الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال البيهقي: إنما قال ذلك؛ لأن عبد الله بن سلمة راويه كان قد تغير، وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر، قاله شعبة.
وقال الخطابي: كان أحمد يوهن هذا الحديث.
وقال النووي في [الخلاصة] : خالف الترمذي الأكثرون، فضعفوا هذا الحديث، وتخصيصه الترمذي بذلك دليل على أنه لم ير تصحيحه لغيره، وقد قدمنا ذكر من صححه غير الترمذي، وروى الدارقطني عن علي موقوفا:«اقرءوا القرآن ما لم تصب أحدكم جنابة، فإن أصابته فلا ولا حرفا» ، وهذا يعضد حديث عبد الله بن سلمة لكن قال ابن خزيمة: لا حجة في هذا الحديث لمن منع الجنب من القراءة؛ لأنه ليس فيه نهي، وإنما هي حكاية فعل، ولا يبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما امتنع من ذلك لأجل الجنابة، وذكر البخاري عن ابن عباس، أنه لم ير بالقرآن للجنب بأسا، وذكر في الترجمة قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه (1) .
(1)[التلخيص الحبير](1\ 139) .
2 -
النقول عن الفقهاء:
أ- قال النووي: (فرع) في مذاهب العلماء في قراءة الجنب والحائض، مذهبنا أنه يحرم على الجنب والحائض قراءة القرآن قليلها وكثيرها حتى بعض آية، وبهذا قال أكثر العلماء، كذا حكاه الخطابي وغيره عن
الأكثرين، وحكاه أصحابنا عن عمر بن الخطاب وعلي وجابر رضي الله عنهم والحسن والزهري والنخعي وقتادة وأحمد وإسحاق.
وقال داود: يجوز للجنب والحائض قراءة كل القرآن، وروى هذا عن ابن عباس وابن المسيب، قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما: واختاره ابن المنذر، وقال مالك: يقرأ الجنب الآيات اليسيرة للتعوذ، وفي الحائض روايتان عنه:
إحداهما: تقرأ. والثانية: لا تقرأ. وقال أبو حنيفة: يقرأ الجنب بعض آية ولا يقرأ آية، وله رواية كمذهبنا.
واحتج من جوزه مطلقا بحديث عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه (1) » رواه مسلم، قالوا: والقرآن ذكر ولأن الأصل عدم التحريم.
واحتج أصحابنا بحديث ابن عمر المذكور في الكتاب، لكنه ضعيف كما سبق، وعن عبد الله بن سلمة -بكسر اللام- عن علي رضي الله عنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فيقرأ القرآن ولم يكن يحجبه، وربما قال: يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة (2) » رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال غيره من الحفاظ المحققين: هو حديث ضعيف، ورواه الشافعي في (سنن حرملة) ثم قال: إن كان ثابتا ففيه دلالة على تحريم القراءة على الجنب.
قال البيهقي: ورواه الشافعي في كتاب جماع الطهور، وقال: وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه، قال البيهقي: وإنما توقف الشافعي في ثبوته؛
(1) صحيح مسلم الحيض (373) ، سنن الترمذي الدعوات (3384) ، سنن أبو داود الطهارة (18) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (302) ، مسند أحمد بن حنبل (6/70) .
(2)
سنن الترمذي الطهارة (146) ، سنن النسائي الطهارة (265) ، سنن أبو داود الطهارة (229) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (594) ، مسند أحمد بن حنبل (1/107) .
لأن مداره على عبد الله بن سلمة، وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر قاله شعبة، ثم روى البيهقي عن الأئمة تحقيق ما قال، ثم قال البيهقي: وصح عن عمر رضي الله عنه أنه كره القراءة للجنب، ثم رواه بإسناده عنه.
وروي عن علي: لا يقرأ الجنب القرآن ولا حرفا واحدا، وروى البيهقي عن عبد الله بن مالك الغافقي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«إذا توضأت وأنا جنب أكلت وشربت، ولا أصلي ولا أقرأ حتى أغتسل» وإسناده أيضا ضعيف.
واحتج أصحابنا أيضا بقصة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه المشهورة: أن امرأته رأته يواقع جارية له، فذهبت فأخذت سكينا وجاءت تريد قتله، فأنكر أنه واقع الجارية، وقال: أليس قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنب أن يقرأ القرآن؟ قالت: بلى، فأنشدها الأبيات المشهورة فتوهمتها قرآنا فكفت عنه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فضحك ولم ينكر عليه. والدلالة فيه من وجهين: أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه قوله: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن. والثاني: أن هذا كان مشهورا عندهم يعرفه رجالهم ونساؤهم، ولكن إسناد هذه القصة ضعيف ومنقطع. وأجاب أصحابنا عن احتجاج داود بحديث عائشة: بأن المراد بالذكر غير القرآن، فإنه المفهوم عند الإطلاق.
وأما المذاهب الباقية فقد سلموا تحريم القراءة في الجملة، ثم ادعوا تخصيصا لا مستند له.
فإن قالوا: جوزنا للحائض خوف النسيان، قلنا: يحصل المقصود
بتفكرها بقلبها (1) .
ب- وقال الشيرازي: ويحرم قراءة القرآن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن.
ج- وقال النووي: (الشرح) : هذا الحديث رواه الترمذي، والبيهقي من رواية ابن عمر رضي الله عنهما وضعفه الترمذي والبيهقي، وروي لا يقرأ بكسر الهمزة على النهي وبضمها على الخبر الذي يراد به النهي، وقد سبق بيانه في آخر باب ما يوجب الغسل، وهذا الذي ذكره من تحريم قراءة القرآن على الحائض هو الصحيح المشهور، وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين، وحكى الخراسانيون قولا قديما للشافعي: أنه يجوز لها قراءة القرآن.
وأصل هذا القول أن أبا ثور رحمه الله قال: قال أبو عبد الله: يجوز للحائض قراءة القرآن. فاختلفوا في أبي عبد الله فقال بعض الأصحاب: أراد به مالكا وليس للشافعي قول بالجواز، واختاره إمام الحرمين والغزالي في [البسيط]، وقال جمهور الخراسانيين: أراد به الشافعي وجعلوه قولا قديما.
قال الشيخ أبو محمد: وجدت أبا ثور جمعهما في موضع، فقال: قال أبو عبد الله ومالك. واحتج من أثبت قولا بالجواز اختلفوا في علته على وجهين:
أحدهما: أنها تخاف النسيان؛ لطول الزمان بخلاف الجنب.
(1)[المجموع](2\182- 183) .
والثاني: أنها قد تكون معلمة فيؤدي إلى انقطاع حرفتها، فإن قلنا بالأول جاز لها قراءة ما شاءت إذ ليس لما يخاف نسيانه ضابط، فعلى هذا هي كالطاهر في القراءة، وإن قلنا بالثاني لم يحل إلا ما يتعلق بحاجة التعليم في زمان الحيض، هكذا ذكر الوجهين وتفريعهما إمام الحرمين وآخرون. هذا حكم قراءتها باللسان؛ فأما إجراء القراءة على القلب من غير تحريك اللسان والنظر في المصحف وإمرار ما فيه في القلب فجائز بلا خلاف، وأجمع العلماء على جواز التسبيح والتهليل وسائر الأذكار غير القرآن للحائض والنفساء، وقد تقدم إيضاح هذا مع جمل من الفروع المتعلقة به في باب ما يوجب الغسل والله أعلم.
(فرع) : في مذاهب العلماء في قراءة الحائض القرآن. قد ذكرنا أن مذهبنا المشهور تحريمها، وهو مروي عن عمر وعلي وجابر رضي الله عنهم، وبه قال الحسن البصري وقتادة وعطاء وأبو العالية والنخعي وسعيد بن جبير والزهري وإسحاق وأبو ثور. وعن مالك وأبي حنيفة وأحمد روايتان: إحداهما: التحريم، والثانية: الجواز، وبه قال داود.
واحتج لمن جوز بما روي عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تقرأ القرآن وهي حائض، ولأن زمنه يطول فيخاف نسيانها، واحتج أصحابنا والجمهور بحديث ابن عمر المذكور، ولكنه ضعيف وبالقياس على الجنب، فإن من خالف فيها وافق على الجنب إلا داود. والمختار عند الأصوليين: أن داود لا يعتد به في الإجماع والخلاف، وفعل عائشة رضي الله عنها لا حجة فيه على تقدير صحته؛ لأن غيرها من الصحابة خالفها، وإذا اختلفت الصحابة رضي الله عنهم رجعنا إلى القياس، وأما
خوف النسيان فنادر، فإن مدة الحيض غالبا ستة أيام أو سبعة، ولا ينسى غالبا في هذا القدر؛ ولأن خوف النسيان ينتفي بإمرار القرآن على القلب والله أعلم (1) .
د- وقال الخرقي: (ولا يقرأ القرآن جنب ولا حائض ولا نفساء) .
هـ- وقال ابن قدامة: رويت الكراهة لذلك عن عمر وعلي والحسن والنخعي والزهري وقتادة والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الأوزاعي: لا يقرأ إلا آية الركوب والنزول {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} (2)، {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا} (3) وقال ابن عباس: يقرأ ورده. وقال سعيد بن المسيب: يقرأ القرآن أليس هو في جوفه؟ ! وحكي عن مالك: للحائض القراءة دون الجنب؛ لأن أيامها تطول، فإن منعناها من القراءة نسيت.
ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحجبه أو قال: يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة، رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن (4) » رواه أبو داود والترمذي، وقال: يرويه إسماعيل بن عياش عن نافع، وقد ضعف البخاري روايته عن أهل الحجاز، وقال: إنما روايته عن أهل الشام، وإذا ثبت هذا في الجنب ففي الحائض أولى؛ لأن حدثها آكد؛ ولذلك حرم الوطء ومنع
(1)[المجموع شرح المهذب](2\387، 388) .
(2)
سورة الزخرف الآية 13
(3)
سورة المؤمنون الآية 29
(4)
سنن الترمذي الطهارة (131) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (596) .
الصيام وأسقط الصلاة وساواها في سائر أحكامها.
(فصل) : ويحرم عليهم قراءة آية، فأما إن كان بعض آية فإن كان مما لا يتميز به القرآن عن غيره كالتسمية والحمد لله وسائر الذكر، فإن لم يقصد به القرآن فلا بأس به، فإنه لا خلاف في أن لهم ذكر الله تعالى، ويحتاجون إلى التسمية عند اغتسالهم ولا يمكنهم التحرر من هذا. وإن قصدوا به القراءة أو كان ما قرأوه شيئا يتميز به القرآن عن غيره من الكلام ففيه روايتان:
(إحداهما) : لا يجوز، وروي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن الجنب يقرأ القرآن، فقال: لا، ولا حرفا، وهذا مذهب الشافعي؛ لعموم الخبر في النهي، ولأنه قرآن فمنع من قراءته كالآية.
(والثانية) : لا يمنع منه وهو قول أبي حنيفة؛ لأنه لا يحصل به الإعجاز ولا يجزئ في الخطبة ويجوز إذا لم يقصد به القرآن وكذلك إذا قصد (1) .
ووأما قراءة الجنب والحائض للقرآن، فللعلماء فيه ثلاثة أقوال:
قيل: يجوز لهذا ولهذا. وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب الشافعي وأحمد.
وقيل: لا يجوز للجنب، ويجوز للحائض. إما مطلقا، أو إذا خافت النسيان. وهو مذهب مالك. وقول في مذهب أحمد وغيره، فإن قراءة الحائض القرآن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء غير الحديث المروي عن
(1)[مختصر الخرقي] ومعه [المغني](1\135- 136) .
إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر:«لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئا (1) » رواه أبو داود وغيره، وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
وإسماعيل بن عياش ما يرويه عن الحجازيين أحاديث ضعيفة، بخلاف روايته عن الشاميين، ولم يرو هذا عن نافع أحد من الثقات، ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن ينههن عن قراءة القرآن. كما لم يكن ينههن عن الذكر والدعاء، بل أمر الحيض أن يخرجن يوم العيد، فيكبرن بتكبير المسلمين. وأمر الحائض أن تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت: تلبي وهي حائض، وكذلك بمزدلفة ومنى، وغير ذلك من المشاعر.
وأما الجنب فلم يأمره أن يشهد العيد، ولا يصلي ولا أن يقضي شيئا من المناسك؛ لأن الجنب يمكنه أن يتطهر فلا عذر له في ترك الطهارة، بخلاف الحائض فإن حدثها قائم لا يمكنها مع ذلك التطهر. ولهذا ذكر العلماء: ليس للجنب أن يقف بعرفة ومزدلفة ومنى حتى يطهر، وان كانت الطهارة ليست شرطا في ذلك. لكن المقصود: أن الشارع أمر الحائض أمر إيجاب أو استحباب بذكر الله ودعائه مع كراهة ذلك للجنب.
فعلم أن الحائض يرخص لها فيما لا يرخص للجنب فيه، لأجل العذر. وإن كانت عدتها أغلظ، فكذلك قراءة القرآن لم ينهها الشارع عن ذلك.
وإن قيل: إنه نهى الجنب؛ لأن الجنب يمكنه أن يتطهر، ويقرأ
(1) سنن الترمذي الطهارة (131) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (596) .