المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامس: العوامل التي أدت إلى تحريف رسالة المسيح عليه السلام - دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية

[سعود بن عبد العزيز الخلف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة

- ‌المقدمة

- ‌مدخل إلى دراسة الأديان

- ‌أولاً: تعريف الدين

- ‌ثانياً: تقسيم الأديان

- ‌ثالثاً: علم الأديان في القرآن الكريم وكتابة المسلمين فيه:

- ‌رابعاً: باعث التدين:

- ‌خامساً: بيان أن التوحيد سبق الشرك:

-

- ‌الباب الأول: اليهودية

- ‌الفصل الأول: التعريف باليهودية

- ‌المبحث الأول: تعريف كلمة يهود

- ‌المبحث الثاني: مجمل تاريخ اليهود

-

- ‌الفصل الثاني: مصادر اليهود

- ‌المبحث الأول: التوراة والكتب الملحقة بها

- ‌المطلب الأول: تعريف التوراة

- ‌المطلب الثاني: تاريخ التوراة

- ‌المطلب الثالث: تحريف التوراة

- ‌المطلب الرابع: صفات الله عز وجل في التوراة المحرفة:

- ‌المطلب الخامس: وصف اليهود للأنبياء عليهم السلام في التوراة المحرفة

- ‌المطلب السادس: اليوم الآخر لدى اليهود

- ‌المبحث الثاني: التلمود

- ‌المبحث الثالث: بروتوكولات حكماء صهيون

- ‌الفصل الثالث: بعض عبادات وشعائر اليهود

- ‌الفصل الرابع: فرق اليهود

- ‌الفصل الخامس: أخلاق اليهود من خلال القرآن الكريم

-

- ‌الباب الثاني: النصرانية

- ‌الفصل الأول: التعريف بالنصرانية

- ‌المبحث الأول: تعريف كلمة النصرانية

- ‌المبحث الثاني: التعريف بالمسيح عليه السلام إجمالاً من خلال القرآن الكريم وما يتفق معه مما ورد في أناجيل النصارى

- ‌المبحث الثالث: تاريخ النصرانية إجمالاً

-

- ‌الفصل الثاني: مصادر النصرانية

-

- ‌المبحث الأول: الكتاب المقدس:

- ‌المطلب الأول: إسناد وتاريخ الأناجيل الأربعة

- ‌المطلب الثاني: الأناجيل الأربعة متناً

- ‌المطلب الثالث: إنجيل برنابا

- ‌المبحث الثاني: المجامع النصرانية

-

- ‌الفصل الثالث: عقيدة النصارى

- ‌المبحث الأول: التثليث

- ‌المطلب الأول: تعريفه ومرادهم به:

- ‌المطلب الثاني: استدلالات النصارى على التثليث

- ‌المطلب الثالث: إبطال ونقض ما استدلوا به على التثليث

- ‌المطلب الرابع: أدلة إثبات الوحدانية وإبطال التثليث من العهد القديم والأناجيل:

- ‌المطلب الخامس: الأقانيم الثلاثة تعريفها وأدلتهم عليها وبيان بطلان تلك الأدلة

- ‌المطلب السادس: الإتحاد: (التجسد)

-

- ‌المبحث الثاني: الصلب والفداء

- ‌المطلب الأول: الصلب:

- ‌المطلب الثاني: الفداء

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان دعوى النصارى في الصلب والفداء إضافة لما سبق

- ‌المبحث الثالث: محاسبة المسيح الناس

- ‌المبحث الرابع: قول النصارى في البعث والجنة والنار

- ‌الفصل الرابع: بعض العبادات والشعائر عند النصارى

- ‌الفصل الخامس: العوامل التي أدت إلى تحريف رسالة المسيح عليه السلام

- ‌الفصل السادس: أهم الفرق النصرانية المعاصرة

- ‌الفصل السابع: التنصير

- ‌الفصل الثامن: البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الخامس: العوامل التي أدت إلى تحريف رسالة المسيح عليه السلام

‌الفصل الخامس: العوامل التي أدت إلى تحريف رسالة المسيح عليه السلام

المسيح عليه السلام جاء بالدين الحق من عند الله عز وجل كغيره من الأنبياء عليهم السلام. دين سماوي يظهر فيه التوحيد وإفراد الله بالعبادة بأوضح صوره، ولكننا نراه اليوم ديناً مختلفاً طُمست فيه تماماً معالم التوحيد، وبدلاً من أن يكون ديناً يوافق العقل والفطرة، أصبح ديناً حرباً على العقل، وعدواً لدوداً للفكر السليم الناضج، ومضاداً للفطرة السليمة. وكان لهذا الإنحراف عوامل كثيرة أظهرته بهذا الشكل والهيئة.

ومن أهم هذه العوامل:

أ- الاضطهادات:

إن مما لاشك فيه أن الدعوات خاصة الدينية والإصلاحية تنمو وتزدهر في السلام والأمن، وتنكمش وتتقوقع في الخوف والاضطهاد، وقد يؤدي الاضطهاد المركز إلى القضاء عليها، وخاصة إذا واكب نشأتها قبل أن تنغرس جذورها في الأرض وتثبت قدمها فيها.

وإن الدارس لتاريخ المسيح عليه السلام وأتباعه ودعوته يجد أن الاضطهاد واكب نشأتها واستمر قروناً عده يشتد حيناً ويفتر حيناً آخر.

فقد كان المسيح عليه السلام مطارداً من اليهود، بل سعوا جادين إلى قتله، إلا أن الله عز وجل أنجاه منهم ورفعه إليه، ثم إن النصارى حسب كلامهم وقع عليهم اضطهاد شديد من بعده، أولاً من قبل اليهود، فقد قُتل أحد كبار النصارى ويسمى "إستفانوس"

ص: 349

رجماً1، وقُطع بعده رأس "يعقوب" 2 مما جعل بقية الأتباع يتفرقون في البلدان وينتشرون في أرض الله خوفاً من اضطهاد بني جنسهم اليهود لهم، ثم وقعت على من بقي منهم في فلسطين نكبتان مدمرتان أولاهما عام 70م وهي: فتك الوالي الروماني "تيطس" باليهود وتدميره لبيت المقدس بسبب عصيانهم وتمردهم.

والأخرى وهي أكبر من أختها: عام 135م في عهد الإمبراطور "هادريان" الذي قضى على اليهود في فلسطين ولم يبق بعده فيها إلا أقلية نصرانية واهنة مبعثرة3.

ثم استمر اضطهاد أباطرة الرومان للنصارى قرنين آخرين، ذاق خلالهما النصارى ألواناً شتى من الذل والاضطهاد، حتى أصبح إتهام أي رجل بالنصرانية في بعض الأحيان مبرراً قوياً لإلقائه للوحوش المفترسة والحكم عليه بالموت4 ولم يتوقف هذا الاضطهاد إلا بتولي قسطنطين الإمبراطورية الرومانية وإصداره مرسوم ميلان سنة313م 5، والقاضي بإعطاء النصارى الحرية الدينية وحرية الأديان عموماً.

فكان هذا الاضطهاد من العوامل المهمة في تحريف دعوة المسيح ? عليه السلام نصرانية، لأن تثبيت العقيدة والدعوة إليها والعمل بها، يحتاج إلى وضع آمن،

1 انظر أعمال الرسل (7/54-59) .

2 أعمال الرسل (12/2) .

3 انظر تاريخ بني إسرائيل. محمد عزه دروزه ص 381

4 تاريخ المسيحية لحبيب سعيد (1/59) .

5 انظر ما سبق ص 221.

ص: 350

بل يحتاج إلى قوة داعمة ومناصرة لترسخ العقيدة في النفوس، ويتمكن الدعاة من نشرها بين الناس، وإلا فإن عقائد الناس وعباداتهم القديمة تطغى على الدعوة الجديدة، وقد تصبغها بصبغتها، وكذلك أعداء الأديان من أصحاب الأهواء والنفعيين فإنهم يجدون أرضية مناسبة لبث أرائهم وأهوائهم في الأديان، كما أن الجهل بالدين الصحيح في كثير من الأحيان مع النية الصالحة في العمل قد تدفع الإنسان إلى استحسان أمور وادعاء أمور أنها من الدين وهي ليست منه.

فهذه الأمور وغيرها تطفو على السطح وتظهر في حالة الاضطهاد وعدم الأمن، وإذا نظرنا إلى تاريخ النصرانية نجد أنه في فترة الاضطهاد شاع بينهم ما يسمونه بـ "الهرطقة" وهي التعاليم المخالفة لما عليه النصارى، كما كثرت الكتب والرسائل المنسوبة إلى دعاة النصارى الأوائل1.

واستمر وجود تلك البدع والكتب إلى أن جاء قسطنطين وسعى إلى توحيد النصارى بدعوته إلى مجمع نيقية سنة 325م، إلا أنه وحدَّهم على إحدى تلك البدع، وهي بدعة بولس، فمما لا شك فيه أن ذلك كله كان عاملاً من العوامل التي تسببت في انحراف النصرانية عن الدين الحق الذي جاء به المسيح عيسى عليه السلام.

1 من هذه "الهرطقات" البدع التي انتشرت في ذلك الوقت الدوستية - الغنوسية- المارسيونية- المونتانية وسبق الإشارة إليها في تاريخ النصرانية. ومن هذه الكتب والرسائل - التي انتشرت في تلك الحقبة- إنجيل بطرس، إنجيل توما، إنجيل فيلبس، إنجيل الحق، إنجيل المصريين، ورسالة كورنثوس الثالثة، ورسالة تيطس، ورسالة اللاودكيين، ورؤيا بطرس، ورؤيا بولس، ورؤيا توما، إلى غير ذلك من الكتب العديدة. انظر كتاب تاريخ الكنيسة جون لوريمر ص1/89-151تاريخ المسيحية حبيب سعيد 1/46-62.

ص: 351

ب- ضياع الإنجيل وانقطاع السند:

تقدم الكلام على الأناجيل وأن الأناجيل الموجودة ليس منها شيء منسوب إلى عيسى عليه السلام، ولا يعرف أثر لإنجيل عيسى عليه السلام كما أن النصارى لم يعتنوا بالتدوين مباشرة بعد رفع المسيح، وإنما تأخروا في التدوين مما جعل كثيراً من الأناجيل تظهر، ولا يعرف على اليقين كاتبها، ولا من أين أخذ معلوماته1.

وهذا انحرف بدعوة المسيح عليه السلام عن وجهها الصحيح، لأن أصحاب تلك الأناجيل ليسوا معصومين فوقعوا في أخطاء كثيرة، وسوء فهم، وغير ذلك من العوارض التي تعرض للبشر، مما جعل الديانة المعتمدة على مثل تلك الكتب المليئة بالأخطاء تبدو ديانة مرتبكة مختلة التركيب، كما هو حال النصرانية.

ج- بولس (شاؤول اليهودي) :

هو شاؤول اليهودي أحد ألد أعداء المسيح عليه السلام، وأحد اليهود المتعصبين لليهودية، ولد وتربى في طرسوس التي كانت مركزاً من مراكز الفلسفة وتنوع الثقافات الوثنية في ذلك الوقت.

وانتقل بولس إلى أورشليم وتعلم الشريعة اليهودية وكان من أشد الناس تعصباً لها، ثم لما بعث المسيح عليه السلام كان من أشد الناس على ديانته وعلى أتباعها. فهو يقول عن نفسه: "سمعتم بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية إني

1 انظر ما سبق في الكلام على المصادر ص174ومابعدها.

ص: 352

كنت اضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي"1.

ثم إن هذا الرجل زعم أنه دخل في دين المسيح، وفي هذا يقول لوقا في أعمال الرسل (9/1) :"أما شاؤول فكان لم يزل ينفث تهدداً وقتلاً على تلاميذ الرب فتقدم إلى رئيس الكهنة، وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات حتى إذا وجد أناساً من الطريق رجالاً أو نساءاً يسوقهم موثقين إلى أورشليم، وفي ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق فبغتة أبرق حوله نور من السماء، فسقط على الأرض وسمع صوتاً قائلاً له: شاؤول شاؤول. لماذا تضطهدني؟ فقال: من أنت يا سيد، فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده، صعب عليك أن تَرْفُسَ مَنَاخِس2، فقال وهو مرتعد ومتحير: يا رب ماذا تريد أن أفعل، فقال له الرب: قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل....... وكان شاؤول مع التلاميذ الذين في دمشق أياماً وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابن الله".

وبهذه القصة التي لا دليل عليها ولا شاهد إلا دعواه، زعم أنه دخل في دين المسيح، وحين قدم نفسه للحواريين لم يقبله الحواريون أولاً لمعرفتهم بعداوته وبطشه بهم، ولكن " برنابا" توسط له عندهم فقبلوه3.

1 رسالة بولس إلى أهل غلاطيه (1/13) .

2 مناخس: جمع منخس وهو الحديدة التي تنخس بها الحيوانات والمراد أن رفس المناخس صعب ولا يعود بفائدة بل يضر. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص963.

3 أعمال الرسل (9/26) .

ص: 353

فنشط بعد قبولهم له وصار رأساً في النصرانية، يبني الكنائس، ويطوف البلاد شرقاً وغرباً يدعو ويرسل الكتب والرسائل يبين فيها ديناً وأمراً غريباً عن الحواريين وعن شريعة عيسى عليه السلام 1.

وبالنظر الفاحص فيما خلف بولس من رسائل يتضح للناظر فيها ملاحظات عديدة نقتصر منها على ذكر أهم مخالفاته لدعوة المسيح عليه السلام

1 -

ادعاؤه أن المسيح ابن الله:

من الدعاوى التي أطلقها بولس هي ادعاؤه أن المسيح عليه السلام ابن الله -تعالى الله عن ذلك - فمن ذلك ما ورد في سفر أعمال الرسل عن بداية دعوة بولس (9/20) قال:"وللوقت جعل -يعني بولس - يكرز في المجامع أن هذا هو ابن الله"??.

ويقول بولس في رسالته إلى غلاطية (4/4)"ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ".

فهذه الدعوى ظهرت أولاً في كلام بولس ودعوته، ثم ظهرت قوية في المجامع النصرانية، وقامت عليها الديانة كلها، وهذا كله خلاف ما صرح المسيح عليه السلام به مراراً من أنه رسول لبني إسرائيل، وأنه إنسان، وابن

1 من الملاحظ أن بولس لم يجلس إلى الحواريين ولم يتعلم منهم شيئاً، فقال في غلاطية

(1/15) " ولكن لما سُرَّ الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم، للوقت لم أستشر لحماً ودماً ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي بل انطلقت إلى العربية ثم رجعت إلى دمشق، ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس فمكثت عنده خمسة عشر يوماً ولكنني لم أر غيره من الرسل إلا يعقوب

".

فهذه المعلومات تدل على أنه لم يتعلم من الحواريين شيئاً، فمن أين أتى بدعاويه التي ادعاها؟!.

ص: 354

إنسان، وابن داود، وغيرها من الألقاب التي تؤكد أنه بشر ابن بشر، ومن ذلك قول إنجيل متى (8/20)" فقال له يسوع للثعالب أوجرة ولطيور السماء أو كار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه".

وفي إنجيل يوحنا يقول (8/40)"وأنا إنسان علمكم بالحق الذي سمعه من الله"1

فهذه النصوص قد أكد بها المسيح بشريته إلا أن بولس بعد قد أضفى على المسيح صفة "ابن الله" وأعطاها ذلك المضمون الذي أخذت به النصرانية من اعتقادهم أن المسيح إله، ابن إله، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.

2-

ادعاؤه أن الغاية من مجيء المسيح عليه السلام هو الصلب وتكفير الخطايا:

وفي هذا يقول بولس في روميه (3/23) :" إذ الجميع اخطأوا وأعوزهم مجد الله متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة" ويقول في روميه أيضاً في (5/6) "لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعين لأجل الفجار

ولكن الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا ".

وفي رسالته الثانية إلى كورنثوس (5/21) يقول "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه".

فهذه الدعوى التي علل بها بولس حياة المسيح وموته هي التي قامت عليها

1 انظر الرد عليهم ص 253-256

ص: 355

النصرانية بعد، ولم يكن لها في الحقيقة شيء من الصدى في حياة المسيح ولا كلامه. بل ورد عن المسيح عليه السلام التصريح بأنه جاء ليدعو إلى التوبة والإنابة.

وفي هذا ورد في إنجيل متى (9/13) قوله" لأني لم آت لأدعوا أبراراً بل خطاة إلى التوبة".

وفي إنجيل مرقص (1/12) يقول" وبعد ما أُسْلِم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله. ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل".

فهذا ظاهر منه أن المسيح عليه السلام قد صرح بأن الهدف من رسالته هو الدعوة إلى التوبة. إلا أن بولس اخترع من عند نفسه هدفاً آخر للمسيح لم يصرح به المسيح ولم يقله وهو أنه إنما جاء ليصلب تكفيراً للخطايا.

3 -

ادعاؤه أن دعوة المسيح عليه السلام كانت عامة لجميع بني البشر

ادعى بولس أن المسيح عليه السلام رسول لجميع الأمم ثم زعم لنفسه بأنه مرسل إلى جميع البشر، وفي هذا يقول في روميه (11/13)"فإني أقول لكم أيها الأمم، بما أني أنا رسول للأمم أمجد خدمتي ".

وفي غلاطيه (1/15) يقول"ولكن لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم".

وفي أفسس (3/8) يقول"أعطيت هذه النعمة أن أبشر بين الأمم"?

وهذه الدعوى منه تخالف ما ذكره المسيح عن نفسه وما وصى أيضا به تلاميذه حيث يقول عن نفسه في إنجيل متى (15/24) "لم أرسل إلا إلى

ص: 356

خراف بيت إسرائيل لضالة".

ووصى تلاميذه بقوله في إنجيل متى (10/5)" إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة".

4 -

إلغاؤه لشريعة موسى عليه السلام ودعواه أن الإنسان ينجو بالإيمان المجرد بدون عمل.

ألغى بولس شريعة موسى عليه السلام وفي هذا يقول في رسالته إلى رومية (2/16)"إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع المسيح آمنا نحن أيضاً بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس، لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما..... فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي لست أبطل نعمة الله، لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح إذاً مات بلا سبب".

ومما يجدر ذكره أن بولس لما وسع نطاق دعوة المسيح عليه السلام لتشمل جميع الناس واجه عقبة كؤود، وهي عدم قبول الوثنيين للشرائع الموسويه، وتصور أنه لا يمكن أن تنجح الدعوة بينهم مع وجود الشريعة، فقرر إلغاءها، ويذكر سفر أعمال الرسل أن هذا أولاً تم بمطالبة من بولس ودعوة منه، ثم قبله بعد ووافق عليه سائر التلاميذ، وقرروا أن لا يلزم الناس بشيئ من الأمور الواجبة عند بني إسرائيل سوى الامتناع عن الذبح للأصنام، وعن أكل الدم، والمخنوق، والإمتناع عن الزنا1.

وإلغاء بولس للعمل بشريعة موسى عليه السلام خلاف ما أكده المسيح عليه

1 انظر أعمال الرسل (15/28) .

ص: 357

السلام ودعى إليه فقد ورد في إنجيل متى (5/17) أنه قال ": لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإن الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة من الناموس حتى يكون الكل فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى أصغر في ملكوت السموات وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السموات. فإني أقول لكم إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات".

فهذه تأكيدات واضحة من المسيح على التزام شريعة موس عليه السلام وتحريم الخروج عليها. فإلغاء العمل بشريعة موسى هو في الحقيقة هدم لديانة المسيح تماماً، لأن مما هو ظاهر من دعوة المسيح عليه السلام أنه لم يأت بتعاليم جديدة تذكر، وإنما ركز تركيزاً خاصاً على التوبة والتخلص من الخطايا 1.

وهذا لا شك مع التزام الشريعة السابقة، فإذا ألغيت الشريعة بقيت دعوة المسيح عليه السلام دعوة عامة للتوبة والصلاح بدون أعمال يتوصل الإنسان من خلالها إلى تهذيب نفسه وتزكيتها، وهذا ما آل إليه أمر ديانة المسيح عليه السلام بسبب دعوة بولس الذي نشط بعد ذلك في بيان بطلان شريعة موسى عليه السلام وَوَجْهِ إلغائها، وتكرر هذا الأمر في أغلب رسائله، وهو من أهم ما يميز دعوته، مع أنه لا يملك دليلاً واحداً يبيح له مثل هذا العمل، الذي يعتبر كفراً بالديانة ونقضاً لها من أساسها.

كما يعتبر بكل المعايير فشلاً في الدعوة، وليس نجاحاً كما يظن النصارى

1 انظر ص 147

ص: 358

لأن النجاح في الدعوة هو أن تنجح في الدعوة إلى كامل المنهج الذي تدعو إليه بأصوله وفروعه، أما تغييره أو الاكتفاء بجزء شكلي منه فلاشك أن ذلك فشل كبير.

5-

إلغاؤه للختان:

اختتن المسيح عليه السلام 1 والتزم به، لأنه من شريعة موسى فقد ذكر اليهود في كتابهم أن الله تعالى قال لإبراهيم ? عليه السلام كما في التكوين (17/11) "يختن منكم كل ذكر فَتُخْتَنون في لحم غرلتكم فيكون علامة عهد بيني وبينكم

وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها إنه قد نكث عهدي".

ومع هذا التأكيد على الختان، فقد ألغاه بولس من ضمن ما ألغى من شريعة موسى عليه السلام، وفي هذا يقول في روميه (2/28)" لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهودياً، ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختاناً، بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي، وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان".

هذه بعض الأمور التي يلاحظها الإنسان الذي يطلع اطلاعة سريعة على رسائل بولس التي تكونت بعد منها النصرانية، وقامت عليها وغطت تعاليمه على تعاليم المسيح عليه السلام بل ألغتها وحلت محلها، كما سبق ذكره، ومن الجدير بالذكر أن أتباع المسيح الأوائل لم يقبلوا تلك الدعاوى من بولس بل ردوها وفي هذا يقول في رسالته الثانية إلى تيموثاوس (1/15) :"إن جميع الذين في آسيا ارتدوا عني"، وهذا هو المتوقع من الحواريين والذين

1 انظر لوقا (2/21) .

ص: 359

عرفوا الحق ورأوا المسيح عليه السلام وتتلمذوا عليه.

إلا أن تلك الدعاوى وجدت رواجاً لدى الرومان واليونان وخاصة في غرب أوربا حيث كان الغالبية وثنيين، فناسبتهم هذه المبادئ فأخذوا بها، ثم طبعها بطابع الشمول والإلزام مجمع نيقية سنة 325م حيث قرروا فيه ألوهية المسيح عليه السلام، وأنه نزل ليصلب تكفيراً لخطايا البشر كما تقدم1، فأصبحت الديانة النصرانية مدينة في الواقع لبولس، وليس للمسيح منها إلا الاسم فقط.

د- التأثر بالوثنيات والفلسفات الوثنية:

لقد نادى المسيح عليه السلام بأنه لم يرسل إلا إلى خراف إسرائيل الضالة، بل نهى أتباعه عن الذهاب إلى قرى غير اليهودية2، إلا أن أتباعه فيما بعد خالفوا ذلك، وتوجهوا إلى الوثنيين من الرومان واليونان والفرس وغيرهم في المناطق المجاورة، والأماكن التي أمكنهم الوصول إليها، ولما كانت الديانة المسيحية تفتقر للمقومات التي تكفل لها التأثير في تلك المجتمعات، حيث كانت دعوة لبني إسرائيل خاصة، وليس لها الصبغة العالمية التي يمكن أن تتغلب بها على تلك الأديان والفلسفات. لذا فقد غُلبت وأمكن للديانات الوثنية أن تصبغها بصبغتها، بل ألغتها تماماً، واحتلت مكانها، وأخذت مسماها، هذا أمر يتضح لكل ناظر في الديانة النصرانية المحرفة، وقد أكد علماء الأديان والتاريخ ذلك، وأن الديانة النصرانية قد إصطبغت بالصبغة الوثنية، وأنها أخذت عقيدتها وعبادتها من تلك الوثنيات فضمتها إليها ووضعت

1 انظر ما سبق ص221.

2 انظر: إنجيل متى (10/5) .

ص: 360

عليها اسمها1.

ومن الأمثلة على أن النصارى قد رددوا عقائد الوثنيين الذين كانوا قبلهم ما يلى:

1-

إن التثليث موجود عند الهنادكة والبوذيين قبل النصارى وفي هذا يقول "فابر" في كتابه (أصل الوثنية) : "وكما نجد عند الهنود ثالوثاً مؤلفاً من برهمة وفشنو وسيفا، هكذا نجد عند البوذيين فإنهم يقولون إن بوذا إله ويقولون بأقانيمه الثلاثة

".

كما كان يوجد ذلك أيضاً لدى المصريين والفرس واليونان والرومان والأشوريين والفينيقيين والاسكندنافيين والتتر والمكسيكيين والكنديين2.

وكذلك المصريين القدماء كانوا يعتقدون أن الآلهة ثلاثة وهم (أتوم وشو وتفنوت3" أو أوزيريس وأيزيس وهورس4.

2-

إن الصلب - فداءً للبشر- عقيدة وثنية كانت موجودة لدى الهنادكة، وفي هذا يقول "هوك" في كتابه "رحلة هوك":"ويعتقد الهنود بتجسد أحد الآلهة وتقديم نفسه ذبيحة فداءاً عن الناس من الخطيئة".

وقال "دوان" في كتابه "خرافات التوراة والإنجيل" ما نصه: "ويعتقد الهنود بأن كرشنا المولود البكر الذي هو نفس الإله فشنو والذي

1 سيأتي النقل في ذلك عن النصارى أنفسهم ص319.

2 انظر في النقول عن هذه الديانات كتاب "العقائد الوثنية في الديانة النصرانية" ص (35-45) .

3 انظر الرمز والاسطورة في مصر القديمة ص 39.

4 قاموس الكتاب المقدس ص 904.

ص: 361

لا إبتداء ولا انتهاء له على رأيهم، تحرك حنوا كي يخلص الأرض من ثقل حملها فأتاها وخلص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه".

وقالت "مسز جمسون" في كتابها "تاريخ سيدنا من الآثار": "كان الميليتيون يمثلون الإله إنساناً مصلوباً مقيد اليدين والرجلين بحبل خشبه وتحت رجليه صورة حمل، والسوريون يقولون: إن تموز الإله المولود البكر من عذراء تألم من أجل الناس، ويدعونه. المخلص، والفادي، والمصلوب"1.

3-

الإعتقاد بأن إلهاً تجسد وولد من عذراء هو كذلك من عقائد الوثنيين. ففي هذا يقول "دوان" في كتابه السابق: "والهنود يقولون إن كرشنه هو ابن العذراء النقية الطاهرة ديفاكي ويدعونها والدة الإله.

ويقول المصريون: إن هورس "حورس" المخلص ولد من العذراء إيسيس "ايزيس"، وأنه المنبثق الثاني من عامون، ويقولون الابن المولود، ويصورونه إما على يدي أمه أو على حضنها"2.

فهذه أمثلة واضحة على تأثر الديانة النصرانية بالأديان الوثنية قبلها بل إن الأديان الوثنية تغلبت على ديانة المسيح عليه السلام وصبغتها بصبغتها، وقد صرح المؤرخ "هـ. فيشر"بذلك التشابه حيث قال: "غير أنه ليس ثمة شك أن اتخاذ المسيحية – فيما بعد- ديانة رسمية للبلاد - يعني الإمبراطورية الرومانية - ساعد على ازدياد صفوف المسيحيين زيادة سريعة،

1 نقلاً عن العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ص 49-53.

2 نقلاً عن المرجع السابق ص60-66. وانظر الرمز والاسطورة في مصر القديمة ص (104-106) .

ص: 362

سيما أن التحول عن الوثنية إلى المسيحية لم يكن إنتقالاً إلى جو غريب تمام الغرابة، أو شعوراً بانقلاب باغت مفاجئ، بل بدا الولوج في المسيحية عملية رفيقه في كثير من التدرج الشعوري العاطفي، إذ شابهت طقوس الديانة المسيحية وأسرارها المقدسة ما للديانة القديمة من طقوس وأسرار، كما اشتملت تعاليمها على تعاليم الأفلاطونية الحديثة، 1 يضاف إلى ذلك أن القول بوجود واسطة بين الله والناس أمر مألوف عند الفرس وأهل الأفلاطونية الحديثة2 سواء3".

وفي نفس الموضوع يقول "شارل جنيبر " رئيس قسم تاريخ الأديان في جامعة باريس: " إن المسيحية لم تكن تستطيع مدافعة أمام هذه النزعات والشعائر السائدة، وإذا كانت - أي النصرانية- قد انتصرت في القرن الثالث على سائر ألوان "التأليف" الديني الوثني، فذلك لأنها كانت قد تطورت هي الأخرى إلى تأليف ديني تجتمع فيه سائر العقائد الخصبة والشعائر الجوهرية النابعة من العاطفة الدينية الوثنية، قامت هي -أي النصرانية - بترتيبها، وتركيبها، وأضفت عليها الإنسجام الذي تفتقر إليه، بحيث استطاعت أن تقف مفردها أمام أشتات المعتقدات والشعائر التي يؤمن بها أعداؤها دون أن تظهر ضعفاً أو نقصاً عليها في أي من المجالات الهامة.

1 الأفلاطونية الحديثة: هي فلسفة دينيه ذهبت إلى احتواء المعتقدات السائدة والأساطير، والطقوس، وعبادات الشرق، والسحر، والكيمياء القديمة. انظر: الموسوعة الفلسفية ص56.

2 " أفلوطين " مؤسس الأفلاطونية الحديثة جعل الخلق والوجود المادي منبثقاً وصادراً عن الأول وهو الله. "وفيلون اليهودي أكبر من تنسب إليه الأفلاطونية الحديثة قال: بفكرة الوسيط بين المبدع الأول وهو "الله" وبين الخلق. انظر: موسوعة الفلسفة (1/191) .

3 فيشر، تاريخ أوروبا في العصور الوسطى ص7-8.

ص: 363

وتمت ظاهرة التشرب هذه- وهي من الظواهر الأساسية في تاريخ المسيحية - في بطء بطيء معتمدة على الإتصال الدائب بتطور الإيمان بين جميع طبقات المجتمع الوثني، ذلك المجتمع الذي اختلفت فيه صور الإيمان باختلاف بيئاته وباختلاف العهود التي مر بها،

وإنها لظاهرة تفسر لنا كيف جاء العصر الذي استطاعت فيه المسيحية أن تكسب عطفاً نشيطاً بين رحاب العالم اليوناني الروماني"1.

فهذا يكفي للدلالة على تشرب الديانة النصرانية للأديان الوثنية التي توجهت إليها، وهذا في عرف الدين الحق إنحلال وكفر بالدين الإلهي، الذي يجب أن يكون صحيح النسبة إلى الله??تعالى، في أصوله وفروعه، نقياً في عقائده وتشريعاته من خرافات البشر، واملاءات الشياطين.

ولكن كيف تشربت الديانة النصرانية الأديان الوثنية؟

إن الناظر في كبار الدعاة إلى النصرانية في العصور الأولى والذين يشار إليهم بأنهم من أعظم الناس أثراً وتأثيراً في الديانة النصرانية، هم فلاسفة متعمقون في الفلسفات الوثنية، وبعد تنصرهم نقلوا تلك الفلسفات معهم إلى الدين الجديد، وحاولوا أن يسدوا الثغرات التي يجدوها في الديانة النصرانية - وما أكثرها - بمزيج من الفلسفات التي كانوا عليها من قبل، ومن هؤلاء الذين كان لهم دور في ذلك:

بولس (شاؤول اليهودي) وسبق الحديث عنه.

"يوستينيوس" الذي ولد سنة 100 أو 105م فقد ولد من أبوين

1 المسيحية نشأتها وتطورها ص154-155.

ص: 364

وثنيين، وتربى على الديانة الوثنية وتعلم الفلسفة الرواقية1 ثم درس فلسفة الأكاديميين2 والفيثاغوريين34.

قال عنه القس حنا الخضرى "مما لاشك فيه أن الدراسات الفلسفية الكثيرة التي درسها يوستينوس قبل تجديده 5 تركت في تعاليمه بعض الآثار الوثنية"6

" تاتيان السوري " المولود عام 110م من عائلة وثنية درس الفلسفة في بلاد اليونان، ثم ذهب إلى روما ودرس دياناتهم وفلسفاتهم، ثم تتلمذ على يوستينوس 7.

"أثينا غورس الأثيني": كان معاصراً "لتاتيان السوري" كان يحب الفلسفة، وكتاباته مليئة بالإقتباسات الشعرية والفلسفية.

"ثيوفيلوس الأنطاكي": ولد من أبوين وثنيين، وكانت ثقافته يونانية وثنية، وهو أول من استعمل كلمة الثالوث في تاريخ العقيدة النصرانية8.

1 الفلسفة الرواقيه: سميت رواقيه لأن أصحابها كانوا يجتمعون في رواق، وهي فلسفة أخلاقية، وتقول عن الله بأنه خالق كل شيء وهو منبث في هذا الكون. انظر: الموسوعة الفلسفية ص214.

2 الأكاديمية نسبة إلى المدرسة التي أنشأها أفلاطون وسماها أكاديمياً وكانت تدرس الفلسفة اليونانية. الموسوعة الفلسفية ص60.

3 الفيثاغورية: نسبة إلى فيثاغورس اليوناني ومدرسته فلسفية وفيها مبادئ صوفية تتصل بالزهد وهم يرون تحريم أكل اللحوم ويقولون بتناسخ الأرواح. انظر: موسوعة الفلسفة (2/228) .

4 تاريخ الفكر المسيحي ص1/444.

5 يعني قبل دخوله في النصرانية.

6 تاريخ الفكر المسيحي 1/453.

7 تاريخ الفكر المسيحي 1/454.

8 انظر في هاتين الشخصيتين المرجع السابق 1/459، 462.

ص: 365

"اكلميندوس الإسكندري" ولد على ما يحتمل سنة 150م في أثينا من أبوين وثنيين وكان محباً للعلم شغوفاً به مولعاً بالبحث عنه أينما وجد، ورحل

في ذلك رحلات عديدة، إلى أن حطت به الرحال في الاسكندرية ملتقى الثقافات المتنوعة، وصار بعد أن دخل النصرانية مديراً لمدرسة التعليم المسيحي

في الإسكندرية والتي أسسها باثنيوس الذي كان قبل دخوله النصرانية وثنياً رواقيا.

وكان اكلميندوس الإسكندري متأثراً جداً بـ يوستنيوس وفلسفته فأدخل هذه الأمور في تعاليمه عن المسيح وفي هذا يقول القس حنا الخضري: مما لاشك فيه أن العلوم والفلسفات الوثنية الكثيرة التي درسها والبيئة التي نشأ فيها إكلميندس، تركت فيه أثراً عميقاً لم يكن من السهل محوه محواً تاماً"1.

"اغسطينوس" ولد سنة 354م في مدينة سقسطه في الجزائر، وتوفى سنة 430م، الذي تميزت سنوات شبابه بالصراع العقلي والأدبي فقد جذبته الفلسفة الثنائية لجماعة المانويين وصار تابعاً أميناً للعقيدة المانوية وفلسفتها ثم ضاق بالمانوية وصار اهتمامه بالأفلاطونية الحديثة، والذي من خلالها صار يعتبر نفسه مسيحياً، ثم خلع عنه فيما بعد حياة المجون والفساد، واستقبل الحياة النصرانية وبرز فيها إلى أن صار اسقفاً لهيبو في منطقة تونس إلى أن توفى سنة 430م وصار من أعظم قادة الكنيسة بعد بولس، إلا أن أفكار الأفلاطونية الحديثة أثرت على تعاليمه يقول جون لوريمر:" كانت معالجة اغسطينوس للأوجه الرسمية الخاصة بالفكر اللاهوتي متأثرة بخلفيته عن الأفلاطونية الحديثة2".

1 انظر تاريخ الفكر المسيحي (1/507) .

2 انظر: تاريخ الكنيسة. جون لوريمر (3/186-200) .

ص: 366

ولا نريد أن نطيل في عرض هذا الموضوع إنما المراد الإشارة إلى أن العقائد الأجنبية التي اصطبغت بها النصرانية دخلتها عن طريق هؤلاء وأمثالهم الذين كانوا رواداً للديانة في بداية انطلاقها إلى البلدان الوثنية فقد عبرت إلى الوثنيين عن طريق هؤلاء المتشبعين بالفلسفات والوثنيات، حيث صبغوها بفهومهم ومعارفهم وعقائدهم السابقة وقدموها للناس شارحين ومدافعين ديانة مخلوطة بالفلسفة الوثنية في ثوب ديانة توحيدية سماوية.

هـ - تدخل الإمبراطور قسطنطين

الإمبراطور قسطنطين إمبراطور الدولة الرومانية هو الذي رفع الاضطهاد عن النصارى بعد أن دام ما يقارب (300) سنه من قبل اليهود والرومان، فقرب هذا الإمبراطور النصارى إليه، ورفع الاضطهاد عنهم، فانحازوا هم إليه وقبلوا منه ذلك، ثم إنه لما رأى اختلافهم وتباين أقوالهم دعاهم إلى مجمع نيقية سنة 325م فاجتمعوا في ذلك المجمع، ولما كان هو وثنياً ولا علم عنده أيضاً بالمسيحية انحاز إلى ما يوافق هواه ورغبته، فنصر قول القائلين بإلوهية المسيح، وأمر بلعن وطرد من خالفهم وملاحقته. وبالفعل تم ذلك وترتب عليه القضاء على التوحيد، واندراس معالمه بعد ذلك، كما أدى ذلك إلى انتشار النصرانية المثلثة بقوة السلطان، وأولهم" قسطنطين" الذي لم يدخل في الديانة النصرانية إلا وهو على فراش الموت1.

و المجامع النصرانية:

تقدم ذكر المجامع وأهم قراراتها، فتبين لنا أن تلك المجامع هي التي كونت

1 سبق الحديث عن قسطنطين في الكلام على مجمع نيقيه.

ص: 367

الديانة النصرانية، ووضعت أهم أسسها، وهي التي حاربت التوحيد عن طريق قراراتها، فأصبحت الديانة النصرانية تدين في الواقع تلك المجامع في تكوينها وفي دعوتها لمحاربة وتكفير كل من يخالف قراراتها.

ص: 368