الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: وصف اليهود للأنبياء عليهم السلام في التوراة المحرفة
…
المطلب الخامس: وصف اليهود للأنبياء عليه السلام في التوراة المحرفة.
من يقرأ التوراة والكتب الملحقة بها يجد أن أنبياء الله والموكلين بهداية الناس وتعليمهم الهدى والخير لا يتمتعون بصفات الصالحين والأتقياء، بل يجد أن العهد القديم ينسب إليهم كثيراً من المخازي والقبائح التي يتنزه عنها كثير من الناس العاديين. فكيف يليق أن ينسب شيء من ذلك إلى الأنبياء الذين قد اصطفاهم الله وخصهم بهذه المهمة العظيمة وهي تبليغ دينه والذين هم قدوة للصالحين وأئمة في البر والتقى.
ومما لاشك فيه أن الأنبياء عليهم السلام أكمل الناس ديناً وورعاً وتقوى، وأن الله اصطفاهم ورعاهم وكملهم وحفظهم وعصمهم من القبائح والرذائل، هذه حقيقتهم بلا مراء ولا تردد، وما أضافه اليهود إليهم مما لا يليق نسبته إليهم هو محض إفتراء وكذب، ودليل واضح على تحريفهم لكتبهم لأغراض في نفوسهم، غير مراعين حرمة لمقام النبوة، ولا لما جبل الله عليه أولئك الأنبياء عليهم السلام من الكمال البشري في خلْقهم وخُلقهِم.
وإليك الأمثلة الدالة على تحريف اليهود لكتابهم بطعنهم في أنبياء الله عز وجل ووصفهم بالصفات التي لا يجوز بحال نسبتها إليهم فمن ذلك قولهم في:
1-
نوح عليه السلام
زعم اليهود في كتابهم أن نوحاً عليه السلام، شرب الخمر وتعرى داخل خبائه
وفي هذا قالوا في سفر التكوين (9/20)"وابتدأ نوح يكون فلاحاً وغرس كرماً وشرب من الخمر وتعرى داخل خبائه".
هكذا وصفوا نبي الله نوحاً عليه السلام وهو أول أنبياء الله إلى المشركين والذي دعا قومه إلى دين الله ألف سنة إلا خمسين عاماً كما ذكر الله عز وجل حيث قال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} العنكبوت آية (14) .
وامتن الله على بني إسرائيل أنهم ذرية ذلك العبد الصالح نوح عليه السلام فقال جل وعلا {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ أَلَاّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} الإسراء آية (3) .
فامتن الله على بني إسرائيل بنسبتهم إلى ذلك العبد الصالح، واليهود يصفونه بتلك النقيصة، وما ذلك منهم إلاّ خدمة لأهوائهم وأغراضهم التي تتضح من بقية كلامهم في القصة نفسها حيث يقولون بعد الكلام السابق في سفر التكوين (9/22)"فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجاً، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء فلم يبصرا عورة أبيهما، فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به إبنه الصغير. فقال ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته".
فيتضح من هذا النص أن مقصد اليهود منه لعن الكنعانيين الذين كانوا أعداءً لبني إسرائيل، كما أن فيه خطأً ظاهراً من ناحية أن حام هو الذي أبصر عورة
أبيه حسب النص السابق، فلماذا يلعن ابنه كنعان، مع أن لحام أبناءً آخرين غير كنعان فإن اليهود قالوا في سفر التكوين (10/6)"وبنو حام كوش ومصر ايم ونوط وكنعان".
فلماذا خُص كنعان من بين إخوته؟ ما ذلك إلا لهدف خاص في نفوسهم وهو لعن الكنعانيين أعدائهم ولو كان بالافتراء على الله عز وجل وعلى نبيه نوح عليه السلام
2ـ لوط عليه السلام
ومن الأنبياء الذين افترى عليهم اليهود لوط عليه السلام فقد افتروا عليه فرية عظمى ورموه بشنيعة كبرى يترفع عنها أعظم الناس فساداً.
حيث زعم اليهود أن لوطاً عليه السلام قد زنى بابنتيه الكبرى والصغرى بعد أن أنجاه الله من القرية التي كانت تعمل الخبائث وأن البنتين أنجبتا من ذلك الزنى1.
وهذا محض إفتراء وبهتان لنبي كريم ولبناته وأهل بيته الصالحين، وقد ذكر الله عز وجل لنا صلاح لوط عليه السلام وأهل بيته وطهارتهم على لسان أعدائه فقال جل وعلا {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} النمل آية (56) .
ولو بحثنا عن سبب افتراء اليهود لهذه الفرية في كتابهم لوجدنا أنهم إنما قصدوا الطعن في أعدائهم المؤابيين والعمونيين من خلال هذه الفرية، لأنهم زعموا أن البنت الكبرى حملت من ذلك الزنى فأنجبت مؤاب وهو أبو المؤابيين
1 انظر سفر التكوين (19/30-38) .
، وأن الصغرى حملت أيضاً من ذلك الزنى وأنجبت بني عمي وهو أبو بني عمون، فلهذا السبب والهوى كذب اليهود على نبي الله ووصموه بهذه الفعلة الشنيعة، وفي ذلك أوضح دليل على التحريف.
3-
يعقوب عليه السلام
زعموا أن يعقوب عليه السلام احتال لأخذ النبوة والبركة من أبيه إسحاق عليه السلام لنفسه، فذكروا أن إسحاق عليه السلام لما كبر وكف بصره دعا إبنه عيسو وهو الأكبر، وحسب التقليد لديهم فإن البركة تكون للأكبر، وطلب منه أن يصطاد له جدياً ويطبخه حتى يباركه، فذهب عيسو للصيد كما أمره أبوه، إلا أن أمهما كانت تحب يعقوب وهو الأصغر أكثر من أخيه عيسو وأرادت أن تكون البركة له فدعته وأمرته أن يحضر جدياً فيطبخه وأن يلبس ملابس أخيه ويضع فوق يديه جلد جدي حتى يبدو جسمه بشعر مثل جسم أخيه عيسو، فيظن إسحاق عليه السلام أنه هو فيباركه، ففعل يعقوب عليه السلام ذلك ثم دخل على أبيه ففي ذلك قالوا:
" فدخل إلى أبيه وقال: يا أبي، فقال: ها أنذا، من أنت؟ فقال: يعقوب لأبيه: أنا عيسو بكرك قد فعلت كما كلمتني، قم إجلس وكل من صيدي لكي تباركني نفسك، فقال إسحاق لابنه: ما هذا الذي أسرعت لتجد يا بني؟ فقال: إن الرب إلهك قد يسر لي، فقال إسحاق ليعقوب: تقدم لأجسك ياابني أأنت هو إبني عيسو أم لا؟ فتقدم يعقوب إلى إسحاق أبيه فجسه وقال: الصوت صوت يعقوب ولكن اليدين يدا عيسو، ولم يعرفه لأن يديه كانتا مشعرتين كيدى عيسو أخيه، فباركه
وقال: هل أنت هو ابني عيسو؟ فقال: أنا هو، فقال: قدم لي لآكل من صيد ابني حتى تباركك نفسي، فقدم له فأكل وأحضر له خمراً فشرب، فقال له إسحاق أبوه تقدم وقبلني يا ابني، فتقدم وقبله، فشم رائحة ثيابه وباركه وقال: انظر رائحة ابني كرائحة حقل، قد باركه الرب، فليعطك الله من ندى السماء، ومن دسم الأرض، وكثرة حنطة وخمر، ليستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل، كن سيداً لإخوتك، وليسجد لك بنو أمك، ليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين" سفر التكوين (27/18_29) . وفاز يعقوب بالبركة بهذه الحيلة، وبعد أن جاء أخوه عيسو لم يكن أمامه إلا الصراخ والعويل لفوات البركة.
وبهذا الكلام يصمون أباهم يعقوب عليه السلام بالكذب مراراً، وانتحال شخصية أخيه كيداً، وأخذ ما ليس له فيه حق احتيالاً، كما يصمون أباهم إسحاق عليه السلام بالجهل الشديد إلى حد التغفيل والغباء حيث لم يستطع أن يميز بين ولديه، وهو أمر مستبعد جداً أن يقع لأقل الناس إدراكاً وأشدهم تغفيلاً فضلاً عن نبي الله إسحاق عليه السلام
وهذا كله مما لا يليق وصف الأنبياء عليه السلام به، كما أن النبوة ليست بيد إسحاق ولا بيد غيره من الأنبياء، بل هي محض تفضل من الله عز وجل.
قال تعالى {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} الزخرف آية (32) .
وقال تعالى {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} الأنعام آية (124) .
ويتجلى في هذه القصة طرفاً من مكر اليهود وكيدهم، فإذا نظرنا إلى قصة إسماعيل وإسحاق عليهما السلام نجد أنهم أغفلوا مسألة البكوريه في استحقاق البركة والتي يقصدون بها النبوة، وجعلوا البركة لإسحاق دون إسماعيل عليه السلام لأن إسماعيل عندهم ابن جاريه1، ولما صار الأمر متعلقاً بعيسو ويعقوب، وعيسو هو الأكبر حسب كلامهم اخترعوا هذه القصة، حتى يبينوا أن يعقوب قد أخذ البركة دون أخيه عيسو.
وأيضاً تلك البركة التي يزعمون أنها للأكبر لا نراها بَعْدُ في نبي آخر من أنبيائهم، حتى أن يعقوب عليه السلام، لما بارك أبناءه عند موته جعل البركة العظمى ليوسف عليه السلام 2 وهو أصغر أبناء يعقوب ما عدا شقيقه بنيامين فقد كان أصغر منه، وهكذا أيضاً بارك يعقوب أفرايم ومنسي ابنى يوسف عليه السلام، فقد كان منسي هو البكر، فجعل يعقوب عليه السلام البركة الأهم لأفرايم وهو الصغير حيث وضع عليه يده اليمنى3
فهذه قصة مخترعة مفتراة على نبي الله إسحاق ويعقوب عليهما السلام، لاشك في ذلك.
5-
هارون عليه السلام
زعموا أن هارون عليه السلام هو الذي صنع لهم العجل ودعاهم إلى عبادته فقالوا في سفر الخروج (32/1) " ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب
1 سفر التكوين (25/5) .
2 سفر التكوين (49/22-27) .
3 سفر التكوين (48/13) .
على هارون وقالوا له قم إصنع لنا آلهة تسير أمامنا
…
فقال لهم هارون: إنزعوا أقراط الذهب التي في أذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها.... فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلاً مسبوكاً. فقالوا هذه آلهتك ياإسرائيل".
فهل يعقل أن نبياً أرسله الله لدعوة قومه إلى عبادة الله وحده يصنع لقومه عجلاً ويدعوهم إلى عبادته؟!.حاشا أنبياء الله من ذلك.
وقد بين الله عز وجل في القرآن أن الذي صنع لهم العجل هو السامري فقال عز وجل {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} طه آية (85) .
أما هارون عليه السلام فقد قام بواجبه من ناحية نهيهم عن عبادة العجل.
قال جل وعلا {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} طه آية (90) .
6-
داود عليه السلام
زعموا أنه زنى بامرأة أحد جنوده، وحبلت من ذلك الزنى، ثم إنه تسبب في مقتل زوجها حيث أمر أن يجعل في مقدمة الجيش حتى يعرضه للقتل، ثم بعد مقتل زوجها تزوجها ومات ذلك المولود الأول، ثم حبلت مرة أخرى فانجبت النبي سليمان عليه السلام 1.
7-
سليمان عليه السلام
زعموا أن سليمان عليه السلام تزوج بنساء مشركات يعبدن الأصنام، ثم هو
1 انظر سفر صموئيل الثاني (11/1-26) .
عبد الأصنام معهن وبني للأصنام أيضاً معابد لعبادتها1.
ذلك كله محض افتراء وكذب، وهو من إفتراءات اليهود على أنبياء الله تعالى وكذبهم عليهم، وأن هذا من أظهر أدلة تحريف الكتب الإلهية والعبث فيها وفق أهوائهم، ورغباتهم.
ولسائل أن يسأل لماذا طعن اليهود في أنبيائهم وقد كان لأنبيائهم الدور الأكبر والفضل العظيم عليهم بعد فضل الله فيما نالوا من خير الدنيا وعزها في سابق حياتهم؟
إن هذا لسؤال محير!! إلا أنا إذا تصورنا أن هذه الكتب قد طالتها يد التحريف، ولا نعرف على التحقيق من الذي تولى تحريفها، ولا الزمان الذي حرفت فيه، إلا أننا نقطع حسب ما أوردوا في كتبهم أن بني إسرائيل انحرفوا عن دينهم إنحرافات خطيرة وكثيرة، بل تركوا دينهم وعبدوا الأصنام والأوثان خاصة فيما قبل السبي، ولا نشك أن جزءاً كبيراً من التحريف كان في تلك الفترات وهي التي لا يتورع أصحابها عن الإفتراء على الله عز وجل وعلى أنبيائه عليهم السلام فتمت في ذلك الزمان التحريفات الكثيرة أو كتابة كتب كاملة ونسبتها إلى نبي من الأنبياء، ثم إن المتأخرين منهم لم يكن لديهم الجرأة على تمحيص تلك النصوص أو أنهم أيضاً اختلت موازينهم بسبب ذلك التحريف.
ولكن السؤال لازال قائما: ً لماذا حرف أولئك اليهود كلام الله وطعنوا في أنبيائهم وأصحاب الفضل عليهم بهذه المطاعن؟.
1 انظر سفر الملوك الأول (11/1-9) .
الذي يبدوا لي أن أولئك المحرفين أرادوا أن يبرروا ما هم فيه من فساد وانحراف وفسق، فألصقوا أنواعاً من التهم بأنبيائهم حتى لو احتج عليهم محتج بأمر من الأمور المتعلقة بانحرافهم احتجوا له بأن النبي الفلاني فعل كذا وفعل كذا، كذباً وزوراً.
وأيضاً ليخدموا غرضاً في نفوسهم كما سبق أن قلنا عن طعنهم في نبي الله نوح ولوط عليهما السلام.
وهذا كله يكفي في التعبير عنه قول الله عز وجل {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} البقرة آية (79) .