الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: الفداء
الفداء: هو اعتقاد النصارى أن موت المسيح كان كفارة لخطيئة آدم التي انتقلت إلى ابنائه بالوراثة1.
أ- أدلة النصارى على الفداء
يزعم النصارى أن مستندهم في ذلك الكتاب المقدس ونورد فيما يلي بعض النصوص التي يستدل بها النصارى لهذه العقيدة منها:
1) "أنا هو الراعي الصالح، الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف"2. يوحنا (10/11) .
2) "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" يوحنا (3/16) .
3) " إن ابن الإنسان لم يأت ليُخْدَمْ بل ليَخْدِمْ وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" مرقص (10/45) .
هذا مما ورد في الأناجيل.
ومما ورد في كلام النصارى في العهد الجديد
1-
في رسالة يوحنا الأولى (3/16) " بهذا أظهرت المحبة أن ذاك
1 انظر علم اللاهوت النظامي ص 756.
2 هذا نص غريب ولا أرى أنه يصح نسبته إلى المسيح لأنه ليس صحيحاً أن الراعي يبذل نفسه عن الخراف فهي أقل منه شأناً فكيف يبذل نفسه دونها، هذا حكم عجيب؟!
وضع نفسه لأجلنا".
2-
قال بولس في رسالته لكورنثوس (1/15/3)"مات من أجل خطايانا حسب الكتب ".
وأيضاً في كورنثوس (5/21)" إن الله جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه ".
وقال في رسالته لأهل أفسس (2/16)" أسلم نفسه لأجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة "1.
ب- بيان بطلان أدلتهم وكلامهم في الفداء:
الأدلة التي أوردها النصارى لا قيمة لها ولا اعتبار في مسألة الفداء لعدة أمور.
أولاً: أن الإستدلال بما ورد في الأناجيل فرع عن ثبوت صحة تلك الأناجيل وسلامتها من التحريف، وقد سبق بيان حال هذه الأناجيل وأن النصارى لا يملكون أدلة لثبوتها.
ومثلها في الضعف الرسائل الملحقة بها، وبولس الذي كثر كلامه عن الفداء في رسائله، كلامه غير مقبول، لأنه لم يشاهد المسيح، ولم يسمع كلامه فما ذكره لم يسنده عن الحواريين ولم يبين مصدره فيه فهو من قبل نفسه.
ثانياً: أن جميع النصوص التي يذكرونها في الدلالة على أن الصلب وقع فداءاً للبشر ليس فيها نص واحد يعين الخطيئة التي يزعم النصارى أن الفداء كان لأجلها، وهي خطيئة أبينا آدم التي انتقلت في زعم النصارى إلى ابنائه بالوراثة، فجميع النصوص لا تعين هذا الأمر ولا تحدده، مما يدل على أنها من مخترعات النصارى
1 أورد هذه الأدلة صاحب كتاب "كفارة المسيح" ص 132-135.
المتأخرين الذين حاولوا أن يرقعوا بها فساد القول بالفداء كفارة عن الخطايا1.
ثالثاً: أن كلام النصارى في الخطيئة التي رفعها المسيح عليه السلام بموته المزعوم على الصليب كلام مضطرب، ولا ينصون في كلامهم على الخطيئة التي كفرها المسيح في كل مقام2.
رابعاً: أن المراد من كون المسيح كفارة للخطايا أحد أمرين:
أحدهما: تكفير خطايا الناس التي اقترفوها في الماضي، أو التي سيقترفونها في المستقبل، وكلاهما باطل.
أما الخطايا الماضية فلا تستحق هذا الفداء الإلهي في زعمهم، وقد كان يتم تكفيرها بالتوبة والقربان لدى اليهود قبلهم وكان كافيا.
أما الخطايا المستقبلة فلا يستطيع النصارى أن يزعموا أن صلب المسيح مكفر لها لأن ذلك يعنى إباحتها، وعدم ترتب العقوبة على ذنب من الذنوب مهما عظم، وفي هذا إبطال لدعوة المسيح ودعوة الحواريين وبولس إلى تنقية النفس من الآثام والخطايا وفتح للإباحية والفجور والكفر. مع العلم أن تكفير الخطايا إذا أطلق لا يراد به سوى ما وقع فيه الإنسان من
1 الذي يبدو أن أول من ذكر أن الخطيئة التي كفرها المسيح هي خطيئة آدم التي ورثها ابناؤه في زعمهم هو أغسطينوس المتوفي عام 430م، وقد بني قوله على كلام بولس الذي يقول فيه "بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم" وقد عارضه في ذلك الوقت بيلاجيوس الإيرلندي، وأنكر أن خطيئة آدم ورثها أبناؤه بل كل إنسان خطيئته تخصه وحده وتقع عليه وحده. وبعد نقاش وجدال طويل تدخل إمبراطور بيزنطه وأصدر مرسوماً يدين بيلاجيوس ويأمر بنفي من ينادي بتعاليمه، وهكذا ثبتت مقولة اغسطينوس في مسألة خطيئة آدم. انظر تاريخ الكنيسة لجون لوريمر (3/201-207) .
2 انظر: المسيحية الأصيلة ص 116-125.
الآثام وهي الخطايا الماضية إذ التكفير من كفر أي ستر وغطى1 ولا يكون ذلك إلا فيما وقع وحدث.
ثانيهما: ما ذكره كثير من النصارى وهو تكفير خطيئة أدم عليه السلام التي انتقلت إلى ابنائه. هو إدعاء باطل كما سبق بيانه2 وسيأتي زيادة لبيان أوجه البطلان أيضا3.
وحقيقة قولهم في الفداء هو: أنهم اخترعوا هذه الفرية وادعوها بدون دليل من شرع أو عقل حتى يبرروا قضية الصلب التي اعتقدوها وآمنوا بها، ويرفعوا عن المسيح تلك السبة الشنيعة التي تلحقه بالصلب وهي اللعن4، فادعوا أن الصلب هو الشرف الحقيقي وهو الهدف الأسمى من رسالة المسيح، وأنه لولا الصلب ما جاء المسيح5 فأخذوا يدندنون حول هذا الأمر ويبحثون له عن الأوجه التي تجعله في حيز المقبول والمعقول.
إلا أن كلامهم في الحقيقة يزيد الأمر تعقيداً وإرباكا للقارئ والسامع وإليك مقتطفات من كلام ج. ر.و. ستوت في كتابه " المسيحية الأصيلة " في الموضوع حيث افتتح الكلام عن معنى الصليب بقوله:
1 قال في القاموس ص605:"وكفر الشيء ستره كَكَفْرَه".
2 انظر ص 283.
3 انظر ص 288.
4 انظر ص 266.
5 يقول صاحب كتاب المسيحية الأصيلة ص 105: " لا مبالغة في القول أن الشخص الرئيسي في الكتاب هو يسوع المسيح وأن الظاهرة الرئيسية في حياته كما يصورها الكتاب هي موته.. ثم يقول ص 110: لأن الصليب رمز إيماننا
…
لا نصرة بدون الصليب ولا مسيحية بدون الصليب".
"ولكن لا أجسر أن أتناول الموضوع (يعني معنى الصلب) قبل أن أعترف بصراحة بان الكثير منه سوف يبقى سرا خفيا، ذلكم لأن الصليب هو المحور الذي تدور حوله أحداث التاريخ1؟! وياللعجب كيف أن عقولنا الضعيفة لا تدركه تماماً2 ولابد أن يأتي اليوم الذي فيه ينقشع الحجاب وتحل كل الألغاز ونرى المسيح كما هو
…
" 3.
ثم يقول في أخر الكلام بعد فلسفة مطولة استغرفت عشر صفحات "ومن المدهش أن هذه القصة الخاصة بيسوع ابن الله الذي حمل خطايانا ليست محبوبة في عصرنا الحاضر، ويقال عن حمله خطايانا ورفعه قصاصها عنا إنه عمل غير عادل وغير أدبي وغير لائق ويمكن تحويله إلى سخرية وهزء. .. ثم قال:
وفوق الكل يجب أن لا ننسى "أن الكل من الله" نتيجة رحمته ونعمته المتفاضلة، فلم يفرض على المسيح قصاصاً لم يكن هو نفسه مستعداً له فإن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه" فكيف يمكن أن يكون الله في المسيح بينما جعل المسيح خطية لأجلنا؟. هذا ما لا أستطيع
1 ما هي أحداث التاريخ؟ إن قصد التاريخ النصراني. فنعم. وإن قصد تاريخ البشرية قبل المسيح وبعده فهي مبالغة ومجازفة مكشوفة.
2 لاشك أن الكاتب لما أمعن النظر واستعمل عقله أدرك فساد تلك الدعوى وما فيها من الأمور الباطلة التي لا يستطيع العقل أن يقبلها فلهذا نجده بعد يلغي عقله ويحيل الأمر على مستحيل بالنسبة له لأن ما هو باطل اليوم وغير معقول سيبقى هكذا أبد الدهر.
3 لعله يقصد أنه سيبقى سراً إلى أن يجيء المسيح مرة ثانية، فهل يليق أن يبقى الناس في عمى كل هذه الأزمان؟! ويلاحظ أن النصارى كلما عجزوا عن فهم عقيدة من عقائدهم صرحوا بأنه سر. وهذا منهم ذر للرماد في العيون.
أن أجيب عنه. ولكن الرسول1 عينه يضع هاتين الحقيقتين جنبا إلى جنب، وأنا أقبل الفكرة تماماً كما قبلت أن يسوع الناصري هو إنسان وإله في شخص واحد. وان كانت تبدوا ظاهريا على شيء من التناقض2، لكني أراه في عمله كما أراه في شخصه، وإن كنا لا نستطيع أن نحل هذا التناقض أو نفك رموز هذا السر فينبغي أن نقبل الحق كما أعلنه المسيح وتلاميذه بأنه احتمل خطايانا بمعنى أنه احتمل قصاص الخطية عنا كما تعلمنا الكتب) 3.
وإننا لنعجب غاية العجب من هذا الاعتراف بعدم معقولية هذه العقيدة ثم الإصرار عليها، فهذا غاية الضلال والإنحراف، وكان الأولى بهم إذ لم يعقلوا هذه المسائل أن يبحثوا في مصادرها حتى يظهر لهم الحق، فان تلك المصادر أساس الإنحراف والضلال الذي يوجد لدى النصارى سواء في ذلك الأناجيل أو الرسائل الملحقة بها، ولكن يزول عجبنا إذا علمنا أن ما عليه النصارى من إنحراف وضلال إنما هو صيغة محسنة من الوثنيات السابقة فرأى النصارى أنها شيء جميل بالنسبة لما كانوا عليه من الوثنيات4، وما عرفوا الإسلام وما فيه من الحق والجمال والانسجام والوضوح الذي يبعث في النفس الطمأنينة والراحة لما هي عليه من عقيدة.
1 يعني بالرسول "بولس" شاؤول اليهودي - وهل أهلك النصارى إلا هذا الضال.
2 هذا تلاعب، بل هي متناقضة تماماً من ألفها إلى يائها.
3 انظر: المسيحية الأصيلة ص 110،121.
4 انظر الفصل الخاص ببيان تأثر النصارى بالوثنيات السابقة.
ولو أن النصارى وأهل الكتاب عموماً أصغوا إلى الدعوة الربانية الواردة في القرآن الكريم لزالت وانكشفت عنهم من الحيرة التي ولجوا فيها ولم يستطيعوا الخروج منها، ومن ذلك آيتان كريمتان فيهما شفاء لما هم فيه، أما الآية الأولى فقوله عز وجل {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} المائدة (15) .
أما الآية الثانية فقوله عز وجل {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} المائدة (77) .