الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2)
من أحكام القرآن الكريم
هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
من أحكام القرآن الكريم
إعداد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
1 -
حكم السفر بالمصحف إلى أرض العدو.
2 -
ما جاء في النهي عن مس المصحف لغير من كان طاهرا (الطهارة من الحدث ومن الكفر) .
3 -
ما جاء في النهي عن قراءة الجنب والحائض القرآن.
4 -
حكم تعليم الكافر القرآن.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فبناء على ما ورد إلى سماحة رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد من مدير عام التعليم بمنطقة الرياض برقم 35 \ 3 \ 2 \ 6231 \ 4 وتاريخ 1 \ 7 \ 1398 هـ. من السؤال: عما يجب أن يعامل به الطالب المسيحي الملتحق بالمدرسة بالنسبة لمادة القرآن الكريم ومواد التربية الإسلامية، باعتبار أنه لا يجوز مس المصحف لغير المسلمين. . انتهى.
وبناء على ما اقترحه سماحة الرئيس العام من إدراج هذا الموضوع ضمن جدول أعمال الدورة الثالثة عشرة، وجمع ما تيسر من النقول عن أهل العلم في الأمور الآتية:
أولا - ما جاء من النهي عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو.
ثانيا - ما جاء في النهي عن مس المصحف لغير من كان طاهرا (الطهارة من الحدث ومن الكفر) .
ثالثا - ما جاء في النهي عن قراءة الجنب والحائض القرآن.
رابعا - حكم تعليم الكافر القرآن.
أولا: ما جاء من النهي عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو.
بناء على ذلك جمعت اللجنة ما تيسر من النقول عن أهل العلم فيما ذكر. . وبالله التوفيق.
أولا: اختلف أهل العلم في حكم السفر بالقرآن إلى أرض العدو، وفيما يلي ذكر أقوالهم وأدلتهم والمناقشة:
قال البخاري: (باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو) .
وكذلك يروى عن محمد بن بشر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتابعه ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أرض العدو وهم يعلمون القرآن، حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو.
وقال ابن حجر: (قوله: باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو) سقط لفظ كراهية إلا للمستملي فأثبتها وبثبوتها يندفع الإشكال الآتي:
(قوله: وكذلك يروى عن محمد بن بشر عن عبيد الله) هو ابن عمر (عن
نافع عن ابن عمر) وتابعه ابن إسحاق عن نافع أما رواية محمد بن بشر فوصلها إسحاق بن راهويه في [مسنده] عنه، ولفظه: كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو.
قال الدارقطني والبرقاني: لم يروه بلفظ الكراهة إلا محمد بن بشر، وأما متابعة ابن إسحاق فهي بالمعنى؛ لأن أحمد أخرجه من طريقه بلفظ:(نهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو) والنهي يقتضي الكراهة؛ لأنه لا ينفك عن كراهة التنزيه أو التحريم، (قوله: وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أرض العدو وهم يعلمون القرآن) أشار البخاري بذلك إلى أن المراد بالنهي عن السفر بالقرآن السفر بالمصحف؛ خشية أن يناله العدو لا السفر بالقرآن نفسه، وقد تعقبه الإسماعيلي: بأنه لم يقل أحد: إن من يحسن القرآن لا يغزو العدو في دارهم، وهو اعتراض من لم يفهم مراد البخاري، وادعى المهلب: أن مراد البخاري بذلك تقوية القول بالتفرقة بين العسكر الكثير والطائفة القليلة، فيجوز في تلك دون هذه، والله أعلم، ثم ذكر المصنف حديث مالك في ذلك، وهو بلفظ:(نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو) وأورده ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك، وزاد (مخافة أن يناله العدو) ورواه ابن وهب عن مالك: فقال: قال مالك: أراه مخافة فذكره، قال أبو عمر: كذا قال يحيى الأندلسي ويحيى بن بكير وأكثر الرواة عن مالك جعلوا التعليل من كلامه، ولم يرفعوه وأشار إلى ابن وهب تفرد برفعها وليس كذلك لما قدمته من رواية ابن ماجه، وهذه الزيادة رفعها ابن إسحاق
أيضا كما تقدم، وكذلك أخرجها مسلم والنسائي وابن ماجه من طريق الليث عن نافع ومسلم من طريق أيوب بلفظ:«فإني لا آمن أن يناله العدو (1) » . فصح أنه مرفوع وليس بمدرج، ولعل مالكا كان يجزم به ثم صار يشك في رفعه فجعله من تفسير نفسه.
قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء: أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، واختلفوا في الكبير المأمون عليه: فمنع مالك أيضا مطلقا، وفصل أبو حنيفة، وأدار الشافعية الكراهية مع الخوف وجودا وعدما، وقال بعضهم كالمالكية، واستدل به على منع بيع المصحف من الكافر لوجود المعنى المذكور فيه، وهو التمكن من الاستهانة به، ولا خلاف في تحريم ذلك، وإنما وقع الاختلاف: هل يصح لو وقع الاختلاف (2) ويؤمر بإزالة ملكه عنه أم لا (3) ؟
وقال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (4) » .
وحدثنا قتيبة، حدثنا ليث ح، وحدثنا ابن رمح أخبرنا الليث عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو (5) » وحدثنا أبو الربيع العتكي وأبو كامل قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول
(1) صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) .
(2)
هكذا في الأصل، والصواب: لو وقع العقد.
(3)
[فتح الباري](5 \ 133) رقم الحديث (2990) .
(4)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(5)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسافروا بالقرآن، فإني لا آمن أن يناله العدو (1) » قال أيوب: فقد ناله العدو وخاصموكم به. حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل - يعني: ابن علية - ح، وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان والثقفي كلهم عن أيوب ح، وحدثنا ابن رافع حدثنا ابن أبي فديك، أخبرنا الضحاك - يعني: ابن عثمان - جميعا عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن علية والثقفي «فإني أخاف» وفي حديث سفيان وحديث الضحاك بن عثمان «مخافة أن يناله العدو (2) » .
وقال النووي قوله: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (3) » ، وفي الرواية الأخرى «مخافة أن يناله العدو (4) » ، وفي الرواية الأخرى:«فإني لا آمن أن يناله العدو (5) » فيه النهي عن المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار للعلة المذكورة في الحديث، وهي خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته، فإن أمنت هذه العلة، بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين عليهم فلا كراهة، ولا منع منه حينئذ؛ لعدم العلة، هذا هو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة والبخاري وآخرون، وقال مالك وجماعة من أصحابنا بالنهي مطلقا، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة الجواز مطلقا، والصحيح عنه ما سبق، وهذه العلة المذكورة في الحديث هي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وغلط بعض المالكية فزعم أنها من كلام مالك.
واتفق العلماء على أنه يجوز أن يكتب إليهم كتاب فيه آية أو آيات، والحجة فيه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، قال القاضي: وكره مالك وغيره معاملة الكفار بالدراهم والدنانير التي فيها اسم الله تعالى وذكره سبحانه
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(2)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(3)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(4)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(5)
صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) .
وتعالى.
وقال الأبي: قوله نهى: قلت: لا يدخل الخلاف المذكور في قول الراوي: نهى، لتصريحه بالنهي في الطريق الثاني.
قوله: أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (ع) المراد بالقرآن هنا المصحف، وكذا جاء مفسرا في بعض الأحاديث. قلت: لم يكن المصحف مكتوبا حينئذ فلعله من الإخبار عن مغيب أو لعله كان مكتوبا في رقاع فيصح ويتقرر النهي بالقليل؛ والكثير منه، لا سيما على القول أن القرآن اسم جنس يصدق على القليل والكثير منه، وأما على القول بأنه اسم للجمع فيتعلق النهي بالقليل؛ لمشاركته الكل في القلة، فإن حرمة القليل منه كالكثير.
(ع) واختلف في السفر به: فمنعه مالك وقدماء أصحابه وإن كان الجيش كبيرا؛ لأنه قد ينسى أن يسقط، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة جوازه مطلقا، والصحيح عنه جوازه في الجيش الكبير دون السرايا؛ لأن نيل العدو إياه مع الجيش الكبير نادر لا يلتفت إليه. وأجاز الفقهاء الكتب إليهم بالآية ونحوها للدعاء إلى الإسلام والوعظ. انتهى (1) .
قال الأبي: قوله: «مخافة أن يناله العدو (2) » (ع) ظن بعض الناس وصحح أن هذا التعليل من قول مالك أو ما بعده من قوله: «فإني لا آمن أن يناله العدو (3) » . وفي الآخر: «إني أخاف أن يناله العدو فلن يرده (4) » ، فإنه
(1)[الأبي على مسلم](5 \ 216) .
(2)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(3)
صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) .
(4)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
ظاهر أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم ومتصل به، واختلف في ذلك رواة الموطأ فرواه ابن مهدي وابن وهب والأكثر متصلا بكلامه صلى الله عليه وسلم ورواه يحيى بن يحيى الأندلسي، ويحيى بن بكير أنه من كلام مالك وهذه الرواية تحمل على أن مالكا شك في رفع هذه الزيادة فجعلها لتحريه من كلامه وإلا فهي رواية الثقات. انتهى. (1)
وجاء في [موطأ مالك] : حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (2) » فقال مالك: وإنما ذلك مخافة أن يناله العدو. انتهى.
وقال الباجي: قوله: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (3) » يريد والله أعلم الصحف: لما كان القرآن مكتوبا فيها سماها قرآنا، ولم يرد ما كان منه محفوظا في الصدر؛ لأنه لا خلاف أنه يجوز لحافظ القرآن الغزو؛ وإنما ذلك لأنه لا إهانة للقرآن في قتل الغازي، وإنما الإهانة للقرآن بالعبث بالمصحف والاستخفاف به، وقد روي مفسرا «نهى أن يسافر بالمصحف (4) » رواه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو (5) » .
فصل: والسفر واقع على الغزو وغيره، قال ابن سحنون: قلت لسحنون: أجاز بعض العراقيين الغزو بالمصحف إلى أرض العدو في الجيش الكبير كالطائفة ونحوها وأما السرية ونحوها فلا. قال
(1)[الأبي على مسلم](5 \ 217) .
(2)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(3)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(4)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2879) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(5)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2879) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
سحنون: لا يجوز ذلك؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك عاما ولم يفصل، وقد يناله العدو من ناحية الغفلة.
والدليل على صحة ما ذهب إليه سحنون أنه لا قوة فيه على العدو، وليس مما يستعان به على حربه، وقد يناله لشغل عنه كما قال سحنون، وقد يناله بالغلبة أيضا.
مسألة: ولو أن أحدا من الكفار رغب أن يرسل إليه بمصحف؛ ليتدبره لم يرسل إليه به؛ لأنه نجس جنب، ولا يجوز له مس المصحف، ولا يجوز لأحد أن يسلمه إليه، ذكره ابن الماجشون.
فصل: وقوله: «مخافة أن يناله العدو (1) » يريد أهل الشرك؛ لأنهم ربما تمكنوا من نيله، والاستخفاف به؛ فلأجل ذلك منع السفر به إلى بلادهم. انتهى (2) .
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسافر بالقرآن، فإني أخاف أن يناله العدو (3) » .
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، يعني: ابن مهدي، حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو (4) » .
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(2)
[الموطأ على المنتقى](3 \ 165، 166) .
(3)
[المسند](2 \ 6) .
(4)
[المسند](2 \ 7، 62، 63، 75)
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسافروا بالقرآن، فإني أخاف أن يناله العدو (1) » .
وجاء في [مختصر المنذري لسنن أبي داود] : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (2) » .
قال مالك: أراد مخافة أن يناله العدو.
وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه، هكذا ذكره هاهنا أن قوله: مخافة أن يناله العدو، من قول مالك.
وأخرجه من رواية القعنبي عنه ووافق القعنبي على ذلك كأبي مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري ويحيى بن يحيى الأندلسي ويحيى بن بكير، ورواه بعضهم من حديث عبد الرحمن بن مهدي والقعنبي عن مالك فأدرج هذه الزيادة في الحديث.
فقد اختلف على القعنبي في هذه الزيادة: فمرة يبين أنها قول مالك ومرة يدرجها في الحديث. ورواه يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك فلم يذكر الزيادة البتة، وقد رفع هذه الكلمات أيوب السختياني والليث بن سعد والضحاك بن عثمان الحزامي عن نافع عن ابن عمر.
وقال بعضهم: يحتمل أن مالكا شك هل هي من قول النبي صلى الله عليه وسلم فجعل [التحرية] هذه الزيادة من كلامه على التفسير وإلا فهي صحيحة من قول النبي صلى الله عليه وسلم من رواية الثقات.
والمراد بالقرآن هاهنا: المصحف، وكذا جاء مفسرا في بعض
(1)[المسند](2\ 10) .
(2)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
الحديث، ونيل العدو له استخفافه به وامتهانه إياه، فإذا أمنت العلة في الجيوش الكثيرة.
وقد قيل: ارتفع النهي وهو مذهب أبي حنيفة وغيره من العلماء، وأشار إليه البخاري وحملوا النهي على الخصوص. ولم يفرق مالك بين العسكر الكبير والصغير في النهي عن ذلك، وحكي عن بعضهم جواز السفر به مطلقا.
وقيل: إن نهيه صلى الله عليه وسلم فيه ليس على وجه التحريم والفرض، وإنما هو على معنى الندب والإكرام للقرآن، انتهى (1) .
وجاء في [طرح التثريب] : وعن نافع عن ابن عمر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (2) » فيه فوائد:
1 -
أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه من طريق مالك، وزاد في رواية ابن ماجه:«مخافة أن يناله العدو (3) » ، وفي رواية أبي داود: قال مالك: أراه مخافة أن يناله العدو، وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من طريق الليث بن سعد بزيادة «مخافة أن يناله العدو (4) » ، وأخرجه مسلم من طريق أيوب السختياني بلفظ «لا تسافروا بالقرآن فإني لا آمن أن يناله العدو (5) » ، ومن طريق الضحاك بن عثمان بلفظ:«مخافة أن يناله العدو (6) » ، وعلقه البخاري من طريق محمد بن بشر عن عبيد الله بن عمر، ومن طريق ابن إسحاق ستتهم عن نافع عمر، وقال أبو بكر البرقاني: لم يقل
(1)[مختصر المنذري](3\ 414، 415) .
(2)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(3)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(4)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(5)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(6)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
كره إلا محمد بن بشر، ورواه أبو همام عن محمد بن بشر كذلك، ورواه عن عبيد الله بن عمر جماعة فاتفقوا على لفظة النهي، وقال ابن عبد البر: هكذا قال يحيى بن يحيى والقعنبي وابن بكير وأكثر الرواة يعني: بلفظ قال مالك: «أراه مخافة أن يناله العدو (1) » ، ورواه ابن وهب عن مالك فقال في آخره:«خشية أن يناله العدو (2) » ، وفي سياقه الحديث لم يجعله من قول مالك [قلت] : وتقدم أنه في [سنن ابن ماجه] من رواية مالك في نفس الحديث، وهو عنده من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك قال: وكذلك قال عبيد الله بن عمر وأيوب والليث وإسماعيل بن أمية وليث بن أبي سليم وإن اختلفت ألفاظهم، قال: وهو صحيح مرفوع، وقال القاضي عياض في الرواية المشهورة عن مالك: يحتمل أنه شك هل هي من قول النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وقد روي عن مالك متصلا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كرواية غيره من رواية عبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن وهب، وقال النووي: هذه العلة المذكورة في الحديث هي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وغلط بعض المالكية فزعم أنها من كلام مالك.
2 -
فيه النهي عن السفر بالقرآن والمراد به المصحف إلى أرض العدو، وهذا محتمل للتحريم والكراهة، وفي لفظ مسلم:«لا تسافروا بالقرآن (3) » ، وظاهر هذا اللفظ التحريم، ولفظ رواية محمد بن بشر عن عبيد الله «كره أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (4) » وظاهره التنزيه فقط، وقد بوب عليه البخاري (باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو) ، وكذلك يروى عن محمد بن بشر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سافر
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(2)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(3)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
(4)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2990) ، صحيح مسلم الإمارة (1869) ، سنن أبو داود الجهاد (2610) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/7) ، موطأ مالك الجهاد (979) .
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أرض العدو وهم يعلمون القرآن. انتهى، وفي بعض نسخه باب السفر بدون ذكر الكراهة، وقد اعتمد في الكراهة على لفظ رواية محمد بن بشر عن عبيد الله بن عمر، وقد عرفت من كلام البرقاني أن المشهور لفظ النهي على أن لفظ الكراهة يحتمل التحريم أيضا، وقال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء: أن لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو في السرايا، والعسكر الصغير المخوف عليه.
واختلفوا في جواز ذلك في العسكر الكبير المأمون عليه، فلم يفرق مالك بين الصغير والكبير، وقال أبو حنيفة: لا بأس في السفر بالعسكر العظيم.
وقال النووي في [شرح مسلم]،: إن أمنت العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهر عليهم فلا كراهة ولا منع حينئذ؛ لعدم العلة هذا هو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة والبخاري وآخرون، وقال مالك وجماعة من أصحابنا بالنهي مطلقا، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة الجواز مطلقا، والصحيح عنه ما سبق. انتهى.
وقول البخاري رحمه الله: (قد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى أرض العدو وهم يعلمون القرآن) إن قصد به معارضة النهي عن ذلك فلا تعارض بينهما؛ لأن النهي عن ذلك في المصحف؛ لئلا يتمكنوا منه فينتهكوا حرمته، وليس آدميا يمكنه الدفع عن نفسه بخلاف ما في صدور المؤمنين من القرآن، فإنهم عند العجز عن المدافعة عن أنفسهم لا يعد المهين لهم مهينا للمصحف؛ لأن الذي في صدورهم أمر معنوي والذي في المصحف مشاهد محسوس -والله أعلم.