الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» .
[مراتب الإيمان بالقدر]
والإيمان بالقدر يشتمل على أربع مراتب:
المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء من الموجودات والمعدومات، وأنه تعالى قد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم، وعلم جميع أحوالهم وأعمالهم من الأرزاق والآجال والطاعات والمعاصي وغيرها.
* المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله كتب ذلك في اللوح المحفوظ.
ومن الأدلة على هاتين المرتبتين قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70](الحج الآية 70) .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء» .
وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلا فالأول تقدير عام لجميع المخلوقات وهو المكتوب في اللوح المحفوظ، والثاني خاص مفصل للعام وهو ثلاثة تقادير:
1 -
التقدير العمري: عند تخليق النطفة في الرحم، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيد» .
2 -
التقدير الحولي: في ليلة القدر، إذ يقدر فيها ما يكون في السنة من أمور ووقائع، قال تعالى:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4](الدخان الآية: 4) .
3 -
التقدير اليومي: وهو ما يقدر من حوادث اليوم من حياة وموت وعز وذل وغير ذلك، قال تعالى:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29](الرحمن الآية: 29) .
المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه، فلا يكون في ملكه إلا ما يريد وهو على كل شيء قدير، قال تعالى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68](القصص الآية: 68)، وقال:{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107](هود الآية: 107)، وقال:{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20](البقرة الآية: 20) .
ولكن الإرادة نوعان:
1 -
إرادة كونية قدرية: وهي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث، ولا يلزم منها المحبة والرضا، كقوله تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125](الأنعام الآية: 125) .
2 -
إرادة دينية شرعية: تتضمن المحبة والرضا كما في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185](البقرة الآية: 185) ، فإذا وقعت الطاعة فقد أرادها الله إرادة كونية بمعنى قدرها وشاءها، وأرادها إرادة شرعية بمعنى أنه يحبها ويرضاها، وإذا وقعت المعصية فقد أرادها سبحانه إرادة كونية، وإلا فهو يبغضها ولا يرضاها.
المرتبة الرابعة: الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، فما سواه مخلوق، والله خالقه وخالق فعله وحركته وسكونه، لا خالق غيره، ولا رب سواه، قال سبحانه:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62](الزمر الآية: 62) .
وقال عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96](الصافات الآية: 96) .
والعباد فاعلون حقيقة ولهم قدرة وإرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، قال تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ - وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28 - 29](التكوير الآية: 28 - 29) .
فأثبت سبحانه لهم مشيئة، ولكنها لا تنفذ إلا أن يشاء الله.
ولأن للعباد قدرة ومشيئة كلفوا، وأرسلت لهم الرسل، وأنزلت الكتب، وبهذا يحصل البيان وتقوم الحجة، وعلى أعمالهم يثابون ويعاقبون ولهذا وجب على العبد الإيمان بقدر الله والامتثال لشرعه وسؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم، كما ينبغي اتخاذ الأسباب لجلب ما ينفع ودفع ما يضر في سائر أمور الدنيا والآخرة، مع التوكل على الله، وسؤاله التوفيق والتيسير في تحقيق المرغوب، ودفع المكروه، وإذا نفعت الأسباب حمد الله وشكره، وإذا لم تنفع اطمأن لأنه بذل ما يقدر عليه، وصبر واحتسب الأجر
وسأل الله العوض.
قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286](البقرة الآية: 286) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» ، رواه البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» رواه مسلم.