المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المنهج البنيوي: يضطر الباحث في البنائية والمنهج البنيوي إلى الكشف عن - الأدب الجاهلي في آثار الدارسين قديما وحديثا

[عفيف عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌جهود القدماء:

- ‌المستشرقون والشعر الجاهلي

- ‌دراسات باللغة الإنجليزية:

- ‌الشعر الجاهلي في دراسات العرب المحدثين

- ‌مدخل

- ‌جهود الجامعات:

- ‌الدواوين الشعرية:

- ‌الدراسات الأدبية "الكتب

- ‌أولا: في تاريخ الأدب

- ‌ثانيًا: دراسة الشعراء

- ‌ثالثًا: مجتمعات جاهلية

- ‌رابعًا: فنون شعرية

- ‌خامسًا: دراسة ظاهرة

- ‌سادسًا: لغة الشعر الجاهلي

- ‌سابعًا: دراسة مجموعة شعرية أو ما يشبهها

- ‌ثامنًا: شعر القبائل أو ما يشبهها

- ‌تاسعًا: الطبيعة والحيوان

- ‌عاشرًا: مناهج دراسة الشعر الجاهلي ونقده

- ‌حادي عشر: النثر الجاهلي

- ‌ثاني عشر: موضوعات أخرى

- ‌الدراسات والبحوث "الدوريات

- ‌مدخل

- ‌أولًا: تاريخ الجاهلية

- ‌ثانيًا: تاريخ الأدب

- ‌ثالثًا: فكر الجاهلية ومعتقداتها

- ‌رابعًا: دراسة شعراء

- ‌خامسًا: دراسة ظاهرة فنية

- ‌سادسًا: مناهج دراسة الأدب الجاهلي

- ‌سابعًا: دراسة نصوص

- ‌ثامنًا: أغراض الشعر

- ‌تاسعًا: اللغة واللهجات

- ‌عاشرًا: النثر الجاهلي

- ‌حادي عشر: موضوعات أخرى

- ‌خلاصة الدراسات الحديثة:

- ‌الأدب الجاهلي والمناهج الحديثة

- ‌مدخل

- ‌المنهج الأسطوري:

- ‌المنهج البنيوي:

- ‌المنهج الاجتماعي:

- ‌المنهج النفسي:

- ‌المنهج التكاملي:

- ‌دراسات أخرى:

- ‌النصوص الجاهلية التي درست

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌ ‌المنهج البنيوي: يضطر الباحث في البنائية والمنهج البنيوي إلى الكشف عن

‌المنهج البنيوي:

يضطر الباحث في البنائية والمنهج البنيوي إلى الكشف عن معالمها التاريخية، على الرغم من أن البنيوية نفسها تسعى لمقاومة فكرة التاريخ في حد ذاتها؛ لأنها قامت "لترد المنظور الذي تطلق عليه الرؤية المنبثقة والذي يقوم على دراسة الأشياء في ذاتها قبل التطرق إلى أحداثها وتاريخها"1.

وحجر الزاوية في النظرية البنائية مجموعة من المبادئ اللغوية الأولية لعالم سويسري هو "فرديناند دي سوسير"، استطاع أن يؤسِّسَ مدرسة لغوية حديثة أصبحت تعد رائدًا للعلوم الإنسانية وقدرتها على أن تصبح علومًا دقيقة تضارع العلوم الطبيعية والرياضية في خضوعها للمنهج العلمي المضبوط، وتبلورت هذه المدرسة في العقد الأول من هذا القرن.

والمبدأ الأساسي في تيار الفكر البنائي هو الرؤية الثنائية المزدوجة للظواهر، فهو من جهةٍ يعارض النزعة الجزئية الانفصالية التي تدعو إلى عزل الأشياء عن مجالها، ومن جهة أخرى يدعو إلى إدراج هذه الظواهر في سلسلة من المقابلات الثنائية للكشف عن علاقاتها التي تحدد طبيعة تكوينها، وأهم هذه المقابلات:

- ثنائية اللغة والكلام.

- ثنائية المحور التوقيتي الثابت والزمني المتطور.

- ثنائية النموذج القياسي والسياقي.

- ثنائية الصوت والمعنى.

1- صلاح فضل: نظرية البنائية في النقد الأدبي. مكتبة الأنجلو المصرية، 1977م، ص23.

ص: 198

وكان الرافد الثاني من روافد البنائية "مدرسة الشكلية الروسية"، التي ازدهرت في العقدين الثاني والثالث، وكان انطلاقها من مجموعة من طلبة الدراسات العليا بجامعة موسكو 1915، وشكلت "حلقة موسكو اللغوية"، وقد أقاموا نظرياتهم الجمالية على أساس كفاية الأثر الفني في حدّ ذاته وقابليته لأن يشرح نفسه، والبحث عن لغة جديدة للفن.

وقد اتضح اتجاهان في البنائية فيما بعد: البنائية التحليلية التي يتزعمها "جاكوبسون"، والبنائية التركيبية التي يتزعمها وينتهجها "شومسكي".

ويصف أحد زعمائها البنائية بأنها حل الشيء لاكتشاف أجزائه، والوصول من خلال تحديد الفروق بينها إلى معناها، ثم تركيبه مرة أخرى حفاظًا على خصائصه التي توضِّح لنا أن أيَّ تعديل في الجزء يؤدي إلى تعديل في الكل.

وفي عام 1928م، قامت طائفة من علماء اللغة في تشكوسلوفاكيا بتكوين حلقة دراسية ضمت في صفوفها عددًا من الباحثين الذين ينتمون إلى بلدان أخرى، وصاغوا جملة من المبادئ تقدموا بها إلى المؤتمر الدولي الأول لعلماء اللغة الذي عُقِدَ في لاهاي 1928م، تحت عنوان:"النصوص الأساسية لحلقة براغ اللغوية". وفي عام 1930 ظهرت أول دراسة منهجية في تاريخ علم الأصوات اللغوية بإعداد "جاكوبسون"، وتبلورت أعمال حلقة براغ في ثمانية أجزاء ظلّت تصدر تباعًا حتى 1938م.

وعلم اللغة البنائي عند حلقة براغ يتصوّر الواقع اللغوي على أنه نظام سيميولوجي رمزي، ويحلل عملية الكلام قبل أن تصل إلى التعبير الواقعي بتتبّع مراحلها المختلفة، فيميز بين إجراءين مختلفين وإن اختلط أحدهما بالآخر في عملية الكلام البشرية، وأولهما: هو التقاط العناصر الواقعية المحددة، أو الذهنية المجردة، التي تلفت انتباه الفرد الذي سيتحدث، وإدراك إمكانية التعبير عنها بكلمات من اللغة التي يستخدمها. أما الإجراء الثاني: فيتمثل في وضع العلاقة المتبادلة بينهما وبين الرمز اللغوي الذي يشير إلى العناصر المختارة بطريقة تشكل كلًّا عضويًّا وهو الجملة.

وقد كان لحلقة براغ دراسات وبحوث موسَّعة في لغة الشعر والأدب بصفة عامة، وتنمي في كثير من جوانبها الخطوط المنهجية الأولى للمدرسة الشكلية، ولا بأس من ذكر أهم معالمها:

ص: 199

1-

تتميز اللغة الشعرية بأنها غالبًا ما تكتسب صفة الكلام من حيث إنها تعتبر عملًا فرديًّا يعتمد على الخلق والإبداع، ويرتكز على أساسين: التقاليد الشرعية الراسخة، ولغة الحياة المعاصرة.

2-

من خواص اللغة الشعرية أنها تبرز عنصر الصراع والتعديل بدرجات متفاوتة، وكلما اقتربت لغة الشعر من لغة التفاهم تعارضت مع التقاليد الشعرية.

3-

المستويات اللغوية المختلفة للغة الشعر؛ من صوتية وصرفية ونحوية وبلاغية، ذات صلات حميمة فيما بينها؛ بحيث يستحيل عزل أحدها عمَّا سواه.

4-

تختلف درجة معاصرة العناصر المختلفة في اللغة والتقاليد الشعرية من حالةٍ لأخرى، فالعمل الشعري إنما هو بنية وظيفية لا يمكن فهم عناصره المختلفة خارج نطاق علائقها المشتركة، ويمكن لهذه العناصر نفسها أن تلعب دورًا مغايرًا تمامًا، ووظيفة عكسية في بنية أخرى.

5-

نقطة الانطلاق في وصف البنية الشعرية هي القيم الصوتية، وتشمل مقارنة استخدام الحروف المعنية بلغة التفاهم ومبادئ تجميع الحروف وتكرارها، ومشاكل الإيقاع والنغم.

6-

تتميز لغة الشعر بوضوح مراتب قيمها، والإيقاع هو المبدأ المنظّم للعناصر الصوتية الأخرى، وهي بنية النغم وتشكيلات الحروف في مقامات موسيقية.

7-

الوسيلة الوحيدة لدراسة جميع مستويات لغة الشعر بطريقةٍ فعَّالة تتمثَّل في رسم شبكة توازي أبنيتها المختلفة، وهو توازٍ متداخل متفاعل.

8-

ينبغي بحث المعاصرة في لغة الشعر بدراسة العلاقة بين معجمه والتقاليد الشعرية ولغة التفاهم.

9-

إن المبدأ الأساسي في فنِّ الشعر والذي يميزه عن أنظمة اللغة الأخرى، هو أن القصد فيه يتركز لا على الدلالة وإنما على الرمز في نفسه، على التعبير في ذاته.

وقد استطاعت حلقة براغ أن تتفادى بعض نواحي القصور في النظرية الشكلية بمراجعة أهم المبادئ وتعديلها، وإنضاجها على ضوء التجربة الفكرية المثمرة، فبدلًا من قصر العمل الأدبي على جانبه اللغوي البحت، وعدم الاعتراف بأنه عنصر خارج "أدبية الأديب"، أعلن "جاكوبسون" أن الاتجاه المنهجي الجديد في مدرسة براغ يدعو إلى استقلال الوظيفة الجمالية لا إلى انعزالية الأدب.

وهكذا نصل إلى البنائية، فالمفهوم الاصطلاحي لكلمة البنية يؤكّد أنها تتميز

ص: 200

بثلاث خصائص هي: تعدد المعنى والتوقف على السياق والمرونة1، ويقول أحد كبار البنائيين: "نظرًا لأن البنائية ليست مدرسة ولا مذهبًا أدبيًّا، فإنه لا مبرر لقصرها مقدمًا على التفكير العلمي، بل لا بُدَّ من وصفها بأكبر قدر من السعة والمرونة، على إننا لا بُدَّ أن نعترف بأن هناك بعض الكُتَّاب والفنانين ممن يمارسون البنائية، لا كمجرد موضوع للتفكير، وإنما كتجربة متميزة على مستوى الخلق تتعدى مجرد التحليل الذهني، ولهذا يمكن أن نطلق اسم الإنسان البنائي على الإنسان الذي لا نعرفه بأفكاره ولا بلغته، وإنما بخياله، أو طريقة تصوره للأشياء، ولهذا فإن البنائية بالنسبة لمن يستفيد منها إنما هي نشاط إنساني قبل كل شيء2.

ويتفق الباحثون على أن البنية عبارة عن مجموعة متشابكة من العلاقات، وأن هذه العلاقات تتوقف فيها الأجزاء أو العناصر على بعضها من ناحية، وعلى علاقتها بالكلّ من ناحية أخرى، ولكن النشاط البنائي لا يعتمد على مجرَّد العمل بهذه الإيحاءات، ويؤكد "ليفي شتراوس" أن محاولات البنائية لاكتشاف النظام في الظواهر لا ينبغي أن تصبح إدخالًا للواقع في نظام جاهز مسبَّق، وإنما تقتضي إعادة إنتاج هذا الواقع وبنائه وصياغة نماذجه هو لا بأشكال تفرض عليه3.

ويبحث البنائيون في الواقع الإنساني عن مظاهر الثبات والاستقرار التي يمكن أن ترتكز عليها المعرفة العلمية الحقيقية؛ فهي ليست فكرة تجريدية بالمعنى العام لهذا المصطلح الخالي من الخصائص الفردية الدقيقة، ولكنها موضوع للدراسة مستخلص من الوقائع القريبة المعقدة.

يؤكد أصحاب النظرية البنائية أنها ليست مدرسة مذهبية ولا حركة فكرية، ولا ينبغي حصرها في مجرد نزعة علمية بحتة، وإنما هي نشاط قبل أي شيء آخر، أي تتابع منتظم لعدد من العلميات العقلية الدقيقة4.

أما الهدف الجوهري من هذا النشام البنائي فهو إعادة تكوين الشيء بطريقة تبرز قوانين قيامه بوظائفه، فالبنية إذن في نهاية الأمر هي صورية الشيء التي تسمح

1 صلاح فضل، البنائية 177.

2 المرجع نفسه 179.

3 نفسه 180.

4 صلاح فضل: البنائية 205.

ص: 201

بفهمه وإدراك تكوينه وطريقة تشغيله، والإنسان البنائي يتناول الواقع ويفكه ويحلله، ثم يقوم بتركيبه مرة أخرى، مما قد يبدو للوهلة الأولى عملًا تافهًا لا أهمية له، ولكنه في حقيقة الأمر شيء حاسم؛ إذ إنه من خلال هاتين اللحظتين في النشاط البنائي ينتج لنا شيء جديد هو قابلية الفهم"1.

أما البنيوية التوليدية أو البنائية التوليدية2 فمؤسسه "لوسيان غولدمان""1913-1970م:" وقد طوَّر الأصول التي ثقفها من "جورج لوكاش"، وعمَّق دراسة أبعاد العلاقة بين الأدب والمجتمع، ومفهوم "رؤية العالم" باعتبارها بنية تتوسَّط ما بين الأساس الاجتماعي الطبقي الذي تصدر عنه، وبين الأنساق الأدبية والفنية والفكرية، فهي "كمية متجانسة" تكمن وراء الخلق الثقافي وتحكمه مثلما تتجلَّى فيه وتنكشف بواسطته. وإن الحديث عن العلاقة بين "رؤية العالم" و"عوالم الأعمال الأدبية" يعني حديثًا عن علميات بنائية تتولّد فيها أبنية أدبية هي "الأعمال الأدبية"، عن أبنية فكرية هي "رؤية العالم، أو رؤى العالم" عند مجموعة اجتماعية أو طبقية.

وتتجلّى منهجية البنيوية التوليدية في عملياتها الإجرائية التي تتراوح بين تفسير العمل "فهم العلاقات بين العناصر المكونة لبنيته"، وشرح العمل "فهم بنيته باعتبارها وظيفة لبنية أشمل" تقع خارج العمل وتتجلى في الوقت نفسه فيه".

والبنائية في حركتها المتطورة حريصة على ربط العمل الأدبي بحركة التطور في الحياة، وأما الذات التي تبحث عنها البنائية فهي ليست الذات التي يبحث عنها علم التحليل النفسي، وإنما هي ذات اجتماعية، وهي ذات قديمة وحديثة، ولا يمكن أن تعيش إلّا مع الجماعة أو من خلال الجماعة، والبنائية لا تبحث عن المحتوى أو الشكل، أو عن المحتوى في إطار الشكل، بل تبحث عن الحقيقة التي تختفي وراء الظاهر من خلال العمل نفسه، وليس من خلال أي شيء خارج عنه. وهي تُعْنَى بتوجيه العناصر نحو كلية العمل أو نظامه، وليس نظام العمل أو الشيء سوى حقيقته3.

وفي معرض موقف النقاد والباحثين من البنيوية نسوق آراء ثلاثة، فالدكتور

1 نفسه 205.

2 جابر عصفور: مجلة فصول، مجلد1، عدد 2 "1981"، ص84 وما بعدها.

3 نبيلة إبراهيم: مجلة فصول، مجلد1، عدد2 "1981"، ص169 وما بعدها.

ص: 202

شكري عياد موقفه ليس موقف المعارض المحايد أو الرافض سلفًا، وإنما موقف الذي يحاول أن يختبر السلامة النظرية لما يقدمه منهج البنيوية، وخلاصة ما يراه:

1-

إن الحديث عن البنية -أي: البناء- يصاحب كل حركة نقدية، فالكلمة ليست جديدة على النقد الأدبي.

2-

إن الشبه واضح بين النقد الجديد في أمريكا في الأربعينات والخمسينات، والنقد البنيوي الذي انطلق من فرنسا في الستينات، لكن الفرق بينهما أن الاتجاه البنيوي اتجاه عقلاني يهتم بالأفكار قبل اهتمامه بالوقائع الموضوعية، بينما الآخر اتجاه تجريبي وظيفي يعتمد على الملاحظة المباشرة للعلاقات المتبادلة بين أعيان الموجودات.

3-

أساس البنيوية أن موضوع الأدب هو الأدب ذاته، ومن ثَمَّ يتحول الأدب مثلما تتحول عملية القراءة، فيصبح الكل مجموعة من الموضوعات يحاور النص ذاته، وهذا يقودنا إلى خارج البنيوية، ومن ثَمَّ يربطها بوجوه الحداثة الأدبية والفنية من ناحية، وبتغيير النظرة المعرفية والأنطولوجية إلى العالم من ناحية أخرى، فنصل إلى مفهوم "الأدب-الفعل" بالذي يسعى إلى تحرير الكتابة من كل المواضعات، والعودة إلى لغة بريئة هي بثمابة اللحظة الأولى للخلق، وهو مفهوم يشف عن نزعة اشتراكية إنسانية طوبوية، تؤكد تمامًا ما اشتهر عن البنيوية بأنها معادية للتاريخ، وأنها ترفض اعتبار الإنسان محور الكون، وصانع القيم، وهو يرى أخيرًا ردَّ فعل للمذاهب الفلسفية السابقة، لكن لها جذورًا في هذه المذاهب1.

أما تطبيق المنهج البنيوي على الشعر الجاهلي فقد قام به الباحثون: الدكتور كمال أبو ديب، والدكتور عدنان حيدر، والدكتور يورسلاف سسكوفتش، والدكتورة ماري كاترين باستون، وعدنان مكارم.

أما الدكتور كمال أبو ديب: فقد نشر البحوث التالية ملتزمًا المنهج البنيوي:

1-

Towards A Stuctureal Analysis of Pre- Islamic Poetry2 قد قدَّم في هذه

1 شكري عياد: مجلة فصول، مجلد1، عدد 2 "1981"، ص188 وما بعدها.

2 نشرها في:

International Journal of Middie Eastern Studies Vol. 6 "1975" P. 148-184.

ص: 203

الدراسة باكورة نتاجه البنيوي، وهو دراسة معلقة لبيد بن أبي ربيعة، وسماها:"القصيدة المفتاح".

2-

نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي1، وهو ترجمة للبحث الأول المنشور باللغة الإنجليزية.

3-

نحو منهج بنيوي في تحليل الشعر الجاهلي "معلقة امرئ القيس""الرؤية الشبقية"2.

4-

كان قد نشر هذه الدراسة في مجلة "أدبيات" Edebiyat. Vol، No1، 1976 p.30-69.

5-

الرؤى المقنعة: نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي، وهو كتاب تحت الطبع في "الهيئة المصرية العام للكتاب" يصدر هذا العام.

ولست هنا، كما فعلت سابقًا، بمهاجم أو مدافع أو محلل للعمل، ولكنني أحاول أن أعرض المنهج كما تبناه أصحابه، ثم أبدي ملاحظات انطباعية حول تطبيقه على الشعر الجاهلي.

وبادئ ذي بدء يقرر الباحث أن الآراء الحديثة قد صيغت في قوالب أقل مرونة، كما أنها تشي بميل أكثر حدة إلى التعميم، كما أنها أيضًا أقلّ حساسية وتبصرًا من آراء النقاد الأوائل، وهي تصدر عن درجة من المعرفة والألفة بالشعر الجاهلي أدنى من معرفة الأوائل، ويبقى مقطع ابن قتيبة المشهور الذي حاول أن يصف فيه العملية التي طوّر بها الشاعر الجاهلي قصيدته، أحد أعمق المقاطع النقدية المتعلقة بالشعر الجاهلي حساسية وتبصرًا3، ويستطرد الباحث فيرى أن التفسير المتضمّن في مقطع ابن قتيبة تفسير وظيفي أيضًا، وتكمن وظيفته في أنه يؤكد أن عملية نمو القصيدة ليست اعتباطية أو خيالية من منطق داخلي، بل عملية هادفة واعية، ترتبط بالبنية الكلية للقصيدة، وهو يرى أنها بهذا المعنى بنيوية، لأنها تعاين بنية القصيدة المفردة لا في عزلة عن، بل في إطار من، علاقتها ببنى قصائد أخرى في التراث.

ويعترف بأن محاولته الأولى "دراسة معلقة لبيد" هي محاولة اقتراح الخطوط

1 مجلة المعرفة، دمشق، عدد 195 "مايو 1978"، ص28-51، وعدد 196 "يونيو 1978"، ص 72-110.

2 مجلة فصول، مجلد 4، عدد2 "1984"، ص92-130.

3 انظر الشعر والشعراء لابن قتيبة، ص74-77.

ص: 204

العامة لمنهج نقدي جديد يكون أغنى مردودًا، وأعمق قدرة على إضاءة بنية القصيدة من المناهج السابقة، وهذا المنهج يفيد من النظريات النقدية الحديثة ومن البنيوية، وبشكل خاصٍّ من منهج التحلل البنيوي للأسطورة كما طوره واستخدمه كلود ليفي شتراوس. يلي ذلك تحليل تطبيقي يمثل نموذجًا لاستخدام المنهج المطوّر لواحدة من القصائد الرئيسية في التراث هي معلقة لبيد، ويؤكد من جديد بأن التحليل الذي يقدمه يمثل عملًا في طريق الإنجاز قد يستغرق تبلور نتائجه النائية عددًا من السنين، لا آراء نهائية في صياغتها.

وقد اختار معلقة لبيد لاعتقاده بأن رؤياها الأساسية للوجود تحتل مكانًا مركزيًّا في الشعر الجاهلي كله، ولكونها بينويًّا، إحدى أكثر قصائد التراث تشابكًا وتعقيدًا أو غنًى، ويعد بأنه لن يتبع منهج ليفي شتراوس بشكل أعمى، بل إنه يتبنى بعض مبادئه النظرية الجوهرية، وبعض المصطلحات، وتعدل أحيانًا تعديلًا طفيفًا، وعلى العكس من شتراوس فإن الباحث يميل إلى الاعتقاد بأن عدد كبيرًا من القصائد يمتلك وحدة خبيئة تبقى لتدرك عبر عمليات تحليل تختلف درجة عمقها، ولذا فإن ذلك يعني أن تعاين كل قصيدة مفردة معاينة مستقلة متعمقة.

وفي هذه الدراسة، معلقة لبيد، يصوغ نظرية حول بنية القصيدة الجاهلية، وتوصل إليها بعد تحليل مائة وخمسين قصيدة جاهلية، وملخص هذه النظرية:

إن تيارين من التجارب الجذرية يشكلان ثنائية ضدية:

أ- التيار الأول: وحيد البعد، يتدفق من الذات في مسار لا يتغير، مجسدًا انفجارًا انفعاليًّا يكاد أن يكون لا زمنيًّا أو خارجًا عن السيطرة لا يكبح.

ب- التيار الثاني: تيار متعدد الأبعاد، أو هو بالأحرى نقطة التقاء ومصبٍّ لروافد متعددة، لتيارت تتفاعل وتتواشج، ويكتمل التبلور النهائي لهذا النمط في سياق زمني، ويجسد عملية خلق للفاعليات المعاكسة، وتحقيق التوازن بين الأضداد في الوعي.

أما التيار الأول: فيجسد في سيطرة نبض واحد وحالة انفعالية مفردة، هما خصيصتان مميزتان لأنماط شعرية مثل: الهجاء، وشعر الحب، وبعض الخمريات، والقطع الوصفية الصغيرة.

وأما الثاني: فيمثل مستوى من التجربة أكثر جذرية وعمقًا في دلالاته الوجودية

ص: 205

من النمط الأول، وهو مستوى الكينونة على شفار السيف التي عاناها الإنسان الجاهلي. وهنا يتواشج الاحتفاء بالحياة ويلتحم مع إحساس مأساوي بحتمية الموت، والطبيعة اللا نهائية للحياة نفسها، والعكس بالعكس، ويسمّي هذه الازدواجية بين الإيجابي والسلبي بزمن التوتر الأبدي القائم كل لحظة.

ويميل التيار وحيد البعد إلى التبلور في إحدى البنيتين: بنية وحيدة الشريحة، وبينة متعددة الشرائح، أما التيار متعدد الأبعاد فيتبلور دائمًا في بنية متعدد الشرائح.

ومن أجل إضاءة منهج التحليل الذي يعتبر مهمًّا في هذه الدراسة كلها، فإنه يقتصر على اكتناه وحدة الأطلال في المعلقة اكتناهًا دقيقًا، ويعلل اختياره وحدة الأطلال بعاملين هما:

1-

لأنه يعتمد تصورًا مغايرًا للطرق التقليدية في تحديد القيمة الدلالية للوحدات المشكلة للقصيدة، وفي تأويل خصائصها البنيوية.

2-

لأن الشروح والتعليقات على القصيدة، بل على الشعر الجاهلي كله، قاصرة قصورًا مدهشًا؛ لأنها تتحرك على المستوى اللغوي السطحي للقصيدة، وهذه طريقة ليس في مقدروها النفاذ إلى البنية العميقة للقصيدة المفتاح بشكل خاص، أو إلى بنية الشعر الجاهلي بشكل عام.

والقصيدة الأساسية التي تدور حولها الدراسة هي بنية القصيدة في القصيدة الجاهلية، لإبراز التنوع في الخطوط المضمونية بروزًا واضحًا، وليتميز مشكلًا ملمحًا يسهل إدراك كونه أحد الملامح الأساسية للقصيدة، وإن أحد المنطلقات الأساسية للتأويل المقدَّم في هذه الدراسة هو التشابه المثير الذي يمكن رصده في بنية الأسطورة، وبين بنية التيار المتعددة الأبعاد، ويطرح سؤالين؛ أولهما: هل يمكن على أساس هذا التشابه أن نتحدث عن البنية الأسطورية للتيار المتعدد الأبعاد؟ والثاني: ما النتائج التي يقود إليها تطبيق منهج لفي شتراوس في تحليل الأسطورة على التيار المتعدد الأبعاد؟

ويعترف الباحث بأن هذه المرحلة الأولى من الدراسة لا تمثّل منهجًا بنيويًّا محكمًا حرفيًّا، بل منهجًا طوره خصيصًا من أجل تحليل القصيدة؛ من حيث هي نتاج لخيال خلاق يفعل ويحقق ذاته عبر اللغة، التي يختلف دورها في الشعر اختلافًا جوهريًّا عن دورها في الأسطورة. وهذا المنهج يحتاج إلى تنقية وصقل، وقد يحتاج إلى تعديل.

ص: 206

ويطبق منهجه على ثلاث مراحل: أولها: على وحدة الأطلال، ثم على القصيدة المفتاح كلها، ثم بطريقة مقارنة على قصيدة أخرى ذات البنية متعددة الشرائح، وهو يختار "عينية أبي ذؤيب".

ونستطيع أن نستخلص بعض ملاحظاته واستنتاجاته من تلك الدراسة:

1-

يرفض التفسير بأن الأطلال المدمرة تعبير عن شعور عميق بالأسى والفقدان يعانيه الشاعر عندما يرى الأطلال دارسة مدمرة.

2-

يتميز قسم الأطلال بالغياب المطلق لأيّ تعبير مشحون انفعاليًّا، وتبرز الكلمة الانفعالية الأولى في نهاية هذا القسم.

3-

إن الحياة موجودة في ذلك المكان المهجور إلّا أنها اتخذت صورة حيوانية لا إنسانية، وهذه الحيوانات ليست وحشية بل مسالمة "الظباء والنعام".

4-

تنمو القصيدة كلها وتتقدَّم عبر ثنائيات ضدية ولفظية تنتشر خلال نسيجها كله.

5-

إن القصيدة متعددة الشرائح يمكن أن تقوم على إحدى الطريقتين التاليتين من التفاعل بين شرائحها المشكلة:

أ- يمكن أن ترتبط الشرائح ارتباط ثنائيات ضدية خلال القصيدة كلها.

ب- يمكن أن ترتبط الشرائح ارتباط بنى مفتوحة متوازية في جوهرها ذات طبيعة تكرارية، لا لغويًّا، وإنما على مستوى العلاقات التي تتألّف منها الشرائح.

6-

هنالك وفرة في المزدوجات والثنائيات الضدية على مستوى البنية اللغوية السطحية الصرف للقصيدة، "محلها ومقامها، حلالها وحرامها، جودها ورهامها، ظباؤها ونعامها، نؤيها وثمامها

إلخ".

7-

يشكل عالم الحيوان في القصيدة سلسلة من الثنائيات الضدية بين طرفي اثنتين؛ منها ما يمثل "حيوان دون أجنحة، طائر أجنحة"، "البري المتوحش: يفترس البري المسالم: يفترس"، وهذه الدوائر تشير إلى: "الرحلة والبحث عن تحقيق الذات بكل أشكالها، يرافقان بالمشقات والألم والخطر والصراع ضد قوى الدمار الطبيعية والحيوانية والإنسانية، وثَمَّة ملمح مدهش هو أنها جميعًا تبدأ الرحلة، وهي تعاني من نوعٍ ما من العاهات أو النقصان أو التشويه.

ص: 207

فالقبيلة تبدأ بالرحلة حين يموت الخصب، والمرأة تفارق الشاعر في حالة من التوتر والصد، وحمار الوحش يرحل وقد ضرب ولطم ودكم من قبل الحمر الأخرى.

8-

يقترح الباحث تطبيق الطريقة التالية على قصيدة واحدة يفترض أنها تمتلك "بنية أسطورية"، وتسجل بعد ذلك في المخطط جميع اللوحات الأولية المميزة في كل وحدة مشكلة، ثم تنظم أعمدة ملائمة، خالقة هكذا "بوصفها حزمًا في العلاقات" الوحدات المكونة الإجمالية للقصيدة، وبعد ذلك ينبغي أن تحلل الوحدات الأولية وتكتنه اكتناهًا متقصيًا حذرًا من أجل أن يكشف كون أيٍّ منها تحولات لعلاقات أخرى أكثر حسية، من بين العلاقات المتعددة في القصيدة.

9-

في رأي الباحث أن ثَمَّةَ مثلين واضحين على التحولات التي تطرأ في الشعر الجاهلي؛ هما موضوعا الفخر والمديح اللذان يبدوان تحولين للقوة الخالقة للحياة في التصور الجاهلي للكون، هذه القوة التي تنسب إلى عناصر أخرى في الطبيعة.

10-

حينما يقارن بين معلقة لبيد وعينية أبي ذؤيب يرى أن ثَمَّة فروقًا جوهرية بينهما في الرؤيا للوجود، وللثنائية الضدية الأساسية: الحياة/ الموت، ورؤيا لبيد للحياة والموت أكثر كثافة وتشابكًا وتعقيدًا، ولبيد يرى قوى معينة تشكل توسطًا بين الحياة والموت، فالتوالد يؤكد الحياة في قلب الموت، وقد ينفي الموت ويتجاوزه عبر التناغم والحب اللذين يمكن أن يوجدا، إلّا أنه نفي مؤقت.

ويتساءل الباحث: هل يمكن عزو الفرق في الرؤيا بينهما إلى السياق الثقافي والفكري والاجتماعي الذي كتبت فيه كلّ من القصيدتين وكيف؟ فهما مخضرمان، لكن لبيد نظم معلقة في الجاهلية، وأبو ذؤيب نظمها في الإسلام.

أيمكن أن يفسِّر الغياب المفاجئ من قصيدة أبي ذؤيب لأي إشارات إلى وحدات أكثر من وحدة الذكر -الأنثى، والأب - الابن، وتفسر حقيقة كونه لا يتصور القبيلة أو الذات الجماعية بوصفها قوة من قوى الحفاظ على الحياة، والاستمرارية في إطار انهيار القبيلة وتفككها من حيث هي وحدة للتفاعل الجماعي، والولادات، وأنظمة الإيمان، والتصورات، والحماية المتبادلة في السنين الأولى، بعد ظهور الإسلام؟

ص: 208

11-

لا يستعبد الباحث أنه بسبب إساءة تفسير مقطع ابن قتيبة قد اعتُبِرَت القصيدة وجودًا مفككًا لا يمتلك الوحدة، وأنَّها مؤلفة من جسم هو موضوعها الحقيقي، أو غرضها، ومن أجزاء خارجية يفرضها تراث شعري تقليدي صارم. ويرى أنه يجب اكتناه القصيدة من حيث هي بنية كلية دالة، تفعل وحداتها المكونة بطرقٍ يمكن اكتشافها مجسّدة طريقة فردية في معاينة الواقع، وصورة للعالم القائم في لحظة الخلق في وعي الشاعر.

12-

يرى الباحث أن القصيدة -معلقة لبيد- لا تتحرك حركة تطور وتقدم، بل حركة تنامي عبر الانفساح والاتساع والتوازي.

13-

يقرِّر الباحث بناء على استقراء للشعر الجاهلي أن القصيدة متعددة الأبعاد تتحرك دائمًا من اللحظة الأولى، أي: القبيلة أو الماضي إلى اللحظة الثانية، أي: الحاضر أو الأطلال، وهذا يقوده إلى تقرير أن البنية الكلية للقصيدة تقع بين قطبين من التطورات: التغير "تدبير الحياة والطبيعة، والقبيلة التي تشكل الحركة المعاكسة فتحفظ الحياة".

وفي دراسته الثانية التي خصصها لمعلقة أمرئ القيس وسمَّاه: "ألرؤية الشبقية"، يذكر في مقدمتها أنه حاول في بحث سابق نشره في "مجلة المعرفة، دمشق 1978م" أن يكتنه تطبيق التحليل البنيوي على قصائد معينة، وكانت وسيلته فصل وحدات أساسية محدّدة لأكثر من قصيدة، ونظمها في جداول على حدة، ثم حلل تلك الجداول، وساعد تحليلها أولًا في تفسير وظائف الوحدات الأساسية بوصفها عناصرللبنية، وثانيًا في تقديم بعض الصياغات النظرية عن طبيعة بناء أية قصيدة تتناولها الدراسة، كما ساعد على رؤية واقع الإنسان وعالمه الذي خلق القصيدة، وخلال البحث السابق تمت دراسة متعمقة للعلاقات الجدلية بين العناصر الأساسية للبنية، والبنية نفسها، رؤية المبدع ذاته.

ويربط الباحث بين الدراستين "قصيدة المفتاح"، وهذه الدراسة "الرؤية الشقبية"، ويؤكد على ضرورة قراءة هذا التحليل مقرونًا بالتحليل السابق، لأن قراءته منفصلًا ستؤدي إلى فهم قاصر.

وتُعَدّ معلقة امرئ القيس في نظره أشهر المعلقات وأكثرها تلقيًا للإطراء، بل أكثرها إثارة للحيرة، على الأقل فيما يتعلق بخصائصها البنيوية.

ص: 209

ويحدد هدفًا مزدوجًا للدراسة، فهو من جهة يحاول أن يطبِّق على قصيدة الشبق منهجه البنيوي، بل تطويعه للتوصل إلى فهم القصيدة على نحوٍ أفضل، ومن جهة ثانية يقدم البحث بعض الصياغات النظرية لطبيعة جوانب معينة للشعر الجاهلي عمومًا، والمعلقات على وجه الخصوص.

وفي معرض المقارنة بين القصيدتين يرى أنهما تجسدان اختلافًا في الرؤية؛ رؤية الواقع والإنسان والكون، حيث تقدمان لنا إجابات مختلفة عن الأسئلة الرئيسية التي واجهت الإنسان في العصر الجاهلي.

والقصيدة "الشبقية" تعد مثالًا آخر على البنية المتعددة الأبعاد، كما يسميها Multi dimensional structure، وبنيتها إنما تتولّد عن التفاعل بين حركتين رئيسيتين يمكن أن يطلق عليها الكليتان الأساسيتان، وتتكون كلّ منهما من عدد من الوحدات التكوينية التي يتكوّن كل منها بدوره من عدد من الوحدات الأولية، أما الوحدة الكلية الأساسية الأولى "الحركة الأولى" فتنتظمها الأبيات "1-43" في القصيدة، والوحدة الكلية الثانية "الحركة الثانية" تشتمل عليها الأبيات من "44-82".

وتجنبًا للإطالة سنسوق بعض الملاحظ والاستنتاجات التي تضمنتها الدراسة:

1-

إن الخاصية الرئيسية لبناء القصيدة، وهي أنها بنية تتولّد من جدل الثنائيات: الموت/ الحياة، الجفاف/ الطراوة، الصمت/ الضجة

إلخ، ظلت دون ملاحظة عند الدراسين ولم يتطرقوا إلى مغزاها؛ فالقصيدة تقع وتتحرك داخل ثنائية ضدية لها أهمية جوهرية بالنسبة لمعناها، وبخاصة ثنائية سكون الأطلال واندثارها، في مقابل الحيوية الغامرة والجارفة في عاصفة المطر والسيل.

2-

يعقد مقارنة بين خصائص وحدات الأطلال في كلتا المعلقتين، وهو يأمل أن تلقي هذه المقارنة الضوء على العلاقة بين "الرؤى الجماعية والفردية" و"بين التراث والموهبة الفردية"، ويوصف ذلك كله تطبيقًا ضروريًّا على مشكلات الشفهية والتأليف بالصيغ في الشعر الجاهلي.

3-

إن بدء القصيدة بفعل أمر في صيغ المثنى "قفا" إنما يحدد النغمة العاطفية في القصيدة، ويكشف عن درجة من حدة الشعور والتأكيد "للأنا" على نحو لا نجده في قصيدة "المفتاح".

ص: 210

4-

تدور القصيدة بين عناصر تعارض رئيسي: الزمن الحاضر مقابل الزمن المنقضي، وكل ما يتبقى من هذا الزمن المنقضي إنما هو مجرد ذكرى، هي افتراضًا ذكرى زمن السرور واللقيا، أما الزمن الحاضر فهو وقت النحيب والوحدة.

5-

التعارضات والثنائيات تشكل الأوتاد التي تَشُد إليها نسيج الحركة الافتتاحية في المعلقة، فثنائية حبيب/ منزل، تعكس طبيعة العلاقات بين ثنائيةٍ من أكثر الثنائيات جوهرية في المعلقة، هي بالتحديد ثنائية الحصان/ السيل، التي تشكل تعارضًا ليس على المستوى الدلالي، أو الوظيفي، بل على مستوى حي/ غير حي.

6-

ثَمَّةَ جانب يتمثَّل في أربعة تعارضات تشتمل على اتجاهات: جنوب/ شمال، شرق/ غرب، ومرتفع/ منخفض، وكلها توحي بمكان مغلق، والمعلقة تطور إلى درجة مدهشة الصور والأحاسيس ذات الطبيعة المماثلة لما تثيره فينا تلك التعارضات في الحركة الافتتاحية في المعلقة.

7-

عندما يقارن بين القصيدتين يلاحظ أن إحدى الخاصيات المحلة هي: الغياب اللافت للنظر، وهو الذي يمثل اتجاه التغيير - الحياة، لأية وحدات أساسية مهمة تنتمي إلى القصيدة الشبقية.

8-

إن وحدة الأطلال في هذه القصيدة محكومة بالموت والتغيير والجفاف والزوال أكثر من الوحدة المناظرة لها في القصيدة المفتاح.

9-

إن رؤية الحيوان في القصيدة الشبق ليست تجسيدًا لقوى التناسل واستمرارية البقاء، بل على إنها استحضار يخلق استجابة عاطفية ذات كثافة هائلة.

10-

إن الفاعلية السابقة التي تكتسبها الحياة العاطفية والحدة الشهوانية إنما تولدان الحركة الثانية للقصيدة بأكملها، تلك الحركة التي تجسّد محاولة يائسة لاستحضار لحظات أكثر حدة للزمن المنقضي، هي لحظات تشكّل الموجة المضادة أو القوة المضادة للحياة التي يمكن أن تعمل بطريقة معاكسة عند الإحساس بالفقدان والتغيير والزوال "تجربة الشاعر مع فاطمة"، وبهذا تكون الحركة الثانية في جوهرها "بحثًا عن الزمن الضائع"، وهي محاولة يائسة لنفي انقضاء الزمن وطبيعته الزائلة، والطبيعة الهشَّة للعلاقات البشرية، وللتلاقي،

ص: 212

وللعالم المستقر، وللتواصل العاطفي الحميم، وذلك عن طريق بعث تجارب الماضي الذي تبدو علاقته بالحاضر غامضة.

11-

تبدو القصيدة كما لو كانت تتألف من موضوعات مبعثرة لا علاقة بينها، يظهر قسم يصف الليل، وقسم آخر يصف الذئب، وقسم ثالث يصف الحصان، وقسم أخير يصف السيل. فكيف نربط هذه الجملة الأصلية، النموذج؟

12-

إن الزمن الماضي غير المتجانس، فهو ليس زمن سعادة كما نتوقعه أن يكون، والباحث يقسمه إلى "الماضي1" و"الماضي2" و"الماضي3" و"الماضي4" و"الماضي5".

13-

يرى خاصية مهمة من الخصائص الأساسية المحيرة في الشعر الجاهلي كله، تلك هي: خلق الثوابت، وهو يرى أن "المرأة" و"الحصان" من الثوابت في قصيدة الشبق، فالمرأة هي القوة الرئيسية التي تحدث توازنًا مضادًا للعلاقات الهشَّة الموصوفة في الحركة السابقة في القصيدة، والحصان يشكل قوة توازن للوحدتين السابقتين، وهما حدة الليل ووحدة الذئب. ومن جهة نظر الباحث يكون بناء الثوابت تجليًّا أخاذًا للحنين اليائس الذي يتوق إلى إيقاف حشاشة حياة الإنسان، وعبث ما يقوم به الإنسان من سعي وجهد.

14-

لقد ولد مرور الزمن في اللا وعي عند الشاعر الجاهلي رغبة حارقة لتجميد الزمن، وتثبته ليصبح له حضور لا ينقضي أبدًا، وإن تحويل الأشياء إلى "حجر" يعد واحدًا من أهم التحولات وأكثرها تأثيرًا في خلق الحياة، وتجسيد القوة القادرة على إنكار حتمية الموت في الشعر الجاهلي.

15-

يكثر ظهور الثوابت كلما لجأ الشاعر إلى تصوير طبيعة الحياة الهشَّة كما تتجسد في وحدة الأطلال.

16-

إن الشاعر حينما يصوّر المرأة والحصان على أنهما من الثوابت اللازمنية يؤكد أبدية الحافز الجنسي الذي تمثله المرأة، وأما الحصان فإنه يؤكد اللازمنية الحيوية والنشاط والإثارة التي تتولد عن "مشهد الصيد"، ويجسد الحصان نوعًا من التضاد الثنائي، أي: الحيوية/ السكون، الذي يتحقق على مستويين: مستوى بنية الخصائص، ومستوى لغوي خالص.

ص: 213

17-

حينما يحلل الباحث بنية القصيدة على المستوى الشكلي يرى أنها تتولّد عن طريق ثابتين لغويين يشكلان تعارضًا ثنائيًّا يظهر في الأمر أو النداء والأداة "وربَّ"، ويرى أن القصيدة كلها تقع من الناحية اللغوية بين جملتين تتضمنان فعل أمر/ منادى، تكونان الجمل التي تتولد عنهما الوحدتان التكوينيتان الأطلال/ السيل.

وهو يرى أن القصيدة جملة تتألف من أربع وحدات:

أ- وحدة تتحرك على مستوى الزمن الحاضر وتصف الأطلال وانحسار الحياة فيها، وتقابل بين وحدة الاستجابات العاطفية للـ "أنا" وبين المجال الوسيط، وهي استجابة تعبر عن البعد الأخلاقي للذات الجماعية "لأبيات 1-9"، وتظهر لغويًّا في أفعال الأمر والنهي.

ب- الوحدتان الثانية والثالثة تشكلان حجة مضادة، أي: موجة وموجة مضادة، وتكشف الواقع ومعارضاته، وتصعد جوهر الحدة، والمغامرة، والجنس، ولحظات مجابهة الموت، وتأسيس المطلقات، وتكون بهذا محاولة لإنقاذ الحياة من هشاشتها، والزمن من زواليته، وتتتماثل الوحدتان من حيث البنية النحوية الأساسية.

ج- الوحدة الرابعة هي كالوحدة الأولى "خيالية من "ورب يوم" أو "بيت".

18-

تتكشف في القصيدة مفارقة ضدية، هي أنه في حين أن الحدة وروح المغامرة يواجهان الهشاشة والموت ويتجاوازنهما، إلّا أنهما يحطمان الحياة، ويزيدان إبراز هشاشتها. وهذه المفارقة الضدية تتخلل القصيدة كلها وتصل إلى نقاطها الذروية في كل موضع فيها حيث تسيطر الحيوية والحدة.

19-

في قصيدة الشبق تتحرك البنية المفتوحة بطريقة دائرية، فيتولد عن كل دائرة دائرة أخرى.

20-

ويحلل الباحث "بنية الصور" في القصيدة، ويحاول تحديد أنواعها وهي: الجفاف/ الطراوة، الإحساس الموجي، صورة الاختراق، الإحساس بالانغلاق "الحصار"، والإحساس بالتداخل، الإحساس بالملامسة، الصور القوسية.

ص: 216

21-

ويلاحظ أن الرؤية الشبقية تؤكد طغيانها في القصيدة كلها من طريق بثها في القصيدة نبضًا هادرًا للقوة الحيوانية في شكل صور تستمد بشكل عام من حياة الحيوان، أو تستمد من حيوانات بعينها بصورة واضحة تغني عن فحص مفصل، أما الصور المستمدة من عالم النباتات فلا تسيطر على القصيدة.

22-

ويولي الباحث عنايةً للبحث في جوانب البنية الصوتية في القصيدة، ويرى أن ضدية المد/ الجزر تظهر على مستوى البنية/ الصوتية. ويذكر ملمحًا صوتيًّا يظهر في شكل "التضعيف" أو "تكرار فعلي للمصوتات، أي: الفونيمات"، ويرى أن التشديد يسيطر على القصيدة سيطرة لافتة.

32-

ويتناول أيضًا تحليل نظام القافية في القصيدة الشبقية لارتباطها بطريقة مباشرة بالتشديد والتكرار. ويقرر أن له مغزى بنيويًّا محددًا حيث يعكس البنية الدلالية للقصيدة، ويجسد الحالة النفسية للوجود. كما يتناول جوانب من البنية الإيقاعية، ويدلل من القصيدة بوحدتي "السيل" و"الليل"، ويرى تعارضًا بين هاتين الوحدتين ملحوظًا، واختلافات دقيقة بين التأليف العروضي في كلٍّ منها بالرغم من أن البحر واحد.

24-

ويلاحظ الباحث أساسيًّا آخرًا تدور حوله القصيدة، هو محور اللغة الزمن؛ حيث تكشف القصيدة على قدرة اللغة على تجاوز الزمن والهشاشة وحتمية اللا معنى، ويلخص العلاقة في وحدات القصيدة حيث تظهر على النحور التالي لغة الحوار:

وحدة الأطلال: هشاشة وموت - توتر وحزن - لغة.

وحدة عنيزة: صدّ - توتر - لغة.

وحدة الليل: حزن أبدي - توتر - لغة.

وحدة الذئب: ضياع وخمود الحيوية - توتر لغة.

بينما لا تظهر في الوحدات التالية، وتغيب لغة الحوار:

في يوم رحيل القبيلة ورحيل المرأة، وفي صورة الأطلال، وفي الوحدة الفرعية لأم الرباب وأم الحويرث، وفي يوم دراة جلجل، وفي زمن مع المرأة الحامل والمرضع، وفي وحدة "بيضة خدر"، وفي وحدة الحصان، وفي وحدة السيل.

25-

تمثل القصيدة الشبقية مهرجانًا للحيوية والحدة الشعورية قصيدة مأساوية

ص: 218

تتشكل في لحظة توتر مهيمن، وتكمن هذه الطبيعة المسأوية في رؤيتها للقوة المضادة القادرة على مجاوزة الموت والتغير، ولكن هذه القدرة لا تتحقق إلّا عن طريق حدَّة العاطفة والاستجابة الحسية، فبواسطتها يستطيع الإنسان التغلب على قدره، ويستطيع بواسطة الحيوية التي تحققها الذاكرة أن يتخطَّى هشاشة التجربة.

26-

أما الإنسان في القصيدة الشبقية فلا يرتبط بالإنسان عمومًا، ولا بعالم الحيوان، والحيوان رمز للحيوية المجرَّدة من أي تعاطف نحو الشاعر، أما النبات فيستخدم لتجسيد أشكال الجمال وللتعبير عن القيم الجمالية الجذابة، أو أنها تستخدم كشيء يدرك بالحواس، ويشكل عناصر تساعد على الحدة الحسية، لهذا السبب لا يصبح لها وظيفة رمزية.

27-

وفي معرض المقارنة بين القصيدة الشبقية والقصيدة المفتاح من حيث مستوى التعارضات التي تتولّد عنها الرؤية المجردة في كل منهما، إلى جانب مستوى الوحدات التكوينية والبنى التي تسجد هذه الرؤية، فالمفتاح يتحرك في إطار تعارضات هي: الموت/ الحياة، الجفاف/ الطراوة، الجذب/ الخصب، العرضي/ الدائم، والانقطاع/ الاستمرارية. وتهتم القصيدة بالخصب والتناسل؛ لأنهما قوى الاستمرار والبقاء، ومن ثَمَّ اهتمَّت بالذرية القبيلة وقيمها، أما القصيدة الشبقية فعلى النقيض، فتعارضاتها: الهشاشة/ الصلابة، ما هو معرض للزمن/ لا زمني، خمود الحيوية/ الحيوية، النسبي/ المطلق، السكون/ الحركة، التأملي/ العاطفي. ولهذا السبب تغيب الذرية والقبيلة وقيمها، وتظهر الرؤية فردية إلى حد كبير.

28-

والخلاصة أن القصيدتين تجسدان رؤيتين متضادتين للواقع ومتمايزتين.

أما العمل البنيوي الثالث للدكتور كمال أبو ديب فهو دراسة موسَّعة شملت أكثر من ستمائة وخمسين نصًّا شعريًّا وردت في جمهرة أشعارة العرب والمفضليات والأصمعيات ودواوين الشعراء: امرئ القيس، وزهير، وطرفة، والأعشى، وعروة، وعامر بن الطفيل، وعنترة.

أما مسوغاغ عمله الموسع هذا فهي:

1-

ضمور العمل التحليلي في دراسة الشعر الجاهلي ومحدودية المادة التي

ص: 219

استندت إليها الأحكام التي أطلقت عليه منذ ابن قتيبة حتى اليوم، فوصف ابن قتيبة لبنية القصيدة لا يصدق إلّا على عدد ضئيل من النصوص الجاهلية، وإن التصور الشائع لطغيان الأطلال في الشعر الجاهلي لا أساس له من الصحة.

2-

استمرار تكرارنا أحكامًا قاصرة ورثناها عن دارسين ورثوها بدورهم في صيغتها القاصرة هذه عن أسلافهم.

ويحاول الباحث في مقدمة دراسته الشاملة أن يحدد أهدافه، فيذكر أن البحث يحاول أن يموضع دراسة الشعر الجاهلي على مستوى من التحليل يرتفع عن المستويات التارخية والتعليقية والتوثيقية أو اللغوية والبلاغة والانطباعية التي تتم عليها معظم الدراسات له الآن.

يهدف البحث من خلال ذلك كله إلى تطوير منهج تناول لهذا الشعر يغذيه وعي نظري عميق بالأسئلة التحليلة التي تطرحها الدراسات المعاصرة، وبالتصورات التي تنطلق منها، والإشكاليات التي تثيرها.

أما الذي يسهم في تشكيل المنظور الذي يعاين منه الشعر الجاهلي في هذا البحث فهو الإنجازات التي تحققت في خمسة تيارات بحثية متميزة في هذا القرن:

1-

التحليل البنيوي للأسطورة كما طوره كلود ليفي - شتراوس، في الأنثروبولوجيا البنيوية.

2-

مناهج تحليل الأدب المتشكلة في إطار معطيات التحليل اللغوي والدراسات اللسانية والسيميائية وبشكل خاص عمل ردمان ياكوببس والبنيويين الفرنسيين.

4-

المنهج النابع من معطيات أساسية في الفكر الماركسي الذي أولى عناية خاصة لاكتناه العلاقة بين العمل الأدبي والبنى الاجتماعية، ولعل لوسيان غلودمان أن يكون أبرز النقاد الذين أسمهوا في تطوير هذا التناول.

5-

تحليل عملية التحليل الشفهي في الشعر السردي، ودور الصيغة Formula في آلية الخلق كما طوَّر ملمان باري وألبرت لوردز.

ويحذر الباحث من الظن أن بحثه تطبيق لمناهج جاهز، بل إنه لا يتبنى الأطروحات النظرية لهذه المناهج جميعًا، وكل ما يعنيه أن البحث يتمّ في إطار تاريخي من الوعي النظري الدقيق لهذه المناهج بما تثيره من إشكاليات، وما تحققه

ص: 220

من إنجازات، وهذه التيارات جميعًا تظل ذات حضور فعلي على مستوى الوعي النقدي في عملية التحليل التي يؤديها، وفيما يبلوره من أطروحاتٍ إما بصفة تكوينية إيجابية أو بصفة تعارضيه.

ويعترف الباحث بأنعمل ليفي - شتراوس، هو الألصق بالمشروع الذي ينميه؛ لأن معطياته التحليلية ومصطلحاته قد لعبت دورًا تأسيسيًّا في تطويره للمنهج البنيوي، بالرغم من أن دراسة الباحث للشعر ودراسة شتراوس للأسطورة على درجة من التمايز تجعل المقارنة بينهما أمرًا ضروريًّا، أما عمل "بروب" فإن أهميته تنبع من إسهامه في بلورة مفهومي البنية والتحولات إسهامًا متميزًا.

ويرجع الباحث صلته بالمنهج في النصف الثاني من الستينات، ثم مرت سنوات من التأمل والتطوير البطيء إلى أن تبلورت صيغة أولية للمنهج؛ حيث درس معلقتي لبيد وأمرئ القيس اللتين عرضنا لهما، ولكن العمل بدا أنه بحاجة إلى سنوات أخرى من العمل قبل أن يصل إلى صيغة مكتملة.

وفي الوقت الذي يكشف عن إشكاليات في الشعر الجاهلي لم تتميزها المناهج الأخري، ويقترح حلولًا لها، فإنه يثير إشكاليات جديدة لا يسعى دائمًا إلى حلها، بل يكتفي ببلوراتها تاركًا لأبحاث أخرى في المستقبل مهمة معالجتها. والبحث بهذه الصفة مشروع مستمر لا يستعجل الوصول إلى نهاية، بل يسعى إلى تطوير وسائل التحليل وزيادتها رهافة ودقة وكفاءة، واستكمال العمل الضروري الجاد لتطوير المنهج، ولتحقيق فهم أعمق غورًا وأكثر شمولية للشعر الجاهلي، وللشرط الإنساني في الحياة الجاهلية. وهو يرفض التفكير الجزئي القاصر، والعمل الانطباعي المتعجل، والمعالجة التقليدية المتجمدة عند حدود ما قدَّمه المعلقون والشراح وغيرهم.

ويبدو من استعراض فهرس موضوعات الكتاب، موضوع الدراسة هنا، أن الباحث قد ضمنه دراستيه السابقتين، وأنهما كانا كما ذكر محاولات أولية لاكتناه المنهج، وتطويره قد تَمَّ في هذا العمل الأخير. ولا أرى ضيرًا في ذكر موضوعات الكتاب؛ لأنها تلقي ضوءًا ساطعًا على منهج الباحث، وتوضح الخطوط العريضة للمنهج البنيوي الذي يتبناه.

ص: 221

الرؤى المقنعة "نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي" البنية والرؤيا:

1-

مقدمة.

2-

تمهيد لدراسة الأطر التصويرية والمنهجية: فلاديمير بروب وبنية حكايات الروايات.

3-

الفصل الأول: أبعاد أولى للتحليل البنيوي.

القصيدة المفتاح:

4-

الفصل الثاني: الرؤية الشبقية: معلقة امرئ القيس.

5-

الفصل الثالث: البنية متعددة الشرائح ذات التيار وحيد البعد، عينية أبي ذؤيب: رعب اليقين.

6-

الفصل الرابع: البنية وحيدة الشريحة ذات التيار وحيد البعد.

امرئ القيس: عبثية الفعل ونعمة الإياب.

7-

الفصل الخامس: أن وأن لا:

1-

معلقة عنترة: شرخ البطولة والجريح.

2-

معلقة طرفة: السهم في لحظة الفزع.

8-

الفصل السادس: تأملات في المنابع التصويرية.

عينية أبي ذؤيب.

قصيدة أبي زبيد الطائي "

طول الخلود".

عميرة بن جعل "المفضلية 64".

9-

الفصل السابع: استجابات جذرية.

1-

الفصل الثامن: البنى المولدة ومفهوم التحولات I.

البنى المولدة ومفهوم التحولات II.

قصيدة المدح: اكتناه أولى.

ص: 222

11-

الفصل التاسع: البنية المضادة.

البنية المضادة I: بنية الحصار الزمني.

البنية المضادة II: القصيدة خارج الزمن.

البنية المضادة III: التجربة الانفجارية.

12-

الفصل العاشر: البنية والزمن.

زمن النص.

13-

الفصل الحادي عشر: آفاق للارتياد.

في مكونات النص: الصورة الشعرية.

14-

الفصل الثاني عشر: إشارات ختامية: النصوص المدروسة.

ملحق: الأصمعيات.

المفضليات.

الجمهرة، ديوان الأعشى.

أما المحاولة فهي محاولة لتأسيس نمط من البحث في الشعر الجاهلي، يمكن الوثوق بالنتائج التي يصلها علميًّا والاستناد إلى ما تبلوره من معطيات، وذلك بتوسيع نطاق المادة المدروسة وإخضاعها لمنهج يجمع بين العمل الإحصائي الشامل وبين العمل التحليلي الدقيق.

أما النتائج فكانت تجاوز الأحكام التقليدية التي نبعت من مادة محدودة جدًا لا تتجاوز في كثير من الأحيان المعلقات وعددًا من القصائد المشهورة للشعراء البارزين.

ومن النتائج أيضًا مفهوم البنى التوليدية وعملية التحولات التي تخضع لها، ومنها التصور الجديد لوجود دائرتين متعارضتين في الشعر الجاهلي هما: دائرة الثقافة المركزية والثقافة المضادة. ولكن أهم النتائج أحداثًا للمفاجأة، ففي الوهم الذي علق بأذهاننا قرونًا طوالًا عن طغيان الأطلال في الشعر الجاهلي. وكذلك أن ثَمَّة دلالات عقائدية "أيديولوجية" وفنية لورود مثل هذه النصوص في مجموعات معينة دون أخرى، ولدى بعض الشعراء دون غيرهم.

أما الدكتور عدنان حيدر فقد نشر دراسة في جزئين في مجلة Edebiyat the Mu'allaqa of Imru' al - Qays: Its Structure and Meaning في العدد

ص: 223

الثاني 1977، ص227-261، وفي العدد الثالث ص51-81، وهي محاولة بنيوية جادة.

وأما الباحث الثالث فهو Mary Catherine Balteson التي نشرت كتابًا بعنوان: Structural Continuity In Poetry: Alinguistic study of Five Mouton and Co the Hague، 1970.

وهي دراسة غلب عليها الجانب التاريخي والتقليدي، ولم تستطع الباحثة أن تنفذ إلى العمق، بل ظلت الدراسة أقرب إلى السطحية، وربما كان ذلك بسبب عدم فهم طبيعة العقلية العربية التي أنتجت هذا الشعر، والذي أدى إلى عدم فهم العلاقات داخل النص الشعري.

ص: 224