الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: حفظ حرمة المدينة النبوية
إن من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم المدينة النبوية1 التي هي دار المصطفى ومهاجره، فقد اختارها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قرارا، وجعل أهلها شيعة له وأنصارا. وهي التي، انتشر منها دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى وصل مشارق الأرض ومغاربها.
وهي التي ورد في فضلها وتعظيم شأنها وتحريمها وفضل بعض البقاع فيها الكثير من الأحاديث الثابتة الصحيحة والتي أورد بعضا منها ههنا على سبيل المثال لا الحصر.
فعن سفيان بن أبي زهير2 رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون 3 فيتحملون بأملهم ومن أطاعهم والمدينة
1 ذكر ذلك: البيهقي في الجامع لشعب الإيمان (2/130) ، والقاضي عياض في الشفا (2/619)
2 سفيان بن أبي زهير الأزدي، من أزد شنوءة (بفتح المعجمة وبضم النون وبعد الواو همزة) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. يعد في أهل المدينة. الإصابة (2/ 52) .
3 يقال بسست الناقة وأبسستها إذا سقتها وزجرتها وقلت لها بس بس بكسر الباء وفتحها. النهاية (1/ 127) .
خير لهم لو كانوا يعلمون.
وتفتح الشام، فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
وتفتح العراق، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" 1.
وعن عبد الله بن زيد بن عاصم2 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها تمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة"3.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها" وقال: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كانت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة"4.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا اللهم إن إبراهيم عبدك
1 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل المدينة، باب من رغب عن المدينة "واللفظ له". انظر: فتح الباري (4/ 90) ح 1875، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار (4/ 122) .
2 عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري المازني، صحابي شهير اختلف في شهوده بدرا، وشهد أحدا وغيرها، وشارك مع وحشي في قتل مسيلمة، يقال قتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين. الإصابة (2/ 305) .
3 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومده. فتح الباري (4/ 346) ح 2129، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة "واللفظ له"(4/ 112) .
4 أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة (4/ 113) .
وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه قال ثم يدعو أصغر وليد له فيعطه ذلك الثمر" 1. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المدينة حرم فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف" 2.
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها" 3
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء"4.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام"5. وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من
1 أخرجه بهذا اللفظ، مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة (4/ 116، 117) .
2 أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة (4/ 116) .
3 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل المدينة، باب الإيمان يأرز إلى المدينة. انظر: فتح الباري (4/ 93) ح 1876، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا (1/ 90- 91) .
4 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل المدينة، باب إثم من كاد أهل المدينة، انظر: فتح الباري (4/ 94) ح 1877، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله (4/ 122) .
5 أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة. انظر: فتح الباري (3/63) ح 1190، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (4/ 124) .
رياض الجنة، ومنبري على حوضي" 1.
والأحاديث في فضل المدينة كثيرة ومتنوعة، ولقد أفرد البخاري في صحيحه كتابا لفضائل المدينة، وكذا مسلم في صحيحه قد أورد في آخر كتاب الحج العديد من الأحاديث الواردة في شأن المدينة، وكذا الحال عند أصحاب السنن والمسانيد.
والمقصود من تعظيم المدينة هو تعظيم حرمها وهذا أمر واجب في حق من سكن بها أو دخل فيها، مع ما يجب على ساكنيها من مراعاة حق المجاورة وحسن التأدب فيها وذلك لما لها من المنزلة والمكانة عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم. فإنها من المواطن التي عمرت بالوحي والتنزيل، واشتملت تربتها على جسد سيد البشر وانتشر عنها من دين الله وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتشر، فهي مشاهد الفضائل والخيرات ومعاهد البراهين والمعجزات.
فحري بمن أكرمه الله بالإقامة فيها أن يتزود فيها من الأعمال الصالحة التي تنفعه بعد الموت، وأن يحذر من الوقوع فيها بما يسخط الله عز وجل. وفيما سبق ذكره من الأحاديث خير شاهد على فضل سكناها والترغيب في الإكثار من العمل الصالح فيها، والتحذير من الإساءة والمعصية والإفساد فيها.
1 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل المدينة، باب 12. انظر: فتح الباري (4/ 99) ح 1888، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة (4/ 123) .