المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة - جـ ٢

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالث: وجوب تعزيره وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الأول: بيان عظيم قدره صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته عند ربه عز وجل

- ‌المبحث الأول: بيان بعض الخصائص التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا

- ‌المبحث الثاني: بيان بعض الخصائص التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم في الآخرة

- ‌المبحث الثالث: بيان بعض الخصائص التي خص الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثاني: وجوب تعزيره وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم على أمته في حياته وبعد مماته

- ‌المبحث الأول: معنى التعزير والتوقير والتعظيم

- ‌المبحث الثاني: وجوب توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم والأدلة على ذلك

- ‌المبحث الثالث: تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته

- ‌المبحث الرابع: تعظيم الأمة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته

- ‌المطلب الأول: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم محله القلب واللسان والجوارح

- ‌المطلب الثاني: توقير النبي صلى الله عليه وسلم في آله وأزواجه أمهات المؤمنين

- ‌المطلب الثالث: توقيره صلى الله عليه وسلم في أصحابه رضوان الله عليهم

- ‌المطلب الرابع: حفظ حرمة المدينة النبوية

- ‌الفصل الثالث: الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: المعنى اللغوي للفظة الصلاة

- ‌المطلب الثاني: المعني الشرعي لصلاة الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكيفيتها ومواطنها وفضلها

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن والسنة على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الرابع: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث: السلام عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الأدلة على مشروعية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند حجرته التي دفن فيها

- ‌الباب الرابع: النهي عن الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الأول: تعريف الغلو وسد الشارع لطرق الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: تعريف الغلو وموقف الشرع منه

- ‌المطلب الأول: المعنى اللغوي

- ‌المطلب الثاني: التعريف الشرعي للغلو وموقف الشرع منه

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين ما هو حق لله وحده لا يشركه فيه غيره وبين ما هو حق للرسول

- ‌المبجث الثالث: بيان توسط السلف في حق النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثاني: بيان الأمور التي حصل فيها غلو في حقه صلى الله عليه وسلم وحكم الشرع فيها

- ‌المبحث الأول: نماذج من الغلو الحاصل في شأن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: حكم التوسل والاستغاثة والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الكلام على مسألة التوسل

- ‌المطلب الثاني: الكلام على مسألة الشفاعة

- ‌المطلب الثالث: الكلام على مسألة الاستغاثة

- ‌المبحث الثالث: حكم ما يفعل عند حجرته التي دفن فيها من الأمور المبتدعة

- ‌المبحث الرابع: حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: حكم الاحتفال بمولده

- ‌المطلب الأول: حكم فعل المولد

- ‌المطلب الثاني: بيان ما يفعل في الموالد من الغلو والمنكرات

- ‌المبحث السادس: حكم القول بحضوره في مجالس المحتفلين ورؤيته بالعين الباصرة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الرابع: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

‌المطلب الرابع: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

.

قال ابن القيم: "إن طلب الصلاة من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هو من أجل أدعية العبد وأنفعها له في دنياه وآخرته"1 يدلك على ذلك ما جاء في فضلها من الأحاديث.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى على واحدة صلى عليه عشرا" رواه مسلم2.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" رواه مسلم3.

وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قلت: "يارسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت". قلت: الربع؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير. قلت: النصف؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير". قلت: الثلثين؟ قال: "ما شئت وإن زدت فهو خير".

1 بدائع الفوائد (2/ 190) .

2 تقدم تخريجه ص 381.

3 تقدم تخريجه ص 326.

ص: 561

قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: "إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك"1

وللحديث طريق آخر عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي2 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني آت من ربي فقال: ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرا" فقام إليه رجل فقال: يارسول الله أجعل نصف دعائي لك؟ قال: "إن شئت" قال: ألا أجعل ثلثي دعائي لك؟ قال: "إن شئت" قال: ألا أجعل دعائي كله؟ قال: "إذن يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة" 3

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ذكرت عنده فليصل علي ومن صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا"4.

وفي رواية "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط

1 تقدم تخريجه.

2 يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي، أبو يوسف المدني، قاضي المدينة، ثقة قليل الحديث ومات في ولاية أبي جعفر. تهذيب التهذيب (11/ 385) .

3 أخرجه اسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 87) ح رقم 13 وقال: قال شيخ كان بمكة يقال له منيع لسفيان: عمن أسنده؟ قال: لا أدري، وقال الألباني في تعليقه: هذا مرسل صحيح الإسناد، ويشهد له الحديث الذي بعده- يعني الحديث الذي تقدم ذكره.

4 أخرجه النسائي في عمل أليوم والليلة (ص 165) ح رقم 61 باب ثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وابن السني في، عمل أليوم والليلة (ص135، 136) ح رقم 380

ص: 562

عنه عشر خطيئات" 1.

وفي رواية "من صلّى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر سيئات، ورفعه بها عشر درجات"2.

وفي رواية: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتبرز، فلم يجد أحدا يتبعه فهرع عمر فاتبعه بمطهرة- يعني إداوة- فوجده ساجدا في شربة، فتنحى عمر فجلس وراءه حتى رفع رأسه قال: فقال: "أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من صلى عليك واحدة صلى الله عليه عشرا، ورفعه عشر درجات" 3

وأخرج هذا الحديث عن عمر بن الخطاب قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يتبرز، فاتبعته نإدواة، فوجدته قد فرغ، ووجدته ساجدا لله في شربة، فتنحيت عنه فلما فرغ،

1 أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/ 102، 261) . والبخاري في الأدب المفرد (ص 94، 95) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 166) ح 63 باب ثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه ابن حبان في صحيحه. انظر موارد الظمآن (2395) .

2 أخرجه النسائي في السنن (3/ 50) باب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك في عمل اليوم والليلة (ص 165، 166) ح 62، ثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 550) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وكل من رواية "صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات".

ورواية "صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه بها عشر سيئات، ورفعه بها عشر درجات" جاءت من طريق بريد بن أبي مريم وقد جاء في بعفى الروايات عن بريد بن أبي مريم عن الحسن عن أنس وفي بعضها عن بريد بن أبي مريم عن أنس، وقد ذكر ابن القيم أن هذه العلة لا تقدح فيه شيئا، لأن الحسن لاشك في سماعه من أنس، وقد صح سماع بريد بن أبي مريم من أنس أيضا هذا الحديث، فرواه ابن حبان في صحيحه موارد 2390 والحاكم في المستدرك (1/ 550) من حديث يونس بن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، قال سمعت أنس بن مالك

نذكره. ولعل بريدا سمعه من الحسن ثم سمعه من أنس، فحدث به على الوجهين، فإنه قال: كنت أزامل الحسن بن محمد، فقال حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، ثم إنه حدثه به أنس فرواه عنه كما تقدم". جلاء الأفهام (ص 56) .

3 أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 4) ح 4. وقال الألباني: إسناده ضعيف، ولكن المرفوع من الحديث صحيح له شواهد كثيرة.

وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص 94) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 563

رفع رأسه فقال: "أحسنت ياعمر حين تنحيت عني إن جبريل أتاني فقال: من صلى عليك صلاة صلى الله عليه عشرا ورفعه عشر درجات"1.

وعن عبد الرحمن بن عوف2 قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فأطال السجود قال: "أتاني جبريل قال: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله شكرا"3.

وفي رواية " كان لا يفارق فيء النبي صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار خمسة نفر من أصحابه أو أربعة لما ينوبه من حوائجه قال: فجئت فوجدته قد خرج فتبعته، فدخل حائطا من حيطان الأسواف4 فصلى فسجد سجدة أطال فيها، فحزن وبكيت فقلت: لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض الله روحه، قال: فرفع رأسه، وتراءيت له، فدعاني، فقال: مالك؟ قلت: يارسول الله سجدت سجدة أطلت فيها فحزنت، وبكيت، وقلت: لأرى رسول الله

1 أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 5) ح رقم 5. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص 94) عن أوس بن الحدثان عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره. وهذا الحديث والذي قبله هما من طريق سلمة بن وردان وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحه (2/ 503) ح رقم 829 وسلمة بن وردان ضعيف بغير تهمة، فيصلح للاستشهاد به وللحديث شاهد آخر من حديث عبد الرحمن بن عرف.

2 عبد الرحمن بن عوف الزهري، ولد بعد الفيل بعشر سنين وأسلم قبل دخول دار الأرقم، وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد كلها، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد رجال الشورى الستة، توفي سنة 31 ص وقيل سنة 32 ص وهو الأشهر. الإصابة (2/408-410) .

3 أخرجه بهذا اللفظ إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 5) ح 7 وأخرجه الإمام أحمد في المسند 1/191) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 287)(رراه أحمد ورجاله ثقات) . وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 222) وقال هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

4 الأسراف بالفتح آخره "فاء" موضع شامي البقيع. وفاء الوفاء (4/ 1125) .

ص: 564

صلى الله عليه وسلم قد قبض الله روحه.

قال: "هذه سجدة سجدتها شكرا لربي فيما آتاني في أمتي، من صلى علي صلاة كتب الله له عشر حسنات"1.

وفي رواية "إني سجدت هذه السجدة شكرا لله عز وجل في أبلاني في أمتي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا"2.

وعن أبي طلحة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا: إنا نعرف الآن في وجهك البشر يارسول الله. قال: أجل أتاني الآن آت من ربي فأخبرني أنه لن يصلي علي أحد من أمتي إلا ردها الله عليه عشر أمثالها"3.

وفي رواية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يوما والبشر يرى في وجهه فقالوا: يارسول الله إنا نرى في وجهك بشرا لم نكن نراه، قال: أجل إنه أتاني ملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك ألا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا، ولا سلم عليك إلا سلمت عليه عشرا"4.

1 أخرجه بهذا اللفظ إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبوي صلى الله عليه وسلم (ص 6- 7) ح 10.

2 أورده ابن القيم في جلاء الأفهام (ص 64) وعزاه لابن أبي الدنيا والسخاوي في القول البديع (ص 112) وعزاه لابن أبي عاصم وابن أبي الدنيا.

3 أخرجه اسماعيل القاضي فى فضل الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ص 3 ح رقم 1

4 أخرجه الأمام أحمد في المسند (4/ 30) . وإسماعيل القاضي، في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (ص 3- 4) ح 2، والنسائي في السنن (3/ 44 و 50) كتاب الصلاة، باب فضل التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، وباب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، باب ثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ ابن حجر (رواته ثقات) فتح الباري (11/167) وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 550) وابن حبان في صحيحه (2391) موارد.

ص: 565

وفي رواية "أصبح رسول لله صلى الله عليه وسلم يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر. قالوا: يارسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر. قال: أجل أتاني آت من ربي عز وجل فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها"1.

وعن أبي بردة بن نيار2 قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم "من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه، صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر دارجات، كتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات"3.

وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله لجمحا: عجل هذا"

ثم دعاه فقال له أو لغيره: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله والثناء عليه ثم يصلي علي،

1 أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد في المسند (4/ 29) .

قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 503) ح رقم 829 عن رواية أحمد هذه "وهذا إسناد ضعيف، لسوء حفظ أبي معشر، وإسحاق بن كعب مجهول الحال فهر إسناد لا بأس به في الشواهد والمتابعات" انتهي كلامه والحديث له شواهد متعددة سبق ذكر بعضها.

2 هانىء بن نيار بن عمرو البلوي أبو بردة بن نيار حليف الأنصار، خال البراء بن عازب مشهور بكنيته وقيل اسمه الحرث وقيل مالك والأول أشهر، صحابي جليل شهد بدرا وما بعدها، مات في أول خلافة معاوية. الإصابة (3/ 565)(4/19) .

3 أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (ص 166، 167) ح رقم 64، باب ثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن حجر: رواته ثقات. فتح الباري (11/ 167) . وأورده ابن القيم في جلاء الأفهام (ص 83، 84) وعزاه للطبراني في المعجم الكبير وابن أبي عاصم في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 566

ثم يدعو بما شاء" 1.

وفي رواية: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عجلت أيها المصلي" ثم علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ادع تجب وسل تعط" 2.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" 3

فالمتأمل في هذه الأحاديث يعرف عظم فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في الباب الرابع من كتابه القيم جلاء الأفهام عددا من الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أنتقى منها ما يلي:

الفائدة الأولى: امتثال أمر الله تعالى.

الثانية: موافقته سبحانه في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف.

1 تقدم تخريجه (ص 535) .

2 سنن النسائي (3/ 44) باب التمجيد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال الألباني في صحيح سنن النسائي، صحيح الترمذي (3724)

3 أخرجه الترمذي في سننه (2/ 354) باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رقم 484 وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب. وأخرجه ابن حبان في صحيحه. انظر موارد الظمآن (2389) . وأورده ابن القيم في جلاء الأفهام وعزاه كذلك إلى البزار والبغوي جلاء الأفهام (ص 53) . وقال ابن حجر في الفتح (11/ 167) وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ "صلاة أمتي تعرض على في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة" ولا بأس بسنده انتهي كلامه.

ص: 567

الثالثة: موافقة ملائكته فيها.

الرابعة: حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة.

الخامسة: أنه يرفع عشر درجات.

السادسة: أنه يكتب له عشر حسنات.

السابعة: أنه يمحي عنه عشر سيئات.

الثامنة: أنه يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه، فهي تصاعد الدعاء إلى عند رب العالمين.

التاسعة: أنها سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها بسؤال الوسيلة له.

العاشرة: أنها سبب لغفران الذنوب.

الحادية عشرة: أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمه.

الثانية عشرة: أنها سبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

الثالثة عشرة: أنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به، لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب، واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه، تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه بقلبه، نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره وإحضار محاسنه فإذا قوي هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، والحس شاهد بذلك. فقلب المؤمن توحيد الله وذكر رسوله مكتوبان فيه لا يتطرق إليهما محو ولا إزالة ودوام الذكر سبب لدوام المحبة، فالذكر للقلب كالماء للزرع، بل كالماء للسمك، لا حياة له إلا به

ص: 568

الرابعة عشرة: أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سبب لمحبته للعبد، فإنها إذا كانت سببا لزيادة محبة المصلي عليه له، فكذلك هي سبب لمحبته هو للمصلى عليه صلى الله عليه وسلم.

الخامسة عشرة: أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه، فإنه كلما أكثر الصلاة عليه وذكره، استولت محبته على قلبه، حتى لألقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره ولاشك في شيء مم اجاء به، بل يصير ما جاء به مكتوبا مسطورا في قلبه لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه، وكلما ازداد في ذلك بصيرة وقوة ومعرفة ازدادت صلاته عليه صلى الله عليه وسلم.

ولهذا كانا صلاة أهل العلم- العارفين بسنته وهديه المتبعين له عليه، خلاف صلاة العوام عليه الذين حظهم منها إزعاج أعضائهم بها ورفع أصواتهم.

وأما أتباعه العارفون بسنته العالمون بما جاء به فصلاتهم عليه نوع آخر، فكلما ازدادوا فيما جاء به معرفة ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطوبة له من الله.

وهكذا ذكر الله سبحانه، كلما كان العبد به أعرف وله أطوع وإليه أجل كان ذكره غير ذكر الغافلين واللاهين، وهذا أمر إنما يعلم بالخبر لا بالحبر وفرق بين من يذكر صفات محبوبه الذي قد ملك حبه جميع قلبه ويثني عليه بها ويمجده بها، وبين من يذكرها إما إمارة وإما لفظا، لا يدري ما معناه، ولا يطابق فيه قلبه لسانه، كما أنه فرق يين بكاء النائحة وبكاء الثكلى.

فذكره وذكر ما جاء به، وحمد الله تعالى على إنعامه علينا ومنته بإرساله هو حياة الوجود وروحه، كما قيل:

روح المجالس ذكره وحديثه

وهدى لكل ملدد حيران

وإذا أخل بذكره في مجلس

فأولئك الأموات في الحيان

ص: 569

السادسة عشرة: أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه صلى الله عليه وسلم وذكره عنده، كما تقدم قوله صلى الله عليه وسلم "إن صلاتكم معروضة علي" وكفى بالعبد نبلا أن يذكر اسمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السابعة عشرة: أن الصلاة عليه لا أداء لأقل القليل من حقه، وشكر له على نعمته التي أنعم الله لا علينا، مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يحصى علما ولا قدرة ولا إرادة، ولكن الله سبحانه لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقه.

الثامنة عشرة: أنها متضمنة لذكر الله وشكره، ومعرفة إنعامه على عبده بإرساله، فالمصلي عليه صلى الله عليه وسلم قد تضمنت صلاته عليه ذكر الله وذكر رسوله، وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله، كما عرفنا ربنا أسماءه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته، وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه والقدوم عليه، فهي متضمنة لكل الإيمان، بل هي متضمنة للإقرار بوجود الرب المدعو وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وصفاته وكلامه، وإرسال رسوله وتصديقه في أخباره كلها، وكمال محبته، ولا رضا أن هذه هي أصول الإيمان، فالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم متضمنة لعلم العبد ذلك، وتصديقه به، ومحبته له، فكانت من أفضل الأعمال.

التاسعة عشرة: أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من العبد هي دعاء، ودعاء العبد وسؤاله من ربه نوعان:

أحدهما: سؤاله حوائجه ومهماته، وما ينوبه في الليل والنهار فهذا دعاء وسؤال، وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه.

الثاني: سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه، ويزيد في تشريفه وتكريمه.

ص: 570

وإيثار ذكره، ورفعه، ولا ريب أن الله تعالى يحب ذلك ورسوله يحبه، فالمصلي عليه صلى الله عليه وسلم قد صرف سؤاله ورغبته وطلبه إلى محاب الله ورسوله، وآثر ذلك على طلبه وحوائجه ومحابه هو، بل كان هذا المطلوب من أحب الأمور إليه وآثرها عنده، فقد آثر ما يحبه الله ورسوله على ما يحبه هون وقد آثر الله ومحابه على سواه، والجزاء من جنس العمل، فمن آثر الله على غيره آثره الله على غيره.

واعتبر هذا بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم إذا أرادوا التقرب والمنزلة عندهم، فإنهم يسألون المطاع أن ينعم على من يعلمونه أحب رعيته إليه، وكلما سألوه أن يزيد في حبائه وإكرامه وتشريفه، علت منزلتهم عنده، وازداد قربهم منه، وحظوا به لديه، لأنهم يعلمون منه إرادة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوبهم، فأحبهم إليه أشدهم له سؤالا ورغبة أن يتم عليه إنعامه وإحسانه، وهذا أمر مشاهد بالحس، ولا تكون منزلة هؤلاء ومنزلة من سأل المطاع حوائجه هو – وهو فارغ من سؤاله تشريف محبوبه والإنعام عليه – واحدة.

فكيف باعظم محب وأله لأكرم محبوب وأحقه بمحبه ربه له.؟ ولو لم يكن من قفوائد الصلاة عليه إلا هذا المطلوب وحده لكفى المؤمن به شرفا1.

وكما وردت أحاديث تذم تارك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ

1 جلاء الأفهام (ص 335، 344) بتصرف.

ص: 571

قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة"1 وعن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي"2.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من نسي الصلاة علي خطىء طريق الجنة"3.

1 تقدم تخريجه ص 472

2 تقدم تخريجه ص 328

3 تقدم تخريجه ص 548

ص: 572