الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: الأناجيل الأربعة متناً
إن الكتب المقدسة كتب معصومة عن الخطأ، محفوظة من الخلل والزلل، لأن المفترض فيها أن تكون من قبل رب العالمين الذي يعلم السر وأخفى، وهو الحق لا يصدر منه إلا الحق جل وعلا.
والنصارى يسندون كتبهم إلى الله عز وجل عن طريق الإلهام إلى كتابها،1والدارس لهذه الكتب يستطيع أن يتبين صدق هذه الدعوى من كذبها، إذ أن الحق لا خفاء فيه.
وقد سبق أن ذكرنا نبذة عن هذه الكتب من ناحية السند، حيث تبين أن النصارى لا يوجد عندهم دليل يثبت صحة نسبة كتبهم إلى أولئك الناس الذين نسبت إليهم، فعليه لا يمكن اعتبارها كتباً صحيحة، ولا يجوز لعاقل أن ينسبها إلى أولئك الرجال فضلاً عن أن ينسبها إلى الله عز وجل. ومما يؤكد عدم صحتها الاختلافات الكثيرة بينها، وكذلك الأغلاط العديدة فيها، وسنضرب لذلك أمثلة:
1 انظر: الكتاب المقدس هل هو كلمة الله، للقس عبد المسيح. ص 22.
أولاً: الاختلافات
إذا قارنا بين الأناجيل الأربعة نجد بينها اختلافات جوهرية تدل على خطأ كتابها، وأنهم غير معصومين ولا ملهمين، وأن الله عز وجل بريء منها، ورسوله عيسى عليه السلام، ومن الأمثلة على ذلك:
1-
نسب المسيح عليه السلام إن مما يدهش له الإنسان أشد الدهش أن النصارى لم يستطيعوا أن يضبطوا نسب المسيح عليه السلام ولم يتفقوا عليه، فأعطاه كلاً من صاحب إنجيل متى وصاحب إنجيل لوقا نسباً مختلفاً عن الآخر وإليك جدولاً بذلك يوضح الفرق بينهما:
رقم
متى
رقم
متى
رقم
لوقا
رقم
لوقا1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
المسيح ابن
يوسف
يعقوب
متان
اليعازر
أليود
أخيم
صادوق
عازور
الياقيم
أبيهود
زربابل
شألتئيل
يكنيا
يوشيا
آمون
منسى
حزقيا
أحاز
يوثام
عزيا
يورام
22
23
24
25
26
27
يهوشافاط
أسا
أبيا
رحبعام
سليمان
داود1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
المسيح ابن
يوسف
هالي
متثاب
لاوى
ملكى
ينا
يوسف
متاثيا
عاموص
ناحوم
حسلى
نجاى
مآث
متاثيا
شمعى
يوسف
يهوذا
يوحنا
ريسا
زربايل
شألتئيل
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
نيرى
ملكى
أدى
قصم
ألمودام
عير
يوسى
أليعازر
يوريم
متثات
لاوى
شمعون
يهوذا
يوسف
يونان
ألياقيم
مليا
مينان
متاثا
ناثان
داود
ففي هذا النسب فوارق وأغلاط عدة هي:
1-
أن متى نسب المسيح إلى يوسف بن يعقوب، وجعله في النهاية من نسل سليمان بن داود عليهما السلام.
أما لوقا فنسبه إلى يوسف بن هالي، وجعله في النهاية من نسل ناثان بن داود عليه السلام.
2-
أن متى جعل أباء المسيح إلى داود عليه السلام سبعة وعشرين أباً، أما لوقا فجعلهم إثنين وأربعين أباً، وهذا فرق كبير بينهما يدل على خطأهما أو خطأ أحدهما قطعاً.
والنصارى يدعون أن أحد الإنجيلين كتب فيه نسب مريم، والآخر كتب فيه نسب يوسف، وهذا كلام باطل، إذا أن صاحب إنجيل متى (1/16) يقول "يعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح".
أما إنجيل لوقا (3/23) فيقول "ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي" فكلاهما صرح بنسب يوسف.
أما الأغلاط في هذا النسب فعديدة منها:
1-
أن نسبة المسيح عليه السلام إلى يوسف خطيب مريم في زعمهم خطاءٌ فاحش وفيه تصديق لطعن اليهود في مريم أم المسيح عليه السلام، وكان
الواجب على النصارى أن ينسبوه إلى أمه مريم لا إلى رجل أجنبي عنه. خاصة وأن ولادته منها كانت معجزة عظيمة وآية باهرة، فنسبته إليها فيه إظهار لهذه المعجزة وتأكيد لها وإعلان، أما نسبته إلى رجل وليس هو أبوه فيه إخفاء لهذه المعجزة واستحياء. والله عز وجل في القرآن الكريم صرح في مواطن عدة بنسبته إلى مريم {الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} المائدة (17،72،75){عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} .آل عمران (45) النساء (157،171) .
2-
أن صاحب إنجيل متى أسقط أربعة أباء من سلسلة النسب ثلاثة منهم على التوالي بين "عزيا ويورام" حيث النسب كما هو في أخبار الأيام الأول (3/11-13)"عزريا بن أمصيا بن يواش بن أخزيا بن يورام"،كما أسقط واحداً بين "يكنيا ويوشيا" وهو "يهو ياقيم" وسبب إسقاط اسم يهوياقيم بين يوشيا ويكنيا هو أن "يهوياقيم" هذا مَلَكَ دولة يهوذا بعد أبيه، إلا أنه كان عابداّ للأوثان فكتب له "إرميا" يحذره من قبيح صنعه، ويبين له مغبة أفعاله، فأحرق "يهوياقيم" الكتاب ولم يرجع عن غيه، فقال عنه إرميا حسب كلامهم "لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم مَلِكِ يهوذا لايكون له جالس على كرسى داود وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً" سفر إرميا 36/30) .
ومعنى هذا الكلام أنه لا يكون من نسله ملك، فأسقطه "متى" لهذا السبب، وعلل صاحب تفسير العهد الجديد ذلك التصرف بأن "متى" أراد أن يجعل كل مجموعه من النسب تحوي أربعة عشر إسماً1.
1 تفسير العهد الجديد ص3. وقد نص صاحب إنجيل متى على أن جميع الأجيال في أباء المسيح "من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً، ومن داود إلى سبى بابل أربعة عشر جيلاً، ومن سبى بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً". متى (1/17) وهذا خطأ إما متعمد أو غير متعمد، وكلاهما يدل على أن الكلام ليس من عند الله ولا من وحيه.
ونقول: إذا كانت هذه العلة التي لا معنى لها من أجلها حذف من أجلها أربعة أباء من نسب المسيح، فذلك يعني أن الكاتب قد كتبه لخدمة أهداف في نفسه، وأنه لا يكتب ما علم وسمع مجرداً من الهوى والآراء الخاصة، ومن هنا يمكن أن ندرك كيفية تعامل النصارى الأوائل مع المعلومات الواردة إليهم، وأنهم يصوغونها وفق ما يرون ويعتقدون، لا وفق الحق مجرداً عن الهوى والآراء الخاصة.
ولنا أن نبحث هنا عن السبب في هذا الخطأ الفاحش والاختلاف في نسب المسيح عليه السلام فنقول:
إن سبب خطأ النصارى في نسب المسيح عليه السلام أنهم نسبوه إلى رجل مغمور غير مشهور هو "يوسف النجار"1 خطيب مريم في زعمهم فلهذا أخطأوا في نسبه فأعطاه "متى" نسباً ملوكياً2، وأعطاه "لوقا" نسباً أخر غير معروف ولا معلوم3.
1 في العادة أن الناس الذين يُنسَبون إلى المهن، مثل النجار أو الحداد أو الصباغ أو نحوها يضيع نسبه بطغيان مهنته واشتهاره بها على نسبه، فهذا كان والله أعلم حال يوسف النجار، فلم يكن معروف النسب بل كان مشتهراً بصنعته، فإذا ادعى أحد له نسباً ليس من السهل تكذيبه وبيان خطئه، إذ أنه يمكن أن يكون من عائلة ذات نسب كما أنه يمكن أن يكون غير ذلك.
2 يلاحظ أن الأسماء التي في إنجيل متى من بوشيا، وهو الاسم الرابع عشر إلى نهاية النسب هم من ملوك دولة يهوذا بعد سليمان عليه السلام.
3 يذكر الشيخ رحمة الله الهندي أن اختلاف النسب بين لوقا ومتى دليل على أن إنجيل متى لم يكن معروفاً لدى لوقا وما اطلع عليه، وإلا لما خالفه هذه المخالفة الشديدة. انظر: إظهار الحق (1/197)
ولكن لماذا أعرض كتاب النصارى عن مريم ولم يعطوه نسبها فيجعلونه كما هو الحق عيسى بن مريم بنت عمران؟.
السبب في هذا ظاهر وهو: أن مريم بنت عمران إمرأة عابدة مشهورة تربت في بيت النبي زكريا عليه السلام، الذي كان من نسل هارون عليه السلام حيث كان كاهن1 بيت المقدس والمسؤول عن البخور عندهم هو زوج "أليصابات" خالة مريم2، وهي من نسل هارون عليه السلام أيضاً3 فتكون مريم من السبط نفسه، وهو سبط لاوى بن يعقوب عليه السلام، وذلك أن تشريع اليهود يأمرهم أن تتزوج المرأة من سبطها ولا تتزوج من سبط أخر حتى تستمر الأموال في نفس السبط ولا تنتقل إلى أسباط أخرى بواسطة الميراث4.
فلهذا تكون مريم من سبط زكريا عليه السلام وزوجته5، وكذلك خطيبها المزعوم إن صح كلامهم في ذلك يكون من السبط نفسه، وهو سبط لاوى
1 الكاهن في اصطلاح اليهود هو: الذي يقدم الذبائح والخدمات الدينية، وخاصة الأمور المتعلقة بالأشياء المقدسة لديهم. وكانت في نسل هارون عليه السلام خاصة. انظر قاموس الكتاب المقدس ص 791
2 ثبت في الحديث الصحيح في حديث المعراج في مسلم (1/145) أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في السماء الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام فقال: "ففتح لنا فإذا أنا بابنى الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا بي ودعوا لي بخير".
3 انظر إنجيل لوقا (1/5-10) .
4 سفر العدد (36/6-9)
5 ورد في إنجيل لوقا (1/36) كلام الملاك مع مريم بعد أن بشرها بالحمل بعيسى عليه السلام"هوذا أليصابات نسيبتك هي أيضا حبلى" والنسيبة القريبة، وأصح ما تكون في دلالة اللفظ أنها من نسبك.
الذي منه هارون عليه السلام، ومما يدل على أن مريم من سبط هارون قول الله عز وجل {يَا أُخْتَ هَارُونَ} مريم آية (28) .
قال السدي: قيل لها (يا أخت هارون) أي أخي موسى لأنها من نسله كما يقال للتميمي: يا أخا تميم، وللمضري: يا أخا مضر1.
1 تفسير ابن كثير (3/112) ولا يعكر على هذا التفسير ما روى عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا: "أرأيت ما تقرؤون {يَا أُخْتَ هَارُونَ} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ قال فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم " أخرجه مسلم (3/685) فهذا لا ينفي ما ذكر من المعنى السابق لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بين أن لفظ الأخوة في الآية ليست أخوة النسب بمعنى أن تكون هي وإياه خرجا من بطن واحد، وإنما المراد التشبيه به أو بغيره في الصلاح. ومما يستدل به على أن مريم من نسل هارون قول الله عز وجل {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} فالله تعالى ذكر هنا آل عمران، وذكر القرطبي في تفسيره (4/63) عن مقاتل في "آل عمران" أن المقصود به عمران أبو موسى وهارون"،فتكون مريم من ذلك النسل، لأنه ذكر قصتها بعد ذلك دليلاً على ما أنعم الله به على ذلك البيت. مما يؤيد هذا أن آل عمران وخاصة بني هارون عند اليهود هم المكلفون بالأمور التي تتعلق بالعبادة لديهم ولهم وضعية خاصة في تشريع اليهود وهذا يوحى بالاصطفاء الخاص فإن كل واحد من المذكورين في الآية له اصطفاء خاص من ناحية ذريته.
فآدم عليه السلام نبي والناس كلهم ذريته، ونوح عليه السلام إصطفى بالنبوة وأن ذريته هم الباقون، وإبراهيم عليه السلام اصطفى بالنبوة والخلة وأن النبوة من بعده في ذريته، وآل عمران اصطفوا بأن فيهم نبوة والقيام بالشؤون الدينية لدى اليهود وخاصة نسل هارون عليه السلام فتكون الآية دليلاً على أن مريم بنت عمران من نسل هارون بن عمران عليه السلام.
ومما يؤيد ذلك قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} قال إبن إسحاق: أي مفرغاً للعبادة لخدمة بيت المقدس. تفسير ابن كثير (1/315) ، ويؤيد هذا ويؤكده قوله تعالى عن مريم {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} آل عمران (37) ففيه دلالة على أنها من خدم البيت وعُبَّاده وخدمة بيت المقدس كما سبق ذكره خاصة بآل هارون عليه السلام.
وهذا الأمر فيما يبدو علمه كتاب الأناجيل فأزعجهم إزعاجاً شديداً لأنهم يظنون أن المسيح لابد أن يكون من نسل داود عليه السلام فأعطوه ذلك النسب المخترع إلى داود عليه السلام وذلك حتى ينطبق عليه ما يزعمه اليهود وهو أن المسيح لابد أن يكون من نسل داود عليه السلام حتى يكون مسيحاً. والله أعلم.
2-
ذكر إنجيل متى (11/13) من كلام المسيح عن يوحنا المعمدان (يحيى عليه السلام قوله: (لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤا وإن أردتم أن تقبلوا فهذا إيليا المزمع أن يأتي من له أذنان للسمع فليسمع)
وورد في إنجيل متى أيضاً (17/1) أنهم سألوا المسيح عليه السلام فقال "وسأله تلاميذه قائلين: فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً، فأجاب يسوع وقال لهم: إن إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء، ولكني أقول لكم إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الإنسان أيضا سوف يتألم منهم، حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان". فالمسيح هنا يبين أن يحيى عليه السلام هو إيليا.
ويخالف هذا قول يوحنا في إنجيله (1/19) حين جاء اليهود يسألون يحيى عن نفسه حيث قال: "أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت، فاعترف ولم ينكر وأقر أني لست أنا المسيح، فسألوه من أنت، إيليا أنت؟ فقال: لست أنا. النبي أنت؟ فأجاب لا. فقالوا له من أنت لنعطى جواباً للذين أرسلونا، ماذا تقول عن نفسك. قال:
أنا صوت صارخ في البرية قَوِّمُوا طريق الرب كما قال إشعيا النبي"
فهنا أنكر يحيى عليه السلام أن يكون هو إيليا وهذا تناقض واضح.
3-
أن متى ذكر في إنجيله (20/29-34) أن عيسى عليه السلام لما خرج من أريحا قابله أعميان فطلبا منه أن يشفيهما من العمى فلمس عيونهما فشفيا.
وقد ذكر هذه القصة مرقص في (10/46-52) وبين أن بارينماوس الأعمى ابن نيماوس هو الذي طلب ذلك فقط.
4-
أن مرقص ذكر في (6/8) أن عيسى عليه السلام أوصى حوارييه حين أرسلهم للدعوة في القرى بأن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط لا مزوداً، ولا خبزاً، ولا نحاساً، وذكر ذلك لوقا في (9/3) إلا أنه قال إن عيسى عليه السلام أوصاهم وقال لهم (لا تحملوا شيئاً للطريق لا عصا ولا مزوداً ولا خبزاً ولا فضه) ف في الأول أجاز لهم حمل العصا، والثاني نهاهم عن حمل العصا أيضاً.
5-
أن إنجيل متى ذكر فيه في (15/21) أن المرأة التي طلبت من المسيح شفاء إبنتها كانت كنعانية.
وذكر القصة مرقص في إنجيله (7/24) ونص عبارته عن جنس المرأة "وكانت المرأة أممية وفي جنسها فينيقيه سوريه"1.
1 هكذا في طبعة 1982 دار الكتاب المقدس في القاهرة، أما طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط 1992م فنص العبارة فيها هكذا:"وكانت المرأة يونانية جنسُها من فينيقيه سوريه".
6-
أن إنجيل متى ذكر أسماء تلاميذ عيسى الإثنى عشر فقال (10/2)"وأما أسماء الإثنى عشر رسولاً فهي هذه. الأول سمعان الذي يقال له بطرس، وإندراوس أخوه، يعقوب بن زبدي، ويوحنا أخوه، فيلبس، وبرثولماوس، توما، ومتى العشار، يعقوب بن حلفى، ولباوس الملقب تداوس، سمعان القانوني ويهوذا الاسخريوطى الذي أسلمه".
وذكر مرقص في (3/16) الأسماء فوافق فيها متى، وخالفهما لوقا حيث حذف من قائمة متى "لباوس الملقب تداوس" ووضع بدلاً عنه "يهوذا أخا يعقوب".
7-
إختلافهم في الذين حضروا لمشاهدة قبر المسيح بعد دفنه المزعوم ووقت ذلك حيث يقول متى (28/1)"وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدليه ومريم أخرى لتنظرا القبر".
وفي إنجيل مرقص (16/1) يقول "وبعد ما مضى السبت إشترت مريم المجدليه ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه، وباكراً جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس".
وفي إنجيل لوقا (24/1) يقول " ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس"
وفي إنجيل يوحنا (20/1) يقول " وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدليه إلى القبر باكراً والظلام باق فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر".
فهذه الإختلافات وغيرها كثير ذكره علماء الإسلام 1وغيرهم تدل دلالة واضحة على أن في الكتاب صنعة بشرية، وتحريف وتبديل.
1 ذكر الشيخ رحمة الله الهندي: تسعة وسبعين إختلافاً بين الأناجيل فمن أراد الإستزاده فليراجعها في: إظهار الحق (1/187-246) وانظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية للمهندس أحمد عبد الوهاب ص78 وما بعدها.
ثانياً: الأغلاط في الأناجيل:
كما بين الأناجيل إختلافات يوجد بها أغلاط وأخطاء كثيرة أيضاً نذكر منها:
1-
قال متى في إنجيله (1/3) مستدلاً للمسيح وولادته من مريم بنبوءة سابقة جاءت على لسان إشعيا "وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هوذا العذراء تحبل وتلد إبناً ويدعون اسمه "عمانوئيل" الذي تفسيره الله معنا".
وهذا غلط لأن هذا اللفظ الذي ورد على لسان إشعياء لا ينطبق على المسيح فإن له قصة تدل على المراد به وهي:
أن "رصين" ملك أرام، "وفقح بن رمليا" ملك اسرائيل، إتفقا على محاربة "آحاز بن يوثان "ملك يهوذا، فخاف منهما "آحاز"خوفاً شديداً فأوحى الله إلى النبي إشعياء أن يقول لآحاز: بأن لا يخاف، لأنهما لا يستطيعان أن يفعلا به ما أرادا وأن ملكهما سيزول أيضاً، وبين له إشعياء آية لخراب ملكهما وزواله، أن امرأة شابه تحبل وتلد ابناً يسمى "عما نوئيل" فتصبح أرض هذين الملكين خراباً قبل أن يميز ذلك الابن بين الخير والشر، ونص كلامه "ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو إسمه "عما نوئيل" زبداً وعسلاً يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير. لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير تخلى الأرض التي أنت خاش من ملكيها" سفر أشعياء (7/14) .
وقد وقع ذلك فقد استولى "تغلث فلاسر" الثاني ملك آشور على بلاد سوريا، وقتل "رصين" ملكها، أما "فقح" فقتله في نفس السنة أحد أقربائه
وتولى الملك مكانه، كل ذلك حدث بعد هذه المقولة بما يقارب إحدى وعشرين سنة، أي قبل ميلاد المسيح بما يقارب سبعة قرون1.
2-
قال متى في إنجيله (27/51) بعد الصلب المزعوم للمسيح وإسلامه الروح "وإذا حجاب الهيكل قد إنشق إلى إثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزت والصخور تفتقت والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينه المقدسه وظهروا لكثيرين".
فهذه الحكاية التي ذكرها متى لم يذكرها غيره من كتاب الأناجيل مما يدل على أن كلامه لا حقيقة له، لأنها آية عظيمة تتوافر الهمم على نقلها.
3-
أنه ورد في إنجيل متى (12/40) وكذلك في (16/4) أن المسيح قال إنه لن يعطي لليهود أية إلا آية يونان "يونس عليه السلام "ونصه: "لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال".
وهذا غلط لأن المسيح عليه السلام في زعمهم صلب ضحى يوم الجمعة ومات بعد ست ساعات، أي وقت العصر، ودفن قبيل غروب الشمس، وبقى في قبره تلك الليلة، ونهار السبت من الغد، وليلة الأحد، وفي صباح الأحد جاؤا ولم يجدوه في قبره، مما يدل على أنه مكث في زعمهم ليلتين ويوماً واحداً فقط. فيكون كلام متى السابق غلط واضح.
1 انظر: إظهار الحق لرحمة الله الهندي (2/305) . ومن العجيب أن النصارى لازالوا يستدلون على تجسد المسيح بما ذكره متى هنا متغافلين عن حقيقة الكلام، وأنه خطأ فاحش من متى الذي استدل بتلك العبارة وطبقها على غير موضعها.
4-
أن متى ذكر في مواضع من كتابه أن القيامة ستقوم على ذلك الجيل ومن ذلك قوله في (16/27) على لسان المسيح "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله، الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان أتياً في ملكوته".
كما ورد في الإنجيل نفسه (3/23) قولهم على لسان المسيح "فإن الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان".
فهذه النصوص تؤكد القيامة قبل موت الكثيرين من ذلك الجيل، وقبل أن يكمل الحواريون الدعوة في جميع مدن بني إسرائيل، وهذا أمر لم يتحقق، وله الآن ألفي سنة إلا قليلا مما يدل على أنه غلط فاحش.
5-
جاء في إنجيل لوقا (1/30) في البشارة بالمسيح قوله "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية".
وهذا خطأ بين لأن المسيح عليه السلام لم يكن ملكاً لليهود، ولا ملكاً على آل يعقوب، بل كان أكثرهم معادين له إلى أن رفع إلى السماء بسبب محاولتهم قتله.
6-
ورد في إنجيل مرقس (11/23) " فأجاب يسوع وقال لهم: ليكن لكم إيمان بالله، لأن الحق أقول لكم: إن من قال لهذا الجبل إنتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن أن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له، لذلك أقول لكم: كل ما تطلبونه حينما تصلون
فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم".
وورد أيضا في إنجيل مرقس (16/17)"وهذه الآيات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة، يحملون حيات، وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون ".
وفي إنجيل يوحنا (14/12)" الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها لأني ماض إلى أبي ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله".
فهذه النصوص الثلاثة لاشك في أنها خطأ فلا يستطيع النصارى أن يدعو ذلك لأنفسهم.
كما أن عبارة إنجيل يوحنا فيها مغالاة شديدة، حيث زعم أن من آمن بالمسيح يعمل أعظم من أعمال المسيح نفسه، وهذا من الترهات الفارغه.1
وبمجموع ما ذكر عن الأناجيل من ناحية تاريخها، ومتنها يتبين لنا أن هذه الكتب لا يمكن أن تكون هي الكتاب الذي أنزل الله عز وجل على عبده ورسوله المسيح عليه السلام، وأحسن أحوالها أن تكون متضمنة لبعض ما أنزل الله عز وجل على عيسى عليه السلام.
1 انظر هذه الأغلاط وغيرها كثير في إظهار الحق لرحمة الله الهندي (2/294-352) فقد ذكر إثنين وسبعين غلطاً في العهد الجديد وحده، فمن أراد الإستزاده فليراجعه.