الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضع الثاني تأويل صفة الغضب والرضا والرحمة
في التعليق على "رياض الصالحين" للإمام النووي رحمه الله
* لمَّا أورد المؤلف النووي (1) رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لمَّا خَلَقَ الله الخَلْقَ، كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي" وفي رواية: "غَلَبَتْ غضبي" وفي رواية: "سبقت غضبي" متفق عليه (2).
(1)(ص 220) الحديث رقم (419). ط مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408هـ.
(2)
"صحيح البخاري"(3194) كتاب بدء الخلق: باب ما جاء في قول الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [سورة الروم، الآية: 27]، -وفي مواضع أخرى- "صحيح مسلم" (2751) كتاب التوبة: باب سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه.
• علَّق المحقق الشيخ شعيب الأرنؤوط على قوله: "سبقت غضبي" بما يلي:
"غضب الله ورضاه يرجعان إلى معنى الإرادة، فإرادته الإثابة للمطيع تسمى رضي ورحمة، وإرادته عقاب العاصي وخذلانه يسمى غضبًا، والمراد بالسبق هنا: كثرة الرحمة وشمولها" ا. هـ (1).
* قلت:
وهذا الكلام من المحقق الشيخ شعيب الأرنؤوط خلاف ما قرره أهل السنة والجماعة، فإنه قد أوَّل هنا صفة الغضب وصفة الرضا وهكذا صفة الرحمة، وأهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفات وغيرها مما جاء به الكتاب العزيز والسنة الصحيحة الشريفة بما يليق بكمال ذات الله تعالى وعظيم سلطانه سبحانه وتعالى.
ففي الغضب لم يقل أهل السنة والجماعة إن معناه إرادة عقاب الله للعاصي وخذلانه، بل هذه طريقة الأشاعرة
(1) وأورد نحو هذا التأويل -أيضًا- في تعليقه على "المسند"(12/ 248) رقم (7299) ط الرسالة الأولى.
والماتريدية، أما قول أهل السنة والجماعة في هذه الصفة فهو: أن الغضب صفة من صفات الله الفعلية الاختيارية يفعله متى شاء إذا شاء سبحانه وتعالى، وهكذا قولهم في صفة الرضا، لا كما قال الأستاذ شعيب الأرنؤوط بأن الرضا هو إرادة الله الثواب للمطيع.
قال الله -تعالى-: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [سورة النساء، الآية: 93]، وقال - تعالي-:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [سورة المائدة، الآية: 119]، وقال -سبحانه-:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [سورة الفتح، الآية: 18].
"فدلَّت هذه الآيات وما ماثلها على إثبات غضب الله ورضاه، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إنما جاؤوا بإثبات هذا الأصل، وهو أنَّ الله يحب بعض الأمور المخلوقة ويرضاها، ويسخط بعض الأمور ويمقتها، وأنَّ أعمال العباد ترضيه تارة وتسخطه أخرى"(1).
(1) ينظر: "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية"(3/ 82) لشيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله ط مكتبة الرياض. =
"ومذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب والرضا، والعداوة والولاية، والحب والبغض، ونحو ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة، ومنع التأويل الذي يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله تعالى، كما يقولون مثل ذلك في السمع والبصر والكلام وسائر الصفات، ولا يقال: إن الرضا إرادة الإحسان، والغضب إرادة الانتقام، فإن هذا نفيٌ للصفة، وقد اتفق أهل السنة على أنَّ الله يأمر بما يحبه ويرضاه -وإن كان لا يريده ولا يشاؤه- وينهى عمَّا يسخطه ويكرهه ويبغضه، ويغضب على فاعله -وإن كان قد شاءه وأراده- فقد يحب عندهم ويرضى ما لا يريده، ويكره ويسخط ويغضب لما أراده"(1).
ويقال لمن تأوَّل الغضب والرضا: لِمَ تأولتَ ذلك؟
فلابد أن يقول: لأن الغضب غليان دم القلب، والرضا: الميل والشهوة، وذلك لا يليق بالله تعالى.
= وفي طبعة جامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإِسلامية بالرياض، بتحقيق د. محمَّد رشاد سالم رحمه الله (ج5 ص 322).
(1)
والمراد بالإرادة في هذا الموضع: الإرادة الكونية القدرية، لا الشرعية.
فيقال له: غليان دم القلب في الآدمي أمرٌ ينشأ عن صفة الغضب.
ويقال له -أيضًا-: وكذلك الإرادة والمشيئة فينا هي: ميل الحي إلى الشيء أو إلى ما يلائمه ويناسبه.
فالمعنى الذي صرفت إليه اللفظ كالمعنى الذي صرفته عنه سواء، فإن جاز هذا جاز ذاك، وإن امتنع هذا امتنع ذاك.
فإن قالوا: الإرادة التي يوصف الله بها مخالفة للإرادة التي يوصف بها العبد، وإن كان كلٌّ منها حقيقة.
قيل له: فقل: إن الغضب والرضا الذي يوصف الله به مخالف لما يوصف به العبد، وإن كان كلٌّ منها حقيقة.
فإذا كان ما يقوله في الإرادة يمكن أن يُقال في هذه الصفات لم يتعين التأويل، بل يجب تركه، وصفات الله تليق به، وصفات العبد تليق به" (1).
(1)"الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية"(ص 95 - 96) لشيخنا العلَّامة زيد بن عبد العزيز الفيَّاض رحمه الله ط دار الوطن، الرياض، 1414هـ. وينظر -أيضًا- "مجموع الفتاوى"(6/ 117 - 120). و"دفع إيهام التشبيه عن أحاديث الصفات" لشيخنا العلَّامة د. محمَّد بن عبد الله السمهري أستاذ العقيدة بجامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإِسلامية بالرياض.
الموضع الثالث تأويل صفة اليد وبَسْطِها
في التعليق على "رياض الصالحين" للإمام النووي رحمه الله -