الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين لا مطالبة به في الحال، فهو أضعف، ولأن النذر يشبه التبرعات، فإن الناذر مخير في ابتداء نذره، فالوجوب به أضعف.
ولو وجب عليه الحج وتم الحول على نصاب في ملكه. قال إمام الحرمين والغزالي: فيه الخلاف المذكور في مسألة النذر قبله. والله أعلم.
(فرع) : إذا قلنا: الدين يمنع الزكاة، ففي علته وجهان: أصحهما وأشهرهما: - وبه قطع كثيرون أو الأكثرون - ضعف الملك لتسلط المستحق.
والثاني: أن مستحق الدين تلزمه الزكاة. فلو أوجبنا على المديون أيضا لزم منه تثنية الزكاة في المال الواحد (1) .
(1)[المهذب] و [المجموع](5 \ 317) وما بعدها.
4 -
النقل عن الحنابلة:
أ- قال الخرقي: وإذا كان معه مائتا درهم وعليه دين فلا زكاة عليه.
ب- وقال ابن قدامة في شرح ذلك: وجملة ذلك: أن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة رواية واحدة، وهي الأثمان وعروض التجارة، وبه قال عطاء، وسليمان بن يسار، وميمون بن مهران، والحسن، والنخعي، والليث، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وقال ربيعة، وحماد بن أبي سليمان، والشافعي في جديد قوليه: لا يمنع الزكاة؛ لأنه حر مسلم ملك نصابا حولا، فوجبت عليه الزكاة كمن لا دين عليه.
ولنا: ما روى أبو عبيد في [الأموال] : حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: (هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم) . وفي رواية: (فمن كان عليه دين فليقض دينه وليزك بقية ماله) . قال ذلك بمحضر من الصحابة فلم ينكروه؟ فدل على اتفاقهم عليه.
وروى أصحاب مالك عن عمير بن عمران عن شجاع عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان لرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه» وهذا نص؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم» .
فدل على أنها إنما تجب على الأغنياء، ولا تدفع إلا إلى الفقراء، وهذا ممن يحل له أخذ الزكاة فيكون فقيرا فلا تجب عليه الزكاة؛ لأنها لا تجب إلا على الأغنياء؟ للخبر، ولقوله عليه الصلاة والسلام:«لا صدقة إلا عن ظهر غنى (1) » ، ويخالف من لا دين له عليه فإنه غني يملك نصابا، يحقق هذا: أن الزكاة إنما وجبت مواساة للفقراء، وشكرا لنعمة الغنى، والمدين يحتاج إلى قضاء دينه كحاجة الفقير أو أشد، وليس من الحكمة تعطيل حاجة المالك لحاجة غيره ولا حصل له من الغنى ما يقتضي الشكر بالإخراج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ابدأ بنفسك ثم بمن تعول (2) » .
(فصل) : فأما الأموال الظاهرة، وهي: السائمة والحبوب والثمار فروي عن أحمد: أن الدين يمنع الزكاة أيضا فيها؟ لما ذكرناه في الأموال الباطنة.
قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم: يبتدئ بالدين فيقضيه، ثم ينظر ما بقي عنده بعد إخراج النفقة، فيزكي ما بقي، ولا يكون على أحد
(1) صحيح البخاري النفقات (5355) ، سنن النسائي الزكاة (2534) ، سنن أبو داود الزكاة (1676) ، مسند أحمد بن حنبل (2/230) ، سنن الدارمي الزكاة (1651) .
(2)
صحيح مسلم الزكاة (997) ، سنن النسائي البيوع (4652) ، سنن أبو داود العتق (3957) ، مسند أحمد بن حنبل (3/305) .
دينه أكثر من ماله صدقة في إبل أو بقر أو غنم أو زرع ولا زكاة.
وهذا قول عطاء، والحسن، وسليمان، وميمون بن مهران، والنخعي، والثوري، والليث، وإسحاق؛ لعموم ما ذكرنا.
وروي أنه لا يمنع الزكاة فيها.
وهو قول مالك، والأوزاعي، والشافعي.
وروي عن أحمد أنه قال: قد اختلف ابن عمر وابن عباس. فقال ابن عمر: يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله ويزكي ما بقي.
وقال الآخر: يخرج ما استدان على ثمرته ويزكي ما بقي.
وإليه أذهب أن لا يزكي ما أنفق على ثمرته خاصة ويزكي ما بقي؛ لأن المصدق إذا جاء فوجد إبلا أو بقرا أو غنما لم يسأل أي شيء على صاحبها من الدين، وليس المال هكذا.
فعلى هذه الرواية لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة إلا في الزرع والثمار فيما استدانه للإنفاق عليه خاصة.
وهذا ظاهر قول الخرقي؛ لأنه قال في الخراج: يخرجه ثم يزكي ما بقي. جعله كالدين على الزرع.
وقال في الماشية المرهونة: يؤدي منها إذا لم يكن له مال يؤدي عنها، فأوجب الزكاة فيها مع الدين.
وقال أبو حنيفة: الدين الذي تتوجه فيه المطالبة يمنع في سائر الأموال إلا الزرع والثمار. بناء منه على أن الواجب فيها ليس صدقة. والفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة أن تعلق الزكاة الظاهرة آكد؛ لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها.
ولهذا يشرع إرسال من يأخذ صدقتها من أربابها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السعاة فيأخذون الصدقة من أربابها، وكذلك الخلفاء بعده.
وعلى منعها قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولم يأت عنه أنهم استكرهوا أحدا على صدقة الصامت، ولا طالبوه بها إلا أن يأتي بها طوعا، ولأن السعاة يأخذون زكاة ما يجدون ولا يسألون عما على صاحبها من الدين؛ فدل على أنه لا يمنع زكاتها.
ولأن تعلق أطماع الفقراء بها أكثر والحاجة إلى حفظها أوفر فتكون الزكاة فيها أوكد.
(فصل) : وإنما يمنع الدين الزكاة إذا كان يستغرق النصاب أو ينقصه ولا يجد ما يقضيه به سوى النصاب، أو ما لا يستغني عنه، مثل أن يكون له عشرون مثقالا وعليه مثقال أو أكثر أو أقل مما ينقص به النصاب إذا قضاه به، ولا يجد له قضاء من غير النصاب، فإن كان له ثلاثون مثقالا وعليه عشرة فعليه زكاة العشرين، وإن كان عليه أكثر من عشرة فلا زكاة عليه، وإن كان عليه خمسة فعليه زكاة خمسة وعشرين، ولو كان له مائة من الغنم وعليه ما يقابل ستين فعليه زكاة الأربعين، فإن كان عليه ما يقابل إحدى وستين فلا زكاة عليه؛ لأنه ينقص النصاب، وإن كان له مالان من جنسين وعليه دين جعله في مقابلة ما يقضي منه، فلو كان له خمس من الإبل ومائتا درهم، فإن كانت عليه سلما أو دية ونحو ذلك مما يقضى بالإبل جعلت الدين في مقابلتها، ووجبت عليه زكاة الدراهم، وإن كان أتلفها أو غصبها جعلت قيمتها في مقابلة الدراهم؛ لأنها تقضى منها، وإن كانت قرضا خرج على الوجهين فيما يقضى منه.
فإن كانت إذا جعلناها في مقابلة أحد المالين فضلت منها فضلة تنقص النصاب الآخر، وإذا جعلناها في مقابلة الآخر لم يفضل منها شيء كرجل له خمس من الإبل ومائتا درهم وعليه ست من الإبل قيمتها مائتا درهم فإذا جعلناها في مقابلة المائتين لم يفضل من الدين شيء ينقص نصاب السائمة، وإذا جعلناها في مقابلة الإبل فضل منها بعير نقص نصاب الدراهم، أو كانت بالعكس.
مثل: أن يكون عليه مائتان وخمسون درهما وله من الإبل خمس أو أكثر تساوي الدين، أو تفضل عليه جعلنا الدين في مقابلة الإبل هاهنا، وفي مقابلة الدراهم في الصورة الأولى؛ لأن له من المال ما يقضي به الدين سوى النصاب، وكذلك لو كان عليه مائة درهم وله مائتا درهم وتسع من الإبل، فإذا جعلناها في مقابلة الإبل لم ينقص نصابها؛ لكون الأربع الزائدة عنه تساوي المائة وأكثر منها، وإن جعلناه في مقابلة الدراهم سقطت الزكاة منها فجعلناها في مقابلة الإبل كما ذكرنا في التي قبلها، ولأن ذلك أحظ للفقراء.
وذكر القاضي نحو هذا فإنه قال: إذا كان النصابان زكويين جعلت الدين في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته، وإن كان من غير جنس الدين.
فإن كان أحد المالين لا زكاة فيه والآخر فيه الزكاة كرجل عليه مائتا درهم وله مائتا درهم وعروض للقنية تساوي مائتين، فقال القاضي: يجعل الدين في مقابلة العروض. وهذا مذهب مالك وأبي عبيد.
قال أصحاب الشافعي: وهو مقتضى قوله؛ لأنه مالك لمائتين زائدة
عن مبلغ دينه؟ فوجبت عليه زكاتها، كما لو كان جميع ماله جنسا واحدا.
وظاهر كلام أحمد رحمه الله: أنه يجعل الدين في مقابلة ما يقضى منه، فإنه قال في رجل عنده ألف وعليه ألف وله عروض بألف: إن كانت العروض للتجارة زكاها، وإن كانت لغير التجارة فليس عليه شيء.
وهذا مذهب أبي حنيفة، ويحكى عن الليث بن سعد؛ لأن الدين يقضى من جنسه عند التشاح، فجعل الدين في مقابلته أولى، كما لو كان النصابان زكويين.
ويحتمل أن يحمل كلام أحمد هاهنا على ما إذا كان العرض تتعلق به حاجته الأصلية، ولم يكن فاضلا عن حاجته فلا يلزمه صرفه في وفاء الدين؛ لأن الحاجة أهم، ولذلك لم تجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال، ويكون قول القاضي محمولا على من كان العرض فاضلا عن حاجته وهذا أحسن؛ لأنه في هذه الحال مالك لنصاب فاضل عن حاجته، وقضاء دينه، فلزمته زكاته كما لو لم يكن عليه دين.
فأما إن كان عنده نصابان زكويان وعليه دين من غير جنسهما ولا يقضى من أحدهما - فإنك تجعله في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته.
(فصل) : فأما دين الله كالكفارة والنذر ففيه وجهان:
أحدهما: يمنع الزكاة كدين الآدمي؛ لأنه دين يجب قضاؤه، فهو كدين الآدمي، يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:«دين الله أحق أن يقضى (1) » .
والآخر: لا يمنع؛ لأن الزكاة أكد منه لتعلقها بالعين، فهو كأرش
(1) صحيح البخاري الصوم (1953) ، صحيح مسلم الصيام (1148) ، سنن الترمذي الصوم (716) ، سنن النسائي الأيمان والنذور (3816) ، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3310) ، سنن ابن ماجه الصيام (1758) ، مسند أحمد بن حنبل (1/362) ، سنن الدارمي الصوم (1768) .
الجناية، ويفارق دين الآدمي لتأكده وتوجه المطالبة به. فإن نذر الصدقة بمعين فقال: لله علي أن أتصدق بهذه المائتي درهم إذا حال الحول. فقال ابن عقيل: يخرجها في النذر ولا زكاة عليه؛ لأن النذر آكد لتعلقه بالعين، والزكاة مختلف فيها، ويحتمل أن تلزمه زكاتها، وتجزئه الصدقة بها، إلا أن ينوي الزكاة بقدرها، ويكون ذلك صدقة تجزئه عن الزكاة؛ لكون الزكاة صدقة، وسائرها يكون صدقة لنذره وليس بزكاة، وإن نذر الصدقة ببعضها وكان ذلك البعض قدر الزكاة أو أكثر فعلى هذا الاحتمال يخرج النذور وينوي الزكاة بقدرها منه.
وعلى قول ابن عقيل يحتمل أن تجب الزكاة عليه؛ لأن النذر إنما تعلق بالبعض بعد وجود سبب الزكاة وتمام شرطه فلا يمنع الوجوب، لكون المحل متسعا لهما جميعا. وإن كان المنذور أقل من قدر الزكاة وجب قدر الزكاة ودخل النذر فيه في أحد الوجهين، وفي الآخر يجب إخراجهما جميعا.
(فصل) : إذا قلنا: لا يمنع الدين وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة، فحجر الحاكم عليه بعد وجوب الزكاة لم يملك إخراجها؛ لأنه قد انقطع تصرفه في ماله وإن أقر بها بعد الحجر لم يقبل إقراره، وكانت عليه في ذمته كدين الآدمي، ويحتمل أن تسقط إذا حجر عليه قبل إمكان أدائها كما لو تلف ماله. فإن أقر الغرماء بوجوب الزكاة عليه أو ثبت ببينة، أو كان قد أقر بها قبل الحجر عليه - وجب إخراجها من المال، فإن لم
يخرجوها فعليهم إثمها.
(فصل) : وإذا جنى العبد المعد للتجارة جناية تعلق أرشها برقبته منع وجوب الزكاة فيه إن كان ينقص النصاب؛ لأنه دين، وإن لم ينقص النصاب منع الزكاة في قدر ما يقابل الأرش (1) .
ج- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن كان على مالك الزرع والثمار دين فهل تسقط الزكاة؛ فيه ثلاثة أقوال:
قيل: لا تسقط بحال. وهو قول مالك، والأوزاعي، والشافعي، ورواية عن أحمد.
وقيل: يسقطها. وهو قول عطاء، والحسن، وسليمان بن يسار، وميمون بن مهران، والنخعي، والليث، والثوري، وإسحاق. وكذلك في الماشية: الإبل، والبقر، والغنم.
وقيل: يسقطها الدين الذي أنفقه على زرعه، ولا يسقطها ما استدانه لنفقة أهله. وقيل: يسقطها هذا وهذا. الأول قول ابن عباس. اختاره أحمد بن حنبل وغيره. والثاني قول ابن عمر (2) .
وقال شيخ الإسلام أيضا: والدين يسقط زكاة العين: عند مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، وأحد قولي الشافعي، وهو قول عطاء، والحسن، وسليمان بن يسار، وميمون بن مهران، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، والليث، وإسحاق، وأبي ثور.
(1)[المغني] ، ومعه الشرح الكبير (2 \ 635) وما بعدها.
(2)
[مجموع فتاوى شيخ الإسلام](25 \ 27) .
واحتجوا بما رواه مالك في [الموطأ]، عن السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان رضي الله عنه يقول: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخلص أموالكم تؤدون منها الزكاة. وعند مالك إن كان عنده عروض توفي الدين ترك العين وجعلها في مقابلة الدين، وهي التي يبيعها الحاكم في الدين ما يفضل عن ضرورته. وإن كان له دين على مليء ثقة جعله في مقابلة دينه أيضا، وزكى العين. فإن لم يكن إلا ما بيده سقطت الزكاة (1) .
د- قال ابن مفلح: تجب الزكاة في عين المال، نقله واختاره الجماعة، قال الجمهور: هذا ظاهر المذهب، حكاه أبو المعالي وغيره (وهـ م ق) . (2)، وعنه: تجب في الذمة، اختاره الخرقي وأبو الخطاب وصاحب [التلخيص]، قال ابن عقيل: هو الأشبه بمذهبنا (وهـ ق) . فعلى الأول: لو لم يزك نصابا حولين فأكثر لزمه زكاة واحدة (وهـ ق)(3) ولو تعدى بالتأخير، وعلى الثانية يزكي لكل حول. أطلقه أحمد وبعض الأصحاب.
قال ابن عقيل وغيره: لو قلنا: إن الدين يمنع وجوب الزكاة لم تسقط هنا؛ لأن الشيء لا يسقط نفسه، وقد يسقط غيره. واختار جماعة منهم صاحب [المحرر] : إن سقطت الزكاة بدين الله تعالى، وليس له سوى النصاب فلا زكاة للحول الثاني، لأجل الدين، لا للتعلق بالعين.
(1)[مجموع فتاوى شيخ الإسلام] ص (19) .
(2)
في الطبعة الأولى (وهـ م ق ش) .
(3)
في الطبعة الأولى (وهـ ش) .
زاد صاحب [المستوعب] : متى قلنا: يمنع الدين فلا زكاة للعام الثاني، تعلقت بالعين أو بالذمة، وإن أحمد حيث لم يوجب زكاة العام الثاني فإنه بنى على رواية منع الدين؛ لأن زكاة العام الأول صارت دينا على رب المال، والعكس بالعكس، جعل فوائد الروايتين إخراج الراهن الموسر من الرهن بلا إذن إن علقت بالعين، واختاره في سقوطها بالتلف وتقديمها على الدين، وقال غيره خلافه، وإنه إن كان فوق نصاب، فإن وجبت في العين نقص من زكاته لكل حول بقدر نقصه بها، فإذا نقص بذلك عن نصاب فلا زكاة لما بعد ذلك، وإن وجبت في الذمة زكاه جميعه لكل حول، ما لم تفن الزكاة المال. وقال ابن تميم: إن قلنا: تجب في العين فهل تكرر الزكاة بتكرر الأحوال؟ فيه وجهان، والشاة في الإبل تتكرر بتكرر الأحوال إن قلنا: دين الزكاة لا يمنع، كذا قال، وكذا عند زفر تتعلق بالعين وتتكرر، كما لو كانت دينا فأتلف نصابا وجبت فيه، ثم حال عنده حول على نصاب آخر فالمنع ورد على رواية (1) ثم التعلق بالعين أقوى؛ ولهذا يمنع النذر المتعلق بالعين، ولا يمنع إذا كان في الذمة على رواية، فعلى المذهب: في مائتين وواحدة من الغنم خمس، ثلاث للأول، واثنتان للثاني (وق)(2) ، وعلى الثاني ست لحولين، ولو لم يزك خمسين من الغنم اثني عشر حولا زكى إحدى عشرة شاة وفي الثانية عشرة الخلاف، أما لو كان الواجب من غير الجنس
(1) في مخطوط الدار: كما لو كان دينا بأن أتلف نصابا. . . آخر ورد بالمنع على رواية.
(2)
في الطبعة الأولى: وهو قول (ش) .
كالإبل المزكاة (1) بالغنم، فنص أحمد أن الواجب فيه في الذمة، وأن الزكاة تتكرر، فرق بينه وبين الواجب من الجنس (وم ش) ؛ لأن الواجب هنا (2) ليس بجزء من النصاب، وظاهر كلام أبي الخطاب واختاره صاحب [المستوعب] و [المحرر] أنه كالواجب من الجنس (وهـ ش) على ما سبق من العين والذمة؛ لأن تعلق الزكاة كتعلق الأرش بالجاني والدين بالرهن، فلا فرق إذا، فعلى النص: لو لم يكن له سوى خمس من الإبل ففي امتناع زكاة الحول الثاني لكونها دينا الخلاف.
قال القاضي في الخلاف: هذه المسألة لا تلزمه؛ لأن أحمد علل في المال (بما) إذا أدى منه نقص، فاقتضى ذلك إذا أدى من الغنم ما يحصل عليه به دين لم يلزمه؛ لأن الدين يمنع وجوب الزكاة، وحمل كلام أحمد على أنه عنده من الغنم ما يقابل الحولين، فعلى النص في خمس وعشرين بعيرا في ثلاثة أحوال: حول (3) بنت مخاض، ثم ثمان شياه لكل حول، وعلى كلام أبي الخطاب أنها تجب في العين مطلقا كذلك لأول حول ثم الثاني، ثم إن نقص النصاب بذلك من عشرين بعيرا إذا قومناها فللثالث ثلاث شياه، وإلا أربع، وهل يمنع التعلق بالعين انعقاد الحول الثاني قبل الإخراج؟ يأتي في الفصل الثالث من الخلطة (4) .
هـ- جاء في [المقنع] وشرحه [الإنصاف] : قوله: (ولا زكاة في مال
(1) في الطبعة الأولى: الزكاة.
(2)
في الطبعة الأولى: لأن الواجب هذا
(3)
في مخطوط الدار: لأول حول بنت مخاض '' لكن ناقل التصحيح لم يذكرها بالهامش ''.
(4)
[الفروع] ، (2 \ 343) وما بعدها.
من عليه دين ينقص النصاب) .
هذا المذهب، إلا ما استثني. وعليه أكثر الأصحاب. وعنه: لا يمنع الدين الزكاة مطلقا، وعنه: يمنع الدين الحال خاصة. جزم به في [الإرشاد] ، وغيره.
قوله: (إلا في الحبوب والمواشي) . في إحدى الروايتين. وقدمه في [الفائق] .
والرواية الثانية: يمنع أيضا. وهي المذهب، نص عليه. وعليه جماهير الأصحاب.
قال الزركشي: هذا اختيار أكثر الأصحاب.
قال ابن أبي موسى: هذا الصحيح من مذهب أحمد.
قلت: اختاره أبو بكر، والقاضي، وأصحابه، والحلواني، وابن الجوزي، وصاحب [الفائق] ، وغيرهم، وجزم به في [العمدة] ، وقدمه في [المستوعب] ، و [الفروع] ، وصححه في [تصحيح المحرر] ، وأطلقهما في [الشرح] ، و [المحرر] و [الرعايتين] ، و [الحاويين] .
وعنه: يمنع ما استدانه للنفقة على ذلك، أو كان ثمنه. ولا يمنع ما استدانه لمؤنة نفسه، أو أهله.
قال الزركشي: فعلى رواية عدم المنع: ما لزمه من مؤنة الزرع من أجرة حصاد وكراء أرض ونحوه يمنع. نص عليه. وذكره ابن أبي موسى وقال: رواية واحدة. وتبعه صاحب [التلخيص] .
وحكى أبو البركات رواية: أن الدين لا يمنع في الظاهر مطلقا.
قال الشيخ تقي الدين: لم أجد بها نصا عن أحمد. انتهى.
وعنه: يمنع، خلا الماشية. وهو ظاهر كلام الخرقي.
فوائد:
الأولى: في الأموال: ظاهرة، وباطنة:
فالظاهرة: ما ذكره المصنف من الحبوب والمواشي، وكذا الثمار.
والباطنة: كالأثمان، وقيمة عروض التجارة، على الصحيح من المذهب. وعليه الأكثر.
وقال أبو الفرج الشيرازي: الأموال الباطنة: هي الذهب والفضة فقط. انتهى.
وهل المعدن من الأموال الظاهرة، أو الباطنة؛ فيه وجهان: وأطلقها في [الفروع] و [ابن تميم] و [الرعايتين]، و [الحاويين] :
أحدهما: هو من الأموال الظاهرة. وهو ظاهر كلام الشيرازي على ما تقدم.
الثاني: هو من الأموال الباطنة.
قلت: وهو الصواب؛ لأنه أشبه بالأثمان، وقيمة عروض التجارة. قال في [المغني] : الأموال الظاهرة: السائمة، والحبوب، والثمار.
قال في الفائق،: ولمنع في المعدن (1) وقيل: لا.
الثانية: لا يمنع الدين خمس الركاز، بلا نزاع.
الثالثة: لو تعلق بعد تجارة أرش جناية، منع الزكاة في قيمته؛ لأنه وجب جبرا لا مواساة، بخلاف الزكاة. وجعله بعضهم كالدين. منهم صاحب [الفروع] ، في حواشيه.
(1) كذا في الأصل. ولعله (ويمنع) .
الرابعة: لو كان له عرض قنية يباع لو أفلس يفي بما عليه من الدين، جعل في مقابلة ما عليه من الدين وزكى ما معه من المال، على إحدى الروايتين.
قال القاضي: هذا قياس المذهب.
ونصره أبو المعالي اعتبارا بما فيه الحظ للمساكين. وعنه: يفعل في مقابلة ما معه ولا يزكيه. صححه ابن عقيل. وقدمه ابن تميم وصاحب [الحواشي] ، و [الرعايتين] ، و [الحاويين] ، وأطلقهما في [الفروع] ، و [شرح المجد] ، و [الفائق] .
وينبني على هذا الخلاف ما إذا كان بيده ألف، وله ألف دينار على مليء، وعليه مثلها، فإنه يزكي ما معه على الأولى لا الثانية. قاله في [الفروع] . وقدم في [الفائق] ، و [الرعايتين] ، و [الحاويين] هنا، جعل الدين مقابلا لما في يده، وقالوا: نص عليه، ثم قالوا: أو قيل: مقابلا للدين.
الخامسة: لو كان له عرض تجارة بقدر الدين الذي عليه، ومعه عين بقدر الدين الذي عليه، فالصحيح من المذهب: أنه يحمل الدين في مقابلة العرض، ويزكي ما معه من العين. نص عليه في رواية المروذي وأبي الحارث، وقدمه في [الفروع] ، و [الحواشي] ، و [ابن تميم] .
وقيل: إن كان فيما معه من المال الزكوي جنس الذي جعل في مقابلته، وحكاه ابن الزاغوني رواية، وتابعه في [الرعايتين] ، و [الحاويين] ، وغيرهم. وإلا اعتبر الأحظ. وأطلقهما في [الرعايتين] ، و [الحاويين] .
وقيل: يعتبر الأحظ للفقراء مطلقا. فمن له مائتا درهم وعشر (دنانير) قيمتها مائتا درهم، جعل الدنانير قبالة دينه، وزكى ما معه. ومن له
أربعون شاة وعشرة أبعرة، ودينه قيمة أحدهما، جعل قبالة دينه الغنم وزكى شاتين.
السادسة: دين المضمون عنه، يمنع الزكاة بقدره في ماله، دون الضامن. على الصحيح من المذهب، خلافا لأبي المعالي.
السابعة: لا تجب الزكاة في المال الذي حجر عليه القاضي للغرماء، كالمال المغصوب؛ تشبيها للمنع الشرعي بالمنع الحسي.
هذا الصحيح من المذهب. اختاره المصنف، والشارح، والقاضي، وقدمه في [الرعايتين] .
وقال الأزجي في [النهاية] : هذا بعيد، بل إلحاقه بمال الديون أقرب. اختاره أبو المعالي. وظاهر الفروع: إطلاق الخلاف.
وقيل: إن كان المال سائمة زكاها لحصول النماء والنتاج من غير تصرف، بخلاف غيرها.
وقال أبو المعالي: إن قضى الحاكم ديونه من ماله، ولم يفضل شيء من ماله. فهو الذي ملك نصابا وعليه دين. قال: وإن سمى لكل غريم بعض أعيان ماله، فلا زكاة عليه مع بقاء ملكه؛ لضعفه بتسليط الحاكم لغريمه على أخذ حقه. انتهى.
وإن حجر عليه بعد وجوبها، لم تسقط الزكاة. على الصحيح من المذهب.
وقيل: تسقط إن كان قبل تمكنه من الإخراج.
قال في [الحواشي]، و [ابن تميم] : وهو بعيد. ولا يملك إخراجها من المال؛ لانقطاع تصرفه. قاله المصنف والشارح.
وقال ابن تميم: والأولى أن يملك ذلك كالراهن. وهما وجهان. وأطلقهما في [الفروع] . فإنه قال: لا يقبل إقراره بها. وجزم به بعضهم. ولا يقبل إقرار المحجور عليه بالزكاة. وتتعلق بذمته، كدين الآدمي. ذكره المصنف، والشارح، وأبو المعالي. وهو ظاهر ما قدمه في [الفروع] وعنه: يقبل كما لو صدقه الغريم.
ويأتي زكاة المرهون في فوائد الخلاف الآتي آخر الباب. قوله: (والكفارة كالدين في أحد الوجهين) وحكاهما [أكثرهم] روايتين. وأطلقهما في [الهداية] ، و [المغني] ، و [الشرح] ، و [الحاويين] ، [والفائق] ، [والفروع] ، [والحواشي] ، [وابن تميم]، [والمحرر] : إذا لم يمنع دين الآدمي الزكاة، فدين الله- من الكفارة والنذر المطلق، ودين الحج ونحوه- لا يمنع بطريق أولى. وإن منع الزكاة، فهل يمنع دين الله؛ فيه الخلاف.
أحدهما: هو كالدين (الذي) للآدمي. وهو الصحيح من المذهب. صححه المجد، وابن حمدان في [رعايته] . وهو قول القاضي وأتباعه. وجزم به ابن البنا في خلافه في الكفارة والخراج. وقال: نص عليه. وهو الذي احتج به القاضي في الكفارة.
الوجه الثاني: لا يمنع وجوب الزكاة.
فائدتان:
إحداهما: النذر المطلق، ودين الحج ونحوه كالكفارة، كما تقدم. وقال في [المحرر] : والخراج من دين الله، وتابعه في [الرعايتين] ، [والحاويين] ، وغيرهم. قاله القاضي، وابن البنا، وغيرهما. ففيه الخلاف
في إلحاقه بديون الآدميين.
وأما الإمام أحمد، فقدم الخراج على الزكاة.
وقال الشيخ تقي الدين: الخراج ملحق بديون الآدميين. ويأتي، لو كان الدين زكاة، هل يمنع؟ عند فوائد الخلاف (في الزكاة هل تجب) في العين أو في الذمة؟
الثانية: لو قال: لله علي أن أتصدق بهذا، أو هو صدقة، فحال الحول، فلا زكاة فيه. على الصحيح من المذهب.
وقال ابن حامد: فيه الزكاة. فقال في قوله: (إن شفى الله مريضي تصدقت من هاتين المائتين بمائة) فشفي، ثم حال الحول قبل أن يتصدق بها: وجبت الزكاة.
وقال في [الرعاية] : إن نذر التضحية بنصاب معين.
وقيل: أو قال: جعلته ضحايا، فلا زكاة. ويحتمل وجوبها إذا تم حولها قبلها. انتهى.
ولو قال: (علي لله أن أتصدق بهذا النصاب إذا حال الحول) وجبت الزكاة على الصحيح من المذهب. اختاره المجد في شرحه. وقيل: هي كالتي قبلها. اختاره ابن عقيل، وأطلقهما [ابن تميم] ، و [الفروع] .
فعلى الأول: تجزئه الزكاة (منه) على أصح الوجهين. ويبرأ بقدرها من الزكاة والنذر إن نواهما معا؛ لكون الزكاة صدقة. وكذا لو نذر الصدقة ببعض النصاب، هل يخرجهما، أو يدخل النذر في الزكاة وينويهما؟
وقال ابن تميم: وجبت الزكاة ووجب إخراجهما معا. وقيل: يدخل