الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: حكم الاحتفال بمولده
المطلب الأول: حكم فعل المولد
…
المطلب الأول: حكم فعل المولد
إن من جملة ما نهي النبي صلى الله عليه وسلم أمته عنه، وحذرهم منه:
1-
الابتداع في الدين.
2-
التشبه باليهود والنصارى.
والمقيم للمولد والمشارك فيه واقع في المحظورين معا.
فإقامة المولد من الأمور المحدثة المبتدعة التي لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، ولم يفعله أصحابه من بعده بل ولا أهل القرون المفضلة.
فما ظنك بعمل لم يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بفعله، ولا حث عليه ولا رغب فيه، وهو المشهود له بأنه ما ترك أمر خير إلا وحث الأمة عليه ورغبهم فيه.
وما ظنك بعمل لم يفعله سلف الأمة، "ولو كان خيرًا محضًا، أو راجحًا لكانوا رضوان الله عليهم أحق منا به، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعطشا له منا، وهم على الخير أحرص"1.
وما أحسن أن يستشهد المرء هنا بقول الإمام مالك رحمه الله تعالى "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله يقول {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 2 فما لم يكن يومئذ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا"3.
1 اقتضاء الصراط المستقيم (ص 295) .
2 الآية (3) من سورة المائدة.
3 تقدم تخريجه.
وقال أيضا: "قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تم هذا الأمر واستكمل فإنما ينبغي أن نتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نتبع الرأي"1.
هذا وإن أصل الاحتفال بالمولد يرجع إلى العبيدين2 الذين يتسمون (بالفاطميين) فهم أول من أحدث هذه البدعة في الأمة وما كانت الموالد تعرف في دولة سلام قبل هؤلاء.
فقد جاء في كتاب الخطط المسمى كتاب المواعظ والاعتبار والآثار تحت عنوان (ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادًا ومواسم
…
) .
قال: " كان للخلفاء في طول السنة أعيادًا ومواسم:
رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم"3.
فكانت الموالد من الآثار التي خلفها هؤلاء العبيديون الباطنيون مع غيرها من البدع والمنكرات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
قد حمل راية هذه البدعة من بعدهم المتصوفة، الذين وجدوا في إحياء هذه البدعة متنفسًا لنشر باطلهم وبدعهم، وما الطقوس التي تعمل أثناء إقامة المولد إلا أكبر شاهد على حمل الصوفية لراية هذه البدعة
فقد وجدوا في هذه البدعة مرتعًا خصبًا لنشر غلوهم ورقصهم وطقوسهم
1 تقدم تخريجه ص 247.
2 العبيديون ص م أبناء عبيد الله بن ميمون بن ديصان المشهور بالقداح اليهودي قامت دولتهم في مصر (362- 564 هـ) وكانوا من أجرأ الناس على استحداث البدع والمنكر كتاب ولا سنة. انظر كتاب قصة نسب الفاطميين للدكتور عبد الحليم عويس، والبداية والنهاية لابن كثير (12/ 267) .
3 المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (1/490) .
وشطحهم وذلك تحت ستار ما يدعونه من محبة النبي صلى الله عليه وسلم {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} 1.
وقد كان أول تأكد رسمي ناله المتصوفة لإحياء هذه البدعة على يد الملك المظفر ملك إربل، الذي كان يحتفل بالمولد احتفالا هائلاً ينفق فيه ثلاثمائة ألف دينار، ويعمل فيه للصوفية سماعًا من الظهر إلى الفجر، ويرقص بنفسه معهم2.
وفد استمرت هذه الاحتفالات بهذه البدعة إلى زماننا هذا وحسبك ببدعة أنشأها ملاحدة باطنيون معروفون بالبدع والمنكرات، وتولاها من بعدهم متصوفة ضالون مضلون لم يتركوا شيئا من باطلهم وبدعهم إلا وأدخلوه فيما يسمى بالمولد النبوي.
ولا عجب في اتفاق الطائفتين على هذا الأمر فهم يجمعهم مشرب واحد إذ الكل يزعم أن الشريعة لها ظاهر وباطن.
فمما لا شك فيه أن فعل ما يسمى بالمولد بدعة من البدع التي لا أساس لها في القرآن ولا في السنة ولا في عمل السلف الصالح وهي بالإضافة إلى ذلك لا تحقق المراد من حب الرسول صلى الله عليه وسلم فتحقيق محبته وتعظيمه كما سبق وأن بينا، هو في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطنا وظاهرا ونشر ما بعث به والجهاد في ذلك بالقلب واليد واللسان، فهذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
ويضاف إلى كون فعل هذا الأمر من البدع التي نهى الشارع عنها ما فيه
1 الآية (79) من سورة البقرة.
2 البداية لابن كثير (13/ 137) .
كذلك من مضاهاة ومشابهة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام فإن النصارى تحتفل بيوم مولد عيسى ويتخذونه عيدا وذلك بإيقاد الشموع وصنع الطعام وارتكاب المحرمات وفعل الموبقات من شرب للخمور وفعل الفواحش وغير ذلك من المهازل والقبائح، وفي هذا يقول بعضهم معللا مشروعية الاحتفال بفعل المولد "إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر"1.
ونسى هذا القائل أو تناسى تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من مشابهة اليهود والنصارى فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا شبرا وذراعًا ذراعًا حتى لو دخلوا حجر ضب تبعتموهم"2.
قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟
قال: "فمن" 3 أي فمن هم غير أولئك.
1 التبر المسبوك للسخاوي (ص 14) .
2 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لتتبعن سنن من كان قبلكم". انظر: فتح الباري (3 1/305) ح 0 732، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى (8/57) .
3 هو: محمد بن سعيد بن حماد البوصيري، شاعر صوفي غال، له عدد من القصائد في المدائح النبوية، وقد عرف عنه قلة علمه، وسلاطة لسانه، وتكففه للناس وقد ذكر محقق ديوانه عددا من الخصال التي تدل على حقيقة الرجل وقدره.
انظر: مقدمة ديوان البوصيري بتحقيق محمد سيد كيلاني.