الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والواقع المشاهد ينفي تعدد الخالقين، فإن انتظام أمر العالم - سمائه وأرضه علوه وسفله - وإحكامه وإتقانه وارتباطه بعضه ببعض دليل على أن مدبره إله واحد جل وعز.
[توحيد الألوهية]
الثالث: توحيد الألوهية: وهو توحيد الله بأفعال العباد، بمعنى الإقرار بأن الله وحده الإله المستحق للعبادة دون سواه، وهذا معنى قول لا إله إلا الله، فمعنى هذه الشهادة العظيمة لا معبود بحق إلا الله، فالإله هو المألوه أي المعبود يقال: ألَه يألَه إلاهةً وألوهية، أي عَبَدَ يعبُد عبادة وعبودية " وقد اتفق على هذا علماء اللغة والشرع.
قال الجوهري في " الصحاح " مادة " أله ": " أله بالفتح إلَاهَةً، أي عبد عبادة ومنه قولنا " الله " وأصله إلاه، على فعال بمعنى مفعول، لأنه مألوه أي معبود، كقولنا: إمام، فعال بمعنى مفعول، لأنه مؤتم به، فلما أدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا، والتأليه: التعبيد، والتأله: التنسك والتعبد.
ونقل عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قوله في معنى " الله ": " الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين "، وقوله: " هو الذي يأله كل شيء ويعبده كل خلق، وروي عنه أيضا أنه قرأ:{وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف: 127](الأعراف الآية: 127)، بكسر الهمزة أي وعبادتك وكان يقول: إن فرعون كان يُعبد في الأرض، ونقل مثل هذا عن مجاهد وغيرهما.
وهذا التوحيد هو أول دعوة الرسل، وأول واجب على المكلف، ولأجله خلق الله الجن والإنس، وأرسل رسله، وأنزل كتبه، وهو الذي وقع النزاع فيه بين الرسل وأقوامهم، وبه افترق الناس إلى مؤمن وكافر، وسعيد وشقي.
قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56](الذاريات الآية: 56)، وقال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23](الإسراء الآية: 23)، وقال:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5](البينة الآية: 5) .
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: " إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» .
وفي الصحيحين عن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله» .
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36](النحل الآية: 36)، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25](الأنبياء الآية: 25) .
وذكر الله عن رسله نوح وهود وصالح وغيرهم أنهم قالوا لقومهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]
(الأعراف الآية: 59، 65، 73) .
وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: 13](الشورى الآية: 13) .
فأمر الرسل بإقامة الدين وأن لا يتفرقوا فيه، ودين الرسل واحد كما قال صلى الله عليه وسلم:«الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد» رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة (1) فأصل دينهم واحد وهو الإسلام وإن اختلفت فروع الشرائع.
والإسلام بمعناه العام هو الاستسلام لله وحده بعبادته وحده دون سواه، وجميع الأنبياء على دين الإسلام بهذا المعنى قال تعالى عن نوح {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72] (يونس الآية: 72) .
وقال عن إبراهيم ويعقوب: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ - إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ - وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 130 - 132](البقرة الآية: 130 - 132) .
وقال في خبر عيسى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111](المائدة الآية: 111) .
(1) العلات جمع علة، وهي الضرة، وأصله أن الذي تزوج أخرى بعد أولى قبلها ناهل ثم علَّ من هذه، وإنما سميت علة لأنها تعل بعد صاحبتها من العلل، والعلل الشرب الثاني أو الشرب بعد الشرب والنهل الشرب الأول، بنو العلات: بنو رجل واحد من نسوة شتى.
وقال فيمن تقدم من الأنبياء: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} [المائدة: 44](المائدة الآية: 44) .
فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده بعبادته وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر.
وهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره، وذلك إنما يكون بأن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت، فإذا أمر في أول الأمر باستقبال الصخرة، ثم أمر ثانيا باستقبال الكعبة، كان كل من الفعلين حين أمر به داخلا في دين الإسلام، فالدين هو الطاعة والعبادة له في الفعلين وإنما تنوع بعض صور الفعل، وهو وجهة المصلي، فكذلك الرسل دينهم واحد، وإن تنوعت الشرعة والمنهج، فإن ذلك لا يمنع أن يكون الدين واحدا، كما لم يمنع ذلك في شريعة الرسول الواحد.
والله تعالى جعل من دين الرسل أن أولهم يبشر بآخرهم ويؤمن به، وآخرهم يصدق بأولهم ويؤمن به قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81](آل عمران الآية: 81) .
أخرج ابن جرير الطبري عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا: «لم يبعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه» .