الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع: التنصير
هو الدعوة إلى النصرانية ويسميه النصارى التبشير.
وسائله:
للنصارى في دعوتهم إلى ديانتهم وسائل عديدة منها:
الدعوة المباشرة بالوعظ، والتعليم العام، والمناداة بالتباع الديانة النصرانية وهذه الوسيلة هي المعمول بها في بلدانهم وبين شعوبهم.
ومنها الدعوة غير المباشرة وذلك عن طريق التطبيب، والتعليم، والإغاثة.
فهم يجعلون من تطبيب المرضى وعلاجهم وسيلة إلى إيصال الدعوة النصرانية، وذلك بإقامة المستشفيات والمراكز الصحية التي تكون ستاراً لدعوتهم، وكذلك التعليم وذلك بإنشاء المدارس من رياض الأطفال، وما فوقها من المستويات من المعاهد والجامعات.
كما يستغلون حاجة المنكوبين والملهوفين للإعانات فيغلفون تلك الإعانات بالدعوة إلى النصرانية.
وهذه الوسائل يستخدمونها في البلدان غير النصرانية وخاصة البلاد الإسلامية1.
1 انظر: ملامح عن النشاط التنصيري في الوطن العربي ص 26.
أهداف التنصير:
إن من المعلوم أن العقيدة هي أقوى رابط والولاء الحقيقي لا يكون إلا بها ووفقها.
لهذا يسعى النصارى إلى تنصير الناس، وخاصة المسلمين حتى يكسبوا ولاءهم ويسيطروا عليهم، فهو إذاً وسيلة أخرى من وسائل الاحتلال والسيطرة والاستعمار لا يحتاج إلى بذل النفوس وإزهاق الأرواح بالحروب الطاحنة، بل يحتاج إلى بذل المال وإستغلال الفرص المتاحة في البلدان الإسلامية من تمزق المسلمين وضعفهم وإعتناق كثير من ساسة البلدان الإسلامية للتصورات والعقائد المعادية للإسلام من علمانية، وقومية، وشيوعية، وضعف ولائهم للإسلام وبالتالي للأمة، وكذلك فساد حال كثير من الشعوب الإسلامية، بسبب المناهج الوافدة وضعف التكوين الديني في نفوسهم، مما يجعل الفرصة متاحة للمنصرين.
ومما يدل على أن التنصير لا يعدوا أن يكون هجمة استعمارية جديدة، أمور عدة هي:
أولاً: إن الدول التي وراء التنصير هي دول إلحادية بكل ما تعنيه هذه الكلمة، فكيف تشجع بل تستخدم نفوذها في تغلغل المنصرين وتسهيل مهمتهم، لو لم يكن لها أهداف إستعمارية.
ثانياً: إن الدعوة إلى النصرانية فشلت فشلاً ذريعاً في بلدانها، فتوجهها إلى بلدان أجنبية عنها يكلفها ذلك أضعافاً مضاعفة من المال والوقت، مع النتائج غير المشجعة، هذا يدل على أن نشاطها في التنصير ليس هدفه نشر النصرانية
بحد ذاتها وإنما إستعمار المسلمين بشكل أفضل وأكمل بالنسبة لهم.
ثالثاً: تصريحات المنصرين أنفسهم بأنهم ليسوا إلا أدوات في يد المستعمر ومقدمة له. وفي هذا يقول "كوتوي زيقلر" في كتابه "أصول التنصير": "ولكن ليس من شك في أن التوسع الإستعماري كان له وجهان: إقتصادي، وسياسي، وكان النشاط التنصيري جزءاً أساسياً من هذا التوسع الأوربي، وبنهاية القرن التاسع عشر كانت دوائر النفوذ السياسي الغربي قد ثبتت من نهر اليانقتزي إلى النيل، وأصبحت لندن هي عاصمة العالم المالية ووضعت أسس البعثات التنصيرية من تايبية إلى دكار"1.
ويقول رأس المنصرين في العصور المتأخرة ومجرمهم صموئيل زويمر ملخصاً لأهداف التنصير وغاياته، في خطاب له في مؤتمر القدس، الذي عقده المنصرون عام 1935م في القدس مخاطباً أمثاله من المنصرين ما نصه: " أيها الإخوان الزملاء ممن كتب الله لهم الجهاد في سبيل المسيحية، واستعمارها لبلاد الإسلام فأحاطتهم عناية الرب، بالتوفيق الجليل المقدس.
لقد أديتم الرسالة التي أنيطت بكم خير أداء. ووفقتم لها اسمى التوفيق وإن كان يخيل إليَّ أنه مع إتمامكم العمل على أكمل وجه، لم يفطن بعضكم إلى الغاية الأساسية منه:
إني أقركم على أن الذين أدخلوا من المسلمين في المسيحية لم يكونوا مسلمين حقيقيين - لقد كانوا أحد ثلاثة:
1 أصول التنصير في الخليج العربي ص 31.
إما صغير لم يكن له من أهله من يعرفه بالإسلام- وإما رجل مستخف بالأديان لا يبغي غير الحصول على قوته، قد اشتد به الفقر وعزت عليه لقمة العيش - أما الآخر فيبغي الحصول على غاية من الغايات الشخصية1.
ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً.
وإنما مهمتكم هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام، ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها2.
ولذلك تكونون أنتم طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، وهذا ما قمتم به خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه، وتهنئكم عليه دول المسيحية والمسيحيون عموماً من أجله كل التهنئة.
لقد قبضنا أيها الإخوان في هذه الحقبة من الدهر، من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا، على جميع برامج التعليم، في الممالك الإسلامية المستقلة أو التي تخضع للنفوذ المسيحي أو التي يحكمها المسيحيون حكماً مباشراً، ونشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير المسيحي والكنائس والجمعيات وفي المدارس التي تهيمن عليها الدول الأوروبية، والأمريكية، وفي مراكز كثيرة، ولدى شخصيات لا تجوز الإشارة إليها3، الأمر الذي يعود فيه الفضل إليكم أولاً، وإلى ضروب كثيرة من التعاون باهرة النتائج، وهي أخطر ما عرف البشر في حياته الإنسانية.
1 مراد زويمر أن الصنف الثالث ممن أغراه المنصرون بالشهوات إما المال أو النساء أو المركز.
2 هذا غاية ما يصبوا إليه هذا المجرم المنحرف، وهو أن يقوم بدور الشيطان بين المسلمين.
3 يقصد شخصيات متنفذة في الدول الإسلامية تخضع لهم وتحقق لهم أطماعهم.
إنكم أعددتم بوسائلكم الخاصة جميع العقول في الممالك الإسلامية إلى قبول السير في الطريق الذي مهدتم له كل التمهيد.
إنكم أعددتم نشأ لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء طبقاً لما أراده الاستعمار، لا يهتم بالعظائم ويحب الراحة والكسل، فإذا تعلم فللشهوات، وإذا تبوأ اسمي المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء.
إن مهمتكم تتم على أكمل وجه، وقد انتهيتم إلى خير النتائج، وباركتكم المسيحية، ورضي عنكم الاستعمار فاستمروا في أداء رسالتكم فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضع بركات الله".
بمثل هذه الأهداف الخبيثة والوسائل الأخبث يتوجه النصارى بثياب المتوجعين على المرضى والمنكوبين والجهلة في عموم البلدان الإسلامية يلبسون لهم مسوح الرهبان وقلوبهم قلوب الذئاب {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وما أبدوه من رضي عن إفساد المسلمين يدل دلالة واضحة على المرارة التي تجرعوها، وعلى الخيبة التي منوا بها في أن المسلمين لم يقبلوا ذلك الهراء الذي يسمونه ديناً، وذلك التلفيق الوثني الذي يريدون أن ينطلي على المسلم، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أنهم ليسوا على شيء، وأنهم لا يستطيعون أن يعطوا المسلم شيئاً يجذبه إلى دينهم، وغرهم أن وجدوا استجابة من الوثنيين فيما مضى وما ذاك إلا لأن الوثني وجد وثنيته في النصرانية فلا بأس مع المغريات أن يلبس ثوب النصرانية مع ثوبه الأصلي.
أما المسلم صاحب العقيدة والوعي فيعلم أن النصرانية ليست سوى ديانة وضعية ملفقة ليس فيها غناء، ولا يأتي منها شفاء.
ويكون النصراني في محاولته لتنصير المسلم كمن يأتي إلى من يملك الملايين فيدعوه إلى استبدالها بفلوس قليلة مزيفة.
أو كمن يأتي إلى الصحيح المعافي في بدنه وعقله فيدعوه إلى المكان الموبوء الممرض.
أو كمن يدعو من هو في النور والضياء إلى الظلمة والعمى فحقيقة الإسلام النور، وحقيقة النصرانية الظلمة {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأنعام آية (122) .
وقد روى لي أحد الأخوة ممن يعيش في فرنسا: أن رجلاً كان قسيساً فأسلم سراً وبقي في عمله في الكنيسة إلا إنه يخفي إسلامه، وفي أحد الأيام استطاع بعض القسس أن يصطادوا شاباً من أصل مسلم وبدأوا يهيئونه للدخول في ديانتهم، فجاءه هذا القسيس الذي يخفي إسلامه فأخذه معه إلى بيته، فأنزله إلى طابق تحت الأرض، فلما نزل وكان الظلام شديداً - قال له: ماذا ترى؟
فقال الشاب: لا أرى شيئاً؟
فقال له القسيس: اصعد معي، فخرجا من ذلك المكان إلى وجه الأرض حيث النور، فقال له: ماذا ترى؟
فقال الشاب: أرى كل شيء.
فقال له القسيس: ذلك المكان الذي كنا فيه مثل النصرانية ظلمة، وهذا الذي نحن فيه مثل الإسلام نور، وأنت تريد أن تترك النور وتذهب إلى الظلمة، وأنا أخوك مسلم أخفي إسلامي، ولكن اذهب واحذر أن تترك النور إلى الظلمة.
فأنقذ الله ذلك الشاب بهذا المثال الذي يعبر عن حقيقة الديانة النصرانية، التي هي ظلمات بعضها فوق بعض، ثم يحاول بعد ذلك أهلها أن يروجوها على المسلمين.
إلا أنه من الواجب التحذير بأن الجهل الذي تعيشه كثير من الشعوب الإسلامية، وأعني به الجهل بالدين، هو أكبر مطية للمنصرين وأعظم معين لهم في تحقيق أهدافهم في المسلمين، لا سمح الله، أما المرض والنكبات من حروب، أو زلازل، أو مجاعات ونحوها فلا تحقق لهم أهدافهم إلا إذا رافقها الجهل بالإسلام، فعند ذلك يجد المنصرون مجالاً للتأثير على المسلم، بقلب الحقائق له: بتشويه الإسلام وتزيين النصرانية بالمساحيق الخداعة الكاذبة التي تخفي وثنيتها وفسادها.
ومن هنا يتبين أهمية العلم - أعني العلم الشرعي - وتوعية الشعوب الإسلامية بحقيقة الإسلام وسموه وعظمته وعظيم الجزاء من الله عليه في الآخرة بالنجاة من النيران والفوز بالرضوان، إذا فعلنا ذلك نكون حصنا الشعوب الإسلامية بالدرع الواقي من كل دعوة فاسدة مبطلة، بل أعطيناها أيضاً السلاح الذي به تستطيع أن ترد على وسوسة المنصرين ووثنيتهم وتنتصر عليهم بإذن الله.
وليتق الله حكام وولاة أمور المسلمين في شعوبهم، فيضعوا لهم المناهج التي
توعي المسلمين بدينهم، وتبصرهم بما ينجيهم غداً في موقفهم أمام ربهم عز وجل وتدفع عنهم غوائل الأعداء، وتربص المنصرين البعداء.
فإن في صلاح الشعوب الإسلامية ثبات حكم الحكام ودوام دولتهم بإذن الله، لأنهم حماتها وحراسها، وسلامة عقائدهم مؤذن بولائهم ومحبتهم ونصرتهم، وفساد عقائدهم وديانتهم مؤذن باختلافهم على حكامهم وعداوتهم لهم، فليتقوا الله فيهم فإنهم غداً أمام الله موقوفون وعن شعوبهم وما ولوا مسؤولون.
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}