الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحرمة سريعة الزوال تعقبها حسرة وطول ندامة.
[العدو الرابع شياطين الإنس]
العدو الرابع: شياطين الإنس: وهم عصاة بني آدم الذين لعب بهم الشيطان، وصاروا يفعلون المنكر ويزينونه لمن يجالسهم، وطريق الخلاص من هذا العدو هو الحذر منه والبعد عنه وعدم مجالسته.
[ثالث عشر في الهدف السامي والحياة السعيدة]
ثالث عشر: في الهدف السامي والحياة السعيدة: والهدف السامي الذي وجه الله - سبحانه - عباده المسلمين إليه ليس هذه الحياة الدنيا وما فيها من المغريات الفانية، وإنما هو الاستعداد للمستقبل الحقيقي الخالد، وهو الحياة الآخرة بعد الموت، فيعمل المسلم الصادق في هذه الحياة باعتبار أنها وسيلة للحياة الآخرة ومزرعة لها، وليست غاية في ذاتها.
فهو يتذكر قول الله - تعالى -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وقوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ - وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 18 - 20] وقول الله - تعالى -: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8]
يتذكر المسلم الصادق هذه الآيات العظيمة وما ماثلها من كلام الله - تعالى - الذي يوجه به عباده للغاية التي خلقهم من أجلها، والمستقبل الذي ينتظرهم لا محالة، فيستعد لذلك المستقبل الحقيقي الخالد بإخلاص العبادة لله وحده، والعمل بما يرضه راجيا رضى الله عنه، وإكرامه له في هذه الحياة بطاعته وبعد الممات بإدخاله في دار كرامته، فيكرمه الله في هذه الحياة بأن يُحييه حياة طيبة، فيعيش في ولاية الله وحفظه، ينظر بنور الله، يؤدي العبادات التي أمره الله بها، فيتلذذ فيها بمناجاة الله - تعالى -، ويذكر الله في قلبه وبلسانه فيطمئن بذلك قلبه.
ويحسن إلى الناس بقوله وفعله، فيسمع من الكرام منهم من الاعتراف بإحسانه، والدعاء له ما يسره ويشرح صدره، ويرى من الحساد اللئام نكران جميله، فلا يمنع الإحسان إليهم؛ لأنه إنما يريد به وجه الله وثوابه، ويسمع ويرى من
الأشرار المبغضين للدين وأهله من الاستهزاء والأذى ما يذكره برسل الله، فيعلم أن هذا في سبيل الله فيزداد حبًّا للإسلام وثباتا عليه، ويعمل بيده في المكتب أو المزرعة أو المتجر أو المصنع؛ لينفع الإسلام والمسلمين بإنتاجه؛ وليحصل له الأجر من الله يوم يلقاه على إخلاصه ونيته الصالحة، وليتحصل على الكسب الطيب الذي ينفقه على نفسه وأسرته، ويتصدق منه فيعيش غني القلب، شريفا قانعا، يرجو الأجر من الله تعالى، لأن الله يحب المؤمن القوي المحترف، ويأكل ويشرب وينام بدون إسراف، لكي بتقوى بذلك على طاعة الله، ويعاشر زوجته لكي يعفها ويعف نفسه عما حرم الله، ولكي ينجب أولادا يعبدون الله، ويدعون له حيًّا وميتا فيستمر عمله الصالح، ويكثر بهم عدد المسلمين، فيحصل له بذلك الأجر من الله، ويشكر الله - تعالى - على كل نعمة تحصل له بالاستعانة بها على طاعته، والاعتراف بأنها من الله وحده، فيحصل له الأجر من الله، ويعلم أن ما يُصيبه أحيانا من الجوع والخوف والمرض والمصائب إنما هو اختبار من الله له، ليرى الله - وهو به
أعلم (1) - مدى صبره ورضاه بقدر الله - فيصبر ويرضى ويحمد الله تعالى - على كل حال رجاءً في ثوابه الذي أعده للصابرين، فتهون عليه المصيبة ويتقبلها، كما يتقبل المريض مرارة الدواء طمعا في الشفاء.
فإذا عاش المسلم في هذه الحياة كما أمره الله بهذه الروح العالية يعمل للمستقبل الحقيقي الخالد؛ ليسعد السعادة الخالدة التي لا تكدرها مكدرات هذه الحياة، ولا يقطعها الموت، فهو بلا شك السعيد في هذه الحياة الدنيا، والسعيد في الحياة الآخرة بعد الموت، قال الله - تعالى -:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83] وصدق الله العظيم حيث يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]
(1) يأمر الله عباده وينهاهم وهو يعلم من سيطيع ومن سيعصي قبل ذلك، ولكن لكي يظهر هذا العلم حتى يجازى العبد بعمله فلا يقول المسيء: ظلمني ربي حيث عاقبني بذنب لم أفعله، قال الله تعالى: وما ربك بظلام للعبيد.
في الآية الكريمة السابقة وما ماثلها يخبر الله - تعالى -: أنه يجازي الرجل الصالح والمرأة الصالحة اللذين يعملان في هذه الحياة بطاعة الله ابتغاء مرضاته بجزاء عاجل في هذه الحياة، وهو الحياة الطيبة السعيدة التي قدمنا ذكرها، وجزاء آجل بعد الموت، وهو نعيم الجنة الخالد، وفي هذا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«عجبا للمؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرا له» .
وبهذا يتبين أن في الإسلام وحده الفكر السليم، والمقياس الصحيح للحسن والقبيح والمنهاج الكامل العادل، وأن كل الآراء والنظريات في علم النفس والمجتمع والتربية والسياسة والاقتصاد، وكل النظم والمناهج البشرية يجب أن تصحح على ضوء الإسلام، وأن تُستمد منه، وإلا فمن المحال نجاح ما خالفه منها، بل إنها مصدر شقاء الآخذين بها في الدنيا والآخرة.