المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبجث الثالث: بيان توسط السلف في حق النبي صلى الله عليه وسلم - حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة - جـ ٢

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالث: وجوب تعزيره وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الأول: بيان عظيم قدره صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته عند ربه عز وجل

- ‌المبحث الأول: بيان بعض الخصائص التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا

- ‌المبحث الثاني: بيان بعض الخصائص التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم في الآخرة

- ‌المبحث الثالث: بيان بعض الخصائص التي خص الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثاني: وجوب تعزيره وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم على أمته في حياته وبعد مماته

- ‌المبحث الأول: معنى التعزير والتوقير والتعظيم

- ‌المبحث الثاني: وجوب توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم والأدلة على ذلك

- ‌المبحث الثالث: تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته

- ‌المبحث الرابع: تعظيم الأمة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته

- ‌المطلب الأول: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم محله القلب واللسان والجوارح

- ‌المطلب الثاني: توقير النبي صلى الله عليه وسلم في آله وأزواجه أمهات المؤمنين

- ‌المطلب الثالث: توقيره صلى الله عليه وسلم في أصحابه رضوان الله عليهم

- ‌المطلب الرابع: حفظ حرمة المدينة النبوية

- ‌الفصل الثالث: الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: المعنى اللغوي للفظة الصلاة

- ‌المطلب الثاني: المعني الشرعي لصلاة الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكيفيتها ومواطنها وفضلها

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن والسنة على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الرابع: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث: السلام عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الأدلة على مشروعية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند حجرته التي دفن فيها

- ‌الباب الرابع: النهي عن الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الأول: تعريف الغلو وسد الشارع لطرق الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: تعريف الغلو وموقف الشرع منه

- ‌المطلب الأول: المعنى اللغوي

- ‌المطلب الثاني: التعريف الشرعي للغلو وموقف الشرع منه

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين ما هو حق لله وحده لا يشركه فيه غيره وبين ما هو حق للرسول

- ‌المبجث الثالث: بيان توسط السلف في حق النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثاني: بيان الأمور التي حصل فيها غلو في حقه صلى الله عليه وسلم وحكم الشرع فيها

- ‌المبحث الأول: نماذج من الغلو الحاصل في شأن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: حكم التوسل والاستغاثة والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الكلام على مسألة التوسل

- ‌المطلب الثاني: الكلام على مسألة الشفاعة

- ‌المطلب الثالث: الكلام على مسألة الاستغاثة

- ‌المبحث الثالث: حكم ما يفعل عند حجرته التي دفن فيها من الأمور المبتدعة

- ‌المبحث الرابع: حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: حكم الاحتفال بمولده

- ‌المطلب الأول: حكم فعل المولد

- ‌المطلب الثاني: بيان ما يفعل في الموالد من الغلو والمنكرات

- ‌المبحث السادس: حكم القول بحضوره في مجالس المحتفلين ورؤيته بالعين الباصرة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبجث الثالث: بيان توسط السلف في حق النبي صلى الله عليه وسلم

‌المبجث الثالث: بيان توسط السلف في حق النبي صلى الله عليه وسلم

إن مما امتاز به اتباع هذا الدين: الوسطية في كل شيء فلا إفراط ولاتفريط قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} 1 قال ابن كثير: "والوسط هنا المراد به الخيار والأجود كما يقال قريش أوسط العرب نسبا أي خيرها.

ولما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب"2.

ومن الأمور التي توسطت بها هذه الأمة توسطها في شأن الأنبياء بين اليهود والنصارى.

فقد افترق اليهود والنصارى في الأنبياء: فاليهود جفوا عنهم فكذبوهم وقتلوهم. والنصارى غلوا فيهم فأشركوا بهم حتى كفروا بالله.

أما هذه الأمة فقد توسطت بين الطائفتين فأمنت وصدقت بأنبياء الله ولم يتتخذهم أربابا من دون الله.

فالسلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ساروا في هذا الشأن وفق نصوص القرآن والسنة الصحيحة شأنهم في ذلك شأنهم في سائر أمور هذا الدين الاتباع وترك الابتداع.

فما نص عليه القرآن يجب الأخذ به والعمل به والحال نفسه ينطق على ما

1 الآية (143) من سورة البقرة.

2 تفسير ابن كثير (1/190) .

ص: 689

نصت عليه السنة.

فقد نصت النصوص على أمور متعددة فيما يتعلق بشأن نبينا صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

فمن أخذ بهذه الأمور جميعها وأمن بها فقط توسط ومن أخل بشيء منها فهو لا محالة واقع في أحد حالين إما الغلو أو التنقص.

ولما كان حال الغلو هو الأكئر خطرا على اتباع الرسل، فقد جاء التنبيه والتأكيد على بشريتهم في مواطن متعددة في كتاب الله العزيز منها:

1-

التأكيد على بشرية الرسول وعبوديته لله تعالى:

قال تعالى {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} 1.

وقال تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} 2.

وقال تعالى {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَاّ بَشَراً رَسُولاً} 3.

وقال تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} 4.

وقال تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} 5.

وقال تعالى {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} 6.

1 الآية (79) من سورة آل عمران.

2 الآية (910) من سورة الكهف.

3 الآية (93) من سورة الإسراء.

4 الآية (1) من سورة الإسراء.

5 الآية (23) من سورة البقرة.

6 الآية (41) من سورة الأنفال.

ص: 690

وقال تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} 1

وقال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} 2

وقال تعالى {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} 3.

وقال تعالى {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} 4.

وقال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} 5.

2-

التأكيد على أن الرسل لا يملكون شيئا من خصائص الألهية والربوبية

قال تعالى {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} 6.

وقال تعالى {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ} 7.

وقال تعالى {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَاّ بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ

1 الآية (1) من سورة الكهف.

2 الآية (1) من سورة الفرنان.

3 الآية (10) من سورة النجم.

4 الآية (9) من سورة الحديد.

5 الآية (20) من سورة الفرقان.

6 الآية (50) من سورة الأنعام.

7 الآية (58، 59) من سورة الأنعام.

ص: 691

مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 1.

وقال تعالى {وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} 2.

وقال تتعالى {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} 3.

وقال تعالى {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} 4.

وقال تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} 5.

وقال تعالى {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ} 6.

وقال تعالى {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} 7

3-

التنبيه على ما كان من حال النصارى هع عيسى عليه السلام وبيان كفرهم في ذلك:

قال تعالى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} 8.

وقال تعالى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ

1 الآيتان (187، 188) من سورة الأعراف.

2 الآية (20) من سورة يونس.

3 الآية (31) من سورة هود.

4 الآية (21) من سورة الجن.

5 الآية (128) من سورة آل عمران.

6 الآية (49) من سورة يونس.

7 الآية (9) من سورة الأحقاف.

8 الآية (17) من سورة المائدة.

ص: 692

الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} 1.

4-

بيان كفر من رفعهم إلى درجة الربوبية:

قال تعالى {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 2.

وبجانب هذا التأكيد على بشرية الرسل والتحذر من رفعهم فوق مكانتهم التي أعطاهم الله إياها ووصفهم بما ليزر لهم حق فيه.

أكد الإسلام وجوب الإيمان بهم وإكرامهم ورفع درجتهم وجعلهم في مكانة ومنزلة سامية. فأوجب الإيمان بهم.

قال تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا

1 الآيات (من 72- 77) من سورة المائدة.

2 الآية (80) من سورة آل عمران.

ص: 693

غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} 1.

قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: "فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد، فرد صمد، لا إله غيره ولا رب سواه.

ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء لا يفرقون بين أحد منهم فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مهديون هادون إلى سبيل الخير، وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تقوم الساعة على شريعته، ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين"2.

وفي مقابل ذلك فقد عد تكذيب واحد منهم كفرًا ولو ادعى الإيمان بالله ورسله جميعا إلا ذلك، فإيمان من هذا حاله إيمان زائف لا وزن له ولا خير فيه وصاحبه موسوم بالكفر.

قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} 3.

قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: "والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء، فإن الإيمان واجب بكل نبى بعثه الله إلى أهل الأرض فمن رد نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به

1 الآية (285) من سورة البقرة.

2 تفسير ابن كثير (1/342) .

3 الآيتان (150، 151) من سورة النساء.

ص: 694

من الأنبياء ليس إيمانًا شرعيًا إنما هو عن غرض وهوى وعصبية"1.

وبهذه الوسطية تمسك السلف الصالح ومن سار على نهجهم فالأنبياء وعلى رأسهم نبينا صلوات الله عليهم أجمعين بشر مثلنا فضلهم الله واصطفاهم واختارهم وشرفهم بحمل الرسالة وتبليغها إلى الناس، وأوجب علينا لهم من الحقوق ما سبق ذكره، وكذلك جعل لنا عليهم من الأمور والحقوق التي تطلب منهم، "فالأمور نوعان:

النوع الأول: نوع يطلب لنبينا منا ويجب له علينا.

والنوع الثاني: نوع يطلب لنا منه سواء أوجب عليه أو لم يجب. فالواجب له علينا من الحقوق بعد الموت الإيمان به ومحبته ونصره وتعزيره وتوقيره وطاعة أمره واتباع سنته وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه.

هذا بالنسبه لما يتعلق بالنوع الأول. أما ما يتعلق بالنوع الثاني: فتحقيق ذلك أن الله أمره بأشياء منها ما هو حق لله. ومنها ما هو حق للناس.

والأمر تارة يكون أمر إيجاب، وتارة أمر استحباب.

وكل ما أمر به مما فيه نفع للخلق ففيه حق لهم عليه كتبليغهم وتعليمهم والبيان لهم وأمرهم بكل معروف ونهيهم عن كل منكر، وحضهم على كل ما يقربهم إلى الجنة ونهيهم عن كل ما يبعدهم عنها وتبيين كل ما يحتاجون إليه وأمثال ذلك.

وقد فعل ذلك وتركهم على البيضاء ليلها كنهارها، وما طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لهم منه علما بأخباره وأوامره ونواهيه.

1 تفسير ابن كئبر (1/572) .

ص: 695

وكذلك كان يقوم بأخذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم، وإنصاف مظلومهم من ظالمهم، وإطعام جائعهم، وعيادة مريضهم، والصلاة على ميتهم، وأمثال ذلك من أنواع إحسانه إليهم في جميع مصالح الدنيا وا لآخرة.

فاجتمعت له صفات الكمال المتفرقة في غيره من الرسل والأنبياء وولاة الأمر وغيرهم.

وكان له من خصائص النبوة والرسالة ما لم يشركه فيه أحد بعده، وكان يقوم بالإمامة في الصلاة والإمارة في الغزو وإرسال البعوث وعقد الألوية والشعائر في الحروب وإقامة الحدود وايصال الحقوق وقسم المواريث والمغانم والفيء والصدقات، وتعليمهم ما يؤمرون به مما في القلوب من المعارف والأحوال، أو ما يقوم بالأبدان من الأقوال والأعمال، وأفتاهم فيما ينوبهم من المسائل، والحكم بينهم فيما يتنازعون فيه من القضايا، وتعبير الرؤيا وما كان وما يكون من أمر الدنيا والآخرة، وصفات الرب، وملائكته، وأمر الآخرة والجنة والنار إلى غير ذلك. فهذه الأمور التي كان مأمورًا بها أمر إيجاب أو أمر استحباب وكانت حقا عليه للخلق انتهت بموته فلم يبق عليه منها شيء.

كما أدّى حق الله الذي أمره به، فلم يبق عليه منه شيء، فجاهد في الله ونصح الأمة، وعبد ربه حتى أتاه اليقين.

وأما ما كان حقا له على الأمة ومنفعته في الحقيقة تعود عليهم، والله تعالى يثيبه بما يعملون به من طاعته مثل ثوابهم، يستجيب فيه صالح دعواهم فهو في الحقيقة حق الله وان كان فيه حق للرسول فإن الله هو الذي أمرهم به الرسول، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله.

ص: 696

فكل ما أمرهم به الرسول من واحب ومستحبا فالله آمرهم به.

وإذا أطاعوا الله ورسوله فأجرهم على الله.

وإذا عصوا الله ورسوله فحسابهم على الله.

قال تعالى {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} 1.

وقال تعالى {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَاّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَر إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} 2 وقال تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} 3 ثم قال {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} 4 فأمر بطاعته وطاعة رسوله لأن طاعته طاعة لله.

وأمرهم بالتوكل عليه وحده، وطاعة الرسول هي عبادة لله وحده والأمر والمعنى المتقدم من أن الرسول ليس عليه إلا ما أمر به من البلاغ والبيان والجهاد وليس عليه جزاء العباد ولا حسابهم ولا هدايتهم قد كرر في القرآن في مواضع. والحق الذي لله وللرسول باق بعد موت الرسول، وكذلك ما كان من حقوقه التي يمكن بقاؤها كالصلاة عليه والتسليم والتعزر والتوقير والمحبة وغيرها فهي لم تنقص بعد موته بل توكدت وقويت، بل حقوقه عليها بعد موته أكمل منها في حياته.

فمن ذلك أن من تنقصه في حياته أوسبه فإنه كان له صلى الله عليه وسلم يعفو عن حقه.

1 الآية (40) من سورة الرعد.

2 الآيات (من 21- 26) من سورة الغاشية.

3 الآية (12) من سورة التغابن.

4 الآية (13) من سورة التغابن.

ص: 697

فأما بعد موته فليس لأحد أن يعفو عن حقه ولا يسقط وكذلك في مغيبه. فعلينا أن نقوم بحقوقه الواجبة علينا في حال مماته ومغيبه أكثر مما علينا أن نقوم بها في محياه وحضوره.

وتلك الحقوق علينا له، وإذا فعلناها كانت عبادة منا لله، أجرنا فيها على الله وهي مما يزيده الله بها من فضله من جهة امتثالنا لما أمرنا به، وهو داعينا، وكلما أطعنا كان له مثل أجورنا، ومن جهة ما يصل إليه من الرحمة باستجابة الله دعاء الأمة، مع ما يزيده الله إياه من فضله. وهذه الحقوق الثابتة بعد موته هي تبع لرسالته فإنه هو السفير والواسطة بيننا ولون الله تعالى في تعليمنا وانتفاعنا بما علمنا من علم الله وخبره، وفي أمرنا وإرشادنا إلى ما أمر الله به وأحبه ورضيه وبذلك حصل لمن آمن به واتبعه سعادة الدنيا والآخرة.

بل أعظم نعمة أنعم الله بها على المؤمنين أن أرسله إليهم وأنزل عليه الكتاب، ومنَّ عليهم باتباعه. فليس في الدنيا خير أعظم من هذا1.

وبعد فهذا أنموذج من فهم السلفي لنوع العلاقة التي تربط الأمة بنبيها وهو فهم أوجبته النصوص الشرعية وأكدته وأوا فمحته ورسمته، فليس لنا أن نحيد عنه أو نبدل فيه.

وهو فهم أعطى لكل ذى حق حقه كما أوجب ربنا وشرع في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فحق الله هو توحيده، تجريد العبادة له تبارك وتعالى.

وحق الرسول الإيمان به وطاعته ومحبته وتعزيره وتوقيره والصلاة والسلام عليه إلى غير ذلك مما سبق ذكره.

1 الرد على البكري (ص 108- 112) بتصرف يسير.

ص: 698

وعن هذا التوازن في وضع الأمور في نصابها الذي أوجبه الله تعالى علينا يقول ابن القيم: "والفرق بين تجريد التوحيد وبين هضم أرباب المراتب أن تجريد التوحيد أن لا يعطى الخلوق شيئا من حق الخالق وخصائصه، فلا يعبد، ولا يصلى له، ولا يسجد ولا يحلف باسمه، ولا ينذر له، ولا يتوكل عليه، ولا يؤله ولا يقسم به على الله، ولا يعبد ليقرب إلى الله زلفى، ولا يساوى برب العالمين في قول قائل: ما شاء الله وشئت، وهذا منك ومن الله، وأنا بالله وبك، وأنا متوكل على الله وعليك، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض، وهذا من صدقاتك وصدقات الله، وأنا تائب إلى الله وإليك، وأنا في حسب الله وحسبك، فيسجد للمخلوق كما يسجد المشركون لشيوخهم يحلق رأسه له، ويحلف باسمه، وينذر له، ويسجد لقبره بعد موته، ويستغيث به في حوائجه ومهماته، ويرضيه بسخط الله، ولا يسخطه في رضا الله، ويتقرب إليه أعظم مما يتقرب إلى الله ويحبه ويخافه ويرجوه أكثر مما يحب الله ويخافه ويرجوه أو يساويه.

فإذا هضم الخلوق خصائص الربوبية، وأنزله منزلة العبد المحض الذي الأ يملك لنفسه فضلاً عن غيره ضرًا ولا نفغا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا لم يكن هذا تنقصًا له ولا حطًا من مرتبته ولو رغم المشركون.

وقد صح عن سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله"1.

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبرى عيدا "2.

1 تقدم تخريجه ص 626.

2 تقدم تخريجه ص 580.

ص: 699

وقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد"1.

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان"2.

وعن عدى بن حاتم أن رجلاً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله "3.

وقال له رجل: ما شاء الله وشئت. فقال: "أجعلتني لله ندا؟ "4.

وقال له رجل قد أذنب: الله إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد. فقال: "عرف الحق لأهله"5.

وقد قال الله له: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} 6.

وقال: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} 7.

1 تقدم تخريجه ص 591.

2 أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 384، 394، 398) . وأخرجه أبو داود في السنن، كتاب الأدب، باب لا يقال خبئت نفس (5 1 259) ح 4980. وأخرجه أبر داود في السنن، كتاب الأدب، باب لا يقال خبثت نفس (5/259) ح 4980. وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، باب النهي أن لا يقال خبثت نفس (5/259) ح 4980. وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، باب النهي أن يقال ما شاء الله وشاء فلان (ص 544) ح 985. وقال النووي: رواه أبو داود بإسناد صحيح. رياض الصالحين (ص 611) .

3 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطة (3/12-13) .

4 تقدم تخريجه ص 655.

5 أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/ 435) .

6 الآية (128) من سورة آل عمران.

7 الآية (154) من سورة آل عمران.

ص: 700

وقال: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ} 1.

وقال: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} 2 أي لن أجد من دونه من ألتجئ إليه وأعتمد عليه. وقال لابنته فاطمه وعمه العباس وعمته صفية3: "لا أملك لكم من الله شيئا" 4 وفي لفظ: "لا أغني عنكم من الله شيئا"5.

فعظم ذلك على المشركين بشيوخهم وآلهتهم، وأبوا ذلك كله، وادعوا لشيوخهم ومعبوديهم خلاف هذا كله، وزعموا أن من سلبهم ذلك فقد هضمهم مراتبهم وتنقصهم، وقد هضموا جانب الألهية غاية الهضم وتنقصوه فلهم نصيب وافر من قوله تعالى {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} 6 7.

1 الآية (49) من سورة يونس.

2 الآيتان (21، 22) من سورة الجن.

3 صفية بنت عبد المطب بن هاشم القرشية الهاشمية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدة الزبير بن العوام، وهي شقيقة حمزة، أسلمت وهاجرت مع ولدها الزبير وروت وعاشت إلى خلافة عمر. الإصابة (4/339-340) .

4 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب من انتسب لآبائه في الإسلام والجاهلية. فتح الباري (6/551) ح 3527، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب في قوله تعالى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} (1/133) .

5 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب. انظر فتح الباري (5/382) ح 2753، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب في قوله تعانى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} (1/133) .

6 الآية (45) من سورة النور.

7 الروح لابن القيم (2/766، 767) .

ص: 701

وقال أيضا رحمه الله في قصيدته النونية المسماة بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية:

يامن له عقل ونور قد غدا

يمشي به في الناس كل زمان

لكننا قلنا مقالة صارخ

في كل وقت بينكم بأذان

الرب رب والرسول فعبده

حقا وليس لنا إله ثان

فلذاك لم نعبده مئل عبادة الرحـ

ـمن فعل المشرك النصراني

كلا ولم نغلوا الغلو كما نهي

عنه الرسول مخافة الكفران

لله حق لا يكون لغيره

ولعبده حق هما حقان

لا تجعلوا الحقين حقا واحدا

من غير تمييز ولا فرقان

فالحج للرحمن دون رسوله

وكذا الصلاة وذبح ذي القربان

وكذا السجود ونذرنا ويميننا

وكذا مثاب العبد من عصيان

وكذا التوكل والإنابة والتقى

وكذا الرجاء وخشية الرحمن

وكذا العبادة واستعانتنا به

إياك نعبد ذاك توحيدان

وعليهما قام الوجود بأسره

دنيا وأخرى حبذا الركنان

وكذلك التسبيح والتكبير والتهليل

حق آلهنا الديان

لكنما التعزير والتوقير

حق للرسول بمقتضى القرآن

والحب والإيمان والتصديق لا

يختص بل حقان مشتركان

هذى تفاصيل الحقوق ثلاثة

لا تجهلوها يا أولى العدوان

حق الإله عبادة بالأمر لا

بهوى النفوس فذاك للشيطان

من غير إشراك به شيئا هما

سببا النجاة فحبذا السببان

ورسوله فهو المطاع وقوله المقبول

إذ هو صاحب البرهان

ص: 702

والأمر منه الحتم لا تخيير فيه

عند ذي عقل وذي إيمان

من قال قولا غيره قمنا على

أقواله بالسير والميزان

إن وافقت قول الرسول وحكمه

فعلى الرؤوس تشال كالتيجان

أو خالفت هذا رددناها على

من قالها من كان من إنسان

أو أشكلت عنا توقفنا ولم

نجزم بلا علم ولا برهان

هذا الذي أدى إليه علمنا

وبه ندين الله كل أوان

فهو المطاع وأمره العالى على

أمر الورى وأمر ذى السلطان

وهم المقدم في محبتنا على

الأهلين والأزواج والولدان

وعلى العباد جميعهم حتى على

النفس التي قد ضمها الجنبان

ونظير هذا قول أعداء المسيح

من النصارى عابدى الصلبان

انا تنقصنا المسيح بقولنا

عبد وذلك غاية النقصان

لو قلتم ولد إله خالق

وفيتموه حقه بوزان

وكذاك أشباه النصارى مذغلوا

في دينهم بالجهل والطغيان

صاروا معادين الرسول ودينه

في صورة الأحباب والإخوان

فانظر إلى تبديلهم توحيده

بالشرك والإيمان بالكفران

وانظر إلى تجريده التوحيد من

أسباب كل الشرك بالرحمن

واجمع مقالتهم وما قد قاله

واستدع بالنقاد والوزان

عقل وفطرتك السليمة ثم زن

هذا وذا لا تطغ في الميزان

فهناك تعلم أى حزبينا هو

المتنقص المنقوص ذو العدوان

رامي البريء بدائه ومصابه

فعل المباهت أوقح الحيوان

كمعير للناس بالزغل الذي

هو ضربه فاعجب لذا البهتان

ص: 703

يا فرقة التنقيص بل يا أمة الدعوى

بلا علم ولا عرفان

والله ما قدمتم يوما مقالته

على التقليد للانسان

والله ما قال الشيخ وقال

إلا كنتم معهم بلا كتمان

والله أغلاط الشيوخ لديكم

عين الصواب ومقتضى البرهان

ولذا قضيتم بالذي حكمت به

جهلا على الأخبار والقرآن

والله إنهم لديكم مثل معصوم

وهذا غاية الطغيان

تبا لكم ماذا النقص بعد ذا

لو تعرفون العدل من نقصان

والله ما يرضيه جعلكم له

ترسًا لشرككم وللعدوان

وكذاك جعلكم المشايخ جنة

لخلافه يشهده أولو الايمان

والله ما عظمتموه طاعة

ومحبة يافرقة العصيان

أني وجهلكم به وبدينه

وخلافكم للوحي معلومان

أوصاكم أشياخكم بخلافهم

لوفاقه في سالف الأزمان

خالفتم قول الشيوخ وقوله

فغدا لكم خلفان متفقان

والله أمركم عجيب معجب

ضدان فيكم ليس يتفقان

تقديم آراء الرجال عليه مع

هذا الغلو فكيف يجتمعان؟

كفرتم من جرد التوحيد جهلا

منكم بحقائق الإيمان

لكن تجردتم لنصر الشرك والبدع

المضلة في رضى الشيطان

والله لم نقصد سوى التجريد للتوحـ

ـيد ذاك وصية الرحمن

ورضى رسول الله منا لا غلـ

ـو الشرك أصل عبادة الأوثان

والله لو يرضى الرسول دعاءنا

إياه بادرنا إلى الإذعان

والله لو يرضى الرسول سجودنا

كنا مخر له على الأذقان

ص: 704

والله ما يرضيه منا غير إخـ

ـلاص وتحكيم لذا القرآن

ولقد نهي ذا الخلق عن إطرائه

فعل النصارى عابدي الصلبان

ولقد نهانا أن نصير قبره

عيدا حذار الشرك بالرحمن

ودعا بأن لا يجعل القبر الذي

قد ضمه وثنا من الأوثان

فأجاب رب العالمين دعاءه

وأحاطه بثلاثة الجدران

حتى اغتدت أرجاؤه بدعائه

في عزة وحماية وصيان

ولقد غدا عند الوفاة مصرحا

باللعن يصرخ فيهم بأذان

وعني الألى جعلوا القبور مساجدا

وهم اليهود وعابدوا للصلبان

والله لولا ذاك أبرز قبره

لكنهم حجبوه بالحيطان

قصدوا إلى تسنيم حجرته ليمتنـ

ـع السجود له على الأذقان

قصدوا موافقة الرسول وقصده

التجريد للتوحيد للرحمن1.

1 انظر: توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شر تصيدة ابن القيم (2/346-354) .

ص: 705