الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثاله: إذا كان له دراهم ودنانير وعروض التجارة وسوائم من الإبل ومن البقر والغنم وعليه دين، فإن كان يستغرق الجميع فلا زكاة عليه، وإن لم يستغرق صرف إلى الدراهم والدنانير أولا، إذ القضاء منهما أيسر؛ لأنه لا يحتاج إلى بيعهما، ولأنه لا تتعلق المصلحة بعينهما، ولأنهما لقضاء الحوائج وقضاء الدين منها، ولأن للقاضي أن يقضي الدين منهما جبرا، وكذا للغريم أن يأخذ منهما إذا ظفر بهما وهما من جنس حقه، فإن فضل عنهما الدين أو لم يكن له منهما شيء، صرف إلى العروض؛ لأنهما عرضة للبيع، بخلاف السوائم؛ لأنها للنسل والدر والقنية، فإن لم يكن له عروض أو فضل الدين عنها صرف إلى السوائم، فإن كانت السوائم أجناسا صرف إلى أقلها زكاة نظرا للفقراء، وإن كان له أربعون شاة وخمس من الإبل يخير لاستوائهما في الواجب، وقيل: يصرف إلى الغنم لتجب الزكاة في الإبل في العام القابل (1) .
(1)[تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق](1 \ 253) وما بعدها.
2 -
النقل عن المالكية:
أ- جاء في [المدونة] تحت عنوان (زكاة المديان) : (قلت) : أرأيت الرجل تكون له الدنانير فيحول عليها الحول وهي عشرون دينارا، وعليه دين وله عروض، أين يجعل دينه؟
(فقال) : في عروضه، فإن كانت وفاء دينه زكى هذه العشرين الناضة التي حال عليها الحول عنده.
(قلت) : أرأيت إن كانت عروضه ثياب جسده وثوبي جمعته وسلاحه
وخاتمه وسرجه وخادما تخدمه ودارا يسكنها.
(فقال) : أما خادمه وداره وسلاحه وسرجه وخاتمه فهي عروض يكون الدين فيها، فإن كان فيها وفاء الدين زكى العشرين التي عنده، قال: وهو قول مالك وأصل هذا لما جعلنا من قول مالك أنه ما كان للسلطان أن يبيعه في دينه فإنه يجعل دينه في ذلك، ثم يزكي ما كان عنده بعد ذلك من ناض، وإذا كان على الرجل الدين، فإن السلطان يبيع داره وعروضه كلها، ما كان من خادم أو سلاح أو غير ذلك، إلا ما كان من ثياب جسده مما لا بد له منه، ويترك له ما يعيش به هو وأهله الأيام. (قلت) : أرأيت ثوبي جمعته أيبيع عليه السلطان ذلك في دينه؟
(فقال) : إن كانا ليس لهما تلك القيمة فلا يبيعهما، وإن كان لهما قيمة باعهما.
(قلت) : أتحفظ هذا عن مالك؟ فقال: لا، ولكن هذا رأيي.
(قلت) : أرأيت من له مال ناض وعليه من الدين مثل هذا المال الناض الذي عنده وله مدبرون قيمتهم أو قيمة خدمتهم مثل الدين الذي عليه؟
(فقال) : يجعل الدين الذي عليه في قيمة المدبرين.
(قلت) : قيمة رقابهم أم قيمة خدمتهم.
(فقال) : قيمة رقابهم ويزكي الدنانير الناضة التي عنده.
(قلت) : وهذا قول مالك؟ قال: هذا رأيي.
(قلت) : فإن كانت له دنانير ناضة وعليه من الدين مثل الدنانير وله مكاتبون، فقال: ينظر إلى قيمة الكتابة.
(قلت) : وكيف ينظر إلى قيمة الكتابة؟
(فقال) : يقال: ما قيمة ما على هذا المكاتب من هذه النجوم على محلها بالعاجل من العروض ثم يقال: ما قيمة هذه العروض بالنقد؛ لأن ما على المكاتب لا يصلح أن يباع إلا بالعرض، إذا كان دنانير أو دراهم فينظر إلى قيمة المكاتب الآن بعد التقويم، فيجعل دينه فيه؛ لأنه مال له لو شاء أن يتعجله تعجله، وذلك أنه لو شاء أن يبيع ما على المكاتب بما وصفت لك فعل، فإذا جعل دينه في قيمة ما على المكاتب زكى ما في يديه من الناض إن كانت قيمة ما على المكاتب مثل الدين الذي عليه. (قال) : وكانت الدنانير التي في يديه هذه الناضة تجب فيها الزكاة، فإن كانت قيمة ما على المكاتب أقل مما عليه من الدين جعل فضل دينه فيما في يديه من الناض، ثم ينظر إلى ما بقي بعد ذلك، فإن كان ذلك مما تجب فيه الزكاة زكاه، وإن كان مما لا تجب فيه الزكاة لم يكن عليه فيها شيء.
(قلت) : وهذا قول مالك في هذه المسألة في المكاتب.
(فقال) : لم أسمع منه هذا كله، ولكن قال مالك: لو أن رجلا كانت له مائة دينار في يديه، وعليه دين مائة دينار، وله مائة دينار دينا، رأيت أن يزكي المائة الناضة التي في يديه، ورأيت ما عليه من الدين في الدين الذي له إن كان دينا يرتجيه وهو على مليء.
(قلت) : فإن لم يكن يرتجيه؟
(قال) : لا يزكيه فمسألة المكاتب عندي على مثل هذا؛ لأن كتابة المكاتب في قول مالك لو أراد أن يبيع ذلك بعرض مخالف لما عليه كان
ذلك له وهو مال للسيد كأنه عرض في يديه لو شاء أن يبيعه باعه. (قلت) : أرأيت إن كان عليه دين وله عبيد قد أبقوا وفي يديه مال ناض، أيقوم العبيد الأباق فيجعل الدين فيهم؟ قال: لا.
(قلت) : لم؟ قال: لأن الأباق لا يصلح بيعهم ولا يكون دينه فيهم. (قلت) : أتحفظ هذا عن مالك؟ قال: لا، ولكن هذا رأيي.
(قلت) : فما فرق ما بين الماشية والثمار والحبوب والدنانير في الزكاة؟
(فقال) : لأن السنة إنما جاءت في الضمار، وهو المال المحبوس في العين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز كانوا يبعثون الخراص في وقت الثمار فيخرصون على الناس لإحصاء الزكاة، ولما للناس في ذلك من تعجيل منافعهم بثمارهم الأكل والبيع وغير ذلك، ولا يؤمرون فيه بقضاء ما عليهم من دين ليحصل أموالهم، وكذلك السعاة يبعثونهم فيأخذون من الناس مما وجدوا في أيديهم ولا يسألونهم عن شيء من الدين، وقد قال أبو الزناد: كان من أدركت من فقهاء المدينة وعلمائهم ممن يرضى وينتهي إلى قولهم، منهم: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو بكر وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار في مشيخة سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل، وربما اختلفوا في الشيء فأخذ يقول أكثرهم أنهم كانوا يقولون: لا يصدق المصدق إلا ما أتى عليه، لا ينظر إلى غير ذلك.
(وقال) أبو الزناد: وهي السنة. قال أبو الزناد: وإن عمر بن عبد العزيز ومن قبله من الفقهاء يقولون ذلك.
(قال) ابن وهب: وقد كان عثمان بن عفان يصيح في الناس: هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة. فكان الرجل يحصي دينه ثم يؤدي مما بقي في يديه إن كان ما بقي تجب فيه الزكاة.
(قال) ابن مهدي: عن أبي عبد الرحمن عن طلحة بن النضر قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: كانوا لا يرصدون الثمار في الدين وينبغي للعين أن ترصد في الدين. (قال) ابن مهدي: عن حماد بن يزيد عن أيوب عن محمد بن سيرين قال: كان المصدق يجيء فأينما رأى زرعا أو إبلا قائمة أو غنما قائمة أخذ منها الصدقة. (قلت) : أرأيت لو أن رجلا كانت في يديه مائة دينار ناضة فحال عليها الحول وعليه مائة دينار مهر لامرأته أيكون عليه فيما في يديه الزكاة؛ فقال: لا.
(قلت) : وهو قول مالك. فقال: قال لي مالك: إذا أفلس زوجها حاصت الغرماء، فإن مات زوجها حاصت الغرماء فهو دين، وهذا مثله.
(قلت) : أرأيت لو أن رجلا كانت عنده مائة دينار فحال عليها الحول وعليه زكاة قد كان فرط فيها لم يؤدها من زكاة المال والماشية وما أنبتت الأرض، أيكون عليه فيما في يديه الزكاة؟
(فقال) : لا يكون عليه فيما في يديه الزكاة إلا أن يبقى في يديه بعد أن يؤدي ما كان فرط فيه من الزكاة ما تجب فيه الزكاة عشرون دينارا فصاعدا، فإن بقي في يديه عشرون دينارا فصاعدا زكاه.
(قلت) : وهذا قول مالك. فقال: هذا رأيي؛ وذلك؛ لأن مالكا قال لي في الزكاة: إذا فرط فيها الرجل ضمنها، وإن أحاطت بماله فهذا عندي مثله.
(قلت) : أرأيت رجلا له عشرون دينارا قد حال عليها الحول وعليه عشرة دراهم لامرأته نفقة شهر قد كان فرضها عليه القاضي قبل أن يحول الحول بشهر.
(فقال) : يجعل نفقة المرأة في هذه العشرين الدينار، فإذا انحطت فلا زكاة عليه فيها.
(قلت) : أرأيت إن لم يكن فرض لها القاضي ولكنها أنفقت على نفسها شهرا قبل الحول ثم تبعته بنفقة الشهر وعند الزوج هذه العشرون الدينار. فقال: تأخذ نفقتها ولا يكون على الزوج فيها زكاة.
(قلت) : ويلزم الزوج ما أنفقت من مالها وإن لم يفرض لها القاضي.
(فقال) : نعم، إذا كان الزوج موسرا، فإن كان غير موسر فلا يضمن لها ما أنفقت، فمسألتك أنها أنفقت وعند الزوج عشرون دينارا، فالزوج يتبع بما أنفقت يقضى لها عليه بما أنفقت من مالها فإذا قضى لها بذلك عليه حطت العشرون الدينار إلى ما لا زكاة فيها فلا يكون عليه زكاة.
(قلت) : وهذا قول مالك.
(قال) : قال مالك: أيما امرأة أنفقت على نفسها وزوجها في حضر أو في سفر وهو موسر، فما أنفقت فهو في مال الزوج إن اتبعته على ما أحب أو كره الزوج مضمونا عليه. فلما اتبعته به كان ذلك دينا عليه، فجعلته في هذه العشرين فبطلت الزكاة عنه.
(قلت) : أرأيت إن كانت هذه النفقة التي على هذا الزوج الذي وصفت لك إنما هي نفقة والدين أو ولد. فقال: لا تكون نفقة الوالدين والولد دينا أبطل به الزكاة عن الرجل؛ لأن الوالدين والولد إنما تلزم النفقة لهم إذا ابتغوا ذلك، وإن أنفقوا ثم طلبوه بما أنفقوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسرا، والمرأة تلزمه ما أنفقت قبل أن تطلبه بالنفقة إن كان موسرا.
(قلت) : فإن كان القاضي قد فرض للأبوين نفقة معلومة فلم يعطهما ذلك شهرا وحال الحول عليها عند هذا الرجل بعد هذا الشهر، أتجعل نفقة الأبوين ههنا دينا فيما في يديه إذا قضى به القاضي. قال: لا.
(قال) أشهب: أحط عنه به الزكاة وألزمه ذلك إذا قضى به القاضي عليه في الأبوين؛ لأن النفقة لهما إنما تكون إذا طلبا ذلك، ولا يشبهان الولد، ويرجع على الأب بما تداين به الولد، أو أنفق عليه إذا كان موسرا، ويحط بذلك عنه الزكاة، كانت بفريضة من القاضي أو لم تكن؛ لأن الولد لم تسقط نفقتهم عن الوالد إذا كان له مال من أول ما كانوا حتى يبلغوا، والوالدين قد كانت نفقتهما ساقطة فإنما ترجع نفقتهما بالقضية، والحكم من السلطان. والله أعلم.
(قلت) لابن القاسم: أرأيت رجلا كانت عنده دنانير قد حال عليها الحول تجب فيها الزكاة وعليه إجارة أجراء قد عملوا عنده قبل أن يحول على ما عنده الحول، أو كراء إبل أو دواب، أيجعل ذلك الكراء والإجارة فيما في يديه من الناض ثم يزكي ما بقي؟
(فقال) : نعم إذا لم يكن له عروض.
(قلت) : وهذا قول مالك؟ قال: نعم.
(قال) : وسألت مالكا عن العامل إذا عمل بالمال قراضا سنة فربح ربحا وعلى العامل المقارض دين فاقتسماه بعد الحول، وأخذ العامل ربحه، هل ترى على العامل في حظه زكاة وعليه دين؟
(فقال) : لا إلا أن تكون له عروض فيها وفاء بدينه، فيكون دينه في العروض ويكون في ربحه هذا الزكاة. قال: فإن لم تكن له عروض فلا زكاة عليه في ربحه إذا كان الدين يحيط بربحه كله، وقال غيره: فيه الزكاة.
(قال) ابن وهب وسفيان بن عيينة: إن ابن شهاب حدثهما عن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان كان يقول: هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة.
(قال) أشهب: عن ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان بن عفان على المنبر وهو يقول: هذا شهر زكاتكم الذي تؤدون فيه زكاتكم فمن كان عليه دين فليقض في دينه، فإن فضل عنده ما تجب فيه الزكاة فليؤد زكاته، ثم ليس عليه شيء حتى يحول عليه الحول.
(قال) ابن القاسم وابن وهب وأشهب: عن مالك أن يزيد بن خصيفة حدثه أنه سأل سليمان بن يسار عن رجل له مال وعليه دين مثله أعليه زكاة؟ قال: لا.
(قال) ابن وهب: وأخبرني غير واحد عن ابن شهاب ونافع مثل قول سليمان بن يسار.
(قال) ابن مهدي: عن أبي الحسن عن عمرو بن حزم قال: سئل جابر بن يزيد عن الرجل يصيب الدراهم وعليه دين أكثر منها. فقال: لا زكاة عليه حتى يقضي دينه (1) .
ب- قال ابن رشد - الجد - تحت ترجمة (في تقسيم الديون التي تسقط الزكاة) : والديون التي تسقط زكاة العين تنقسم عند ابن القاسم على ثلاثة أقسام:
قسم منها يسقط الزكاة، وهو دين الزكاة، كانت له عروض تفي به أو لم تكن، مرت به سنة من يوم استدانه: مثل: أن يكون له عشرون دينارا فيحول عليها الحول فلا يخرج زكاتها ويمسكها حتى يحول عليها حول آخر فإنه لا يجب عليه فيها زكاة من أجل الدين الذي عليه من زكاة العام الأول، أو لم تمر به سنة من يوم استدانه: مثل: أن يفيد عشرين دينارا فتقيم عنده عشرة أشهر ثم يفيد عشرين أخرى فيحول حول العشرين الأولى فلا يزكيها وينفقها أو تتلف ثم يحول الحول على العشرين الأخرى فإنه لا يجب عليه فيها زكاة من أجل الدين الذي عليه من زكاة الفائدة الأولى.
وقسم منها يسقط الزكاة، مرت به سنة من يوم استدانه أو لم تمر، إلا أن تكون له عروض تفي به يجعل الدين فيها، وهو ما استدانه في غير ما بيده من مال الزكاة.
وقسم يسقط الزكاة إن لم تمر به سنة من يوم استدانه، كانت له
(1) المدونة، ومعها (المقدمات)(1 \ 234) .
عروض أو لم تكن، ويسقطها إن مرت به سنة من يوم استدانه، إلا أن تكون له عروض يجعله فيها، وهو ما استدانه فيما بيده من مال الزكاة، كان الدين من سلف أو مبايعة.
فكونه من سلف: هو مثل أن تكون له عشرة دنانير فيتسلف عشرة أخرى ويتجر بالعشرين حولا، فهذا يزكي العشرين إن كانت له عروض تفي بالعشرة التي عليه دينا من السلف، فإن بقيت العشرة التي بيده عشرة أشهر فتسلف عشرة أخرى فتجر في العشرين إلى تمام الحول لم يجب عليه زكاتها، وإن كان له من العروض ما يفي بالعشرة التي عليه من السلف حتى يحول الحول عليه من يوم تسلفها. وكونه من مبايعة: هو مثل أن تكون له عشرة دنانير فيأخذ عشرة دنانير سلما في سلعة، فتجر بالعشرين حولا فإنه يزكي العشرين إن كانت له عروض تفي بالعشرة التي عليه من السلم، ولو بقيت العشرة التي له بيده عشرة أشهر فأخذ عشرة دنانير سلما في سلعة فتجر في العشرين إلى تمام الحول لم يجب عليه زكاتها وإن كان له من العروض ما يفي بالدين الذي عليه من السلم حتى يحول الحول من يوم أخذ العشرة دنانير في السلم.
وأشهب يساوي بين دين الزكاة وغير الزكاة، فالدين ينقسم في هذا عنده على قسمين. وقد قيل: إن الدين يسقط الزكاة العين على كل مال وفي كل دين، وإن كانت له عروض لم يجعله فيها على ظاهر حديث
عثمان بن عفان المذكور، إذ لم يفرق فيه بين دين الزكاة من غيره، ولا شرط عدمه للعروض. وبالله التوفيق (1) .
وقال أيضا تحت عنوان: (زكاة الديون) : الدين لا يسقط زكاة ما عدا العين من الأموال التي تجب فيها الزكاة.
والدليل على ذلك: أن الله تبارك وتعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (2) وقال: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (3) فعم ولم يخص من عليه دين ممن لا دين عليه في مال من الأموال، والعموم محتمل للخصوص، فخصص أهل العلم من ذلك من عليه دين في المال العين بإجماع الصحابة على ذلك، بدليل ما روي أن عثمان بن عفان كان يصيح في الناس: يا أيها الناس، هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتى يحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة. وبقي ما سوى ذلك على العموم، فلا يسقط الدين زكاة الحرث ولا الماشية، وكذلك زكاة الفطر عن العبد على الصحيح من الأقوال، وهو قول ابن وهب عن مالك خلاف ظاهر ما في المدونة، ونص ما في كتاب ابن المواز.
وقد فرق أيضا بين العين وغيرها في وجوب إسقاط الدين بتفاريق من جهة المعنى لا تخلص من الاعتراض، وقد يحتمل أن يكون حذر عنها
(1) المقدمات، ومعها [المدونة](1 \ 219) وما بعدها.
(2)
سورة التوبة الآية 103
(3)
سورة الأنعام الآية 141
الإجماع. وبالله التوفيق (1) .
ج- قال ابن رشد الحفيد: وأما المالكون الذين عليهم الديون التي تستغرق أموالهم أو تستغرق ما تجب فيه الزكاة من أموالهم وبأيديهم أموال تجب فيها الزكاة فإنهم اختلفوا في ذلك، فقال قوم: لا زكاة في مال حبا كان أو غيره حتى تخرج منه الديون، فإن بقي ما تجب فيه الزكاة زكي وإلا فلا.
وبه قال الثوري وأبو ثور وابن المبارك وجماعة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: الدين لا يمنع زكاة الحبوب ويمنع ما سواها.
وقال مالك: الدين يمنع زكاة الناض فقط إلا أن يكون له عروض فيها وفاء من دينه فإنه لا يمنع، وقال قوم بمقابل القول الأول، وهو أن الدين لا يمنع زكاة أصلا. والسبب في اختلافهم: اختلافهم هل الزكاة عبادة أو حق مرتب في المال للمساكين؟
فمن رأى أنها حق لهم قال: لا زكاة في مال من عليه الدين؛ لأن حق صاحب الدين متقدم بالزمان على حق المساكين، وهو في الحقيقة مال صاحب الدين لا الذي بيده. ومن قال: هي عبادة، قال: تجب على من بيده مال؛ لأن ذلك هو شرط التكليف وعلامته المقتضية الوجوب على المكلف، سواء كان عليه دين أو لم يكن، وأيضا فإنه قد تعارض هناك حقان: حق لله وحق للآدمي، وحق الله أحق أن يقضى، والأشبه بغرض
(1)[المقدمات] ومعها [المدونة](1 \ 306- 310) .
الشرع إسقاط الزكاة عن المديان؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «فيها صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم (1) » . والمدين ليس بغني.
وأما من فرق بين الحبوب وغير الحبوب وبين الناض وغير الناض فلا أعلم له شبهة بينة، وقد كان أبو عبيد يقول: إنه إن كان لا يعلم أن عليه دينا إلا بقوله لم يصدق، وإن علم أن عليه دينا لم يؤخذ منه. وهذا ليس خلافا لمن يقول بإسقاط الدين الزكاة، وإنما هو خلاف لمن يقول يصدق في الدين كما يصدق في المال (2) .
د- جاء في [أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك] وشرحه الصغير: (ولا يسقط الدين) ولو عينا (زكاة حرث وماشية ومعدن) لتعلق الزكاة بعينها (بخلاف العين) الذهب والفضة (فيسقطها) الدين (ولو) كان الدين (مؤجلا أو) كان (مهرا، عليه لامرأته أو مؤخرا (أو) مقدما أو كان (نفقة كزوجة) أو أب أو ابن (تجمدت) عليه (أو) كان (دين زكاة) وانكسرت عليه، (لا) دين (كفارة) ليمين أو غيره كظهار، وصوم، (و) لا دين (هدي) وجب عليه في حج أو عمرة فلا يسقطان زكاة العين (إلا أن يكون له) أي: لرب العين المدين (من العروض ما) أي: شيء (يفي به) أي: بدينه فإنه يجعله في نظير الدين الذي عليه ويزكي ما عنده من العين. ولا تسقط عنه الزكاة بشرطين: أشار لأولهما بقوله: (إن حال حوله) أي: العرض (عنده)، وللثاني بقول:(وبيع) ذلك العرض: أي: وكان مما يباع (على المفلس) كثياب ونحاس وماشية، ولو دابة ركوب أو ثياب
(1) صحيح البخاري الزكاة (1395) ، صحيح مسلم الإيمان (19) ، سنن الترمذي الزكاة (625) ، سنن النسائي الزكاة (2435) ، سنن أبو داود الزكاة (1584) ، سنن ابن ماجه الزكاة (1783) ، مسند أحمد بن حنبل (1/233) ، سنن الدارمي الزكاة (1614) .
(2)
[بداية المجتهد ونهاية المقتصد](1 \ 236) .
جمعة أو كتب فقه، لا ثوب جسده أو دار سكناه، إلا أن يكون فيها فضل عن ضرورته.
فإن كان عنده من العرض ما يفي ببعض ما عليه نظر للباقي، فإن كان فيه الزكاة زكاه، كما لو كان عنده أربعون دينارا وعليه مثلها وعنده عرض يفي بعشرين زكى العشرين.
(والقيمة) لذلك العرض تعتبر (وقت الوجوب) أي: وجوب الزكاة آخر الحول (أو) يكون (له دين مرجو ولو مؤجلا) فإنه يجعله فيما عليه ويزكي ما عنده من العين (لا غير مرجو) كما لو كان على معسر أو ظالم لا تناله الأحكام، (ولا) إن كان له (آبق) فلا يجعل في نظير الدين الذي عليه (ولو رجي) تحصيله؛ لعدم جواز بيعه بحال.
(فلو وهب الدين له) أي: لمن هو عليه - بأن أبرأه ربه منه ولم يحل حوله من يوم الهبة - فلا زكاة في العين التي عنده؛ لأن الهبة إنشاء لملك النصاب الذي بيده، فلا تجب الزكاة فيه، إلا إذا استقبل حولا من يوم الهبة (أو) وهب له (ما) أي: شيء من العرض أو غيره، أي: وهب له إنسان ما: أي: شيئا (يجعل فيه) أي: في نظير الدين، (ولو لم يحل حوله) أي: حول الشيء الموهوب عند رب العين (فلا زكاة) في العين التي عنده حتى يحول الحول؟ لما تقدم في الذي قبله، وهذا التصريح بمفهوم قوله:(إن حال حوله)(1) .
(1)[أقرب المسالك] وشرحه [الشرح الصغير](1 \ 647) .