الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلاصة:
أولا: حق ولي الأمر في الجباية:
مما تقدم يتبين ما يأتي:
1 -
الأموال الظاهرة بالنسبة لما تجب فيه الزكاة هي: بهيمة الأنعام والحبوب والثمار. والأموال الباطنة هي: النقدان وعروض التجارة. أما زكاة الفطر فقيل من الظاهرة وقيل من الباطنة.
2 -
يجب على ولي الأمر جباية الزكاة ممن امتنع من إخراجها، فإن أبى أن يعطيها لعمال الإمام أيضا وجب قتاله حتى تؤخذ منه؛ لحديث:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة (1) » . . . الحديث، ولقتال أبي بكر رضي الله عنه من منعها، مع تسليم الصحابة رضي الله عنهم ذلك له، وقتالهم معه، والمحافظة على حقوق مستحقيها، وإقامة هذه الشعيرة التي هي من أعظم أركان الإسلام، ولإنكار المنكر.
3 -
إذا طلب ولي الأمر دفع زكاة الأموال الظاهرة إلى عماله وكان عادلا وجب على أرباب هذه الأموال دفعها إلى جباتها إجماعا، وإذا طلب دفع زكاة الأموال الباطنة فقيل: يجب دفعها إلى عماله؛ لعموم آية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (2) ولعموم الأحاديث الواردة في ذلك، ولما في منعها بعد طلبها من شبهة الخروج عليهم المؤدي إلى الهرج والفساد، ولأنه طلب أمرا جائزا له فوجبت طاعته فيه، ولأنه يتيقن سقوط الفرض به بخلاف توزيعها من قبل رب المال بنفسه أو وكيله بعد طلبها منه، ولأن الإمام أعرف بالمستحقين
(1) صحيح البخاري الإيمان (25) ، صحيح مسلم الإيمان (22) .
(2)
سورة التوبة الآية 103
وبالمصالح وبقدر الحاجات وبمن أخذ من قبل، ولأنه يقصد لها.
وقيل: يجوز لرب المال، أن يفرقها بنفسه أو وكيله، ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقيها.
4 -
إذا كان الإمام عادلا ولم يطلب زكاة الأموال الباطنة فقيل: الأفضل أن يفرقها رب المال بنفسه.
وقيل: الأفضل أن يسلمها لعمال الإمام، وتعليل القولين ما تقدم في الفقرة الثالثة.
والاختلاف بين ما ذكر في الفقرتين إنما هو في الوجوب والأفضلية بناء على وجود طلب من الإمام وعدمه.
5 -
إذا طلب الإمام زكاة الأموال الظاهرة وكان جائرا فقد قيل: يجب دفعها إليه؛ لعموم الأدلة ولدرء الفتنة، على ما تقدم، وبذلك تبرأ ذمة دافعيها، والإثم على من خان فيها من الإمام أو عماله، وقيل: لا يدفعها له، بل يحتال لإخفائها منه، ثم يخرجها بنفسه، أو وكيله الأمين ويضعها في مصارفها الشرعية، وإن طلب زكاة الأموال الباطنة ففي وجوب دفعها ومنعها خلاف.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله أنه ينبغي ألا يدفعها له، ويجب توزيعها على مستحقيها، فإن أكره على أخذها منه في الأموال الظاهرة والباطنة أجزأته وبرئت منها ذمته، وإن لم يطلبها لم تدفع له، وبل يجب على رب المال تفريقها في مصارفها الشرعية.
6 -
ليس للإمام ولا لعماله تتبع الأموال الباطنة والتنقيب عنها، بل يتقبل من أربابها ما بينوه، وتؤخذ منهم الزكاة على ما أقروا به؛ لأنهم
مؤتمنون على أموالهم، إلا إذا دلت الأمارات وقرائن الأحوال على خيانتهم وكتمانهم ما تجب فيه الزكاة من الأموال، فيقوم بالبحث والاستقصاء حتى يعرف الواقع ويأخذ بمقتضاه.
ثانيا: زكاة عروض التجارة.
مما تقدم يتبين ما يأتي:
1 -
العروض جمع عرض، فقيل: هو ما قصد الاتجار فيه عند تملكه بمعاوضة محضة.
وقيل: هو غير الأثمان من المال على اختلاف أنواعه، من الثياب والحيوان والعقار وسائر المال، إذا قصد به التجارة.
2 -
ذهب أهل الظاهر إلى أن العروض لا زكاة فيها؛ لحديث «عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق (1) » ولأن الزكاة عبادة من العبادات مبنية على التوقيف، والنص إنما ورد في الدراهم والدنانير والسوائم والحبوب والثمار، وبقي ما عدا ذلك على الأصل، ولا يثبت بالقياس؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا زكاة في العروض.
ويجاب: عن الأول بحمله على ما ليس للتجارة. ومعناه: لا زكاة في عينه، بخلاف الأنعام، وهذا التأويل متعين؛ ليجمع بينه وبين الأحاديث.
وعن الثاني بأنه ورد النص.
وعن الثالث بأنه قد ضعفه الشافعي والبيهقي وغيرهما، فلا حجة فيه. وعلى فرض صحته فهو محمول على عرض ليس للتجارة؛
(1) سنن الترمذي الزكاة (620) ، سنن النسائي الزكاة (2477) ، سنن أبو داود الزكاة (1574) ، سنن ابن ماجه الزكاة (1790) ، مسند أحمد بن حنبل (1/132) ، سنن الدارمي الزكاة (1629) .
جمعا بينه وبين الأحاديث وبين الرواية الأخرى عنه.
وذهب الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة إلى وجوب الزكاة في عروض التجارة؛ لعموم أدلة القرآن، ولدلالة السنة والأثر والمعنى، كما سبق في الإعداد ص:(36، 40، 45) .
3 -
اختلف القائلون بوجوب الزكاة في عروض التجارة. فمنهم من أوجبها في كل حول؛ لعموم أدلة وجوب الزكاة في المال إذا حال عليه الحول ولا مخصص لها.
وذهب الإمام مالك رحمة الله إلى أن التاجر ينقسم إلى قسمين:
مدير وغير مدير، فالمدير هو الذي يكثر بيعه وشراؤه ولا يقدر أن يضبط أحواله، فهذا يجعل لنفسه شهرا من السنة يقوم فيه ما عنده من العروض ويحصي ما له من الديون التي يرتجي قبضها فيزكي ذلك على ما عنده من الناض.
وأما غير المدير وهو المحتكر الذي يشتري السلع ويتربص بها النفاق، وكذلك من كسدت سلعته، فهذا لا زكاة عليه فيما اشترى من السلع حتى بيعها، وإن قامت أحوالا، فإذا باعها زكاها لحول واحد ص:(26) وما بعدها.
وحجته: أن الحول الثاني لم يكن المال عينا في أحد طرفيه؛ فلم تجب فيه الزكاة كالحول الأول إذا لم يكن في أوله عين.
ويجاب عن ذلك: بأن سبب وجوب الزكاة وشرطه في كل حول متوفران، فلا معنى لتخصيص الحول الأول بالوجوب فيه كالسوائم وبأنه دليل اجتهادي مقابل للنص، ولا اجتهاد مع النص.
4 -
يشترط الحنفية ومن وافقهم لوجوب الزكاة كون المال فاضلا عن الحاجة الأصلية، ولا يشترط مالك، وحجته العمومات.
والجواب: أنها محمولة على الفاضل عن الحوائج الأصلية. ويرجع إلى ص (22) . ويشترطون أيضا نية التجارة مقارنة لعمل التجارة.
أما المالكية فلهم شروط خمسة: أن لا يكون مما في عينه زكاة كالفضة، وأن يكون مملوكا بالشراء، وأن ينوي به التجارة عند الشراء، وأن يكون الثمن الذي اشترى به ذلك العرض عينا وعرضا ملك بشراء، وأن يبيع من العرض بعين نصابا فأكثر في المحتكر أو أقل لو درهما في المدير. ص (34) .
ويشترط الشافعية: أن يملكه بعقد فيه عوض كالبيع، وأن ينوي عند العقد أنه تملكه للتجارة. ص (42)
أما الحنابلة: فيشترطون أن يملكه بفعله كالبيع، وأن ينوي عند تملكه أنه للتجارة، وعن أحمد رواية أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية، وعليه فلا يعتبر أن يملكه بفعله ولا أن يكون في مقابله عروض، بل متى نوى به التجارة صار للتجارة، ومما تقدم يعلم أن النية شرط عند الجميع.
5 -
تقوم عروض التجارة بالأحظ للفقراء، وقيل: بما اشتريت به، فإن لم تكن دخلت عليه بأحد النقدين فإنه يقومها بالنقد الغالب. وقيل: يقومها بالنقد الغالب مطلقا. وقيل: يقومها بما شاء: ومدارك هذه الأقوال الاجتهاد. ص (21، 22) .
6 -
تضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة، أو يقوم الذهب والفضة ويضمهما إلى قيمة العروض بالقيمة أو بالإجزاء، ومدرك كل من القولين الاجتهاد ص:(20) .
7 -
إذا ادعى من طلبت منه الزكاة أن ما بيده من العروض لم ينو به التجارة، أو أنه أدى زكاته، أو لم يحل عليه الحول، فقيل: يقبل؛ لأنه عبادة كالصلاة، فهو مؤتمن عليها: وقيل: لا يقبل إن اتهم؛ بناء على العمل بقاعدة القرائن؛ لما سبق في رقم (6) من ملخص الأمر الأول.
ثالثا: الدين الذي للإنسان على غيره هل تلزمه زكاته؟
1 -
قسم أبو حنيفة الديون ثلاثة أقسام: قوي، وضعيف، ومتوسط فالقوي: هو الذي وجب بدلا عن مال التجارة، ولا يخاطب بأداء شيء من زكاة ما مضى ما لم يقبض أربعين درهما، فكلما قبض أربعين درهما أدى درهما واحدا.
والضعيف: ما وجب له بدلا عن شيء وجب له بغير صنعه كالميراث أو بصنعه كالوصية، أو وجب عما ليس بمال كالمهر، فيزكيه إذا قبضه كله وحال عليه الحول بعد القبض.
والوسط: ما وجب له بدلا عما ليس للتجارة كثمن عبد الخدمة وثمن ثياب البذلة والمهنة، فقال: تجب فيه الزكاة قبل القبض ولا يخاطب بالأداء ما لم يقبض مائتي درهم، فإذا قبض مائتي درهم زكى لما مضى، وقال: لا زكاة فيه حتى يقبض المائتين ويحول عليه الحول من وقت القبض. وهو أصح الروايتين عنه. ومدركه
اجتهادي يرجع إليه في ص: (53) .
2 -
الديون عند المالكية تنقسم إلى أربعة أقسام: دين من فائدة، ودين من غصب، ودين من قرض، ودين من تجارة.
فأما الدين من الفائدة فإنه ينقسم إلى أربعة أقسام:
أحدها: أن يكون من ميراث ونحوه، فلا زكاة فيه حالا كان أو مؤجلا حتى يقبضه ويحول عليه الحول من بعد القبض.
الثاني: أن يكون من ثمن عرض أفاده، فإذا قبضه، وحال عليه الحول بعد القبض زكاه.
الثالث: أن يكون من ثمن عرض اشتراه بناض عنده للقنية، فهذا إن كان باعه بالنقد لم تجب عليه فيه الزكاة حتى يقبضه ويحول عليه الحول بعد القبض، وإن كان باعه بتأخير فقبضه بعد حول زكاه ساعة يقبضه.
الرابع: أن يكون الدين من كراء أو إجارة، فهذا إن كان قبضه بعد استيفاء السكنى والخدمة كان الحكم فيه على ما تقدم في القسم الثاني، وإن كان قبضه بعد استيفاء العمل كما إذا أجر نفسه ثلاث سنين بستين دينارا فيقبضها معجلة.
فقيل: يزكي إذا حال ما يجب له من الإجارة، وذلك عشرون دينارا.
وقيل: يزكي إذا حال الحول تسعة وثلاثين دينارا ونصف دينار.
وقيل: لا زكاة عليه في شيء من الستين حتى يمضي العام الثاني، فإذا مر زكى عشرين؛ لأن ما ينوي بها من العمل دين عليه، فلا يسقط إلا بمرور العام شيئا بعد شيء، فوجب استئناف حول آخر بها منذ تم سقوط الدين عنها.
وأما الدين من الغصب ففيه في المذهب قولان:
أحدهما: وهو المشهور أنه يزكيه زكاة واحدة ساعة يقبضه كدين القراض.
الثاني: أنه يستقبل حولا مستأنفا من يوم قبضه كدين الفائدة، وقد قيل: إنه يزكيه للأعوام الماضية.
وأما دين القرض: فيزكيه غير المدير إذا قبضه زكاة واحدة لما مضى من السنين.
وأما المدير فقيل: يقومه، وقيل: لا يقومه، وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف فيمن له مالان، يدير أحدهما، ولا يدير الآخر؛ لأن المدير إذا أقرض من المال الذي يدير أخرجه بذلك عن الإدارة.
وأما دين التجارة: فلا اختلاف في أن حكمه حكم عروض التجارة يقومه المدير، ويزكيه غير المدير إذا قبضه زكاة واحدة لما مضى من الأعوام، ولزكاة الدين لسنة واحدة أربعة شروط:
أن يكون أصله عينا بيده فيسلفها، أو عروض تجارة يبيعها بثمن معلوم لأجل.
وأن يقبض من المدين.
وأن يكون المقبوض عينا ذهبا أو فضة، ولو كان القابض له موهوبا له من رب الدين أو أحال ربه به ممن له عليه دين على المدين.
وأن يقبض نصابا كاملا ولو في مرات، كأن يقبض منه عشرة ثم عشرة فيزكيه عند قبض ما به التمام، أو يقبض بعض نصاب وعنده ما يكمل النصاب.
3 -
قسم الشافعية الديون إلى ثلاثة أقسام:
غير لازم: كدين الكتابة، ولا زكاة فيه بلا خلاف عندهم.
ولازم: وهو ماشية، ولا زكاة فيه بلا خلاف؛ لأن ما في الذمة لا توصف بأنها سائمة، والسوم شرط.
والثالث: أن يكون دراهم أو دنانير أو عروض تجارة وهو مستقر، ففيه قولان مشهوران.
القديم: لا تجب الزكاة في الدين بحال؛ لأنه غير معين.
والجديد الصحيح باتفاق الأصحاب: وجوب الزكاة في الدين على الجملة، وفيه تفصيل يرجع إليه ص:(65) .
4 -
قسم الحنابلة الدين إلى قسمين:
دين على معترف به باذل له، فعلى صاحبه زكاته، إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضى؛ لأنه دين ثابت في الذمة فلم يلزمه الإخراج قبل القبض، كما لو كان على معسر؛ ولأن الزكاة تجب على طريق المواساة، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به، وإنما يزكيه لما مضى؛ لأنه مملوك له يقدر على الانتفاع به؛ فلزمته زكاته كسائر الأموال.
وقيل: عليه إخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه؛ لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه؛ فلزمه إخراج زكاته كالوديعة. ورد بالفرق، فإن الوديعة بمنزلة ما في يده؛ لأن المستودع نائب عنه في حفظها فيده كيده. وقيل: ليس في الدين زكاة؛ لأنه غير نام؛ فلم تجب زكاته كعروض القنية.
الضرب الثاني: أن يكون على معسر أو جاحدا أو مماطل به، ففي
وجوبها روايتان:
إحداهما: لا تجب؛ لأن هذا المال في جميع الأحوال على حال واحد؛ فوجب أن يتساوى في وجوب الزكاة أو سقوطها كسائر الأموال.
الثانية: يزكيه إذا قبضه لما مضى؛ لما روي عن علي رضي الله عنه في الدين المظنون، قال: إذا كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى.
وروي نحوه عن ابن عباس، رواهما أبو عبيد، ولأنه مملوك يجوز التصرف فيه؛ فوجبت زكاته لما مضى كالدين على مليء. ولا فرق بين كون الغريم يجحده في الظاهر دون الباطن أو فيهما. وظاهر كلام أحمد: لا فرق بين الحال والمؤجل؛ لأن البراءة تصح من المؤجل.
رابعا: هل الدين يمنع وجوب الزكاة؟
مما تقدم يتبين ما يلي:
1 -
منع الدين للزكاة:
أـ يشترط الحنفية ومن يوافقهم: أن لا يكون عليه دين مطالب به من جهة العباد حالا أو مؤجلا، والحجة في ذلك أثر عثمان رضي الله عنه:(هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم) . وفي رواية: (فمن كان عليه دين فليقض دينه وليزك بقية ماله) . قاله بمحضر من الصحابة ولم يعارض؛ فكان إجماعا.
وروى أصحاب مالك عن عمير بن عمران عن شجاع عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذ كان لرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه» وهذا نص: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم» .
ووجه الدلالة ظاهر، ولأن ملكه غير مستقر؛ لأنه ربما أخذه الحاكم لحق الغرماء، ولأن المشغول بالحاجة الأصلية كالمعدوم.
ب- وقال مالك: الدين يمنع زكاة الناض فقط، إلا أن يكون له عروض فيها وفاء من دينه فإنه لا يمنع، والحجة عمومات أدلة وجوب الزكاة، كقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (1) فعم ولم يخص من عليه دين ممن لا دين عليه في مال من الأموال، والعموم محتمل للخصوص، فخصص أهل العلم ذلك من عليه دين في المال العين بإجماع الصحابة على ذلك، بدليل أثر عثمان رضي الله عنه ص:(98) .
ج- مذهب الشافعية: وجوب الزكاة، سواء كان المال باطنا أو ظاهرا، من جنس الدين أو غيره، وسواء دين الله ودين الآدمي، كالزكاة السابقة والكفارة والنذر ص:(104) .
وهذا إحدى الروايات الثلاث في المذهب.
والحجة عمومات أدلة وجوب الزكاة، ولأنه مسلم ملك نصابا حولا فوجب عليه الزكاة كمن لا دين عليه. ويجاب عن الأول بأن العمومات خصصها أثر عثمان رضي الله عنه، وعن الثاني بأنه يخالف من لا دين عليه، فإنه غني يملك نصابا ص:107.
د- أما الحنابلة ومن يوافقهم: فإن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة رواية واحدة، والحجة لهذا القول ما سبق من أدلة الحنفية.
وأما الأموال الظاهرة فروي عن أحمد:
أن الدين يمنع الزكاة أيضا فيها؛ لما سبق من الأدلة.
(1) سورة التوبة الآية 103
والرواية الثانية: لا يمنع الزكاة فيها، لما سبق من الأدلة.
والفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة: أن تعلق الزكاة بالظاهرة آكد لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها.
وفي رواية ثالثة: لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة إلا في الزرع والثمار فيما استدانه للإنفاق عليها خاصة ص (107) .
وأما دين الله كالكفارة ففيه وجهان:
أحدهما: يمنع الزكاة كدين الآدمي؛ لما سبق من الأدلة، ولأنه دين يجب قضاؤه، فهو كدين الآدمي، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:«دين الله أحق أن يقضى (1) » . ويناقش ذلك بالفرق، فإن دين الآدمي آكد، والمطالبة تتوجه به.
والآخر: لا يمنع؛ لأن الزكاة آكد لتعلقها بالعين، فهو كأرش الجناية ص:(58) وما بعدها.
2 -
يمنع الدين الزكاة إذا كان يستغرق النصاب، أو ينقص ولا يجد ما يقضيه به سوى النصاب أو ما لا يستغنى عنه.
وإذا كان له مالان وأحدهما لا زكاة فيه، والآخر فيه الزكاة، كرجل عليه مائتا درهم وله مائتا درهم وعروض للقنية تساوي مائتين، فقال القاضي: يجعل الدين في مقابلة العروض، وهذا مذهب مالك وأبي عبيد.
قال أصحاب الشافعي: وهو مقتضى قوله، لأنه مالك لمائتين زائدة عن مبلغ دينه، فوجب عليه زكاتها، كما لو كان جميع ماله جنسا واحدا.
وظاهر كلام أحمد: أنه يجعل الدين في مقابلة ما يقضى منه، فإنه قال
(1) صحيح البخاري الصوم (1953) ، صحيح مسلم الصيام (1148) ، سنن الترمذي الصوم (716) ، سنن النسائي الأيمان والنذور (3816) ، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3310) ، سنن ابن ماجه الصيام (1758) ، مسند أحمد بن حنبل (1/362) ، سنن الدارمي الصوم (1768) .
في رجل عنده ألف وعليه ألف وله عروض بألف، إن كانت العروض للتجارة زكاها، وإن كانت لغير التجارة فلا شيء عليه.
وهذا مذهب أبي حنيفة؛ لأن الدين يقضى من جنسه عند التشاح، فجعل الدين في مقابلته أولى، كما لو كان النصابان زكويين.
ويحتمل أن يحمل كلام أحمد على ما إذا كان العرض تتعلق به حاجته الأصلية، وإن لم يكن فاض عن حاجته فلا يلزم صرفه لوفاء الدين؛ لأن الحاجة أهم.
3 -
بناء على قول من يقول: الدين يمنع وجوب الزكاة، وأحاطت برجل ديون وحجر عليه القاضي، فإذا أقر بوجوب الزكاة قبل الحجر فإن صدقه الغرماء ثبتت وأخذت، وإن كذبوه فالقول قوله بيمينه؛ لأنه أمين. وحينئذ هل تقدم الزكاة أم الدين أم يستويان؟
فيه ثلاثة أقوال في اجتماع حق الله تعالى، ودين الآدمي، ومداركها اجتهادية.
وإذا أقر بالزكاة بعد الحجر، فقيل: يقبل في الحال ويزاحم به الغرماء. وقيل: يثبت في ذمته ولا تثبت مزاحمته.
وفي ذلك تفاصيل ذكرت في الإعداد يمكن الرجوع إليها، وقد تركناها اختصارا.
خامسا: التعزير:
اتفق الفقهاء على جواز التعزير بالضرب والسجن والنفي ونحوها من العقوبات البدنية عند وجود ما يقتضيها.
واختلفوا في جوازه بالعقوبات المالية:
فقال بعضهم: بالمنع؛ لأن العقوبات المالية من قبيل الغريب الذي لا عهد به في الإسلام ولا يلائم تصرفات الشرع، وتأولوا ما ورد من أخذ عمر شطر مال خالد رضي الله عنهما بأنه أخذ ما رأى أن خالدا استفاده بالولاية. وأقر جماعة بأن التعزير بالمال قد كان أول الإسلام، ثم زعموا أنه نسخ بالإجماع على تركه.
واستشهدوا لذلك: بأن أبا بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة حتى أخذها منهم، ولم ينقل عنه أنه زاد عليها، ولو كان لنقل، فدل ذلك على الإجماع على تركها. وستأتي مناقشة ذلك إن شاء الله.
وقال بعضهم: يجوز لولي الأمر التعزير بالعقوبات المالية.
واستدلوا على ذلك بوقائع كثيرة:
منها: ما كان تأديبا بها من النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: ما كان من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، دون نكير من أحد من الصحابة رضي الله عنهم، حتى من نزلت به العقوبة.
وعلى هذا فدعوى المانعين أن ذلك من قبيل الغريب الذي لا عهد للشريعة به ولا يلائم تصرفات الشرع دعوى يكذبها الواقع الكثير.
وكذا ما زعموه من النسخ أو الإجماع على الترك باطل بوجود ذلك في تصرفات الخلفاء الراشدين على مشهد من الصحابة دون نكير، وبوجود الخلاف بعدهم في ذلك بين أئمة الفقهاء.
ورأى بعضهم أن التعزير بالمال في المال الذي وقعت فيه الإساءة وتوابعه بإتلافه أو مصادرته وحرمانه منه ونفع المساكين ونحوهم به، غير
أنهم اختلفوا هل يقتصر في التعزير على اليسير أو يعم القليل والكثير؟
هذا ما تيسر إيراده، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن قعود
…
عبد الله بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
قرار رقم 63 في 25\ 10\ 1398هـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد، وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء المنعقد في مدينة الطائف في الفترة ما بين يوم 14\ 10\ 1398 هـ حتى نهاية يوم 25\ 10 \ 1398 هـ. قد أعاد النظر في اللائحة التنفيذية لجباية الزكاة وما أعد بشأنها من بحث علمي من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في هيئة كبار العلماء، وذلك بناء على ما ورد من المقام السامي إلى الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء الدعوة والإرشاد برقم 3\ ش\ 293 في 4\ 1\ 1397 هـ.
وبعد تداول الرأي والنظر في أقوال أهل العلم وأدلتهم ولعدم وجود أدلة شرعية تدل على وجوب قيام ولي الأمر بمطالبة الناس بزكوات أموالهم الباطنة ومحاسبتهم على ذلك، بل إن كلام أهل العلم يدل على خلاف ذلك، فأكثر العلماء يقول: إن زكاة الأموال الباطنة وهي النقود وعروض التجارة موكول أمر إخراجها لأصحاب الأموال وهم مصدقون في ذلك فلا يحاسبون ولا يتهمون بأنهم قاموا بإخفاء شيء منها، بل ذلك أمر بينهم وبين الله سبحانه، ولكن إذا طلبها ولي الأمر فدفعوها له برئت ذمتهم منها.
لما تقدم فإن مجلس هيئة كبار العلماء يرى بالأكثرية ما يلي:
1 -
الاكتفاء بما نص عليه أهل العلم من ترك أمر محاسبة الناس على أموالهم أو مطالبتهم ببيانات عما يملكونه من نقود وعروض تجارة، بل يؤخذ منهم ما دفعوه من الزكاة اتباعا لما درج عليه سلف الأمة في ذلك وما كان عليه العمل في عهد جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله، وما سبقه من عمل الدولة السعودية منذ نشأتها.
2 -
إبقاء العمل على ما هو عليه في جباية زكاة الحبوب والثمار وأن
يوكل إلى لجنة فيها مندوب من المحكمة والإمارة وهيئة الأمر بالمعروف تتولى جبايتها وصرفها على مستحقيها ويبقى العمل في جباية زكاة الماشية على ما كان عليه ويعطون مكافأة على عملهم ولو من الزكاة.
3 -
كل من تحقق لدى ولاة الأمر أنه لا يدفع الزكاة أو يجحد شيئا منها فإن ولي الأمر يجري ما يلزم نحو أخذها منه وتعزيره التعزير الشرعي جزاء ما ارتكب بعد ثبوت ذلك عليه.
4 -
يوصي المجلس بإيجاد صندوق خاص يودع فيه ما يورد لصندوق الدولة من زكاة وتصرف منه بعد ورودها على مستحقيها بواسطة لجنة من أهل الثقة والأمانة في كل بلد.
ولا شك أن ولاة الأمر -وفقهم الله- إذا انتهجوا ما أوضح في هذا القرار فإن ذمتهم بريئة، وسوف يكون لذلك أثره الحميد وعواقبه الطيبة؛ لأن الخير والبركة في اتباع سلفنا الصالح من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا. وبالله التوفيق.. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
عبد الله خياط
…
عبد الله بن محمد بن حميد
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
…
محمد بن علي الحركان
عبد الله بن منيع لي وجهة نظر
…
عبد العزيز بن صالح غائب
…
صالح بن غصون متوقف
…
إبراهيم بن محمد آل الشيخ
راشد بن خنين
…
محمد بن جبير
…
سليمان بن عبيد
عبد الله بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد المجيد حسن
عبد الله بن قعود متوقف فيما عدا الفقرة الرابعة
…
صالح بن لحيدان
"وجهة نظر"
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده محمد، وعلى آله وصحبه وبعد:
فبعد الاطلاع على خطاب سمو نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 3\ ش\ 293 وتاريخ 4\ 1\ 1397هـ وعلى مشروع اللائحة التنفيذية لجباية الزكاة المقدم لمجلس الوزراء لدراسته وبعد التأمل والدراسة ظهر لي أن هذه اللائحة ليست لائحة تنفيذية بالمعنى الاصطلاحي المعروف لدى خبراء الإدارة والتنظيم بحيث تكون خاصة بالأعمال الإدارية لجباية الزكاة وإنما تشتمل اللائحة على مواد تشريعية، ومنها المواد الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة، وعلى مواد تنفيذية إدارية.
وحيث إن المواد التشريعية في مشروع اللائحة ليست شاملة لأحكام الزكاة حتى يقال ببقائها للفائدة، وليست شاملة لأهم أحكام الزكاة حتى يقال بالاكتفاء بالأهم عن المهم، مع أن بعض ما تناولته موضع خلاف بين أهل العلم كما هو الحال في الديون على من تجب عليه الزكاة هل يسقط من الزكاة ما يقابلها من الأموال مطلقا أم أن ذلك خاص بالأموال الباطنة أو أنها لا تسقط من الزكاة شيئا، وكذلك الأمر بالنسبة للديون المملوكة للمكلف بالزكاة على مليء أو غيره هل يزكيها مطلقا، ومتى يزكيها، وهل تقابل بما يزيد عند المكلف بها عن حاجته من أموال القنية غير الأثمان.
وحيث إن الأمور التشريعية يرجع إليها في مصادرها كالحال بالنسبة لمسائل العبادات والمعاملات وما تقتضيه الخصومات من أحكام قضائية ومتى أشكل منها على الجهة المختصة بجبايتها ما يقتضي الأمر استجلاءه أمكن الرجوع إلى الجهة المختصة بالإفتاء.
وعليه فإنني أرى استبعاد كل ما يتعلق بالأمور التشريعية من اللائحة لما ذكر وليصدق عليها أنها لائحة تنفيذية لجباية الزكاة مفروض في جميع موادها أن
تكون إدارية محضة.
وحيث إن غالب المواد التنفيذية الإدارية في هذه اللائحة مبني على المواد التشريعية المذكورة فيها فإن بقاءها بعد استبعاد المواد التشريعية فيها لا يستقيم إلا بعد إعادة النظر فيها وصياغتها صياغة إدارية لا تنبني على ما استبعد منها. وتستند على الأسس التالية:
أ- إن لولي الأمر أن يطلب من الزكاة ما يرى المصلحة العامة تقتضي طلبه.
ب- الأصل في المسلم أنه مؤتمن على شئون دينه من صلاة وزكاة وصوم وغير ذلك.
ج- متى توفرت القرائن لاتهام من يتساهل أو يتلاعب بأداء الزكاة أو بعضها بأي طريق من طرق الاحتيال أو التهرب عن أدائها فإن للقضاء الفصل في عدوانه بما يقتضيه الوجه الشرعي. وللجهة المختصة بجبايتها بذل الجهد في تحصيل ما يدعم الادعاء.
د- تعيين الجهة المختصة بجباية الزكاة وإعطائها من الصلاحيات ما تستطيع به إنفاذ ما وكل إليها.
هـ- الرجوع في تقدير العقوبات الجزائية إلى القضاء المختص.
والأخذ بالأصل في أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء.
هذا ما ظهر لي، والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عضو الهيئة
عبد الله بن سليمان بن منيع
24 \ 10 \ 1398 هـ