الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضع الرابع تأويل صفة العجب لله -تعالى
-
في التعليق على "رياض الصالحين" للإمام النووي رحمه الله
* لمَّا أورد المؤلف الإِمام النووي (1) رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود، فأرسلَ إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسلَ إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قُلنَ كلُّهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من يُضَيِّفُ هذا الليلة"؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رَحْلِهِ، فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية قال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا، إلَّا
(1)"رياض الصالحين"(ص 278 - 279)، الحديث رقم (564). ط مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408 هـ.
قوت صبياني، قال: عَلِّلِيهم بشيء، وإذا أرادوا العَشَاءِ فنوِّميهم، وإذا دخل ضيفُنا فأطفئي السراج، وأَرِيهِ أَنَّا نأكل، فقعدوا وأكل الضيف، وباتا طاويين، فلما أصبح، غدا على النبي- صلى الله عليه وسلم فقال:"لقد عَجِبَ الله من صنيعِكُمَا بضيفِكمَا الليلة" متفق عليه (1).
• ثم أورد الشيخ شعيب الأرنؤوط في الحاشية نقلًا عن الخطابي رحمه الله فقال:
قال أبو سليمان الخطابي: المراد بالعجب الرضا، فكأنه قال: إن ذلك الصنيع قد حلَّ من الرضى عند الله حلول العجب عندكم، وقد يكون المراد بالعجب هنا أنَّ الله يُعَجِّب ملائكته من صنيعهما لندور ما وقع منهما في العادة. ا. هـ.
* قلت:
وهذا الذي نقله الشيخ الأرنؤوط عن الخطابي رحمه الله
(1)"صحيح البخاري"(3798) كتاب مناقب الأنصار: باب قول الله عز وجل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [سورة الحشر، الآية: 9]،. و (4889) في كتاب التفسير: باب {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية. و"صحيح مسلم"(2054) كتاب الأشربة: باب إكرام الضيف وفضل إيثاره.
تعالى- تأويل للصفة عن ظاهرها، وهو خلاف ما قرره أهل السنة والجماعة، حيث يثبتون لله عز وجل صفة العجب، على ما يليق بجلاله -سبحانه-، وأنها من صفاته الاختيارية سبحانه وأنه عجب حقيقي يليق به -تعالى- (1).
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى"(2):
أما قوله: "التعجب استعظام للمتعجب منه":
فيقال: نعم، وقد يكون مقرونًا بجهل سبب التعجب، وقد يكون لما خرج عن نظائره، والله تعالى بكل شيء عليم، فلا يجوز عليه أن لا يعلم سبب ما تعجب منه؛ بل يتعجب لخروجه عن نظائره تعظيمًا له، والله تعالى يعظم ما هو عظيم، إمَّا لعظمة سببه أو لعظمته.
فإنه وصف بعض الخير بأنه عظيم، ووصف بعض الشر بأنه عظيم، فقال تعالى:{رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [سورة التوبة، الآية: 129]،
(1) كالرضا والغضب وغيرهما من صفاته -سبحانه- (عبد العزيز بن عبد الله بن باز).
(2)
(6/ 123 - 124).
وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)} [سورة الحجر، الآية: 87]، وقال:{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67)} [سورة النساء، الآيتان: 66، 67]، وقال:{وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)} [سورة النور، الآية: 16]، وقال:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [سورة لقمان، الآية: 13].
ولهذا قال تعالى: {بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ} [سورة الصافات، الآية: 12] على قراءة الضم (1)، فهنا هو عجب من كفرهم مع وضوح الأدلة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي آثر هو وامرأته ضيفهما: "لقد عجب الله" وفي لفظ في "الصحيح": "لقد ضحك الله الليلة من صُنعكما البارحة"(2)، وقال: "إن الرَّبَّ ليعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلَّا أنت، يقول: عَلِمَ عبدي أنه لا يغفر الذنوب إلا
(1) وهي قراءة صحيحة متواترة، قرأ بها الأئمة حمزة والكسائي وخلف. ينظر:"المبسوط في القراءات العشر"(ص 375) لابن مهران الأصفهاني.
(2)
هو الحديث المذكور في صدر هذا التعقيب وهو من المتفق عليه.
أنا" (1)، وقال: "عَجِبَ رَبُّكَ من شابٍّ ليست له صَبْوَة" (2)، وقال: "عَجِبَ رَبُّك من راعي غنم على رأس شَظِيَّة يؤذن ويقيم، فيقول الله: انظروا إلى عبدي" (3) أو كما قال، ونحو ذلك. ا. هـ.
(1) جزء من حديث رواه أبو داود (2602) في الجهاد: باب ما يقول الرجل إذا ركب، والترمذي (3443) في الدعوات: باب ما جاء ما يقول إذا ركب دابة، وأحمد في "المسند"(1/ 97 و 115 و 128) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه قصة. وهو حديث صحيح.
(2)
رواه الإِمام أحمد في "المسند"(4/ 151)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده"(3/ 288) رقم (1749)، والطبراني في "الكبير"(17/ 309) رقم (853)، ورواه أيضًا ابن أبي عاصم في "السُّنة" (ص 250) رقم (571) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 270):"إسناده حسن"، مع أن في إسناده عبد الله بن لهيعة رحمه الله.
(3)
رواه أبو داود (1203) في الصلاة: باب الأذان في السفر. والنسائي (2/ 20) في الأذان: باب الأذان لمن يصلي وحده. وأحمد في "المسند"(4/ 145 و 157) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
الموضع الخامس تأويل إدناء المؤمن من ربه يوم القيامة
في التعليق على "رياض الصالحين" للإمام النووي رحمه الله -