هنا (قلت) ما ذكره ابن هشام كلام غير مهذب ولا مسلم كما بين في محله، وأما ما قيل إنه لا تنافي بينهما فإنّ طريق الاختصاص وجهته هو الاستحقاق فسهو فإنه وان صح هنا لا يتأتى في كلام المغني فإنه جعلها معاني متقابلة فكان عليه أن يقول الاختصاص الذي ذكره غير ما عناه ابن هشام فتأمّل. قوله:(كما صرح به مؤكدا) بصيغة الفاعل أو المفعول حيث أبرز الجلالة الكريمة، والدين في مقام الإضمار ووصفه بالخالص، وقرنه بأداة التنبيه والاستفتاج ليزيده تأكيداً على تأكيد اعتناء بطاعة الله التي هي أساس كل خير، ولذا أتى به مؤكدا بتأكيدات
إلا والاسمية، واعادة الجملة واظهار الجلالة والدين ووصفه بالخالص، والتقديم المفيد للاختصاص مع اللام الموضوعة له فلا بأس في تكراره الذي عده الزمخشري مانعا كما أشار إليه في التقريب وما في الكشف من أنه جعله تأكيداً لا وجه له للوصف المذكور يعني الخالص، ولأنّ حرف التنبيه لا يحسن موقعه حينئذ لأن حرف التنبيه إنما يؤتى به فيما لم يعلم حقيقة أو صراحة أمّا بعد ما صرح به فهو لغو من الكلام، ولذا جعل الإعادة هنا مانعة منه ولظهوره لم يتعرض لبيان وجه الفساد فيه فإن له الدين تعليل للأمر بالعبادة، ولم يؤت بالفاء اعتمادا على أقوى الوصلين، وهذا تعليل لقوله مخلصا هذا محصل ما ذكره لتدقق في شرح كلام العلامة وهو ظاهر الورود وما ذكره المصنف لا يدفعه مع أن ألا يؤتى بها في ابتداء الاستئناف المضاد لقصد التوكيد وللمحشي هنا كلام لا يسمن ولا يغني من جوع فلذا تركناه برمته. قوله: (وأجراه مجرى المعلوم المقرّر لكثرة حججه الخ (حيث جعله تعليلا لما أفاده ما قبله من الاختصاص، وقرنه بحرف التنبيه الدال على بداهته التي تعلم بأدنى تنبيه واعتمد فيه على أقوى الوصلين ولا يخفى أنه غير مسلم عند الزمخشري، فإنه تعليل الشيء بنفسه ووقوع إلا في الاستئناف البياني غير ظاهر وأما كونه إشارة إلى أن أمرا عبد تعريض وكناية عن أمر غيره على حد:
إياك أعني فاسمعي يا جاره
فمسلم لكنه لا يفيد فيما نحن بصدده فتأمّل. قوله: (هو الذي وجب اختصاصه الخ (إشارة إلى أنّ الدين بمعنى الطاعة والانقياد والاختصاص من اللام، والتقديم كما مر
وأما الوجوب فالظاهر أنه من كونه قيدا للأمر بالعبادة فإنه إذا قيل صل قائما أفاد وجوب القيام، وقيل إنه من المقام، وقوله فإنه المنفرد الخ إشارة إلى ما مر من أن قوله إلا لله الخ تعليل للإخلاص المذكور كما مر والتفرد المذكور من الاسم الشريف فإنه وضع للمعبود بحق فهو منفرد بالألوهية ولوازمها وكونه مطلعا على السرائر منفرداً بالاطلاع عليها في الواقع مما لا شبهة فيه، وما ذكره المصنف ليس لبيان ما في نفس الأمر فقط بل في النظم ما يدل عليه، وهو جعل الدين المختص به ما كان خالصا والخالص إنما يخلص خلاصاً تاما إذا لم يكن فيه شرك ولا رياء ونفاق، ولا يعلم ذلك إلا باطلاع على ما في الضماثر فإن مرجعها إليه. قوله:) يحتمل المتخذين من الكفرة (يعني أن الموصول يحتمل أن يكون المراد به المتخذين بكسر الخاء اسم فاعل فالعائد الضمير الواقع فاعلا المذكور، وأن يكون المراد به المتخذين بفتح الخاء اسم مفعول، وهم المعبودون من دون الله فالعائد محذوف تقديره اتخذوهم وقوله وإضمار
المشركين الخ يعني على الوجه الثاني لأنّ ضمير الفاعل لا يعود على الموصول بل على المشركين المعلوم من السياق، وقوله من دونه صفة مفعول اتخذوا الأوّل على الأوّل وعلى الثاني صلة اتخذوا وقوله من لاملائكة الخ بيان المتخذين بالفتح، وادراج عيسى عليه الصلاة والسلام فيهم لأنه مما عبد من دونه، وهو في الحقيقة شريك عندهم فلا إشكال فيه كما قيل. قوله:(وهو مبتدأ خبره على الأول) أي على كونه عبارة عن المتخذين بالكسر هو مبتدأ والخبر يقولون ما نعبدهم الخ، وقوله وهو متعين على الثاني أي على إرادة الملائكة وغيرهم من المعبودين لأنه لا يصح الإخبار عن المتخذين بالفتح بأنهم قالوا ما نعبدهم الخ إلا بتكلف كأن يجعل ضمير قالوا للكفرة، والعائد ضمير نعبدهم فالمانع معنويّ لا لعدم الرابط لأن ضمير نعبدهم للأولياء كما قيل لعدم تعيينه لكن في جعل الجملة الثانية خبرا نظر من جهة المعنى إذ لم يرد الحكم بين المعبودين بل بين العابدين. قوله:(وعلى هذا الخ (كما أن هذه الجملة كانت على الأوّل خبراً، وثانياً أو استئنافا لكن في جواز حذف البدل المقصود وإبقاء المبدى منه الذي في نية الطرح نظر، وإن قام معموله مقامه والبدل بدل اشتمال وكونه من التوابع التي عرفت بما أعرب بإعراب متبوعه والصلة لا إعراب لها فينتقض التعريف، أو تبطل التبعية يدفع بأنه على تقدير إن كان معربا أو هو باعتبار الأصل الغالب، ولا يصح كون التعريف لما في المفردات فإنه لا يدفع المحذور لبقائه في تأكيد الحروف كنعم نعم ونحوه، وقوله مصدر أي منصوب على المصدرية ليقرّبونا كقعدت جلوسا أو حال مؤكدة من ضمير المفعول أو الفاعل مؤوّلاً باسم فاعل، وقوله اتباعا أي للباء. قوله:) بإدخال المحق الجنة الخ (فالحكم ليس بمعنى فصل الخصومة بل هو مجاز أو كناية عن تمييزهم تمييزاً يعلم منه حقيقة ما تنازعوا فيه، وقوله فإنهم يرجون الخ بيان للاختلاف بينهم على هذا الوجه والحكم مجاز أيضا عما مر من إدخال الملائكة، وعيسى الجنة وادخالهم النار تمييزاً بينهم وهذا لا يجري في عبدة الأصنام، والكلام معهم ولذا مرضه وقوله لا يوفق للاهتداء أو لا يخلقه فيهم، وقوله كاذب كفار فيه تعليل للحكم كما أشار إليه المصنف. قوله: (لقيام الدلالة على امتناع الخ (كما برهن عليه
ببرهان الثمانع وغيره وقوله إذ لا موجود تعليل للاصطفاء من الخلق، وقوله ووجوب بالجز عطف على امتناع. قوله:(ومن البين الخ) قيل إنه يعني أنه تعالى رتب على فرض إرادة اتخاذ الولد اصطفاء ما يشاء مما يخلق لا اتخاذ الولد وحيث لم يكن الاصطفاء المذكور من اتخاذ الولد في شيء تبين أن اتخاذ الولد ممتنع، ولو فرض إرادته وقيل إنه إشارة إلى أن لو لقصد لزوم الثاني للأوّل، مع انتفاء اللازم ليستدل به على انتفاء الملزوم أي لكن اصطفاء ما يخلق للولدية باطل إذ لا تماثل فكذا إرادة الاتخاذ واعتبار الخلق دون الإمكان مع كفايته وإن كان تطويلاً للمسافة لإظهار قبح ما فعلوه، وردّ بأنه يأباه النظم فإن المناسب حينئذ أن يقال لا أتخذه مما يخلق، ويترك ذكر الإرادة فيقال لو أتخذ ولداً، وظاهر أنّ قوله إذ لا موجود سواه الخ دليل للاصطفاء مما يخلق فلا بد من اعتبار الخلق سواء اعتبر الإمكان أو لم يعتبر فلا تطويل إلا إذا اعتبر الإمكان حيث يكون في الكلام زيادة ما لا حاجة إليه، واختيار ما يخلق دون ما يمكن لأنه المعروف في لسان الشرع، وأمّا
الواجب والممكن فمن اصطلاج المتكلمين والفلاسفة وفيه نظر، وتحقيق هذا أن لو لها استعمالات استعمال أهل اللغة وهو انتفاء الثاني لانتفاء الأوّل نحو لو كان لي مال أحسنت إليك، واستعمال أهل الاستدلال وهو دلالة انتفاء الثاني على انتفاء الأوّل نحو {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [سورة الأنبياء، الآية: 22] أو دلالة تحقق الأوّل على تحقق الثاني نحو لو كان العالم حادثا لكان الصانع مختارا فهذه ثلاثة معان مشهورة ورابع لم يشتهر لكنه ورد في فصيح الكلام، وهو ثبوت الجزاء على كل حال نحو نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه وقد ذكر المدقق في الكشف في الآية وجهين أحدهما أنّ المعنى لو اراد اتخاذ الولد لامتنع أن يريده فالضمير راجع إلى ما دل عليه أراد لا إلى الاتخاذ، وحاصله لو أراد اتخاذ الولد امتنعت تلك الإرادة لتعلقها بالممتنع أعني اتخاذ الولد، ولا يجوز على البارى إرادة الممتنع لأنها ترجح بعض الممكنات فأصله لو اتخذ الولد امتنع فعدل لما ذكر لأنه أبلغ، ثم حذف الجواب وجيء بدله بقوله لاصطفى الخ تنبيها على أنه هو الممكن دون الأوّل فلو كان هذا من اتخاذ الولد في علمه لجاز، وليس منه فهو كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن تزيلهم يعاب بنسيان الأحبة والوطن
والثاني أنه أراد بقوله لو أراد نفي الصحة على كل تقدير كقوله نعم العبد صهيب الخ فلا
ينفي الثاني، ولا يحتاج إلى بيان الملازمة فالمعنى الممكن الاصطفاء، وقد اصطفى وهو أيضا على أسلوب البيت المذكور ورجح هذا المحقق في شرحه وهذا مبنيّ على تفسير الاصطفاء فإن كان مجرّد اختياره لأحد من مخلوقاته فهو واقع، وان كان اصطفاؤه واختياره للنبوّة بأن يختار الأفضل الأكمل لها فيكون ردّاً عليهم في نسبة البنات له يكون منفيا هذا تحقيق المقام بما يزيل الأوهام فما ذكرناه عن أرباب الحواشي كلام سطحيّ لا حاصل له فتنبه. قوله: الا يماثل الخالق فيقوم مقام الولد) هذا بناء على أنّ المراد الاصطفاء للنبوّة، وقوله فيقوم مقام الولد، وإن
كان الكفار أثبتوا له نفس الولد لا ما يقوم مقامه كما مر في الصفات لأنه أراد نفيه بطريق أبلني كما عدل في النظم عن الاتخاذ إلى الإرادة لأنّ نفي ما يقوم مقامه أبلغ من نفيه فلا يرد عليه أن المقتضى للمماثلة الجنسية الولد لا ما يقوم مقامه كما قيل. قوله: (ثم قرر ذلك بقوله سبحانه الخ) أي عدم مناسبة المخلوق الخالص واستحالة الولد عليه تعالى عن ذلك علؤا كبيراً ونفي الأولياء بذكر ما ينافيه إجمالاً بقوله سبحانه تنزيها له عن الوليّ، والولد وتفصيلاً بوصفه بأنه واحد لا صاحبة له، ولا ولد قهار غالب لكل شيء فلا وليّ له هذا على اتصال قوله سبحانه الخ بقوله والذين اتخذوا من دونه أولياء الخ كما في الكشاف، وعلى ظاهر كلام المصنف اتصاله بما يله من نفي الولد فقط كما سنبينه، وقيل ذلك إشارة إلى بطلان المقدم أو التالي. قوله:(المستلزم للوحدة) في نفس الأمر وفي العقل كما مرّ مع ما فيه، وهذا بيان لكونه مقرراً لما قبله وقوله للوحدة الذاتية أي المنافية للكثرة في الذهن والخارج بحسب الأفراد أو الأجزاء كما هو مذلل في الكلام فمنع استلزام الوجوب الوحدة المنافية للأجزاء الذهنية التي ينتزعها الذهن من الفرد البسيط إن أراد الاستلزام في نفس الأمر فهو باطل وان أراد عند العقل فكذلك لأنه ليس المراد اللزوم البين بالمعنى الأخص كما مرّ فتدبر. قوله:(وهي) أي الوحدة تنافي المماثلة لاقتضائها المشاركة في بعض الذاتيات أو العوارض وهو يستلزم التركيب الذهني كما أشار إليه بقوله لأن كل واحد الخ، وقوله والتعين المخصوص بناء على ما ذهب إليه بعض الحكماء من دخول التعين في حقيقة الفرد، وجمهور المتكلمين على أنه خارج عنها، وفيه كلام لا يحتمله هذا المقام. قوله:(والقهارية الخ) هذا بناء على أن القهار مقر ولنفي الولد وعلى ما ذهب إليه الزمخشريّ من تقريره لنفي الولد هو ظاهر أما على هذا فلما ذكره من أنّ القهارية المطلقة المنصرفة إلى القهر الكامل بأن يكون قاهراً لكل ما سواه منافية للزوال لأنه لو قبله كان مقهوراً إذ المزيل قاهر له، ولذا قيل سبحان من قهر العباد بالموت، والولد يطلب ليقوم مقامه بعد زواله فإذا لم يكن الزوال لم يكن له حاجة إلى الولد، وأما كون الحاجة إلى الولد غير منحصرة في قيامه بعد زواله كما قيل فيرد بأنه أعظم فوائده عندهم فهو إلزام لهم حسب اعتقادهم فتدبر، والقهارية منصوبة أو مرفوعة بعطفه على الألوهية أو هي. قوله:)
ثم استدل على ذلك) أي على الألوهية الحقيقية والوحدة الذاتية، وتطلق القهارية لا على الأخيرة فقط كما قيل لأنّ الإله الحقيقيّ المنزه عن المثل القهار المطلق هو الذي خلق مثل هذه المخلوقات بحكمته التي لا يقدر عليها سواه، وجعلها مسخرة منقادة. قوله:) يغشى كل واحد منهما الآخر
الخ) التكوير اللف والليّ من كار العمامة على رأسه وكورها، وفيه كما في الكشاف أوجه أن يكون الليل والنهار خلفة يذهب هذا، ويغشى مكانه هذا واذا غشي مكانه فكأنه ألبسه ولف عليه كما يلف اللباس على اللابس، أو كل واحد يغيب الآخر إذا طرأ عليه فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار، أو أنّ هذا يكرّ على هذا كروراً متتابعاً يشبه تتابع أكوار العمامة فقيل إنه جعل غثيان الليل والنهار أحدهما مكان الآخر، وجعله محيطا بكل ما أحاط به الآخر حتى صار بمنزلة لباس بمكانه بحيث يصير أسود مظلماً بعدما كان أبيض منيرا وبالعكس تكويرا لأحدهما على الآخر ولفاعليه، والثاني أنه شبه تغييب أحدهما الآخر عند طريانه عليه بلف ساتر على ظاهر ليخفى بعد الظهور، وهو معنى تكويره عليه والفرق بين هذا، وبين الأول قليل جدا، وهو أن في الأول مع اعتبار الستر اعتبار الليّ واحاطة الجوانب وما أشعر به ظاهر كلامه من أنه اعتبر في الأول التشبيه في الفعل، وفي الثاني في المتعلق أعني المطروّ عليه إنما هو للتوضيح والمقصود واحد وهو التشبيه في الفعل لأنه على الوجهين استعارة تبعية استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسن ولا يبعد أنه جعله في الثاني استعارة بالكناية، والتكوير تخييلية قرينة لها أو تحقيقية كما في نقض العهد، وفي الثالث تمثيل وجهه منتزع من عدة أمور كر هذا على ذاك وبالعكس على سبيل التتابع والتلاف كما في العمامة لكنه ثمة على التظاهر، والاجتماع وهنا على التعاور والانقطاع، والذي يظهر في الفرق بين الوجوه الثلاثة مع احتمال التبعية والمكنية والتخييلية والتمثيلية أن تكوّر أحدهما على الآخر إما مجاز عن جعل أحدهما خلفا عن الآخر كما في قوله تعالى:{جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ} [سورة الفرقان، الآية: 62] ويكون معنى تكوير أحدهما على الآخر وستره له ستره لمكانه على أن فيه مع التجوّز في الطرف، أو المجموع تجوّزاً في النسبة وفي الثاني معنى التكوير فيه تغييب أحدهما للآخر كما في قوله:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [سورة الليل، الآية: ا- 2] وان لم يعتبر فيه ما ذكر فالفرق بينهما ظاهر وليس قليلاً كما قالوا، وفي الثالث المقصود تعاقبهما كروراً ومروراً كما في قوله:{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [سورة الأعراف، الآية: 54، فالمقصود تطبيق الوجوه على ما صرّح به في غيره من الآيات مع اختلاف المعنى المتجوّز عنه، فما قيل من الفرق بين الوجهين الأولين إنّ المراد من التغييب إدخال أحدهما في الآخر، وبالعكس بالزيادة والنقصان فيظهر الفرق بينهما مع أنه لا حاجة إليه ليس في الكلام ما يدل عليه، وفيما ذكرناه لك غنية عنه وكلام الشيخين صريح فيه. قوله:(منتهى دوره) بتمام البروج ومنقطع حركته يوم القيامة، ومر في سورة فاطر وجه آخر، وقوله الغالب قال شيخنا المقدسي إطلاق الغالب على الله لم يرد لكنه اشتهر على الألسنة في القسم،
والطالب الغالب ولا أعلم ما أصله وعند من لم يشترط السماع في التوصيف لا إشكال فيه. قوله: (حيث لم يعاجل بالعقوبة الخ) فسر الزمخشريّ هنا العزيز الغفار بالقادر على عقاب المصرين الغفار لذنوب التائبين، أو الغالب الذي يقدر أن يعاجلهم بالعقوبة وهو يحلم عنهم ويؤخرهم إلى أجل مسمى فسمي الحلم عندهم مغفرة، ولما كان تفسيره الأوّل مبنيا على مذهبه تركه المصنف، وأشار إلى الرد عله حيث عدل عن قوله القادر على الخ إلى ما ذكره واختار تفسيره الثاني في الغفار لأنه أنسب بالمقام إذ هو كالتذييل لما قبله من اتخاذ أولياء دونه ونسبتهم إليه ما لا يليق بجلاله فالمناسب أن يقال وهم لما كفروا ونسبوا لذاته ما لا يليق مع قدرته لا يعجل عقابهم، ولا يقطع عنهم إحسانه فسبحانه ما أعظم شأنه فاستعمل المغفرة التي هي ترك العقاب في الحلم الذي هو ترك التعجيل للمناسبة بينهما في الترك فهو استعارة، ويجوز كونه مجازاً مرسلا والأوّل أبلغ وأحسن وهذه الصنائع خلق الأجرام العظام لنفع الأنام وتسخير النيرات. قوله:(استدلال آخر بما أوجده الخ) أي هذا استدلال آخر على ألوهيته، ووحدته مع ما فيه من تقرير قدرته وقدّم الاستدلال بما في الآفاق
لكونه أظهر وأباع مما في الأنفس، وقد يقدم الثاني لكونه أقرب وأرسخ كما أشار إليه المصنف وقوله مبدوأ به البدء بالنسبة لبقية النوع البشري، والحوادث الكائنة بعد إيجاده وكونه أعجب بالنسبة لغيره باعتبار ما فيه من العقل وقبول أمانة التكليف وغيره كما قيل:
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
لا لخلق حواء من قصيراه كما قيل، وان كانت الأفلاك أعظم وأعجب من وجه آخر. قوله:(وفيه) أي في خلق الإنسان أو في هذا القول، وقوله قصيراه تصغير قصري وهي صفة للضلع الأخيرة من أسفله وتصغيرها لأنها أصغر الأنواع وكيفية خلقها منه تفصيلا لا يعملها إلا الله لكنه قيل إنها خلقت من بعضه وقيل من كله بأن فصلت منه وأبدلت بضلع آخر مكانها ولذا قيل إنّ هذه الضلع ناقصة في النساء، وعذها الزمخشريّ اثنين بإسقاط الثالث لعدم اختصاصها به، وقوله منهما أنسب بالواقع، ولو أفرده مضمراً آدم كان أنسب بقوله واحدة ولكل وجهة. قوله:(وثم للعطف على محذوف) أو على واحدة لأنه في الأصل اسم مشتق فيجوز عطف الفعل عليه كقوله صافات ويقبضن لكنه غلب عليه الاسمية فصار كالجامد ولذا أخره المصنف عن التقدير، والزمخشري رجحه لأنّ التقدير خلاف الأصل، وقوله وجدت بالتخفيف يقال وحد يحدو حداً كعلم ويجوز تشديده واسم الفاعل قد يكون للمضيّ وإنما يمتنع إرادته إذا عمل
كما صرحوا به فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة له على المضيّ فيشكل العطف بثم لو عطف على لفظه دون تأويل وقوله فشفعها أي جعلها شفعا وزوجا وثم على هذين الوجهين على حقيقتها، ولذا قدمه المصنف. قوله:(أو على خلقكم لتفاوت ما بين الآيتين الأن خلق حوّاء من ضلعه أعظم في القدرة الباهرة من خلقه من تراب لأنه سبق مثله فكم ذي روح خلق منه بدون واسطة، وبها ولو لم يحمل على التفاوت الرتبي لم يصح العطف بها لأنّ خلقها مقدم على خلقهم ولذا أوّله بعضهم بالقيل المذكور من أنّ المراد بخلقهم إخراجهم من صلبه في عالم الذر إذ خوطبوا بألست، وفي قوله كالذر إشارة إلى أنّ الذرية منسوبة إلى الذر وغير بضم أوّله كما قيل دهري بالضم نسبة للدهر، وقوله ثم خلق منها أي من قصيراه وفي نسخة منه أي من آدم عليه الصلاة والسلام ومن أرجع ضمير منها للذرية فقدسها، وأعلم أنّ التفاوت الرتبي هنا فيه المعطوف عليه أدنى رتبة وهو جائز كعكسه كما مز التصريح به، واتفاق شراح الكشاف على جواز. فلا حاجة لتأويله بتنزيل البعدية منزلة التعظيم أو ادعاء أخذه من المقام كما توهم. قوله: (وقضى أو قسم لكم) جعلها مقسومة بينكم كما تقسم بقية الأرزاق، وهو إشارة إلى تأويله لأنّ الأنعام لم تنزل عليهم من السماء بأنّ إنزالها مجاز عن القضاء، والقسمة فإنه تعالى إذا قضى وقسم أثبت ذلك في اللوح المحفوظ، ونزلت به الملائكة الموكلة باظهاره في العالم السفلي فلذا وصف ذلك بالنزول وان كان معنى لا يوصف به حقيقة لكن لشيوعه وتعارفه تجوّز به عنه فلا يرد عليه شيء كما أشار إليه ففي قوله انزل استعارة تبعية لتشبيه القضاء بالنزول ووجه الشبه الظهور بعد الخفاء، ويجوز أن يكون مجازاً مرسلا، وقيل إنها نزلت من الجنة حقيقة كما روي في بعض الآثار والله أعلم بصحته. قوله:(أو أحدث لكم الخ (وجه آخر لتأويله يعني أنّ النازل من السماء سبب حياتها وهي الأمطار وفي جعل الأشعة نازلة تسمح فجعل نزول ما به حياتها وبقاؤها بمنزلة نزولها بأن تجوّز في نسبة الإنزال إليها لما بينهما من الملابسة، وأمّا إنه أريد بالأزواج أسباب تعيشها مجازاً أو جعل الإنزال مجازاً عن الإحداث المذكور فتعسف والزوج كل ذكر وأنثى من ذوات الأرواح. قوله: (غلب أولي العقل) في ضمير العقلاء والخطاب ففيه
تغليبان فإن خص الخطاب بهم فهو ظاهر والقرينة عقلية إذ لا يصلح للخطاب غيرهم، وقوله حيوانا الخ إشارة إلى أطوار خلقه وان خلقا بعد خلق لمجرّد التكرير كما يقال مرّة بعد مرّة لا أنه مخصوص بخلقين، وقوله من بعد أن تعلق بالفعل فالمصدر مؤكد والا فلا وقوله في ظلمات ثلاث الخ بدل من قوله في بطون أمّهاتكم أو متعلق بخلق أو خلقا إذ لا يلزم كونه مصدراً مؤكداً والرحم موقع النطفة، والمشيمة كنميمة، مقرّ الولد والصلب فيه مبدأ المني لأنه يخرج من
بين الصلب والترائب. قوله:) هو المستحق لعبادتكم) إشارة إلى أنّ ربكم خبر بعد خبر عن ذلكم لا بدل، وان كان محتملا لأنه لو كان إشارة إلى البدلية كما قيل لم يعطف، وأنّ الرب بمعنى المالك وبقي فيه احتمالات أخر وهي ظاهرة وقوله إذ لا يشاركه في الخلق غيره هو معنى قوله له الملك لأن معناه جميع المخلوقات مخصوصة به خلقاً وملكا كما مرّ فجملة لا إله إلا الله متفرّعة على ما قبلها، ولم يصزج فيه بالفاء التفريعية لظهوره اعتماداً على فهم السامع، وقوله عن إيمانكم سواء كان إشارة لتقدير المضاف أو بيانا لحاصل المعنى الدال عليه مقابلته بالكفر، وعطف قوله ولا يرضى لعباده الكفر هو الأوفق بالسياق فلا وجه لما قيل إنه لا حاجة إليه لأنّ الغني عن إيمانهم مترتب على الغني عنهم فإنه لو لم يتحقق الأوّل لم يتحقق الثاني. قوله تعالى:( {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} (اختلف العلماء في الكفر هل يرضاه الله أم لا فذهب بعض الأشعرية كالنووي في كتاب الأصول والضوابط إلى أنّ الكفر يرضاه، وقوله تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} المراد بالعباد هنا المؤمنون المخلصون منهم والإضافة للتشريف كما نقله السخاوي وقال إنه وقع في عصره البحث فيه، وأنكره علماء الحنفية كالعيني ونقله ابن الهمام عن الأشعري وامام الحرمين والظاهر إنه دائر على تفسيره فمن قال الرضا والإرادة بمعنى فمقابله الكره ذهب إلى الأوّل وخص العباد هنا ومن فسره بالمحبة أو بالإرادة مع ترك الاعتراض، ويقابله السخط كما في شرح المسايرة ذهب إلى الثاني، وعمم العباد فاحفظه. قوله: (لاستضرارهم به رحمة عليهم) تعليل لعدم الرضا والرحمة تعليل للمعلل، يعني أنه تعالى لما أرشد إلى الحق وهدد على الباطل إكمالاً لرحمته خاطب جميع العباد بقوله إن تكفروا الخ تنبيها على الغنى الذاتي وأنه لم يأمر وينه لانتفاعه أو تضرره بل رعاية لمنافعهم ودفعاً لمضارهم لرحمته، ولذا عدل فيه عن الخطاب تنبيها على أنّ عبوديتهم، وربوبيته تقتضي أن لا يرضاه لهم وأنهم إذا كفروا خرجوا عن رتبة العبودية ففيه من لطائف البلاغة ما لا يخفى، ثم إن الرضا يتعدى بنفسه وبالباء وعن وعلى ويتعلق بالعين والمعنى وإذا تعدى باللام تعدى بنفسه كقولك رضيت لك كذا والرضا حالة نفسانية تعقب حصول ملائم مع ابتهاج به، واكتفاء فهو غير الإرادة بالضرورة لتقدمها وهو في غير المستعمل باللام فإنه يكون قبله ومعنى رضيته
لك أنه مما يحق أن يرضى ويختار والرضا في حقه تعالى محال وهو مجاز عن اختياره، هذا محصل ما أفاده المدقق في الكشف. قوله: الأنه سبب فلاحكم (فرضاه وعدم رضاه ليس إلا لنفع عباده فإنه غني عن العالمين وعن أعمالهم فشكرهم يزيدهم فلاحا وسعة وزيادة نعم، وقوله في رواية أي عن نافع فقط فإنه روي عنه أيضاً الاختلاس. قوله: (لأنها صارت بحذف الألف) من يرضى التي هي قبل الضمير بعد متحرّك والقاعدة في إشباع الهاء وعدمه أنها إن سكن ما قبلها لم تشبع نحو عليه وإليه، وان تحرّك أشبعت نحوه به وغلامه وهنا قبلها ساكن تقديرا وهو الألف المحذوفة للجازم فإن جعلت موجودة حكماً لم يشبع وان قطع النظر عنها أشبع هذا هو الفصيح، وقد يشبع ويختلس في غير ذلك وقوله لغة فيها هي لغة بني عقيل وكلاب إجراء للوصل مجرى الوقف، وقوله ولا تزر الخ مرّ تحقيقه، وقوله بالمحاسبة الخ فالأنباء كناية أو مجاز عن المحاسبة والجزاء وذات الصدور والسرائر، وقوله فلا تخفى الخ إشارة إلى أنّ تخصيصه لأنه يعلم منه ما عداه بالأولى. قوله: الزوال ما ينازع العقل الخ (مبدأ مصدر ميمي بمعنى البدء، وما ينازع العقل ويعارضه فيصرفه عن الحق والصواب من الاعتقاد الفاسد في الأصنام وأنها تنفع وتضر وهو ما يبغتهم من الشر الذي يذهلهم عنها فيرجعوا إلى ما ركز في الطبيعة من أن جميع الأمور ضراً ونفعا من الله لا ضارّ، ولا نافع سواه. قوله:) من الخول (بفتحتين وهو تعهد الشيء أي الرجوع إليه مرة بعد أخرى، ومنه الحديث " كان صلى الله عليه وسلم يتخوّلنا بالموعظة مخافة السآمة " قلما كان المعطي الكريم يتعهد من هو ربيب إحسانه وأسير امتنانه بتكرير العطاء عليه مرّة بعد أخرى قيل خؤله بمعنى أعطاه، أو لأنه كما قال الراغب أصله أعطاه خولاً بفتحتين أي عبيداً وخدما أو أعطاه ما يحتاج إلى تعهده والقيام عليه، ثم عم لمطلق العطاء كما سيأتي وقد فسره في الأنعام بتفضله عليه بالنعم، وليس بعيدا مما هنا كما توهم. قوله: (أو الخول (بسكون الواو وهو
الافتخار تبع فيه الزمخشريّ وقد ردّه شراحه بأنّ خال بمعنى افتخر يائيّ لا غير، وتعينه الخيلاء وقد اتفق عليه أهل اللغة، وصزج به هو في الأساس وأخذه منه أيضا لا يقتضي أن يتعدى للمفعول الثاني، والجواب بأنّ الزمخشري ثقة وسند قوي كيف يتأتى، وهو قد صرّج بخلافه في كتبه من غير نقل اختلاف فيه فالذي يقربه من السداد أن
يقال إنه واوفي ويائي وان اشتهر الثاني ومثله كثير، وقد أشار إليه في المصباج والروض الأنف وليس المراد أنّ خوّل مضعف خال بمعنى افتخر حتى يشكل تعديه للمفعول الثاني، بل إنه موضوع في اللغة لمعنى أعطاه، وما ذكر بيان لمأخذ اشتقاقه وأصل معناه الملاحظ في وضعه له ومثله كثير فأصله جعله مفتخراً بما أنعم عليه، ثم قطع النظر عنه وصار بمعنى أعطاه مطلقا كما مرّ. قوله:(أي الضرّ الذي الخ (فما واقعة على الضرّ وهي على استعمالها، وقوله إلى كشفه إمّا إشارة إلى تقدير المضاف أو بيان للمعنى المراد منه لأن المراد من الدعاء إليه إزالته ففي يدعو ضمير الله مقدر، وهو المفعول له ودعا من الدعوة وهو يتعدى بإلى يقال دمحا المؤذن الناس إلى الصلاة ودعا فلان القوم إلى مأدبته، والدعوة مجاز عن الدعاء في هذا الوجه. قوله: (أو ربه) هذا هو الوجه الثاني، والدعاء فيه على ظاهره، وقوله يتضرّع إليه إشارة إلى أنّ دعا ضمن معنى تضرّع وابتهل فلذا عدّى بإلى قيل، ولو ضحمن معنى الإنابة كان أنسب لأنه صرّج به في قوله دعا ربه منيبا إليه وما على هذا أقيمت مقام من لقصد الدعاء الوصفي كما مز، ولما في ما من الإبهام والتفخيم، وقوله مثل الخ إشارة إلى أنّ ما وقعت على ذوي العلم في غير ما نحن فيه. قوله:) والضلال والإضلال الخ) يعني أنّ اللام هنا لام العاقبة، والمآل لترتب ما ذكر على هذا الجعل وهي مستعارة من لام التعليل الداخلة على الغرض استعيرت لما ذكر كما مز تحقيقه لكن فيه أنّ الضلال ليس نتيجة جعل الأنداد بل سبب مقدم عليه كما لا يخفى، والإضلال لا يمتنع فيه أن يكون غرضا إلا أن يقال المترتب عليه الضلال الكامل أو ضلال مخصوص، أو استمراره والإضلال وإن قصد من فعلهم لكنهم لا يعتقدون أو لا يظهرون أنه إضلال بل إرشاد والمراد بالنتيجة ما يؤدّي إليه الفعل، والغرض ما يقصد ترتبه على الفعل. قوله: (أمر تهديد الخ الما كان الأمر بالتمتع بالكفر أمراً بالكفر في الحقيقة والله لا يأمر بالفحشاء جعله الزمخشريّ مجازاً عن الخذلان والتخلية بتشبيه المخذول الذي خلى، وشأنه بالمأمور فهو إمّا استعارة تبعية أو مكنية كما مرّ تفصيله في سورة العنكبوت والمصنف جعله للتهديد بجامع التمكين من الفعل فيهما كقولك في الغضب لمن عصاك اصنع ما شئت، وقوله تشه أي أمر ناشئ من الهوى الذي تشتهيه أنفسهم والإشعار المذكور من جعل معتقدهم تمتعا إذ المراد تمتعوا بشهواتكم كما مرّ في سورة إبراهيم، وما يشتهي لا سند له والإقناط من جعل تمتعهم بالكفر المشعر بأنهم لا تمتع لهم بغيره وأنّ مدة تمتعهم في الدنيا قليلة وقليلا نصب
على المصدرية أو الظرفية. قوله:) ولذلك) أي لكون المقصود تقنيطهم جعل كونهم من أصحاب النار تعليلا ولولاه لم يصح التعليل، وقوله للمبالغة تعليل لقوله أمر تهديد لجعلهم لشدّة خذلانهم كأنهم مأمورون به أو لقوله علله بجعلهم كأنهم يفعلون ما به يكفرون لأجل الخلود في النار، ولذا أورده مؤكداً مستقلاً، وقوله قائم الخ إشارة إلى أن أصل معنى القنوت لغة القيام، ثم نقل للقيام للطاعة والعبادة. قوله:(آناء الليل (جمع إني أو أني أو أني مقصوراً كما في قوله تعالى غير ناظرين إناه بمعنى وقت وساع ترخص عبادة الليل بالذكر لأنها أقرب إلى الإجابة وأبعد من الرياء، وقوله وأم متصلة فلا بدّ لها من معادل مقدر وتقديره ما أشار إليه بقوله ألكافر الخ بفتح همزة الاستفهام، وحذف همزة الوصل مع المد وعدمه، والمراد بالكافر الجنس المدلول عليه بقوله تمتع بكفرك فحذف الخبر والمعادل وقدر الخبر خيراً للتصريح به في قوله: {أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة فصلت، الآية؟ 40،. قوله: (أو منقطعة) بمعنى بل والهمزة فيقدر الخبر ولا يقدر لها معادل، وقوله كمن هو بضده هو الخبر أي ملتبساً بضدية القانت بأن يكون عاصيا أو كافراً وعممه في صورة الإضراب لأنه المناسب لانقطاعه عما قبله بخلافه على الاتصال فإنه متعلق بما قبله من أحوال الكفرة فلذا خصه المصنف في الاستفهام بالكافر وعمم في الإضراب فكأنه قيل: ح عنك الكافر فإنه ظاهر
الخسران والذي يهمك علمه أنه هل يستوي من يجتهد في العبادة وغيره، والمقصود الترغيب في الطاعة والتسلية له وللمؤمنين فتأمّل.
قوله: (بتخفيف الميم (وادخال همزة الاستفهام على من، ونقل عن الفراء أنّ الهمزة فيه للنداء بمعنى يا تقليلاً للحذف وهو بعيد لأنه لم يقع في القرآن نداء بغيريا فالمعنى يا من هو قانت قل الخ. قوله: (حالان الخ (ولا حاجة إلى جعله حالاً من ضمير يخذر مقدما من تأخير من غير ضرورة داعية لذلك، وقوله والواو للجمع بين الصفتين توجيه للعطف هنا وتركه في قوله ساجداً بأن القنوت لما كان مطلق العبادة لم يكن مغايراً للسجود والقيام فلذا لم يقرن بالعاطف بخلاف السجود والقيام فإنهما وصفان متغايرأن فلذا عطف أحدهما على الآخر كما في قوله:{ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [سورة التحريم، الآية: 5] وقيل إنه توجيه للعطف مع أنّ ذات الساجد والقائم متحدة بأنه نزل تغاير الصفتين منزلة تغاير الذاتين وفيه نظر، وكذا ما قيل إنه يعني أنّ كلَا منهما عبادة منفردة لكن لا يخفى فضيلة الجمع بينهما إذ لا محصل له. قوله: (في
موقع الحال) من ضمير قانت أو ساجدا أو قائما، وقوله للتعليل لأنه جواب سؤال تقديره لم يجتهد في العبادة والعبودية فقيل لأنه يحذر الخ. قوله:(نفي لاستواء الفريقين (المؤمن والكافر أو المطيع، والعاصي وقوله بعد نفيه باعتبار القوة العملية إشارة إلى أنّ المراد بالذين يعلمون العاملون المعبر عنهم بالقانت المذكور سواء كنت أم متصلة أم منقطعة لأنّ هل يستوي الخ نفي للمساواة بين القانت المطيع وغيره، وهو المراد بالعالم هنا ليكون تأكيداً له وتصريحا بأنّ غير العامل كان ليس بعالم، وقوله على وجه أبلغ للتصريح فيه بالاستواء بعد الدلالة عليه بالهمزة وأم وذكر النفي بالاستفهام الإنكاري على من يسوي بينهما، ومزيد فضل العلم من في المساواة بين من اتصف به، ومن لم يتصف الدال على نفي المساواة بين العلم والجهل بالطريق الأولى. قوله: (وقيل تقرير للأول على سبيل التشبيه (عطف على ما قبله بحسب المعنى إذ التقدين الذين يعلمون والذين لا يعلمون هم القانتون، وغيرهم فيتحدان بحسب المعنى أو المراد بالثاني غير الأوّل وإنما ذكر على طريق التشبيه كأنه قيل لا يستوي القانت وغيره كما لا يستوي العالم والجاهلا فيكون ذكره على سبيل التمثيل ففيه تأكيد من وجه آخر. قوله تعالى:){إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} الخ) هو كالتوطئة لأفراد المؤمنين بالخطاب والإعراض عن غيرهم، وقوله مثوبة الخ يعني إن حسنة صفة مثوبة مقدر وجعل الحسنة من حسنات الآخرة لأن الثواب والعقاب فيها وجعل في الدنيا متعلق بأحسنوا ومقابلته به تقتضي ذلك، وتنوين حسنة للتعظيم وأما إذا جعل قيداً للحسنة على أنه كان صفة لها فقدم وهو مبين لمكان الحسنة، وأين وقعت فيشكل إعرابه لأنّ الصفة لا تتقدم مع الوصف فتصير بعد التقدم حالاً والمبتدأ لا يجيء منه الحال على الصحيح، وكونه حالاً من الضمير المستتر في الخبر لأنه ضميره فكأنه حال من خلاف المعروف في أمثاله، ولو جعل خبر مبتدأ البيان الحسنة والتقدير هي في الدنيا والجملة معترضة كان أحسن لا مستأنفة استئنافاً بيانيا في جواب سؤال أين هي لضعفه بتقدم السؤال على منشئه، ولو جعل قوله في الدنيا متعلقا بأحسنوا وحسنة على أنها لحسنات الدنيا والآخرة كان أعم وأتم ووجه ضعف القيل ظاهر، ولو قيل إنه يقال من حسنه على أنها فاعل الظرف سلم من التكلف لكنه على مذهب الأخفش وهو ضعيف. قوله: (فمن تعسر عليه الخ (وجه إفادة هذا التركيب
هذه المعاني الكثيرة أوضحه شراح الكشاف بأنّ قوله للذين أحسنوا الخ مستأنف لتعليل الأمر بالتقوى ولذا قيد بالظرف لأنّ الدنيا مزرعة الآخرة فينبغي أن يلقى في حرثها بذر المثوبات، وعقب بهذه الجملة لئلا يعتذر عن التفريط بعدم مساعدة المكان، ويتعلل بعدم مفارقة الأوطان فكان حثا على اغتنام فرصة الأعمال، وترك ما يعوق من حب الديار والهجرة فيما اتسع من الأقطار كما قيل:
إذا كان أصلي من تراب فكلها بلادي وكل العالمين أقاربي
قوله: (ومهاجرة الأوطان) هذا مأخوذ مما قبله وبه يتم الأخذ بالحجز، وقوله أجراً لا يهتدي إليه حساب الحساب كون الحساب نفسه غير مهتد تركيب بليغ ووجه الاستعارة فيه ظاهر، وقوله بغير حساب هوا المقصور عليه، وهو حال إمّا من أجرأ ومن الصابرين، وقوله أجرا الخ اختيار لكونه حالاً من أجرهم
لقربه لفظاً ومعنى، وإنما فسره بما ذكر إيضاحا لمعناه لا لأنه صفة مصدر مقدر كما توهم فإنه لا وجه له. قوله:(وفي الحديث الخ) رواه الطبرانيئ وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو ضعيف كما قاله العراقي لكنه لا يضرّنا، وقوله يصب عليهم الأجر صبا الظاهر أن الصبّ مجاز عن كونه بالغا حد الكثرة من غير تقدير. قوله:(موحدا) إخلاص الدين تقدم أنّ معناه لا يشوب طاعته رياء ولا شرك، وهو مستلزم للتوحيد فلذا فسره به، وقوله مقدمهم أي مقدم المسلمين لأن إخلاصه أتم من اخلاص كل مخلص فلذا حاز به القصب فلا يتوهم أنه غير مختص دون أمته بالإخلاص حتى يكون ذلك سبب تقدّمه، وقيل إنه لما كان الهادي للإسلام كان إخلاصه موجبا لسبقه على غيره فالأوّلية زمانية وهي باعتبار معنى الإسلام الشرعي فإنه أوّل من اتصف به من أمته فهو يرجع إلى ما بعده، وقوله لأن قصب السبق الخ أي لأن إحراز قصب السبق ففيه مضاف مقدر لأنه معروف في التعبير عنه، واحرازه كناية عن التقدم والسبق وفي نسخة حيازة قصب الخ فلا تقدير فيه وأصله أنهم كانوا في مراهنتهم في سباق الخيل يوضع في نهاية ميدانه قصبة مغروزة كل من يأتي أوّلاً يأخذها فيعلم بذلك سبقه لغيره، ثم صار مثلاً في كل سبق وعلى هذا فالأوّلية في
الشرف والرتبة. قوله: (أو لأنه أوّل من أسلم الخ) فالأولية زمانية على ظاهرها، وقوله من دان بدينهم معطوف على قريش وفيه أنّ أهل السير ذكروا أن بعض قريش كان يتحنف ويتعبد بدين حق في الفترة كورقة بن نفيل وأشخاص أخر إلا أنه لا يعد ذلك في جنبه شيثاً فإنه لم يكن عن تحقيق قاطع لغرق الشبهة، وقد صار منسوخا برسالته صلى الله عليه وسلم وهذا معطوف على جملة ما قبله بحسب المعنى واللام على هذا تعليلية أيضا ولو عطف على مقدر لكان أظهر والتقدير لأنه تقدمهم الخ أو لأنه الخ فما قيل إنّ حق العبارة أو لأن أكون أوّل من أسلم الخ بالزمان لا وجه له والمراد الإسلام على وفق الأمر فلا ينافيه تعبده صلى الله عليه وسلم قبل النبوّة. قوله:(والعطف لمغايرة الثاني الآوّل) دفع للسؤال الوارد على تقديره، وتقريره وهو أنه اتحد فيه المتعاطفان وليس عطف تفسير بأنه لذكر العلة فيه صارا بالزيادة متغايرين، وقوله والإشعار الخ هو المرجح للعطف بعد ذكر المصحح له يعني أنّ في العطف رمزاً إلى أنّ عبادة المخلص مأمور بها لذاتها ولأجل تحصيل شرف الدارين وهذا على التفسير الأوّل ولو قدر وأمرت بالإخلاص كانت المغايرة ظاهرة أيضا، والسقة بضم فسكون ما يعطاه من سبق من الخطر ويقال له سبق بفتحتين أيضاً. قوله: (ويجوز أن تجعل اللام الخ (وهي كما ذكره الزمخشريّ تزاد في المفعول بعد فعلى الإرادة والأمر كثيراً إذا كان المفعول غير صريح للتنبيه على أنه معدول عن النهج المعتاد، وقوله والبدء بنفسه هو معنى قوله وأمرت الثاني أي أنه أمر أوّلاً بعبادة الله مخلصاً له وثانياً بأن يكون أوّل عامل بما يدعو الناس للعمل به لا كالملوك الجبابرة الذين يأمرون بما لا يفعلون ليكون مقتدى به قولاً وفعلاً.
تنبيه: هذه المسألة من مسائل الكتاب قال: سألت الخليل عن أريد لأن أفعل فقال إنما
يريد أن يقول إرادتي لهذا كما قال وأمرت لأن أكون أوّل المسلمين، اهـ وقال السيرافي هذه الآية فيها وجهان فعند البصريين إنها تعليلية والمفعول مقدر أي أريد ما أريد وأمرت بما أمرت لكذا، والثاني أنها زائدة وقال أبو عليئ في التعليقة: إنها متعلقة بمصدر دل عليه الفعل أي أردت وإرادتي لكذا وهو أشبه بكلام الكتاب لكنه لا بد للعدول عن الظاهر من نكتة لأنه متعد بنفسه، وكأنها والله أعلم أن إرادة غيره قد تتخلف وأمر غيره قد لا يمتثل فقدر المفعول هنا ليفيد مع العموم أنه مقرر غير محتاج للتصريح به فتامّل. قوله: (بترك الإخلاص الخ (هذا هو
المناسب، وكون العذاب عظيما لعظمة ما فيه ظاهر ولو أبقى على عمومه صح والمقصود به تهديدهم والتعريض لهم بأنه مع عظمنه لو عصى الله ما أمن العذاب فكيف بهم، وقوله لعظمة ما فيه إشارة إلى أنّ وصف اليوم يا لعظمة مجاز في الطرف أو الإسناد وهو أبلغ ولذا عدل عن توصيف العذاب به. قوله:) أمر بالإخبار عن إخلاصه (هذا معنى الله أعبد وما يفيده فحواه لأنّ تقديم المفعول يفيد الحصر الدال على إخلاصه عن الشرك الظاهر والخفيئ، وقوله وأن يكون الخ هو منطوقه، وقوله بعد
الأمر الخ إشارة إلى تغايره مع ما مرّ وأنه لا تكرار فيه للفرق بين الأمر بالأخبار ونفس الأخبار، وقوله خائفا الخ هو معنى إني أخاف الخ، وقوله قطعا الخ إشارة إلى ما ذكر عن مقاتل في سبب النزول أن كفار قريش دعوه كحيه إلى دينهم وعدم مخالفة أديانهم فنزلت قطعا لأطماعهم، ثم إنّ قوله مخلصاً حال مؤكدة، وقيل إنها مؤسسة وفسر بأن لا ينوي بعبادته شيئا مّا كقول رابعة سبحانك ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا رجاء لثوابك. قوله:(ولذلك رتب عليه قوله الخ (أي لكون المقصود منه، الأمر بإخباره عن إخلاصه رتب الخ لأن معناه أنا مخلص فافعلوا أنتم ما أردتم وأما كونه إشارة لقطع أطماعهم عن اتباعه لهم كما قيل فقيل يخفى فيه وجه الترتب، وفيه نظر لأنّ المعنى انقطعت أطماعكم الفارغة عني فافعلوا ما أردتم ولا خفاء فيه وليس ببعيد مما قبله، وقوله تهديدا الخ تعليل لقوله قوله وهو إشارة إلى ما مرّ من أنّ الأمر مجاز عن التخلية والخذلان وقد عرفته. قوله:) الكاملين في الخسران (قيل إنه فسره به للإشارة إلى أنّ تعريفه للعهد ليصح الحصر، ويتضح الحمل فإنه كحمل الشيء على نفسه بحسب الظاهر، وليس هذا بمتعين لجواز كون تعريفه للجنس بعدما عدا هذا الخسران كأنه ليس بخسران، أو لأن المطلق ينصرف إلى أكمل أفراده، وأما الحم! فغير محتاج إلى تأويل لظهور تغايرهما وكذا الحصر فيه لما مر، وقوله يوم القيامة مع أن الضلال والإضلال في الدنيا لأن الخسران هو هلاكهم، وهو واقع فيه والضلال والإضلال سبب له متقدم عليه، وفسر يوم القيامة بوقت دخولهم النار لتحقق الخسران فيه ولو أبقى على ظاهره لأنه يتبين فيه أمرهم أو هو فيه مبدأ خسرانهم صح. قوله: الأنهم جمعوا وجوه الخسران (أي أعاظم أنواعه وهو تعليل لكونهم كاملين فيه، وقوله وقيل الخ التفسير السابق على أنّ المراد بأهليهم من أضلوهم
وأتباعهم في الضلال، وأما على هذا فالأهل الاتباع مطلقاً وخسرانهم كما فصله المصنف، وفيه وجه آخر في الكشاف لبعده تركه المصنف وذكر وجوه المبالغة في هذه الجملة ومنها أيضا التصدير باسم الإشارة للبعيد للدلالة على عظمه وأنه بمنزلة المحسوس وصيغة فعلان أيضاً فإنها أبلغ من الخسر. قوله: (شرح لخسرانهم (تهكماً بهم، ولذا قيل لهم وعبر بالظلل عن طبقاتها التي بعضها فوق بعض فلما كانت الطبقة العليا مظلة للسفلى سميت ظلة على التشبيه أو التجوّز، وقوله هي ظلل للأخرين أي لمن في الطبقة السفلى منهم فتسمية ما تحتهم منها ظلة لأنه ظلة لمن تحتهم في طبقة أخرى ولو جعل مشاكلة كان أقرب فإنه لا يطرد في الطبقة الأخيرة منها إلا أن يقال إنها للشياطين ونحوهم مما لا ذكر لهم هنا فلا يرد ما ذكر والمراد بما ذكر أنّ النار محيطة بجوانبهم. قوله: (ليجتنبوا الخ (عبارة تحتمل للعموم ولخصوص المؤمنين لأنهم المنتفعون به، وهو ظاهر كلام المصنف وقوله فعلوت منه أي من الطغيان وفيه قلب والداعي له أنّ معناه مقتض له، ومادّة طيغ أو طوغ مهملة والمبالغة فيه من وجهين لأنه صيغة للمبالغة كالملكوت، والوصف بالمصدر يفيد ذلك أيضا فمعناه شديد الطغيان ولذلك اختص بالشيطان لأنه رأس الطاغين، وقيل عليه أنه ينافي ما مر وما في كتب اللغة من أنه الباطل وكل ما عبد من دون الله بل ظاهر قوله هو البالغ غاية الطغيان، وأجيب بأن ما ذكر بحسب الوضع والاختصاص بحسب الاستعمال (وفيه بحث (فأصله طغيوت، ثم طيغوت ثم طاغوت وإعلاله ظاهر ووزنه فعلوت وقيل فاعول، وقوله بشرأشرهم أي بجملتهم أخذه من ترك المفعول، وقوله عما سواه أي رجعوا عما سواه فهو متعلق بأنابوا ولو بلا تضمين، وقوله عند حضور الموت، وقيل في موقف الحشر. قوله: (للدلالة على مبدأ اجتنابهم الأن مبدأ اجتناب النواهي استماع أحسن القول من النهي والموعظة، وقوله نقاد جمع ناقد هو من قوله يتبعون أحسنه وكون الاستماع مبدأ لا ينافي كون مسموعهم مفرعا على الدين الذي من جملته الاجتناب أو يقال الاتباع أمر ممتد مستمر فيتقدم باعتبار بعض ويتأخر باعتبار آخر، وقوله يميزون بين الحق والباطل هذا يفهم من دلالة النظم لأنّ من يميز الحسن من الأحسن ويختار الأحسن على
الأحسن يلزمه أن يميز القبيح من الحسن ويجتنب القبيح. قوله: (العقول السليمة الخ (بناء على أنه في الأصل خيار الشيء، ولذا قيل اللب أخص من العقل كما ذكره الراغب، وقوله عن منازعة الوهم الخ
سلامته ببقائه على مقتضى الفطرة، وأن لا يعدل عنه لأمور وهمية أو عادية، كما في عبادة الأصنام، وقوله الهداية الخ مذهب الأشعريّ، أنّ ما يفعله العبد كله من خير كالهداية وغيره فعل الله بإيجاده وخلقه فيه، ومنه القبول لذلك من غير تأثير له فيه بل كسب، وعند الماتريدية بخلافه، ودلالة الآية عليه بقوله أولو الألباب، وعلى الأوّل بما قبله. قوله:(جملة شرطية معطوفة الخ) هو أحد قولين للنحاة فيه فمنهم من يجعله عطفا على المقدر الذي دخلت عليه الهمزة كما ذكره المصنف، ومنهم من يجعل الهمزة مقدمة من تأخير لأصالتها في الصدارة، وهو الذي رجحه في المغنى، ومعنى مالك أمرهم قادر على التصرف فيه. قوله:(فكررت الهمزة في الجزاء الخ) إنما أعيدت لأنّ المقصود بالإنكار هو الجزاء لكن قدمت الهمزة لصدارتها كما مر، وقيل إنها أعيدت لاستطالة الكلام لأنّ المقدر كالمذكور. قوله: (ووضع من في النار موضع " الضميرا لأنّ الأصل أفأنت تنقذه، وقوله: لذلك أي للتأكيد، لأن المراد انقاذ. من العذاب إذا صار في النار، لأنه هو محل الإنكار، وقوله وللدلالة الخ، الحكم عليه بالعذاب من الشرط، وهو معنى كونه حق عليه العذاب لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن الجزاء في محله، وقوله: ويجوز الخ فلا تكرار فيه حينئذ، وقوله: للدلالة على ذلك أي على أنّ من حكم عليه الخ، والجزاء المحذوف فأنت تنقذه، وأعلم انّ في هذه الآية كما قاله الشارح المحقق استعارة لا يعرفها إلا فرسان البيان، وهي الاستعارة التمثيلية المكنية لأنه نزل ما دل عليه قوله أفمن حق عليه كلمة العذاب، من استحقاقهم العذاب وهم في الدنيا، منزلة دخولهم النار في الآخرة، حتى يترتب عليه تنزيل بذله صلى الله عليه وسلم جهده في دعائهم إلى الإيمان منزلة إنقاذهم من النار، الذي هو من ملائمات دخولهم النار، وقد عرفت من مذهبه أنّ قرينة المكنية قد تكون استعارة تحقيقية، كما في نقض العهد، وأما ما قيل من أنّ النار مجاز عن الكفر والضلال المفضي إليها فذكر المسبب، وأريد السبب، فكأنه قيل أنت تهدي من أضله الله، والإنقاذ ترشيح لهذا المجاز، أو مجاز عن الدعاء للأيمان والطاعة، فمع بعد. عما ذكره الزمخشريّ نازل الدرجة بالنسبة لما ذكر، وعليه ينزل كلام المصنف أيضا، فما قيل في شرحه إنه تشبيه بليغ كزيد أسد وتنقذ ترشيح له، بعد سماع ما مرّ لا وجه له، وقوله سعى في إنقاذهم
أي كالسعي. قوله تعالى:) {لَكِنِ الَّذِينَ} الخ) هو استدراك بين ما يشبه النقيضين والضذين، وهما المؤمنون والكافرون وأحوالهما، وقوله: علالي جمع علية بكسر العين وقد تضم وتشديد اللام والياء، وهي بمعنى الغرفة، والمراد ما ارتفع من البناء كالقصر،! أصله عليوة فاعل بما هو معروف في أمثاله. قوله: (بنيت بناء المنازل على الأرض (بيان لفائدة هذا الوصف لئلا يكون لغواً إذ الغرف لا تكون إلا مبنية، يعني أنّ المراد بناء مخصوص على طريق بناء المنازل على الأرض من الأحكام وجري المياه فيها، ونحو ذلك أو المراد به إنها على حقيقتها، وليست كالظلل المقابلة لها وقوله من تحت تلك الغرف على الأرض أو على البناء السفلي، وقوله مصدر مؤكد أي لمضمون الجملة فهو واجب الإضمار، كما ذكره المعرب. قوله: (نقص وهو على الله محال الأنه إن كان خبراً فخلفه كذب، وهو نقص محال، وان كان إنشاء فهو أيضا نقص لأنه مخل بقانون الكرم كما قال:
وإني وأن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وهل خلف الوعيد كذلك فيه كلام ليس هذا محله. قوله: (مياه نابعات) وفي نسخة قنوات نابعات، والنسخة الأولى أصح لأنّ الظاهر أن عطف المجاري جمع مجرى اسم مكان على العيون قبله عطف، تفسير، والقناة اسم للمجرى فلا يصح عطفه بأو الفاصلة، أما على الأولى فالمعنى إنها اسم لمجرى الماء، أو للماء الجاري منه، كما أشار إليه بقوله إذ الينبوع الخ إذ هو بيان للتفسيرين على اللف والنشر المرتب. قوله:(فنصبها) أي الينابيع فيه أنه سواء جعل اسماً للمجرى، أو لما جرى فيه اسم عين، فلا ينتصب على المصدرية ولا الحالية، بل الظاهر أنه على الأوّل منصوب على الظرفية، أو بنزع الخافض، وأصله في ينابيع، ويؤيده أنه في بعض النسخ على الظرف بدل قوله على المصدر، ووجهت الأولى بأنّ الأصل سلوكاً في ينابيع، فلما حذف المصدر وأقيمت صفته مقامه جعلها منصوبة على المصدرية تسمحآ، أو أصله سلوك ينابيع فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه
مقامه، وعلى الثاني يصح نصبه على الحالية بتأويله بنابعا لكنه لا يخلو من الكدر لأنه لو قصد هذا كان حقه أن يقال من الأرض وفي الأرض على الوجهين صفة ينابيع، وقيل ينابيع مفعول ملك على الحذف والإيصال! قوله:(أصنافه) فإنّ اللون يكون بمعنى النوع، والصنف، ومنه ألوان الطعام، وإذا كان بمعنى
الكيفية المدركة بالبصر فهو بمعناه المتعارف، وقوله حان له أن يثور حان بمعنى قرب، وثار بمعنى انتشر وذهب، وهو توجيه لإطلاق الهيجان على تمام الجفاف، وظاهره أنه من مجاز المشارفة، وكلام الراغب على أنه حقيقة فيه، والفتات المتفتت أي المتكسر. قوله:(بأنه لا بد الخ) فإن تنقله في أطواره يدل على أنّ له خالقاً حكيما، وإذا كان مثلاً للدنيا فهو كقوله:{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [سورة الكهف، الآية: 45] ونحوه، وقوله إذ لا يتذكر الخ بيان لوجه التخصيص. قوله:(حتى تمكن) أي استقرّ الإسلام والإيمان فيه بيسر أي بسهولة، وقوله عبر بالبناء للمفعول وفاعل خلق الله لأنه معلوم من السياق يعني أن انشراح الصدر أصله من الشرح بمعنى البسط، والمدّ للحم ونحوه يكنى به عن التوسيع ثم تجوّز به هنا عن خلقه مستعداً استعداداً تامّا لقبول الأمر الملقى إليه من غير امتناع، ولا توقف فيه كالمكان الواسع يقبل ما يجعلى فيه. قوله:) من حيث إن الصدر محل القلب الخ) بيان للتجوّز والعلاقة فيه على أن شرح الله صدره استعارة تمثيلية أو الصدر مجاز عن النفس بعلاقة الحلول فإن الصدر محل القلب، وهو في تجويفه الأيسر بخار لطيف يتكوّن من صفوة الأغذية، وبه تتعلق النفس الناطقة، وبواسطته تتعلق بسائر البدن تعلق التدبير والتصرف، وتلك النفس هي القابلة للإيمان والإسلام فالروح في كلامه بمعنى الأبخرة المذكورة لأنها تسمى روحا، والمراد بالنفس النفس الناطقة والمتعلق بفتح اللام محل التعلق وللنفس باللام وفي نسخة المتعلق بالنفس بالباء على أنه اسم فاعل وهي صحيحة أيضاً لكن الأولى أحسن. قوله تعالى:( {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} ) عدل عن عنده أو له نور الظاهر للدلالة على استمراوه واستقرار فيه، والنور مستعار للهداية والمعرفة كما يستعار لضدّه الظلمة، وقوله وعته عليه الصلاة والسلام الحديث صحيح لكن في سنده ضعف كما صرحوا
به، والمراد بالنور فيه الهداية واليقين والإنابة الرجوع أريد بها مجازا الركون والميل لمقابلته بالتجافي الذي هو التباعد، ودار الغرور الدنيا والتأهب إحضار الأهبة، وهي ما لا بد منه للمسافر والخبر المحذوف تقديره كمن ليس كذلك، أو كمن قسا قلبه ليلائم ما بعده كما ذكره المصنف، فإن قلت أنّ مدلول النظم على تفسيره ترتب دخول النور على الانشراح، لأنه الاستعداد لقبوله، وما ذكر في الحديث عكسه، فكيف جعل ما في الحديث تفسيراً لها، قلت لا يخفى أنّ المعرفة والاهتداء له مراتب، بعضها مقدم وبعضها مؤخر، وانشراح صدره في الحديث ما يكون بعد التمكن، وفي الآية ما تقدمه، وقس عليه النور. قوله:(من أجل ذكره الخ) يعني من فيه للتعليل والسببية، وفيها معنى الابتداء لنشئها عنه، ولذا قيل إنها ابتدائية وإذا قيل قسا منه فالمراد أنه سبب لقسوة نشأت منه، واذا قيل قسا عنه فالمعنى أن قسوته جعلته متباعداً عن قبوله، وبهما ورد استعماله، وقد قرئ بعن في الشواذ لكن الأوّل أبلغ، كما ذكره المصنف لأنّ قسوة القلب تقتضي عدم ذكر الله، وهو معناه إذا تعدّى بعن، وذكره تعالى مما يلين القلوب، فكونه سبباً للقسوة يدل على شدّة الكفر الذي جعل سبب الرقة سببا لقسوته، والتأبي الامتناع، وقوله ذكر شرح الصدر لأنّ توسعته وجعله محلا للإسلام دون القلب الذي فيه، يدل على شدّته وإفراط كثرته التي فاضت حتى ملأت الصدر فضلا عن قلبه، وإسناده إليه يقتضي أنه على أتم الوجوه لأنه فعل قادر حكيم، وقوله قابله بقساوة القلب، ومقتضى لتقابل أن يعبر بالضيق، لأنّ قسوته بكونه صخرة صماء تقتضي أر، لا يقبل شيئا، فإنّ الضيق يشعر بقبول شيء قليل منه، واسناده إلى القلوب دون الله للإشارة إلى أنه جبلة خلقوا عليه، وقيل المراد أنه أسند إلى ذكر الله المقتضى لكمال لينه، وهو مع بعده خلاف الظاهر، وضمير إليه للقلب لا للذكر، كما توهمه فإنه متعلقه لا مسند إليه، وان جاز حمل الإسناد على معناه اللغوي والضمير المستتر للقساوة، وذكره لأنه مؤوّل بأن والفعل أو
بالمقابل. قوله:) والآية نزلت الخ) فحمزة رضي الله عنه وعليّ كرم الله وجهه ممن شرح الله صدره للإسلام، وأبو لهب وولده هم القاسية قلوبهم.
قوله: (روي الخ) ذكر. الواحدي في أسباب النزول، والملة بالفتح السآمة مصدر مللت بالكسر، وسآمتهم كانت بمقتضى البشرية، فطلبوا منه ىسييرو أي يصاحبهم ليرتاحوا بحديثه،
فنزلت هذه الآية إرشاداً لهم إلى ما يزيل مللهم، وهو تلاوة القرآن واستماعه منه صلى الله عليه وسلم غضا طريا. قوله:(وفي الابتداء الخ) يعني أنه عدل عن نزل الله إلى ما ذكر، لتأكيد مضمونه بالإسناد إلى الجلالة، ثم إلى ضميره وتكرير الإسناد يفيد ذلك، وقد يكون على وجه الحصر. قوله:(وتفخيم للمنزل) بإسناده إلى الله الذي هو أعظم من كل عظيم، وهو وما بعده معطوف على تأكيد الإسناد، والاستشهاد بمعنى الاستدلال، ولذا عذاه بعلى دون اللام، وهذا هو المقصود بالذات، وما قبله تمهيد له، ووجه الاستدلال أن منزله حكيم عالم بالحسن والأحسن، ولذا قال المحقق إنّ فيه تنبيها على أنه وحي حيث نزله الله معجز حيث كان منزله من له الكمال المطلق، والأثر يناسب المؤثر والهدايا على قدر مهديها، ولذا قيل التفخيم من إفادته التخصيص، بناء على مذهب الزمخشري في مثله، فإنّ اختصاصه به يقتضي أنه أمر عظيم لا يقدر عليه غيره، وقيل أصل التفخيم حاصل بالإسناد، والمراد زيادته بالتكرير، ففيه مضاف مقدر، والمراد به ذلك، وكذا في قوله الاستشهاد، ولا حاجة إليه لما مز، ولأنّ الإضافة حينئذ عهدية، والمعهود الحسن المفضل على غير.، والاستشهاد إنما يتأتى بمجموع الأمرين الابتداء والبناء عليه، وأما اعتبار الزيادة فلأن في تقتضي الإحاطة، والإحاطة التامّة تكون بأن لا يتجاوز المحيط ولا يفضل عنه، وهو تكلف ما لا حاجة إليه، وقوله على حسنه، لو قال على أحسنيته كان أحسن، لكن يدفع بالتي هي أحسن. قوله:(وتشابهه الخ) المتشابه تقدم أنه ما لا يظهر معناه حتى لا يعلم تاويله إلا الله وحده، أو هو ومن أراد اطلاعه عليه من الراسخين، والمراد بالمتشابه هنا ليس هذا المعنى، بل معناه اللغوي، وهو ما أشبه بعضه بعضا في وجوه الإعجاز، وغيره مما اختص به، كما فصله المصنف رحمه الله وشبهه في الكشاف بقول العرب لمن كمل حسنه متناصف كان بعضه أنصف بعضا في اقتسام المحاسن، وهو من بليغ كلامهم، وتجاوب النظم تقابله في وجوه المحاسن، بحيث لا يكون فيه اختلاف كان بعضه يجيب بعضا، وهو أيضاً من التراكيب البليغة، وجعله حالاً من أحسن الحديث ليس مبنيا على أنّ إضافة اسم التفضيل تفيده تعريفاً، كما توهمه أبو حيان، فإنّ مطلق الإضافة كافية في مجيء الحال، كما يعرفه من له أدنى إلمام بالعربية. قوله:) جمع مثنى (بضم الميم وفتح النون المشددة على خلاف القياس، إذ قياسه مثنيات أو مثنى بالتفح مخففا، وقد مرّ تفصيله، وأنه من التثنية بمعنى التكرير، وقوله وصف به كتابا الخ توجيه لوصف المفرد بالجمع مع لزوم المطابقة المشهورة، بأنه صفة لجمع في الأصل فحذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه وأصله ذا فصول مثاني، أو هو وصف له باعتبار أجزائه التي يشملها، أو أنه ليس صفة، بل هو تمييز محوّل عن الفاعل،
وأصلها متشابهاً مثانيه فحول، ونكر لأنّ الأكثر فيه التنكير. قوله:(تشمئز الخ (اشمأز يكون بمعنى نفر، وبمعنى انكمش وانقبض، والثاني هو المراد لأنه من الاقشعرار، وهو الانقباض، ويكون بمعنى الرعدة، وليس بمراد أيضا، قال السمرقندي ولم يذكر أنهم يغشى عليهم ويصرعون كما نرا. في أهل البدع، وهو من الشيطان ولم يكن أحد أعلم بالله من نبيهءشيه، ولم يسمع منه ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم مثل ذلك. قوله: (وهو مثل في شذة الخوف الخ) يعني أنه تصوير للخوف بذكر آثاره، وتشبيه حاله بحاله، فهو تمثيل حقيقة لاشتهاره، وفشوّه صار مثلاً، أو أنه كناية عما ذكر على طريق التصوير والتمثيل، قال في الكشف وهو أحسن لأنّ الاستعارة هنا لا تخلو عن التكلف. قوله:(بزيادة الراء ليصير رباعياً (ليس المراد الزيادة المتعارفة، واشتقاقه من القشع اشتقاق كبير، والجلد إذا يب! انكصثر وانقبض، فهذا هو وجه المناسبة بينهما، أو اقمطرّ بمعنى اشتد. قوله تعالى:){ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ} الخ (الظاهر مما ذكر أن اقشعرارهم الذي كني به عن الخوف إذا ذكر في القرآن وعيد وإنذار ونحوه، مما يخاف فلين القلوب والجلود الواقع في مقابلته لفرحهم بذكر ما يسرهم من وعد الله والطافه على طريق الكناية أيضا، فقوله: بالرحمة وعموم المغفرة متعلق بذكر الله، فهو ذكر مقيد به
تقديراً والإطلاق لما ذكر من أنها الأصل فإذا ينصرف المطلق إليه لتبادره منه، وقوله وذكر القلوب الخ يعني إن لين الجلود في مقابلة اقشعرار الجلود، فزيدت القلوب لأنها محل الخشية، ولو لم تذكر كفى لين الجلود، أو المراد أن ذكر الخشية أوّلا في قوة ذكر القلوب، فكأنها مذكورة فيهما وإنما خص بالذكر ثانيا لأنه يوصف باللين، ولا يصح وصفه بالاقشعرار. قوله:(يهدي به من يشاء) فاعل يشاء إمّا ضمير الله، أو ضمير من، وكلام المصنف رحمه الله محتمل لهما، والأوّل أولى، وقوله هدايته مصدر مضاف إلى المفعول، إذا كان الضمير لله والمصدر مبني للفاعل فإن كان لمن فالمعنى أن يكون مهديا على أنه مصدر المجهول فتأمل. قوله:) يجعله درقة يقي به الخ (الدرقة بفتحتين ترس من جلود يتقي به، وهو
هنا تشبيه بليغ، أي يجعل وجهه قائما مقام الدرقة في أنه أول ما يمسه المؤلم له، لأنّ ما يتقي به هو اليدان وهما مغلولتان، ولو لم يغلا كأن يدفع بهما عن الوجه لأنه أعز أعضائه، وقيل الوجه لا يتقي به فالاتقاء به كناية عن عدم ما يتقي به، إذ الاتقاء بالوجه لا وجه له وليس ببعيد من كلام المصنف رحمه الله، وقوله كمن هو الخ هو الخبر المقدر، وسوء العذاب من إضافة الصفة للموصوف بها، وقوله وباله ففيه مضاف مقدر، أو هو مجاز أطلق فيه السبب على مسببه، وقوله الواو للحال، أي وقيل والإجلاء الإخراج من ديارهم، وقوله لو كانوا الخ إشارة إلى تنزيل يعلمون منزلة اللازم لعدم القصد إلى تعلقه بمعمول، وقوله لعلموا الخ جواب لو المقدّر. قوله:(حال من هذا الخ إنما ذكر الاعتماد على الصفة الأن قرأنا جامد لا يصلح للحالية، وهو أيضاً عين ذي الحال فلا يظهر حاله، أمّا إذا جعل تمهيداً لما بعده فالحال موطئة للمشتق بعدها، وهو الحال في الحقيقة فلا محذور فيه، أو هو ليس حالاً بل منصوب بمقدر تقديره أعني أو أخص وأمدح، ونحوه ويجوز كونه مفعول يذكرون أيضاً. قوله: الا اختلال فيه بوجه ما الخ) لأنّ عوجا نكرة وقعت في سياق النفي، وهو غير والمراد به الاختلال فيقتضي أنه لا عوج فيه أصلاً وهو أبلغ من مستقيم، لما عرفت من عمومه والاستقامة يجورّ أن تكون من وجه دون وجه، ولأنه نفي عنه مصاحبة العوج فيقتضي نفي اتصافه به بالطريق الأولى، كما في قوله:{وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} [سورة الكهف، الآية: 1] . قوله: (وأخص بالمعاني (وفي نسخة اختص بالمعاني، قال التفتازاني وهو الوجه الثاني، وترجيحه لأن لفظ العوج بالكسر مختص بالمعاني، فدل على استقامة المعنى من كل وجه، بعدما دل على استقامة اللفظ بكونه عربيا، بخلاف ما إذا قيل مستقيما أو غير معوج، فإنه لا يكون نصا في ذلك لاحتمال أن يراد نفي العوج بالفتح انتهى، وقد تبع فيه الشارح الطيبي واليمني، وهو عجيب منهم، فإن المعاني تطلق على مقابل الألفاظ، فيكون بمعنى المدلول عيناً كان أو غيره، ويطلق على مقابل الأعيان،
فيشمل الألفاظ، فبعد قول الكشاف الثاني إن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان انتهى، كيف يتأتى ما ذكره كما أشار إليه بعض الشراح، وقد زعم بعضهم أن ما ذكر من جلبه من سوقيه وزاد فيه ما زاد وفي قوله بعدما ذكر الخ، بحث إذ لا دلالة فيما ذكر عليه فتأمل، وقد مز في الكهف تحقيقه، وان ما يقصد سومه لا يخلو عن عوح مّا، وإن دق فعبر بالعوج ليدل على أنه بلغ إلى حذ لا يدرك العقل فيه عوجاً، فضلا عن الحس، ولهذا اختار المكسورة لما كان المنفي أمراً دقيقا، وعبر عنه بما يعبر به عن المعاني المعقولة. قوله:(بالشك استشهادا بقوله الخ) معطوف على قوله بالمعاني، أي اختص بالشك هنا لا مطلقا، لا على قوله بوجه ما كما قل لبعده لفظاً ومعنى، والاستشهاد البيت على أنّ العوج استعملته العرب بمعنى الشك غير ظاهر لاحتمال أن يكون المراد لا خلل فيه، وان كان مقابلته باليقين مشعرة به، وما قيل في توجيهه أنه مقتبس من الآية، وقائله فصيح من أهل اللسان، فلو لم يكن فهمه منها ما أتى به، كذلك تعسف ظاهر لأنه لم يتبين أنه اقتبسه منها، ولو سلم يكون محتملا لما يحتمله العوج في النظم، أو هو كما قال المصنف رحمه الله تخصيص له ببعض أفراده، لكونه في مقابلة اليقين فلا ينافي الاقتباس، ولا يقتضي تخصيص ما في النظم به فتدبر. قوله: (علة أخرى (لأنّ لعل يفهم منها التعليل كما مرّ، فعلل ضرب الأمثال أوّلاً بالتذكر وألاتعاظ ثم علل التذكر بالاتقاء لأنه المقصود منه، فليس من تعليل معلول واحد بعلتين. قوله: (مثل المشرك الخ (إنما جعله مقتضى مذهبه، لأنّ الأصنام جمادات لا يتصوّر منها التنازع وهم يعلمون ذلك، ويقولون ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى، ومعبوديه جمع
مضاف، وعبوديته مفعول يدعي، وقوله بعبد متعلق بقوله مثل، وقوله يتعاورونه بالعين والراء المهملتين من التعاور، وهو التداول بالمناولة، وقوله في مهماتهم، وفي نسخة من مهامّهم، وقوله في نحيره متعلق به أيضاً، وهو وجه الشبه، وتحيره بينها من ينفعه منها، والى أنها يتوجه مثلا، وقوله توزع قلبه بمعنى تفريق خواطره، وفكره، والموحد معطوف على المشرك. قوله:(ورجلَا بدل الخ) بدل كل من كل أو مفعول ثان لضرب كما مرّ تحقيقه، وقوله وفيه صلة شركاء لأنه يتعدى بفي، يقال اشتركوا في الأمر وهو مبتدأ خبره متشاكسون، والظاهر أنه خبر مقدّم لأنّ النكرة وإن وصفت يحسن تقدّم خبرها، ولو كان صلة لم يكن لتقديمه نكتة ظاهرة، وحمل كلام المصنف رحمه الله على هذا، وان كونه صلة، كان قبل التقديم وبعده، وهو خبر مستقر كما في الحمد لله، كما قيل تعسف،
والجملة صفة رجلاً أو الظرف صفته، وشركاء فاعل به لاعتماده، وقوله الاختلاف المراد تحالف آرائهم في استخدامه. قوله:(وقرأ نافع الخ) أخره وان كان معتاد. تقديم قراءة الأكثر، ليكون تفسير. على ما هو أظهر معنى، ولا تجوز فيه مع أنّ ما ذكر ليس ملتزما له، كما زعمه القائل، وسلم كعلم بمعنى خلص من مزاحمة شركة غيره فيه، والتعب بالمصدر للمبالغة، وقوله ورجل أي قرئ رجل الثاني بالرفع على أنه مبتدأ له خبر مقدم، وقوله وتخصيص الخ، أي ضرب المثل بالرجل دون الصبي، أو دون المرأة، وذكر ما يعمهما كشخصاً مثلاً. قوله:(صفة وحالاً) تفسير للمثل هنا كما مرّ، وقوله ولذلك وحده لأنه لبيان جنسه ودفع إبهامه، وهو حاصل بالإفراد فلا يزاد على مقدار الحاجة ما لم يحصل لبس بإفراده، أو يقصد الدلالة على معنى زائد فيه كاختلاف نوعهما، أو يقال ضمير يستويان للمثلين، فلو لم يثن لم يحصل التمييز ويلتبس، وقوله: فإنّ التقدير الخ، دفع لما يتوهم من أنّ المثل مفرد، فكيف يرجع له ضمير التثنية بأنه وان كان بحسب الظاهر واحداً فهو متعدد، لأنّ قوله ورجلاً بتقدير ومثل رجل. قوله:(كل الحمد له) إشارة إلى أنّ تعريف الحمد للاستغراق، وقوله: لا يشاركه الخ هو معنى لازم الاختصاص، وقوله: على الحقيقة دفع لما يخطر بالبال، لأنّ من الناس من ينعم إنعاما يستحق به الشكر والحمد حتى قيل:
لا يشكر الله من لا يشكر الناسا
بأنّ المنعم الحقيقي هو الله وكل ما سواه وسايط وأسباب، كما مرّ في الفاتحة، وقوله:
لا يعلمون، أي ليسوا من ذوي العلم، أو لا يعلمون أنّ الكل منه، وانّ المحامد إنما هي له. قوله:(وفي عداد الموتى) فهو مجاز لأنهم لكونهم يتصفون به بعده بمنزلة من مات الآن، وقوله لأنه مما سيحدث، هكذا في الكشاف الفرق بين الميت والمائت، إنّ الميت صفة لازمة كالسيد، والمائت صفة حادثة، فقوله زيد مائت غدا أي سيموت أنتهى، يعني أنّ اسم الفاعل يدل على الحدوث، والصفة المشبهة تدل على الثبوت مع قطع النظر عن دلالته، على الحال أو
الاستقبال، لكن لما كان الحدوث فد يعتبر مع القرينة في المستقبل كما هنا، فإنّ القرينة عقلية، وهي الخطاب إذ الميت في الحلل لا يخاطب، وانم! يظهر الفرق بينهما في المستقبل لاشتراكهما في اتصافهما بالحدث حالاً، مثل به كذلك اختياراً للقول بأنه حقيقة في الحال، والاستقبال وهو قول للنحاة، وأهل الأصول، كما في التسهيل ومنهاج المصنف رحمه الله وشرحه، فما قيل إنه يدل على أنّ اسم الفاعل وضع للاستقبال، والذي غرّه كلام الكشاف، ولا وجه له لأنّ قوله غدا قرينة للتجوّز، والظاهر أنه من باب زيد أسد، كما في القراءة المشهورة غفلة عن إنه قول لهم اختاره الشيخان هنا فتدبر. قوله: (فنصج عليهم- الخ (جعل الخصام بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمّة الدعوة، لكن لا على ما يتبادر منه بل على ما أشار إليه الطيبي طيب الله ثراه، من أوّل السورة إلى هنا، لما ذكرت البراهين القاطعة لعرق الشركة المستجلبة لفرط جهلهم، وعدم رجوعهم مع تهالكه-شييه على ردهم إلى الحق، وحرصه على هدايتهم، اتجه السؤال منه بعدما قاساه منهم، بأن يقول ما حالي وحالهم، فأجيب بأنك مهدت من نشاط الدعوة ما أردناه، وتم لك من ذلك ما قضيناه، فلا تطمع في الزيادة على ذلك لأنك ستأتي أنت إلى عز الحضور ويساق هؤلاء إلى موقف ينتصف فيه الخصوم كما قيل:
إلى ديان يوم الدين تمضي وعند الله تجتمع الخصوم
قوله: (وقيل المراد الخ) قيل إنه مرضه، لدلالة قوله إنك ميت وانهم الخ، وكذا السياق
على الوجه السابق
لكن صاحب الكشف رجحه على ما قبله، وقال إنه! المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم، وما ذكر من التأييد غير قوي، ويؤيده إنه غير محتاج إلى التأويل بما مرّ، فإنه لا معنى لمخاصمة النبي صلى الله عليه وسلم معهم، فالمعنى أنهم يتخاصمون يوم القيامة، وتقع الخصومة فيما كان بينهم من المظالم في الدنيا، وعلى هذا فلا تغليب فيه، وقوله ما جاء به محمدئلمجبيه الخ، فسماه صدقا مبالغة بجعل الصادق عين الصدق. قوله:(من غير توقف وتفكر في أمر 0 (إشارة إلى أن إذ هنا فجائية، كما صرّح به الزمخشري، لكنه اشترط فيها في المغني أن تقع بعد بين، أو بينما، ونقله عن سيبويه فلعله أغلبي ولم ينبهوا عليه فتأمّل. قوله:) وذلك يكفيهم مجازاة (قال السمرقندي كأنه يقول أليس جهنم كافيا للكافرين! مثوى كقوله: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا} [سورة المجادلة، الآية: 8] أي هي تكفي عقوبة لكفرهم وتكذيبهم، فالكفلية مفهومة من سياقه
هنا، كما تقول لمن سألك شيئاً ألم انعم عليك، أي أما كفاك سابق إحساني فافهم، وإذا كان
تعريف الكافرين للعهد، فالمراد بهم المشركون الذين كذبوه، وعلى الجنسية هو شامل لأهل
الكتاب، ويدخل فيه كفار قريش دخولاً أوّليا، وعلى الأوّل وضع فيه الظاهر موضع الضمير
للتسجيل عليهم وللفاصل. قوله: (وهو) أي الاستدلال على تكفير أهل البدع بهذه الآية
ض! عيف، لأنه مخصوص بمن كذب الأنبياء شفاها في وقت تبليغهم، لا مطلقا، والمخصص له
قوله إذ جاء. ولو سلم إطلاقه، فهم لكونهم يتأوّلون ليسوا مكذبين، وما نفوه وكذبوه ليس
معلوما صدقه بالضرورة إذ لو علم من الدين ضرورة كان جاحده كافراً، كمنكر الصلاة
ونحوها، والأظهر أنّ المراد تكذيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بعد ظهور المعجزات، في
أنّ ما جاؤوا به من عند الله لا مطلق التكذيب. قوله: (للجنس الخ (يعني انّ المراد بالموصول
الجنس، لأنّ تعريف الموصول كتعريف ذي اللام، يكون للعهد والجنس، والجنس شامل لمن
ذكر، والدليل على ذلك جمعه في قوله أولئك الخ نظراً لمعناه ووصفهم بالتقوى الشامل
لجميعهم، ويجوز أن يكون صفة لمفرد لفظا مجموع معنى، والتقدير الفوج أو الفريق الذي
الخ، كما قدروه في قوله كالذي خاضوا، ولم يذكره هنا لما سيأتي. قوله: (وقيل هو (أي
الذي الخ المراد به النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الظاهر، والمراد في الحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من أقته،
للجمع في قوله أولئك الخ كما ذكر موسى عليه الصلاة والسلام في تلك الآية، وأريد هو وأقته
بقرينة ذكر الكتاب، وجمع لعلهم يهتدون، إلا أنّ ما نحن بصدده في الصفة وذاك في الاسم
وهو فيهما مجاز لكن قال المحقق في شرح الكشاف: ولا بد من تحقيق العلاقة فيه والتفصي
عن الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولم يبين ذلك وقد قيل عليه أيضاً إنّ المجيء بالصدق ليس
وصفا لمن تبعه، فكيف يراد به الجمع، والآية المذكورة إنما تكون مثالاً لما ذكر لو رجع
ضمير لعلهم لموسى عليه الصلاة والسلام، وهو يرجع إلى بني إسرائيل الذين هم في حكم
المذكورين، كما صرح به ثمة لأنّ موسى خارج عن مرجع الضمير للقطع بهدايته، ولذا مرضه
المصنف رحمه الله، لما فيه من الكدر، وأيضا إنما عهد مثله في أعلام الآباء كتميم، ونحوه
من القبائل، ولك أن تقول مراد القائل أنّ مجموع الذي جاءنا بالصدق وصدق به المراد به النبيّ
صلى الله عليه وسلم، كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفسر الصدق بالتوحيد، ودلالته على ذلك
بطريق الحقيقة، وعلى من تبعه بطريق التبعية، والالتزام فإنه إذا قيل جاء الأمير علم منه مجيء
أتباعه، ولا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز، لأن الثاني لم يقصد من حاق اللفظ، وهو محل
النزاع، إمّا المجوّزون له فلا يعتذرون عنه، وحينئذ تدفع الشبه برمتها. قوله: (وذلك يقتضي
إضمار الذي وهو غير جائز) على الأصح عند النحاة من أنه لا يجوز حذف الموصول، وإبقاء صلته وأن جوّزه يعنيهم مطلقا، وشرط بعضهم لجوازه عطفه على موصول آخر، ويضعفه أيضاً الإخبار عنه بالجمع فإنه يأباه كما يأباه المعنى أيضاً، وأمّا إنه يراد بالذي النبيّ صلى الله عليه وسلم والصديق معاً على أن الصلة للتوزيع ليندفع المحذور فهو تكلف. قوله: (صار صادقاً بسببه أليس المراد صيرورته بعد إن لم يكن كذلك فإنه الصادق أوّلاً وآخر بل المراد ظهور صدقه وتحققه بحيث لا يمكن تكذيبه:
ومن يقل للمسك أين الشذا كذبه ما شاع من عرفه
وقوله لأنه معجز الخ، فالمراد صدقه بالبرهان الساطع وهو جواب آخر، وقوله صدق
على البناء للمفعول أي قرئ به. قوله: (خص الأسوأ للمبالغة الخ (يعني أنّ المكفر كنهم المتقون الموصوفون بما مرّ من التقوى، وهم إن كانت لهم سيئات لا تكون من الكبائر العظيمة، ولا يناسب ذكرها في مقام مدحهم، كما لا يخفى فأجاب أوّلاً بأنه ليس المراد به ظاهره، بل هو كناية عن تكفير جميع سيئاتهم بطريق برهاني، لأن ذلك صاو منهم، فافعل على حقيقته. قوله: (أو ل! شعار الخ (يعني ليس المراد بكونه أسوأ وكبيراً إنه في الواقع كذلك بل هو بحسب ما عندهم، لأنهم لشدة خوفهم من الله يرون الصغيرة كبيرة، فإن عظم المعصية يكون بعظم من يعصى فافعل على حقيقته أيضا، لكنه بالنظر لما في نفوسهم وحسبانهم. قوله: (ويجوز أن يكون بمعنى السيئ الخ (يعني إفعل ليس على حقيقته، وظاهره وليس مضافا إلى المفضل عليه، فهو بمعنى السيء صغيراً، كان أو كبيراً، كما في المثال المذكور، فإن المراد أنهما العادلان من بني مروان، لا أنهم أعدل من بقيتهم، لأنهم معروفون بالجور، والناقص هو أحد الروايتين، وهو يزيد بن الوليد، ولقب بالناقص لأنه نقص ما كانوا يأخذونه من بيت المال ورد المظالم على أهلها، والأشج عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، لقب به لشجة كانت في رأسه، وأمرها مفصل في السير وعدله وزهده معروف، وأف كانت من نسل الفاروق رضي الله عنه، ولذا ورث عدله العمري كما فصله المؤرخون، وما ذكره في المثال من كون أعدل بمعنى عادل وجه فيه، والآخر أن أفعل للتفضيل والزيادة مطلقا، لا على المضاف إليه فقط، وإنما أضيف للبيان له سواء كان بعضاً من المضاف إليه كما في أعدل بني مروان، أو لا كيوسف
أحسن إخوته، كما بينه النحاة في معاني أفعل التفضيل، وقوله أسواء بوزن أفعال، وهي قراءة مروية عن ابن كثير، وإن كان ظاهر كلام المصنف رحمه الله إنها شاذة. قوله:(فتعدلهم محاسن أعمالهم) هذا توجيه لذكر الأحسن دون الحسن، فإنه لو أبقى على ظاهره اقتضى أنهم لا يجازون على الحسنات مطلقا، وإنما يجازون على الأحسن منها، وليس بمناسب، فتعد بضم التاء وفتح العين وتشديد الدال بصيغة المجهول من العداي، تحسبء! عني أن هؤلاء لإخلاصهم تعدّ محاسنهم من أحسن الأعمال عند الله، ومعنى عدها كذلك عنده، أنها تقع موقعها. من القبول، وتجزي جزاء المضاعفة أجورهم، فالتعبير بالأحسن لما ذكر هذا ما عناه المصنف رحمه الله كما يوضحه كلام الكشاف، وقيل إنه من العدل، أو التعديل، على أن اللام من بنيته لا جارّة، وأيد بأنه وقع في نسخة فيعدل، أو من الإعداد والوجه ما قدمناه. قوله:(مبالغة في الإثبات (لأنّ نفي النفي إثبات، والعدول عن صريحه إلى الإنكار أبلغ، وقوله العبد رسول الله، لأنّ قوله بعده يخوّفونك الخ يرجحه، وإذا أريد به ال! نس فيكفي دخوله فيهم، وإذا كفى الأنبياء كلهم دل على كفايت! هـ بالطريق الأولى. قوله:) يعني قريشا الخ (تفسير للمخوّفين، والتخبيل إفساد العقل بمس من الجت ونحوه، وقوله وقيل الخ، وجه ضعفه ظاهر لما فيه من التكلف المذكور، والسادن بالمهملة، هو الموكل بخدمتها، وهذا وقع بعد الهجرة بزمان طويل، فتكون هذه الآية مدنية، قيل ولم يقل به أحد، وقوله حتى كفل الخ، بيان لارتباطه بما قبله، وقوله فإن لها شذة بفتح الشين المرّة من الشد، أي حملة شديدة على من يريد بها. أمراً، ويجوز كسر الشين، وقوله يهديهم جمعه نظراً لمعنى من، وقوله هشم أنفها يدل على أنها كانت صورة وصنما، وهو مخالف لما سيأتي في سورة النجم، من أنها شجرة، فقيل فيها روايتان، أو إنها شجرة كان عندها أصفام، والمخوف حينئذ السادن لكنه نزل تخويفه منزلة تخويف عبادها، أو السادن جنس شامل لكثير منهم، وقوله إذ لا راذ تعليل لجميع ما قبله. قوله: (لوضوح البرهان على تفرده بالخالقية (هذا هو معنى قوله في سورة العنكبوت، لما تقرر
في العقول من وجوب انتهاء الممكنات إلى واجب الوجود، وقوله بعد ما تحققتم بيان لمحصل معنى النظم، والفاء الظاهر إنها جواب شرط مقدر، أي إذا لم يكن خالق سواه فهل يمكن غيره كشف ما أراده من الضرّ، أو منع ما أراده من النفع، أو هي عاطفة على مقدر، أي أتفكرتم بعد ما أقررتم به فرأيتم الخ، وقدم الضرّ لأنّ دفعه أهثم، وخص نفسه بقوله أرادني، لأنه جواب لتخويفه فهو المناسب. قوله:(إذ تقرر الخ) يعني إن كونه كافيا علم مما قبله، فلذا أمره بعده بالاكتفاء به والتوكل
عليه، وتركت فاء النتيجة والتفريع، لظهوره وتفويضه للسامع، وقوله فسكتوا سكوتهم عناداً، دمالا فهم يعلمون إن آلهتهم لا تجلب نفعا ولا تمنع ضرّاً، وإنما هي وسائل وشفعاء على زعمهم الفاسد، وقولهم من الأنوثة لظنهم إنها كذلك، وقيل إنه تأنيث لفظيئ، وكمال الضعف لأنه من شأن الإناث.
قوله: (على حالكم الخ) فشبهت الحال بالمكان القارّ فيه، ووجه الشبه ثباتهم في تلك الحال ثبات المتمكن في مكانه، وأمّا تشبيه المكان بالزمان ففي الشمول والإحاطة، وقراءة الجمع مروية عن عاصم، وليست بشاذة كما يتوهم من ظاهر كلامه، وقد مرّ إنّ المكانة يجوز أن تكون بمعنى التمكن والاستطاعة. قوله:(والمبالغة في الوعيد) الظاهر إن المبالغة، لأن قوله اعملوا عن مكانتكم تهديد لهم، وقوله إني عامل تعليل له، فكأنه قيل فإني فاعل على حالتي أيضاً، وهذا وعيد وحذف متعلقه فيه مبالغة لاحتمال تقديره بشيء آخر، والإيهام إنه لم يذكر ما يعمله لأنه أمر عظيم، وقوله والإشعار الخ، هذا لا ينافي تقديره على مكانتي، إذ المراد منه مطلق حاله لا حاله التي هي موجودة، والحذف يناسب العموم، فاندفع ما قيل من أن قوله لما فيه الخ، مشعر بأنه ليس المراد إني عامل على مكانتي فكأنهما جوابان، ويحتمل أن يكونا جوابا واحداً، وهو أنّ الغرض من حذفه الاختصار مع عدم الاقتصار، بمعنى إني عامل ما استطعت لا أقف على حالي ومكاني انتهى، وما ذكره أخيراً تعسف فتدبر. قوله: (من يأتيه
الخ (من يحتمل الاستفهام والموصولية، وقوله دليل غلبته أي في الدارين، فإن وقوعه عاجلا كما وعدهم مصدق للأجل أيضا، وقوله دائم فهو مجاز في الطرف أو الإسناد، وأصله مقيم فيه صاحبه، وقوله بلسانه تقدم في هذه السورة تحقيقه، وقوله وكلت عليهم أي قمت عليهم. قوله: (يقبضها عن الآبدان) إسناد الموت والنوم هنا إلى الأنفس مجاز عقلي، فإنه حال بدنها لا هي إن أريد بالنفس ما يقابل البدن، فإن أريد جملة الإنسان كما في الكشف فالتجوّز بإسناد ما للجزء إلى الكل، أو في الطرف بجعل يتوفى بمعنى يبطل ويفسد، أو الأنفس بمعنى جزئها. قوله:) وهو غاية جنس الإرسال (يعني قوله إلى أجل غاية جنس الإرسال الواقع قبل الموت، وليس ذلك المغيا إرسالاً واحداً، وفي بعض النسخ حين الإرسال، قيل ولا محصل له لأنّ المقصود دفع ما يقال، لا معنى لكون الإرسال مغيا بأجل مسمى، وهو إني وقيل إنه يلزم أن لا يقع نوم بعد اليقظة الأولى أصلا، ولو ضمن يرسل معنى يبقى، كانت الغاية بحسبه من غير احتياح إلى تأويله وفيه تأمل. قوله: (نفساً وروحاً بينهما مثل شعاع الشمس الخ) أي بين النفس والروج شعاع كشعاع الشمس، والنفس يتجلى في الروح ويضيئه، والروح مظهر للنفس ومتجلى لها، بها يستضيء كما أنّ الأجسام المستضيئة مظاهر لشعاع الشمس، ويستضيء منه، قال بعض الحكماء المتألهين: القلب الصنوبري فيه بخار هو حارسه وحجاب عليه، وذلك البخار عرس للروح الحيواني، وحافظ له، وآلة متوقف عليه تصريفه، والروج الحيواني بمظهر البخار عرش، ومرآة للروح الإلهي الذي هو النفس الناطقة، وواسطة بينه وبين البدن، به يضل حكم تدبير النفس إلى البدن، وقوله بها النفس بفتحتين وهو معروف، وقوله قريب خبر قوله ما روي ووجه قربه نسبة التوفي إلى النفس، وأنه أراد بها معنى آخر غير الجملة، ولم يجعله عينه
لما فيه من المغايرة بين الروح والنفس، قال أراد بالنفس ما به العقل والتمييز، وبالروج ما به النفس والحركة، فإذا نام العبد قبض الله نفسه، ولم يقبض روحه، وذكر الطيبي له شاهدا من الحديث الصحيح فتدبر. قوله:(التوفي والإمساك والإرسال) فالمشار إليه متعدداً فرد لتأويله بما ذكر ونحوه، وصيغة البعيد باعتبار مبدئه أو تقضي ذكره، وقوله لا تفني أي الروج بفناء أبدانها فإنها باقية إلى أن يعيد الله الخلق، وقوله والحكمة معطوف على قوله كيفية تعلقها الخ. قوله:(بل اتخذ قريش الخ) إشارة إلى أنّ أم منقطعة تقدر ببل والهمزة، وقوله اتخذ بهمزة اسنفهام مفتوحة مقطوعة وبعدها همزة وصل محذوفة، وأصله أأتخذ ومعنى من دون الله من دون رضاه أو إذنه لأنه لا يشفع لديه إلا من أذن له ممن ارتضاه ومثل هذه الجمادات الخسيسة ليست مرضية ولا مأذونة، وفهم هذا أمّا من تقدير مضاف فيه، أو لفهمه من سياقه كما أشار إليه المصنف، ولو لم يلاحظ هذا اقتضى إنّ الله شفيع، ولا يطلق ذلك عليه كما مرّ، أو التقدير أم اتخذوا آلهة سواه
لتشفع لهم، وهو يؤول لما ذكرناه. قوله:) تشفع لهم عند الله (يعني في دفع العذاب، وقيل في أمورهم الدنيوية والأخروية، وقوله أشخاص مقربون قد فسره بالتماثيل، وهي اوصنام فلا وجه لتفسيره بالملائكة، كما قيل وكذا ما قيل المراد البشر والملك فإن أساف ونائلة صورتان لبشرين. قوله: (لا يستطيع أحد شفاعة إلا بإذنه) الملك معنى اللام، وكون كلها له من قوله جميعاً، ويجوز كون اللام للاختصاص، وفيه إيماء إلى وجود الشفاعة لأنّ الملك والاختصاص يقتضي الوجود، وقوله ولا يستقل بها لأنها ملكه والمملوك لا يتصزف فيه بدون إذن مالكه، وكذا المخصوص به فانه قريب منه، وهو كالتفسير لما قبله فلا يرد أنه يوهم تجويز مدخليتهم فيها بالانضمام، وهو مناف لمعنى اللام ولا احتمال للإذن لهم في الشفاعة لأنهم ليسوا ممن ارتضى لها، كما لا يخفى. قوله: (ثم قوّر ذلك (أي كون أحد لا
يستطيع ذلك ولا يستقل به على ما قرّرناه، وقوله فإنه مالك الملك كله إشارة إلى أنّ السموات والأرض كناية عن كل ما سواه لأنه استئناف تعليلي لكون الشفاعة جميعا له، فلا يتم بدون تعميم ملكه كما توهم، ولذا صدره بالفاء. قوله:(لا يملك أحد الخ (لأنه ملكه فلا يتصرّف فيه بدون إذنه ورضاه سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة وإنما ذكره هنا لظهوره للمخاطبين لا سيما منكري الحشر، وقوله ثم إليه ترجعون تكميل لهذا فلا يرد ما قيل إنه كان الظاهر تأخيره عن قوله ترجعون لدلالته على اختصاص مالكية الآخرة التي فيها تقع الشفاعة به. قوله:){ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ) قدم إليه للفاصلة وللدلالة على الحصر إذ المعنى إليه لا إلى غيره وتركه المصنف لظهوره، وهو معطوف على قوله له الملك الخ أو على قوله لئه الشفاعة، وفي قوله يرجعون إشارة إلى انتطاع الملك الصوري عما سواه وتنويه له على أبلغ وجه. قوله تعالى:( {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ} الخ (أصل معنى الاشمئزاز انقباض يغير الجلد ونحوه، ثم شاع في النفرة من الشيء كما أشار إليه المصنف ووزنه افعلل كاقشعر، وقوله واذا ذكر الذين من دونه أي وحدها أو مع الله وفيه تهديد لمن يفرح بغير الله. قوله:) بين الغاية فيهما (أي في الأمرين وهما التبجح بالدنيا، ونسيان حق الله حيث عبر في الأوّل بالاستبشار فإنه سرور يزيد حتى يظهر في بشرة الوجه وضده الاشمئزاز، وهو غمّ يظهر من القلب على ظاهره حتى ينقبض أديمه كما يشاهد في وجه العابس المحزون. قوله: (والعامل في إذا المفاجأة (إذا الأولى شرطية محلها النصب على الظرفية، وعاملها الجواب ومن قال إنه الشرط يقول إنها غير مضافة للجملة بعدها والثانية فجائية فمن قال إنها حرف لا يبين لها عاملا ومن قال إنها ظرف مكان أو زمان يختص بالدخول على الجملة الاسمية لبيان أنّ مدلولها وقع من غير مهلة يقول ناصبها الخبر الملفوظ في نحو خرجت فإذا زيد جالس أو المقدر في نحو فإذا الأسد أي حاضر وإن جعلت هي خبرا فعاملها استقرار مقدر على ما فصله النحاة وذهب الزمخشري إلى أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة تقديره فاجؤوا أو فاجأهم وقت الاستبشار فهي مفعول به، وتبعه المصنف وقال أبو حيان وابن هشام إنه لا يعرف لغيره وهو تحامل عليه فإنه لا يقلد غيره وما ذكر في إذا الثانية، وأمّا الأولى فمذهب النحاة فيها معلوم وعلى القول بأنّ العامل فيها الجواب يكون معمولا لفاجأ المقدر أيضاً، ولا يلزمه تعلق ظرفين بعامل واحد لأنّ الثاني ليس منصوباً على الظرفية كما عرفته. قوله: (التجئ الخ) يعني أنه أمر بالدعاء وأمره بذلك مع أنه القادر على
تقليب قلوبهم أو تعجيل عذابهم المقصود منه بيان حالهم ووعيدهم، وتسلية حبيبه الأكرم وأن جدّ. وسعيه معلوم مشكور عنده تعالى وتعليم العباد الالتجاء إلى الله والدعاء بأسمائه العظمى ولله در الربيع بن خيثم فإنه لما سئل عن قتل الحسين تأوّه وتلا هذه الآية فإذا ذكر لك شيء مما جرى بين الصحابة {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فإنه من الآداب التي ينبغي أن تحفظ، وقوله شدة شكيمتهم قد مرّ أنه استعارة لشدّة العناد والمخالفة، وقوله فإنه القادر تعليل لأمره بالالتجاء، وقوله فأنت وحدك الخ إشارة إلى أنّ تقديم المسند إليه هنا يفيد الحصر، وانّ المقصود من ذكر الحكم بين العباد الحكم بينه وبين هؤلاء. قوله: (وعيد شديد وإقناط كلي لهم من الخلاص (لأنه كما مرّ تمثيل للزوم العذاب لهم إذ لم يقصد إثبات الشرطية بل التمثيل لحالهم بحال من يحاول التخلص والفداء مما ذكر فلا يقبل منه، وهذه الجملة قيل:
إنها معطوفة على مقدر والتقدير فأنا أحكم بينهم وأعذبهم، ولو علموا ذلك ما فعلوا ما فعلوا والإقناط لأنه ذكر إنهم لا يخلصون ولو فرض هذا المحال. قوله:(زيادة مبالغة فيه) أي في الوعيد، كما إنّ ما ذكر مبالغة في الوعد حيث أبهم للدلالة على أنه لا يكتنه كنهه، وأنه ما يخطر على قلب بشر ولا تختلج به الظنون، والأوهام وفي الوعد متعلق بلفظ قوله، وقوله سيآت أعمالهم على أن ما موصولة بمعنى العمل، وما بعده على المصدرية وحين تعرض ظرف لبدا وإضافة سيات على معنى من أو اللام، وما كانوا به يستهزؤون محتمل للموصولية والمصدرية أيضا وأحاط تفسير لحاق وجزاؤه أمّا إنه على تقدير المضاف، أو على إنه مجاز بذكر السبب وإرادة مسببه وقد مز له نظائر. قوله:(والعطف على قوله وإذا ذكر الله وحده الفظ وحده يحتمل أن يكون من النظم، وأن يكون من كلام المصنف يعني إنه عطف هنا بالفاء، ولم يعطف بها أوّلاً في قوله في أوّل هذه السورة {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} الآية فلقه دره ما أدق نظره. قوله:) بمعنى أنهم الخ) يعني إنه لما كان المقصود ذمهم ذكر حرف التسبيب نعيا عليهم ما هم فيه من عكس حاشية الث! هاب / ج 8 / م 14
الأمور فإنهم مع استبشارهم بآلهتهم، واشمئزازهم من ذكره وحده خصوه بالتضرّع في الشدائد لعلمهم إنه لا يكشفها سواه كان يقول فلأن يسيء إلى فلان فإذا احتاج سأله فأحسن إليه فيكون في الفاء استعارة تبعية تهكمية بجعل ما لا يتسبب مسببا تهكما وتحميقا لهم، والمناقضة والتعكيس مترتبان على الاستبشار والاشمئزاز معا ويجوز اعتباره بين كل منهما على حدة، وقيل إنه يجوز أن تكون الفاء للسببية داخلة على السبب لأنّ ذكر المسبب يقتضي ذكر سببه لأنّ ظهور ما لم يكونوا يحتسبون الخ مسبب عما بعد الفاء إلا أنه يتكرّر مع قوله والذين ظلموا الخ إن لم يتغايرا بكون أحدهما في الدنيا والآخر في الآخرة كما يشير إليه كلام المصنف أو تفصيلية لسيات ما كسبوا. فوله:(وما بينهما اعتراض!) بناء على أنه يجوز الاعتراض بأكثر من جملة وهو المشهور، وان أنكره بعض النحاة وتبعه أبو حيان هنا، وقوله مؤكد إشارة إلى أن الاعتراض يؤتى به ليؤكد معنى الكلام الذي اعترض فيه وذلك إشارة لما ذكر من الاشمئزاز، والاستبشار أو للتعكيس أو لجميع ما ذكر. قوله:(أعطيناه الخ) لأنّ التخويل خاص في اللغة بما كان تفضلا كما ذكره الزمخشري، وتبعه المصنف وقوله على علم خبران كانت ما موصولة وإلا فهو حال وحاصله أنه باستحقاقي له لكونه عالما بتحصيله أو باسثحقاقه أو لعلم الله استحقاقه فقوله من الله معطوف على قوله مني، وما في إنما موصولة أو كافة ويؤيد الثاني كتابتها متصلة في المصاحف، وقوله شيء منها أي من النعم فلتأويلها بشيء ذكر الضمير والقرينة على ذلك التنكير، وقوله امتحان أي ممتحن به وعبر به لقصد المبالغة وقوله لفظ النعمة أي اعتبار لفظ النعمة بعد اعتبار معناها، وهو جائز وان كان الأكثر العكس. قوله:) وهو دليل على أن الإنسان للجنس الأنه لو كان للعهد على أنّ المراد به الكفرة قال لكنهم لا يعلمون وجعله للعهد وإرجاع الضمير للمطلق على أنه استخدام كما قيل تكلف، وقوله إنما أوتيته على علم عندي لفظ عندي ليس في النظم هنا فكأنه غيره، وحكى معناه لكنه أجمل به قوله مني أو من الله الذي قدره فلا سهو فيه كما توهم، وأراد بقوله الهاء مسماه لا لفظه والمراد به ضمير المؤنث إمّا تعبيراً بالجزء عن الكل، أو بناء على أنّ الضمير هو الهاء فقط والألف إشباع للفرق بين ضمير المؤنث والمذكر كما هو قول لهم، وقد اشتهر التعبير عنها به ومن غفل عنه قال إدخال أل على لضمير لا وجه له فكان الظاهر أني قول ضمير قالها. قوله: (والذين من قبلهم
الخ) يعني قالوا مثل هذه المفالة، أو قالوها بعينها ولاتحاد صورة اللفظ تعد شيئا واحداً في العرف وقوله رضي به قومه يعني إنّ جميعهم لم يقولو. لكنهم لرضاهم جعلوا قائلين، وهذا بناء على اشتراط الرضا فيه وقد مرّ ما فيه وهو إمّا مجاز في الإسناد بإسناد ما للبعض إلى لكل فالمجاز عقليّ أو التجوّز في الطرف فقالها بمعنى شاعت فيهم 0 قوله: (جزاء سيآت أعمالهم (قد سبق إنه على تقدير مضاف فيه، أو على أنه تجوّز بالسيآت عما تسبب عنها أو السيآت إلا جزية سميت بها مشاكلة تقديرية لما وقعت في مقابلته، وأفرد الجزاء لأنه سواء كان مصدرا أو اسم جنس كالتراب، والماء صادق على القليل والكثير فلا حاجة لجمعه
وان لم يكن مصدراً. قوأ ": (رمزا إلى أنّ جميع أعمالهم كذلك) أي سيئة فإن جعل جميع ما يجزون به سيأ يدل على أنّ كل ما عملوه كذلك إذ لو كان فيه حسنة جوزى عليها جزاء حسناً، وما تفيد العموم فهو جزاء كل ما كسبوه والأوّل مصحح، وهذا مرجح ولا ينافي حصول هذا على تقدير مجاز السببية أيضا مع أنه لا وجه له عند من له ذوق سليم. قوله:(ومن للبيان) فإنهم كلهم ظالمون أو الشرك ظلم عظيم، وعلى التبعيض فالمراد بهم من أصرّ على الظلم حتى تصيبهم قارعة وهم بعض منهم، وقوله أولئك إشارة إلى من كفر ممن كان قبلهم والقحط ما أصابهم بعد كتابة الصحيفة وهو معروف في السير وهذا يدل على أنّ المراد بما يصيبهم عذاب الدنيا، وهو المناسب للسياق فإنه يدل على أنّ ما يصيب هؤلاء مشابه لما أصاب أولئك فلا بد اًن يكون في الدنيا وان صح حمله على عذاب الآخرة أو على الأعئم لكن الأوفق بالسياق ما ذكرناه، وعذاب الآخرة هو الذي أشير إليه بقوله وما هم بمعجزين فلا غبار عليه كما توهم، وكون ذلك سبعا وسبعا يعلم من تفصيل القصة، وقوله بوسط أي عادي لا حقيقي فلا يخالف مذهب أهل السنة وهذا ردّ لما سبق من قوله:{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} . قوله: (أفرطوا الخ (يعني اًن الإسراف مجاز لاستعمال المقيد وهو الإفراط في صرف المال في المطلق، ثم تضمينه معنى الجناية ليصح تعديته بعلى والمضمن لا يلزم فيه أن يكون معناه حقيقيا، وقيل ضمن معنى الحمل، وقوله على ما هو عرف القرآن إشارة لغلبة استعماله كذلك وإلا فهو لغويمما أيضا بجعل الإضافة للعهد والتشريف وهذا لا ينافي ما سيذكره من سبب النزول فإنّ القائلين كانوا ممن أسلم لكنهم خافوا المؤاخذة بما فرط قبل الإسلام، وقد ذكر المصنف أنّ خصوص السبب لا يدل على
خصوص حكمه فلا وجه لما قيل إنه يدلّ على عدم صحته لما بينهما من التعارض وسيأتي بيانه. قوله: (من مغفرته أوّلاً وتفضله ثانياً) أدوج المغفرة في الرحمة أو جعلها مستلزمة لها لأنه لا يتصوّر الرحمة لمن لم يغفر له وتعليله بقوله: إنّ الله يغفر الخ يقتضي دخوله في المعلل والتذييل بقوله إنه هو الغفور الرحيم كالصريح فيه، وأمّا كونه من الاحتباك فمن ضيق العطن. قوله:(عفوا) تمييز تفسير للمغفرة وهو أظهر في المراد لأنّ العفو محوها والغفر سترها فربما يتوهم إنها سترت ولم تمح بالكلية، وقوله ولو بعد بعد فلا ينافي عذاب العصاة فإنه يتجاوز بعد ذلك عنهم ويدخلهم الجنة بفضله ولو شاء أماتهم، وأفناهم والداعي له إلى ذكر هذا القيد كما أشار إليه المصنف أنّ قوله جميعا يفتضي شموله لكل ما عدا الشرك فدخول من عصى، وغفر له أو عذب بأنقص من جرمه فيه ظاهر أمّا من عذاب بمقدار ذنبه فقيل إنه لا يظهر في حقه المغفرة إذ السيآت إنما تجزي بأمثالها فلو ترك المصنف ما ذكر كان أولى، وقد أجيب عنه بأن كونها لا تجزي إلا بمثلها بلطفه أيضا فهو نوع من عفوه، ولو أريد بالذنوب المؤكدة أنواعها لا إفرادها أو قيد بلمن يشاء بقرينة التصريح به في قراءة شاذة هنا، وكون الأمور معلقة على ذلك كان أظهر وقوله خلاف الظاهر رد على الزمخشري، والمعتزلة إذ منعوا العفو عن الكبائر من غير توبة، وهذا القيد غير مذكور في النظم وتقديره أو حمل تعريف الذنوب على لعهد يأباه قوله جميعاً، وقوله ويدلّ الخ جواب سؤال مقدر، وهو إنه إذاك ان على إطلاقه شمل الشرك بأنه لا ينافي الإطلاق لأنه مبين بصريح النظم ولا يدخل في الذنوب كما يتبادر للفهم وأيضا لو قيد هذا بالتوبة نافي قوله:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء، الآية: 116] الآية. قوله:) والتعليل بقوله إنه هو الغفور الخ) بالرفع عطف على فاعل يدل وكذا ما بعده ووجه الدلالة ما أشار إليه بقوله على المبالغة فإنهما صيغتا مبالغة، والمبالغة في المغفرة والرحمة إما بحسب الكمية لأنها لجميع الذنوب، وإما الكيفية فيكون للكبائر بدون توبة وافادة الحصر بالرفع والجر لتعريف الطرفين وضمير الفصل وهو أيضا مع الجملة الاسمية يفيد المبالغة لأن الغفر والرحمة قد يوصف بها غيره فالمحصور فيه إنما هو الكامل العظيم، وهو ما يكون بلائق به فيدل على ما ذكر من غير تردّد فيه كما قيل، والوعد بالرحمة من قوله الرحيم بعد المغفرة يفيد أنه غير مستحق لذلك لولا رحمته، وهو إنما يكون إذا لم يتب وتقديم ما يفيد عموم المغفرة بحذف المعمول فيتناول جميع الذنوب. قوله:(مما في عبادي الخ) لأن العبودية تقتضي التذلل، وهو أذسب بحال العاصي إذا لم يتب والاختصاص من الإضافة لله، واقتضاء المذلة للترحم ظاهر وكذا اقتضاء
الاختصاص لأنّ السيد من شأنه أنه يرحم عبده ويشفق عليه، وهذا
كله يقتضي عموم المغفرة لمن طاب وغيره لعموم سببه فتأمل. قوله:) وتخصيص ضرر، الإسراف) لأنّ على للمضرة ومجرورها أنفسهم فإذا كان الضرر مقصوراً عليهم كما في قوله ومن أساء فعليها فكأنه قيل ضرر الذنوب عائد عليهم لا عليّ فيكفي ذلك من غير ضرر آخر كما في المثل أحسن إلى من أساء كفى المسيء فعله فالعبد إذا أساء، ووقف بين يدي سيده ذليلا خائفاً عالماً بسخط سيده عليه ناظراً لإكرام غيره ممن أطاع لضه ضرر إذ استحقاق العقاب عقاب عند ذوي الألباب فلا يتوهم أنّ ضرر الذنب العقاب فهذا دال على عكس المقصود، وقوله مطلقاً يعني من قيد كونه صغيرة أو ذكر توبة كما تقوله المعتزلة، وقوله عن الرحمة يتعلق بالقنوط أي اليأس، وقوله فضلا عن المغفرة يعني أنه إذا نهى عن اليأس من رحمة الله وتفضله علم النهي عن اليأس عن المغفرة بالطريق الأولى لأنّ الرحمة لا تتصوّر بدونها، وقوله واطلاقها بالجر أي وفضلا عن إطلاق المغفرة عن قيد التوبة لأنها تركت رأسا مع النهي ويجوز نصبه على أنه مفعول معه فيكون بيانا لإطلاقها في قوله: إنّ الله الخ والأوّل أولى فتأمّل. قوله: (وتعليله الخ) أي تعليل النهي المطلق فإنه يدل على اطلاقه كما مز، ووضع الظاهر موضع الضمير في رحمة الله وان الله مع أنّ مقتضى الظاهر الضمير فأتى باسم الذات الدال على استجماعه لجميع الصفات إشعاراً بأنه من مقتضى ذاته لا لشيء آخر من توبة، أو غيرها فهذا كله مع ما ذكر من وجوه التأكيد مؤكد للإطلاق. قوله:) وما روي الخ (مبتدأ خبره قوله لا ينفي عمومها أي عموم هذه الآية، وقوله لي أي موهوبة لي وفي ملكي، وقوله بها أي بهذه الآية فالباء للمقابلة والبدلية يعني لو خير بين أخذ الدنيا جميعها وبين إنزال هذه الآية عليه اختار الآية دون الدنيا وهو رد على الزمخشري إذ استدل بهذا الحديث على اشتراط التوبة لا جواب آخر كما قيل. قوله: (فقال رجل الخ) هذا الحديث رواه الطبراني والإمام أحمد والبيهقي وهو صحيح لكن في سنده ضعف كما قاله ابن حجر وقوله: ومن أشرك من العطف التلقيني على الذنوب في الآية فهو في محل نصب والمراد الاستفهام فالتقدير أو من أشرك، وقال الفاضل اليمني يحتمل أن يكون مرفوعا أي ومن أشرك موعود أو منصوبا أي وعد من أشرك أو مجرورا أي أيغفر ذنوب من أشرك، وهذه الوجوه جارية في قوله إلا ومن أشرك أيضا وإلا فيه حرف استفتاح. قوله:(فسكث ساعة ثم قال الخ) قال التفتازاني: فإن قيل: إن أريد بدون
التوبة والإسلام فلا مغفرة للشرك وان أريد معه فلا حاجة إلى السكوت لانتظار الوحي أو الاجتهاد بل لا وجه لسؤال السائل، والآية وردت في المشركين أو دخلوا دخولاً أوّلياً بلا خفاء قلنا: إمّا السؤال فللاستبعاد عادة لعظم الأمر، واما السكوت فلتعليم التأني والتدبر وعدم المسارعة إلى الجواب وإن كان الأمر واضحاً وايراد الحديث للدلالة على اشتراط التوبة، اهـ (أقول) هو رد على الطيبيّ تبع فيه صاحب الكشف، وكونه دالاً على اشتراط التوبة كما توهمه الزمخشري مما لا وجه له كما عرفته وكونه مع الإسلام لا شبهة فيه إنما الكلام في التوبة، والظاهر أنّ سكوته يوو للنظر في عموم المغفرة والإذن في التصريح به فإنهم ربما اتكلوا على المغفرة فيخشى التفريط في العمل وهو لا ينافي التعليم فإنه إنما يعلمهم التدبر بعد أن يتدبر هو في نفسه. قوله:(وما روي أنّ أهل مكة الخ) هذا الحديث في صحيح الببخاري لكن بغير هذا اللفظ، وقوله: فتنوا أراد به أنهم ارتدوا بعدما حملهم المشركون على الردة، ووحشيّ قاتل سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه لكنه أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه وقتل أيضاً مسيلمة الكذاب فكان رضي الله عنه يقول: قتلت خير الناس وشر الناس، وقوله: لا ينفي عمومها أي كما توهمه الزمخشريّ والمراد عموم سائر الذنوب مما تابوا عنه، أولم يتوبوا وما ذكر في سبب النزول من أنه في الذنب الذي سبق الإسلام ومغفرته بالإسلام الذي يجب ما قبله لا ينافي شموله لما وقع بعده فإنّ خصوص السبب لا يدل على خصوص الحكم كما تقرّر في الأصول، وقوله: ولم نهاجر لأنّ ترك الهجرة في صدر الإسلام كان كبيرة ثم نسخ بعد فتح مكة ولا هجرة بعد الفتح. قوله: (وكذا قوله: وأنيبوا الخ (ردّ على الزمخشري أيضا لأنه قال ذكر الإنابة على أثر المغفرة لئلا يطمع طامع في حصولها بغير توبة، وللدلالة على أنها شرط فيها
لازم لا تحصل بدونه لأنّ ذكر شيء بعد شيء لا يقتضي توقف الأوّل على الثاني وتقيده به بل ذكر الأمر بالتوبة بعده لأنها ممحصة للذنوب موثوق معها بالنجاة فيقتضي أنه ليس معتبراً فيما قبله، ولا مقدراً معه. قوله:(فإنها) أي الآية السابقة مطلقة لا دلالة لها على حصول
المغفرة بدون التوبة كما لا دلالة على لزوم التوبة إذ لو دلت على الأوّل كانت المغفرة تغني كل أحد عن التوبة، والإخلاص فتنا في الوعيد بتعذيب من لم يتب لكنها غير منافية له لأنّ المغفرة فيه مطلقة فلا يتوهم أنّ قوله: فإنها الخ تعليل لعدم نفي العموم، وهو لا يلائمه فتدبر.
قوله: (القرآن) فالتفضيل على ظاهره لأنّ المراد بما أنزل الكتب السماوية، وهو أحسنها وأفضلها والخطاب للجنس هذا إذا كان القرآن تفسير الأحسن، وهو الأحسن، ويجوز أن يكون تفسيرا لما أنزل فالخطاب لهذه الأمّة وأحسنه ما علم منه من خير الدارين دون القصص، ونحوها فيكون كقوله:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [سورة الزمر، الآية: 18، وهو أحد وجوه ذكرها السمرقندي. قوله:(أو المأمور به الخ) فأحسن بمعنى حسن إذ لأحسن في المنهي عنه ويجوز إبقاؤه على أصله بناء على أنّ المباح حسن أيضا وعلى الرابع إن بقي في المنسوخ ندب أو إباحة فعلى أصله والا فهو بمعنى الحسن. قوله: (ولعله ما هو أنجى وأسلم (أي لعل المراد بالأحسن هذا، وهو أعمّ وأكثر فائدة مع بقاء أفعل فيه على بابه، وقوله وأنتم لا تشعرون سيأتي تحقيقه في الزخرف، وقوله فتداركوا أي فتتداركون ما يدفعه. قوله: (كراهة الخ) يعني أنه مفعول له بتقدير مضاف فيه وفيه وجوه أخر تقدمت، وجعله الشارح التفتازاني تعليلا لفعل يدل عليه ما قبله أي أنذركم وآمركم باتباع أحسن القول كراهة الخ وإنما قدره كذلك ليستوفي شرط النصب، وهو الاتحاد في الفاعل وقد سبقه لهذا التقدير الكواشي، ومن غفل عنه قال: لا حاجة إلى الإضمار لصحة نصبه بأنيبوا واتبعوا وأما كون الكراهة ضحذ الإرادة فيلزم أن لا يوجد قول النفس إذ لا يقع ما لا يريده، وليس كذلك فهذا على مذهب المعتزلة دون أهل الحق فليس بشيء لأن الكراهة تقابل الرضا دون الإرادة فلا يستلزم ما ذكره ولو سلم فهو معلق بما ذكر لا كما زعم ولا محذور فيه. قوله:) وتنكير نفس الخ) ذكر الزمخشري في توجيه تنكير. ثلاثة وجوه أن يكون للتبعيض لأنّ القائل بعض من النفوس، أو يكون للتعظيم لعظم كفرها وعنادها وعذابها ولم يرتضه المصنف فلذا تركه أو هو للتكثير ولخفائه أثبته يشاهد من كلام العرب لأنّ الأشهر في النكرة أن تكون للتقليل ولذا قدمه، وهو كاف في الوعيد لأن كل نفسر يحتمل أن تكون تلك وفي البيت شاهد من وجهين استعمال رب للتكثير وهي موضوعه للتقليل وكذا النكرة. قوله:) ورب بقيع الخ) هو من قصيدة للأعشى أولها:
كفى بالذي نوّلته لوتجيبا شفاءلسقم بعدماكان أنيبا
وهي طويلة (ومنها) :
وإني لدن إن عاب قومي فكأنما يراني فيهم طالب الحق أريبا
دعا قومه حولي فجاؤوا لنصره وناديت قوما بالمسناة غيبا
أجاروه مني ثم أعطوه حقه وما كنت فيهم قبل ذلك أرنبا
ورب بقيع لو هتفت بجوّه أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا
الخ. وفي شرحه إنّ بقيعا اسم موضع بعينه لا المقبرة تشبيها ببقيع الغرقد، وهو مقبرة المدينة المنوّرة كما توهم وهتف بمعنى صاح والمراد بالجوّ هنا ناحية من الفضاء، وينفض بالفاء والضاد المعجمة، ويجوز أن يكون بالغين المعجمة ومعناه يحرك والمسناة بضم الميم وفتح السين المهملة، وتشديد النون قال شارحلا: أراد بها القبور وهي من سن التراب إذا أهاله حتى يصير كسنائن الرمل يقول: إني دليل لموت قومي وخصمي متقوّ عليئ بقوم إذا دعاهم جاؤوا لنصرته، ولو دعوت من مات من قومي ثمة قام منهم قوم كرام ينفضون تراب القبور عن رؤسهم أو يحرّكون رؤوسهم غضبا من أهانتي، وإجابة لنداء أسرني والشاهد في قوله كريم فإن المراد به التكثير أي قوم كرام والكلام على يا حسرتي مرّ مفصلا. قوله:) بما قصرت (الباء سببية، وما مصدرية أي بسبب تقصيري وهو إشارة إلى أن على للتعليل كما في قوله: على ما هداكم. قوله: (جانبه) أصل الجنب، والجانب بمعنى وهو مشتق
من الجسد، ثيم استعير للناحية التي تليه كما قيل يمين وشمال لما يليهما، وقوله في حقه يعني أنه أريد هنا أن التفريط واقع في حقه وهو ما يحق له، ويلزم وهو الطاعة، ثم أثبت استعماله بهذا المعنى في كلامهم فبيت سابق البربري، وهو من فصحاء العرب وشعراء الحماسة ومعناه إمّا تخافين من الله لما صدر منك في حقه والوامق المحب وجملة له الخ صفته وحرى تأنيث حران، وهو من اشتدت حرارة جوفه من العطش ونحوه وتقطع أصله تتقطع فحذفت إحدى تاءيه. قوله:(وهو كناية الخ) يعني أنّ فيه مضاكا مقدراً لا بد من تقديره كما صرّج به في الكشاف أي في جنب طاعة الله والجنب بمعنى الجانب، والجهة والتفريط في جهة الطاعة كناية عن التفريط في الطاعة لأن من ضيع جهة ضيع ما فيها بالطريق الأولى الأبلغ لكونه بطريق برهاني كما لا يخفى وحق الله بمعنى طاعته لا مانع من أن يكون لها جهة بالتبعية للمطيع، كمكان السماحة في البيت المذكور قال في الكشاف: فإن قلت فمرجع كلامك إلى أنّ ذكر الجنب كلا ذكر سوى ما يعطي م! ن حسن الكناية وبلاغتها فكأنه فيل فرطت في الله فما فعناه قلت: لا بد من تقدير مضاف
محذوف سواء ذكر الجنب أو لم يذكر والمعنى فرطت في طاعة الله وعبادة الله وما أشبه ذلك اهـ، والعجب إنه في الكشاف بعدما أطال في تقريره وتوضيحه لم يقف بعض أرباب الحواشي على مراده حتى نقل أنّ الإمام قال: لما حصلت المشابهة بين الجنب الذي هو العضو وما يكهون لازماً للشيء حسن إطلاق الجنب على الحق والطاعة، وزعم أنه مأخذ المصنف وأنّ كلامه تلخيص له لكنه يكون حينئذ استعارة تصريحية لا كناية كما زعمه المصنف، وإنما يكون كناية إذا أريد به الذات كما في الكشاف والمقابلة تمنع من الحمل عليه مع أنه يرد على الكشاف أنّ المعنى الحقيقي لا إمكان له لتنزهه سبحانه عن الجهة فكيف تصح الكناية، ثم تبعه من تبع وقال ما قال: وماذا بعد الحق إلا الضلال. قوله: (وقيل في ذاته) يعني الجنب مجاز عن الذات كالجانب والمجلس يستعمل مجازا لربه فيكون المعنى فرطت في ذات الله ولا معنى للتفريط في الذأت فلذا قدر فيه مضافا أي في طاعة ذات الله ولا يخفى مغايرته لما قبله وان خفي على بعضهم ووجه تمريضه ظاهر لأنّ الجنب لا يليق إطلاقه هنا، ولو مجازاً وركاكته ظاهرة. قوله:(وقيل في قربه) يعني أنّ الجنب يستعار للقرب أو يستعمل له مجازاً مرسلا كما في الصاحب بالجنب فإنّ المراد به القريب، وهذا وان تبادر من الطاعة ونحوها فهو بعد التجوّز عن هذا يحتاج إلى تجوّز آخر وهو وجه تضعيفه، وقوله إما تتقين الله الخ البيت من قصيدة لجميل بن معمر الشاعر المشهور أوّلها:
وهاجك أم لا بالمداخل مربع ودار بأجراع العذيرين بلقع
وقوله: إن السماحة الخ من قصيدة لزيادة الأعجم مدح بها ابن الحشرج أمير نيسابور فهو شاهد للكناية التي قصد بها إثبات تلك الصفات لممدوحه بطريق الكناية لجعلثا لمحل هو فيه، وهو أبلغ من وصفه بها. قوله تعالى:( {وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} (إن مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة، وقوله: بأهله أي أهل الله وهو شامل للأندجمياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين وأهل القرآن فلذا اقتصر عليه المصنف لشموله لأقوال أخر ذكرها غيره، وقوله: بالإرشاد إلى الحق فالهداية بمعنى الدلالة الموصلة، ولم يفسره بخلق الاهتداء فيه وان كان سبباً للتقوى أيضاً لأنّ هذا أنسب بالشرطية، وهو المطابق للرد بقوله بلى والظاهر إنّ هذه المقالة في الآخرة. قوله تعالى: ( {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} ) أي رجوعاً إلى الحياة الدنيا ولو للتمني ولذا نصب جوابها، وقوله: وأو الخ يعني إنها لمنع الخلوّ فيجوز اجتماع بعضها وكلها في بعضهم، وانما
أتى بمانعة الخلوّ لأنها تكفي في الداعي إلى الإنابة والاتباع والتخير في الجميع، والتعلل في الثاني كما سيصرّح به ويجوز أن يكون في الأخير. قوله:(ردّ من الله الخ) جعله متضمنا للنفي لأنّ بلى لا تكون إلا بعد النفي لكنه لا يشترط فيه أن يكون صريحا كما أشار إليه المصنف. قوله: (وفصله عنه الخ) دفع للسؤال المقدر، وهو أنه كان ينبغي أن لا يفصل بينهما فإن خشي من الفصل بين أقسام الترديد ورد عليه إنه لو أخر الثاني لم يلزمه محذور فأشار إلى أنّ فيه محذوراً آخر، وهو ثشويش الترتيب الطبيعي كما أشار إليه بقوله: لأنه يتحسر الخ وبيانه كما في شرح الكشاف: أنّ التحسر على التفريط في الطاعة عند تطاير الكتب والتعلل بفقد الهداية عند مشاهدة كرامة المتقين، وتمني الرجعة
يكون بعد الوقوف على النار وتحقق أن لا جدوى للتعلل، وهذا كله مأثور ومصرّح به في مواضمع من التنزيل. قوله:(وهو لا يمنع تأثير قدرة الله تعالى في فعل العبد الخ) جواب عن استدلال المعتزلة بهذه الآيات على أنّ العبد مستقل في إيجاد أفعاله فأشار إلى أنه لا ينافي مذهب أهل الحق من أنّ فعل العبد بقدرة من الله وتأثيره، وكذلك إسناده إلى العبد فيها فإنه باعتبار قدرته الكاسبة، وقوله على المعنى لأنّ المراد بالنفس الشخص وان كان لفظ النفس مؤنثاً سماعيا. قوله:(بأن وصفوه بما لا يجورّ الخ (فيه رد على الزمخشري فيما أدرجه في النظم من التعصب لمذهبه في نفي الصفات وخلق الأفعال، وقوله بما ينالهم من الشدة التي تغير ألوانهم حقيقة إذ لا مانع منه، وقوله: أو بما يتخيل الخ فلا تكون مسودّة حقيقة لكنهم لما يلحقهم من الكآبة وبظهر عليهم من آثار الجهل بالله يتوهم فيهم ذلك فمسودّة على هذا استعارة، وقوله من رؤية البصر لأنها لو كنت علمية كانت الجملة في محصل نصب على أنها مفعول ثان لها، وقوله الظاهر الخ لأنّ المقصود تفضيحهم وتشهير فظاظة حالهم فالمناسب جعلها مرئية مشاهدة وكون المقصود رؤية سواد وجوههم لا ينافي الحالية كما توهم لأن القيد مصب الفائدة. قوله: (اكتفى فيها الخ) هذا مناف لما قدمه في الأعراف من أنه غير فصيح، وان كان غير مسلم والاعتذار بأنه تركت فيه الواو لئلا يجتمع واوان وهو مستقل أو أو بأنه ليس على إطلاقه كما مرّ فيه بحث ولو جعلت مستأنفة سلم عن التكلف، وقال الزجاج إنّ هذه الجملة بدل من الذين كذبوا لأنهم جوّزوا إبدال الجملة من
المفرد فلا حاجة لتأويله بأن المراد إنها في مقام البدل لكونها مقصودة. قوله:) وهو تقرير لأنهم يرون كذلك (لأن من تحقق عذابه يكون كذلك، وقوله: وقرئ ننجي أي بالتخفيف والقراءة الأخرى بتشديد الجيم. قوله: (بفلاحهم) من قولهم فاز بكذا إذا ظفر به فوزاً ومفازة فهو مصدر ميميّ والفلاح الظفر بالمراد، وقوله وتفسيرها الخ يعني أنها عامّة لكل فوز سواء كان خلاصاً من المكروه أو ظفرا بالمطلوب والنجاة من الهلاك والعذاب أهمّ لأنها يتوقف عليها ما عداها وضمير أقسامه للفلاح، أو للمفازة لتأويلها به والسعادة إما ما يقدر له منها حتى يكون سعيداً في بطن أمّه أو التلبس بالأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة، وهي المرادة من قوله السعيد قد يشقى والمراد الأوّل هنا. قوله:(تطبيقاً له بالمضاف إليه (أي ليكون على طبقه في الدلالة على التعدد صريحا والا فالمفازة صادقة على الكثير وأفردت لعدم اللبس إذ لا يتصؤر أن يكون لهم فوز واحد بالشخص. قوله:) والباء فيها للسببية الخ (قال السعد رحمه الله: ما حاصله إنّ المفازة الفوز والفلاح فإن استعمل بالباء فمعناه الظفر وبمن فمعناه النجاة، والخلاص فباء بمفازتهم إمّا للسببية على حذف مضاف أي بسبب مفازتهم الذي هو العمل الصالح، أو على التجوّز بالمفازة عن سببها وعلى التقديرين سببيته، إمّا للفوز من الهروب وهو النجاة أو للفوز بالمطلوب وهو الفلاح فالوجوه أربعة والتغاير بينها ظاهر والتفسير الأوّل هو كون الباء للملابسة، والثاني كونها للسببية على حذف المضاف أو التجوّز وقد يتوهم إن جعل المفازة منجاة تجوّز وليس بذاك اهـ، إذا عرفت هذا فأعلم إنه قيل إنّ الأظهر على كون الباء صلة لننجي على الأوّل وهو تفسيره بالفلاح أن تكون الباء للاستعانة أو للملابسة وكونها للسببية يحتاج لتكلف التأويل لأن المعنى ننجيهم ملتبسين بالظفر بما يريدونه، وليس بشيء لأن المصنف لم يفسر الفلاج كما في الكشاف، وهو الذي غره ولك أن تحمله على معنى يناسب السببية من غير تكلف. قوله:) أو استئناف لبيان المفازة) فهو في جواب سؤال تقديره ما مفازتهم، والباء تتعلق حينئذ بننجي لا غير ولظهوره لم يذكره المصنف وهو جار على الاحتمالات لا يحتاج لتخصيصه ببعضها كما توهم، وان اختلف فيه السؤال المقدر، وقوله من خير وشر الخ ردّ على الزمخشري والمعتزلة، وقوله يتولى التصرف الخ يعني أن الوكيل في اسمائه تعالى بمعنى المتصرف، وإنما عبر به للدلالة على أنه الغنيّ ا- لمطلق والنافع والضار راجعة للعباد فتدبر. قوله:(لا يملك أمرها ولا يتمكن من التصرف فيها غيره) كلامه لا يخلو
عن النظر لأن الظاهر إن ملكها والتصرف ليس هو اختصاصه أو ملكه لمفاتيحها بل لازمه فيكون معنى كنائيا أيضاً، والقدرة والحفظ لها مغاير له أيضا، ولما فسره به وإن كان بينهما تلازم ولم يبين دلالته على الأوّل، وكونها مجازاً أو حقيقة وكناية
والزمخشري اقتصر على تفسير واحد وجعله كناية ولا غبار عليه لجواز أن يكون لها مفاتيح، أو خزائن في قبضة قدرته فإن لم يكن ذلك فهو بناء على عدم اشتراط جواز إرادة المعنى الحقيقي، أو هو مجاز متفرع على الكناية وهم يسمونه كناية فإمّا أن يكون الأول كناية اشتهرت فنزلت منزلة مدلوله الحقيقي، وكني به عن معنى آخر فيكون كناية على كناية وقد صرح به بعض المتأخرين أو الأول مجاز كني به بعد التجوّز عن معنى آخر كما مرّ في قوله:{نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 223] فتذكره. قوله: (وفيها مزيد دلالة الخ) زاد المزيد لأنّ اللام والتقديم دالان عليه بل معناه أيضا صريح في الحصر كما أشار إليه بقوله لأنّ الخزائن الخ، وهو توجيه للكناية أيضا، وقوله وهو جمع الخ بناء على أنه عربي مأخوذ من التقليد بمعنى الإلزام، ومنه تقليد القضاء وهو إلزامه النظر في أموره ومنه القلادة للزومها للعنق فجعله اسم آلة للإلزام بمعنى الحفظ، وإن كان بعيداً وكونه معريا أشهر وأظهر، وهو بلغة الروم إقليدس وكليد واكليد مأخوذ منه لكن جمع إفعيل على مفاعيل مخالف للقياس كما جمع ذكر على مذاكير فقوله على الشذوذ متعلق بقوله جمع وجاء أقاليد على القياس، وقيل إنه لا واحد له، وقوله من قلدته بالتشديد إذ ليس في اللغة قلد بهذا المعنى فمن ضبطه بالتخفيف لم يصب غايته إنه مخالف للقياس. قوله: (وعن عثمان رضي الله عنه الخ (هو حديث ضعيف في سنده من لا يصح روايته وقول ابن الجوزي إنه موضوع غير مسلم وموضوعاته أكثرها منتقدة، وقوله من تكلم بها أصابه ذلك الخير إشارة إلى وجه التجوّز وإطلاق المقاليد على هذه الكلمات بأنها موصولة إلى الخير كما يوصل
المفتاح إلى ما في الخزائن. قوله: (متصل بقوله وينجي الله الخ) أي معطوف عليه لأنّ العطف يسمى، وصلا عند أهل المعاني وجه الاتصال ما بينهما من التقابل، وإن اختلفا اسمية وفعلية كما سيأتي والجملة المعترضة قول الله خالق الخ، ولما كانت الجملة المعترضة تؤكد ما اعترضت فيه بين ذلك بقوله لأنه مهيمن أي مراقب لهم ومجاز على ما يطلع عليه منهم، وهذا يقوي ثواب المؤمنين وفلاحهم وعقاب الكفرة، وخسرانهم ولكون الاعتراض يفيد التأكيد سقط ما يتوهم من أنه لا داعي للفصل بينهما. قوله: (وتغيير النظم الخ (ليس المراد بتغيير النظم العدول عن الفعلية إلى الاسمية كما توهم، وان كان لا بد له من نكتة أيضاً وفيما ذكر إشارة ما لها بل إنه لما كان نكتة العطف تقابلهما وتضاذهما كان مقتضى الظاهر أن يت! ال ويهلك الذين كفروا بخسرانهم فعدل عنه لما ذكر من أنّ العمدة في فوز المؤمنين فضله تعالى فلذا جعل نجاته مسندة له تعالى حادثة لهم يوم القيامة ثابتة قبل ذلك بالاستحقاق، والأعمال بخلاف هلاك الكفرة فإنهم قدموه لأنفسهم بما اتصفوا به من الكفر والضلال فلذا لم يسنده له تعالى، ولم يعبر عنه بالمضارع أيضا والتصريح بالوعد من قوله: ننجي الخ ظاهر والتعريض بكونهم خاسرين فإنه لم يقل هالكون، ولا معذبون ونحوه فسقط ما قيل التصريح، والتعريض يحصل إذا قيل الله ينجي الخ وخسر الذين كفروا الخ فلا يتم ما جعل علة للتغيير، وقوله: قضية للكرم منصوب على أنه مفعول له وفي نسخة للكرام. قوله: (أو بما يليه (معطوف على قوله بقوله أي متصل بما وقع قبله من غير فاصل كما في ذلك الوجه، وهو قوله:{اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} الخ وقيل على قوله مقاليد وقيل على مقدر تقدير. فالذين اتقوا هم الفائزون والذين كفروا، وقوله والمراد الخ قيل إنه مبنيّ على الوجه الثاني وفيه نظر، وقوله وتخصيص الخسار كما يفيده تعريف الطرفين وضمير الفصل المفيدين للحصر لكنه باعتبار النهاية والكمال لا باعتبار مطلق الخسران فإنه لا يختص بهم ويجوز أن يكون قصر قلب فإنهم يزعمون المؤمنين خاسرين. قوله: (أفغير الله أعبد الخ الو أسقط الفاء كان أولى فغير مفعول مقدم لاعبد، وقوله بعد هذه الدلائل من فاء التعقيب الداخلة على غير وهذا على القول بعدم تقدير معطوف عليه فإن قيل: بتقديره فهذا معلوم من ذكره بعده والمواعيد ما بشر به المتقون وأنذر به الكافرون، وتعقيب الأمر لأنّ المراد به الأمر بالعبادة فتعقيب المأمور به يستلزم تعقيبه والا فهذا غير لازم في كل
اعتراض ضاهاه، وليس هذا من كون جملة تأمروني حالاً من فاعل أعبد كما توهم مع ما قيل إنه مرجوح لأنّ الإنكار ينصب على القيد فيوهم أن عبادة غير الله ليست منكرة مطلقاً بل من حيث أمرهم بها، وقوله: استلم أي قبل أمر من الاستلام، وهو التقبيل
لليد التي تمسه أو تشير له مشتق من السلامي، وهو البنان أو من السلام بالكسر وهي الحجارة والدلائل ما في الآيات السابقة، وقوله لفرط غباوتهم متعلق بقوله أمروه عقيب ذلك. قوله:) بما دل عليه تأمروني أعبد الخ) يعني أصله تأمروني أن أعبد فحذفت إن وارتفع الفعل ولما كان المقدر كالموجود وأن لا يعمل ما بعدها فيما قبلها لم يجر نصبه بأعبد حينئذ جعله منصوبا بمقدر دل عليه مجموع الكلام، وهو تعبدونني بالتشديد أي تصيرونني عابداً غير الله وهو مختار الزمخشريّ، وقد منعه غيره بأنه لا حاجة لهذا التكلف بل هو منصوب بأعبد واًن بعد الحذف يبطل حكمها المذكور، وفيه وجوه أخر في الإعراب. قوله:(ألا أيهذا الزاجري الخ) تقدم الكلام عليه وأنّ أحضر يروى بالرفع والنصب، وقيل الفعل جزم بمعنى المصدر والوغى الحرب، وقوله: بحذف الثانية هو أحد قولين فيها لأنها التي حصل بها الثقل، وقيل: الأولى لأنها حرف إعراب عرضة للتغيير، وهو سهل، وهو بيت من معلقة طرفة بن العبد المشهورة وتمامه:
وأن أشهدا للذات هي أنت مخلدي
قوله:) كلام على سبيل الفرض الخ (يعني أن تقتضي احتمال الوقوع، وهو هنا مقطوع بعدمه فكان الظاهر لو دون إن فأجاب بأنه يكفي احتماله، ولو فرضا ولا يلزم وقوعه، وهذا شأن أداة الشرط مطلقا فإنها لا تدل على وقوع المقدم، وهو مصحح له والمرجح إنه قصد به تهييجهم ونحوه مما ذكر، وقوله: والإشعار ضمنه معنى التنبيه، ولذا عداه بعلى وهذا الوجه لا يلزم اطراده حتى يعترض عليه بأنه لا يستقيم على الوجه الأوّل لإطلاق الإحباط كما قيل، ومن هذا علمت أن استدلاله في المواقف بهذه الآية على جواز صدور الكبائر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا وجه له. قوله: (وأفراد الخطاب (في أشركت وكان الظاهر أشركتم، ولكنه بتأويل أوحى إلي كل واحد منهم مثل هذا أو قيل لكل واحد منهم: لئن أشركت الخ، ويجوز أن يكون فيه حذف والأصل أوحي إليك لئن أشرّكت الخ وإلى الذين من قبلك مثل ذلك، وهو
ظاهر ما في الكشاف. قوله: (واللام الأولى موطئة الخ) الأولى لام لئن، والأخريان وفي نسخة الأخيرتان هما ما بعدهما وأمّا اللام الداخلة على لقد فقسمية من غير شبهة، ولما كانت المعطوفة كذلك سأل الزمخشري عن اللامين، وقيل إنه لم يقل والثانية كما في الكشاف لئلا يتوهم أنّ المراد بالأولى لام لقد ولعمري إنّ من يتوهم مثله لا يفهم الكشاف، ولا يليق به مطالعته. قوله:(وإطلاق الإحباط الخ) يعني لم يقيد بالاستمرار عليه إلى الموت فإنه هو المحبط في الحقيقة إمّا لأنّ ردّة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام محبطة مطلقاً لو وقعت، وان كانت مما لا يتصوّر فيهم صلوات الله وسلامه عليهم، أو لأنّ هذا القيد معلوم فلذا ترك التقييد به اعتمادا على التصريح به في آية أخرى وإنما يحتاج إلى هذا على مذهب الشافعي فإن الردة عنده لا تحبط العمل السابق عليها ما لم يستمر على الكفر إلى الموت فيحمل المطلق هنا على المقيد أمّا عندنا فهي مبطلة له مطلقاً لكنه لا يقضي منها غير الحج كما صرّج به الفقهاء، والحاصل أنّ الأعمال الصادرة حال الكفر محبطة بالاتفاق السابقة عليه أيضا عند الحنفية كما صرّح به في الكشف. قوله:) وعطف الخسران عليه الخ) يعني إنه يحتمل أن يكون الخسران بسبب الحبوط لكنه كان الظاهر أن يقول فيكون من الخاسرين فترك الفاء، واعادة اللام معه تقتضي أنه خسران آخر غير حبوط العمل لكنه إنما عطف بالواو دون الفاء إشعاراً باستقلال كل منهما في الزجر عن الشرك فالمراد بالخسران على مذهبنا ما لزم من حبوط العمل لا الخلود في النار حتى يلزم التقييد بالموت كما هو عند الشافعي فالوجه الثاني، أوفق بمذهبه فكان عليه أن يذكره. توله تعالى:( {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} ) في هذه الفاء وجوه ثلاثة فقيل: هي جزائية في جواب شرط مقدر أي إن كنت عابداً أو فاعلاً شيئاً فاعبد الله وهو مذهب الزجاج، وعند الفراء والكسائي: التقدير اعبد فأعبده فالفاء زائدة عندهما بين المؤكد، والمؤكد كما نقله الفاضل اليمني وقدر الفعل مؤخراً ليفيد الحصر، وحكى في الانتصاف عن سيبويه أنّ تقديره تنبه فاعبد الله فهي عاطفة وقدم المفعول لئلا تقع الفاء في صدر الكلام، وليفيد الحصر ويكون عوضا عن المحذوف هذا حاصل ما نقله شارح الكشاف هنا عن النحاة. قوله: (ردّ لما أمروه به (من قولهم: استلم
بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك كما مرّ، وقوله: لم يكن كذلك أي لم يكن رداً عليهم فيما أمروه به فإنهم لم يأمروه بترك عبادة الله بل باستلام آلهتهم، والشرك والدال صريحاً على نفي الشرك تقديم المفعول الدال على الاختصاص وأمّا دلالة المقام والمفهوم فغير مطردة فيبقى احتمال الشريك معه، وبل لا يلزم أن تكون لإبطال ما قبلها لأنه تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه مع أنّ الإضراب قد يكون انتقالياً فلا يرد عليه شيء.
قوله: (وفيه إشارة إلى موجب الاختصاص) أي إلى ما يوجب اختصاص الله بالعبادة المذكور قبله أي أنه أنعم عليك بجلائل النعم التي يجب شكرها إذ خلقك وجعلك سيد البشر وأفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهو إشارة إلى ارتباطه بما قبله وموجب بالكسر وهو كونه المنعم دون غيره. قوله:(ما قدروا) بالتخفيف والتشديد وهو بيان لحاصل المعنى، وهو إنهم لم يتصوّروا عظمة الله ولم يعظموه كما هو حقه فقدروا مجاز بمعنى عظموا أو هو بتقدير مضاف فيه، ومرّ في الأنعام تفسير قدروا بعرفوا، وقوله: والأرض الخ جملة حالية. قوله: (ثنبيه على عظمتة الجعل هذه الأجرام العظيمة كقبضة واحدة والسموات كورقة تطوى بسهولة، وقوله وحقارة الأفعال العظام وهي تخريب هذا العالم بعدما أوجده، وما فيه من المصنوعات ولو لم تكن حقيرة عنده ما بددها بعدما أوجدها، وقوله بالإضافة متعلق بحقارة، وقوله: أهون شيء عليه مأخوذ من التعبير بالقبضة والطيّ. قوله: (على طريقة التمثيل والتخييل الخ (متعلق بقوله: تنبيه ودلالة قيل المراد إت استعارة تمثيلية مثل حال عظمته ونفاذ قدرته بحال من يكون له قبضة فيها الأرض، ويمين بها تطوى السموات والمراد بالتخييل ما يقابل التصديق كما في قولهم الناس للتخييل أطوع منهم للتصديق وهو ما سلف من المقدمات المتخيلة لا تخييل الاستعارة بالكناية كما جموهمه تشبيهه بقولهم شابت لمة الليل، فما قيل في كتب القوم: إنّ. القياسات الشعرية وإن أفادت الترغيب والترهيب لا تنبغي للنبي صلى الله عليه وسلم لأنّ مدارها على الكذب، ولذا قيل أعذبه أكذبه ممنوع اهـ وأعلم أن المراد أنه استعارة تمثيلية تخييلة فإنّ التمثيل يكون بالأمور المحققة كما في أراك تقدم رجلا، وتؤخر أخرى ويسمى تمثيلا تحقيقيا وقد يكون بالأمور المفروضة ويسمى تمثيلا تخييلياً! ، وقد بسطه في الكشاف أحس! ن بسط فالتخييل له ثلاث معان التمثيل بالأمور المفروضية وفرض المداني! الحقيقية وقرينة المكنية هذا زبدة ما حققه الشريف في شرح المفتاح إذا عرفت هذا فما ذكره هذا القائل فيه أمور منها أنه خالف ما ذكره في السجدة إذ جعل التخييل غير التمثيل، ومنها أنه ناشىء من عدم الفرق بين معنصي التخييل، وانه في أحدهما بقصد ما يخله ظاهره من غير تصديق وتأويل فلذا يلحق بالكذب، وهو الشعري وفي الآخر يقصد معنى صعحيح بليغ كتصوير أثر القدرة بأحد طرق الدلالة، وهو مراد السعد وهذا ظن إنّ كل تخييل شعري كاذب وهو مخالف للمعقول والمنقول، وما ذكره من المنع لا يخلو إما أن يريد مغ مصطلح الميزان من تخصيصه بالكاذب أولاً ويقول هو واقع في الكلام المذكور لا سبيل إلى الأوّل إذ لا مشاحة في الاصطلاح، ولا إلى الثاني فإنه بعد تسليم
كذبه كيف يقع في أصدق الكلام، ثم إنه يجوز حمل كلام المصنف رحمه الله على أنه استعارة تمثيلية وتخييلية ويكون التمثيل في كلامه بمعنى مطلق التشبيه كما ذكره الطيبي رحمه الله. قوله:(من غير اعتبار القبضة الخ (كونه غير مراد ذلك به حفيقة كما مز ظاهر وإمّا كونه لا يراد به معنى مجازي كأن يراد بالقبضة الملك أو التصرف، وباليمين القدرة مثلاً كما ذهب إليه بعضهم فيجوز لكن الأوّل أبلغ فلذا اختاروه هنا، وقوله شابت لمة الليل اللمة بالكسر الذؤابة التي تلم بالمنكب والمراد إنه ابيضت ظلمته بطلوع الفجر، وهو استعارة مكنية وتخييلية ويجوز كونها تصريحية وتمثيلية، وقوله من القبض أي الأخذ، وقوله بمعنى القبضة بالضم وهي المقدار المقبوض فهو صفة مشبهة وظاهر كلام الزمخشري إنها في الأصل مصدر وأراد بالتسمية الإطلاق عليه مجازاً، وقوله: تشبيها للمؤقت بالمبهم جواب عما قيل إنه ظرف مختص فيجب التصريح فيه بفي بأنه قد يشبه بغيره فينصب عند الكوفيين، والبصريون يقولون إنه خطأ غير جائز وهو الصحيح. قوله: (وتثيد الأرض بالجميع) أراد به التأكيد اللغوي لا الاصطلاحي لأنه حال من المبتدأ عند من يجوزه أو من
الضمير المستتر في قبضته لكونها بمعنى مقبوضة أو من مقدّر كأثبتها كما قيل، والأرضون بفتح الراء ويجوز تسكينها والفائدة بمعنى الحقيقة، وفيه إشارة إلى أنه لا يدل على أن الأرض طبقات لأنه غير متعين. قوله:) على أنها حال (إما من المبتدأ كما مرّ أو من الضمير المذكور، وقوله: بيمينه يحتمل تعلقه بمطويات وأن يكون خبرا والحال حينئذ يحتمل أن تكون من الضمير المستتر فيه إن قلنا بجواز تقدم مثله لكن المصنف رحمه الله لم يرتضه، وقوله منظومة في حكمها أي مجموعة معها على أنها مبتدأ خبره قبضته فالمراد بالحكم ظاهره أو المحكوم به، وهو الخبر وقيل معناه مشاركة لها في حكمها من مجيء الحال قبل الخبر، وهو تعسف غير مرضى له. قوله:) ما أبعد وأعلى الخ (إشارة إلى أن سبحانه هنا للتعجب منهم، وإنّ عن متعلقة به لتأويله بما ذكر وإنما تحتمل المصدرية والموصولية. قوله: (يعني المرة الآولى) يعني النفخة الأولى، وقد اختلف في عدد النفخات فقيل هي ثلاث: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث وقيل: هما نفختان ونفخة الفزع هي نفخة الصعق والأمران لازمان فيهم ففزعوا حتى ماتوا قال القرطبي في التذكرة: والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة إنهما نفختان لا ثلاث فالأولى يميت الله بها كل حيّ والثانية
يحيي الله بها كل ميت وقوله: خر ميتاً وفي نسخة خروا وهي تحريف، وقوله: مغشياً عليه في نسخة عليهم باعتبار معنى من وصعق يكون بمعنى مات وغشى عليه، ولذا فسره المصنف وحمه الله بهما. قوله:(أو منشياً عليه) ههنا إشكال أورده بعض السلف، وهو أن نص القرآن يدل على أنّ هذا الاستثناء بعد نفخة الصعق، وهي النفخة الأولى التي مات منها من بقي على وجه الأرض والحديث الصحيح المروي في الصحيحين والسنن وهو أنه لمجم تلا هذه الآية وقال:" فثون أوّل من يرفع رأس فإذا موسى عليه الصلاة والسلام آخذ بقائمة من قوائم العرس فلا أدري أرفع رأسه قبل أو كان ممن استثنى الله " فإنه يدل على أنها نفخة البعث وما قيل إنه يحتمل أنّ موسى عليه الصلاة والسلام ممن لم يمت من الأنبياء باطل لصحة موته، وقال القاضي عياض: يحتمل أن تكون هذه صعقة فزع بعد النشرحين تنشق السموات والأرض فتتوافق الآيات والأحاديث قال القرطبي: ويرده ما مرّ في الحديث من أخذ موسى عليه الصلاة والسلام بقائمة العرس فإنه إنما هو عند نفخة البعث، وأيضا تكون النفخات أربعا ولم ينقله الثقات فمن حمل قول المصنف رحمه اللّلا مغشيا عليه على غشي يكون من نفخة بعد نفخة البعث للإرهاب والإرعاب فكلامه مردود بما عرفت، ومن الغريب إن بعضهم جعلها بحديث أبي هريرة رضي الله عنه خمساً وقد سمعنا بمن زاد في الطنبور نغمة ولم نسمع بمن زاد في الصور نفخة قال القرطبي: والذي يزيح الإشكال ما قاله بعض مشايخنا إن الموت ليس بعدم محض بالنسبة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء فإنهم موجودون أحياء وان لم نرهم فإذا نفخت نفخة الصعق صعق كل من في السماء والأرض وصعقة غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام موت وصعقتهم غشي فإذا كانت نفخة البعث عاس من مات وأفاق من غشي عليه، ولذا وقع في الصحيحين (فثون أوجل من يفيق (إذا عرفت هذا فأوفي كلام المصنف رحمه الله للتقسيم، والمراد إنّ أهل السماء والأرض عند نفخة الصعق منهم من يخرّ ميتا كمن على ظهر الأرض من الناس، ومنهم من يغشى عليه كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبعض الملائكة فتأمّل. قوله: (قيل جبريل وميكائيل عليهما الصلاة والسلام الخ (وقيل الملائكة وقيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء، وقيل إنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح، وقوله وهي تدل الخ وجه الدلالة إن العطف يقتضي المغايرة فلو أريد المطلق الشامل للأخرى لم يكن لذكرها هنا وجه، ونصب أخرى على أنها صفة مصدر مقدّر أي نفخة أخرى والرفع على أنه صفة
لنائب الفاعل وعلى الأوّل كان النائب عنه الظرف. قوله: (قائمون من قبورهم الخ (القيام يكون في مقابلة الجلوس والاضطجاع ويكون في مقابلة الحركة بمعنى الوقوف، وهما مناسبان لنفخة الفزع فلذا جوّزهما، وقوله حال من ضميره قدم للفاصلة، ولم يجعله حالاً منهم لأنها لا تكون من المبتدأ عند الجمهور ويجوز نصبه على المصدرية لمقدر من لفظه، وقوله يقلبون الخ لأن النظر بمعنى الرؤية لا فائدة فيه هنا فلذا أوله بما ذكر فهو بمعنى حيارى أو ينتظرون ما يحل بهم. قوله:
(لأنه يزين البقاع الخ) المراد بتزيين البقاع كونها معمورة محفوفة بالأبنية والزروع، وظهور الحق ظاهر في الدنيا والآخرة وكذا جعل الظلم ظلمة فإنه يقبح البقاع في الدنيا لتخريبه لها، والجامع بينهما مجرّد القبح فيهما وكذا ستر الحقوق ني نه بمعنى أنه يستر عنه ما كان يستحقه لو لم يكن ظالما كدخول الجنة، ونحوه وليس المراد إخفاء حقوق الناس التي عند الظالم كما توهم فقيل إنه لا يكون ذلك يوم القيامة، وقوله ولذصك الخ أي لأن المراد بالنور هنا العدل أضاف اسمه تعالى إلى الأرض فقال ربها وخص الربوبية بها مع أنه رب كل شيء لأنه يظهر فيها بسطه وعذله، وينتشر فيها ولولا ذلك لم تحسن هاء الإضافة كما قيل، وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم يحسن الوجه المذكور بعده، وقوله: أو بنور الخ لأنه بعدما شققت السماء ونثرت الكواكب، ثم يجعلها منيرة بنور آخر ولذا إضافة لله لأنه ليس بواسطة من مخلوقاته ووجه التأييد أنه على حقيقته، والإضافة للاختصاص التام فيدل على ما ذكر، وأما جعل الزمخشري هذه الإضافة مؤيدة لأنّ المراد بالنور العدل فلأنه إذا أضيف إليه أو أطلق عليه تعالى فليس بمعناه الحقيقي كما ورد في مواضع من التنزيل فلا ينافي ما ذكره المصنف حرمه الله، وليس فميا ذكر رد عليه كما قيل فإن لكل منهما وجهة. قوله: (الحساب والجزاء (فالكتاب
مجاز عن الحساب، وما يترتب عليه من الجزاء ووضعه ترشيح له والمراد بوضعه الشروع فيه ويجوز جعله تمثيلا لكن عبارة المصنف رحمه الله لا تلائمه، وقوله: اكتفى الخ أي على الوجه الثاني إذ على الأول لا يحتاج للتوجيه فتعريفه للجنس أو الاستغراق، وقوله: للأمم وعليهم متعلق بالشهداء على أنه جمع شاهد وفي الوجه الذي بعده هو جمع شهيد، وقوله بين العباد فالضمير لما فهم من السياق، وقوله: جزاءه على الوجهين من التقدير والتجوّز، وقوله: على ما جرى به الوعد وإلا فلو نقص أو زيد لم يسم ظلما عند أهل الحق وإنما هو من سبق وعده بذلك، وقوله ثم فصل ولا يتوهم إنه كان يلزم الفاء لأنه ليس بلازم، وقوله على تفاوت اقدامهم الخ يشير إلى وجه جعلهم زمراً متفرّقة بأنّ أفعالهم ومللهم متغايرة فسيق كل مع حزبه وضمير هي للزمرة وقد سقط هذا من بعض النسخ قيل، وهو أحسن لأنّ العلة غير مناسبة للمقام وفي بعض النسخ هنا تقديم، وتأخير وتفاوت سهل، وقوله أو من قولهم شاة زمرة فهو لما بينهما من مناسبة القلة والأول لما يلزم من الأصوات والزمرة بضم فسكون. قوله:) حتى إذا جاؤها الخ) قال في حق هؤلاء فتحت بدون واو وفي حق أهل الجنة بالواو فظنها بعضهم واو الثمانية لأنّ المنفتح لهم ثمة ثمانية أبواب، وهنا سبعة لكنه بدون واو وفي حق أهل الجنة بالواو فظنها بعضهم واو الثمانية لأنّ المنفتح لهم ثمة ثمانية أبواب، وهنا سبعة لكنه قول ضعيف، والصحيح في وجهه أنّ الواو ثمة حالية إشارة إلى أنها تفتح لهم قبل قدومهم تكريما لهم كما تفتح الأبواب لمن يدعي للضيافة، وهذه كأبواب السجن لا تترك مفتوحة بل تفتح بعد مجيئهم، ثم تغلق والكلام على إذا الواقعة بعد حتى مرّ تفصيله في سورة الأنعام. قوله:) وقتكم هذا الخ) يعني أنّ اليوم فيه بمعنى الوقت لا بمعناه المعروف في أيام الدنيا لأنه غير مراد ولا يوم القيامة أو يوم الآخرة لأنّ المنذر باقي الحقيقة العذاب ووقته ويجوز أن يراد به يوم القيامة والآخرة لاشتماله على هذا الوقت، أو على ما يختص بهم من عذابه وأهواله ولا ينافيه كونه في ذاته غير مختص بهم، والإضافة لامية تفيد الاختصاص كما قيل لأنه يكفي للاختصاص ما ذكر نعم الأول أظهر في الاختصاص. قوله:) وفيه دليل على أنه لا تكليف قبل الشرع الأنهم وبخوهم بكفر هم بعد تبليغ الرسل للشرائع وانذارهم ولو كان ذلك معلوماً من العقل كما ذهب إليه المعتزلة لقيل: ألم تعلموا بما أوح الله فيكم من العقل قبح كفركم، وهو
دليل إقناعي لأنه إنما يتمّ على اعتبار المفهوم وعموم الذين كفروا وكلاهما في محل النزاع، وقوله: عللوا توبيخهم المراد به التعليل المعنوفي إذ هو في قوّة أن يقال: نوبخكم لإتيان الرسل وتبليغ الكتب وإنذارهم بما لم تمتثلوه أو تعملوا بمقتضاه، والاستفهام تقريري أو إنكاري والتعليل به يقتضي أنه الداعي لتعذيبهم، وأمّا كون الخطاب للداخلين عموما به يقتضي أنهم جميعاً أنذرهم الرسل ولو ثحقق تكليف قبل الشرع لم يكن الأمر كذلك، وإن لم يعتبر التعليل فللخصم أن لا يسلم العموم كما مرّ. قوله:(حقت) أي وجبت وكلمة العذاب من إضافة الدال لمدلوله كما أشار إليه بقوله كلمة الله الخ، وقوله: وهو الحكم الخ يعني المراد بكلمة الله حكمه عليهم بالشقاوة المقتضية للعذاب، ولذا ذكر ضمير الكلمة
لأنها بمعنى الحكم رعاية للخبر، وقوله وضع الظاهر وهو على الكافرين موضع علينا ليدل على أنّ التوبيخ خاص بالكفرة، وإنّ ذلك الحكم لكونهم كفروا لئلا يلزم الجبر أو هو لتعميم الحكم لكل من كفر، وهو اعتراف لا اعتذار وذلك إشارة إلى الحكم. قوله:(وقيل هو قوله الخ (هو رد على الزمخشري حيث فسره بما ذكر ووجهه يعلم مما مرّ في تفسير الآية، وانها غير خاصة بالكفرة. قوله: (أبهم القائل) إذ أتى بفعله مجهولاً وأمّا دلالة عدم ذكر القائل على تهويل القول فلأن الإبهام يشعر بأنّ قائله لعظمته أو كثرته لا يصرّح باسمه، ومن هو كذلك يكون قوله واقعا لا محالة أو إنّ المقصود ذكر ما يهول في حقهم من غير نظر لقائله، ويحتمل أن القائل الخزنة وترك ذكرهم للعلم به مما قبله، وقوله: اللام فيه للجنس لأن فاعل هذا الباب يكون عامّا معزفا بلام الجنس أو مضافا للمعرّف بها، وقوله: سبق ذكره وهو جهنم وهذه اللام يحتمل أن تكون موصولة فإنها تفيد ما يفيده حرف التعريف، ويحتمل أن تكون حرف تعريف لأنه قصد بالوصف هنا الثبوت وهو ظاهر كلامه. قوله: (ولا ينافي إشعاره الخ (يعني أن ما سبق يدل على أنّ دخولهم النار لحكمه تعالى بشقاوتهم والتعليل بالمشتق يقتضي أنه لتكبرهم عن قبول الحق والانقياد للرسل المنذرين عليهم الصلاة والسلام فدفعه، بأن هذا مسبب عن ذاك فالسبب المجموع أو هذا سبب قريب وذاك سبب بعيد فلا تعارض بينهما كما بينه الحديث المذكور، ولا يخفى أن كلمة الله بمعنى حكمه عبارة عن قضائه بصدور تكبرهم وابائهم عن الإيمان الذي
هو فعل الله اختياري لهم، والقضاء به سواء كان بمعنى خلق الله ذلك الفعل فيهم أو علمه بأنه يصدر عنهم لا يسلب عزم العبد وكسبه كما تقرر في الأصول، فما قيل من أنه جبر صرف معارض لقوله على الكافرين الدال على تسبب حقية الكلمة عن كفرهم لا وجه له سواء كان كلامهم اعترافا أو اعتذاراً كما لا يخفى، وقوله في الحديث:" إن الله تعالى إذا خلق العبد للجنة " الخ أي قضى بسعادته أو شقاوته فعمل باختياره ما يوجب ثوابه أو عقابه ولا حاجة إلى دفع السؤال بالعكس بأن يقال كلمة العذاب حقت عليهم لتكبرهم وكفرهم فتدبر. قوله: (إسراعا بهم إلى دار الكرامة (جواب عما يقال من أنه عبر عن ذهاب الفريقين بالسوق، وهو مناسب في حق الجهنميين لما نجي السوق من الإزعاج وإشعاره بالإهانة بأنه شتان ما بين السوقين فإن الأوّل لتعجيلهم إلى العقاب والآلام وهذا لإسراعهم إلى الإكرام واختير للمشاكلة، وقوله: إلى الجنة يدفع إيهام الإهانة مع أنه قد يقال إنهم لما أحبوا لقاء الله أحبّ الله لقاءهم فلذا حثوا على دخول دار كرامته، ثم أجاب بجواب آخر اختاره الزمخشريمما بأنّ المراد هنا بسوقهم سوق دوابهم لأنه ورد في الحديث:" يحشر الناس على ثلاثة أصناف صنف مشاة وصنف ركبان وصنف يجرّون على وجوههم " والأوّل المخلطون والثاني المخلصون،
والثالث العصاة ومرضه لأنه لا قرينة في النظم عليه، ولأنّ الحديث خصه بصنف وما هنا عائم، وقوله على تفاوت مراتبهم الخ فلذا جعلوا زمراً، وكذلك يدعون من أبواب متعددة ومنهم من يسرع ومن يكون كالبرق الخاطف إلى غير ذلك في الأحاديث. قوله:(حذف جواب إذا الخ) لأنّ الحذف يشعر بأنه لا ينحصر ولا يحيط به نطاق البيان والدلالة على تقدم الفتح لأنه جملة حالية بتقدير قذفهم جاؤها بعدما كانت مفتحة لهم كما يدل عليه مقارنته للمجيء، والحال الماضية مشعرة بالتقدم واحتمال العطف الصادق بالمعية هنا مرجوح وهو كالممنوع في حكم البلاغة لأنه ورد في آية أخرى جنات عدن مفتحة لهم الأبواب والقرآن يفسر بعضه بعضا ومخالفته لما قبله لفظاً تقتضي مخالفته معنى، ولا يكون إلا بما ذكر إذ لو قصد المعية جعل جوابا لأنه يفيده فالقول بأنه بالعطف يتنم المرام من جملة الأوهام. قوله: (منتظرين (حال وهو بصيغة المفعول أو الفاعل من فاعل المجيء أو فتح المقدر فالمعنى أنّ خزنة الجنان فتحوها، وقفوا منتظرين لهم أو هي فتحت قبل مجيئهم بصفة الانتظار، وظاهر كلامه مشعر بأنّ الجواب مقدّر هنا فيكون قوله: وقال لهم الخ معطوفا على الجواب والزمخشري قدره بعد قوله خالدين، وكان المصنف خالفه لأنه يكون بعض الجواب مذكوراً وهذا أولى لكن ما ذكره الزمخشري، أقوى بحسب المعنى لأنه إذا قدر هنا فازوا بما لا يعد ولا يحصى من التكريم والنعيم صار قوله، وقال الخ مستغنى عنه بخلاف ما إذا قدر بعده
ولأن الظاهر أنّ هذه الجمل متعاطفة فالتقدير بينها خلاف الظاهر، وهذا هو مراد السعد بقوله إذ عنده يتمّ الشرط بذكر المعطوفات فلا يرد عليه المنع كما قيل. قوله: الا يعتريكم بعد مكروه) تفسر للسلام بأنه السلامة من كل مكروه سواء أكان خبراً أو إنشاء دعائياً لأن ما فسر به محتمل لهما أيضاً فليس الأوّل متعيناً كما قيل، وقوله: مقدرين الخلود بصيغة الفاعل أو المفعول إشارة إلى أنها حال مقدرة وقد مرّ الكلام عليه مفصلاً مراراً. قوله: (وهو لا يمنع دخول العاصي بعفوه) أي كونه سببا لا يمنعه بسبب عفوه لأنه أي العفو أو الله يطهره أي يطهر العاصي من قدر المعاصي بما أفاضه عليه من لطفه، وهو ردّ على الزمخشري إذ جعل هذه الآية دليلا على أنه لا بد من عدم
العصيان، أو التوبة لأنه لا يتحقق الطيب بدونهما وجملة طبتم تعليل لما قبلها وقوله: وقالوا معطوف على جملة قال أو على مقدر أي فدخلوها وقالوا. قوله: (على الاستعارة) في الأرض لتشبيه مقرّهم بأرض! الدنيا وإنّ أرض الآخرة التي يمشي عليها لا تسمى أرضا إلا مجازا، وهو خلاف الظاهر، ولم يجعله الزمخشريّ مجازا، ولك أن تجعل هذه الاستعارة في أورثفا فيكون توطئة لما بعده وقوله: مخلفة عليهم من، أعمالهم إشارة إلى أنه شبه نيلهم بأعمالهم لها بإرثهم من آبائهم فكان العمل آباؤهم كما قيل:
وأبى الإسلام لا أب لي سواه
وكما يقال الصدق يورث النجاة وقوله أو تمكينهم بناء على أنه لا ملك في الآخرة وإنما
إباحة التصرّف والتمكين مما هو ملك الله. قوله: (أي يتبوّأ كل منا ألخ) يعني لو حمل النظم على ظاهره، وأراد خلق كثير مكانا واحداً منها لزم تبوّء الجميع مكانا واحدا بالوحدة الحقيقية، وهو محال أو أن يأخذ أحدهم جنة غيره وهو غير مراد فدفعه بأنّ حيث يشاء عمومه ليس على الإطلاق بل المراد عموم نبوته في أي مقام كان من جنته التي عينت له لا من مطلق الجنة، ولا من جنات غيره المعينة لهم لكونها واسعة ينتقلون فيها لما يشتهون، والضمير في قوله من جنته لكل على التوزيع. قوله:(مع أنّ في الجنة مقامات معنوية الخ) جواب ثان وهو إشارة إلى ما قاله الإمام من أنّ لنا جنتين جسمانية وروحانية ومقامات الثانية لا تمانع فيها فيجوز أن يكون في مقام واحد منها ما لا يتناهى من أربابها، وهذه الجملة حالية والمعنى أورثنا مقامات الجنة المحسوسة حالة كوننا نسرح في منازل الأرواح كما نشاء، وقد قال بعض متألهي الحكماء الدار الضيقة تسع ألف ألف من الأرواح، والصور المثالية التي هي أبدان المتجزدين عن الأبدان العنصرية لعدم تمانعها كما قيل:
سمّ الخياط مع الأحباب ميدان
وهذا إن عد من بطون القرآن فلا كلام فيه والا فحمل الجنة على مثله مما لا تعرفه العرب ولا ينبغي أن يفسر به، والمقام الروحاني هو ما تدركه الروج من المعارف الإلهية، وتشاهده من رضوان الله ونفحات اللطف مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ومن لم يذق لم يعرف، ولا يرد على ما ذكر أنه يقتضي أنّ كل أحد يصل إلى مقام روحاني مع أنّ منها ما يخص الأنبياء المكرّمين، والملائكة المقربين والظاهر أنه لا يصل إليها كل أحد من العارفين، وقد قيل أيضا في الجواب أنهم لا يريدون غير ما لهم لسلامة أنفسهم وعصمة الله لهم عن إرادة
مثله، وقوله: الجنة هو المخصوص بالمدح المقدر، وقوله: محدقين الأحداق الإحاطة كما تحيط الحدقة بالعين، وهو من الحفاف بمعنى الجانب جمع حاف وقا الا السمين: قال الفراء وتبعه الزمخشريّ: لا واحد له أراد أنّ الواحد لا يكون حافا أي محيطاً إذ الإحاطة لا تتصؤر بواحد وإنما تتحقق الإحاطة بالجمع، وقيل: أراد أنه لم يرد به استعمال وكلاهما وهم لأنه لو صح هذا لم يصح أن يقال: طائفون ولا محيطون ونحوه مما يدل على الإحاطة والتخيل الذي ذكره من عدم فهم المعنى الموضوع له فإنّ الإحاطة بالشيء بمعنى محاذاة جميع جوانبه ومقابلته، ولا يلزم أن يكون في زمان واحد بل في درجات منه فإن من دار به فقد حاذاه جميع جزئيته تدريجا فيكون الحفوف، والطواف بمعنى الدوران حوله أو يراد بكونه محيطاً إنه جزء من المحيط وله مدخل في الإحاطة. قوله: (أو لابتداء الحفوف (فيكون الحفوف حينئذ بغير العرس فهو إمّا بالخلق وزيادتها على مذهب الأخفش وهو الأظهر، وقوله: ملتبسين بحمده فالجار والمجرور حال أيضاً والباء للملابسة، وقوله: حال ثانية إشارة إلى أن حافين حال أولى لأن رأي بصرية وكونها علمية بعيد، وقوله: أو مقيدة أي حال من الضمير في فيها فهي حال متداخلة وصفات