الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: مجمل تاريخ اليهود
من المعلوم أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، ويعقوب هو الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل، وكان يسكن في منطقة فلسطين، متنقلاً في مناطق عدة فيها، وكان توطنها هو وأبناؤه من بعد إبراهيم الخليل عليه السلام يعيشون فيها حياة البداوة. قال ?عز وجل فيما حكاه من كلام يوسف عليه السلام:{وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِن قَبْلُ قَدْ جَعلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحسَنَ بِي إِذ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَآءَ بِكُم مِنَ البَدْوِ} يوسف آية (100) .
قال ابن كثير: "من البدو" أي من البادية، قال ابن جريج وغيره:"وكانوا أهل بادية وماشية "1.
ولهذا سنبدأ في بيان تاريخ اليهود من يعقوب عليه السلام ودخوله أرض مصر.
أولاً: انتقال يعقوب عليه السلام بأولاده من بادية فلسطين إلى مصر:
بعد أن مكَّن الله ليوسف عليه السلام في أرض مصر وصار على خزائنها، أرسل إلى أبيه وأهله جميعاً أن يأتوا إليه، فأقبل يعقوب عليه السلام بأولاده وأهله جميعاً إلى مصر واستوطنوها، ويذكر اليهود في كتابهم أن عدد أنفس بني إسرائيل حين دخلوا مصر سبعون نفساً. وكانوا شعباً مؤمناً بين وثنيين، فاستقلوا بناحية من الأرض أعطاهم إياها فرعون مصر، فعاشوا عيشة طيبة زمن يوسف عليه السلام.
ثم بعد وفاة يوسف عليه السلام بزمن الله أعلم
1 تفسير ابن كثير (2/448) .
بطوله تغيَّر الحال على بني إسرائيل وانقلب عليهم الفراعنة طغياناً وعتوًا واستضعافاً لبني إسرائيل، فاستعبدوهم وأذلوهم، وبلغ بهم الحال ما ذكر الله عز وجل في قوله:{إِنَّ فِرْعَونَ عَلَا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيعًا يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ، كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَونَ وَهاَمانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ} القصص آية (4-6) .
فكان الفراعنة يقتلون الذكور ويستحيون الإناث، واستمرت هذه المحنة وهذا البلاء عليهم زمناً طويلاً، إلى أن بعث الله عز وجل موسى عليه السلام، فدعا فرعون إلى الإيمان بالله، وأن يترك دعوة الناس إلى عبادة نفسه، وأن يرفع العذاب عن بني إسرائيل، ويسمح لهم بالخروج من مصر.
فأبى فرعون ذلك بغطرسة وكبر، واستمر في تعذيب بني إسرائيل كما قال عز وجل:{وَقَالَ المَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَومَهُ، لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرضِ وَيَذَرَكَ وَآلهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحِي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} الأعراف آية (127) .
فأخذ الله تعالى فرعون وقومه بالجدب وهلاك الزروع، وأرسل عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، ولكنهم استكبروا وجحدوا، فأوحى الله إلى موسى??عليه السلام بعد ذلك بالخروج ببني إسرائيل.
ثانياً: خروج بني إسرائيل من مصر:
خرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل ليلاً بأمر الله عز وجل له بذلك، قال ?
فأنجى الله عز وجل موسى ومن معه، وأهلك فرعون وجنوده.
ويذكر اليهود في كتابهم أن مدَّة مكثهم في مصر كانت أربعمائة وثلاثين عاماً 1، وكان عدد الرجال عند الخروج دون النساء والأطفال نحو ستمائة ألف رجلٍ 2، وهذا عدا بني لاوي أيضاً الذين لم يحسبوهم.
وهو عدد مبالغ فيه جدا، إذ معنى ذلك أن عددهم كان وقت خروجهم بنسائهم وأطفالهم قرابة مليوني نسمة، وهي دعوى مبالغ فيها جدا ولا يمكن تصديقها، إذ أن ذلك يعني أنهم تضاعفوا خلال فترة بقائهم في مصر قرابة ثلاثين ألف ضعف، إذ كان عددهم وقت الدخول سبعين نفساً، والله عز وجل قد ذكر قول فرعون {إنَّ هؤلاء لشرذمةٌ قليلون} ومليونا شخص لا يمكن أن يعبَّر عنهم بهذا.
1 سفر الخروج (12/40) ، وأكثر علمائهم على أن المدة المذكورة خطأ، وأن الصواب هو 215 عاماً فقط هي كل مدة بقائهم في مصر. انظر: اليهودية والمسيحية ص74، اليهودية. أحمد شلبي ص261.
2 سفر الخروج (12/37) .
كما أن تحرك مليوني شخص في ليلة واحدة مستحيل، إذا علمنا أن في هذا العدد أطفالاً ونساءً وشيوخاً. والله أعلم.
ثالثاً: ما حدث من بني إسرائيل بعد الخروج:
حدث من بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر حوادث عدة.
فمن هذه الحوادث: طلبهم من موسى أن يجعل لهم صنماً إلهاً، وفي هذا يقول الله عز وجل:{وَجَاوَزنَا ببني إسرائيل البحرَ فَأتواْ علَى قَومٍ يعكُفُونَ على أصنامٍ لَّهُم قالواْ يَا موسَى اجْعَلْ لنَا إِلَهاً كَمَا لَهُم آلهة قَالَ إنّكُم قَومٌ تجهَلُونَ إنَّ هَؤلَاءِ مُتبّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعمَلُونَ قَالَ أغَيرَ اللهِ أَبغِيكُم إلهاً وَهُوَ فَضَّلكُم عَلَى العَالَمِينَ} الأعراف (138-140) .
ولا شك أن هذا الطلب من بني إسرائل مدعاة للعجب والاستنكار، فقد رأوا من الآيات ما فيه مقنع وكفاية لو كانوا يعقلون.
ومنها: عبادتهم للعجل:
وذلك أن موسى عليه السلام لما ذهب لموعده مع ربِّه، أضل السامري بني إسرائيل، وصنع لهم عجلاً مسبوكاً من الذهب الذي استعاره بنو إسرائيل من المصريين عند خروجهم من مصر، ودعاهم إلى عبادته، فعبدوه في غياب موسى عليه السلام، وقد حذّرهم هارون عليه السلام ونهاهم عن ذلك.
قال الله عز وجل: {وَلقَد قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتَنْتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُواْ أَمرِي قَالُواْ لَن نَّبرَحَ عَليهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرجِعَ إِلينَا مُوسَى} طه آية (90-91) .
ولما رجع موسى عليه السلام إلى قومه غضبان أسفا، أنَّبهم وأحرق العجل وذراه في اليم، ثم حكم عليهم بأن يقتل عبدة العجل أنفسهم ليتوب الله عليهم. وروي في كيفية قتلهم أن يقوم أناس منهم بالسكاكين ومن عبد العجل جلوس، فتغشاهم ظلمة فيبتدئ الواقفون بطعن الجالسين حتى تنقشع الظلمة فتكون توبة لمن مات ولمن بقي منهم1.
ومنها: نكالهم عن قتال الجبابرة:
دعا موسى?عليه السلام قومه إلى قتال الجبابرة وهم قوم من الحيثانيين والفزريين والكنعانيين، وكانوا يسكنون الأرض المقدسة 2. فأبى بنوا إسرائيل القتال وجبنوا عنه، واقترحوا على موسى عليه السلام ما ذكره الله عز وجلفي قوله: {قَالُواْ يا موسى إِنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعِدُونَ} المائدة (24) ، فهناك دعا موسى عليه السلام ربّه عز وجل بقوله: {قال ربّ إنِّي لا أملك إلَاّ نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} المائدة (25) . فحكم الله عليهم بالتيه بقوله: {قال فإنها محرَّمةٌ عليهم أربعين سنة
1 انظر تفسير ابن كثير (1/ 80) .
2 أُختلف في تحديد الأرض المقدسة: فقيل هي أريحا، وقيل هي الطور وما حوله، وقيل الشام، وقيل دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وقيل هي بيت المقدس. وقال ابن جرير: لن تعدو أن تكون في الأرض التي بين الفرات وعريش مصر. انظر:تفسير ابن جرير (6/172) تفسير ابن كثير (2/36) .
يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين} المائدة (26) فظلوا تائهين المدة التي قضي الله عليهم.
ومات في هذه الفترة موسى عليه السلام، وكان هارون عليه السلام مات قبله أيضاً.
ويقول اليهود في كتابهم التوراة: إنه قد مات في زمن التيه كل من كان بالغاً وقت نكولهم، ولم يدخل الأرض المقدسة منهم سوى يوشع بن نون وكالب بن يوفنا، وهما فيما قيل اللذان قال الله عنهم {قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب} المائدة (23) .
رابعاً: دخول بني إسرائيل أرض فلسطين:
بعد انقضاء المدة المحكوم على بني إسرائيل فيها بالتيه، فتح بنو إسرائيل الأرض المقدسة بقيادة يشوع بن نون عليه السلام.1 ويذكر اليهود أنهم دخلوها من ناحية نهر الأردن.
1 هكذا يسميه اليهود وهو المعروف عندنا بـ (يوشع بن نون) عليه السلام وهو نبي من الأنبياء ويدل على نبوته حديث أبي هريرة (أن النبي (قال "إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس" أخرجه الإمام أحمد (2/325)، وقال ابن كثير:هو على شرط البخاري - البداية والنهاية (1/333) وصححه الحافظ في الفتح (221)، ويدل على أن هذا النبي هو يوشع عليه السلام مارواه البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً أن النبي عليه الصلاة والسلام قال " غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لايتبعني رجل ملك بضع إمرأة وهو يريد أن يبني بها
…
، ثم قال: فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم أحبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليهم " البخاري مع الفتح (6/220) وقد أكد أن المقصود بهذا الحديث هو يوشع بن نون كل من ابن كثير في البداية والحافظ ابن حجر في الفتح. انظر كلامهما في الموضعين السابقين.
ويقسم المؤرخون تاريخهم في فلسطين إلى ثلاثة عهود:
أ - عهد القضاة:
والمراد به أن يوشع بن نون عليه السلام لما فتح الأرض المقدسة، قسم الأرض المفتوحة على أسباط بني إسرائيل، فأعطى لكل سبط قسماً من الأرض، وجعل على كل سبط رئيساً من كبرائهم، وجعل على جميع الأسباط قاضياً واحداً يحتكمون إليه فيما شجر بينهم، وهو يمثل الرئيس لجميع الأسباط، واستمر هذا الحال ببني إسرائيل قرابة أربعمائة عام فيما يذكر اليهود، وكان بينهم وبين أعدائهم حروب دائمة يكون النصر فيها لبني إسرائيل مرَّة ولأعدائهم أُخرى.
ب - عهد الملوك:
وهو العهد الذي بدأ فيه الحكم ملكياً، وقد قص الله علينا خبر أول ملوكهم في قوله عز وجل:{ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله} البقرة (246) .
فجعل الله عز وجل عليهم طالوت ملكاً، فقبلوه على كره منهم ويسمونه في كتابهم شاؤول.
وملك عليهم بعده داود عليه السلام، ثم ابنه سليمان عليه السلام وكان عهدهما أزهى العهود التى مرت على بني إسرائيل على الإطلاق، وذلك لما أوتيه هذان النبيان الكريمان من العدل والحكمة مع الطاعة والعبادة لله عز وجل.
ج - عهد الانقسام:
هو العهد التالي لسليمان عليه السلام حيث تنازع الأمر بعده رحبعام بن
سليمان عليه السلام ويربعام بن نباط، فاستقل رحبعام بسبط يهوذا وسبط بنيامين، وكوَّن دولة في جنوب فلسطين عاصمتها " بيت المقدس "، وسميت دولة يهوذا نسبة إلى سبط حكامها، وهو سبط يهوذا الذي من نسله داود وسليمان عليهما السلام وملوك تلك الدولة.
واستقل يربعام بن نباط بالعشرة أسباط الأخرى، وكوَّن دولة في شمال فلسطين، سميَّت دولة إسرائيل وجعل عاصمتها نابلس1، وأهل هذه الدولة يسمون لدى اليهود ب "السامريين "، نسبة إلى جبلٍ هناك يسمى " شامر " اشتراه أحد ملوكهم وهو "عمري" وسماه نسبة إلى صاحبه السامرة 2، وسميت منطقتهم " السامرة ".
ويلاحظ أن السامريين -وهم شعب دولة إسرائيل - غيّروا قبلتهم من بيت المقدس إلى جبل يسمى "جرزيم " 3ويعتبرهم اليهود من شعب يهوذا ملاحدة وكفاراً لتغييرهم القبلة.
ثم إنَّ الدولتين كان بينهما عداء وقتال، وكان يحدث في بعض الفترات من تاريخهما توافق وتعاون، وكانت دولة إسرائيل كثيرة القلاقل والفتن وتغيَّرت الأسرة الحاكمة فيها مراراً عديدة. أما دولة يهوذا فاستقر الحكم في سبط يهوذا في ذرية سليمان بن داود عليه السلام، وكانت تقع على الدولتين حروب من جيرانهم الأراميين4،
1 انظر هذا التقسيم في: اليهودية لأحمد شلبي ص 75 -87.
2 انظر: سفر الملوك الأول (16/23 -25) .
3 وهو يقع في منطقة نابلس. انظر قاموس الكتاب المقدس ص 258.
4 الأراميون: إحدى الشعوب السامية التي سكنت في المنطقة الممتدة من جبال لبنان في الغرب إلى ما وراء الفرات شرقاً، ومن جبال طوروس في الشمال إلى دمشق وما وراءها جنوباً. قاموس الكتاب المقدس 42.
والفلسطينيين1،والأدوميين2 والموآبيين3 كما أن الدولتين وقع من حكامهما وشعبيهما عبادة للأصنام في كثير من الأوقات وخاصة دولة إسرائيل واليهود السامريين 4.
خامساً: استيلاء الأجنبي عليهم:
استمرت دولة إسرائيل مستقلة لها سيادتها على أرضها قرابة 244عاماً5حيث سقطت بعدها في يد الآشوريين زمن ملكهم سرجون عام 722ق. م تقريباً فسبي شعبها، وأسكنهم في العراق، وأتى بأقوام من خارج تلك المنطقة وأسكنهم إياها، فاعتنقوا فيما بعد ديانة بني إسرائيل6وبذلك تمَّ القضاء على تلك الدولة.
أما دولة يهوذا فاستمرت قرابة 362 عاماً7 ثم سقطت بأيدي فراعنة مصر
1 الفلسطينيون: شعوب قدمت من جزيرة كريت وقطنت فلسطين قبل مجيء بني إسرائيل إليها، وكانوا يسكنون في منطقة غزة والساحل الغربي من فلسطين. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص 693.
2 الأدوميون هم من نسل عيسو بن يعقوب عليه السلام وكانوا يسكنون في المنطقة الممتدة من البحر الميت إلى خليج العقبة. قاموس الكتاب المقدس ص 39.
3 المؤابيون من الشعوب السامية التي كانت تقطن المنطقة التي يحدها من الغرب البحر الميت وتمتد إلى الشرق قليلاً قاموس الكتاب المقدس ص 927.
4 انظر: تاريخ هاتين الدولتين في سفر الملوك الأول - الأصحاح 11 إلى سفر الملوك الثاني الأصحاح السابع عشر.
5 حسب عدد سنوات حكم ملوكهما، انظر سفر الملوك الأول والثاني، وكذلك كتاب تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم ص 178.
6 سفر الملوك الثاني، الأصحاح 17. وهذا يدل على دخول شعوب أخرى في هذه الديانة فبالتالي ليس كل اليهود من بني إسرائيل.
7 حسب عدد سنوات حكم ملوكهما، انظر سفر الملوك الأول والثاني، وكذلك كتاب تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم ص 178.
عام 603 ق. م تقريباً، وفرضوا عليها الجزية، وامتد حكم الفراعنة في ذلك الوقت إلى الفرات.
ثم جاء بعد ذلك حاكم بابل الكلداني بختنصر، واسترجع منطقة الشام وفلسطين، وطرد الفراعنة منها، ثم زحف مرة أخرى على دولة يهوذا التي تمردت عليه، فدمَّرها ودمَّر معبد أورشليم وساق شعبها مسبياً إلى بابل، وهذا ما يسمَّى بالسبي البابلي، وكان في هذا نهاية تلك الدولة التي تسمى يهوذا1وذلك في حدود عام 586 ق. م.
ثم سقطت دولة بابل في يد الفرس في عهد ملكهم "قورش " سنة 538 ق. م. الذي سمح لليهود بالعودة إلى بيت المقدس، وبناء هيكلهم وعين عليهم حاكماً منهم من قبله.
ومن الجدير بالذكر أن اليهود ذكروا في كتابهم أن "قورش" أرسل النداء في مملكته قائلاً "جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء، وهو أوصاني أن أبني له بيتاً في أورشليم التي في يهوذا
…
" 2 وهذا النص إذا صدق اليهود فيه يكون دليلاً على أن " قورش " كان مؤمناً بالله.
واستمر حكم الفرس من 538-332 ق. م، ثم زحف على بلاد الشام وفلسطين الاسكندر المقدوني اليوناني3 واستولى عليها، وأزال حكم الفرس
1 انظر سفر الملوك الثاني الأصحاح 24.
2 سفر عزر الأصحاح الأول (2) .
3 الاسكندر المقدوني اليوناني،الذي امتدّت دولته فشملت فارس والعراق والشام ومصر، واستولى على أكثر الأرض في زمنه. توفي فيما يقال 324 ق. م. انظر المنجد في الأعلام ص 43.
بل استولى على بلادهم وبلاد مصر والعراق، فدخلت هذه المناطق تحت حكمهم من نهاية القرن الرابع قبل الميلاد إلى منتصف القرن الأول قبل الميلاد، حيث زحف بعد ذلك على البلاد القائد الروماني "بومبي" سنة 64 ق. م، وأزال حكم اليونانيين عنها، فدخل اليهود تحت حكم الرومان وسيطرتهم1.
سادساً: تشتتهم في الأرض:
في زمن سيطرة الرومان على منطقة فلسطين بُعث المسيح عليه السلام وبعد رفعه وقع بلاء شديد على اليهود في فلسطين، حيث قاموا بثورات ضد الرومان، مما جعل القائد الروماني تيطس عام 70م يجتهد في استئصالهم والفتك بهم وسبي أعداد كبيرة منهم وتهجيرها، ودمر بيت المقدس ومعبد اليهود، وكان هذا التدمير الثاني للهيكل2، وقد زاد في تدمير الهيكل الحاكم الروماني أدريان سنة 135م، حيث أمر جنوده بتسوية الهيكل بالأرض، وبنى فيها معبداً لكبير آلهة الرومان الذي يسمونه "جوبتير "وهدم كل شيءٍ في المدينة، ولم يترك فيها يهودياً واحداً، ثم منع اليهود من دخول المدينة، وجعل عقوبة ذلك الإعدام، ثم سمح لليهود بالمجيء إلى بيت المقدس يوماً واحداً في السنة والوقوف على جدار بقي قائماً من سور المعبد، وهو الجزء الغربي منه، وهو الذي يسمى " حائط المبكى3 ".
1 انظر: تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم ص 290-297.
2 انظر: تاريخ بني إسرائيل محمد عزه دروزه ص 381.
3 أبحاث في الفكر اليهودي، لحسن ظاظا ص (36 - 38) وقال ول ديورانت: إن الحاكم الروماني حرم عليهم الدخول إلا في يوم تلك الذكرى المؤلمة نظير جُعلٍ معين، فيأتوا إليها ليندبوا ويبكوا أمام جدران الهيكل المهدم. قصة الحضارة 3/ص4
وبهذا تشتت اليهود في أنحاء الأرض، وسلط الله عليهم الأمم يسومونهم سوء العذاب ببغيهم وفسادهم وسوء أخلاقهم. وفي هذا يقول الله عز وجل {وإذ تأذَّن ربُّك ليبعثنَّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربَّك لَسَرِيع العِقَابِ وَإنَّهُ لغفورٌ رَّحيم} الأعراف الآية (167) .
وكان من الجزاء الذي حكم الله به عليهم مع هذا العذاب المستمر إلى يوم القيامة تقطيعهم في الأرض وتشتيتهم فيها جزاء كفرهم وفسادهم. قال صلى الله عليه وسلم??: {وَقطّعناهم في الأرض أمماً مِّنهم الصَّالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيِّئات لعلَّهم يرجعونَ فَخَلَفَ مِن بعدهم خلْفٌ ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيُغفر لنا وإن يأتهم عرضٌ مثلُهُ يأخذوه ألم يُؤخَذ عليهم ميثاقُ الكتاب ألَاّ يقولوا على الله إلاّ الحقَّ ودرسوا ما فيه والدَّار الآخرةُ خيرٌ للَّذين يتَّقون أفلا تعقلون} الأعراف (168-169) .
فهذه الآيات الكريمة تشرح واقع اليهود. فالآية الأولى تفيد بأن الله قضى عليهم بالعذاب المستمر بأيدي الناس إلى يوم القيامة.
والآية الثانية: تفيد بتمزيقهم في الأرض، وتمزيقهم أدعى إلى أن يقع بسببه البلاء الشديد عليهم جماعة جماعة، ولا يستطيع أن ينصر بعضهم بعضاً بسببه.
وقد خلف المسلمون الرومان النصاري في القرن الأول الهجري الذي يوافق القرن السابع الميلادي على الشام وفلسطين وجميع ما كان في يد الرومان في هذه المناطق.
وكان اليهود في حالة تشتت وتفرُّق في جميع أنحاء الأرض، ولم يكن يسمح وقتها لليهود بالسكنى في بيت المقدس، كما سبق بيانه، بل كان من بنود المعاهدة بين نصارى بيت المقدس وعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يسمح لليهود بالسكن في بيت المقدس1. فاستمرَّ اليهود في التشتت والتمزُّق في أنحاء الأرض إلى بداية القرن العشرين.
سابعاً: تجمعهم في فلسطين في العصر الحديث:
لقد ابتدأت الفكرة لدى العالم الغربي في تجميع اليهود في دولة من أيام حملة نابليون بونابرت الفرنسي2 عام (1799) م حيث دعا يهود آسيا وأفريقيا للإنضمام إلى حملته من أجل بناء مدينة القدس القديمة، وقد جنَّد منهم عدداً كبيراً في جيشه، إلَاّ أنَّ هزيمة نابليون واندحاره حالا دون ذلك.
ثم ابتدأت الفكرة تظهر على السطح مرَّة أخرى، وبدأ العديد من زعماء الغرب وكبار اليهود يهتمون بها ويؤسسون كثيراً من الجمعيات المنادية لهذا الأمر، وابتدأ التخطيط الفعلي من إصدار" تيودور هرتزل"3 الزعيم الصهيوني عام (1896) م، كتابه " الدولة اليهودية"، حيث عقد مؤتمر بال في سويسرا سنة (1897) م.
وجاء في خطاب افتتاح هذا المؤتمر: " إننا نضع حجر الأساس في بناء البيت
1 انظر: تاريخ الطبري (3/609) طبعة دار المعارف، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
2 نابليون بونابرت امبراطور فرنسا، كان غز الشرق 1799م. توفي سنة 1815 بعد أن عزل ونفي انظر: المنجد ص 703.
3 تيودور هرتزل مجري يهودي أسس الحركة الصهيونية، توفي 1904 م. المنجد ص 727.
الذي سوف يؤوي الأمة اليهودية "، ثم اقترح برنامجاً يدعو إلى تشجيع القيام بحركة واسعة إلى فلسطين، والحصول على اعتراف دولي بشرعيَّة التوطين.
وكان من قرارات ذلك المؤتمر:
إنشاء " المنظمة الصهيونية العالمية " لتحقيق أهداف المؤتمر، والتي تولّت أيضاً إنشاء جمعيات عديدة علنية وسرِّية لتخدم هذا الهدف 1
ودرس اليهود حال المستعمرين، فوجدوا أن بريطانيا أنسب الدول لهذا الأمر التي تتفق رغبتها في وضع داء في وسط الأمة الإسلامية موالٍ للغرب2 مع رغبة اليهود في وطن قومي لهم، وكانت أكثر البلاد العربية تحت سيطرتها، فدبروا معها المؤامرة، وأخذوا بذلك وعداً من "بلفور" رئيس وزراء بريطانيا، ثم وزير خارجيتها عام (1917) م، أعلن فيه أن بريطانيا تمنح اليهود حق إقامة وطن
1 انظر: التاريخ اليهودي العام ص 196. المسألة اليهودية ص 198.
2 اجتمعت الدول الاستعمارية: بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا عام (1907) م، للبحث في عوامل البقاء لدولهم واستعمارهم، ومما خرجوا به من قرارات، ما يعرف بتقرير كامبل باترمان، ونورد نصه لأهميته حيث جاء فيه:" إن الخطر ضد الاستعمار يكمن في البحر الأبيض المتوسط فعلى الشواطئ الشرقية والجنوبية لهذا البحر شعب واحد، تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللغة وكل مقوِّمات التجمع والترابط، هذا فضلاً عن ثرواته الطبيعية ونزعته للتحرر، فلو أخذت هذه المنطقة بالوسائل الحديثة، وإمكانيات الصناعة الأوربية، وانتشر التعليم بها فستحل الضربة القاضية بالاستعمار الغربي، فيجب إذن على الدول ذات المصالح المشتركة أن تعمل على استمرار تجزؤ هذه المنطقة وإبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وتأخر، وهذا يستلزم فصل الجزء الأفريقي في هذه المنطقة عن الجزء الأسيوي، وتقترح اللجنة لذلك إقامة حاجز بشري قوي وغريب يحتل الجسر الذي يربط آسيا بأفريقيا حيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوَّة صديقة للإستعمار وعدوة لسكان المنطقة".نقلاً عن تاريخ المشرق العربي ص 493.
ويتضح من هذا التقاء المصالح الغربية والأطماع اليهودية، وأنهم جميعاً كادوا الأمة الإسلامية
…
والله غالب على أمره.
قومي لهم في فلسطين، وأنها ستسعى جاهدة في تحقيق ذلك. وكان اليهود قد بدأوا الهجرة إلى فلسطين في الوقت الذي كانت فيه فلسطين تحت الإنتداب البريطاني، فاستطاع اليهود بسبب الهجرة من تكوين دولة داخل دولة، وكانت الحكومة البريطانية تحميهم من بطش المسلمين، وتتعامل معهم بكل التسامح، في الوقت الذي تتعامل فيه مع المسلمين بكل شدَّة وتنكيل.
ولما ضعفت بريطانيا عن تحقيق أماني اليهود أحالت الأمر إلى الأمم المتحدة والتي تتزعمها الولايات المتحدة، التي بدورها استلمت الدور البريطاني في المنطقة، فأرسلت الأمم المتحدة لجانها إلى فلسطين، ثم قررت هذه اللجان تقسيم فلسطين بتخطيط يهودي وضغط أمريكي، فأعلن قرار التقسيم لفلسطين بين المسلمين واليهود في 29/11/1947م.
فقررت الحكومة البريطانية بعده الانسحاب من فلسطين، تاركة البلاد لأهلها، وذلك بعد أن تأكَّدت أن اليهود قادرون على تسلم زمام الأمر، فحال خروجها في مايو عام (1948) م، أعلن اليهود دولتهم التي اعترفت بها أمريكا بعد إحدى عشرة دقيقة، وكانت روسيا قد سبقتها بالاعتراف، ثم استطاعت هذه الدولة اليهودية أن تقوم على قدميها، وأن تخوض ضد المسلمين عدَّة حروب، مني فيها المسلمون بهزائم، بسبب بعدهم عن دينهم، وتفرقهم إلى أمم وأحزاب، وخيانة بعضهم 1 *.
1 انظر: التاريخ اليهودي العام ص 258 وما بعدها.
(*) لقد هزم العرب أمام اليهود في عام (1956، 1967م) هزائم منكرة.والواقع أن هذا إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدلُّ على فساد الأنظمة العربية التي فشلت في مواجهة مجموعة من حثالة البشر وأن هذه الأنظمة لا زالت في فشلها وهزيمتها واندحارها، وهذا دليل على عدم صلاحية العلمانية والقومية والديمقراطية التي تتوزَّع إليها أكثر الأنظمة العربية، لأنها من أهم الأسباب في فشل تلك الدول في رفع العار عن المسلمين، ورد حقهم إليهم، ودحر عدوهم فعليه فالأجدر بحكام المسلمين أن يعودوا إلى الله عز وجل، وإلى دينهم لعل الله أن ينصرهم فيحوزا عز الدنيا وفوز الآخرة.
ولا زالت هذه الدولة قائمة في قلب الأمة الإسلامية داءً سيفجر كثيراً من الفساد والشرور، ما لم يقتلع من جذوره، فاليهود منذ أزمان بعيدة وهم داء، أينما حلوا نشروا الفساد والشحناء والعدوان بين أهل البلاد التي يحلون فيها، وقد رأت الدول الغربية أنها ستكسب مكسبين عظيمين من إقامة هذا الكيان في جسد الأمة الإسلامية:-
أحدهما: أنها تسلم من شرور اليهود وسيطرتهم، وفسادهم وتحكمهم في البلاد وثرواتها.
ثانيهما: أنها تضع في قلب الأمة الإسلامية دولة حليفة لهم، وهي في نفس الوقت علة تستنزف قوى الأمة الإسلامية، وتضع بذور الفرقة والخلاف بين أفرادها، حتى لا تقوم لها قائمة.
وهذا الوضع لا زال قائماً، والأيام مليئة، وكل يوم يظهر الهدف واضحاً، وتظهر الشخصية اليهودية الحقيقية أكثر وأوضح، وما لم يفق المسلمون لواقعهم المرير، وينظروا لمستقبلهم بالعين المستبصرة بنور الله، المهتدية بشرعه الواثقة من نصره، فإنه لن يتغير الحال، بل ستزداد الأزمات والمصائب على العالم الإسلامي، حتى يأذن الله بأمره وتعود الأمة إلى ربها ودينها فتكون جديرة بنصر الله واستعادة مقدساتها.
ونرى أن تجمعهم هذا مقدمة لتحقيق كلام الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم بأن المسلمين يقتلون اليهود 1. ولعل فلسطين ستكون مقبرتهم، والله غالب على أمره، ولن
1 روى مسلم في صحيحه (4/2239) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله. إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ".
والغرقد: نوعٌ من شجر الشوك معروف ببلاد بيت المقدس.
يفلح قوم سجل الله عليهم غضبه ولعنهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة، بل لعلها مؤذنة بفنائهم والقضاء على بذرتهم الخبيثة، كما نرى أنهم ما توصلوا إلى ما توصلوا إليه إلَاّ بعد أن صار المسلمون في غاية التخلف والضعف والبعد عن الدين الذي به يتوصلون إلى خير الدنيا والآخرة.
مسألة: ادعاء اليهود أن لهم حقاً تاريخياً ودينياً في فلسطين:
قد تقدم بيان أن بني إسرائيل هم سلالة يعقوب عليه السلام، وأن أول دخول لهم إلى فلسطين كان مع يوشع بن نون بعد وفاة موسى عليه السلام في التيه وبعد نكولهم عن القتال أول الأمر.
وقد كان في فلسطين قبل استيلاء بني إسرائيل عليها ثلاث قبائل وهم:
الفينيقيون: وسكنوها حوالى سنة (3000) ق. م واستوطنوا المنطقة الشمالية منها على البحر الأبيض المتوسط.
الكنعانيون: نزلوا جنوب الفينيقيين، وشغلوا المنطقة الوسطى من فلسطين سنة (2500) ق. م.
وهذه كانت من القبائل العربية المهاجرة من شبه الجزيرة العربية، ثم جاءت جماعات من جزيرة كريت حوالي عام (1200) ق. م، وكانت تسمى فلستين، ونزلت بين يافا وغزَّة على البحر الأبيض المتوسط. وسمَّى الكنعانيون هولاء القوم فلسطين، وغلبت التسمية على المنطقة كلها، فأًصبحت تدعى
فلسطين 1.
وحسب ما أورده اليهود في كتابهم، وما كُتب في تاريخ المنطقة، فإن هذه الشعوب استمرَّت في المنطقة، وكان بينها وبين بني إسرائيل واليهود حروب عديدة، استمرت طوال فترة وجود اليهود في تلك المنطقة.
فمن الناحية التاريخية، يتبيَّن لنا أن اليهود ليسوا أول من سكن فلسطين، بل دخلوها أو بعضها واستولوا على أجزاء منها بعد أن كانت في يد هؤلاء القوم.
أما من الناحية الدينية، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام:{يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كَتَبَ الله ُ لَكُمْ وَلَا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} ?المائدة الآية (21) .
فقوله تعالى {كَتَبَ الله ُ لَكُمْ}
قال ابن اسحاق: "التي وهب الله لكم ".
وقال السدي: " التي أمركم الله بها ".
وقال قتادة: "أمر القوم بها كما أمرنا بالصلاة والزكاة والحج والعمرة"2. ?
إذاً قوله تعالى: {كَتَبَ الله ُ لَكُمْ} ليس هو تمليك على رأي بعض العلماء، وعلى الرأي الآخر هو تمليك لهم بشرط أن يدخلوها. وعلى رأي البعض: هي هبة لهم. فهذا يبيِّن معنى {كَتَبَ الله ُ لَكُمْ} ، ومع هذا فليس فيه دليلٌ على أن لهم الحق في فلسطين، وذلك لأن الله ينعم على عباده المؤمنين في حال الإيمان بنعم كثيرة، وهي لهم في حال الإيمان، أما في حال الكفر فلا
1 انظر: اليهودية أحمد شلبي ص 41.
2 ابن جرير (6/173) ، فتح القدير للشوكاني (2/29) .
حق لهم بها. وبنوا إسرائيل حين أمرهم الله بالدخول نكلوا، فمنعهم منها، وحين استجابوا وأطاعوا منحها الله لهم.
لهذا قال ابن كثير في الآية: "التي وعدكموها الله على لسان أبيكم إسرائيل، إنه وراثة من آمن منكم "1.
فعليه فهي لهم في حال إيمانهم، أما في حال كفرهم فليس لهم فيها حق. يدل على هذا قول قول الله جل وعلا:{فَأَوحَى إِلَيهِم ربُّهُم لنهلِكَنَّ الظَّالمين ولنُسَكِنَنكُمُ الأَرضَ مِن بعدهِم ذَلِكَ لمن خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} إبراهيم الآية (14) .وقال: {وَلَقَدْ كَتَبنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَالِحُونَ} الأنبياء الآية (105) .
وبما أن اليهود كفروا بالله وبأنبيائه، وسجل الله عليهم غضبه ولعنته، فليس لهم حق في الأرض المقدسة، بل هي من حق عباده المؤمنين، كما قال تعالى:{أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَالِحُونَ} .
مسألة: كذب اليهود المعاصرين في ادعائهم أنهم نسل بني إسرائيل:
اليهود المعاصرون يشيعون وينشرون أنهم نسل بني إسرائيل الأوائل الذين قطنوا فلسطين، وهم في زعمهم وارثوا أولئك الاسرائيليين الأوائل الذين كانوا في فلسطين. ويجتهد اليهود في نشر دعوى نقاء العنصر اليهودي من الإختلاط بالأمم الأخرى، فهم جنس حافظ - في زعمهم - على نقاء عنصره، ولليهود في ذلك هدف خطير وحيوي بالنسبة لهم، وهو أن هذه الدعوة
1 تفسير ابن كثير (2/36) .
تجعلهم في نظر النصارى أبناءً ليعقوب ومن ذريَّته، فيكونون بذلك مقصودون بالوعود الواردة في العهد القديم لبني إسرائيل، فيستدرون بذلك عطف النصارى وإحسانهم ونصرتهم، خاصة إذا علمنا أن النصارى يقدسون التوراة ويعتقدون أن ما فيها وحي من الله عز وجل كما سيأتي بيانه.
لكن الواقع يكذب اليهود في دعواهم نقاء جنسهم، وذلك أن نظرة عامة في هيآتهم وسحنتهم تدل على تباين أصولهم، ففيهم ذو السحنة الأوروبية، وذو السحنة العربية، وفيهم ذو السحنة الأفريقية.
ومع هذا التباين لا يمكن إدعاء أن أصلهم واحد، إذ لا بد من أن يكونوا قد اختلطوا بأمم أخرى أورثتهم هذا التباين في السمات.
ثم إن اليهود ذكروا في كتابهم أن كثيراً منهم تزوَّجوا بنساء أجنبيات، وأن نساءهم أخذهن رجال أجانب1 حتى إنهم ينسبون إلى سليمان عليه السلام ذلك 2.
كما أنه ثبت تاريخياً أن أمة كبيرة وهي شعب دولة الخزر تهوَّد في القرن الثامن الميلادي، وكان ذلك الشعب من قبل وثنياً، وهو شعب تركي آري كان يقطن منطقة آسيا الوسطى، ودولتهم التي تسمى باسمهم دولة الخزر كانت تقع في المنطقة بين البحر الأسود وبحر قزوين، وتشغل منطقة شمال أذربيجان وأرمينية وأوكرانية وجميع منطقة جنوب آسيا إلى حدود موسكو عاصمة روسيا، وكان بحر قزوين يسمى بحر الخزر.
وقد جاء في الموسوعة اليهودية عن الخزر ما يلي:
1 انظر: سفر القضاء (3/5) ، وانظر سفر نحميا (13/23) .
2 انظر: سفر الملوك الأول (11/ 1-3) .
".. الخزر شعب تركي الأصل، تمتزج حياته وتاريخه بالبداية الأولى لتاريخ يهود روسيا.. أكرهته القبائل البدوية في السهول من جهة أخرى على توطيد أسس مملكة الخزر في معظم أجزاء روسيا الجنوبية، قبل قيام الفرانجيين سنة (855) م بتأسيس الملكية الروسية، في هذا الوقت (855) م كانت مملكة الخزر في أوج قوتها تخوض غمار حروب دائمة، وعند نهاية القرن الثامن تحوَّل ملك الخزر ونبلاؤه وعدد كبير من شعبه الوثنيين إلى الديانة اليهودية.. كان عدد السكان اليهود ضخماً في جميع أنحاء مقاطعة الخزر خلال الفترة الواقعة بين القرن السابع والقرن العاشر الميلادي.. بدا عند حوالى القرن التاسع أن جميع الخزر أصبحوا يهوداً وأنهم اعتنقوا اليهودية قبل وقت قصير فقط"1.
ثم إن هذه الدولة سقطت بعد ذلك في يد الروس، الذين احتلوها وقضوا عليها تماماً، واستولوا على جميع أراضيها، وقد تلاشت هذه الدولة من خارطة أوربا في القرن الثالث عشر الميلادي، وتوزع شعبها على دول أوربا الشرقية والغربية، وكانت أكبر تجمعاتهم في أوربا الشرقية هنغاريا وبولندا ورومانيا والمجر وروسيا 2.
فهذا يدل دلالة واضحة أن اليهود الذين يسمون الإشكنازيم وهم يهود أوربا لا يمتون بصلة إلى يعقوب عليه السلام وذريته. ونحن المسلمين نعتقد أن إنتسابهم إلى يعقوب عليه السلام أو غيره لايغير من موقفنا منهم ماداموا يهوداًومحاربين لنا ومعتدين على إخواننا، إذ أن الأنساب لاوزن لها مع الكفر، ولا حاجة إليها مع الإسلام.
1 نقلاً عن كتاب " يهود اليوم ليسوا يهوداً "ص 19 لمؤلفه بنيامين فريدمان.
2 انظر: كتاب " يهود اليوم ليسوا يهودا" ص 19 لمؤلفه بنيامين فريدمان.